في القديم كان الأطفال يجتمعون بعد تناول الغداء على طاولةٍ واحدة ليدوسوا، وكانت الأم تجلس بينهم لمتابعتهم، حتى وإن كانت لا تُجيد القراءة والكتابة، وكان على الأخ الأكبر أن يُساعد الأخ الأصغر. في ظلّ التعليم والتعلّم عن بُعد نحن نحتاج إلى إحياء تلك العادات، وأن يجتمع الأطفال حول الحاسوب، إذا لم يكن لديهم سوى جهاز زاحد فقط، لمساعدة بعضهم البعض ولإتمام عملهم معًا في وقتٍ واحد.
وانطلاقًا من ذلك يمكن القول أنّ هذه التجربة الجديدة هي فرصة مناسبة لتدريب الأطفال على التنظيم Organization والتخطيط Planning. والتنظيم هو تقسيم نشاط الدرس من خلال التنسيق بين الأطفال، وذلك بعد التعرّف على واجبات ومهام كلّ طفل. ويُقلّل التنسيق من فرص التعارض.
والسؤال الذي يُطرح في هذا الصدد: كيف يمكن تنظيم هذه المهمّة؟
تكمن الإجابة في النقاط الآتية:
- أن يحدّد المتعلّم بوضوح ما عليه القيام به ومتى يجب أن يقوم به وأن يُنهيه.
- أن يُصمّم مخطّطًا أو جدولاً للمساعدة في قياس إنتاجيّته بمرور الوقت.
- أن يصمّم مخطّطًا للأسبوع.
- أن يُحدّد قائمة بالمهام لتذكيره بما يجب أن يُنجزه في اليوم.
- أن يُرتّب أولويّاته.
- أن يُحدّد المدّة الزمنيّة المناسبة لإنجاز كلّ مهمّة.
- أن يكون مرنًا في تحديد الوقت.
من هنا يقع على الأهل في بداية الأمر مسؤوليّة التنسيق بين الأبناء وتدريب الأخ الأكبر على القيام بهذه المهمّة تدريجيًّا، ومنحه بعض المسؤوليّة والسّلطة لإدارة هذا الأمر على نحوٍ فعّال.
أمّا فيما يتعلّق بالتخطيط، فعلى الأهل تدريب الأبناء على تحديد أنواع الأنشطة والأعمال التي ينبغي تنفيذها على الحاسوب وتلك التي يمكنهم تنفيذها من دونه، إفساح المجال أمام الجميع لاستخدامه.
إنّ تدريب الأبناء على التنظيم والتخطيط يُساعد في تحمّلهما المسؤوليّة أثناء غياب الأهل، إضافةً إلى ضرورة العمل على تنمية حسّ المسؤوليّة والاعتماد على النّفس وهي جميعها مبادئ تربويّة مهمّة في تربية الأبناء، إلا أنّ الكثير من الأمّهات لا يستطعن أن يمنعوا أنفسهم عن التدخّل في شؤون الأطفال، والمشاركة معهم في قضاء حاجيّاتهم ولا يتركن لهم الفرصة لممارسة حياتهم بأنفسهم، وكلّ هذه الأمور تعوقهم عن أداء أدوارهم وتسلبهم فرصة الاعتماد على النفس. وها قد حان الأوان لتحقيق ذلك خاصّةً وأنّ الطفل يُصبح مؤهّلاً لتحمّل المسؤوليّة ببلوغ عامه الثالث. وفي هذا السّياق أقول للآباء: "إذا أردتم أن يعتمد أبناؤكم على أنفسهم فجرّبوا أن تعتمدوا عليهم".
ويُمكن دعم سلوكيّاتهم بالتعزيز Reinforcement لا سيّما اللفظي verbal reinforces أو المادي البسيط Tangible reinforces دون المبالغة لكي لا يُصبح الطفل ماديًّا واستغلاليًّا.
ولضمان سير العمليّة التعليميّة- التعلّميّة بشكلٍ مناسب لا بدّ من توفير الجوّ الملائم خلال فترة التعلّم عن بعد، لذا أنصح باتّباع الآتي:
- عدم مشاركة المتعلّم في الصفوف الافتراضيّة من السرير.
- الاستعداد قبل بدء الصف بتناول الفطور وارتداء الملابس المناسبة.
- الجلوس في مكان جيّد الاضاءة والتهوية وهادئ.
- عدم مشاركة الراشدين الصّفوف مع الأبناء من خلال الجلوس إلى جانبهم والإجابة عنهم.
وأخيرًا، يُشكّل التعليم تحدّيًا حقيقيًّا لكلّ من المعلّم والأسرة على حدّ سواء، ولكن دعونا نعتبر هذه الأزمة بكلّ تحدّيّاتها فرصة لتطوير مهارات أبنائنا بدلاً من الاستسلام لها، وجميعنا قادرٌ على ذلك.
بقلم بروفيسور رشا عمر تدمري
أستاذة علم النّفس التربوي في الجامعة اللّبنانيّة