ردًّا على ما تضمّنه المقال المنشور على موقع ليبانون ديبايت يوم الجمعة الواقع فيه 5 حزيران 2020 والذي يحمل عنوان: « وزارة تربية أم جهاز أمني؟»، يعرض المركز التربوي للبحوث والإنماء حيثيّات الموضوع والأسباب الموجبة له، والتحديّات والحلول للوضع الراهن مستندًا الى الأحكام القانونيّة والتنظيميّة التي تجيز إصدار القرار رقم 609/2020.
أوّلًا : في الحيثيّات
1- لما كان المركز التربوي للبحوث الإنماء، مؤسّسة عامّة منشأة في وزارة التربية والتعليم العالي، يُعنى بالشؤون التربوية العامّة، وعلى الأخص إبداء الرأي بالمنشورات والوسائل التربوية واقتراح المناسب بشأنها في كلّ ما يتعلق بالمناهج التربوية الرسمية والرديفة، والأنشطة اللاّصفيّة، وتدريب أفراد الهيئة التعليمية، والأبحاث والإحصاءات التربوية، ووضع الخطط التربوية، وتحديد مواصفات الأبنية والتجهيزات المدرسية، وتحديد مواصفات المرشحين للعمل في جميع مراحل التعليم وحقوله باستثناء التعليم الجامعي وغيرها من المهام التي أولاه إيّاها القانون، وذلك وفقًا للدستور والقوانين التي ترعى هذا الموضوع، لتحريك الركود التربوي وتحسين نوعيّة التعليم في لبنان،
2- ترتكز مواقف المركز التربويّ إلى الثوابت والأهداف التربويّة التي تحقق المصلحة الوطنيّة العليا. وتتمحور مواقفه انطلاقًا من حرصه على المواضيع التربويّة بشكل عام وعلى تطبيق المناهج التعليميّة بجميع مكوناتها وأبعادها في المدارس الرسميّة والخاصة، ومع المعنيين من معلّمين، ومتعلّمين وأهل وإداريين.
3- تستند قرارات المركز التربوي إلى الوقائع والمنطلقات العلميّة المتوفّرة، كما تأخد بعين الاعتبار آراء جميع المعنيّين بالشأن التربويّ وهواجسهم. وتصدر جميع مواقفه بعد دراسة الواقع بأبعاده كافة، وتحليله واستشراف مجريات الأمور وتطوّرها، ووضع السيناريوهات الممكنة، وتقديم الاقتراح الأنسب والأسلم.
4- يعتبر المركز التربوي أن المقومّات الأساسية لانطلاق عامٍ دراسيّ جديدٍ غير متوفّرة في مجريات الوقت الحالي، وعليه يستحيل انطلاقه ما لم تعمل الوزارات والمؤسسات والأجهزة المعنية معًا، كلٌّ بحسب مهامه، على توفير البيئة المؤاتية لذلك.
5- ينطلق المركز التربوي من مسلّمات ومبادئ ذات وجه نفسيّ-إجتماعيّ-تربويّ وتتعلٌق بـِ:
- صحّة المتعلّمين والمعلّمين النّفسيّة والجسديّة،
- مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص،
- مبدأ الإتاحة ووصول المعلومة في الوقت الّلازم للجميع،
- الحرص على مستوى الشّهادة الرسميّة ومستوى التّعليم في لبنان،
- اعتبار أن بداية العام الدراسي تتطلّب العودة الآمنة إلى المدارس، كما تتطلّب دعمًا نفسيًّا اجتماعيًّا للمعلّم والمتعلّم.
6- يُعتبر كل ما يتم إنجازه وتحقيقه في إطار خطة الاستجابة لمبادرة التعلّم عن بعد، جزءًا لا يتجزّأ من مشروع تطوير مناهج التعليم العام الذي يعمل المركز عليه.
ثانيًا : في الأسباب الموجبة
1- بعد زيارة رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الدكتورة ندى عويجان فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، بتاريخ 14 أيّار 2020، لإطّلاعه على وضع المركز التربوي وأهمّ تحديات الوضع الراهن والإجراءات التربويّة التي يجب اتّخاذها في ظلّ الظروف الحالية للتحضّر للاستعداد لبداية العام الدراسي المقبل في حال استمر الوضع على ما هو عليه، واقتراح إنشاء المدرسة الافتراضيّة الأولى في لبنان،
2- وبعد إرسال كتاب الى معالي وزير التربية والتعليم العالي بتاريخ 18 أيّار 2020، لإعلامه برأي المركز التربوي حول الوضع التربويّ العام وإجراء تقييم عام لمبادرة التعلّم عن بُعد، والإشارة الى أهمّ التحديات التي يعاني منها القطاع، وإبالإجراءات التربويّة الممكن اعتمادها في ظلّ الظروف الحاضرة من خلال عناوين خطةٍ يمكن مناقشتها مع معاليه، تتعلّق بالممارسات الممكن تطبيقها في الأشهر القادمة في حال استمرّ وضع الحجر، واقتراح إنشاء المدرسة الافتراضيّة الأولى في لبنان، بحيث تكون مدرسة نموذجيّة، تعمل بإشراف المركز التربويّ للبحوث والإنماء، تتمّ مأسستها وتُنشأ مراكز نفاذ لها، وتعمَّم في وقتٍ لاحق. وبعد إعلام معاليه أنّ المركز التربوي يعمل على مجموعة من الخطط في هذا الإطار،
3- وبعد أن كان المركز التربوي، وبحكم موقعه الرسمي، قد أرسل الى معالي وزير التربية في الفترة المنصرمة اقتراحات عديدة حول الامتحانات الرسميّة ومصير العام الدراسي 2019-2020،
4- وبعد أن قام المسؤولون والمعنييّون في قطاعات الدولة كافة، مشكورين، بجهود جبّارة، بالرغم من التحديات على أنواعها، لتمرّ هذه الأزمة العالميّة بأقلّ ضررٍ ممكنٍ، من جميع النواحي،
5- وبعد أن خسر الجميع، لا سيّما المتعلّمون، عامهم الدراسيّ بسبب عدم جهوزيّة القطاع لهذه الأزمة،
6- وللحؤول دون خسارة عام دراسي آخر، تطال على المدى القريب أكثر من نصف المجتمع اللبناني (حوالي 1,1 مليون متعلّم 1,1 مليون أم وأب، 100 ألف معلّم، 2860 مدرسة)، وعلى المديين المتوسّط والبعيد جميع قطاعات الدولة،
7- واستكمالًا لمشروع التعلّم عن بعد الذي أطلق بتاريخ 25 آذار 2020،
كان لا بدّ للمركز التربوي للبحوث والإنماء، أن يقوم بدوره التربوي كالمعتاد للإعداد، مع المعنيين، للعام الدراسي المقبل، ووضع إمكانياته وقدراته كاملةً في خدمة القضيّة التربويّة.
فشكرًا للمركز التربوي ولجميع العاملين فيه على هذه المبادرة في تحمّل المسؤولية الوطنية.
ثالثًا : تحديات وحلول:
1- تقييم عام لمبادرة التعلّم عن بعد
نجحت تجربة التعلّم عن بُعد الى حدّ ما؛ فقد تفاوتت فعاليّتها وأهميّتها بحسب المدارس ومقوّماتها، وبحسب المعلّمين وقدراتهم، والمتعلّمين ومشاركتهم الفاعلة، خاصة وأنها ارتكزت، في المرحلة الفائتة على نمط وحيد، هو الصفوف المتزامنة. وقد واجهت مبادرة التعلّم عن بعد تحديّات عديدة تمحورت في معظمها حول الجهوزيّة، وتوفّر المحتوى الرقمي، والبنى التحتيّة الّلازمة والتجهيزات (كمبيوتر، IPads، وغيرها ...)، وكلفة الانترنت، وتوفر التيار الكهربائي وغيرها، إضافة الى الأوضاع الإجتماعيّة والإقتصاديّة الضاغطة التي أثّرت على مستوى التركيز والأداء عند كل من المتعلّم والمعلّم، وعدمِ وجود إطار قانوني للإعتراف بالنتائج المدرسيّة المبنيّة على هذه المقاربة.
إنطلاقًا مما تقدّم، لا بد من فهم واقع التعلّم عن بعد في لبنان وتحدياته بشكلٍ عام، وفي ظل أزمة كورونا بشكلٍ خاص، ووضع رؤية مستقبلية قريبة ومتوسطة الأمد في ما يتعلّق بالبدء بعام دراسي جديد.
2- العام الدراسي المقبل ودعم التعلّم عن بعد
أ- في بداية الأمر، نعتقد أنه من الضروري، وحرصًا على العام الدراسيّ المقبل، ايجاد الحلول الممكنة لدعم الأقساط المدرسيّة للعام الدراسيّ المنصرم 2019-2020 لتتمكّن المدارس المتعثّرة (والتي أصبحت كثيرة)، من دفع جزء أكبر من رواتب المعلمين لديها، حيث سيؤثر غياب هذا الّدعم سلبًا على استمرارية العديد من المدارس التي يمكن أن تواجه خطر الإقفال، وخسارة مجموعة كبيرة من المعلّمين وظائفهم وبالتالي زيادة مستوى الفقر في لبنان.
ب- إضافة الى ذلك، نعتقد أنّه من الضروري التنبّه والتحضّر لأزمة تربويّة يمكن أن تشهدها المدارس الرسميّة في بداية العام المقبل، بسبب انتقال الكثيرين من المتعلمين من القطاع الخاص إلى القطاع الرسمي، نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام، ما يحتم وضع استراتيجية لزيادة عدد المقاعد المدرسيّة.
ج- أمّا في ما يتعلّق بموضوع التعلّم عن بعد، فمن المفترض، في مرحلة أولى، الاستفادة مما تم انشاؤه من منصاتٍ الكترونيّةٍ، وإنتاجه من موارد تربويّةٍ حتى الآن، بهدف تطويره وتوحيد الجهود للعمل على توزيعٍ عادلٍ ومتكافئ على جميع المعلّمين والمتعلمين، وتعزيز التعليم المدمج Blended Learning، المقاربة الأنسب، لما له من انعكاسات إيجابية على انجاح عملية التعليم والتعلّم، وتحقيق الأهداف التربوية للوصول الى جميع المتعلّمين على اختلاف ذكاءاتهم ، وأنماط تعلّمهم وسرعته. كل ذلك، من خلال استراتيجيّات تعليم وتعلّم متعددة، إلكترونية وغير إلكترونية، تؤمّن السياقيّة، والمرونة، وإمكانيّة الوصول إلى المعلومة وتنوّع التفاعلات وتحقق المصلحة الوطنيّة العليا.
د- بحسب رأي المركز التربوي، ترتبط طبيعة العودة الى المدرسة (بشكلٍ كاملٍ أو جزئي أو تدريجيّ) في العام الدراسي المقبل بانتهاء أزمة كورونا؛ لذلك، ينبغي الاستعداد لجميع الإحتمالات.
ه- يعمل المركز التربوي حاليًّا على أنشطة مرتبطة بالعودة الى المدرسة وهي كالآتي:
- العمل على تعزيز منصة مبادرة التعلّم الرقمي dl.crdp.org (منصة رسميّة مجانيّة للمدارس الرسميّة والخاصة)، موجّهة للمتعلمين والمعلّمين والأهل وكل من يرغب)، تؤمّن بيئة إلكترونيّة آمنة للتعلّم عن بعد، وتعتبر الحل الكامل والمتكامل من خلال وسائل تعليميّة خمس: المكتبة الرقميّة، الدروس الإلكترونيّة المسجّلة، الصفوف الإفتراضيّة، إدارة التعلّم ومتابعة الواجبات، ومنصة التعلّم التشاركي والتعاوني ،
- تحديد المواضيع والكفايات الإنتقاليّة المستمرّة من السنة السابقة، التي تشكّل المتطلبات المسبقة (prerequisites) في المواد التعليميّة في الصفوف اللاحقة، وتحضير موارد تربويّة خاصة بها،
- وضع برنامج دعم نفس-اجتماعي موجه للمتعلّم والمعلّم والأهل ولجميع الحلقات التعليميّة،
- إعداد المدربين للتدريب عن بعد، ليتمكنوا من تدريب المتعلّمين والمعلّمين والأهل على خصائص التعلّم عن بعد ومقارباته:
- وضع الأسس العامة للتعلّم عن بعد بجميع أنواعه،
- وضع الأسس العامة للصف التفاعلي،
- إجراء الأبحاث الميدانيّة عن بعد بحسب الحاجة،
- وضع اقتراح لإنشاء أوّل مدرسة إفتراضية في لبنان، في هيكليّة المركز التربوي (المدرسة الافتراضيّة هي مؤسسة تربويّة كغيرها من المدارس، تعتمد على بيئة رقميّة متكاملة، وتعمل عن بعد لجهة الآليات الإداريّة، والتعلّم الرقميّ والاعتماد الأكاديمي).
- غيرها من الأمور التربويّة ذات الصلة.
لضمان نجاح كل ما تقدّم، وكما سبق وذكرنا في مقالات سابقة، من المفترض العمل على تعزيز مقاربة التّعليم والتّعلّم عن بُعد، لهذا العام وللاعوامالمقبلة، من خلال توحيد الجهود بين جميع الوزارات والمؤسسات العامة والأجهزة المعنية، والمؤسسات والمنظّمات الداعمة والمموّلة، في مرحلة لاحقة، من خلال:
- تأمين الانترنت المجاني على مدار السنة للمواقع التعليمية (Whitelisting) من طريق وزارة الاتصالات ،
- تأمين عدالة التوزيع من طريق توفير أجهزة الكترونيّة (كمبيوتر، IPads) لأطفال العائلات المتعثّرة، عبر التمويل الدولي المتوافر،
- تأمين موارد تربويّة مستمرة على منصّة مبادرة التعلّم الرقمي (منصّة تربويّة رسميّة مفتوحة)،
- دعم بعض مدارس القطاع الخاص المتعثرة (الأقساط المدرسية، إشتراكات الإنترنت، التجهيزات الالكترونية للمعلّمين والمتعلّمين وغيرها من المستلزمات)،
- تدريب المتعلّمين وذويهم والمعلّمين والعاملين في القطاع التربوي،
- قوننة التعلّم عن بعد، ضمن الأزمة، لتتمكن المدارس من اعتماده؛ وبعد الأزمة ضمن معايير تربوية محددة يضعها المركز التربوي بالانسجام مع المناهج التربوية،
- تعديل القوانين، واستصدار المراسيم التطبيقيّة اللازمة المتعلقة باستحداث وتشغيل المدرسة الافتراضية اللبنانية المركزيّة Central Lebanese Virtual School في هيكليّة المركز التربوي للبحوث والإنماء.
كما يمكن إشراك المنظمات الدولية والجهات المانحة لدعم التعلّم عن بعد واستخدام جزء من التّمويل المتوفر في إطار بعض المشاريع التربويّة، بهدف دعم منصة المركز التربوي للتعلّم عن بعد، وتقديم برامج متخصّصة وموارد تربويّة، وتجهيزات ذات تكلفة معقولة للمتعلّمين والمعلّمين والمدارس، في القطاعين الرّسمي والخاصّ، تسمح للجميع اعتماد هذا النّوع من التعلّم والتّعليم، وتأمين المستلزمات التكنولوجية اللازمة (التي سبق ذكرها).
رابعًا : الأحكام القانونية والتنظيمية :
لتحقيق المهام المشار إليها أعلاه، تمّ إصدار القرار رقم 609/2020 تاريخ 1/6/2020 بعد التشاور مع المعنيّيني بهذا الشأن في وزارة الداخليّة، وسندًا للنصوص القانونية والتنظيمية الآتية:
1- المرسوم رقم 6198 تاريخ 15/3/2020 (إعلان التعبئة العامة) نصّ في الفقرة الأولى من البند -5- من المادة الأولى منه على أن تقفل المؤسسات العامة ويستثنى منها ما تقتضيه ضرورات العمل في المؤسسة العامة وفقًا لآليّة تصدر بموجب قرار عن السلطة صاحبة الصلاحية.
2- القرار الصادر عن مجلس الأخصائيين في المركز بموجب الجلسة رقم 16/99 تاريخ 13/7/1999 المتعلق بتحديد دوام العمل في المركز وتفويض رئيس المركز تحديد دوام خاص للعاملين في المركز، وفقًا لمقتضيات العمل وطبيعته، واستصدار القرار التنفيذي اللّازم.
مع الإشارة إلى أن المركز التربوي قد اتخذ جميع الإجراءات الوقائيّة اللّازمة والموصى بها من قبل مجلس الوزراء بهذا الشأن.
بناءً على ما تقدمّ، وكي نتمكّن من الدخول الى عام دراسي آمن تربويًا ونفسيًا وصحيًا، لا بدّ من تحمّل المسؤوليّة، والتعاون وتوحيد الجهود، كلٌّ بحسب موقعه، في سبيل المصلحة الوطنيّة العليا.
"بالتربية نبني معًا"
5-6-2020