مسارات التحصيل التعلّمي في لبنان من خلال الملاءمة بين هيكليتي التعليم العام والتعليم المهني والتقني والفرص المتاحة للانتقال من تعليم إلى آخر وبالعكس

د. نديم الشوباصي رئيس قسم التعليم المهني والتقني المركز التربوي للبحوث والإنماء

 

نحاول في هذا البحث أن نقوم بدراسة هادئة ومعمّقة للهيكلية التربوية لجهة موقع التعليم المهني والتقني على الخريطة التربوية في لبنان، لكن وقبل الخوض في الموضوع لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط الأساسية التالية:

  1. في شهر حزيران سنة ٢٠٠٠ وضعت وزارة التعليم المهني والتقني هيكلية جديدة للتعليم المهني والتقني(1) مستوحاة من الهيكلية الجديدة للتعليم، تناولت شهادات التعليم المهني ومستوياتها ومساراتها. بشكل دقيق وواضح. لكن، حتى تاريخ كتابة هذا البحث لم تنفذ هذه الهيكلية على الرغم من أهميتها ومواكبتها للتطور التربوي في العصر الحديث.
  2. اشترطت الهيكلية تطبيق التعليم المجزأ في جميع مراحل التعليم المهني والتقني وحقوله، لكن هذا النوع المتطور في الإعداد والتعليم لم يبادر التعليم المهني والتقني إلى اتّبِاعه.
  3. في شهر آذار العام ٢٠٠٤ أنهت ''مجموعة استشاريّي التخطيط والأبحاث الإدارية'' دراستي ''متابعة الطلاب والمتخرجين'' و''تقييم حاجات سوق العمل''، وسلّمتهما إلى الوزارة بهذا التاريخ وقد تكلفت الدولة مبالغ طائلة لإنجازهما. ولم يباشر حتى تاريخه بالاطلاع على هاتين الدراستين كما لم يتسلم المركز التربوي للبحوث والإنماء المعني الأول بهذه الدراسات نسخة عنهما. هذا مع العلم أن مثل هذه الدراسات يبطل مفعولها ولا يمكن الافادة منها بعد أن تمضي عليها سنة أو سنتان على الأكثر بسبب سوق العمل المتحرك والمتغير ووضع الطلاب والمتخرجين القابل أيضا للتعديل والتغيير في كل عام.

في ضوء هذه الأمور، وبصرف النظر عن طريقة تعاطي الإدارة بجدية لتنفيذ هذه الدراسات حتى لا تبقى حبراً على ورق نجد من المفيد أن مسارات التحصيل من خلال ملاءمة هيكلية التعليم العام لهيكلية التعليم المهني والتقني، والفرص المتاحة للانتقال من تعليم إلى آخر وبالعكس.
بتاريخ 25/10/1995  أقر مجلس الوزراء "الهيكلية الجديدة للتعليم في لبنان" التي أعدّهًا المركز التربوي للبحوث والإنماء وشاركت في إعدادها، إلى جانب العديد من الخبراء المحليين والدوليين وزارة التعليم المهني والتقني (آنذاك) لا سيما فيما يتعلق بالأجزاء المتعلقة باهتمامات الوزارة والمهام المنوطة بها.
وقد حرص المركز التربوي في أثناء إعداد هذه الهيكلية على أن يشترك في إعدادها أكبر عدد من المسؤولين في قطاعي التعليم الرسمي والخاص بالإضافة إلى الخبراء التربويين من لبنان والمنظمات الدولية. لذلك فإن هذه الهيكلية ليست مشروع المركز التربوي إلا من حيث المرجعية، وفي الواقع هي مشروع وطني تم الاتفاق عليه بمشاركة أكبر عدد ممكن من أصحاب الشأن.
وقبل عرض ما ورد في الهيكلية عن التعليم المهني والتقني لا بد من الإشارة إلى أن الهيكلية الجديدة للتعليم في لبنان لم تخُض في تفاصيل السلّم التعليمي العائد إلى التعليم المهني والتقني ولم تخرج عن الدراسات والتوجهات التي كانت متداولة بين خبراء التعليم المهني والتقني لا سيما ما يتعلق منها باعتماد النظام المجزأ والنظام المزدوج، وعلاقة شهادة الثانوية التقنية بشهادة الثانوية المهنية - نظام مزدوج - كما تركت الهيكلية إلى وقت لاحق أمر رسم التفاصيل للسلم التعليمي الكامل الخاص بالتعليم المهني والتقني.

وفي نطاق التعليم المهني والتقني حرصت الهيكلية على ألاّ يتحول التلميذ اللبناني إلى هذا النوع من التعليم قبل إكماله المرحلة الابتدائية من التعليم الأساسي أي الثانية عشرة من عمره وهي سن الإلزام. وقد عدل القانون رقم ٦٨٦ تاريخ 16/3/1998 المادة ٤٩ من المرسوم الاشتراعي رقم ١٣٤ تاريخ  12/6/1959 فجعل التعليم مجانياً وإلزامياً في المرحلة الابتدائية الأولى (التعليم حق لكل لبناني في سن الدراسة الابتدائية) على أن تحدد شروط تنظيم هذا التعليم المجاني والإلزامي بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. كما عُدّل القانون 536 تاريخ 24/7/1996 المواد ٢١ و٢٢ و ٢٣ من قانون العمل اللبناني، فرفع الحد الأدنى لسن تشغيل الأطفال إلى ١٣ سنة. كما حرصت الهيكلية على ربط التعليم العام بالتعليم المهني والتقني بصورة عضوية بحيث يتمكن التلميذ من تصحيح مساره التعليمي بالانتقال من أحد نوعي التعليم إلى الآخر وفي كلا الاتجاهين وليس في اتجاه التعليم المهني والتقني وحده كما هو معمول به في الوقت الحاضر.

كذلك حرصت الهيكلية على تحسين نوعية التعليم المهني والتقني من خلال تضمين مناهجه للقيم والمواقف والمعارف والمهارات والتركيز على اكتسابها باعتماد التكنولوجيا الحديثة.

مضمون الهيكلية الجديدة للتعليم

تلحظ الهيكلية الجديدة ثلاثة أنواع من التعليم:

  • التعليم العام
  • التعليم المهني والتقني
  • التعليم المختص

ولكنها في الواقع لم تعالج إلاّ نوعين فقط تاركة دراسة التعليم المختص للموهوبين والمعوقين إلى وقت لاحق لمعالجته بعمق مع وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية (NGO) .
يبدأ التعليم العام بمرحلة الروضة، وتمثل المرحلتان الابتدائية والمتوسطة بنية التعليم الأساسي الذي يرتكز عليه التعليم الثانوي بنوعيه العام والتقني.
تعتبر الهيكلية الجديدة مراحل الروضة والابتدائي والمتوسط جذعاً تربوياً مشتركاً يخضع التلميذ في نهايته إلى امتحان رسمي يؤدي إلى حيازة شهادة التعليم الأساسي التي تمكن حاملها من اختيار اتجاهه في التعليم الثانوي ما بين العام أو المهني والتقني.
وفي نهاية المرحلة الثانوية (التعليم العام أو التعليم المهني والتقني) يخضع التلميذ إلى امتحانات رسمية ينال الناجح بنتيجتها الشهادة الثانوية (البكالوريا سابقاً) في الاختصاص الذي يختاره. هذه الشهادة تؤهل حاملها للدخول إلى سوق العمل أو لمتابعة الدراسة في كليات الجامعات أو في المعاهد الجامعية التكنولوجية أو في المعاهد الفنية.
وتلحظ الهيكلية أيضاً إلى جانب هذا المسار النظامي مساراً غير نظامي يتناول التدريب على المهن الموضوعة في سوق العمل، وذلك للتلاميذ الذين أنهوا المرحلة الابتدائية ويرغبون في اكتساب مهنة في وقت مبكر.
الجدير بالذكر أن الهيكلية الجديدة تهدف إلى إعطاء مرونة وتفاعل أكثر بين التعليم العام والتعليم المهني والتقني عن طريق إقامة الجسور والروابط المشتركة بينهما والتي ينتظر بلورتها وتقييمها عند وضع تفاصيل المناهج والمواد التعليمية. كما أنها تسمح بالتحرك بين التعليم العام والتعليم المهني والتقني بسهولة على امتداد السلم التعليمي بدءاً من المرحلة الثانوية.

التعليم المهني والتقني في ظل السلّم التعليمي الجديد
أولاً: المرحلة الثانوية
وكما سبقت الإشارة فقد صنفت الهيكلية الجديدة مرحلة التعليم الثانوي في فئتين:
المرحلة الثانوية العامة بفروعها الأربعة التالية:

  • آداب وإنسانيات
  • اجتماع واقتصاد
  • علوم عامة
  • علوم الحياة

المرحلة الثانوية التقنية، وتتضمن حقول:

  • الزراعة
  • الصناعة
  • الخدمات

سميت هذه المرحلة بالثانوية التقنية تكريساً لموقع شهادة البكالوريا الفنية حالياً (التي سميت بالثانوية التقنية) كإحدى شهادات التعليم الثانوي، كذلك وضعت الشهادة الثانوية المهنية (SD) - نظام مزدوج - ضمن التعليم الثانوي دون إعطاء حاملها حق متابعة الدراسات العليا إلا بعد إتمامه الدروس التي تخوله حيازة الثانوية التقنية، وبذلك تضمنت المرحلة الثانوية التقنية الشهادتين التاليتين:
الثانوية التقنية (B T) : تخول حاملها، بشكل رئيسي،  ممارسة المهنة التي أُعد لها والموصوفة أساساً في سوق العمل أو متابعة الدراسة في التعليم العالي.
الثانوية المهنية (SD): تخوّل حاملها، بشكل رئيسي، ممارسة المهنة التي أعد لها والموصوفة أساساً في سوق العمل أو الحصول على الثانوية التقنية بعد اجتيازه بنجاح امتحانات المواد العامة المقررة لنيل الثانوية التقنية.

تنظيم شهادتي الثانوية التقنية والثانوية المهنية
تمتد المرحلة الثانوية التقنية على مدى ثلاث سنوات دراسية (٣٦ أسبوع عمل في كل سنة) ويشترط للالتحاق بهذه المرحلة حيازة شهادة التعليم الأساسي. يتفرع التعليم التقني بحيث يغطي مجالات الصناعة والزراعة والخدمات.
وقد لحظت الهيكلية الجديدة إمكانية التفريع في مجالات المال والتجارة والإدارة والسياحة والمعلوماتية والفندقية والصحة اعتباراً من السنة الثانية حيث تعتبر السنة الأولى جذعاً مشتركاً على أن يكون التفريع في مجال الصناعة والزراعة من السنة الأولى مع مراعاة الوحدات التعليمية المشتركة.

الشهادات الرسمية
١- الثانوية التقنية: ينال شهادة الثانوية التقنية كل من أنهى بنجاح الوحدات التعليمية والتطبيقات العملية.
٢- الثانوية المهنية  نظام مزدوج: ينال هذه الشهادة كل من ينهي بنجاح جميع المواد التعليمية والتدريبية.
ويمكن لحامل شهادة الثانوية المهنية  نظام مزدوج التقدم لامتحانات مواد المجموعة (أ) "مواد عامة" فقط من أجل الحصول على الثانوية التقنية التي تخوله متابعة دراساته العليا.

الحلقات التأهيلية في التعليم التقني الثانوي
يمكن إعداد التلاميذ لشهادتي الثانوية التقنية أو الثانوية المهنية  نظام مزدوج وفق برنامج التعليم المجزأ إلى حلقات تأهيلية ممتدة على ثلاث سنوات بمعدل حلقة واحدة في السنة. في هذه الحالة يحق للتلميذ الذي ينهي بنجاح الحلقات الثلاث التقدم إلى الامتحانات الرسمية لشهادتي التقنية والثانوية المهنية  نظام مزدوج ضمن الشروط الخاصة لكل شهادة أي بإنهائه بنجاح مجموعات المواد التعليمية والتطبيقية العائدة لكل شهادة. كما يحق للتلميذ الذي ينهي بنجاح كل حلقة تأهيلية الحصول على إفادة رسمية بإنهاء هذه الحلقة للافادة منها حيث يلزم.

التعليم المزدوج في التعليم الثانوي التقني
يحبذ تطبيق نظام التعليم المزدوج في المرحلة الثانوية التقنية وخاصة للإعداد للثانوية المهنية  نظام مزدوج  بهدف توفير ارتباط أوثق بين التعليم والإنتاج الحقيقي، وبالتالي ملاءمة مهارات التلميذ الأدائية مع مواصفات سوق العمل ومتطلباته. وقد أشارت الهيكلية الجديدة إلى أهمية تطبيق التعليم المزدوج بالنسبة إلى المؤسسات الإنتاجية المشاركة فيه خاصة لجهة تزودها بالمهارات البشرية التي لا تحتاج إلى تأهيل أو تدريب عند بداياتها بالعمل لديها.

تحويل مسارات ضمن التعليم الثانوي بشقيه العام والتقني
يتيح تطبيق النظام المجزأ إلى وحدات تعليمية في كل من التعليم الثانوي العام والتعليم الثانوي التقني والمهني الفرص المستمرة أمام تحديد التلميذ لمساره التعليمي في كل الاتجاهات والافادة من الوحدات التعليمية المحصلة والمقررة أساساً في توجهات الفروع التي يرغب في الانتساب إليها.

ثانياً : التدريب المهني المجزأ
يتم تدريب المتعلمين الذين أنهوا المرحلة الابتدائية ويرغبون في اكتساب مهنة في وقت مبكر في مراكز للتأهيل المهني. يكون التأهيل في مهن موصوفة في سوق العمل. يمتد هذا التدريب ليغطي ثلاثة مستويات حيث يطبق فيها نظام الوحدات التدريبية المستقلة مما يتيح للمتدرب إمكانية الانتقال عمودياً أي من وحدة تدريبية معينة إلى وحدة أخرى ذات مستوى أعلى، أو أفقياً، ضمن المستوى نفسه للتدرّب على مهنة أخرى في المجموعة ذاتها من المهن.
يمنح كل متدرب بعد اجتيازه بنجاح كل وحدة تدريبية افادة عمل رسمية تخوله ممارسة المهنة بالمستوى الذي أعد فيه كما تخوله متابعة التدرب في الوحدة التدريبية التي تليها وفق الترتيب المحدد في سلم المهارات في لبنان.
يتلقى المتدرب في كل وحدة تدريبية ما بين ٦٠٠ و ٩٠٠ ساعة تدريب بمعدل وسطي للدروس النظرية نسبته ٢٥ ٪ من مجموع الساعات مقابل ٧٥ ٪ للتطبيقات العملية.
ينال المتدرب بعد نجاحه في الوحدة الثالثة شهادة الكفاءة
المهنية (CAP) التي تسمح لحاملها بالعمل في مصانع المؤسسات الإنتاجية وورشها وفي ميادين النشاطات الخدماتية بصفة عامل ماهر في المهنة كما تسمح له متابعة تدريبه في المستويات المهنية العليا النظامية وغير النظامية وفق شروط خاصة تضعها المؤسسة التعليمية المستضيفة بالتنسيق مع الإدارة الرسمية.
يمكن أن يلتحق ببرنامج التدريب المهني المجزأ هذا المتسربون من التعليم الأساسي أو سواهم، ويستفيد من هذا البرنامج الراغبون من الكبار في الانتقال من مهنة مكتسبة سابقاً إلى مهنة جديدة أو التأهيل أو التحديث في المهنة الحاضرة من أجل الترقي الوظيفي. وتفتح البرامج لكل فرد في المجتمع آفاقاً متنوعة ومتعددة في مجالات الدراسة التطبيقية المؤدية إلى ممارسة مهنة موصوفة في سوق العمل.
أما شروط القبول في الوحدات التدريبية وتفاصيل محتوى برامجها ومواصفاتها، فهي مرتبطة بمقتضيات كل اختصاص، ويتم تحديدها دورياً وكلما دعت الحاجة، في مديرية التعليم المهني والتقني بالتعاون مع وزارة العمل والمؤسسة الوطنية للاستخدام. بحيث يقوم التعليم المهني والتقني بإعداد الدورات للوحدات التدريبية المشار إليها وتنفيذها.

ثالثاً : التأهيل التقني المستمر
توفر مدارس التعليم المهني والتقني تأهيلاً تقنياً للتقنيين والمهنيين المنخرطين في سوق العمل بهدف تأهيلهم بشكل مستمر لمستجدات التكنولوجيا وذلك تحقيقاً لمبدأ التربية والتعليم المستمر ويمنح التقني أو المهني بنهاية كل دورة تأهيل إفادة تخصص بالموضوع الذي تم تأهيله فيه.
في الرسم البياني التالي صورة توضيحية للهيكلية الحالية لشهادات التعليم المهني والتقني توضح كيفية الدخول إلى هذه الشهادات والتدرج التربوي فيها بالإضافة إلى المستوى الوظيفي في سوق العمل لكل شهادة. مع الاشارة الى ان الانتقال من التعليم المهني والتقني إلى التعليم العام مازال متوقفاً بانتظار تفعيل دور التعليم المجزأ، تسهيلاً لمعرفة المستوى الأكاديمي النظري الذي حصّله التلميذ أثناء وجوده في التعليم المهني والتقني.

هامش :  ١- قرار مجلس الوزراء رقم 31 /2000  تاريخ 16 /8 /2000

الهيكلية الحالية لشهادات التعليم المهني والتقني في لبنان

الهيكلية الحالية لشهادات التعليم المهني والتقني في لبنان

مسارات التحصيل التعلّمي في لبنان من خلال الملاءمة بين هيكليتي التعليم العام والتعليم المهني والتقني والفرص المتاحة للانتقال من تعليم إلى آخر وبالعكس

د. نديم الشوباصي رئيس قسم التعليم المهني والتقني المركز التربوي للبحوث والإنماء

 

نحاول في هذا البحث أن نقوم بدراسة هادئة ومعمّقة للهيكلية التربوية لجهة موقع التعليم المهني والتقني على الخريطة التربوية في لبنان، لكن وقبل الخوض في الموضوع لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط الأساسية التالية:

  1. في شهر حزيران سنة ٢٠٠٠ وضعت وزارة التعليم المهني والتقني هيكلية جديدة للتعليم المهني والتقني(1) مستوحاة من الهيكلية الجديدة للتعليم، تناولت شهادات التعليم المهني ومستوياتها ومساراتها. بشكل دقيق وواضح. لكن، حتى تاريخ كتابة هذا البحث لم تنفذ هذه الهيكلية على الرغم من أهميتها ومواكبتها للتطور التربوي في العصر الحديث.
  2. اشترطت الهيكلية تطبيق التعليم المجزأ في جميع مراحل التعليم المهني والتقني وحقوله، لكن هذا النوع المتطور في الإعداد والتعليم لم يبادر التعليم المهني والتقني إلى اتّبِاعه.
  3. في شهر آذار العام ٢٠٠٤ أنهت ''مجموعة استشاريّي التخطيط والأبحاث الإدارية'' دراستي ''متابعة الطلاب والمتخرجين'' و''تقييم حاجات سوق العمل''، وسلّمتهما إلى الوزارة بهذا التاريخ وقد تكلفت الدولة مبالغ طائلة لإنجازهما. ولم يباشر حتى تاريخه بالاطلاع على هاتين الدراستين كما لم يتسلم المركز التربوي للبحوث والإنماء المعني الأول بهذه الدراسات نسخة عنهما. هذا مع العلم أن مثل هذه الدراسات يبطل مفعولها ولا يمكن الافادة منها بعد أن تمضي عليها سنة أو سنتان على الأكثر بسبب سوق العمل المتحرك والمتغير ووضع الطلاب والمتخرجين القابل أيضا للتعديل والتغيير في كل عام.

في ضوء هذه الأمور، وبصرف النظر عن طريقة تعاطي الإدارة بجدية لتنفيذ هذه الدراسات حتى لا تبقى حبراً على ورق نجد من المفيد أن مسارات التحصيل من خلال ملاءمة هيكلية التعليم العام لهيكلية التعليم المهني والتقني، والفرص المتاحة للانتقال من تعليم إلى آخر وبالعكس.
بتاريخ 25/10/1995  أقر مجلس الوزراء "الهيكلية الجديدة للتعليم في لبنان" التي أعدّهًا المركز التربوي للبحوث والإنماء وشاركت في إعدادها، إلى جانب العديد من الخبراء المحليين والدوليين وزارة التعليم المهني والتقني (آنذاك) لا سيما فيما يتعلق بالأجزاء المتعلقة باهتمامات الوزارة والمهام المنوطة بها.
وقد حرص المركز التربوي في أثناء إعداد هذه الهيكلية على أن يشترك في إعدادها أكبر عدد من المسؤولين في قطاعي التعليم الرسمي والخاص بالإضافة إلى الخبراء التربويين من لبنان والمنظمات الدولية. لذلك فإن هذه الهيكلية ليست مشروع المركز التربوي إلا من حيث المرجعية، وفي الواقع هي مشروع وطني تم الاتفاق عليه بمشاركة أكبر عدد ممكن من أصحاب الشأن.
وقبل عرض ما ورد في الهيكلية عن التعليم المهني والتقني لا بد من الإشارة إلى أن الهيكلية الجديدة للتعليم في لبنان لم تخُض في تفاصيل السلّم التعليمي العائد إلى التعليم المهني والتقني ولم تخرج عن الدراسات والتوجهات التي كانت متداولة بين خبراء التعليم المهني والتقني لا سيما ما يتعلق منها باعتماد النظام المجزأ والنظام المزدوج، وعلاقة شهادة الثانوية التقنية بشهادة الثانوية المهنية - نظام مزدوج - كما تركت الهيكلية إلى وقت لاحق أمر رسم التفاصيل للسلم التعليمي الكامل الخاص بالتعليم المهني والتقني.

وفي نطاق التعليم المهني والتقني حرصت الهيكلية على ألاّ يتحول التلميذ اللبناني إلى هذا النوع من التعليم قبل إكماله المرحلة الابتدائية من التعليم الأساسي أي الثانية عشرة من عمره وهي سن الإلزام. وقد عدل القانون رقم ٦٨٦ تاريخ 16/3/1998 المادة ٤٩ من المرسوم الاشتراعي رقم ١٣٤ تاريخ  12/6/1959 فجعل التعليم مجانياً وإلزامياً في المرحلة الابتدائية الأولى (التعليم حق لكل لبناني في سن الدراسة الابتدائية) على أن تحدد شروط تنظيم هذا التعليم المجاني والإلزامي بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. كما عُدّل القانون 536 تاريخ 24/7/1996 المواد ٢١ و٢٢ و ٢٣ من قانون العمل اللبناني، فرفع الحد الأدنى لسن تشغيل الأطفال إلى ١٣ سنة. كما حرصت الهيكلية على ربط التعليم العام بالتعليم المهني والتقني بصورة عضوية بحيث يتمكن التلميذ من تصحيح مساره التعليمي بالانتقال من أحد نوعي التعليم إلى الآخر وفي كلا الاتجاهين وليس في اتجاه التعليم المهني والتقني وحده كما هو معمول به في الوقت الحاضر.

كذلك حرصت الهيكلية على تحسين نوعية التعليم المهني والتقني من خلال تضمين مناهجه للقيم والمواقف والمعارف والمهارات والتركيز على اكتسابها باعتماد التكنولوجيا الحديثة.

مضمون الهيكلية الجديدة للتعليم

تلحظ الهيكلية الجديدة ثلاثة أنواع من التعليم:

  • التعليم العام
  • التعليم المهني والتقني
  • التعليم المختص

ولكنها في الواقع لم تعالج إلاّ نوعين فقط تاركة دراسة التعليم المختص للموهوبين والمعوقين إلى وقت لاحق لمعالجته بعمق مع وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية (NGO) .
يبدأ التعليم العام بمرحلة الروضة، وتمثل المرحلتان الابتدائية والمتوسطة بنية التعليم الأساسي الذي يرتكز عليه التعليم الثانوي بنوعيه العام والتقني.
تعتبر الهيكلية الجديدة مراحل الروضة والابتدائي والمتوسط جذعاً تربوياً مشتركاً يخضع التلميذ في نهايته إلى امتحان رسمي يؤدي إلى حيازة شهادة التعليم الأساسي التي تمكن حاملها من اختيار اتجاهه في التعليم الثانوي ما بين العام أو المهني والتقني.
وفي نهاية المرحلة الثانوية (التعليم العام أو التعليم المهني والتقني) يخضع التلميذ إلى امتحانات رسمية ينال الناجح بنتيجتها الشهادة الثانوية (البكالوريا سابقاً) في الاختصاص الذي يختاره. هذه الشهادة تؤهل حاملها للدخول إلى سوق العمل أو لمتابعة الدراسة في كليات الجامعات أو في المعاهد الجامعية التكنولوجية أو في المعاهد الفنية.
وتلحظ الهيكلية أيضاً إلى جانب هذا المسار النظامي مساراً غير نظامي يتناول التدريب على المهن الموضوعة في سوق العمل، وذلك للتلاميذ الذين أنهوا المرحلة الابتدائية ويرغبون في اكتساب مهنة في وقت مبكر.
الجدير بالذكر أن الهيكلية الجديدة تهدف إلى إعطاء مرونة وتفاعل أكثر بين التعليم العام والتعليم المهني والتقني عن طريق إقامة الجسور والروابط المشتركة بينهما والتي ينتظر بلورتها وتقييمها عند وضع تفاصيل المناهج والمواد التعليمية. كما أنها تسمح بالتحرك بين التعليم العام والتعليم المهني والتقني بسهولة على امتداد السلم التعليمي بدءاً من المرحلة الثانوية.

التعليم المهني والتقني في ظل السلّم التعليمي الجديد
أولاً: المرحلة الثانوية
وكما سبقت الإشارة فقد صنفت الهيكلية الجديدة مرحلة التعليم الثانوي في فئتين:
المرحلة الثانوية العامة بفروعها الأربعة التالية:

  • آداب وإنسانيات
  • اجتماع واقتصاد
  • علوم عامة
  • علوم الحياة

المرحلة الثانوية التقنية، وتتضمن حقول:

  • الزراعة
  • الصناعة
  • الخدمات

سميت هذه المرحلة بالثانوية التقنية تكريساً لموقع شهادة البكالوريا الفنية حالياً (التي سميت بالثانوية التقنية) كإحدى شهادات التعليم الثانوي، كذلك وضعت الشهادة الثانوية المهنية (SD) - نظام مزدوج - ضمن التعليم الثانوي دون إعطاء حاملها حق متابعة الدراسات العليا إلا بعد إتمامه الدروس التي تخوله حيازة الثانوية التقنية، وبذلك تضمنت المرحلة الثانوية التقنية الشهادتين التاليتين:
الثانوية التقنية (B T) : تخول حاملها، بشكل رئيسي،  ممارسة المهنة التي أُعد لها والموصوفة أساساً في سوق العمل أو متابعة الدراسة في التعليم العالي.
الثانوية المهنية (SD): تخوّل حاملها، بشكل رئيسي، ممارسة المهنة التي أعد لها والموصوفة أساساً في سوق العمل أو الحصول على الثانوية التقنية بعد اجتيازه بنجاح امتحانات المواد العامة المقررة لنيل الثانوية التقنية.

تنظيم شهادتي الثانوية التقنية والثانوية المهنية
تمتد المرحلة الثانوية التقنية على مدى ثلاث سنوات دراسية (٣٦ أسبوع عمل في كل سنة) ويشترط للالتحاق بهذه المرحلة حيازة شهادة التعليم الأساسي. يتفرع التعليم التقني بحيث يغطي مجالات الصناعة والزراعة والخدمات.
وقد لحظت الهيكلية الجديدة إمكانية التفريع في مجالات المال والتجارة والإدارة والسياحة والمعلوماتية والفندقية والصحة اعتباراً من السنة الثانية حيث تعتبر السنة الأولى جذعاً مشتركاً على أن يكون التفريع في مجال الصناعة والزراعة من السنة الأولى مع مراعاة الوحدات التعليمية المشتركة.

الشهادات الرسمية
١- الثانوية التقنية: ينال شهادة الثانوية التقنية كل من أنهى بنجاح الوحدات التعليمية والتطبيقات العملية.
٢- الثانوية المهنية  نظام مزدوج: ينال هذه الشهادة كل من ينهي بنجاح جميع المواد التعليمية والتدريبية.
ويمكن لحامل شهادة الثانوية المهنية  نظام مزدوج التقدم لامتحانات مواد المجموعة (أ) "مواد عامة" فقط من أجل الحصول على الثانوية التقنية التي تخوله متابعة دراساته العليا.

الحلقات التأهيلية في التعليم التقني الثانوي
يمكن إعداد التلاميذ لشهادتي الثانوية التقنية أو الثانوية المهنية  نظام مزدوج وفق برنامج التعليم المجزأ إلى حلقات تأهيلية ممتدة على ثلاث سنوات بمعدل حلقة واحدة في السنة. في هذه الحالة يحق للتلميذ الذي ينهي بنجاح الحلقات الثلاث التقدم إلى الامتحانات الرسمية لشهادتي التقنية والثانوية المهنية  نظام مزدوج ضمن الشروط الخاصة لكل شهادة أي بإنهائه بنجاح مجموعات المواد التعليمية والتطبيقية العائدة لكل شهادة. كما يحق للتلميذ الذي ينهي بنجاح كل حلقة تأهيلية الحصول على إفادة رسمية بإنهاء هذه الحلقة للافادة منها حيث يلزم.

التعليم المزدوج في التعليم الثانوي التقني
يحبذ تطبيق نظام التعليم المزدوج في المرحلة الثانوية التقنية وخاصة للإعداد للثانوية المهنية  نظام مزدوج  بهدف توفير ارتباط أوثق بين التعليم والإنتاج الحقيقي، وبالتالي ملاءمة مهارات التلميذ الأدائية مع مواصفات سوق العمل ومتطلباته. وقد أشارت الهيكلية الجديدة إلى أهمية تطبيق التعليم المزدوج بالنسبة إلى المؤسسات الإنتاجية المشاركة فيه خاصة لجهة تزودها بالمهارات البشرية التي لا تحتاج إلى تأهيل أو تدريب عند بداياتها بالعمل لديها.

تحويل مسارات ضمن التعليم الثانوي بشقيه العام والتقني
يتيح تطبيق النظام المجزأ إلى وحدات تعليمية في كل من التعليم الثانوي العام والتعليم الثانوي التقني والمهني الفرص المستمرة أمام تحديد التلميذ لمساره التعليمي في كل الاتجاهات والافادة من الوحدات التعليمية المحصلة والمقررة أساساً في توجهات الفروع التي يرغب في الانتساب إليها.

ثانياً : التدريب المهني المجزأ
يتم تدريب المتعلمين الذين أنهوا المرحلة الابتدائية ويرغبون في اكتساب مهنة في وقت مبكر في مراكز للتأهيل المهني. يكون التأهيل في مهن موصوفة في سوق العمل. يمتد هذا التدريب ليغطي ثلاثة مستويات حيث يطبق فيها نظام الوحدات التدريبية المستقلة مما يتيح للمتدرب إمكانية الانتقال عمودياً أي من وحدة تدريبية معينة إلى وحدة أخرى ذات مستوى أعلى، أو أفقياً، ضمن المستوى نفسه للتدرّب على مهنة أخرى في المجموعة ذاتها من المهن.
يمنح كل متدرب بعد اجتيازه بنجاح كل وحدة تدريبية افادة عمل رسمية تخوله ممارسة المهنة بالمستوى الذي أعد فيه كما تخوله متابعة التدرب في الوحدة التدريبية التي تليها وفق الترتيب المحدد في سلم المهارات في لبنان.
يتلقى المتدرب في كل وحدة تدريبية ما بين ٦٠٠ و ٩٠٠ ساعة تدريب بمعدل وسطي للدروس النظرية نسبته ٢٥ ٪ من مجموع الساعات مقابل ٧٥ ٪ للتطبيقات العملية.
ينال المتدرب بعد نجاحه في الوحدة الثالثة شهادة الكفاءة
المهنية (CAP) التي تسمح لحاملها بالعمل في مصانع المؤسسات الإنتاجية وورشها وفي ميادين النشاطات الخدماتية بصفة عامل ماهر في المهنة كما تسمح له متابعة تدريبه في المستويات المهنية العليا النظامية وغير النظامية وفق شروط خاصة تضعها المؤسسة التعليمية المستضيفة بالتنسيق مع الإدارة الرسمية.
يمكن أن يلتحق ببرنامج التدريب المهني المجزأ هذا المتسربون من التعليم الأساسي أو سواهم، ويستفيد من هذا البرنامج الراغبون من الكبار في الانتقال من مهنة مكتسبة سابقاً إلى مهنة جديدة أو التأهيل أو التحديث في المهنة الحاضرة من أجل الترقي الوظيفي. وتفتح البرامج لكل فرد في المجتمع آفاقاً متنوعة ومتعددة في مجالات الدراسة التطبيقية المؤدية إلى ممارسة مهنة موصوفة في سوق العمل.
أما شروط القبول في الوحدات التدريبية وتفاصيل محتوى برامجها ومواصفاتها، فهي مرتبطة بمقتضيات كل اختصاص، ويتم تحديدها دورياً وكلما دعت الحاجة، في مديرية التعليم المهني والتقني بالتعاون مع وزارة العمل والمؤسسة الوطنية للاستخدام. بحيث يقوم التعليم المهني والتقني بإعداد الدورات للوحدات التدريبية المشار إليها وتنفيذها.

ثالثاً : التأهيل التقني المستمر
توفر مدارس التعليم المهني والتقني تأهيلاً تقنياً للتقنيين والمهنيين المنخرطين في سوق العمل بهدف تأهيلهم بشكل مستمر لمستجدات التكنولوجيا وذلك تحقيقاً لمبدأ التربية والتعليم المستمر ويمنح التقني أو المهني بنهاية كل دورة تأهيل إفادة تخصص بالموضوع الذي تم تأهيله فيه.
في الرسم البياني التالي صورة توضيحية للهيكلية الحالية لشهادات التعليم المهني والتقني توضح كيفية الدخول إلى هذه الشهادات والتدرج التربوي فيها بالإضافة إلى المستوى الوظيفي في سوق العمل لكل شهادة. مع الاشارة الى ان الانتقال من التعليم المهني والتقني إلى التعليم العام مازال متوقفاً بانتظار تفعيل دور التعليم المجزأ، تسهيلاً لمعرفة المستوى الأكاديمي النظري الذي حصّله التلميذ أثناء وجوده في التعليم المهني والتقني.

هامش :  ١- قرار مجلس الوزراء رقم 31 /2000  تاريخ 16 /8 /2000

الهيكلية الحالية لشهادات التعليم المهني والتقني في لبنان

الهيكلية الحالية لشهادات التعليم المهني والتقني في لبنان

مسارات التحصيل التعلّمي في لبنان من خلال الملاءمة بين هيكليتي التعليم العام والتعليم المهني والتقني والفرص المتاحة للانتقال من تعليم إلى آخر وبالعكس

د. نديم الشوباصي رئيس قسم التعليم المهني والتقني المركز التربوي للبحوث والإنماء

 

نحاول في هذا البحث أن نقوم بدراسة هادئة ومعمّقة للهيكلية التربوية لجهة موقع التعليم المهني والتقني على الخريطة التربوية في لبنان، لكن وقبل الخوض في الموضوع لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط الأساسية التالية:

  1. في شهر حزيران سنة ٢٠٠٠ وضعت وزارة التعليم المهني والتقني هيكلية جديدة للتعليم المهني والتقني(1) مستوحاة من الهيكلية الجديدة للتعليم، تناولت شهادات التعليم المهني ومستوياتها ومساراتها. بشكل دقيق وواضح. لكن، حتى تاريخ كتابة هذا البحث لم تنفذ هذه الهيكلية على الرغم من أهميتها ومواكبتها للتطور التربوي في العصر الحديث.
  2. اشترطت الهيكلية تطبيق التعليم المجزأ في جميع مراحل التعليم المهني والتقني وحقوله، لكن هذا النوع المتطور في الإعداد والتعليم لم يبادر التعليم المهني والتقني إلى اتّبِاعه.
  3. في شهر آذار العام ٢٠٠٤ أنهت ''مجموعة استشاريّي التخطيط والأبحاث الإدارية'' دراستي ''متابعة الطلاب والمتخرجين'' و''تقييم حاجات سوق العمل''، وسلّمتهما إلى الوزارة بهذا التاريخ وقد تكلفت الدولة مبالغ طائلة لإنجازهما. ولم يباشر حتى تاريخه بالاطلاع على هاتين الدراستين كما لم يتسلم المركز التربوي للبحوث والإنماء المعني الأول بهذه الدراسات نسخة عنهما. هذا مع العلم أن مثل هذه الدراسات يبطل مفعولها ولا يمكن الافادة منها بعد أن تمضي عليها سنة أو سنتان على الأكثر بسبب سوق العمل المتحرك والمتغير ووضع الطلاب والمتخرجين القابل أيضا للتعديل والتغيير في كل عام.

في ضوء هذه الأمور، وبصرف النظر عن طريقة تعاطي الإدارة بجدية لتنفيذ هذه الدراسات حتى لا تبقى حبراً على ورق نجد من المفيد أن مسارات التحصيل من خلال ملاءمة هيكلية التعليم العام لهيكلية التعليم المهني والتقني، والفرص المتاحة للانتقال من تعليم إلى آخر وبالعكس.
بتاريخ 25/10/1995  أقر مجلس الوزراء "الهيكلية الجديدة للتعليم في لبنان" التي أعدّهًا المركز التربوي للبحوث والإنماء وشاركت في إعدادها، إلى جانب العديد من الخبراء المحليين والدوليين وزارة التعليم المهني والتقني (آنذاك) لا سيما فيما يتعلق بالأجزاء المتعلقة باهتمامات الوزارة والمهام المنوطة بها.
وقد حرص المركز التربوي في أثناء إعداد هذه الهيكلية على أن يشترك في إعدادها أكبر عدد من المسؤولين في قطاعي التعليم الرسمي والخاص بالإضافة إلى الخبراء التربويين من لبنان والمنظمات الدولية. لذلك فإن هذه الهيكلية ليست مشروع المركز التربوي إلا من حيث المرجعية، وفي الواقع هي مشروع وطني تم الاتفاق عليه بمشاركة أكبر عدد ممكن من أصحاب الشأن.
وقبل عرض ما ورد في الهيكلية عن التعليم المهني والتقني لا بد من الإشارة إلى أن الهيكلية الجديدة للتعليم في لبنان لم تخُض في تفاصيل السلّم التعليمي العائد إلى التعليم المهني والتقني ولم تخرج عن الدراسات والتوجهات التي كانت متداولة بين خبراء التعليم المهني والتقني لا سيما ما يتعلق منها باعتماد النظام المجزأ والنظام المزدوج، وعلاقة شهادة الثانوية التقنية بشهادة الثانوية المهنية - نظام مزدوج - كما تركت الهيكلية إلى وقت لاحق أمر رسم التفاصيل للسلم التعليمي الكامل الخاص بالتعليم المهني والتقني.

وفي نطاق التعليم المهني والتقني حرصت الهيكلية على ألاّ يتحول التلميذ اللبناني إلى هذا النوع من التعليم قبل إكماله المرحلة الابتدائية من التعليم الأساسي أي الثانية عشرة من عمره وهي سن الإلزام. وقد عدل القانون رقم ٦٨٦ تاريخ 16/3/1998 المادة ٤٩ من المرسوم الاشتراعي رقم ١٣٤ تاريخ  12/6/1959 فجعل التعليم مجانياً وإلزامياً في المرحلة الابتدائية الأولى (التعليم حق لكل لبناني في سن الدراسة الابتدائية) على أن تحدد شروط تنظيم هذا التعليم المجاني والإلزامي بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. كما عُدّل القانون 536 تاريخ 24/7/1996 المواد ٢١ و٢٢ و ٢٣ من قانون العمل اللبناني، فرفع الحد الأدنى لسن تشغيل الأطفال إلى ١٣ سنة. كما حرصت الهيكلية على ربط التعليم العام بالتعليم المهني والتقني بصورة عضوية بحيث يتمكن التلميذ من تصحيح مساره التعليمي بالانتقال من أحد نوعي التعليم إلى الآخر وفي كلا الاتجاهين وليس في اتجاه التعليم المهني والتقني وحده كما هو معمول به في الوقت الحاضر.

كذلك حرصت الهيكلية على تحسين نوعية التعليم المهني والتقني من خلال تضمين مناهجه للقيم والمواقف والمعارف والمهارات والتركيز على اكتسابها باعتماد التكنولوجيا الحديثة.

مضمون الهيكلية الجديدة للتعليم

تلحظ الهيكلية الجديدة ثلاثة أنواع من التعليم:

  • التعليم العام
  • التعليم المهني والتقني
  • التعليم المختص

ولكنها في الواقع لم تعالج إلاّ نوعين فقط تاركة دراسة التعليم المختص للموهوبين والمعوقين إلى وقت لاحق لمعالجته بعمق مع وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية (NGO) .
يبدأ التعليم العام بمرحلة الروضة، وتمثل المرحلتان الابتدائية والمتوسطة بنية التعليم الأساسي الذي يرتكز عليه التعليم الثانوي بنوعيه العام والتقني.
تعتبر الهيكلية الجديدة مراحل الروضة والابتدائي والمتوسط جذعاً تربوياً مشتركاً يخضع التلميذ في نهايته إلى امتحان رسمي يؤدي إلى حيازة شهادة التعليم الأساسي التي تمكن حاملها من اختيار اتجاهه في التعليم الثانوي ما بين العام أو المهني والتقني.
وفي نهاية المرحلة الثانوية (التعليم العام أو التعليم المهني والتقني) يخضع التلميذ إلى امتحانات رسمية ينال الناجح بنتيجتها الشهادة الثانوية (البكالوريا سابقاً) في الاختصاص الذي يختاره. هذه الشهادة تؤهل حاملها للدخول إلى سوق العمل أو لمتابعة الدراسة في كليات الجامعات أو في المعاهد الجامعية التكنولوجية أو في المعاهد الفنية.
وتلحظ الهيكلية أيضاً إلى جانب هذا المسار النظامي مساراً غير نظامي يتناول التدريب على المهن الموضوعة في سوق العمل، وذلك للتلاميذ الذين أنهوا المرحلة الابتدائية ويرغبون في اكتساب مهنة في وقت مبكر.
الجدير بالذكر أن الهيكلية الجديدة تهدف إلى إعطاء مرونة وتفاعل أكثر بين التعليم العام والتعليم المهني والتقني عن طريق إقامة الجسور والروابط المشتركة بينهما والتي ينتظر بلورتها وتقييمها عند وضع تفاصيل المناهج والمواد التعليمية. كما أنها تسمح بالتحرك بين التعليم العام والتعليم المهني والتقني بسهولة على امتداد السلم التعليمي بدءاً من المرحلة الثانوية.

التعليم المهني والتقني في ظل السلّم التعليمي الجديد
أولاً: المرحلة الثانوية
وكما سبقت الإشارة فقد صنفت الهيكلية الجديدة مرحلة التعليم الثانوي في فئتين:
المرحلة الثانوية العامة بفروعها الأربعة التالية:

  • آداب وإنسانيات
  • اجتماع واقتصاد
  • علوم عامة
  • علوم الحياة

المرحلة الثانوية التقنية، وتتضمن حقول:

  • الزراعة
  • الصناعة
  • الخدمات

سميت هذه المرحلة بالثانوية التقنية تكريساً لموقع شهادة البكالوريا الفنية حالياً (التي سميت بالثانوية التقنية) كإحدى شهادات التعليم الثانوي، كذلك وضعت الشهادة الثانوية المهنية (SD) - نظام مزدوج - ضمن التعليم الثانوي دون إعطاء حاملها حق متابعة الدراسات العليا إلا بعد إتمامه الدروس التي تخوله حيازة الثانوية التقنية، وبذلك تضمنت المرحلة الثانوية التقنية الشهادتين التاليتين:
الثانوية التقنية (B T) : تخول حاملها، بشكل رئيسي،  ممارسة المهنة التي أُعد لها والموصوفة أساساً في سوق العمل أو متابعة الدراسة في التعليم العالي.
الثانوية المهنية (SD): تخوّل حاملها، بشكل رئيسي، ممارسة المهنة التي أعد لها والموصوفة أساساً في سوق العمل أو الحصول على الثانوية التقنية بعد اجتيازه بنجاح امتحانات المواد العامة المقررة لنيل الثانوية التقنية.

تنظيم شهادتي الثانوية التقنية والثانوية المهنية
تمتد المرحلة الثانوية التقنية على مدى ثلاث سنوات دراسية (٣٦ أسبوع عمل في كل سنة) ويشترط للالتحاق بهذه المرحلة حيازة شهادة التعليم الأساسي. يتفرع التعليم التقني بحيث يغطي مجالات الصناعة والزراعة والخدمات.
وقد لحظت الهيكلية الجديدة إمكانية التفريع في مجالات المال والتجارة والإدارة والسياحة والمعلوماتية والفندقية والصحة اعتباراً من السنة الثانية حيث تعتبر السنة الأولى جذعاً مشتركاً على أن يكون التفريع في مجال الصناعة والزراعة من السنة الأولى مع مراعاة الوحدات التعليمية المشتركة.

الشهادات الرسمية
١- الثانوية التقنية: ينال شهادة الثانوية التقنية كل من أنهى بنجاح الوحدات التعليمية والتطبيقات العملية.
٢- الثانوية المهنية  نظام مزدوج: ينال هذه الشهادة كل من ينهي بنجاح جميع المواد التعليمية والتدريبية.
ويمكن لحامل شهادة الثانوية المهنية  نظام مزدوج التقدم لامتحانات مواد المجموعة (أ) "مواد عامة" فقط من أجل الحصول على الثانوية التقنية التي تخوله متابعة دراساته العليا.

الحلقات التأهيلية في التعليم التقني الثانوي
يمكن إعداد التلاميذ لشهادتي الثانوية التقنية أو الثانوية المهنية  نظام مزدوج وفق برنامج التعليم المجزأ إلى حلقات تأهيلية ممتدة على ثلاث سنوات بمعدل حلقة واحدة في السنة. في هذه الحالة يحق للتلميذ الذي ينهي بنجاح الحلقات الثلاث التقدم إلى الامتحانات الرسمية لشهادتي التقنية والثانوية المهنية  نظام مزدوج ضمن الشروط الخاصة لكل شهادة أي بإنهائه بنجاح مجموعات المواد التعليمية والتطبيقية العائدة لكل شهادة. كما يحق للتلميذ الذي ينهي بنجاح كل حلقة تأهيلية الحصول على إفادة رسمية بإنهاء هذه الحلقة للافادة منها حيث يلزم.

التعليم المزدوج في التعليم الثانوي التقني
يحبذ تطبيق نظام التعليم المزدوج في المرحلة الثانوية التقنية وخاصة للإعداد للثانوية المهنية  نظام مزدوج  بهدف توفير ارتباط أوثق بين التعليم والإنتاج الحقيقي، وبالتالي ملاءمة مهارات التلميذ الأدائية مع مواصفات سوق العمل ومتطلباته. وقد أشارت الهيكلية الجديدة إلى أهمية تطبيق التعليم المزدوج بالنسبة إلى المؤسسات الإنتاجية المشاركة فيه خاصة لجهة تزودها بالمهارات البشرية التي لا تحتاج إلى تأهيل أو تدريب عند بداياتها بالعمل لديها.

تحويل مسارات ضمن التعليم الثانوي بشقيه العام والتقني
يتيح تطبيق النظام المجزأ إلى وحدات تعليمية في كل من التعليم الثانوي العام والتعليم الثانوي التقني والمهني الفرص المستمرة أمام تحديد التلميذ لمساره التعليمي في كل الاتجاهات والافادة من الوحدات التعليمية المحصلة والمقررة أساساً في توجهات الفروع التي يرغب في الانتساب إليها.

ثانياً : التدريب المهني المجزأ
يتم تدريب المتعلمين الذين أنهوا المرحلة الابتدائية ويرغبون في اكتساب مهنة في وقت مبكر في مراكز للتأهيل المهني. يكون التأهيل في مهن موصوفة في سوق العمل. يمتد هذا التدريب ليغطي ثلاثة مستويات حيث يطبق فيها نظام الوحدات التدريبية المستقلة مما يتيح للمتدرب إمكانية الانتقال عمودياً أي من وحدة تدريبية معينة إلى وحدة أخرى ذات مستوى أعلى، أو أفقياً، ضمن المستوى نفسه للتدرّب على مهنة أخرى في المجموعة ذاتها من المهن.
يمنح كل متدرب بعد اجتيازه بنجاح كل وحدة تدريبية افادة عمل رسمية تخوله ممارسة المهنة بالمستوى الذي أعد فيه كما تخوله متابعة التدرب في الوحدة التدريبية التي تليها وفق الترتيب المحدد في سلم المهارات في لبنان.
يتلقى المتدرب في كل وحدة تدريبية ما بين ٦٠٠ و ٩٠٠ ساعة تدريب بمعدل وسطي للدروس النظرية نسبته ٢٥ ٪ من مجموع الساعات مقابل ٧٥ ٪ للتطبيقات العملية.
ينال المتدرب بعد نجاحه في الوحدة الثالثة شهادة الكفاءة
المهنية (CAP) التي تسمح لحاملها بالعمل في مصانع المؤسسات الإنتاجية وورشها وفي ميادين النشاطات الخدماتية بصفة عامل ماهر في المهنة كما تسمح له متابعة تدريبه في المستويات المهنية العليا النظامية وغير النظامية وفق شروط خاصة تضعها المؤسسة التعليمية المستضيفة بالتنسيق مع الإدارة الرسمية.
يمكن أن يلتحق ببرنامج التدريب المهني المجزأ هذا المتسربون من التعليم الأساسي أو سواهم، ويستفيد من هذا البرنامج الراغبون من الكبار في الانتقال من مهنة مكتسبة سابقاً إلى مهنة جديدة أو التأهيل أو التحديث في المهنة الحاضرة من أجل الترقي الوظيفي. وتفتح البرامج لكل فرد في المجتمع آفاقاً متنوعة ومتعددة في مجالات الدراسة التطبيقية المؤدية إلى ممارسة مهنة موصوفة في سوق العمل.
أما شروط القبول في الوحدات التدريبية وتفاصيل محتوى برامجها ومواصفاتها، فهي مرتبطة بمقتضيات كل اختصاص، ويتم تحديدها دورياً وكلما دعت الحاجة، في مديرية التعليم المهني والتقني بالتعاون مع وزارة العمل والمؤسسة الوطنية للاستخدام. بحيث يقوم التعليم المهني والتقني بإعداد الدورات للوحدات التدريبية المشار إليها وتنفيذها.

ثالثاً : التأهيل التقني المستمر
توفر مدارس التعليم المهني والتقني تأهيلاً تقنياً للتقنيين والمهنيين المنخرطين في سوق العمل بهدف تأهيلهم بشكل مستمر لمستجدات التكنولوجيا وذلك تحقيقاً لمبدأ التربية والتعليم المستمر ويمنح التقني أو المهني بنهاية كل دورة تأهيل إفادة تخصص بالموضوع الذي تم تأهيله فيه.
في الرسم البياني التالي صورة توضيحية للهيكلية الحالية لشهادات التعليم المهني والتقني توضح كيفية الدخول إلى هذه الشهادات والتدرج التربوي فيها بالإضافة إلى المستوى الوظيفي في سوق العمل لكل شهادة. مع الاشارة الى ان الانتقال من التعليم المهني والتقني إلى التعليم العام مازال متوقفاً بانتظار تفعيل دور التعليم المجزأ، تسهيلاً لمعرفة المستوى الأكاديمي النظري الذي حصّله التلميذ أثناء وجوده في التعليم المهني والتقني.

هامش :  ١- قرار مجلس الوزراء رقم 31 /2000  تاريخ 16 /8 /2000

الهيكلية الحالية لشهادات التعليم المهني والتقني في لبنان

الهيكلية الحالية لشهادات التعليم المهني والتقني في لبنان