الأندية البيئية المدرسية... بين الواقع والمرتجى
تأتي هذه المقالة في سياق مشروع "تأسيس شبكة وطنية للأندية البيئية المدرسية" الذي تنفذه الجمعية اللبنانية للتنمية بتمويل من وزارة البيئة. يسعى هذا المشروع إلى خلق إطار تنسيقي يجمع بين الأطراف العاملة في مجال التربية البيئية، من مؤسسات وأفراد، وذلك بغرض تفعيل دور الأندية البيئية في لبنان.
هدفت المراحل الأولى من المشروع إلى مراجعة وتقييم التجارب التي خاضتها المؤسسات المعنية في مجال الأندية البيئية المدرسية. تمّ في هذا الإطار تنفيذ نشاطين أساسيين:
النشاط الأول: تنظيم ورشة عمل بعنوان "الأندية البيئية، إلى أين"؟ في شباط ٢٠٠٤ بمشاركة ممثلين عن جمعيات أهلية، إضافة إلى وزارة البيئة والمركز التربوي للبحوث والانماء.
النشاط الثاني: تنفيذ دراسة إحصائية شاملة حول واقع الأندية البيئية على مستوى المدارس الرسمية والخاصة والخاصة المجانية.
يعرض الجزء الأول من هذه المقالة مراجعة سريعة للإنجازات التي حققتها الأندية البيئية المدرسية، ويحلل الجزء الثاني واقع هذه الأندية استناداً إلى نتائج دراسة إحصائية طالت القطاعات التعليمية الرسمية والخاصة والخاصة المجانية. وفي ضوء المعوقات التي تواجهها الأندية البيئية في لبنان، يخلص الجزء الأخير من المقالة باقتراح خيارات وسيناريوهات محتملة لتفعيل التربية البيئية في لبنان.
مراجعة التجارب الماضية
شهد لبنان خلال السنوات الماضية اهتماماً بارزاً بموضوع الأندية البيئية المدرسية. تُرجم هذا الاهتمام بعدد من المبادرات ركّزت بمعظمها على عملية نشر مفهوم الأندية البيئية المدرسية كمدخل من المداخل الأساسية لترسيخ التربية البيئية.
عرّف المركز التربوي للبحوث والانماء النوادي المدرسية كما يلي: "هي البيئة الناشطة الحرة والمنظمة داخل المدرسة. فيها يمارس الطلاب هواياتهم وفيها تصقل معارفهم ومهاراتهم الحياتية. ونشاطات هذه الأندية مرنة تتلاءم مع واقع المدرسة وقد تكون صفّية ولاصفّية". |
في ضوء ذلك، نفّذت جمعيات أهلية ومؤسسات حكومية عدداً من الأنشطة اتّخذت أشكالاً متنوعة، فيما ركّزت بعض المؤسسات على وضع الإطار القانوني والبنيوي للأندية المدرسية )المركز التربوي للبحوث والانماء( وقام البعض الآخر بتنفيذ أنشطة أخرى تمثّلت بإقامة ورش عمل تدريبية وإعداد مطبوعات ومواد لنشر التوعية البيئية إضافةً إلى إطلاق حملات توعية موسعة إلخ.
أمثلة لنشاطات الأندية البيئة
|
في مراجعة سريعة للانجازات الماضية، نلاحظ أن مسألة الأندية البيئية كانت ومازالت محطّ اهتمام أطراف عديدة، لا سيما اهتمام المنظمات غير الحكومية، التي اشتركت مع مدارس عديدة (رسمية وخاصة) لتنفيذ برامج بيئية مشتركة.
لقد حققت التجارب الماضية إنجازات عديدة على مستوى ترويج مفهوم الأندية البيئية ونشر التوعية البيئية على مستوى التلامذة والمجتمع المحلي. ولا شك في أنه كان للجمعيات الأهلية دور بارز في تحقيق هذا الإنجاز تمثّل في دعم المدارس في مجالات عديدة، أبرزها:
- تدريب وتعزيز قدرات منشطي الأندية البيئية المدرسية.
- ابتكار المشاريع والبرامج البيئية الرائدة والعمل على تنفيذها في المدرسة ومحيطها.
- تأمين الموارد المالية الضرورية لإقامة الدورات التدريبية ولتنفيذ المشاريع البيئية.
- توفير المعلومات والمواد التعليمية اللازمة لتمكين المدارس ومنشطي الأندية البيئية من تنفيذ الأنشطة.
بعض الجمعيات التي تعاطت بموضوع الأندية البيئية المدرسية
|
من جهة ثانية، لا بدّ من طرح جملة أسئلة حول الواقع الحالي للأندية البيئية المدرسية. هل تستمرّ المدارس التي بادرت بإنشاء الأندية البيئية بتفعيل هذه الأندية وتطويرها؟ هل لدى هذه الأندية ما يكفي من مقومات لضمان استمراريتها؟ وما هي أبرز احتياجاتها؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الأساسية، فقد تعاونت الجمعية اللبنانية للتنمية مع المركز التربوي للبحوث والانماء في تنفيذ دراسة إحصائية هدفت إلى تعرّف واقع الأندية المدرسية بعامةً، والأندية البيئية المدرسية بخاصةً.
واقع الأندية البيئية المدرسية: ابرز نتائج الدراسة الإحصائية
استغرق تنفيذ هذه الدراسة سبعة أشهر (من شهر نيسان ٢٠٠٤ لغاية شهر تشرين الأول ٢٠٠٤) واستندت منهجية الدراسة إلى توزيع استمارة على ٣٤٦ مدرسة رسمية وخاصة وخاصة مجانية، وشملت مختلف المناطق اللبنانية. وجاء الرّد على الاستمارة من ١٢٥ مدرسة توزّعت على قطاعات التعليم .الرسمي والخاص والخاص المجاني بحسب (شكل ١)
أولاً: من حيث نوع وحجم الأندية البيئية.
بين مختلف أنواع الأندية المدرسية المتوافرة لدى العينة الإحصائية، شكّلت الأندية البيئية العدد الأكبر: من أصل ١٨١ نادياً مدرسياً كانت حصّة الأندية البيئية ٤٤ نادياً . يدلّ ذلك على أن الجهود التي استُثمرت في السنوات الماضية لترويج الأندية البيئية المدرسية قد أدّت إلى دمج هذا النوع من الأندية في عدد لا بأس به من المدارس وانتشاره في مختلف القطاعات التعليمية الخاصة المجانية والرسمية والخاصة.
وبالرغم من عددها الكبير نسبياً، لا تستقطب الأندية البيئية المدرسية عدداً كبيراً من المنتسبين، وذلك مقارنةً مع أنواع أندية أخرى، كأندية الرياضة والحركة الكشفية والفنون والثقافة .(شكل ٢)
ثانياً: من حيث المقومات المتوفرة
يتوافر لدى نسبة عالية من الأندية البيئية في العينة الإحصائية المقومات الأساسية التي تساعدها على العمل، أبرزها توافر خطط العمل السنوية. وفي هذا الإطار، من المحتمل أن يكون للبرامج التدريبية التي قامت بتنفيذها جهات عديدة في الماضي مساهمة في تحقيق هذا الغرض.
ثالثاً: من حيث خصائص منشطي الأندية البيئية
تعاني الأندية البيئية نقصاً في الكوادر البشرية المتخصصة في هذا المجال. وقد تبيّن من خلال الدراسة أن المعدّل العام لعدد سنوات الخبرة المتوفرة لدى منشطي الأندية البيئية هي الأدنى مقارنةً مع منشطي أندية مدرسية أخرى (جدول ١)
أخيراً، يظهر الجدولان الأول والثاني أن معدلات سنوات الخبرة وساعات العمل الأسبوعية المخصصة لمنشطي الأندية البيئية في القطاع التعليمي الرسمي هي أعلى من المعدلات الواردة للقطاعين التعليميين الخاص والخاص المجاني.
رابعاً: من حيث احتياجات الأندية البيئية
شكّلت الدورات التدريبية حاجة ملحّة للعينة الاحصائية. ثمّ أتت في المرتبة الثانية من حيث احتياجات الأندية البيئية للموارد المالية والثالثة للمواد الترفيهية والتعليمية.
المعوقات والتحديات
بالرغم من التقدّم البارز الذي أحرزته الأندية البيئية، يلاحظ أنها لا تزال تعاني تحديات جمّة يمكن أن تؤثر على تطويرها واستدامتها. يمكن تصنيف هذه التحديات وفق الآتي:
أولاً: تحديات إدارية
- قلّة اهتمام بعض مديري المدارس بموضوع الأندية البيئية.
- عدم تفرّغ معظم المنشطين ما يؤدي إلى عدم مقدرتهم على متابعة أعمال النادي وأنشطته.
- تغيير المنشطين بشكلٍ دائم.
- عدم الالتزام والاندفاع لدى بعض المنشطين في العمل.
ثانياً: تحديات مالية
- ندرة الموارد المالية.
- قلة المعرفة في كيفية ابتكار طرق لتدبير موارد مالية.
ثالثاً: تحديات لوجيستية
- عدم توفر مساحات كافية كالحدائق.
- نقص في الوسائل والمواد التعليمية الضرورية لتفعيل عملية التنشيط.
- صعوبة انتقال التلاميذ من المنزل إلى المدرسة للمشاركة في نشاطات النادي.
رابعاً: تحديات مرتبطة بالمهارات والمعرفة
- ضعف في أسلوب طرح فكرة النادي البيئي على مستوى التلاميذ وجعلها مغرية لاستقطابهم.
- قلّة الأفكار المبتكرة لدى المنشطين.
النادي البيئي ضرورة للتربية البيئية؟
انطلاقاً من الفرضية أن مسألة التربية البيئية هي أساس عمل نادي البيئة، من الجدير طرح السؤال الآتي: هل النادي البيئي المدرسي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الغرض. والجواب هو، بالطبع لا.
تبيّن التجارب العديدة أن الأندية البيئية المدرسية ليست إلا وسيلة من الوسائل العديدة لتحقيق التربية البيئية. وقد برزت مدارس عديدة في عملية التربية البيئية من دون توافر أندية بيئية لديها، بينما نجحت مدارس أخرى في تأسيس أندية بيئية وتطويرها ضمن إطار إداري وبنيوي لترسيخ التربية البيئة.
تتطلب المرحلة الحالية إعادة النظر بالأندية البيئية والتأكد من جدوى وجودها والتساؤل حول مدى قيامها بتحقيق الرسالة التي أنشئت من أجلها. وفي هذا الإطار، وسعياً لتفعيل عملية التربية البيئية، نطرح للتداول ثلاثة خيارات أو سيناريوهات هي:
أولاً: الاستمرار في دعم الأندية البيئية الناجحة، أي تلك التي تتحلّى بمقومات أساسية لضمان استمرار عملها، وأبرز هذه المقومات:
- إدارة مدرسية ملتزمة وداعمة للنادي.
- إطار إداري وبنيوي واضح.
- جهاز بشري كفوء ومتفرغ.
- عدد من المنتسبين.
- برنامج عمل سنوي.
- موارد مالية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية دمج هذه الأندية ضمن استراتيجيات التنمية المحلية للاستفادة من الطاقات الشبابية من جهة وجعل العمل البيئي جزءاً لا يتجزأ من العملية التنموية.
ثانياً: دمج المواضيع البيئية ضمن الأندية المدرسية الأخرى وذلك انطلاقاً من مبدأ أن النادي البيئي يتكامل مع باقي أنواع النوادي الموجودة في المدرسة، كما هو موضح في الشكل الآتي.
ويمكن تطبيق هذا الخيار في حال توافر إدارة مدرسية تتّسم بالحماس والالتزام بدمج التربية البيئية ضمن برامج عملها السنوية، غير أنها تفتقر للموارد المالية والبشرية الكافية للقيام بهذه المهمة و/أو في حال لم ينجح النادي في استقطاب عدد كاف من الأعضاء.
ثالثاً: تشجيع المدارس على تبنّي المشاريع والأفكار والممارسات التي تجعل منها مدرسة ملتزمة بيئياً في حال وجود النادي البيئي أو عدم وجوده. وهنا لا بدّ من تحقيق مطلبين أساسيين:
- توجيه المدارس وحثّها على الاستفادة من الموارد المتوفرة لدى الجمعيات الأهلية والمؤسسات الحكومية من برامج تدريبية ومواد تربوية (مطبوعات وأفلام وكتب بيئية) متعددة قد تساعدها في تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع وأنشطة بيئية تربوية هادفة.
- بناء القدرات وتزويد المنشطين بالمهارات والمعلومات الأساسية لتحويل الشأن البيئي من اهتمام موسمي ظرفي إلى همّ مستمر يطول التلامذة والمجتمع ككل.
يتم التحضير حالياً لعقد مؤتمر حول الاندية البيئية في المدارس من تنظيم الجمعية اللبنانية للتنمية والمركز التربوي للبحوث والإنماء، وبدعم من وزارة البيئة، يشارك فيه تربويون ومهتمون بالشأن البيئي ورؤساء اندية بيئية ومديرو مدارس رسمية وخاصة وسوف يتم الاعلان عن موعده لاحقاً. |