مدير المدرسة الرسمية: المهام والمواصفات
مدير المدرسة الرسمية: المهام والمواصفات
حين نبحث في نجاح مدرسةٍ ما أو فشلها، ونروح نتقصى عوامل النجاح أو الفشل، غالباً ما يتكشّف البحث والتقصي عن عامل حاسم ينفرد دون سائر العوامل في تحديد مستوى المدرسة ومسارها، ويلعب دوراً كبيراً في وضع حاضرها ومستقبلها، وهو المدير.
''لقد أثبتت التجربة والواقع أن المدير هو الحلقة الأهّم في العمل المدرسي، فحيثما كان كفوءاً نشيطاً كانت المدرسة منتجة، وحيثما افتقر إلى معياري الكفاءة والنشاط قلّ إنتاج المدرسة أو انعدم. وكم من مدير رفع لواء مدرسته عالياً، وكم من مدرسة حملت اسم مديرها فعُرفت به. وهكذا، فنجاح المدرسة أو عدمه يتوقّفان إلى حدّ كبير على شخصية مديرها، وانتظام العملية الإدارية شرطٌ لازمٌ لانتظام العملية التربوية''(١).
والمدير من المدرسة بمثابة الرأس من الجسد، فكما الجسد لا ينهض بدون رأس، ولا تقوم أعضاؤه بأدوارها من دون تعليمات الرأس وتوجيهاته وأوامره ونواهيه، هكذا المدرسة لا تسير بدون مدير يرى الهدف أو يتلمّس السبل الكفيلة ببلوغه، ويوزّع العمل على عناصر العملية التربوية لتحقيق هذا البلوغ. على أن الجسد لا يصلح إلاّ بصلاح الرأس ولا يخرب إلاّ بخرابه، والجسد المدرسي لا يقوى ويتعافى إلاّ بما يبعث فيه المدير من روح.
في اللغة يقال: "دار يدور واستدار يستدير بمعنى إذا ، طاف حول الشيء، وإذا عاد إلى الوضع الذي ابتدأ فيه''(٢)، ويقال: "أدار إدارةً الأمر: أحاط به ... ،أدار إدارةً الشيء :تعاطاه ...والمدير من يتولى النظر في الشيء"(٣)، ويقال :''أدرت فلاناً على الأمر إذا حاولت إلزامه إياه ... وأدرته عن الأمر إذا طلبت منه تركه"(٤). وهكذا، تجتمع في الفعل ومشتقاته معاني الإحاطة بالشيء وتعاطيه والنظر فيه والأمر به والنهي عنه. وإذا ما اعتبرنا مدير المدرسة رأسها، ''فرأس كل شيء أعلاه ... والرأس: رأس الوادي. وكل مشرف رائس. ورأس عليهم فرأسهم وفضلهم، ورأس عليهم كأمر عليهم، ورأس القوم: صار رئيسهم ومقدّمهم ..."(٥). وهكذا، نضيف إلى المعاني التي تحتملها كلمة ''مدير" معاني العلو والإشراف والتفضيل والأمر والتقديم التي تنطوي عليها كلمة ''رأس''.
مهام المدير
يشكّل القرار ١١٣٠/م/ ٢٠٠١ تاريخ ١٥ أيلول ٢٠٠١ (النظام الداخلي لمدارس رياض الأطفال والتعليم الأساسي الرسمية) المرجع الأساسي لمهام مدير المدرسة. وتنصّ المادة ١٣ منه على أن ''الإدارة هي تكليف أحد موظفي التعليم القيام بمهام إدارة مدرسة معينة، وهي ليست تعييناً دائماً تكسب شاغلها هذه الصفة''. فيحدّد هذا القرار ما للمدير وما عليه، ويبيّن صلاحياته والواجبات ويحدّد علاقته بمرؤوسيه ورؤسائه، ويوضح كيفية تعاطيه مع الإمكانات والموارد البشرية والمادية التي تشكّل المدرسة. على أن نظرة سريعة على هذه المهام المحدّدة في القرار المذكور وفي غيره من النصوص والأنظمة النافذة تكفي للحكم على أن مهام المدير تغطي جميع جوانب العملية الإدارية التربوية، وتشمل جميع العناصر البشرية والمادية المتعلقة بالمدرسة من قريب أو بعيد، بدءاً من التلميذ، مروراً بالمعلم وموظفي المدرسة والمطبوعات المدرسية والأهل والبناء المدرسي، وصولاً إلى الإدارة التربوية. وللوقوف على طبيعة هذه المهام ودورها في حسن سير العمل، لا بدّ من مقاربتها على مستوى كلّ من هذه العناصر على حدة، لنخلص بالتالي إلى رسم صورة واضحة عن مهام المدير وتحديد مواصفات المدير الناجح، مع العلم أن الفصل بين هذه العناصر هو فصل نظري، ولا يخفى ما للواحد منها من تأثير على سواه، وما بين سائر المهام من تداخل وتفاعل.
١- على مستوى التلميذ:
يحدّد القرار ١١٣٠/م/ ٢٠٠١ مهام المدير ذات العلاقة المباشرة بالتلميذ في عددٍ من مواده. وتتوزّع هذه المهام بين الإدارة والتوثيق والتربية والمراقبة الفنية والصحية وفرض العقوبات؛ فمن قبيل المهام ذات الطابع الإداري القيام بقبول التلاميذ وفق الشروط المحدّدة في النصوص المرعية الإجراء لا سيّما في المواد ٣ و ٤ و ٥ و ٦ من القرار المذكور، وتسجيل التلاميذ القدامى والجدد وفق الآلية المحدّدة في المادة ٨ من القرار، وتنظيم امتحان دخول التلاميذ الجدد خلال الفترة التحضيرية من العام الدراسي (المادتان ٩ و ١٠)، وتنظيم الاختبارات المدرسية ونتائجها النهائية في ضوء تطبيق ، مناهج التعليم (المواد ٧٩ و ٨٠ و ٨١ و ٨٢ و ٨٣ و٨٤)، وترشيح التلاميذ للامتحانات الرسمية (المادة ٨٥).
ومن قبيل المهام ذات الطابع التوثيقي قيام المدير بحفظ جميع الأوراق الثبوتية للتلميذ ومستندات امتحان الدخول للتلميذ الناجح في ملف التلميذ وحفظ مستندات التلاميذ غير المقبولين في ملف خاص (المادتان ٣ و ٩)، وإرسال صورة عن كامل الملف إلى المدرسة الرسمية الجديدة بالبريد المضمون في حال انتقال التلميذ إليها (المادة ٣).
ومن قبيل المهام التربوية إعطاء التلاميذ القدوة الحسنة في الانضباط واحترام القوانين والأنظمة (المادة ٣٩)، ومن المهام التي تدخل في باب المراقبة الصحية، العناية بصحة التلامذة ومراقبة جلوسهم والتنبّه إلى الحالات المرضية التي قد تتفشى بينهم (المادة ٩٨ )، وحثّهم على العناية بالنظافة وحملهم على الإسهام في الهيئات العاملة في هذا الحقل (التعميم ١٠٠/٦٧).
ومن المهام التي تدخل في باب فرض العقوبات إعطاء التلميذ الذي تخلّف عن أيّ من الاختبارات المدرسية لأسباب ، غير مبرّرة صفراً في المادة التي تخلّف عنها (المادة ٨٢)، وإعطاؤه صفراً في المادة التي غشّ أو حاول الغش فيها خلال الاختبارات المدرسية (المادة ٨٣)، وجواز عدم ترشيح التلميذ لامتحانات الشهادة المتوسطة الرسمية إذا تخلّف عن الحضور بنسبة تزيد على ٢٠ ٪ من مجموع أيام التدريس السنوية وجواز عدم السماح للتلميذ بالاشتراك في الاختبار المدرسي النهائي إذا تخلّف عن الحضور بالنسبة نفسها (المادة ٨٥)، فرض العقوبات الأربع الأولى المحدّدة في المادة ٧٧ من القرار ١١٣٠/م/ ٢٠٠١ في حال مخالفة التلميذ قوانين المدرسة وأنظمتها والآداب العامة وإبلاغ ولي أمر التلميذ بالعقوبة المفروضة (المادة ٧٧).
٢ـ على مستوى المعلم:
يعتبر المعلم العنصر الأكثر تماسّاً مع المدير، وثمّة اتصال يومي بين الاثنين وعلاقة مباشرة. والمدير هو الرئيس المباشر للمعلم يحدّد له مجال عمله وتوقيته، ويراقب انتاجيته ومستوى أدائه، ويسهر على دوامه وقيامه بواجباته وعلاقته بزملائه وتلاميذه، ويقيّم أداءه من جميع النواحي. هذه المهام يشير إليها القرار ١١٣٠/م/ ٢٠٠١ في عددٍ من مواده، وتتوزّع بين المهام الإدارية المحض والفنية والتربوية والرقابية.
فإدراياً يرأس المدير مجلس المعلمين، ومجلس النظام والتوجيه، ولجان الامتحانات والاختبارات المدرسية، ولجان تنسيق المواد، ولجان النشاط المدرسي ... وله أن يكلف على مسؤوليته من ينوب عنه في الحالة الأخيرة (المادة ٢٢)، ويرسل ملف الموظف المنقول إلى مركز عمله الجديد بالبريد المضمون (المادة ١٢)، ويكلّف أحد المعلمين أو بعضهم من ذوي الكفاءة المسلكية والتربوية القيام بأعمال النظارة، ويكلف المعلمين المراقبة أثناء الفرص في مناوبات دورية إذا دعت الحاجة إلى ذلك (المادتان ٢٨ و ٢٩)، ويحدّد عمل المعلم الإضافي (المادة ٣٦)، ويكلّف أحد مدرسي مادة معينة القيام بمهام التنسيق مع مدرسيها في جميع السنوات المنهجية وله حق إلغاء التكليف إذا دعت مصلحة المدرسة ذلك (المادة ٤٩)، ويكلف أحد موظفي التعليم القيام بأعمال أمانة المكتبة بعد توافر شروط معينة (المادة ٥٠)، ويكلف أحد موظفي التعليم بأعمال مسؤولية المختبر بعد توافر بعض الشروط (المادة ٥٣)، ويمنح المدير أفراد الهيئة التعليمية في مدرسته حق التغيب براتب كامل، لمدة لا تتجاوز خمسة أيام عمل متواصلة أو متقطعة في السنة الدراسية الواحدة وفق أصول معينة (المادة ٧٠).
وفنيّاً يقوم المدير بالتنظيم الفني للتدريس والأعمال المدرسية (المادة ١٨)، ويطّلع على دفاتر تحضير الدروس ودفاتر العلامات والتقييم والدفاتر الدوارة مرة في الشهر على متابعة اداء التلاميذ مع اولياء الأمر. الأقّل (المادة ١٩)، ويحضر الدروس دوريّاً عند كل معلم مرة كل شهرين على الأقّل (المادة ٢٠)، ويرأس لجان تنسيق المواد وينظم آلية عملها (المواد ٢٢ و ٤٨ و ٤٩).
وتربوياً يحرص المدير على احترام أفراد الهيئة التعليمية، ويحظر عليه أن يوجّه إليهم أية ملاحظة أمام التلامذة وأمام الآخرين (المادة ١٧)، ويعمل على التضامن فيما بينهم ومعاملتهم بروح العدل والمساواة في جميع الأعمال المدرسية (المادة ١٨).
ورقابياً يسهر المدير على دوام أفراد الهيئة التعليمية وقيامهم بواجباتهم (المادة ١٨)، ويراقب عمل النظار والمكلفين بالمراقبة اليومية ومربي الصفوف ومعلمي التربية الرياضية والفنية وسائر النشاطات المدرسية (المادة ٢٠).
٣ـ على مستوى الحجاب والخدم والأجراء:
يأمر المدير أو من ينوب عنه حجاب المدرسة وخدمها وأجرائها في ما له علاقة بالمدرسة، لا سيما لجهة تأمين نظافتها والمحافظة على أثاثها وحراسة مداخلها وصيانة طعام التلاميذ وكتبهم ولوازمهم المودعة لديهم ونقل البريد الرسمي (المادة ٨٦).
وينظّم المدير جدولاً بدوام الخدم والأجراء المكلفين القيام بتنظيف المدرسة، قبل الدوام وأثنائه وبعده، ويعلّقه في غرفة الإدارة ويبلّغه إلى أصحاب العلاقة (المادة ٨٧) ويتقيّد بأصول الاستخدام لتأمين أعمال الخدمة والنظافة في المدرسة (المذكرة ٩٦/٨٦).
٤ـ على مستوى المطبوعات المدرسية:
تقسم المطبوعات المدرسية المحدّدة في القرار ١١٣٠/م/ ٢٠٠١ وفي غيره من الأنظمة النافذة إلى سجلات وجداول وبطاقات وملفات ودفاتر، وتغطي جميع جوانب العملية التربوية ومختلف شؤون المدرسة. وعلى المدير التعاون مع موظفي التعليم للقيام بتنظيم المطبوعات المدرسية على أنواعها ووضعها في الأماكن المحدّدة لها (المادة ٣٩)؛ فمن السجلات المطلوب تنظيمها: سجل القيد السنوي للتلامذة، سجل التفقد اليومي للتلامذة، سجل العلامات، سجل الدوام اليومي لموظفي المدرسة، سجل المعاملات الصادرة والواردة، سجل التفتيش والإرشاد الفني، سجل محاضر مجلس المعلمين، سجل محاضر مجلس النظام والتوجيه، السجلات المالية، سجل مكتبة المدرسة، سجل المختبر، سجل أثاث المدرسة وأدوات التدريس، سجل مراقبة العمل المدرسي، السجل الصحي (المادة ١٢)، السجل المالي الفصلي، السجل المالي اليومي، سجل محاضر جلسات اللجنة المالية (المادتان ١٤ و ١٥ من القرار ٩٦/٤٥٥)، سجل خاص بأعمال التأمين (المادة ٣٥).
ومن الجداول المطلوب تنظيمها : الجدول السنوي لتوزيع المواد الدراسية على الأشهر، الجدول الأسبوعي للدروس والواجبات المدرسية، جدول توزيع المسابقات الشهرية، الجدول العام لتوزيع الدروس على غرف التدريس، الجدول العام لتوزيع حصص التدريس والتناقص والفراغ والمناوبة على المعلمين، جدول توزيع ساعات دوام المسؤول عن المدرسة، جدول توزيع ساعات دوام ومهام النظار وأمين المكتبة ومسؤول المختبر، لائحة بأسماء التلامذة في كل صف، لائحة بأسماء مربي الصفوف، لائحة بأسماء الكتب المدرسية المعتمدة رسمياً (المادة ٤٥)، جدول بتوزيع أعمال المراقبة أثناء الفرص (المادة ٢٩)، جدول أوقات العمل المدرسي لشهر رمضان في المدارس ذات الأكثرية الإسلامية (التعميم ٥٤/١٠٨٣)، جدول بدوام الخدم والأجراء المكلفين القيام بتنظيف المدرسة (المادة ٨٧).
وفي السياق نفسه على المسؤول عن المدرسة تنظيم ملفات الموظفين والتلاميذ، وملفات الوارد والصادر المحفوظات، وملف فواتير الانفاق والمستندات المالية (المادة ١٢)، وملف خاص لمستندات التلامذة غير المقبولين في امتحان الدخول (المادة ٩)، وتنظيم بطاقة التلميذ الشخصية وبطاقة موظف المدرسة (المادة ١٢) ولا بدّ من الإشارة إلى أن المطبوعات المدرسية تغطي عند تنظيمها العملية التربوية من جميع جوانبها الإدارية والفنية والمالية والمادية والبشرية.
٥ـ على المستوى المالي:
يحدّد القرار ٤٥٥ تاريخ ٩/١٨/ ١٩٩٦ المهام المالية للمسؤول عن المدرسة لا سيما في المواد ٢، ٦، ٨، ٩، ١٠، ١١، ،١٣، ١٧، ٢٠، ٢١ و٢٥. وتتراوح هذه المهام بين ، الصلاحيات والواجبات والمحظورات. وإذا كانت الصلاحيات تنحصر في حق المسؤول في الموافقة على صرف مبلغ معيّن يحدّده وزير التربية والتعليم العالي دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من المرجع المختص، فإن الواجبات كثيرة ومتعدّدة، فمن استيفاء مساهمات الأهلين وإيداعها المصرف المعتمد (المادة ٦)، إلى استيفاء الرسوم المالية وتسديدها (المادة ٨)، إلى تنظيم البيانات المالية وتدقيقها وإجراء المحاسبة عليها (المادة ٩)، إلى رئاسة اللجنة المالية وتنظيم عملية انتخابها (المادة ١٠)، إلى نيل الموافقة على محضر جلسة الانتخاب وإيداعها المصرف المعتمد لتسهيل عملية الإيداع والصرف (المادة ١١)، إلى دعوة اللجنة المالية للاجتماع شهرياً وكلّما رأى ذلك ضرورياً (المادة ١٣)، إلى إيداع الوحدة المختصة في موعد أقصاه ٣٠ حزيران : بيان قطع الحساب وبيان المداخيل ومشروع الموازنة وكشف الحساب من المصرف (المادة ١٧)، إلى أخذ الموافقة المسبقة على تعدّي كمية المحروقات المستهلكة السقف المحدّد للاستهلاك (المادة ٢٠)، إلى إرسال المستندات المالية اللازمة إلى المرجع المختص لإجراء الرقابة المؤخرة عليها وتلك التي تستدعي رقابة مسبقة للموافقة على صرفها (المادة ٢١). وجميع هذه الواجبات على المدير أن ينهض بها لتستقيم العملية المالية في المدرسة. وفي مقابل هذه الواجبات، يحظر على المسؤول عن المدرسة استيفاء أو جباية أو المشاركة في جباية أية أموال إضافية لا تنصّ عليها الأنظمة النافذة (المادة ٢).
٦ـ على مستوى البناء المدرسي:
لا تتوقف مهام المدير عند العناصر البشرية للعملية التربوية بل تتعداها إلى العناصر المادية فتشمل المحافظة على البناء المدرسي بأقسامه ومرافقه ومحتوياته، والعناية بالنظافة العامة فيه (المادة ١٨ من القرار ١١٣٠/م/٢٠٠١)، ولا بدّ أن يتّم ذلك من خلال الدور الرقابي الذي يمارسه المسؤول على الخدم والحجاب والأجراء أولاً وعلى جميع العاملين في المدرسة ثانياً. وتمتد مهام المدير إلى الإشراف على تنفيذ أعمال الصيانة والترميم والاصلاحات المختلفة المقرّرة لمبنى المدرسة، ورفع تقرير عند انتهاء هذه الأعمال إلى رئيس المنطقة التربوية المختصة مبيّناً فيه الأعمال المنفذة ومبدياً رأيه فيها بوضوح (المادة ٩٩) كما يراقب تنفيذ صاحب البناء المدرسي المستأجر الشروط المطلوبة منه، فلا يؤشر على عقد الإيجار إلاّ بعد التثبّت من التنفيذ (التعميم ٦٦/٣٨).
وإذا كانت مهام المدير الآنفة الذكر تتعلق بعناصر داخلية لها آثارها المباشرة على العملية التربوية، فإن ثمة عناصر خارجية ليست بأخفى أثراً ولا أقلّ تأثيراً في هذه العملية، وللمدير مهام تتعلق بها، تحدّدها الأنظمة المرعية الإجراء. ولئن كان المقام يضيق عن مقاربة هذه العناصر، فلا أقلّ من التوقف عند عنصرين اثنين هما : العلاقة مع الرؤساء، والعلاقة مع الأهل.
٧ـ على مستوى العلاقة مع الرؤساء:
إذا كان مدير المدرسة هو الرئيس المباشر لجميع الموظفين والعاملين فيها (المادة ١٧ من القرار١١٣٠/م/٢٠٠١)، وله صلاحيات يمارسها على مرؤوسيه وعليه واجبات نحوهم، فهو، بدوره، مرؤوس وعليه واجبات تجاه رؤسائه ومهام يجب القيام بها لتستقيم الأمور التربوية. فالمدرسة ليست جزيرة منفصلة عمّا حولها، إنما هي حلقة في سلسلة، وجزء من كل، تتأثر بالحلقات الأعلى، وتنفعل بالأجزاء الأكبر.
وتتراوح مهام المدير، على هذا المستوى، بين الحصول على موافقة مسبقة على إجراءات معينة وإيداع جداول وبيانات، وتقديم مستندات، وإحالة معاملات، وإبلاغ بمستجدات، ورفع تقارير. ويتبيّن من هذه المهام أن الاتجاه الغالب على حركتها ينطلق من المدير إلى رؤسائه وليس العكس، على أن هذا لا يمنع من تحوّلها إلى حركة مكوكية عند الضرورة، مع العلم أن وجود هذه الحركة بين الطرفين كثيراً ما يكون مؤشراً على صحة العملية الإدارية، ويعود بالبركة على المدرسة. فمن هنا مرؤوسٌ يمارس مهامه ويقدّم اقتراحاته وينقل صورة واقعية عن سير العمل في وحدته الإدارية، ومن هناك رئيس يراقب ويحاسب ويوجه ويرشد. وهكذا، يكون في الحركة بركة حين لا تكون أحادية الاتجاه، بل حين تكون مكوكية بين الاتجاهين ـ طرفي العلاقة : المدير ورؤسائه.
وإذ ننتقل من التعميم إلى التخصيص، نشير إلى أن على المدير أن يقوم بأخذ موافقة مدير التعليم الابتدائي الخطية بناءً على رأي رئيس المنطقة التربوية على إحداث السنة السابعة من مرحلة التعليم الأساسي بعد توافر شروط معينة، وعلى أي تعديل على الدوام الرسمي قبل تطبيقه على أن يُعلم التفتيش التربوي بذلك (المادتان ٣١ و ٣٢ من القرار ١١٣٠ /م/ ٢٠٠١)، وعلى تشعيب الصف الواحد أو إحداث صف جديد من دون توافر الشروط القانونية لذلك (المادة ٣٠).
وعلى المدير إيداع المنطقة التربوية المختصة مغادرة ومباشرة عمل الموظف المنقول إلى مدرسته (المادة ٩٤)، وإيداعها نسخة كاملة عن ملف القضية التي ينظر فيها مجلس النظام والتوجيه إذا كان القرار المتخذ في المجلس يحتاج إلى موافقة رئيس المنطقة التربوية ليصبح نافذاً (المادة ٦٥).
وعلى المدير إرسال بيانات بأسماء الموظفين المتعاقدين مع مؤسسات التعليم العالي والثانويات بموجب المرسوم ٤٤ تاريخ ١٠/٢/ ١٩٩٤ إلى مديرية التعليم والمنطقة التربوية والتفتيش التربوي (التعميم ٦٤/٧٩).
وفي إطار تقديم المستندات وإحالة المعاملات، على المديرأن يحيل التقارير الطبية العائدة لموظفي التعليم إلى المنطقة التربوية والقائمقام والتفتيش التربوي (التعميم ٤٥ تاريخ ٥/١٦/ ١٩٦٧)، وأن يحيل طلبات الإجازة الخاصة إلى المنطقة التربوية وطلبات قطع الإجازة الخاصة أو تعديلها أو إلغائها مبدياً رأيه في كل منها (المادة ٦٩ من القرار ١١٣٠).
وفي إطار الإعلام بالمستجدات الحاصلة في المدرسة، على المدير إعلام الرؤساء المباشرين بالأحداث التي تقع في مدرسته وإجراء التحقيقات الأولية واستجواب أصحاب العلاقة خطياً وتقديم تقريره بهذا الصدد، وعليه إعلام المنطقة التربوية بالنقص أو الزيادة الحاصلة في عدد أفراد الهيئة التعليمية في مدرسته (المادة ٢٤). وعليه إعلام المنطقة التربوية خطّياً في حال عدم استئناف الموظف عمله في نهاية الإجازة، وعليه إعلامها بمدة غياب الموظف الإضافي وأسبابه عند عودته، وعليه إعلامها بتاريخ استئناف الموظف عمله بعد إجازة خاصة مهما كانت مدتها (المادة ٧٢). وعلى المدير إحصاء تغيّب المعلمين وإبلاغ مديرية التعليم والتفتيش والمصلحة الإدارية المشتركة بهذا الإحصاء (التعميمان ٧٣ و٦٧/١١١).
وفي إطار رفع التقارير، على المدير أن يرفع إلى رؤسائه في نهاية كل عام دراسي تقريراً عن سير العمل في مدرسته ويرسل نسخة عنه إلى التفتيش التربوي قبل منتصف شهر تموز (المادة ١٠٠ من القرار ١١٣٠/م/ ٢٠٠١).
٨ ـ على مستوى العلاقة مع الأهل:
من نافل القول إن العلاقة بين المدرسة والأهل شرط ضروري لنجاح المدرسة وتقدمها وزيادة إنتاجيتها. والمسيرة التربوية التي يشترك الأهل فيها من دون قيامهم بدورهم ماديّاً ومعنوياً هي مسيرةٌ عرجاء. والمدرسة وحدها لن تستطيع النهوض بالأعباء التربوية الكبيرة والمتراكمة يوماً بعد يوم ما لم يشدّ البيت أزرها ويعضد المجتمع الأهلي قواها. وإذا كانت هذه العلاقة في الماضي قد اقتصرت على المبادرات الفردية، وتوقفت على مستوى ما يتمتع به الأهل من وعي وإحساس بالمسؤولية، وافتقرت إلى الإطار التنظيمي الملائم فجاءت النتائج متفاوتة، فإن صدور القرارات التنظيمية المتتابعة المتعلقة بإنشاء مجالس الأهل في مدارس التعليم الأساسي، وآخرها القرار ٨٠٧/م/ ٢٠٠١ تاريخ ٤ تموز ٢٠٠١(٦)، جاء لينظم العلاقة بين المدرسة والأهل، وليضع الإطار القانوني اللازم لها. ولعلّ توافر الظروف الملائمة لتطبيق هذا القرار من شأنه تفعيل العملية التربوية في المدرسة.
وبعيداً عن الاستطراد يرتّب القرار المذكور على مدير المدرسة مهام جديدة لم يلحظها القرار ١١٣٠/م/ ٢٠٠١. فإذا كان القرار المذكور قد حصر مهام المدير على هذا المستوى بتنظيمه التعاون بين المدرسة وأولياء التلاميذ من دون تحديد آلية هذا التعاون ومجالاته (المادة ١٨)، وبضرورة الحصول على الإذن لمسبق لإقامة الحفلات التي يُدعى إليها الأهلون (المادة ٨٩)، فإن القرار ٨٠٧ /م/٢٠٠١ أناط بالمدير مهام جديدة تحدّد آلية تنظيم التعاون ومجالاته؛ من تأمين مركز لعمل مجلس الأهل حيث يسمح البناء المدرسي بذلك (المادة ٣)، إلى قبول تفويض أحد أقرباء التلميذ ولاية أمره (المادة ٥)، إلى توجيه الدعوات لانتخاب الهيئة العامة للمجلس (المادة ٩)، إلى دعوة الهيئة العامة للاجتماع بصورة استثنائية (المادة ١٨)، إلى دعوة اللجنة الإدارية لعقد جلسات طارئة (المادة ١٩)، إلى الاتفاق مع رئيس المجلس على توجيه الدعوة إلى اجتماعات اللجنة الإدارية واجتماعات الهيئة العامة (المادة ٢٢).
هذه المهام تبدو المبادرة فيها في يد المدير، يقرّر وينفذ. على أن مهام أخرى تبدو المبادرة فيها في يد المجلس وللمدير دور الشريك أو الوسيط أو المقرّر؛ فقد نصّ قرار إنشاء المجلس على أن تنسق اللجنة الإدارية أعمالها مع المدير، وترفع توصياتها وتقاريرها واقتراحاتها إلى رئيس المنطقة بواسطته وعليه أن يبيّن رأيه بشأنها، ويجب أن يقترن أي نشاط للمجلس بموافقة المدير ورئيس المنطقة التربوية المختصة (المادة ٣٠).
ومن جهة ثانية، فإن وضع موازنة المجلس يتّم بالتنسيق مع مدير المدرسة (المادة ٢٦).
مواصفات المدير الناجح
تأسيساً على ما تقدّم، نتساءل: من هو المدير الناجح؟ وما هي المواصفات التي ينبغي توافرها فيه حتى يستحق هذه الصفة؟
على ضوء التجربة والواقع والنصوص والأنظمة النافذة يمكن القول إن المدير الناجح هو ذاك الذي تتوافر فيه جملة مواصفات تتعلق بشخصيته ومسلكه وكفاءته وثقافته وموقعه الاجتماعي، والواحدة من هذه المواصفات لا تصنع بمفردها مديراً ناجحاً، ولا بدّ من اجتماعها كلّها أو جلّهِا في المدير ليكون ناجحاً.
وعليه، فالمدير الناجح هو ذاك الذي يتمتع بكفاءة أخلاقية ومسلكية عالية، يقتدي به تلاميذه، ويحترمه مرؤوسوه، ويثق به رؤساؤه والأهلون. وهو ذاك الذي يتميّز بكفاءة علمية تؤهله ليشغل موقعه عن جدارة واستحقاق. وهو صاحب الشخصية القيادية يؤثر في مرؤوسيه ويقودهم إلى ما فيه المصلحة العامة. وهو لحريص على تطبيق القوانين والأنظمة النافذة بروحها المحيي لا بحرفها المميت. وهو الذي يتمتع بحس داري مرهف فيتخذ المبادرات والقرارات المناسبة في الوقت المناسب. وهو المثقف تربوياً المواكب لآخر المستجدات التربوية يوظفها في عمله بما يعود على المدرسة بالفائدة والخير. وهو المثقف فنياً و بطرائق تدريس تتيح له إبداء الملاحظات والإرشادات الصحيحة في مراقبة العمل المدرسي. وهو المطّلع إدارياً وقانونياً بما يجنّبه المخالفة ويصوّب عمله آلية وهدفاً. وهو، فوق هذا كلّه، ذاك المتمتع بحسّ اجتماعي، يتفاعل مع مجتمعه وينسج العلاقات التي تعود على المدرسة بالخير والنفع.
وهكذا، إذا ما اجتمعت هذه المواصفات كلّها أو جلّها في مدير المدرسة أهّلته للنهوض بمهامه على خير وجه، وفتحت أمام المدرسة سبل التقدّم والنجاح، وإذا ما افتقر المدير إلى مثل هذه المواصفات كبت المدرسة وتعثّرت، فتوافر هذه المواصفات في المدير شرط لنجاحه في مهامه. وللمدرسة مديرها، وللجسد رأسه، ولا يستقيم الجسد المدرسي إلاّ إذا استقام الرأس.
المراجع
١- النهار، العدد ١٨٦٦٧ ، الصادر في الثلاثاء ٢٦ تشرين الأول ١٩٩٣.
٢- لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط. ٩٢ ، المجلد الرابع، ص. ٢٩٦.
٣- المنجد في اللغة والإعلام، منشورات دار المشرق، بيروت، الطبعة ٢٧، ص. ٢٢٨ و ٢٢٩.
٤- لسان العرب، المجلد الرابع، ص. ٢٩٩.
٥- لسان العرب، المجلد السادس، ص. ٩١ و ٩٢.
٦ـ صدرت قرارات سابقة لهذا القرار تتعلق بمجالس الأهل، منها القرار ٤٦٧/م/ ١٩٩٦ تاريخ ٩/٢٨/ ١٩٩٦، والقرار ٤٤١ /م/ ٢٠٠٠ تاريخ ٢٠٠٠/٨/٣١.