صعوبات التعلّم
صعوبات التعلّم
ظهر مفهوم صعوبات التعلّم نتيجة الحاجة إلى تشخيص الخدمة وتقديمها إلى عدد من الأطفال ممن كانوا يفشلون في تحصيلهم المدرسي علمًا أنهم ليسوا متخلفين عقليّاً ولا مشوّهين جسديًا. ونذكر على سبيل المثال بعض مشاهير العالم(١) الذين كانوا يعانون من هذه الصعوبات، وأثبتوا فيما بعد أنهم نوابغ عصرهم:
توماس إديسون (١٨٤٧-١٩٣١) (Thomas EDISON) المخترع الأميركي الشهير الذي ارتبط اسمه بالمصباح الكهربائي كان يُقيّم في الصف على أنّه متخلف وغبي. |
أوغست رودان (١٨٤٠-١٩١٧) (Auguste RODIN) النحات الفرنسي الشهير، وصفه أساتذته بأنّه غير قادر على التعلم. |
ألبرت أينشتاين (١٨٧٩-١٩٥٥) (Albert EINSTEIN) عالم الفيزياء الشهير الذي كان يعاني في صغره من مشاكل في النطق وفي التعبير وفي الحساب. |
وودرو ويلسون (١٨٥٦-١٩٢٤) (Woodrow WILSON) الرئيس الأميركي الذي لم يتمكن من القراءة إلاّ في الحادية عشرة من عمره. |
تعدّدت العلوم لدراسة تلك الحالات، فكانت محطّ اهتمام المربين وعلماء النفس وعلماء الأعصاب وأطباء العيون والسمع والمختصين بالنطق، ما أدى إلى ظهور تعريفات متعدّدة مرتبطة بحقائق جديدة تتصل بمصطلح "صعوبات التعلّم" حيث مرّ هذا المصطلح في مراحل عدّة قبل أن يظهر كمفهوم مستقل في ميدان التربية المختصة. منذ العام ١٩٠٠، بدأ العمل على هذا الموضوع من خلال الملاحظات. فبرزت أسماء كبيرة في هذا المضمار كـ Samuel Orton و Strauss و Kirk الذي يعتبر أول من وضع مصطلح "صعوبات التعلّم" (Learning Disabilities) عام ١٩٦١ ، وعرفّها على أنها الحالة التي يُظهر صاحبها مشكلة أو أكثر في النطق واللغة ولكن من دون إعاقة حسية ومن دون تخلف عقلي(٢). وفي العام ١٩٧٥، عرّفت الهيئة الاستشارية الوطنية للأولاد المعوقين (NACHC)
"National Advisory Committee on Handicapped Children"
ذوي صعوبات التعلّم على أنّهم أولئك الأطفال الذين تظهر لديهم اضطرابات في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية كما تظهر في فهم اللغة واستعمالاتها المكتوبة والمنطوقة وفي التعبير والحساب. وليست لها علاقة بأي من الإعاقات الجسمية أو العقلية(٣).
فتكوّن بالتالي مجموعة من الاضطرابات الذاتية الداخلية التي تتعلق بقصور في أداء الدماغ لوظيفة ما.
أولاً: أسباب صعوبات التعلّم
إن لصعوبات التعلّم أسباباً عديدة، أبرزها:
١- التلف الدماغي
من المحتمل أن تكون الصعوبات التي يعاني منها الفرد عائدة إلى تلف في الدماغ أو العجز الوظيفي أو ما قد يصيب الدورة الدموية من مشاكل، الأمر الذي يؤثّر على نمو الجهاز العصبي عند الجنين خلال الحمل، أو أثناء الولادة، وقد يؤثّر أيضاً على الدماغ، فيصيبه إصابات مباشرة تؤثّر على نموه.
كما وأن فترة الحمل عند الأم لها أثرها على الجنين، حيث إنّ نقص التغذية عندها خلال فترة الحمل، والأمراض التي تصيبها، كالحصبة الألمانية أو الحمّى أو التسمّم، قد تسبّب أنواعًا من الشذوذ المختلفة وتؤدي بالتالي إلى تلف دماغي بسيط، فضلاً عن النمو غير السوي للنظام العصبي للجنين بسبب تناول الأم الحامل للكحول والمخدرات خلال مرحلة الحمل.
أما بعد الولادة فالسقوط من الأعلى أو تعرض الطفل لحادث أو لبعض الالتهابات، قد يؤدي إلى ارتجاج في الدماغ، ما يؤثّر سلباً على مساره التعلمي، أضافةً إلى ما قد يعانيه حيال ذلك من صعوبات تعليمية.
٢- التأخر في النضج
قد يتأخر النمو العقلي والجسمي عند الطفل بشكلٍ يجعله غير قادر على السيطرة على توازنه في الحركة والنطق والسمع ... فالدماغ مستمر في نموّه بإحداث قنوات عصبية جديدة مرتبطة بالأخرى القديمة، إذ إن نتيجة التأخر في النضج قد تؤدي الى صعوبات في التعلّم.
٣- العامل الوراثي
ترى الدراسات أن نسبة ٢٥ ٪ إلى ٤٠ ٪ من الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلّم، قد انتقلت إليهم بفعل عامل الوراثة(٤).
٤- العوامل البيوكيماوية
يتكوّن الدماغ من ملايين الخلايا العصبية التي يتصّل كلٌّ منها بخلايا أخرى معيّنة، تُنتج نوعًا من الكيماويات. تُسمّى هذه الخلايا التي تنقل الرسائل من خلية عصبية إلى أخرى بال ''عصب الناقل". وقد تتعرض ناقلات العصب إلى قصور من منطقة معيّنة من الدماغ حيث لا تقوم بوظيفتها بالشكل المطلوب ما ينتج عنها صعوبات في التعلّم.
٥- البيئة والتغذية
قد ينتج عن المثيرات البيئية كتلوثّ الهواء ومبيدات الحشرات والأدوية الزراعية ضعف في الأداء المدرسي.
أما بالنسبة للتغذية فقد تبيّن أن النقص في السكر والبروتيين وزيادة المواد المضافة إلى الأطعمة يؤثّران على عملية التعلّم عند الولد.
٦- عوامل طبية
تبيّن الدراسات أنّ هناك نسبة عالية ممن يعانون من صعوبات التعلّم، يعانون من الحساسية الزائدة. وينطبق الأمر نفسه على الذين يعانون من أمراض الأذن وما يلحقها من التهابات، فينتج عنها قصور في منطقة الدماغ الخاصة باللغة وعملية السمع.
ثانياً: تصنيف صعوبات التعلّم(٥)
تنقسم صعوبات التعلّم إلى قسمين:
أ- صعوبات التعلّم النمائية
وهي الاضطراب في الوظائف والمهارات الأولية التي يحتاجها الفرد بهدف التحصيل في الموضوعات الأكاديمية. وتعتبر هذه المهارات أساسية لتعلم الكتابة والقراءة والتهجئة أو إجراء العمليات الحسابية. وما الاضطراب الكبير في تلك المهارات إلاّ دليل واضح على أن الفرد يعاني من صعوبات تعلّم نمائية، وهي تشمل:
١- صعوبات الادراك
- البصري، وتتميّز بصعوبة:
- الادراك المكاني أو الفراغي (البُعد، تحديد المسافة، تحديد الجهات)
- خلفية الشيء
- التركيز على الأشكال المتشابهة
- التمييز البصري.
- السمعي، وتتميّز بصعوبة :
- تحديد مصدر الصوت
- تمييز الصوت (الحروف المتشابهة)
- الذاكرة السمعية التتابعية
- تفرقة الأصوات، أي التمييز السمعي.
- اللمس، وتتميّز بصعوبة :
- التمييز بما يحتك به أو يلمسه
- الارتياح عند الاحتضان منذ الولادة.
وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من صعوبات تتعلق باللمس يلجؤون إلى العنف لتجنب كل من وما يلمسهم.
- الذوق والشم، وتتميّز بصعوبة:
- إدراك حقيقة الأطعمة والروائح.
ويتميز الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في التذوق والشم بالحساسية المفرطة.
٢- صعوبات التفكير
وتتميز بصعوبة التوافق والانسجام: (تركيب كلمة من أحرف وتمييز معناها).
- صعوبة التتالي والتتابع: (نقص في تسلسل الأخبار أو سرد قصة بطريقة غير منظمة).
- صعوبة الاستدلال والتعميم: (نقل حالة خاصة إلى العموم).
٣- صعوبات التذكر
وتتميز بصعوبة اختزان المعلومات في الذاكرة القصيرة والبعيدة المدى، وبصعوبة متابعتها وتنظيمها وتوظيفها في حالات أخرى وصعوبة استعادتها عند الحاجة.
ب- صعوبات التعلّم الأكاديمية
يقصد بصعوبات التعلّم الأكاديمية المشكلات التي تظهر أصلاً من قبل أطفال المدارس وهي:
١- الصعوبات الخاصة بالقراءة (Dyslexia)
تعدّ صعوبات القراءة من أكثر الموضوعات انتشارًا بين التلامذة من ذوي الصعوبات التعلمية، حيث تتمثّل بـ :
ـ حذف بعض الكلمات أو أجزاء من الكلمة المقروءة.
ـ إضافة بعض الكلمات غير الموجودة في النص.
- إبدال بعض الكلمات بأخرى قد تحمل المعنى نفسه (تلاميذ = طلاب).
- إعادة بعض الكلمات أكثر من مرة من دون أي مبرر.
- قلب الأحرف وتبديلها (برد = درب).
٢- الصعوبات الخاصة بالكتابة (Dysgraphia- Dysorthography)
تحتل الكتابة المركز الأعلى في هرم تعلم المهارات والقدرات اللغوية حيث تسبقها في الاكتساب مهارات الاستيعاب والتحدث والقراءة، وإذا ما واجه الطفل صعوبة في اكتساب المهارات الثلاث الأولى فانه في الغالب سوف يعاني صعوبة في تعلم الكتابة ايضاً وتتمثّل هذه الصعوبة بـ :
- عكس الحروف والأعداد بحيث تكون كما تبدو له في المرآة.
- كتابة المقاطع والكلمات والجمل بأكملها بصورة معكوسة من اليسار إلى اليمين أو بالعكس.
٣- الصعوبات الخاصة بالحساب (Dyscalculia)
ومن سماتها، الصعوبة في:
- تمييز الأحجام والأشكال والقياس.
- العدّ.
- الربط السمعي البصري.
- المسألة الرياضية.
ثالثاً: خصائص ذوي صعوبات التعلّم(٦)
- قصور في التعبير عن الذات وفي التعامل مع الآخرين.
- قصور في التمييز وفي الذاكرتين السمعية والبصرية.
- التشتت في الانتباه.
- النشاط والحركة الزائدة.
- عندما لا يكمل التلميذ ما يبدأ به من عمل عندما يطلب منه ذلك.
- عدم كتابة ما يُطلب من التلميذ بالشكل الصحيح.
- صعوبات إجراء العمليات الأساسية في الرياضيات.
- الحاجة إلى وقت طويل لتنظيم أفكار التلميذ قبل الاستجابة.
- ضعف اكتشاف الأخطاء ذاتيّاً.
- ضعف التناسق الحركي.
- تقلب حاد في المزاج.
رابعاً: تشخيص صعوبات التعلّم
تعتبر عملية التشخيص خطوة أساسية لإيجاد الحلول المناسبة. ويقوم بعملية التشخيص فريق من المختصين، يدرس المعطيات الطبية، النفسية، السلوكية والتربوية. يبدأ بطرح أسئلة تتعلق بالتاريخ الفردي التعليمي والأسري، وغالبًا ما يعتمد على فحوصات طبية يجريها طبيب الأطفال أو طبيب الأعصاب. تقوم عملية التشخيص على قاعدتين وهما :جمع البيانات وتحليلها لاتخاذ قرار حول وجود هذا الاضطراب أو نفيه(٧). وعلى أساسها، يتّم التخطيط للمعالجة. ويُستخدم لهذه الغاية مجموعة من المحكات(٨) ، وهي:
التباعد أو التباين: يشير هذا المحك إلى الفرق بين التحصيل المتوقع من الطفل في مرحلة عمرية معينة والتحصيل الفعلي لهذا الطفل في المرحلة العمرية نفسها، حيث إن ذكاء التلاميذ ذوي الصعوبات التعلّمية يكون متوسطًا أو فوق المتوسط، إلاّ أنهم يواجهون مشكلات تنتج تدنيًا في التحصيل الأكاديمي مستقبلاً.
الاستبعاد: يجب التفريق بين صعوبات التعلّم والتخلف العقلي والجسدي وتالياً هناك اختلاف بين الحالتين يحتّمِ التفريق بين البرامج التربوية لكل منهما.
محك التربية الخاصة: الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلّم بحاجة إلى طرق خاصة في التعليم، تصمّم خصيصاً لمعالجة مشكلاتهم ومساعدتهم على النمو والتطور، ومن دون هذه الخدمة لا يتمكنون من التعلّم بالطريقة المتبعة مع رفاقهم العاديين في غرفة الصف، حيث يحتاجون إلى أنواع من التعليم تتصّف بكونها أكثر وضوحًا ومباشرة وتكثيفًا ودعمًا مما يوفره التعليم في الصف العادي.
خامساً: فوائد تشخيص صعوبات التعلّم
- فرز الذين قد يعانون من صعوبات التعلّم.
- تقرير ما إذا كان التلميذ يستحق تقديم خدمات خاصة.
- تحديد نقاط القوة والضعف عند التلميذ.
- وضع أهداف البرنامج التربوي الفردي وأساليبه.
- تقييم فعالية البرنامج التربوي.
سادساً: المعالجة(٩)
تتطلب صعوبات التعلّم تثقيفًا لذوي الطفل وتوعيةً لهم. وتكون المعالجة متعدّدة الأبعاد بغية تحقيق التكامل في محيط الطفل، أي البيت والمدرسة.
دور الأهل
ـ القراءة المستمرة عن صعوبات التعلّم والتعرّف إلى أسس التدريب والتعامل المتّبعة للوقوف على الأسلوب الأمثل لفهم المشكلة.
ـ التعرّف إلى نقاط القوة والضعف لدى الطفل بالتشخيص من خلال الاختصاصيين في صعوبات التعلّم وعدم الخجل من السؤال عن المصطلحات أو الأسماء الخاصة بهذه الظاهرة.
ـ إيجاد علاقة قوية بينهم وبين معلم الطفل أو أي أختصاصي له علاقة به.
ـ الاتصال الدائم بالمدرسة لمعرفة مستوى التحصيل التعلّمي عند الطفل.
ـ توضيح طريقة القيام بالعمل (شرح العمل وتكراره).
ـ وضع قوانين وأنظمة في البيت بحيث يجب أن يردّ كل شيء إلى مكانه بعد استخدامه، وعلى جميع أفراد الأسرة اتباع تلك القوانين لأن الطفل يتعلم الاقتداء بالآخرين.
ـ حرمان الطفل من الأشياء التي لم يعدها الى مكانها.
ـ مكافأة الطفل إذا أعاد ما استخدمه واذا أنهى العمل المطلوب منه.
ـ عدم مقارنة الطفل بإخوته أو بأصدقائه خصوصًا في حضورهم.
ـ ترك الطفل يقرأ بصوت مرتفع كل يوم لتصحيح أخطائه.
دور المدرسة
بما أن للمدرسة الدور الأهّم في معالجة هذه الصعوبات، لذلك عليها تبنّي الطرائق(١٠) التي تسهم في تحقيق أهدافها العلاجية والتي تشمل :
ـ معلمة / معلمة مختصة.
ـ مواد ووسائل داعمة : كالألوان، المخططات التنظيمية، قاموس، آلة حاسبة، رموز للانتباه والتركيز وتحديد الاتجاهات، كمبيوتر، آلة تسجيل.
ـ طرائق داعمة: تكرار الدروس، تجزئة الأهداف التعلمية لتنمية مهارات التفكير والإدراك والتركيز والتنظيم.
ـ توفير أفضل بيئة تعليمية للتلميذ.
ـ رفع معنويات التلميذ وتعزيز ثقته بنفسه.
ـ المساعدة على علاج المشاكل العاطفية والاجتماعية بالتنسيق مع الأهل.
خلاصة
قد تكون هذه الظاهرة منتشرة في مدارسنا وبيوتنا ولكنها تفتقر إلى تشخيصٍ محدّد، وبالتالي يكون انعكاسها سلبيّاً على نفسية الطفل وعلى مساره التعلمي. لذلك لا بدّ من الوثوق بعملية التقييم ونتائجها، ومن ثم العمل على إيجاد أساليب مناسبة للتخفيف من وطأة المشاكل التي قد يواجهها الطفل. وهنا لا بدّ من خلق بيئة تحتضن الطفل كما هو، وظروف مناسبة لإظهار قدراته الفكرية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلاّ عبر التواصل الدائم بين الأهل والمدرسة.
الهوامش:
١- الهيئة اللبنانية لمتابعة الصعوبات التعلّمية، بيروت لبنان، ''الصعوبات التعلّمية: طبيعتها، أبعادها وانعكاستها التربوية'' ، بيروت، ١٩٩٦ ، ص. ١٥
٢- المرجع السابق، ص. ١٨.
٣- سليم، مريم، "علم النفس التربوي''، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، بيروت لبنان، ٢٠٠٤ ، ص. ٤٣٠.
٤- عدس، عبد الرحيم، "صعوبات التعلّم''، الطبعة الأولى، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ عمّان، ١٩٩٨ ، ص. ٤٢.
٥- الندوة الإقليمية في صعوبات التعلّم، عمان ـ الأردن، ٢٠٠٠/٦/١٣
٦- المرجع نفسه، ص. ١٦٩
٧- المرجع نفسه، ص. ٤٨
٨- سليم، مريم، ''علم النفس التربوي''، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، بيروت لبنان، ٢٠٠٤ ، ص. ٤٣٠
٩ - عدس، عبد الرحيم، المرجع السابق، ص. ٢٥٣
١٠- ورشة عمل وطنية حول ''الحاجات التربوية لذوي الحاجات الخاصة''، مداخلة د. سمر مقلّد، المركز التربوي للبحوث والإنماء، كانون الثاني ٢٠٠٥.