وسائل وتكنولوجيا التعليم - تحديد المفاهيم

بعض المصطلحات المتداولة في ميدان التربية والتعليم تكتسب شهرة وتنتشر بسرعة بين الناس من دون تحديد دقيق لمفهومها -غالبا-؛ وحظ مصطلحَيْ "تكنولوجيا التربية" و "تكنولوجيا التعليم" في إلاستعمال وافر هذه الأيام. ويستخدم بعضهم كلمة "تقنية" بدلاً من كلمة "تكنولوجيا" ليصبح المصطلحان هكذا: "تقنيات التربية" و "تقنيات التعليم". والملاحظ وجود ميل عند بعض الباحثين لاستخدام مصطلحات خاصة بهم مصدرها جهدهم الفكري الخاص أو شيوع هذا المصطلح أو ذاك، بدلا من استخدام مصطلحات صادرة عن مرجع تربوي مثل (م.ع.ت.ث.ع.) (١) (A.L.E.C.S.O) أو لغوي،(٢) مع إقرارنا بنقص في هذا المجال.

 

 

 

 

 

مفهوم التكنولوجيا:

دخل مفهوم "التكنولوجيا" ميدان التربية والعلوم الإنسانية من ميدان الصناعة وأحدث ثورة فيها، ودعاها البعض الثورة الصناعية الثانية على اعتبار أن الثورة الصناعية الأولى كان هدفها الطبيعة ومكوناتها واستغلالها لصالح الإنسان، أما الثورة الصناعية الثانية (الثورة التكنولوجية) فهي ثورة من طبيعة محدثة، تنطلق من "الأوتوماتية" وتقوم على أساس تحرير الإنسان من عملية الإنتاج المباشرة وإيكالها للآلة الأوتوماتية وتوجيه فعالية الإنسان ونشاطه نحو مجالات ألصق بطبيعته أي مجالات البحث العلمي والخلق والإبداع والتأثير في الكون وعناصره تأثيراً يصل إلى حد التحرر من المواد الأولية فيه واستنباط مواد جديدة متكاثرة والاستغناء عن قيود محدودية الموارد الأولية فيه والاستقلال عنها. بعبارة مختصرة، نقل الإنسان إلى مرحلة البحث والخلق والتنظيم والسيطرة على الكون والمستقبل.... فالثورة التكنولوجية - حسبما يراها البعض - هي ثورة النصف الثاني من القرن الماضي والنصف الأول من هذا القرن؛ والولوج فيها رهن بمدى إدراك معناها وروحها وجوهرها.... إنها ليست مجرد آلات وأجهزة وتكنولوجيا ننقلها وإنما هي عقلية جديدة وتقنيات جديدة.(٣) وقد انعكس ذلك على الواقع من خلال ثلاثة أمور أساسية هي: التنبؤ بالإنتاج من حيث الكمّ والكيف، والتحكم في عملية الإنتاج عن طريق وضع الضوابط لضمان سير العمل ومستوى كفاءة الإنتاج، والتقييم المستمر للعناصر المحددة سابقا بحيث يمكن معرفة سبب القصور ومعالجته. وتستخدم في ميدان التربية والتعليم ضمن هذا

الإطار.

تكنولوجيا التربية: (Educational Technology)
لا تستطيع التربية أن تعزل نفسها عن روح هذه الثورة التكنولوجية وأساليبها، وقد دأبت  عبر تاريخها - على التفاعل مع كل جديد بالقدر الذي تسمح به طبيعتها وطبيعة موضوعها الذي هو الإنسان، وقد لاحظت بعض الدول المتقدمة أن النظام التربوي عندها ما زال يعيش في أجواء
الثورة الصناعية الأولى، فبذلت جهدا كبيراً لتوليد نظم تربوية جديدة، فأدخلت تغييراً جذرياً في بنية التربية وإطارها التقليدي ومناهجها وطرائقها وإدارتها لاسيما بعد انتشار وسائل البث الجماعية وتكنولوجيا الاتصالات.
المفهوم القديم لـ "تكنولوجيا التربية" يعني استخدام الوسائل التي ظهرت نتيجة ثورة الاتصالات مثل الوسائل السمعية البصرية، التلفزيون، الكمبيوتر وغيرها من الأجهزة والمواد في النشاط التربوي. أما المفهوم الجديد والواسع فيعني: تلك "الطريقة المنظمة لتخطيط وتطبيق العملية الشاملة للتعليم والتعلم وتقويمها، مع الأخذ بالحسبان المصادر الفنية والبشرية والتفاعل بينها للحصول على أفضل شكل فعال للتربية، ومن هذه الرؤية تستخدم تكنولوجيا التربية تحليل النظم كأداة نظرية". (٤).
وقد عرفت منظمة "اليونسكو" مصطلح "تكنولوجيا التربية" بأنها "طريقة منهجية أو نظامية، لتصميم العملية التعليمية بكاملها وتنفيذها وتقويمها استنادا إلى أهداف محدودة، والى نتائج الأبحاث في التعليم والتعلم والتواصل في استخدام جميع المصادر البشرية، وغير البشرية من أجل إكساب التربية مزيدا من الفعالية"، وجاء في تعريف آخر "إن تكنولوجيا التربية تعني تصميم المناهج والخبرات التعليمية وتقويمها والإفادة منها وتجديدها، فهي مدخل منطقي إلى التربية، قائم على حل المشكلات، إنها طريقة للتفكير في التعليم تفكيرا واعيا منظما".(٥)
تتفق التعريفات السابقة في أن تكنولوجيا التربية تعني تخطيط العملية التعليمية/التعلمية وتنفيذها وتقويمها وتطويرها، وذلك باستخدام المصادر البشرية وغير البشرية والوسائل والأدوات والأجهزة لتحقيق بناء الإنسان. ويوجد تعريفات أخرى في أدبيات الاختصاص ولكنها لا تخرج عن مضمون التعريفات السابقة.(٦)


تكنولوجيا التعليم: (Instructional Technology)
يوجد تعريفات عدة لمصطلح "تكنولوجيا التعليم" تضمنتها أدبيات الاختصاص، اخترنا منها الآتي: تكنولوجيا التعليم "هي مجموعة فرعية من تكنولوجيا التربية على اعتبار التعليم مجموعة فرعية للتربية، وهي عملية معقدة متكاملة تشمل الأفراد وأساليب العمل والأفكار والأدوات
والتنظيمات المناسبة التي نستخدمها متكاملة لتحليل المشكلات التعليمية التي تواجهنا وتقرير وتطبيق الحلول لها ثم تقييم وإدارة هذه الحلول، وذلك في المواقف التي يكون التعليم فيها هادفا ويمكن التحكم فيه". (٧) وجاء في تعريف آخر: هي "تنظيم متكامل يضم العناصر الآتية: الإنسان، الآلة، الأفكار والآراء، أساليب العمل، الإدارة بحيث تعمل جميعا داخل إطار واحد".(٨)
وفي هذا السياق يفهم مصطلح "تكنولوجيا التعليم" على أنه تنظيم للمدرسة بشكل عام، وتنظيم الموقف التعليمي /التعلمي بشكل خاص، وفقا لنظرية النظم (System theory)، والفرق بين مفهوم "تكنولوجيا التربية" ومفهوم "تكنولوجيا التعليم" سببه الفرق بين مفهومي "التربية" و
"التعليم"، فالأول يعني بناءً متوازناً لجوانب شخصية الإنسان الأربعة: الجانب الجسدي/ البيولوجي، الجانب النفسي/ العاطفي، والجانب العقلي/المعرفي والجانب الاجتماعي/الثقافي. فالشخصية الإنسانية هي موضوع التربية التي هي بدورها ميدان واسع وشامل تتداخل فيه علوم عدة، وبالتالي تتعاون فيه أيضا مؤسسات عدة، أما "التعليم" فهو يركز بشكل رئيس على جانب واحد هو الجانب العقلي /المعرفي. وتقوم مؤسسات التعليم، بأنشطته المختلفة بالتعاون والتكامل مع مؤسسات أخرى في المجتمع؛ ويجب ألا يفهم من ذلك بأن جوانب شخصية الإنسان الأخرى تبقى من دون نمو؛ بل المقصود بأن مركز الاهتمام هو النمو العقلي/المعرفي وعمليات النمو الأخرى تتبعها بنسب متفاوتة، وما الفصل بين جانب وآخر إلا فصل نظري يقتضيه الشرح والتوضيح.
فمصطلح "تكنولوجيا التعليم" إذن، لا يعني استخدام الوسائل والأجهزة والأدوات فقط خلال تنفيذ العملية التعليمية/التعلمية، ولا يعني تلقين المعلومات من قبل المعلم مستخدما "وسائل إيضاح" أو "وسائل سمعية بصرية" أو "معينات التدريس"(٩) وحفظها من قبل المتعلم، بل يتجاوز كل ذلك ليعني "طريقة في التفكير ومنهج في العمل وأسلوب في حل المشكلات، ويعتمد "أسلوب النظام" لتحقيق أهدافه التربوية آخذا بنتائج البحوث العلمية في كل الميادين الإنسانية والعلمية والتطبيقية حتى يتسنى تحقيق الأهداف بأعلى درجة من الكفاءة والاقتصاد في التكاليف"،(١٠) ويأمل التربويون باستخدام "تكنولوجيا التعليم" بهذا المعنى أن تخضع العملية التعليمية/التعلمية للضوابط العلمية التي تساعد على التنبؤ بمدى تحقيق الأهداف والتحكم في ظروف التعليم للوصول إلى مستويات رفيعة من الأداء.
في ضوء ذلك، تغيرت مفاهيم عدة تطول الموقف التعليمي/التعلمي، فلم تعد مثلاً مهمة المعلم هي الشرح والتلقين والإلقاء بشكل رئيس، بل أصبحت مسؤوليته الأهم هي وضع استراتيجية لعمله تحتل فيها طريقة التدريس والوسائل التعليمية وإعداد قاعة الدراسة وطريقة تجميع المتعلمين والتحكم بالضوابط وتنوع مصادر التعلم مكانا مهما. ويطلق على هذه المكونات مصطلح "منظومة" التي تعني "اتباع منهج وأسلوب وطريقة في العمل تسير في خطوات منظمة وتستخدم كل الإمكانات التي تقدمها التكنولوجيا وفقا لنظريات التعلم والتعليم لتحقق أهداف هذه المنظومة". ولم يعد الكتاب هو المصدر الأوحد للمعلومة بل تعددت المصادر وشملت البيئة بشقيها الطبيعي والاجتماعي واستخدام أحدث الاختراعات مثل الحاسوب (الكمبيوتر). ولم يعد المعلم هو السيد المطاع لامتلاكه تفسير هذه المعلومة بل دخلت الصور بأنواعها العديدة والتسجيلات المسموعة والمرئية (صوت وصورة)؛ وارتبطت المعلومة بالواقع وأصبحت الطبيعة هي الكتاب المفتوح الدائم، ولم تعد المدرسة هي المكان الوحيد للتعلم بل أصبح الخروج إلى الطبيعة والمؤسسات من خلال مفهوم "ربط التعليم بواقع المجتمع". ولم يعد المتعلم هو المتلقي السلبي فيحفظ المعلومات ويخزنها إلى يوم الامتحان، فلم يعد مقبولا أن نرى تلميذا شاخصا بعينيه ناصتا بأذنيه، بل أصبح إكساب المتعلم منهجا للتفكير والبحث أهم من حفظه للمعلومة، وفي ضوء ذلك أصبح الموقف التعليمي/التعلمي هو موقف مخطط ومنظم ينبغي أن يسير وفقا لمراحل وخطوات مدروسة يحتل فيها كل عنصر مكانا محددا، ويأخذ المتعلم وقته اللازم والكافي ليتعرف عليه ويستوعبه ويتدرب على مهاراته الضرورية وصولا إلى الكفاية المطلوبة أو الأهداف المنشودة وباتت الوسائل التعليمية مكونا رئيسا من مكوناته.


الوسائل التعليمية وتكنولوجيا التعليم:
يقصد بمفهوم "الوسائل التعليمية"-  الحديث الواسع - كل ما يستخدم في الموقف التعليمي/التعلمي من أدوات ومواد وتجهيزات وأجهزة داخل المدرسة وخارجها وقد صنفها التربويون تصنيفات عدة متخذين معايير مختلفة، إما حسب طريقة الحصول عليها (جاهزة أو مصنعة) وإما حسب الحواس التي تخاطبها (سمعية/بصرية) وإما حسب قربها من الواقع (مخروط الخبرة لإدجار ديل) وإما حسب طريقة عرضها (آلية وغير آلية) وهو ابسطها تقريبا، وبذلك تكون الوسائل الآلية هي:

  • أجهزة الوسائل السمعية.
  • أجهزة الصور الثابتة.
  • أجهزة الصور المتحركة (السينما والتلفزيون وأجهزة التسجيل التابعة لها).
  • الحاسبات والحاسوب (الكمبيوتر) والانترنيت ولواحقها.

أما الوسائل غير الآلية فهي:

  • المواد المطبوعة (كتب، مجلات، صحف...الخ.)
  • ألواح الصف المتنوعة.
  • الخرائط.
  • الصور والرسوم التعليمية.
  • النماذج المجسمة.
  • العينات الحقيقية.
  • وسائل البيئة المحلية (متاحف، معارض، مزارع، إدارات حكومية، شركات، مصانع...الخ.).
  • المواقف التمثيلية والألعاب التعليمية.

ويتفق أكثر التربويين أن أفضل أنواع التعلم ذاك الذي يكون نتيجة لخبرة مباشرة، ولكن المناهج الدراسية عموماً تتضمن مواضيع يصعب دراستها عن طريق الخبرة المباشرة، وأسباب هذه الصعوبة هي طبيعة الظاهرات المكونة لها، والتي يمكن إيجازها على الشكل الآتي:

  • خطورة الظاهرة على حياة المتعلم.
  • بعدها أو قربها من المتعلم.
  • كبر أو صغر حجم الظاهرة.
  • انقضاء زمن حدوث الظاهرة.
  • سرعة أو بطء نمو الظاهرة.

فتقدم الوسائل التعليمية بدائل مناسبة للتغلب على هذه الصعوبات وجعل الموقف التعليمي/التعلمي أقرب ما يمكن إلى الواقع والخبرة المباشرة.
إن تنوع الوسائل وتعددها في كل موضوع من مواد الدراسة تتيح للمعلم بأن يجعل درسه مشوقا وجذابا وتتيح للمتعلم بأن يقترب أكثر من الواقع، كما أن تكامل حواس المتعلم في تحصيل المعرفة يساعد على تثبيتها وإبقائها فترة زمنية أطول، إذا أحسن اختيار واستخدام الوسائل ضمن هذا الإطار فإن ذلك سيساعد على تذليل كثير من الصعوبات وحل أغلب المشكلات التي تواجه الموقف التعليمي/ التعلمي وأبرزها:

  • مواجهة الفروق الفردية بين المتعلمين
  • تحاشي الوقوع في "اللفظية" حيث تصبح الألفاظ تعبر بدقة عن الأشياء والحقائق.
  • زيادة مشاركة المتعلمين ايجابيا وتنمية قدراتهم على التأمل والملاحظة وإتباع المنهج العلمي لحل المشكلات.
  • تكوين وبناء مفاهيم سليمة.
  • تعديل سلوك المتعلم تجاه بعض مواد أو مواقف أو مكونات العملية التعليمية/التعلمية.
  • تنظيم وترتيب عرض الأفكار في موضوع التعلم بما ينعكس تنظيما وترتيبا على فكر المتعلم.

والخلاصة:
إن تكنولوجيا التعليم تقوم أساسا على التنظيم الجيد والتسيير الدقيق واستخدام الوسائل التعليمية من قبل المعلم لم يعد عرضا بل أصبح مكونا رئيسا من مكونات درسه، فلم يعد مقبولاً أن يدخل إلى الصف الدراسي من دون وضع استراتيجية وتكتيك لعمله، أي بدون خطة عامة ومراحل وخطوات محددة قابلة للتنفيذ والتقييم والمتابعة.

المركز التربوي للبحوث والانماء
اختصاصي تكنولوجيا التعليم
د. رشراش عبد الخالق

 

الهوامش
(١) المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
(٢) مجامع اللغة العربية مثلا
(٣) الثورة التكنولوجية في التربية العربية،عبد لله عبدالدايم ، دار العلم للملايين ،ط ١٩٧٨،٢ ،ص ٧(بتصرف).
(٤) قائمة مصطلحات تكنولوجيا التربية، م.ع.ت.ث.ع. تونس، ١٩٩٤.
(٥) تكنولوجيا التربية في تطوير المنهاج، ديريك رونتري،تر.فتح الباب عبد الحليم، م.ع.ت.ث.ع. المركز العربي للتقنيات التعليمية _الكويت، ١٩٨٤.
(٦) جمع بشير عبد الرحيم الكلوب عددا منها في كتابه "التكنولوجيا في عملية التعليم والتعلم" طبعة ٩٣.
(٧) قائمة مصطلحات:م.س  Pédagogie:Dictionnaire des Concepts Clés
                             F.Raynal,A.Rieunier E.S.F.éditeur,Paris,1997
(٨)                 Hoban, Charles,from Theory to policy Decision.Av
      (نقلا عن الطوبجي)  1965 Communication Review,13:124,Summer
(٩) هذه التسميات استخدمت سابقا للدلالة على وسائل التعليم.
(١٠)                          Galbraith, John K., The new industrial state
                          Houghton M.Company,Boston,mass,1967.p.12

وسائل وتكنولوجيا التعليم - تحديد المفاهيم

بعض المصطلحات المتداولة في ميدان التربية والتعليم تكتسب شهرة وتنتشر بسرعة بين الناس من دون تحديد دقيق لمفهومها -غالبا-؛ وحظ مصطلحَيْ "تكنولوجيا التربية" و "تكنولوجيا التعليم" في إلاستعمال وافر هذه الأيام. ويستخدم بعضهم كلمة "تقنية" بدلاً من كلمة "تكنولوجيا" ليصبح المصطلحان هكذا: "تقنيات التربية" و "تقنيات التعليم". والملاحظ وجود ميل عند بعض الباحثين لاستخدام مصطلحات خاصة بهم مصدرها جهدهم الفكري الخاص أو شيوع هذا المصطلح أو ذاك، بدلا من استخدام مصطلحات صادرة عن مرجع تربوي مثل (م.ع.ت.ث.ع.) (١) (A.L.E.C.S.O) أو لغوي،(٢) مع إقرارنا بنقص في هذا المجال.

 

 

 

 

 

مفهوم التكنولوجيا:

دخل مفهوم "التكنولوجيا" ميدان التربية والعلوم الإنسانية من ميدان الصناعة وأحدث ثورة فيها، ودعاها البعض الثورة الصناعية الثانية على اعتبار أن الثورة الصناعية الأولى كان هدفها الطبيعة ومكوناتها واستغلالها لصالح الإنسان، أما الثورة الصناعية الثانية (الثورة التكنولوجية) فهي ثورة من طبيعة محدثة، تنطلق من "الأوتوماتية" وتقوم على أساس تحرير الإنسان من عملية الإنتاج المباشرة وإيكالها للآلة الأوتوماتية وتوجيه فعالية الإنسان ونشاطه نحو مجالات ألصق بطبيعته أي مجالات البحث العلمي والخلق والإبداع والتأثير في الكون وعناصره تأثيراً يصل إلى حد التحرر من المواد الأولية فيه واستنباط مواد جديدة متكاثرة والاستغناء عن قيود محدودية الموارد الأولية فيه والاستقلال عنها. بعبارة مختصرة، نقل الإنسان إلى مرحلة البحث والخلق والتنظيم والسيطرة على الكون والمستقبل.... فالثورة التكنولوجية - حسبما يراها البعض - هي ثورة النصف الثاني من القرن الماضي والنصف الأول من هذا القرن؛ والولوج فيها رهن بمدى إدراك معناها وروحها وجوهرها.... إنها ليست مجرد آلات وأجهزة وتكنولوجيا ننقلها وإنما هي عقلية جديدة وتقنيات جديدة.(٣) وقد انعكس ذلك على الواقع من خلال ثلاثة أمور أساسية هي: التنبؤ بالإنتاج من حيث الكمّ والكيف، والتحكم في عملية الإنتاج عن طريق وضع الضوابط لضمان سير العمل ومستوى كفاءة الإنتاج، والتقييم المستمر للعناصر المحددة سابقا بحيث يمكن معرفة سبب القصور ومعالجته. وتستخدم في ميدان التربية والتعليم ضمن هذا

الإطار.

تكنولوجيا التربية: (Educational Technology)
لا تستطيع التربية أن تعزل نفسها عن روح هذه الثورة التكنولوجية وأساليبها، وقد دأبت  عبر تاريخها - على التفاعل مع كل جديد بالقدر الذي تسمح به طبيعتها وطبيعة موضوعها الذي هو الإنسان، وقد لاحظت بعض الدول المتقدمة أن النظام التربوي عندها ما زال يعيش في أجواء
الثورة الصناعية الأولى، فبذلت جهدا كبيراً لتوليد نظم تربوية جديدة، فأدخلت تغييراً جذرياً في بنية التربية وإطارها التقليدي ومناهجها وطرائقها وإدارتها لاسيما بعد انتشار وسائل البث الجماعية وتكنولوجيا الاتصالات.
المفهوم القديم لـ "تكنولوجيا التربية" يعني استخدام الوسائل التي ظهرت نتيجة ثورة الاتصالات مثل الوسائل السمعية البصرية، التلفزيون، الكمبيوتر وغيرها من الأجهزة والمواد في النشاط التربوي. أما المفهوم الجديد والواسع فيعني: تلك "الطريقة المنظمة لتخطيط وتطبيق العملية الشاملة للتعليم والتعلم وتقويمها، مع الأخذ بالحسبان المصادر الفنية والبشرية والتفاعل بينها للحصول على أفضل شكل فعال للتربية، ومن هذه الرؤية تستخدم تكنولوجيا التربية تحليل النظم كأداة نظرية". (٤).
وقد عرفت منظمة "اليونسكو" مصطلح "تكنولوجيا التربية" بأنها "طريقة منهجية أو نظامية، لتصميم العملية التعليمية بكاملها وتنفيذها وتقويمها استنادا إلى أهداف محدودة، والى نتائج الأبحاث في التعليم والتعلم والتواصل في استخدام جميع المصادر البشرية، وغير البشرية من أجل إكساب التربية مزيدا من الفعالية"، وجاء في تعريف آخر "إن تكنولوجيا التربية تعني تصميم المناهج والخبرات التعليمية وتقويمها والإفادة منها وتجديدها، فهي مدخل منطقي إلى التربية، قائم على حل المشكلات، إنها طريقة للتفكير في التعليم تفكيرا واعيا منظما".(٥)
تتفق التعريفات السابقة في أن تكنولوجيا التربية تعني تخطيط العملية التعليمية/التعلمية وتنفيذها وتقويمها وتطويرها، وذلك باستخدام المصادر البشرية وغير البشرية والوسائل والأدوات والأجهزة لتحقيق بناء الإنسان. ويوجد تعريفات أخرى في أدبيات الاختصاص ولكنها لا تخرج عن مضمون التعريفات السابقة.(٦)


تكنولوجيا التعليم: (Instructional Technology)
يوجد تعريفات عدة لمصطلح "تكنولوجيا التعليم" تضمنتها أدبيات الاختصاص، اخترنا منها الآتي: تكنولوجيا التعليم "هي مجموعة فرعية من تكنولوجيا التربية على اعتبار التعليم مجموعة فرعية للتربية، وهي عملية معقدة متكاملة تشمل الأفراد وأساليب العمل والأفكار والأدوات
والتنظيمات المناسبة التي نستخدمها متكاملة لتحليل المشكلات التعليمية التي تواجهنا وتقرير وتطبيق الحلول لها ثم تقييم وإدارة هذه الحلول، وذلك في المواقف التي يكون التعليم فيها هادفا ويمكن التحكم فيه". (٧) وجاء في تعريف آخر: هي "تنظيم متكامل يضم العناصر الآتية: الإنسان، الآلة، الأفكار والآراء، أساليب العمل، الإدارة بحيث تعمل جميعا داخل إطار واحد".(٨)
وفي هذا السياق يفهم مصطلح "تكنولوجيا التعليم" على أنه تنظيم للمدرسة بشكل عام، وتنظيم الموقف التعليمي /التعلمي بشكل خاص، وفقا لنظرية النظم (System theory)، والفرق بين مفهوم "تكنولوجيا التربية" ومفهوم "تكنولوجيا التعليم" سببه الفرق بين مفهومي "التربية" و
"التعليم"، فالأول يعني بناءً متوازناً لجوانب شخصية الإنسان الأربعة: الجانب الجسدي/ البيولوجي، الجانب النفسي/ العاطفي، والجانب العقلي/المعرفي والجانب الاجتماعي/الثقافي. فالشخصية الإنسانية هي موضوع التربية التي هي بدورها ميدان واسع وشامل تتداخل فيه علوم عدة، وبالتالي تتعاون فيه أيضا مؤسسات عدة، أما "التعليم" فهو يركز بشكل رئيس على جانب واحد هو الجانب العقلي /المعرفي. وتقوم مؤسسات التعليم، بأنشطته المختلفة بالتعاون والتكامل مع مؤسسات أخرى في المجتمع؛ ويجب ألا يفهم من ذلك بأن جوانب شخصية الإنسان الأخرى تبقى من دون نمو؛ بل المقصود بأن مركز الاهتمام هو النمو العقلي/المعرفي وعمليات النمو الأخرى تتبعها بنسب متفاوتة، وما الفصل بين جانب وآخر إلا فصل نظري يقتضيه الشرح والتوضيح.
فمصطلح "تكنولوجيا التعليم" إذن، لا يعني استخدام الوسائل والأجهزة والأدوات فقط خلال تنفيذ العملية التعليمية/التعلمية، ولا يعني تلقين المعلومات من قبل المعلم مستخدما "وسائل إيضاح" أو "وسائل سمعية بصرية" أو "معينات التدريس"(٩) وحفظها من قبل المتعلم، بل يتجاوز كل ذلك ليعني "طريقة في التفكير ومنهج في العمل وأسلوب في حل المشكلات، ويعتمد "أسلوب النظام" لتحقيق أهدافه التربوية آخذا بنتائج البحوث العلمية في كل الميادين الإنسانية والعلمية والتطبيقية حتى يتسنى تحقيق الأهداف بأعلى درجة من الكفاءة والاقتصاد في التكاليف"،(١٠) ويأمل التربويون باستخدام "تكنولوجيا التعليم" بهذا المعنى أن تخضع العملية التعليمية/التعلمية للضوابط العلمية التي تساعد على التنبؤ بمدى تحقيق الأهداف والتحكم في ظروف التعليم للوصول إلى مستويات رفيعة من الأداء.
في ضوء ذلك، تغيرت مفاهيم عدة تطول الموقف التعليمي/التعلمي، فلم تعد مثلاً مهمة المعلم هي الشرح والتلقين والإلقاء بشكل رئيس، بل أصبحت مسؤوليته الأهم هي وضع استراتيجية لعمله تحتل فيها طريقة التدريس والوسائل التعليمية وإعداد قاعة الدراسة وطريقة تجميع المتعلمين والتحكم بالضوابط وتنوع مصادر التعلم مكانا مهما. ويطلق على هذه المكونات مصطلح "منظومة" التي تعني "اتباع منهج وأسلوب وطريقة في العمل تسير في خطوات منظمة وتستخدم كل الإمكانات التي تقدمها التكنولوجيا وفقا لنظريات التعلم والتعليم لتحقق أهداف هذه المنظومة". ولم يعد الكتاب هو المصدر الأوحد للمعلومة بل تعددت المصادر وشملت البيئة بشقيها الطبيعي والاجتماعي واستخدام أحدث الاختراعات مثل الحاسوب (الكمبيوتر). ولم يعد المعلم هو السيد المطاع لامتلاكه تفسير هذه المعلومة بل دخلت الصور بأنواعها العديدة والتسجيلات المسموعة والمرئية (صوت وصورة)؛ وارتبطت المعلومة بالواقع وأصبحت الطبيعة هي الكتاب المفتوح الدائم، ولم تعد المدرسة هي المكان الوحيد للتعلم بل أصبح الخروج إلى الطبيعة والمؤسسات من خلال مفهوم "ربط التعليم بواقع المجتمع". ولم يعد المتعلم هو المتلقي السلبي فيحفظ المعلومات ويخزنها إلى يوم الامتحان، فلم يعد مقبولا أن نرى تلميذا شاخصا بعينيه ناصتا بأذنيه، بل أصبح إكساب المتعلم منهجا للتفكير والبحث أهم من حفظه للمعلومة، وفي ضوء ذلك أصبح الموقف التعليمي/التعلمي هو موقف مخطط ومنظم ينبغي أن يسير وفقا لمراحل وخطوات مدروسة يحتل فيها كل عنصر مكانا محددا، ويأخذ المتعلم وقته اللازم والكافي ليتعرف عليه ويستوعبه ويتدرب على مهاراته الضرورية وصولا إلى الكفاية المطلوبة أو الأهداف المنشودة وباتت الوسائل التعليمية مكونا رئيسا من مكوناته.


الوسائل التعليمية وتكنولوجيا التعليم:
يقصد بمفهوم "الوسائل التعليمية"-  الحديث الواسع - كل ما يستخدم في الموقف التعليمي/التعلمي من أدوات ومواد وتجهيزات وأجهزة داخل المدرسة وخارجها وقد صنفها التربويون تصنيفات عدة متخذين معايير مختلفة، إما حسب طريقة الحصول عليها (جاهزة أو مصنعة) وإما حسب الحواس التي تخاطبها (سمعية/بصرية) وإما حسب قربها من الواقع (مخروط الخبرة لإدجار ديل) وإما حسب طريقة عرضها (آلية وغير آلية) وهو ابسطها تقريبا، وبذلك تكون الوسائل الآلية هي:

  • أجهزة الوسائل السمعية.
  • أجهزة الصور الثابتة.
  • أجهزة الصور المتحركة (السينما والتلفزيون وأجهزة التسجيل التابعة لها).
  • الحاسبات والحاسوب (الكمبيوتر) والانترنيت ولواحقها.

أما الوسائل غير الآلية فهي:

  • المواد المطبوعة (كتب، مجلات، صحف...الخ.)
  • ألواح الصف المتنوعة.
  • الخرائط.
  • الصور والرسوم التعليمية.
  • النماذج المجسمة.
  • العينات الحقيقية.
  • وسائل البيئة المحلية (متاحف، معارض، مزارع، إدارات حكومية، شركات، مصانع...الخ.).
  • المواقف التمثيلية والألعاب التعليمية.

ويتفق أكثر التربويين أن أفضل أنواع التعلم ذاك الذي يكون نتيجة لخبرة مباشرة، ولكن المناهج الدراسية عموماً تتضمن مواضيع يصعب دراستها عن طريق الخبرة المباشرة، وأسباب هذه الصعوبة هي طبيعة الظاهرات المكونة لها، والتي يمكن إيجازها على الشكل الآتي:

  • خطورة الظاهرة على حياة المتعلم.
  • بعدها أو قربها من المتعلم.
  • كبر أو صغر حجم الظاهرة.
  • انقضاء زمن حدوث الظاهرة.
  • سرعة أو بطء نمو الظاهرة.

فتقدم الوسائل التعليمية بدائل مناسبة للتغلب على هذه الصعوبات وجعل الموقف التعليمي/التعلمي أقرب ما يمكن إلى الواقع والخبرة المباشرة.
إن تنوع الوسائل وتعددها في كل موضوع من مواد الدراسة تتيح للمعلم بأن يجعل درسه مشوقا وجذابا وتتيح للمتعلم بأن يقترب أكثر من الواقع، كما أن تكامل حواس المتعلم في تحصيل المعرفة يساعد على تثبيتها وإبقائها فترة زمنية أطول، إذا أحسن اختيار واستخدام الوسائل ضمن هذا الإطار فإن ذلك سيساعد على تذليل كثير من الصعوبات وحل أغلب المشكلات التي تواجه الموقف التعليمي/ التعلمي وأبرزها:

  • مواجهة الفروق الفردية بين المتعلمين
  • تحاشي الوقوع في "اللفظية" حيث تصبح الألفاظ تعبر بدقة عن الأشياء والحقائق.
  • زيادة مشاركة المتعلمين ايجابيا وتنمية قدراتهم على التأمل والملاحظة وإتباع المنهج العلمي لحل المشكلات.
  • تكوين وبناء مفاهيم سليمة.
  • تعديل سلوك المتعلم تجاه بعض مواد أو مواقف أو مكونات العملية التعليمية/التعلمية.
  • تنظيم وترتيب عرض الأفكار في موضوع التعلم بما ينعكس تنظيما وترتيبا على فكر المتعلم.

والخلاصة:
إن تكنولوجيا التعليم تقوم أساسا على التنظيم الجيد والتسيير الدقيق واستخدام الوسائل التعليمية من قبل المعلم لم يعد عرضا بل أصبح مكونا رئيسا من مكونات درسه، فلم يعد مقبولاً أن يدخل إلى الصف الدراسي من دون وضع استراتيجية وتكتيك لعمله، أي بدون خطة عامة ومراحل وخطوات محددة قابلة للتنفيذ والتقييم والمتابعة.

المركز التربوي للبحوث والانماء
اختصاصي تكنولوجيا التعليم
د. رشراش عبد الخالق

 

الهوامش
(١) المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
(٢) مجامع اللغة العربية مثلا
(٣) الثورة التكنولوجية في التربية العربية،عبد لله عبدالدايم ، دار العلم للملايين ،ط ١٩٧٨،٢ ،ص ٧(بتصرف).
(٤) قائمة مصطلحات تكنولوجيا التربية، م.ع.ت.ث.ع. تونس، ١٩٩٤.
(٥) تكنولوجيا التربية في تطوير المنهاج، ديريك رونتري،تر.فتح الباب عبد الحليم، م.ع.ت.ث.ع. المركز العربي للتقنيات التعليمية _الكويت، ١٩٨٤.
(٦) جمع بشير عبد الرحيم الكلوب عددا منها في كتابه "التكنولوجيا في عملية التعليم والتعلم" طبعة ٩٣.
(٧) قائمة مصطلحات:م.س  Pédagogie:Dictionnaire des Concepts Clés
                             F.Raynal,A.Rieunier E.S.F.éditeur,Paris,1997
(٨)                 Hoban, Charles,from Theory to policy Decision.Av
      (نقلا عن الطوبجي)  1965 Communication Review,13:124,Summer
(٩) هذه التسميات استخدمت سابقا للدلالة على وسائل التعليم.
(١٠)                          Galbraith, John K., The new industrial state
                          Houghton M.Company,Boston,mass,1967.p.12

وسائل وتكنولوجيا التعليم - تحديد المفاهيم

بعض المصطلحات المتداولة في ميدان التربية والتعليم تكتسب شهرة وتنتشر بسرعة بين الناس من دون تحديد دقيق لمفهومها -غالبا-؛ وحظ مصطلحَيْ "تكنولوجيا التربية" و "تكنولوجيا التعليم" في إلاستعمال وافر هذه الأيام. ويستخدم بعضهم كلمة "تقنية" بدلاً من كلمة "تكنولوجيا" ليصبح المصطلحان هكذا: "تقنيات التربية" و "تقنيات التعليم". والملاحظ وجود ميل عند بعض الباحثين لاستخدام مصطلحات خاصة بهم مصدرها جهدهم الفكري الخاص أو شيوع هذا المصطلح أو ذاك، بدلا من استخدام مصطلحات صادرة عن مرجع تربوي مثل (م.ع.ت.ث.ع.) (١) (A.L.E.C.S.O) أو لغوي،(٢) مع إقرارنا بنقص في هذا المجال.

 

 

 

 

 

مفهوم التكنولوجيا:

دخل مفهوم "التكنولوجيا" ميدان التربية والعلوم الإنسانية من ميدان الصناعة وأحدث ثورة فيها، ودعاها البعض الثورة الصناعية الثانية على اعتبار أن الثورة الصناعية الأولى كان هدفها الطبيعة ومكوناتها واستغلالها لصالح الإنسان، أما الثورة الصناعية الثانية (الثورة التكنولوجية) فهي ثورة من طبيعة محدثة، تنطلق من "الأوتوماتية" وتقوم على أساس تحرير الإنسان من عملية الإنتاج المباشرة وإيكالها للآلة الأوتوماتية وتوجيه فعالية الإنسان ونشاطه نحو مجالات ألصق بطبيعته أي مجالات البحث العلمي والخلق والإبداع والتأثير في الكون وعناصره تأثيراً يصل إلى حد التحرر من المواد الأولية فيه واستنباط مواد جديدة متكاثرة والاستغناء عن قيود محدودية الموارد الأولية فيه والاستقلال عنها. بعبارة مختصرة، نقل الإنسان إلى مرحلة البحث والخلق والتنظيم والسيطرة على الكون والمستقبل.... فالثورة التكنولوجية - حسبما يراها البعض - هي ثورة النصف الثاني من القرن الماضي والنصف الأول من هذا القرن؛ والولوج فيها رهن بمدى إدراك معناها وروحها وجوهرها.... إنها ليست مجرد آلات وأجهزة وتكنولوجيا ننقلها وإنما هي عقلية جديدة وتقنيات جديدة.(٣) وقد انعكس ذلك على الواقع من خلال ثلاثة أمور أساسية هي: التنبؤ بالإنتاج من حيث الكمّ والكيف، والتحكم في عملية الإنتاج عن طريق وضع الضوابط لضمان سير العمل ومستوى كفاءة الإنتاج، والتقييم المستمر للعناصر المحددة سابقا بحيث يمكن معرفة سبب القصور ومعالجته. وتستخدم في ميدان التربية والتعليم ضمن هذا

الإطار.

تكنولوجيا التربية: (Educational Technology)
لا تستطيع التربية أن تعزل نفسها عن روح هذه الثورة التكنولوجية وأساليبها، وقد دأبت  عبر تاريخها - على التفاعل مع كل جديد بالقدر الذي تسمح به طبيعتها وطبيعة موضوعها الذي هو الإنسان، وقد لاحظت بعض الدول المتقدمة أن النظام التربوي عندها ما زال يعيش في أجواء
الثورة الصناعية الأولى، فبذلت جهدا كبيراً لتوليد نظم تربوية جديدة، فأدخلت تغييراً جذرياً في بنية التربية وإطارها التقليدي ومناهجها وطرائقها وإدارتها لاسيما بعد انتشار وسائل البث الجماعية وتكنولوجيا الاتصالات.
المفهوم القديم لـ "تكنولوجيا التربية" يعني استخدام الوسائل التي ظهرت نتيجة ثورة الاتصالات مثل الوسائل السمعية البصرية، التلفزيون، الكمبيوتر وغيرها من الأجهزة والمواد في النشاط التربوي. أما المفهوم الجديد والواسع فيعني: تلك "الطريقة المنظمة لتخطيط وتطبيق العملية الشاملة للتعليم والتعلم وتقويمها، مع الأخذ بالحسبان المصادر الفنية والبشرية والتفاعل بينها للحصول على أفضل شكل فعال للتربية، ومن هذه الرؤية تستخدم تكنولوجيا التربية تحليل النظم كأداة نظرية". (٤).
وقد عرفت منظمة "اليونسكو" مصطلح "تكنولوجيا التربية" بأنها "طريقة منهجية أو نظامية، لتصميم العملية التعليمية بكاملها وتنفيذها وتقويمها استنادا إلى أهداف محدودة، والى نتائج الأبحاث في التعليم والتعلم والتواصل في استخدام جميع المصادر البشرية، وغير البشرية من أجل إكساب التربية مزيدا من الفعالية"، وجاء في تعريف آخر "إن تكنولوجيا التربية تعني تصميم المناهج والخبرات التعليمية وتقويمها والإفادة منها وتجديدها، فهي مدخل منطقي إلى التربية، قائم على حل المشكلات، إنها طريقة للتفكير في التعليم تفكيرا واعيا منظما".(٥)
تتفق التعريفات السابقة في أن تكنولوجيا التربية تعني تخطيط العملية التعليمية/التعلمية وتنفيذها وتقويمها وتطويرها، وذلك باستخدام المصادر البشرية وغير البشرية والوسائل والأدوات والأجهزة لتحقيق بناء الإنسان. ويوجد تعريفات أخرى في أدبيات الاختصاص ولكنها لا تخرج عن مضمون التعريفات السابقة.(٦)


تكنولوجيا التعليم: (Instructional Technology)
يوجد تعريفات عدة لمصطلح "تكنولوجيا التعليم" تضمنتها أدبيات الاختصاص، اخترنا منها الآتي: تكنولوجيا التعليم "هي مجموعة فرعية من تكنولوجيا التربية على اعتبار التعليم مجموعة فرعية للتربية، وهي عملية معقدة متكاملة تشمل الأفراد وأساليب العمل والأفكار والأدوات
والتنظيمات المناسبة التي نستخدمها متكاملة لتحليل المشكلات التعليمية التي تواجهنا وتقرير وتطبيق الحلول لها ثم تقييم وإدارة هذه الحلول، وذلك في المواقف التي يكون التعليم فيها هادفا ويمكن التحكم فيه". (٧) وجاء في تعريف آخر: هي "تنظيم متكامل يضم العناصر الآتية: الإنسان، الآلة، الأفكار والآراء، أساليب العمل، الإدارة بحيث تعمل جميعا داخل إطار واحد".(٨)
وفي هذا السياق يفهم مصطلح "تكنولوجيا التعليم" على أنه تنظيم للمدرسة بشكل عام، وتنظيم الموقف التعليمي /التعلمي بشكل خاص، وفقا لنظرية النظم (System theory)، والفرق بين مفهوم "تكنولوجيا التربية" ومفهوم "تكنولوجيا التعليم" سببه الفرق بين مفهومي "التربية" و
"التعليم"، فالأول يعني بناءً متوازناً لجوانب شخصية الإنسان الأربعة: الجانب الجسدي/ البيولوجي، الجانب النفسي/ العاطفي، والجانب العقلي/المعرفي والجانب الاجتماعي/الثقافي. فالشخصية الإنسانية هي موضوع التربية التي هي بدورها ميدان واسع وشامل تتداخل فيه علوم عدة، وبالتالي تتعاون فيه أيضا مؤسسات عدة، أما "التعليم" فهو يركز بشكل رئيس على جانب واحد هو الجانب العقلي /المعرفي. وتقوم مؤسسات التعليم، بأنشطته المختلفة بالتعاون والتكامل مع مؤسسات أخرى في المجتمع؛ ويجب ألا يفهم من ذلك بأن جوانب شخصية الإنسان الأخرى تبقى من دون نمو؛ بل المقصود بأن مركز الاهتمام هو النمو العقلي/المعرفي وعمليات النمو الأخرى تتبعها بنسب متفاوتة، وما الفصل بين جانب وآخر إلا فصل نظري يقتضيه الشرح والتوضيح.
فمصطلح "تكنولوجيا التعليم" إذن، لا يعني استخدام الوسائل والأجهزة والأدوات فقط خلال تنفيذ العملية التعليمية/التعلمية، ولا يعني تلقين المعلومات من قبل المعلم مستخدما "وسائل إيضاح" أو "وسائل سمعية بصرية" أو "معينات التدريس"(٩) وحفظها من قبل المتعلم، بل يتجاوز كل ذلك ليعني "طريقة في التفكير ومنهج في العمل وأسلوب في حل المشكلات، ويعتمد "أسلوب النظام" لتحقيق أهدافه التربوية آخذا بنتائج البحوث العلمية في كل الميادين الإنسانية والعلمية والتطبيقية حتى يتسنى تحقيق الأهداف بأعلى درجة من الكفاءة والاقتصاد في التكاليف"،(١٠) ويأمل التربويون باستخدام "تكنولوجيا التعليم" بهذا المعنى أن تخضع العملية التعليمية/التعلمية للضوابط العلمية التي تساعد على التنبؤ بمدى تحقيق الأهداف والتحكم في ظروف التعليم للوصول إلى مستويات رفيعة من الأداء.
في ضوء ذلك، تغيرت مفاهيم عدة تطول الموقف التعليمي/التعلمي، فلم تعد مثلاً مهمة المعلم هي الشرح والتلقين والإلقاء بشكل رئيس، بل أصبحت مسؤوليته الأهم هي وضع استراتيجية لعمله تحتل فيها طريقة التدريس والوسائل التعليمية وإعداد قاعة الدراسة وطريقة تجميع المتعلمين والتحكم بالضوابط وتنوع مصادر التعلم مكانا مهما. ويطلق على هذه المكونات مصطلح "منظومة" التي تعني "اتباع منهج وأسلوب وطريقة في العمل تسير في خطوات منظمة وتستخدم كل الإمكانات التي تقدمها التكنولوجيا وفقا لنظريات التعلم والتعليم لتحقق أهداف هذه المنظومة". ولم يعد الكتاب هو المصدر الأوحد للمعلومة بل تعددت المصادر وشملت البيئة بشقيها الطبيعي والاجتماعي واستخدام أحدث الاختراعات مثل الحاسوب (الكمبيوتر). ولم يعد المعلم هو السيد المطاع لامتلاكه تفسير هذه المعلومة بل دخلت الصور بأنواعها العديدة والتسجيلات المسموعة والمرئية (صوت وصورة)؛ وارتبطت المعلومة بالواقع وأصبحت الطبيعة هي الكتاب المفتوح الدائم، ولم تعد المدرسة هي المكان الوحيد للتعلم بل أصبح الخروج إلى الطبيعة والمؤسسات من خلال مفهوم "ربط التعليم بواقع المجتمع". ولم يعد المتعلم هو المتلقي السلبي فيحفظ المعلومات ويخزنها إلى يوم الامتحان، فلم يعد مقبولا أن نرى تلميذا شاخصا بعينيه ناصتا بأذنيه، بل أصبح إكساب المتعلم منهجا للتفكير والبحث أهم من حفظه للمعلومة، وفي ضوء ذلك أصبح الموقف التعليمي/التعلمي هو موقف مخطط ومنظم ينبغي أن يسير وفقا لمراحل وخطوات مدروسة يحتل فيها كل عنصر مكانا محددا، ويأخذ المتعلم وقته اللازم والكافي ليتعرف عليه ويستوعبه ويتدرب على مهاراته الضرورية وصولا إلى الكفاية المطلوبة أو الأهداف المنشودة وباتت الوسائل التعليمية مكونا رئيسا من مكوناته.


الوسائل التعليمية وتكنولوجيا التعليم:
يقصد بمفهوم "الوسائل التعليمية"-  الحديث الواسع - كل ما يستخدم في الموقف التعليمي/التعلمي من أدوات ومواد وتجهيزات وأجهزة داخل المدرسة وخارجها وقد صنفها التربويون تصنيفات عدة متخذين معايير مختلفة، إما حسب طريقة الحصول عليها (جاهزة أو مصنعة) وإما حسب الحواس التي تخاطبها (سمعية/بصرية) وإما حسب قربها من الواقع (مخروط الخبرة لإدجار ديل) وإما حسب طريقة عرضها (آلية وغير آلية) وهو ابسطها تقريبا، وبذلك تكون الوسائل الآلية هي:

  • أجهزة الوسائل السمعية.
  • أجهزة الصور الثابتة.
  • أجهزة الصور المتحركة (السينما والتلفزيون وأجهزة التسجيل التابعة لها).
  • الحاسبات والحاسوب (الكمبيوتر) والانترنيت ولواحقها.

أما الوسائل غير الآلية فهي:

  • المواد المطبوعة (كتب، مجلات، صحف...الخ.)
  • ألواح الصف المتنوعة.
  • الخرائط.
  • الصور والرسوم التعليمية.
  • النماذج المجسمة.
  • العينات الحقيقية.
  • وسائل البيئة المحلية (متاحف، معارض، مزارع، إدارات حكومية، شركات، مصانع...الخ.).
  • المواقف التمثيلية والألعاب التعليمية.

ويتفق أكثر التربويين أن أفضل أنواع التعلم ذاك الذي يكون نتيجة لخبرة مباشرة، ولكن المناهج الدراسية عموماً تتضمن مواضيع يصعب دراستها عن طريق الخبرة المباشرة، وأسباب هذه الصعوبة هي طبيعة الظاهرات المكونة لها، والتي يمكن إيجازها على الشكل الآتي:

  • خطورة الظاهرة على حياة المتعلم.
  • بعدها أو قربها من المتعلم.
  • كبر أو صغر حجم الظاهرة.
  • انقضاء زمن حدوث الظاهرة.
  • سرعة أو بطء نمو الظاهرة.

فتقدم الوسائل التعليمية بدائل مناسبة للتغلب على هذه الصعوبات وجعل الموقف التعليمي/التعلمي أقرب ما يمكن إلى الواقع والخبرة المباشرة.
إن تنوع الوسائل وتعددها في كل موضوع من مواد الدراسة تتيح للمعلم بأن يجعل درسه مشوقا وجذابا وتتيح للمتعلم بأن يقترب أكثر من الواقع، كما أن تكامل حواس المتعلم في تحصيل المعرفة يساعد على تثبيتها وإبقائها فترة زمنية أطول، إذا أحسن اختيار واستخدام الوسائل ضمن هذا الإطار فإن ذلك سيساعد على تذليل كثير من الصعوبات وحل أغلب المشكلات التي تواجه الموقف التعليمي/ التعلمي وأبرزها:

  • مواجهة الفروق الفردية بين المتعلمين
  • تحاشي الوقوع في "اللفظية" حيث تصبح الألفاظ تعبر بدقة عن الأشياء والحقائق.
  • زيادة مشاركة المتعلمين ايجابيا وتنمية قدراتهم على التأمل والملاحظة وإتباع المنهج العلمي لحل المشكلات.
  • تكوين وبناء مفاهيم سليمة.
  • تعديل سلوك المتعلم تجاه بعض مواد أو مواقف أو مكونات العملية التعليمية/التعلمية.
  • تنظيم وترتيب عرض الأفكار في موضوع التعلم بما ينعكس تنظيما وترتيبا على فكر المتعلم.

والخلاصة:
إن تكنولوجيا التعليم تقوم أساسا على التنظيم الجيد والتسيير الدقيق واستخدام الوسائل التعليمية من قبل المعلم لم يعد عرضا بل أصبح مكونا رئيسا من مكونات درسه، فلم يعد مقبولاً أن يدخل إلى الصف الدراسي من دون وضع استراتيجية وتكتيك لعمله، أي بدون خطة عامة ومراحل وخطوات محددة قابلة للتنفيذ والتقييم والمتابعة.

المركز التربوي للبحوث والانماء
اختصاصي تكنولوجيا التعليم
د. رشراش عبد الخالق

 

الهوامش
(١) المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
(٢) مجامع اللغة العربية مثلا
(٣) الثورة التكنولوجية في التربية العربية،عبد لله عبدالدايم ، دار العلم للملايين ،ط ١٩٧٨،٢ ،ص ٧(بتصرف).
(٤) قائمة مصطلحات تكنولوجيا التربية، م.ع.ت.ث.ع. تونس، ١٩٩٤.
(٥) تكنولوجيا التربية في تطوير المنهاج، ديريك رونتري،تر.فتح الباب عبد الحليم، م.ع.ت.ث.ع. المركز العربي للتقنيات التعليمية _الكويت، ١٩٨٤.
(٦) جمع بشير عبد الرحيم الكلوب عددا منها في كتابه "التكنولوجيا في عملية التعليم والتعلم" طبعة ٩٣.
(٧) قائمة مصطلحات:م.س  Pédagogie:Dictionnaire des Concepts Clés
                             F.Raynal,A.Rieunier E.S.F.éditeur,Paris,1997
(٨)                 Hoban, Charles,from Theory to policy Decision.Av
      (نقلا عن الطوبجي)  1965 Communication Review,13:124,Summer
(٩) هذه التسميات استخدمت سابقا للدلالة على وسائل التعليم.
(١٠)                          Galbraith, John K., The new industrial state
                          Houghton M.Company,Boston,mass,1967.p.12