من الأهداف إلى الكفايات

لطالما طرح الأساتذة والمشرفون التربويون خلال الدورات التدريبية أسئلة حول العلاقة بين الأهداف والكفايات وعن جدوى الإبقاء على الأهداف الإجرائية واستبدالها بالكفايات، ومنهم من يتمسك بالأهداف ويعتبر التكوين بالكفايات مغامرة غير مضمونة النتائج. والسؤال الأساسي هل هناك تناقض بين الهدف والكفاية؟ وهل علينا ان نحدد موقفنا كطاقم تربوي من هذه المقاربة التربوية أو تلك؟ هل هي مسألة تناقض أم تكامل بين المفهومين؟ ان الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب "تحديدط المفاهيم أو تعريفها ومقارنتها فيما بينها. علنا نكتشف طبيعة العلاقة القائمة أعلاقة تناقض هي أم علاقة تكامل أم ان لكل مقاربة رهانها الخاص؟
 

 

 

 

 

 

مفهوم الأهداف:
خلال ستينيات القرن الماضي عامة تحول التعليم من الموسوعية إلى التخصصية وبرزت الأهداف الإجرائية عنصراً أساسياً يوجه العمل التربوي ويوفر معايير واضحة لتقييم أداء المتعلم. فعرّف ماغر Mager الهدف بأنه أداء يؤمن اكتسابه كفاءة المتعلم(١). إذ إنه بذلك يوصّفِ نتائج العمليات التربوية وليس مسارات التعلّم وطرائقه ووسائله. واعتبر ان دقة الأهداف وفعاليتها تتحقق إذا توافرت فيها العناصر التالية:

الأداء:
وهو ما ينبغي على التلميذ تحقيقه في نهاية التعلم.

الشروط:
وهي الوسائل التي يمكن استعمالها والتعليمات التي توجه عمل التلميذ.

المعايير:
وهي الأدوات المعتمدة للقياس وللحكم على نوعية الأداء لذلك يجب ان يكون الأداء المطلوب إجرائياً قابلاً للملاحظة والقياس.
واعتمد لندشير هذا المفهوم واعتبر ان الهدف يكون إجرائياً إذا وصّف الأمور التالية:
أ - سلوكاً قابلاً للملاحظة يبين ان التعلم قد حصل فعلاً.
ب- الإنتاج المنتظر من قبل المتعلم.
ج- الشروط التي يجري ضمنها هذا السلوك.
د- المعايير التي تسمح بالحكم على الأداء إذا كان كافياً أم لا.

وصنّفَ بلوم سنة ١٩٦٩ الأهداف وفق طبيعتها الى إدراكية معرفية Cognitifs والى وجدانية Affectifs  والى سيكوحركية Psychomoteurs وصنّف أيضاً الأهداف الادراكية إلى مستويات تتدرج من التذكر والفهم إلى التوليف والتقييم. وتبعه بعد ذلك العديد من التربويين ونشرت تصنيفات عدة منها تصنيفات دي لندشير بوتزار وجيويت وكراسويل وأخيراً وليس آخراً تصنيف دي كتيل الذي حصرها بثلاثة مستويات متدرجة هي مستوى (الاكتساب ومستوى التطبيق ومستوى حل المسائل(٢). هدفت هذه التصنيفات الى توفير التوازن والتكامل في المناهج والى تطبيق منهجي لتنامي التعلم بحسب الحلقات والصفوف.

وتميز التعليم بالأهداف عامة بالتركيز على دقة المعارف وكميتها وعلى تنمية المستوى النظري عند المتعلم وأمن للتلميذ وضوحاً في الأداء.
واعتمد على الطرائق التلقينية، والمقاربات التحليلية، وعلى ثقافة الامتحان الذي يسعى دائماً إلى تغطية موضوعات المنهاج كافة.

الأثر التربوي الاجتماعي للتربية بالأهداف:
أرسى هذا التطور التعليم المبرمج على أسس علمية واضحة، فتم الحد من الرسوب المدرسي ومن التسرب. وقد تزامن ذلك مع تطبيق مفاهيم أساسية تتناسب مع مجتمع الكفاءة "Méritocratie". كديمقراطية التعليم وتكافؤ الشروط وحق التعلّم... فتوافرت لكافة الشرائح الاجتماعية، في بعض الدول، الشروط المناسبة لبلوغ الاختصاصات والمستويات العلمية التي تصبو إليها وقد خفض التعليم بالأهداف نسب الإعادة والتسرب وأصبح الرسوب من خلال هذه المفاهيم التربوية مرتبطاً بمسارات التعليم أكثر منه بخصائص المتعلم.
لذلك غيرت العديد من المؤسسات هيكليتها لتتناسب مع الوظائف الجديدة الملقاة على عاتقها ولتواكب عمليات التحديث الواضحة.

حدود التعلم بالأهداف:
بعد التجربة في مختلف المؤسسات التربوية لأكثر من عقدين من الزمن بدأت تظهر حدود التعلم بالأهداف. فسعى التربويون إلى تحسين في الطرائق والوسائل وأداء المعلم والممارسات الصفية لكن هذا لم يحدث تغيراً جذرياً. وقد أظهرت الدراسات والنقاشات التربوية المسائل التالية:
١- التعلم والحياة: أدى التركيز على الأهداف الإجرائية إلى فصل التعلم عن المحيط بحيث لم يتمكن التلامذة إجمالاً من توظيف المكتسبات المدرسية في حل مشكلات الحياة اليومية الاجتماعية منها والخاصة بعالم العمل.
٢- التركيز على النتائج: ركز هذا التعلم على الأهداف ونتائج التعلم ولم يعط وزناً كافياً للمنهجيات والطرائق التي تتطلب من المتعلم مستويات ذهنية عليا منها التوليف والتنظيم وتخطيط الأعمال.
٣- التجزئة بالأهداف تجزئة للحياة: ان الحياة كل متماسك تتناولها العلوم وفق ميادين معرفية معينة. وهذه التجزئة عملية منهجية أكاديمية لا تهدف إلى تجزئة الحياة الاجتماعية أو الشخصية البشرية إنما إلى تسهيل التعلم وتعميقه. لكن غالباً ما يغرق المتعلم بمهام جزئية دون ان يعيد ربط الجزء بالكل فيفقد شمولية التفكير وتماسك العمل.
٤- التباعد بين المواد: يشكل التعلم بالأهداف بفعل منطقه حواجز بين المواد علماً ان القدرات التي يستثمرها المتعلم في كل مادة قابلة للتحويل والنقل من مادة إلى أخرى وعلماً ان حل مشاكل العمل والحياة يتطلب تكامل المعارف وتنوعها أكثر مما يتطلب التخصص المفرط.
٥- موسوعية المناهج: مع تعاظم المعارف في عصر المعلوماتية والإنترنت أصبحت المواد التعليمية مثقلة بالمعلومات مما يضاعف عدد الأهداف، ويتطلب، إمَّا سنة مدرسية أطول، أو تكثيفاً للمعلومات في الحصة الواحدة. فلا بد من اعتماد منهجية تربوية جديدة تضمن المكاسب التية أمنتها الأهداف من جهة وتلبي الحاجات المستجدة من جهة أخرى.
٦- مهارة التعامل مع المعلومات: لم يعد التلميذ اليوم أمام مشكلة تقصي المعلومات كما في السابق بل هو أمام مشكلة جديدة تمثلها غزارة المعلومات وكيفية التعامل معها. لذلك ينبغي ان يتسلح المتعلم بالمعارف الإجرائية والمنهجية التي تساعد على الإبحار في خضم المعلومات وانتقاء ما يفيده منها. وهذا ما لم يؤمنه التعلم بالأهداف.
أمام هذه التحديات وجد العديد من التربويين في نظام الكفايات رهاناً لتخطي هذه المشاكل قد يكون ناجحاً، رغم الصعوبات التي تعترض تطبيقه كأي نظام جديد.

مفهوم الكفاية:
تتعدد التعريفات التي تناولت الكفاية في السنوات العشر الأخيرة، وتعكس التغيرات التي أصابت هذه التعريفات الاتجاهات التربوية الحاصلة في العالم من جهة وتطور المفهوم من جهة أخرى لكن جميعها تجمع على الأمور التالية:
١- إن الكفاية سلوك مركب تندمج فيه أنواع متنوعة من القدرات.
٢- إن الكفاية ذات بعد اجتماعي أي انها تفيد المتعلم في الحياة ولها معنىً معيناً بالنسبة إليه وتساعده في الوقت نفسه على التدرج العلمي.
٣- تمارس في مجموعة من الوضعيات تجمعها خصائص مشتركة مرتبطة مباشرة بواقع الحياة.
٤- انها قابلة للملاحظة والقياس وبالتالي يمكن وضع معايير ومبينات معينة لتقييمها.
٥- تكسب المتعلم معارف إجرائية وشرطية إلى جانب المعارف الإعلانية مما يعزز استقلاليته الاجتماعية والأكاديمية.
٦- تربط عضوياً بين طرائق التعلم واستراتيجيته وبين التقييم، وتعطي لمنهجية التفكير وإجراءاته أهمية تضاهي نتيجة العمل.
وقسم التربويون الكفايات إلى كفايات اجتماعية ترافق المتعلم خلال حياته المدرسية كالعمل التعاوني والتواصل الشفاف واحترام قيم الديمقراطية وكفايات ركنية أي كفايات ضرورية لاكتساب كفايات خاصة بالمواد التعليمية والكفايات الخاصة بالمواد التي تمارس في كل اختصاص من الاختصاصات. وهذه الكفايات على أنواعها تشكل كلاً متماسكاً متفاعلاً وتساعد على ممارسة مهمات حياتية متعددة.

مبادئ تربوية أساسية:
لتخطي حدود الأهداف وجعل التربية عملاً تكاملياً على مستوى المواد والشخصية البشرية والحياة المعيوشة اعتمد التعليم بالكفايات مبادئ أساسية منها(٣):
مبدأ الدمج: وهو المبدأ الأساسي للتعلم بالكفايات حيث يتم دمج الأهداف في ما بينها. وهذا الدمج هو عملية دمج للقدرات نوضحه بالمعادلة التالية: الهدف = قدرة + محتوى + شروط + معايير.
هذا لا يعني ان تعلم مكونات الكفاية (الأهداف كما وردت أعلاه)، يتم سوية في حصة واحدة إنما نقوم بعملية فصل للأهداف عن الكل المتواجدة فيه فيتم التدرب على تحقيق كل هدف كما يتم التدرب على دمج هذه الأهداف في ما بينها. فالدمج هو أيضاً مسار أو نسق تعلمي. وهذه العملية تحقق المبدأ الثاني الأساسي الذي هو مبدأ الشمولية أي ان المتعلم يربط دائماً من خلال نوعية النشاطات بين العنصر المكون وبين المنظومة العامة التي ينتمي إليها هذا العنصر.
وكي لا يأخذ التعليم طابعاً نظرياً يعتمد مبدأ التطبيق أي التعلم بالعمل والممارسة. ويبنى التعلم على أساس المكتسبات السابقة فيفتش التلميذ عن المعرفة بنفسه مما يحقق المبدأ الرابع وهو البنائية.
على صعيد الممارسات الصفية يقوم الأستاذ بدمج الأهداف فيما بينها من خلال موقعها في الكفاية التي يعمل من أجل تحقيقها كما يربط المضامين بالحياة المعيوشة من خلال وضعيات التعلم والتقييم.


المكلّف بأعمال التقييم في
المركز التربوي للبحوث والإنماء
آمال وهيبه

 

المراجع:
١- R.F. Mager. Comment définir des objectifs pédagogiques - Ed.Bordas - Paris 1990 - pages 21-22
٢- J.M. De Kétèle, M.Chastrette... Guide du Formateur.Col.De Boeck. Pages 103-108
٣- ركز فرنسوا لانييه على هذه المبادئ (الدمج، الشمولية، بناء المعرفة وتطبيقها في كتابه:
François Lasnier- réussir la formation par compétence - Guérin Québec

من الأهداف إلى الكفايات

لطالما طرح الأساتذة والمشرفون التربويون خلال الدورات التدريبية أسئلة حول العلاقة بين الأهداف والكفايات وعن جدوى الإبقاء على الأهداف الإجرائية واستبدالها بالكفايات، ومنهم من يتمسك بالأهداف ويعتبر التكوين بالكفايات مغامرة غير مضمونة النتائج. والسؤال الأساسي هل هناك تناقض بين الهدف والكفاية؟ وهل علينا ان نحدد موقفنا كطاقم تربوي من هذه المقاربة التربوية أو تلك؟ هل هي مسألة تناقض أم تكامل بين المفهومين؟ ان الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب "تحديدط المفاهيم أو تعريفها ومقارنتها فيما بينها. علنا نكتشف طبيعة العلاقة القائمة أعلاقة تناقض هي أم علاقة تكامل أم ان لكل مقاربة رهانها الخاص؟
 

 

 

 

 

 

مفهوم الأهداف:
خلال ستينيات القرن الماضي عامة تحول التعليم من الموسوعية إلى التخصصية وبرزت الأهداف الإجرائية عنصراً أساسياً يوجه العمل التربوي ويوفر معايير واضحة لتقييم أداء المتعلم. فعرّف ماغر Mager الهدف بأنه أداء يؤمن اكتسابه كفاءة المتعلم(١). إذ إنه بذلك يوصّفِ نتائج العمليات التربوية وليس مسارات التعلّم وطرائقه ووسائله. واعتبر ان دقة الأهداف وفعاليتها تتحقق إذا توافرت فيها العناصر التالية:

الأداء:
وهو ما ينبغي على التلميذ تحقيقه في نهاية التعلم.

الشروط:
وهي الوسائل التي يمكن استعمالها والتعليمات التي توجه عمل التلميذ.

المعايير:
وهي الأدوات المعتمدة للقياس وللحكم على نوعية الأداء لذلك يجب ان يكون الأداء المطلوب إجرائياً قابلاً للملاحظة والقياس.
واعتمد لندشير هذا المفهوم واعتبر ان الهدف يكون إجرائياً إذا وصّف الأمور التالية:
أ - سلوكاً قابلاً للملاحظة يبين ان التعلم قد حصل فعلاً.
ب- الإنتاج المنتظر من قبل المتعلم.
ج- الشروط التي يجري ضمنها هذا السلوك.
د- المعايير التي تسمح بالحكم على الأداء إذا كان كافياً أم لا.

وصنّفَ بلوم سنة ١٩٦٩ الأهداف وفق طبيعتها الى إدراكية معرفية Cognitifs والى وجدانية Affectifs  والى سيكوحركية Psychomoteurs وصنّف أيضاً الأهداف الادراكية إلى مستويات تتدرج من التذكر والفهم إلى التوليف والتقييم. وتبعه بعد ذلك العديد من التربويين ونشرت تصنيفات عدة منها تصنيفات دي لندشير بوتزار وجيويت وكراسويل وأخيراً وليس آخراً تصنيف دي كتيل الذي حصرها بثلاثة مستويات متدرجة هي مستوى (الاكتساب ومستوى التطبيق ومستوى حل المسائل(٢). هدفت هذه التصنيفات الى توفير التوازن والتكامل في المناهج والى تطبيق منهجي لتنامي التعلم بحسب الحلقات والصفوف.

وتميز التعليم بالأهداف عامة بالتركيز على دقة المعارف وكميتها وعلى تنمية المستوى النظري عند المتعلم وأمن للتلميذ وضوحاً في الأداء.
واعتمد على الطرائق التلقينية، والمقاربات التحليلية، وعلى ثقافة الامتحان الذي يسعى دائماً إلى تغطية موضوعات المنهاج كافة.

الأثر التربوي الاجتماعي للتربية بالأهداف:
أرسى هذا التطور التعليم المبرمج على أسس علمية واضحة، فتم الحد من الرسوب المدرسي ومن التسرب. وقد تزامن ذلك مع تطبيق مفاهيم أساسية تتناسب مع مجتمع الكفاءة "Méritocratie". كديمقراطية التعليم وتكافؤ الشروط وحق التعلّم... فتوافرت لكافة الشرائح الاجتماعية، في بعض الدول، الشروط المناسبة لبلوغ الاختصاصات والمستويات العلمية التي تصبو إليها وقد خفض التعليم بالأهداف نسب الإعادة والتسرب وأصبح الرسوب من خلال هذه المفاهيم التربوية مرتبطاً بمسارات التعليم أكثر منه بخصائص المتعلم.
لذلك غيرت العديد من المؤسسات هيكليتها لتتناسب مع الوظائف الجديدة الملقاة على عاتقها ولتواكب عمليات التحديث الواضحة.

حدود التعلم بالأهداف:
بعد التجربة في مختلف المؤسسات التربوية لأكثر من عقدين من الزمن بدأت تظهر حدود التعلم بالأهداف. فسعى التربويون إلى تحسين في الطرائق والوسائل وأداء المعلم والممارسات الصفية لكن هذا لم يحدث تغيراً جذرياً. وقد أظهرت الدراسات والنقاشات التربوية المسائل التالية:
١- التعلم والحياة: أدى التركيز على الأهداف الإجرائية إلى فصل التعلم عن المحيط بحيث لم يتمكن التلامذة إجمالاً من توظيف المكتسبات المدرسية في حل مشكلات الحياة اليومية الاجتماعية منها والخاصة بعالم العمل.
٢- التركيز على النتائج: ركز هذا التعلم على الأهداف ونتائج التعلم ولم يعط وزناً كافياً للمنهجيات والطرائق التي تتطلب من المتعلم مستويات ذهنية عليا منها التوليف والتنظيم وتخطيط الأعمال.
٣- التجزئة بالأهداف تجزئة للحياة: ان الحياة كل متماسك تتناولها العلوم وفق ميادين معرفية معينة. وهذه التجزئة عملية منهجية أكاديمية لا تهدف إلى تجزئة الحياة الاجتماعية أو الشخصية البشرية إنما إلى تسهيل التعلم وتعميقه. لكن غالباً ما يغرق المتعلم بمهام جزئية دون ان يعيد ربط الجزء بالكل فيفقد شمولية التفكير وتماسك العمل.
٤- التباعد بين المواد: يشكل التعلم بالأهداف بفعل منطقه حواجز بين المواد علماً ان القدرات التي يستثمرها المتعلم في كل مادة قابلة للتحويل والنقل من مادة إلى أخرى وعلماً ان حل مشاكل العمل والحياة يتطلب تكامل المعارف وتنوعها أكثر مما يتطلب التخصص المفرط.
٥- موسوعية المناهج: مع تعاظم المعارف في عصر المعلوماتية والإنترنت أصبحت المواد التعليمية مثقلة بالمعلومات مما يضاعف عدد الأهداف، ويتطلب، إمَّا سنة مدرسية أطول، أو تكثيفاً للمعلومات في الحصة الواحدة. فلا بد من اعتماد منهجية تربوية جديدة تضمن المكاسب التية أمنتها الأهداف من جهة وتلبي الحاجات المستجدة من جهة أخرى.
٦- مهارة التعامل مع المعلومات: لم يعد التلميذ اليوم أمام مشكلة تقصي المعلومات كما في السابق بل هو أمام مشكلة جديدة تمثلها غزارة المعلومات وكيفية التعامل معها. لذلك ينبغي ان يتسلح المتعلم بالمعارف الإجرائية والمنهجية التي تساعد على الإبحار في خضم المعلومات وانتقاء ما يفيده منها. وهذا ما لم يؤمنه التعلم بالأهداف.
أمام هذه التحديات وجد العديد من التربويين في نظام الكفايات رهاناً لتخطي هذه المشاكل قد يكون ناجحاً، رغم الصعوبات التي تعترض تطبيقه كأي نظام جديد.

مفهوم الكفاية:
تتعدد التعريفات التي تناولت الكفاية في السنوات العشر الأخيرة، وتعكس التغيرات التي أصابت هذه التعريفات الاتجاهات التربوية الحاصلة في العالم من جهة وتطور المفهوم من جهة أخرى لكن جميعها تجمع على الأمور التالية:
١- إن الكفاية سلوك مركب تندمج فيه أنواع متنوعة من القدرات.
٢- إن الكفاية ذات بعد اجتماعي أي انها تفيد المتعلم في الحياة ولها معنىً معيناً بالنسبة إليه وتساعده في الوقت نفسه على التدرج العلمي.
٣- تمارس في مجموعة من الوضعيات تجمعها خصائص مشتركة مرتبطة مباشرة بواقع الحياة.
٤- انها قابلة للملاحظة والقياس وبالتالي يمكن وضع معايير ومبينات معينة لتقييمها.
٥- تكسب المتعلم معارف إجرائية وشرطية إلى جانب المعارف الإعلانية مما يعزز استقلاليته الاجتماعية والأكاديمية.
٦- تربط عضوياً بين طرائق التعلم واستراتيجيته وبين التقييم، وتعطي لمنهجية التفكير وإجراءاته أهمية تضاهي نتيجة العمل.
وقسم التربويون الكفايات إلى كفايات اجتماعية ترافق المتعلم خلال حياته المدرسية كالعمل التعاوني والتواصل الشفاف واحترام قيم الديمقراطية وكفايات ركنية أي كفايات ضرورية لاكتساب كفايات خاصة بالمواد التعليمية والكفايات الخاصة بالمواد التي تمارس في كل اختصاص من الاختصاصات. وهذه الكفايات على أنواعها تشكل كلاً متماسكاً متفاعلاً وتساعد على ممارسة مهمات حياتية متعددة.

مبادئ تربوية أساسية:
لتخطي حدود الأهداف وجعل التربية عملاً تكاملياً على مستوى المواد والشخصية البشرية والحياة المعيوشة اعتمد التعليم بالكفايات مبادئ أساسية منها(٣):
مبدأ الدمج: وهو المبدأ الأساسي للتعلم بالكفايات حيث يتم دمج الأهداف في ما بينها. وهذا الدمج هو عملية دمج للقدرات نوضحه بالمعادلة التالية: الهدف = قدرة + محتوى + شروط + معايير.
هذا لا يعني ان تعلم مكونات الكفاية (الأهداف كما وردت أعلاه)، يتم سوية في حصة واحدة إنما نقوم بعملية فصل للأهداف عن الكل المتواجدة فيه فيتم التدرب على تحقيق كل هدف كما يتم التدرب على دمج هذه الأهداف في ما بينها. فالدمج هو أيضاً مسار أو نسق تعلمي. وهذه العملية تحقق المبدأ الثاني الأساسي الذي هو مبدأ الشمولية أي ان المتعلم يربط دائماً من خلال نوعية النشاطات بين العنصر المكون وبين المنظومة العامة التي ينتمي إليها هذا العنصر.
وكي لا يأخذ التعليم طابعاً نظرياً يعتمد مبدأ التطبيق أي التعلم بالعمل والممارسة. ويبنى التعلم على أساس المكتسبات السابقة فيفتش التلميذ عن المعرفة بنفسه مما يحقق المبدأ الرابع وهو البنائية.
على صعيد الممارسات الصفية يقوم الأستاذ بدمج الأهداف فيما بينها من خلال موقعها في الكفاية التي يعمل من أجل تحقيقها كما يربط المضامين بالحياة المعيوشة من خلال وضعيات التعلم والتقييم.


المكلّف بأعمال التقييم في
المركز التربوي للبحوث والإنماء
آمال وهيبه

 

المراجع:
١- R.F. Mager. Comment définir des objectifs pédagogiques - Ed.Bordas - Paris 1990 - pages 21-22
٢- J.M. De Kétèle, M.Chastrette... Guide du Formateur.Col.De Boeck. Pages 103-108
٣- ركز فرنسوا لانييه على هذه المبادئ (الدمج، الشمولية، بناء المعرفة وتطبيقها في كتابه:
François Lasnier- réussir la formation par compétence - Guérin Québec

من الأهداف إلى الكفايات

لطالما طرح الأساتذة والمشرفون التربويون خلال الدورات التدريبية أسئلة حول العلاقة بين الأهداف والكفايات وعن جدوى الإبقاء على الأهداف الإجرائية واستبدالها بالكفايات، ومنهم من يتمسك بالأهداف ويعتبر التكوين بالكفايات مغامرة غير مضمونة النتائج. والسؤال الأساسي هل هناك تناقض بين الهدف والكفاية؟ وهل علينا ان نحدد موقفنا كطاقم تربوي من هذه المقاربة التربوية أو تلك؟ هل هي مسألة تناقض أم تكامل بين المفهومين؟ ان الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب "تحديدط المفاهيم أو تعريفها ومقارنتها فيما بينها. علنا نكتشف طبيعة العلاقة القائمة أعلاقة تناقض هي أم علاقة تكامل أم ان لكل مقاربة رهانها الخاص؟
 

 

 

 

 

 

مفهوم الأهداف:
خلال ستينيات القرن الماضي عامة تحول التعليم من الموسوعية إلى التخصصية وبرزت الأهداف الإجرائية عنصراً أساسياً يوجه العمل التربوي ويوفر معايير واضحة لتقييم أداء المتعلم. فعرّف ماغر Mager الهدف بأنه أداء يؤمن اكتسابه كفاءة المتعلم(١). إذ إنه بذلك يوصّفِ نتائج العمليات التربوية وليس مسارات التعلّم وطرائقه ووسائله. واعتبر ان دقة الأهداف وفعاليتها تتحقق إذا توافرت فيها العناصر التالية:

الأداء:
وهو ما ينبغي على التلميذ تحقيقه في نهاية التعلم.

الشروط:
وهي الوسائل التي يمكن استعمالها والتعليمات التي توجه عمل التلميذ.

المعايير:
وهي الأدوات المعتمدة للقياس وللحكم على نوعية الأداء لذلك يجب ان يكون الأداء المطلوب إجرائياً قابلاً للملاحظة والقياس.
واعتمد لندشير هذا المفهوم واعتبر ان الهدف يكون إجرائياً إذا وصّف الأمور التالية:
أ - سلوكاً قابلاً للملاحظة يبين ان التعلم قد حصل فعلاً.
ب- الإنتاج المنتظر من قبل المتعلم.
ج- الشروط التي يجري ضمنها هذا السلوك.
د- المعايير التي تسمح بالحكم على الأداء إذا كان كافياً أم لا.

وصنّفَ بلوم سنة ١٩٦٩ الأهداف وفق طبيعتها الى إدراكية معرفية Cognitifs والى وجدانية Affectifs  والى سيكوحركية Psychomoteurs وصنّف أيضاً الأهداف الادراكية إلى مستويات تتدرج من التذكر والفهم إلى التوليف والتقييم. وتبعه بعد ذلك العديد من التربويين ونشرت تصنيفات عدة منها تصنيفات دي لندشير بوتزار وجيويت وكراسويل وأخيراً وليس آخراً تصنيف دي كتيل الذي حصرها بثلاثة مستويات متدرجة هي مستوى (الاكتساب ومستوى التطبيق ومستوى حل المسائل(٢). هدفت هذه التصنيفات الى توفير التوازن والتكامل في المناهج والى تطبيق منهجي لتنامي التعلم بحسب الحلقات والصفوف.

وتميز التعليم بالأهداف عامة بالتركيز على دقة المعارف وكميتها وعلى تنمية المستوى النظري عند المتعلم وأمن للتلميذ وضوحاً في الأداء.
واعتمد على الطرائق التلقينية، والمقاربات التحليلية، وعلى ثقافة الامتحان الذي يسعى دائماً إلى تغطية موضوعات المنهاج كافة.

الأثر التربوي الاجتماعي للتربية بالأهداف:
أرسى هذا التطور التعليم المبرمج على أسس علمية واضحة، فتم الحد من الرسوب المدرسي ومن التسرب. وقد تزامن ذلك مع تطبيق مفاهيم أساسية تتناسب مع مجتمع الكفاءة "Méritocratie". كديمقراطية التعليم وتكافؤ الشروط وحق التعلّم... فتوافرت لكافة الشرائح الاجتماعية، في بعض الدول، الشروط المناسبة لبلوغ الاختصاصات والمستويات العلمية التي تصبو إليها وقد خفض التعليم بالأهداف نسب الإعادة والتسرب وأصبح الرسوب من خلال هذه المفاهيم التربوية مرتبطاً بمسارات التعليم أكثر منه بخصائص المتعلم.
لذلك غيرت العديد من المؤسسات هيكليتها لتتناسب مع الوظائف الجديدة الملقاة على عاتقها ولتواكب عمليات التحديث الواضحة.

حدود التعلم بالأهداف:
بعد التجربة في مختلف المؤسسات التربوية لأكثر من عقدين من الزمن بدأت تظهر حدود التعلم بالأهداف. فسعى التربويون إلى تحسين في الطرائق والوسائل وأداء المعلم والممارسات الصفية لكن هذا لم يحدث تغيراً جذرياً. وقد أظهرت الدراسات والنقاشات التربوية المسائل التالية:
١- التعلم والحياة: أدى التركيز على الأهداف الإجرائية إلى فصل التعلم عن المحيط بحيث لم يتمكن التلامذة إجمالاً من توظيف المكتسبات المدرسية في حل مشكلات الحياة اليومية الاجتماعية منها والخاصة بعالم العمل.
٢- التركيز على النتائج: ركز هذا التعلم على الأهداف ونتائج التعلم ولم يعط وزناً كافياً للمنهجيات والطرائق التي تتطلب من المتعلم مستويات ذهنية عليا منها التوليف والتنظيم وتخطيط الأعمال.
٣- التجزئة بالأهداف تجزئة للحياة: ان الحياة كل متماسك تتناولها العلوم وفق ميادين معرفية معينة. وهذه التجزئة عملية منهجية أكاديمية لا تهدف إلى تجزئة الحياة الاجتماعية أو الشخصية البشرية إنما إلى تسهيل التعلم وتعميقه. لكن غالباً ما يغرق المتعلم بمهام جزئية دون ان يعيد ربط الجزء بالكل فيفقد شمولية التفكير وتماسك العمل.
٤- التباعد بين المواد: يشكل التعلم بالأهداف بفعل منطقه حواجز بين المواد علماً ان القدرات التي يستثمرها المتعلم في كل مادة قابلة للتحويل والنقل من مادة إلى أخرى وعلماً ان حل مشاكل العمل والحياة يتطلب تكامل المعارف وتنوعها أكثر مما يتطلب التخصص المفرط.
٥- موسوعية المناهج: مع تعاظم المعارف في عصر المعلوماتية والإنترنت أصبحت المواد التعليمية مثقلة بالمعلومات مما يضاعف عدد الأهداف، ويتطلب، إمَّا سنة مدرسية أطول، أو تكثيفاً للمعلومات في الحصة الواحدة. فلا بد من اعتماد منهجية تربوية جديدة تضمن المكاسب التية أمنتها الأهداف من جهة وتلبي الحاجات المستجدة من جهة أخرى.
٦- مهارة التعامل مع المعلومات: لم يعد التلميذ اليوم أمام مشكلة تقصي المعلومات كما في السابق بل هو أمام مشكلة جديدة تمثلها غزارة المعلومات وكيفية التعامل معها. لذلك ينبغي ان يتسلح المتعلم بالمعارف الإجرائية والمنهجية التي تساعد على الإبحار في خضم المعلومات وانتقاء ما يفيده منها. وهذا ما لم يؤمنه التعلم بالأهداف.
أمام هذه التحديات وجد العديد من التربويين في نظام الكفايات رهاناً لتخطي هذه المشاكل قد يكون ناجحاً، رغم الصعوبات التي تعترض تطبيقه كأي نظام جديد.

مفهوم الكفاية:
تتعدد التعريفات التي تناولت الكفاية في السنوات العشر الأخيرة، وتعكس التغيرات التي أصابت هذه التعريفات الاتجاهات التربوية الحاصلة في العالم من جهة وتطور المفهوم من جهة أخرى لكن جميعها تجمع على الأمور التالية:
١- إن الكفاية سلوك مركب تندمج فيه أنواع متنوعة من القدرات.
٢- إن الكفاية ذات بعد اجتماعي أي انها تفيد المتعلم في الحياة ولها معنىً معيناً بالنسبة إليه وتساعده في الوقت نفسه على التدرج العلمي.
٣- تمارس في مجموعة من الوضعيات تجمعها خصائص مشتركة مرتبطة مباشرة بواقع الحياة.
٤- انها قابلة للملاحظة والقياس وبالتالي يمكن وضع معايير ومبينات معينة لتقييمها.
٥- تكسب المتعلم معارف إجرائية وشرطية إلى جانب المعارف الإعلانية مما يعزز استقلاليته الاجتماعية والأكاديمية.
٦- تربط عضوياً بين طرائق التعلم واستراتيجيته وبين التقييم، وتعطي لمنهجية التفكير وإجراءاته أهمية تضاهي نتيجة العمل.
وقسم التربويون الكفايات إلى كفايات اجتماعية ترافق المتعلم خلال حياته المدرسية كالعمل التعاوني والتواصل الشفاف واحترام قيم الديمقراطية وكفايات ركنية أي كفايات ضرورية لاكتساب كفايات خاصة بالمواد التعليمية والكفايات الخاصة بالمواد التي تمارس في كل اختصاص من الاختصاصات. وهذه الكفايات على أنواعها تشكل كلاً متماسكاً متفاعلاً وتساعد على ممارسة مهمات حياتية متعددة.

مبادئ تربوية أساسية:
لتخطي حدود الأهداف وجعل التربية عملاً تكاملياً على مستوى المواد والشخصية البشرية والحياة المعيوشة اعتمد التعليم بالكفايات مبادئ أساسية منها(٣):
مبدأ الدمج: وهو المبدأ الأساسي للتعلم بالكفايات حيث يتم دمج الأهداف في ما بينها. وهذا الدمج هو عملية دمج للقدرات نوضحه بالمعادلة التالية: الهدف = قدرة + محتوى + شروط + معايير.
هذا لا يعني ان تعلم مكونات الكفاية (الأهداف كما وردت أعلاه)، يتم سوية في حصة واحدة إنما نقوم بعملية فصل للأهداف عن الكل المتواجدة فيه فيتم التدرب على تحقيق كل هدف كما يتم التدرب على دمج هذه الأهداف في ما بينها. فالدمج هو أيضاً مسار أو نسق تعلمي. وهذه العملية تحقق المبدأ الثاني الأساسي الذي هو مبدأ الشمولية أي ان المتعلم يربط دائماً من خلال نوعية النشاطات بين العنصر المكون وبين المنظومة العامة التي ينتمي إليها هذا العنصر.
وكي لا يأخذ التعليم طابعاً نظرياً يعتمد مبدأ التطبيق أي التعلم بالعمل والممارسة. ويبنى التعلم على أساس المكتسبات السابقة فيفتش التلميذ عن المعرفة بنفسه مما يحقق المبدأ الرابع وهو البنائية.
على صعيد الممارسات الصفية يقوم الأستاذ بدمج الأهداف فيما بينها من خلال موقعها في الكفاية التي يعمل من أجل تحقيقها كما يربط المضامين بالحياة المعيوشة من خلال وضعيات التعلم والتقييم.


المكلّف بأعمال التقييم في
المركز التربوي للبحوث والإنماء
آمال وهيبه

 

المراجع:
١- R.F. Mager. Comment définir des objectifs pédagogiques - Ed.Bordas - Paris 1990 - pages 21-22
٢- J.M. De Kétèle, M.Chastrette... Guide du Formateur.Col.De Boeck. Pages 103-108
٣- ركز فرنسوا لانييه على هذه المبادئ (الدمج، الشمولية، بناء المعرفة وتطبيقها في كتابه:
François Lasnier- réussir la formation par compétence - Guérin Québec