الطرق الناشطة في تعليم اللغات الأجنبيّة ضمن المناهج الجديدة

ليس من العدل أن يكون التلاميذ ضحية مجتمعهم المحلي. قل لي كيف تعيش، أقول لك ما هو حظكَ من اللغات الأجنبية. لا، هذا ليس عدلاً وهذه الحالة لا تطاق. كلنا على علمٍ بذلك منذ زمنٍ بعيد. طال المطال والامور لم تتحول ولم تتبدل. آن الأوان لتقديم بعض الاقتراحات في سبيل تحريك الأمور.
ما العمل إذن ؟
في ما يلي نستعرض معاً استراتيجياتٍ فعالة تتضمنُ ثلاثَ سياساتٍ متتالية:
  • نقترح كمرحلة أولى سياسةَ الملاطفةِ والتحفيزِ والتحبّب
  • كمرحلةٍ ثانية، سياسةَ المشاركة والتعاون
  • وكمرحلة ثالثة، سياسة الوصول الى قلب الامور، ويمكن أن نسميها أيضاً سياسة السلاح والسلاح الآخر

 

 

 

 

 

 

 

 

تهدف المرحلة الأولى إلى خلق أجواء خاصة في الصف لاستبدال النفور بالاستئناس في نفوس التلاميذ أثناء تعلّم اللغة الاجنبيَة: رقص إيقاعي، غناء وموسيقى، رسم وتصوير، خياطة وحياكة، إنتاج وتصنيع، إلقاء ومسرح، تربية حيوانات، زراعة نباتات وطهي ودعوات من صف إلى صف. مباراة بين الصفوف وفتحها على بعضها وزيارات داخل وخارج المدرسة. بالاختصار: حركة وحياة بدلاً من الجمود والثبات. وذلك على امتداد السنوات الست للمرحلة الابتدائية. كي يبقى جوّ الروضة مخيّماً على ساعات تعليم اللغة الأجنبية طوال هذه السنين ، العودة إلى الطفولة على بساط اللغة، العودة إلى الجنة المفقودة مع تقدم العمر ومضيّ السنوات. عملية اعتماد الحافز وابتداعه مهما كلَف من جهود.

من بين الأنشطة المذكورة ما يخرج جزئياً عن حيّز المدرسة كمساحة فيطول الأسرة والجوار. يعود للمعلم أن يوصل صدى النشاطات إلى أسر التلاميذ كي تصبح هذه الأسر خليّة متفاعلة مع المعلّم والمدرسة والأولاد، يعود للمعلم أن يحوك شبكة من الخيوط حول الأهالي، على مدار السنة، كي يحملهم على الانخراط في النشاطات، عن طريق تحضيرها والاشتراك فيها بصورة مباشرة وصولاً إلى التواجد في الصفّ مع المعلم بصفة تطوعيّة عند الحاجة.

البيئة المحليّة القريبة، مخازنها، مؤسساتها، وجمعياتها، الجميع مدعو، ضمن إمكانياته، للمساهمة مع المعلم في جعل درس اللغة الاجنبية فسحة تواصل وحياة. عندها يكتسب التلاميذ مهارات لغوية تواصلية من دون أن يشعروا بذلك ومن دون أن يبذلوا الجهد الجهيد. أما المعلّم فمكتوب عليه ألاّ يتمتع بالراحة: عليه أن يكون الساحر الماهر، قائد الفرقة والمخرج وعليه أن يستنفد كل ما عنده من ديبلوماسية لاقناع الإدارة والأهل وسواهما من القوى الفاعلة في الميدان كي يتعاونوا جميعاً في سبيل خلق جو إيجابي باتجاه اللغة الأجنبية.
ويتقدم التلميذ في السن فيصبح مراهقاً. عندها يكون فريق الأصحاب مركز اهتمامه الأساسي وهو الانتماء الأول والأخير والولاء له فوق كل اعتبار. على المعلم حينئذٍ أن يستفيد من الظرف ليضع نشاطات تعلّم اللغة الاجنبية في وسط انشغالات فريق الأصحاب.
هذه هي المساحة الطبيعية التي يتمّ من خلالها التعلّم التعاوني. هذه المرحلة من العمر هي المرحلة الذهبية لهذا النمط من التعلّم. حيث يتبادل التلاميذ خبراتهم بصورة دائمة فتصبح معارف الفرد ومهاراته ملك الجماعة داخل الفريق الواحد.

ولكي لا يشعر أحدهم بالغبن (وهذا ما يحصل عندما يعطي التلميذ الفريق من دون أن يحصل على أي شيء بالمقابل) يتوجب على المعلّم أن ينوّع النشاطات إلى أقصى درجة ممكنة داخل أعمال الفرق اليومية: تعطى لكل تلميذ فرصة لإظهار إبداعاته ولوضع مواهبه الخاصة في خدمة الفريق: أحدهم ماهر في الرسم وغيره خبير في رصد المواقع الإلكترونية واستغلالها، ألكل يفيد والكل يستفيد. والمعلم مثل قائد الأوركيسترا: يوزع الأدوار بدقة وصبر وابتكار كي يتسنى لكل فرد أن يضع حجره في بناء صرح للجميع. و بالتعاون تتفكك العقد وتسقط الحواجز وتزول الفروقات. ولكي يزداد الإيقاع قوة وفي سبيل تضافر الجهود ندعو إلى تعاون معلمي اللغات جميعها.
ما أجملها ساعة عندما يكون بين معلم اللغة الأم ومعلم اللغة الأجنبية قصص وحكايات. التلميذ واحد ومعلمو اللغات كل واحد ينسج على منواله! لا! هذا لا يجوز!

السياسة التي نصبو إليها هي سياسة الالتحام بين المخططات التعليمية العائدة للغة الأم والمخططات العائدة للغات الاجنبية. سياسة الالتئام والتناغم والمحاكاة، محاكاة اللغتين او اللغات الثلاث يومياً، على يد معلميها. قلنا يومياً وعلى مهل، تماماً كما تتحاكى الجارتان يومياً من على الشرفات المتواجهة من بناية لبناية فوق الشارع الضيّق:
"شو رح تطبخي اليوم ؟... ولله فكره ! رح أنقل عنك" كي تصبح طبخة معلّم اللغة الأم وطبخة معلّم اللغة الأجنبية طبخة واحدة في ذهن التلميذ. الإمكانيات في هذا المجال واسعة جداً. في حزيران ٢٠٠٣ انعقد في تونس مؤتمر لصالح البلاد العربية الناطقة جزئياً بالفرنسية لدراسة إمكانيات الالتقاء بين تعليمية اللغة العربية وتعليمية اللغة الفرنسية والهدف هو توحيد القوى. أما اللغة فهي ليست فقط مادة بل هي ايضأ أداة. وكلما كانت الأداة حادّة كلما كانت فعّالة. اللغة أداة ومفتاح لجميع المواد. وإن لم نتقن صناعة المفتاح لن يفتح لنا الباب للدخول إلى مختلف المواد. اللغة أداة ومفتاح وسلاح. فباللغة نتعرف إلى استراتيجيات الإقناع وباللغة تتفتح أذهاننا لنحلل وننتقد فنتسلحّ لمواجهة المواقف الصعبة بالحكمة وبالمنطق. إن طرائق التحليل والنقد لا تختلف من لغة إلى أخرى وأنماط التفكير المنطقي هي ذاتها من لغة إلى لغة.

لقد وصلنا إلى المحطة الثالثة والأخيرة، وصلنا إلى قلب الأمور، إلى الهدف الأساسي الذي نتوخاه من تعلّم اللغة: كلّما تعمقّنا في تعلّم اللغة كلّما تفتّحت عيوننا على العالم ورأيناه على حقيقته. وإن كان "كل لسان بإنسان" فمن المفيد جداً إذاً أن نضيف إلى السلاح الذي تمنحنا إياه لغتنا، سلاحاً آخر آتياً من تعلّم الأجنبية شرط أن تفتح الحدود وتسقط الجدران بين اللغتين فيلتقي معلّمو اللغّات للتواصل وتبادل الخبرات ووضع المخططات التعليمية المتجانسة والاتفاق على اساليب وطرائق موحّدة والتحاور في المواضيع والمحتويات المتداخلة. عندما تتضافر الجهود لا يعود معلم اللغة الأجنبية معزولاً ومهّمشاً ويصبح تعلّم اللغة الأجنبية عنصراً فعالاً يسهم كغيره من المواد في بناء شخصية الفرد بناءً سليماً ومستداماً.
ندائي الأخير: إذا أردنا أن نتغلّب على صعوبات تعلّم اللغات الأجنبية كي لا ندعها تسيطر علينا، فلنتعاون كلنا أجمعين، أهلاً ومعلمين، بالعمل والإيمان وإياكم ثم إياكم أن تفقدوا الأمل !


المركز التربوي للبحوث والإنماء
رئيسة قسم اللغة الفرنسية وآدابها
د. مرسال أبي نادر خوراسانجيان

 

  • ألقيت هذه المحاضرة في المؤتمر التربوي الذي نظّمته مؤسسات أمل التربوية حول "المدرسة والمجتمع في لبنان: نحو علاقة افضل" الخميس في ٣١ تمّوز ٢٠٠٣.

الطرق الناشطة في تعليم اللغات الأجنبيّة ضمن المناهج الجديدة

ليس من العدل أن يكون التلاميذ ضحية مجتمعهم المحلي. قل لي كيف تعيش، أقول لك ما هو حظكَ من اللغات الأجنبية. لا، هذا ليس عدلاً وهذه الحالة لا تطاق. كلنا على علمٍ بذلك منذ زمنٍ بعيد. طال المطال والامور لم تتحول ولم تتبدل. آن الأوان لتقديم بعض الاقتراحات في سبيل تحريك الأمور.
ما العمل إذن ؟
في ما يلي نستعرض معاً استراتيجياتٍ فعالة تتضمنُ ثلاثَ سياساتٍ متتالية:
  • نقترح كمرحلة أولى سياسةَ الملاطفةِ والتحفيزِ والتحبّب
  • كمرحلةٍ ثانية، سياسةَ المشاركة والتعاون
  • وكمرحلة ثالثة، سياسة الوصول الى قلب الامور، ويمكن أن نسميها أيضاً سياسة السلاح والسلاح الآخر

 

 

 

 

 

 

 

 

تهدف المرحلة الأولى إلى خلق أجواء خاصة في الصف لاستبدال النفور بالاستئناس في نفوس التلاميذ أثناء تعلّم اللغة الاجنبيَة: رقص إيقاعي، غناء وموسيقى، رسم وتصوير، خياطة وحياكة، إنتاج وتصنيع، إلقاء ومسرح، تربية حيوانات، زراعة نباتات وطهي ودعوات من صف إلى صف. مباراة بين الصفوف وفتحها على بعضها وزيارات داخل وخارج المدرسة. بالاختصار: حركة وحياة بدلاً من الجمود والثبات. وذلك على امتداد السنوات الست للمرحلة الابتدائية. كي يبقى جوّ الروضة مخيّماً على ساعات تعليم اللغة الأجنبية طوال هذه السنين ، العودة إلى الطفولة على بساط اللغة، العودة إلى الجنة المفقودة مع تقدم العمر ومضيّ السنوات. عملية اعتماد الحافز وابتداعه مهما كلَف من جهود.

من بين الأنشطة المذكورة ما يخرج جزئياً عن حيّز المدرسة كمساحة فيطول الأسرة والجوار. يعود للمعلم أن يوصل صدى النشاطات إلى أسر التلاميذ كي تصبح هذه الأسر خليّة متفاعلة مع المعلّم والمدرسة والأولاد، يعود للمعلم أن يحوك شبكة من الخيوط حول الأهالي، على مدار السنة، كي يحملهم على الانخراط في النشاطات، عن طريق تحضيرها والاشتراك فيها بصورة مباشرة وصولاً إلى التواجد في الصفّ مع المعلم بصفة تطوعيّة عند الحاجة.

البيئة المحليّة القريبة، مخازنها، مؤسساتها، وجمعياتها، الجميع مدعو، ضمن إمكانياته، للمساهمة مع المعلم في جعل درس اللغة الاجنبية فسحة تواصل وحياة. عندها يكتسب التلاميذ مهارات لغوية تواصلية من دون أن يشعروا بذلك ومن دون أن يبذلوا الجهد الجهيد. أما المعلّم فمكتوب عليه ألاّ يتمتع بالراحة: عليه أن يكون الساحر الماهر، قائد الفرقة والمخرج وعليه أن يستنفد كل ما عنده من ديبلوماسية لاقناع الإدارة والأهل وسواهما من القوى الفاعلة في الميدان كي يتعاونوا جميعاً في سبيل خلق جو إيجابي باتجاه اللغة الأجنبية.
ويتقدم التلميذ في السن فيصبح مراهقاً. عندها يكون فريق الأصحاب مركز اهتمامه الأساسي وهو الانتماء الأول والأخير والولاء له فوق كل اعتبار. على المعلم حينئذٍ أن يستفيد من الظرف ليضع نشاطات تعلّم اللغة الاجنبية في وسط انشغالات فريق الأصحاب.
هذه هي المساحة الطبيعية التي يتمّ من خلالها التعلّم التعاوني. هذه المرحلة من العمر هي المرحلة الذهبية لهذا النمط من التعلّم. حيث يتبادل التلاميذ خبراتهم بصورة دائمة فتصبح معارف الفرد ومهاراته ملك الجماعة داخل الفريق الواحد.

ولكي لا يشعر أحدهم بالغبن (وهذا ما يحصل عندما يعطي التلميذ الفريق من دون أن يحصل على أي شيء بالمقابل) يتوجب على المعلّم أن ينوّع النشاطات إلى أقصى درجة ممكنة داخل أعمال الفرق اليومية: تعطى لكل تلميذ فرصة لإظهار إبداعاته ولوضع مواهبه الخاصة في خدمة الفريق: أحدهم ماهر في الرسم وغيره خبير في رصد المواقع الإلكترونية واستغلالها، ألكل يفيد والكل يستفيد. والمعلم مثل قائد الأوركيسترا: يوزع الأدوار بدقة وصبر وابتكار كي يتسنى لكل فرد أن يضع حجره في بناء صرح للجميع. و بالتعاون تتفكك العقد وتسقط الحواجز وتزول الفروقات. ولكي يزداد الإيقاع قوة وفي سبيل تضافر الجهود ندعو إلى تعاون معلمي اللغات جميعها.
ما أجملها ساعة عندما يكون بين معلم اللغة الأم ومعلم اللغة الأجنبية قصص وحكايات. التلميذ واحد ومعلمو اللغات كل واحد ينسج على منواله! لا! هذا لا يجوز!

السياسة التي نصبو إليها هي سياسة الالتحام بين المخططات التعليمية العائدة للغة الأم والمخططات العائدة للغات الاجنبية. سياسة الالتئام والتناغم والمحاكاة، محاكاة اللغتين او اللغات الثلاث يومياً، على يد معلميها. قلنا يومياً وعلى مهل، تماماً كما تتحاكى الجارتان يومياً من على الشرفات المتواجهة من بناية لبناية فوق الشارع الضيّق:
"شو رح تطبخي اليوم ؟... ولله فكره ! رح أنقل عنك" كي تصبح طبخة معلّم اللغة الأم وطبخة معلّم اللغة الأجنبية طبخة واحدة في ذهن التلميذ. الإمكانيات في هذا المجال واسعة جداً. في حزيران ٢٠٠٣ انعقد في تونس مؤتمر لصالح البلاد العربية الناطقة جزئياً بالفرنسية لدراسة إمكانيات الالتقاء بين تعليمية اللغة العربية وتعليمية اللغة الفرنسية والهدف هو توحيد القوى. أما اللغة فهي ليست فقط مادة بل هي ايضأ أداة. وكلما كانت الأداة حادّة كلما كانت فعّالة. اللغة أداة ومفتاح لجميع المواد. وإن لم نتقن صناعة المفتاح لن يفتح لنا الباب للدخول إلى مختلف المواد. اللغة أداة ومفتاح وسلاح. فباللغة نتعرف إلى استراتيجيات الإقناع وباللغة تتفتح أذهاننا لنحلل وننتقد فنتسلحّ لمواجهة المواقف الصعبة بالحكمة وبالمنطق. إن طرائق التحليل والنقد لا تختلف من لغة إلى أخرى وأنماط التفكير المنطقي هي ذاتها من لغة إلى لغة.

لقد وصلنا إلى المحطة الثالثة والأخيرة، وصلنا إلى قلب الأمور، إلى الهدف الأساسي الذي نتوخاه من تعلّم اللغة: كلّما تعمقّنا في تعلّم اللغة كلّما تفتّحت عيوننا على العالم ورأيناه على حقيقته. وإن كان "كل لسان بإنسان" فمن المفيد جداً إذاً أن نضيف إلى السلاح الذي تمنحنا إياه لغتنا، سلاحاً آخر آتياً من تعلّم الأجنبية شرط أن تفتح الحدود وتسقط الجدران بين اللغتين فيلتقي معلّمو اللغّات للتواصل وتبادل الخبرات ووضع المخططات التعليمية المتجانسة والاتفاق على اساليب وطرائق موحّدة والتحاور في المواضيع والمحتويات المتداخلة. عندما تتضافر الجهود لا يعود معلم اللغة الأجنبية معزولاً ومهّمشاً ويصبح تعلّم اللغة الأجنبية عنصراً فعالاً يسهم كغيره من المواد في بناء شخصية الفرد بناءً سليماً ومستداماً.
ندائي الأخير: إذا أردنا أن نتغلّب على صعوبات تعلّم اللغات الأجنبية كي لا ندعها تسيطر علينا، فلنتعاون كلنا أجمعين، أهلاً ومعلمين، بالعمل والإيمان وإياكم ثم إياكم أن تفقدوا الأمل !


المركز التربوي للبحوث والإنماء
رئيسة قسم اللغة الفرنسية وآدابها
د. مرسال أبي نادر خوراسانجيان

 

  • ألقيت هذه المحاضرة في المؤتمر التربوي الذي نظّمته مؤسسات أمل التربوية حول "المدرسة والمجتمع في لبنان: نحو علاقة افضل" الخميس في ٣١ تمّوز ٢٠٠٣.

الطرق الناشطة في تعليم اللغات الأجنبيّة ضمن المناهج الجديدة

ليس من العدل أن يكون التلاميذ ضحية مجتمعهم المحلي. قل لي كيف تعيش، أقول لك ما هو حظكَ من اللغات الأجنبية. لا، هذا ليس عدلاً وهذه الحالة لا تطاق. كلنا على علمٍ بذلك منذ زمنٍ بعيد. طال المطال والامور لم تتحول ولم تتبدل. آن الأوان لتقديم بعض الاقتراحات في سبيل تحريك الأمور.
ما العمل إذن ؟
في ما يلي نستعرض معاً استراتيجياتٍ فعالة تتضمنُ ثلاثَ سياساتٍ متتالية:
  • نقترح كمرحلة أولى سياسةَ الملاطفةِ والتحفيزِ والتحبّب
  • كمرحلةٍ ثانية، سياسةَ المشاركة والتعاون
  • وكمرحلة ثالثة، سياسة الوصول الى قلب الامور، ويمكن أن نسميها أيضاً سياسة السلاح والسلاح الآخر

 

 

 

 

 

 

 

 

تهدف المرحلة الأولى إلى خلق أجواء خاصة في الصف لاستبدال النفور بالاستئناس في نفوس التلاميذ أثناء تعلّم اللغة الاجنبيَة: رقص إيقاعي، غناء وموسيقى، رسم وتصوير، خياطة وحياكة، إنتاج وتصنيع، إلقاء ومسرح، تربية حيوانات، زراعة نباتات وطهي ودعوات من صف إلى صف. مباراة بين الصفوف وفتحها على بعضها وزيارات داخل وخارج المدرسة. بالاختصار: حركة وحياة بدلاً من الجمود والثبات. وذلك على امتداد السنوات الست للمرحلة الابتدائية. كي يبقى جوّ الروضة مخيّماً على ساعات تعليم اللغة الأجنبية طوال هذه السنين ، العودة إلى الطفولة على بساط اللغة، العودة إلى الجنة المفقودة مع تقدم العمر ومضيّ السنوات. عملية اعتماد الحافز وابتداعه مهما كلَف من جهود.

من بين الأنشطة المذكورة ما يخرج جزئياً عن حيّز المدرسة كمساحة فيطول الأسرة والجوار. يعود للمعلم أن يوصل صدى النشاطات إلى أسر التلاميذ كي تصبح هذه الأسر خليّة متفاعلة مع المعلّم والمدرسة والأولاد، يعود للمعلم أن يحوك شبكة من الخيوط حول الأهالي، على مدار السنة، كي يحملهم على الانخراط في النشاطات، عن طريق تحضيرها والاشتراك فيها بصورة مباشرة وصولاً إلى التواجد في الصفّ مع المعلم بصفة تطوعيّة عند الحاجة.

البيئة المحليّة القريبة، مخازنها، مؤسساتها، وجمعياتها، الجميع مدعو، ضمن إمكانياته، للمساهمة مع المعلم في جعل درس اللغة الاجنبية فسحة تواصل وحياة. عندها يكتسب التلاميذ مهارات لغوية تواصلية من دون أن يشعروا بذلك ومن دون أن يبذلوا الجهد الجهيد. أما المعلّم فمكتوب عليه ألاّ يتمتع بالراحة: عليه أن يكون الساحر الماهر، قائد الفرقة والمخرج وعليه أن يستنفد كل ما عنده من ديبلوماسية لاقناع الإدارة والأهل وسواهما من القوى الفاعلة في الميدان كي يتعاونوا جميعاً في سبيل خلق جو إيجابي باتجاه اللغة الأجنبية.
ويتقدم التلميذ في السن فيصبح مراهقاً. عندها يكون فريق الأصحاب مركز اهتمامه الأساسي وهو الانتماء الأول والأخير والولاء له فوق كل اعتبار. على المعلم حينئذٍ أن يستفيد من الظرف ليضع نشاطات تعلّم اللغة الاجنبية في وسط انشغالات فريق الأصحاب.
هذه هي المساحة الطبيعية التي يتمّ من خلالها التعلّم التعاوني. هذه المرحلة من العمر هي المرحلة الذهبية لهذا النمط من التعلّم. حيث يتبادل التلاميذ خبراتهم بصورة دائمة فتصبح معارف الفرد ومهاراته ملك الجماعة داخل الفريق الواحد.

ولكي لا يشعر أحدهم بالغبن (وهذا ما يحصل عندما يعطي التلميذ الفريق من دون أن يحصل على أي شيء بالمقابل) يتوجب على المعلّم أن ينوّع النشاطات إلى أقصى درجة ممكنة داخل أعمال الفرق اليومية: تعطى لكل تلميذ فرصة لإظهار إبداعاته ولوضع مواهبه الخاصة في خدمة الفريق: أحدهم ماهر في الرسم وغيره خبير في رصد المواقع الإلكترونية واستغلالها، ألكل يفيد والكل يستفيد. والمعلم مثل قائد الأوركيسترا: يوزع الأدوار بدقة وصبر وابتكار كي يتسنى لكل فرد أن يضع حجره في بناء صرح للجميع. و بالتعاون تتفكك العقد وتسقط الحواجز وتزول الفروقات. ولكي يزداد الإيقاع قوة وفي سبيل تضافر الجهود ندعو إلى تعاون معلمي اللغات جميعها.
ما أجملها ساعة عندما يكون بين معلم اللغة الأم ومعلم اللغة الأجنبية قصص وحكايات. التلميذ واحد ومعلمو اللغات كل واحد ينسج على منواله! لا! هذا لا يجوز!

السياسة التي نصبو إليها هي سياسة الالتحام بين المخططات التعليمية العائدة للغة الأم والمخططات العائدة للغات الاجنبية. سياسة الالتئام والتناغم والمحاكاة، محاكاة اللغتين او اللغات الثلاث يومياً، على يد معلميها. قلنا يومياً وعلى مهل، تماماً كما تتحاكى الجارتان يومياً من على الشرفات المتواجهة من بناية لبناية فوق الشارع الضيّق:
"شو رح تطبخي اليوم ؟... ولله فكره ! رح أنقل عنك" كي تصبح طبخة معلّم اللغة الأم وطبخة معلّم اللغة الأجنبية طبخة واحدة في ذهن التلميذ. الإمكانيات في هذا المجال واسعة جداً. في حزيران ٢٠٠٣ انعقد في تونس مؤتمر لصالح البلاد العربية الناطقة جزئياً بالفرنسية لدراسة إمكانيات الالتقاء بين تعليمية اللغة العربية وتعليمية اللغة الفرنسية والهدف هو توحيد القوى. أما اللغة فهي ليست فقط مادة بل هي ايضأ أداة. وكلما كانت الأداة حادّة كلما كانت فعّالة. اللغة أداة ومفتاح لجميع المواد. وإن لم نتقن صناعة المفتاح لن يفتح لنا الباب للدخول إلى مختلف المواد. اللغة أداة ومفتاح وسلاح. فباللغة نتعرف إلى استراتيجيات الإقناع وباللغة تتفتح أذهاننا لنحلل وننتقد فنتسلحّ لمواجهة المواقف الصعبة بالحكمة وبالمنطق. إن طرائق التحليل والنقد لا تختلف من لغة إلى أخرى وأنماط التفكير المنطقي هي ذاتها من لغة إلى لغة.

لقد وصلنا إلى المحطة الثالثة والأخيرة، وصلنا إلى قلب الأمور، إلى الهدف الأساسي الذي نتوخاه من تعلّم اللغة: كلّما تعمقّنا في تعلّم اللغة كلّما تفتّحت عيوننا على العالم ورأيناه على حقيقته. وإن كان "كل لسان بإنسان" فمن المفيد جداً إذاً أن نضيف إلى السلاح الذي تمنحنا إياه لغتنا، سلاحاً آخر آتياً من تعلّم الأجنبية شرط أن تفتح الحدود وتسقط الجدران بين اللغتين فيلتقي معلّمو اللغّات للتواصل وتبادل الخبرات ووضع المخططات التعليمية المتجانسة والاتفاق على اساليب وطرائق موحّدة والتحاور في المواضيع والمحتويات المتداخلة. عندما تتضافر الجهود لا يعود معلم اللغة الأجنبية معزولاً ومهّمشاً ويصبح تعلّم اللغة الأجنبية عنصراً فعالاً يسهم كغيره من المواد في بناء شخصية الفرد بناءً سليماً ومستداماً.
ندائي الأخير: إذا أردنا أن نتغلّب على صعوبات تعلّم اللغات الأجنبية كي لا ندعها تسيطر علينا، فلنتعاون كلنا أجمعين، أهلاً ومعلمين، بالعمل والإيمان وإياكم ثم إياكم أن تفقدوا الأمل !


المركز التربوي للبحوث والإنماء
رئيسة قسم اللغة الفرنسية وآدابها
د. مرسال أبي نادر خوراسانجيان

 

  • ألقيت هذه المحاضرة في المؤتمر التربوي الذي نظّمته مؤسسات أمل التربوية حول "المدرسة والمجتمع في لبنان: نحو علاقة افضل" الخميس في ٣١ تمّوز ٢٠٠٣.