واقع التعليم بالطرق الناشطة من خلال المناهج التربويّة الجديدة ١

واقع التعليم بالطرق الناشطة
من خلال المناهج
 التربويّة الجديدة (١)

 

يعتبر كل درس "ترجمة لمنحى تربوي معيّن". فالاستجابة لحاجات المتعلّم وتحديد الأهداف والقدرات المرجوة وحصر المحتوى بما هو ضروري واختيار الطرائق التي تحقق اكتساب المعارف والمهارات وتوقع إجراءات التقييم وأشكال معالجة الصعوبات، كلها تشكّل مجموعة محطات لا غنى عنها في فلسفة التربية الحديثة.
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

"يمكن الاعتقاد أنّ التربية ليست سوى مجموعة طرائق ووصفات تخوّل التواصل مع المتعلم، كما تسهّل له مهمة استيعاب المعارف أو تعلّم تقنية معينة... لكن التربية بعيدة كل البعد عن أن تختصر بتقنية لأنه ينبغي أن تكيّف باستمرار طرائقها وفق الزمن والأشخاص بحضور المعلمين والمتعلمين. يشكل هذا التعديل المستمر الدائم جزءً من المسؤولية الملقاة على عاتق المعلم، جاعلاً من التربية فناً يعتبر فيه عدم الرضى والقلق عاملين منشطين والجهود المبذولة في البحث حركة ابداعية" (مارسيل بوستيك).
إن البرامج المحددة بحسب الكفايات تشدد على إدماج التقييم في التعلم، وعلى العلاقة بين عمليّتي التعلم والتعليم. يكتسب التلميذ من عمله ولا يقتصر دور المعلم على نقل المعارف بل يتعدّاه إلى كونه منظماً ومنشّطاً لأعمال التعلّم، ووسيطاً بين عملية التعلّم والمتعلم. لذلك تتكون نشاطات التعليم دائماً بحسب نشاطات التعلم لدى التلميذ.

 

يمثّل الرسم التالي نموذجاً بدمج التعليم والتعلّم والتقييم، ويعرض مفاهيم تشكل أساساً للتأهيل عن طريق الكفاية (Formation par compétences):

 

البعد البنائي (Constructivisme)

إن البعد البنائي يلقي ضوءًا على الدور الناشط الذي يؤديه المتعلم. فهو المحرك الأول في عملية تعلمه.
تعتبر المقاربة البنائية أنّ المعارف الجديدة تكتسب تدريجاً بالتواصل مع المعارف السابقة. ويتشكل فهم حقيقة من الحقائق انطلاقاً من ادراكات شخصية وليس من خلال حقيقة مطلقة.
توضح نظرية البعد البنائي أنّ المعلم لا يمنح المتعلم معارف بل ينقل إليه معلومات يحولها بدوره إلى معارف ومهارات ومواقف.
بالنسبة إلى المعلم، يضاف إلى دوره في إكساب المتعلم معارف، دوره في تنظيم النشاطات التعلمية والتقييمية وإحيائها في سبيل تكامل المعارف والمهارات و المواقف.


البعد العقلي (Cognitivisme)
يعتبر البعد العقلي حصيلة الاهتمامات المتعلقة بالطريقة التي يكتسب بها الفرد المعارف والمهارات ويستخدمها. وفي وضعية تعلمية حسية مرتبطة بالسياق وذات معنى، تؤدي مرحلة أولى من تنشيط (Phase d'activation) المعارف السابقة إلى بناء مهارات المتعلم انطلاقا مما
يعرفه. ويجب ألا تكتفي عملية التعلم بإثارة اهتمام المتعلم بل تلبي حاجاته التعلمية من غير ان تعتمد المنحى النظري لئلا تفقد من فعاليتها.
وفي وضعية يكون فيها مستوى تعقد المهمة مدروساً، يدفع التلميذ إلى التساؤل والتكهن بأنه لا يعرف ما يكفي عن الموضوع ليكون قادرا على توليد أفكار واضحة ودقيقة. فيجد نفسه وقتيا في وضعية تعلمية غير مستقرة، ويعيش اضطرابا معرفيا يقوده إلى مرحلة الإعداد (Phase d'élaboration) أي بناء معارف جديدة.
وبغية تسهيل التعلم، يجدر بالمتعلم أن يستغل وسائله (استراتيجيات التعلّم: Stratégies d'apprentissage) الشخصية والمكيفة بحسب حاجاته لاكتساب معلومات جديدة (جمع المعلومات: Collecte de l'information). وفي إطار التعلّم، يخزن المتعلّم مختلف أنواع المعارف:
١. المعارف المثبتة (Connaissances déclaratives) العائدة إلى محتوى محدد في المواد.
٢. المعارف الإجرائية (Connaissances procédurales) التي تشير إلى كيفية تعلّم المتعلّم.
٣. المعارف المشروطة ( Connaissances conditionnelles) التي تحدّد متى ولماذا نتعلّم.
سيستخدم المتعلم استراتيجيات متباينة في كل نوع من أنواع المهارات. وخلال عملية التعلم، يكتشف تقدمه وهو متيقّن للطريقة التي يتبعها ليتعلم. ولاختصار هذه الأعمال الذهنية في إطار المعرفيّة، سنتكلم على تنظيم المعلومة (Organisation de l'information).
عندما يعالج المتعلم المعلومات بشكل معمّق، يعتمد استراتيجيات تمكّنه من تصنيف هذه المعلومات (الترميز: Encodage) وتحفيظها في الذاكرة (التخزين: Stockage) واستحضارها على نحو مناسب خلال الوضعيات التعلمية (الاستذكار: Rappel). يبني المتعلم علاقات بين شبكات المفاهيم، ويتعلم كيف يدير بشكل أفضل المعلومات التي يخزنها في ذاكرته (إدارة الذاكرة: Gestion des mémoires). وما إن ترمّز المعلومات الجديدة وتُستوعب حتى يقوم بتعميم معارفه على وضعيات مشابهة نوعاً ما، أو بالانتقال إلى وضعيات أخرى.
في عملية التأهيل عن طريق الكفاية (Formation par compétences)، تعادل الكفاية مجموعة معارف منهجية، أي نسقاً يضمّ مكوّنات (أو قدرات) تقود إلى اكتساب الكفاية. يحث المعلم المتعلم على تعيين مكونات الكفايات الملتمسة والعودة إليها وتصويرها وتوضيعها. ونتيجة لذلك، نشدد على استثمار المهمات المندمجة (Tâches intégratrices) لأنها تعود إلى إحدى الاستراتيجيات الأساسية في اكتساب المعارف المنهجية: عرض المهمة (Tâche) على المتعلم الذي يطبق عليها كافة المراحل المنهجية. وهكذا نواجه التعلم المجزأ ونسعى إلى التعلم المدمج.


البعد البنائي الاجتماعي (Socioconstructivisme)
إن البعد البنائي الاجتماعي المنبثق عن البعد البنائي يضفي حجما على العلاقة مع الآخرين بهدف بناء المعارف. ونشير إلى أنواع جديدة من العلاقات: علاقة التلميذ بالتلميذ، علاقة التلميذ بالمعلم وعلاقة التلميذ بالفريق.


التأهيل عن طريق الكفاية (Formation par compétences)
لا يمكن تعليل التأهيل عن طريق الكفاية إلا إذا جمعنا ين البعد العقلي و البعد البنائي. فالمبادئ الرئيسة الخاصة بالتأهيل عن طريق الكفاية هي: الشموليّة (Globalité)، التكوين (Construction)، التعاقب (Alternance)، التطبيق (Application)، الترديد (Itération) والدمج (Intégration) والتمييز (Distinction)، الملاءمة (Pertinence)، الترابط (Cohérence) والتحويل (Transfert).


بعض الطرائق التربوية الناشطة (المقاربات المختلفة الملائمة للتأهيل عن طريق الكفاية):
تهدف الطرائق الناشطة إلى تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات والمواقف مما يجعله فاعلاً في عملية التعلّم فيصبح المحور. ولا تعود مهمة المعلم تتمثل في إعطاء أكبر قدر من المعلومات للمتعلم بل في تعليمه وسائل اكتساب الاستقلالية. وهكذا يؤهله للانخراط في حياة مهنية ناجحة.
"يمكن أن يعتبر التعلم عملية ناشطة وبناءة يدير فيها المتعلم بطريقة استراتيجية المصادر المعرفية المتاحة لخلق معارف جديدة باستخلاص المعلومة من الحياة اليومية ودمجها في البنية المعلوماتية المحفظة في الذاكرة" (كوزمان).
"إن التعليم يضع في متناول المتعلم فرصا تخوله التعلم. انها عملية تفاعلية ونشاط عمديّ... يمكن اعتبار الأهداف كسباً في المعارف، وتعمقاً في الفهم، وتطويراً للكفايات في "حلّ إحدى المشكلات" أو تغيراً في الادراك والمواقف والقيم والتصرف" (براون وأتكينس).
يتأثر هذان التعريفان إلى حدّ بعيد بكون التلميذ قائدًا لعملية التعلم، فهو من يبني معارفه ويكتسب في المقابل أنواعاً مختلفة من المعارف.
تعتمد هذه المقاربة البنائية (Constructivisme) في عملية التعلم على أعمال بياجيه (Piaget) التي تتعلق بتطور الولد النفسي إذ يظهر أهمية الشخص الذي يتعلم. في هذا الاطار، تبدو المعارف السابقة أو المكتسبة خارج السياق المدرسي أو التعلمي (التجارب اليومية) في غاية الأهمية بالنسبة إلى المعارف التالية/اللاحقة.
ونشير أيضاً إلى المصادر المادية التي يضعها المعلم في متناول المتعلمين، فهي الركيزة الأساسية التي سيشيّد بها المتعلم "صرح معارفه".
وتظهر جليّة الصفات التفاعلية أو الاجتماعية في عملية التعلّم. وتتطور معارفنا عندما يعاد النظر فيها مع الحياة اليومية: حدث متعارض مع اعتقاداتي، رأي مختلف عن الطريقة التي أرى بها الأمور... يؤدي هذا الخلل في المفاهيم إلى البحث عن توازن جديد: وهذا ما نسميه بتغيير المفاهيم (Changement conceptuel).


وبعد عرض هذه الاعتبارات العامة، ينبغي إنشاء قائمة بالسمات التي تتصف بها التربية الناشطة:
- الصفة الشخصية في عملية التعلم،
- دور المعارف السابقة المنشط،
- أهمية المصادر المتاحة،
- دور السياق والتجربة الملموسة،
- الكفايات التي تمارس على أعلى مستوى،
- منحى البحث في عملية التعلم،
- تغيير المفاهيم (التنبه، الخلل وإعادة الصياغة)،
- الصفة التفاعلية والتعاونية في عملية التعلم،
- الصلة بين المشروع الشخصي والمهني والدراسي،
- أهمية البناء والانتاج،
- أهمية البحث في مجال التعلم الجاري.
تشمل المنهجيات التربوية الناشطة مجموع هذه الصفات:
١. التعلم من خلال حل مشكلة (Apprentissage par résolution de problème)،
٢. التعلم التعاوني (Apprentissage coopératif)،
٣. التربية في إطار مشروع أو عبر المشروع (Pédagogie du projet ou par le projet).

 

١. التعلّم من خلال حلّ المشاكل:
يُعتبر التعلّم من خلال حل المشاكل وسيلة نقيّم بها مجموع مناهج التعليم أو أحد المناحي التربوية في إطار درس محدّد.
يمكن أن نضم إلى هذا النوع من التربية ما يلي:
- التطور الأسّي في المعارف خلال العقود الفائتة واستحالة تعليم كل شيء وعدم صوابيته،
- مستوى نقص حاد في معارف المتعلمين عند انتقالهم من صف إلى آخر أو من الدراسة الجامعية إلى الحياة المهنية،
- التعليم النظري بأسلوب محاضرة (Magistrale) غير المسيّق مقارنة بالحاجات والوقائع،
- سلبية المتعلم أمام ناقل المعرفة الوحيد المتمثل في المعلم في وجه عدد متنام من المتعلمين،
- نسبة متدنية من النشاط المعرفي (حسن إعادة ما قيل) أو المنهجي (تدوين رؤوس أقلام) في ما يتعلق بالكفايات الضرورية في مجال الأنشطة (حسن الاستعانة بمرجع أو بموسوعة)،
- افتقار تقييم المتعلم إلى العناصر الأساسية لتقتصر على قدرة تخزينه المعلومات.


إستنادًا إلى هذه الاستنتاجات، أُنشئت منهجية تربوية حول حل المسائل الحسية التي تعترض حياتنا اليومية أو المهنية. والأسس الستة هي:
- وضعية ملموسة تطرح مشكلة (Problème) وتشكل نقطة انطلاق العمل،
- مصادر ملائمة (وثائق، بنك المعلومات...) توضع في متناول المتعلمين لتدعّم الملف،
- أنشطة على مستوى عالٍ يقوم بها المتعلمون (على سبيل المثال، حصر مشكلة أو طرحها)، القيام بخطوات مراقبة وتحليل وبحث وتقييم ودراسة...
- دمج المعارف (وليس تجميعها)،
- تعاقب أوقات العمل الفريقي (تفصيل المشكلة، العصف الذهني: Brainstorming) وأوقات العمل الفردي،
- أشكال مختلفة من التقييم تخوّل في الوقت نفسه تنظيم الآلية ومراقبة ما تحقق لإنجاز الأهداف.


أما المراحل السبعة التي يتألف منها المنحى فهي:
- إيضاح التعابير والمصطلحات،
- تحليل المشكلة،
- إنشاء لائحة بالتفسيرات الممكنة،
- تحديد أهداف البحث والتعلم،
- جمع المعلومات المفيدة من الحياة اليومية،
- تقييم المعلومات المجموعة.


ثمة عدة طرائق لتصوّر المشكلة:
- إنطلاقاً من المعارف والمهارات التي سيغطيها الدرس أو الحصة أو الوحدة. وتعتبر الصفة المعقدة أو غير المعقدة للمشكلة في هذه الحالة ثابتة مهمة تؤخذ بعين الاعتبار.
- إنطلاقا من المعايير النابعة من الاشكاليات التي نصادفها في الحياة اليومية.


غالباً ما تنشأ المشكلة من خلال وضعية معينة نمر بها في حياتنا اليومية. ويجب أن يكون تصويرها ملموساً. فضلاً عن ذلك، يجب أن يكون التعبير عنها والأنشطة التي قد تنبثق عنها في متناول المتعلم. فالمشكلة الجيدة ليست معقدة كثيراً ولا مبسطة كثيراً. في النهاية، ينبغي تنويع
وسائل العرض والأنشطة المقترحة: نصوص متقنة، عرض شريط فيديو، قراءة مقالة علمية أو مقالة صحفية يومية. وسيتمّ أيضا تنويع المؤشرات الناتجة عن هذه الأنواع من العروض بهدف تمكين المتعلم من تمييزها من خلال وسائل الاتصال المختلفة (نظرية، سمعية...).
وترفق المشكلات المقترحة بفهرست مهم يهدف إلى تعويد المتعلم التوثيق والاستعلام والتعلّم بنفسه. ويجري تنويع وسائل الإعلام المستخدمة (كتب، أشرطة فيديو، انترنيت...).
من المفترض أن تطلق المشكلات المقترحة على المتعلمين أنشطة من النوع المعرفي والاجتماعي على حدّ سواء. وترتبط هذه الأنشطة المتنوعة ببحث حقيقي يقوم فيه المتعلم بـ:
- طرح المشكلة،
- فهم المشكلة،
- تكوين فرضيات (إجابات متوقعة تراقب بالنسبة إلى الأسئلة التي تنشأ عن الوضعية التي يواجهها المتعلم لدى طرحه اياها)،
- اعتماد عدة خطوات قياسية بهدف اختبار هذه الفرضيات (تنظيم البحث، الاستعانة بالمصادر، تحليل قائمة المراجع وتقييمها واستخلاص نتيجة منها...)،
- تأويل الحلول المختلفة وتقييمها وفق معايير السياق،
- صياغة نتائج جديدة وخلاصات.


تكون عمليات التعلّم متعددة المواد أو في تكاملية المواد. وتشكل الآلية المقترحة فرصة حقيقية لدمج المعارف: فمشكلة ناشئة عن علم البيئة تستدعي التطرق إلى الاستعانة بالفيزياء والكيمياء أو حتى بالصحة العامة والسياسة. وتشكل هذه الحركية الفكرية (المختبئة وراء النشاط) سمة
مهمة تؤدي إلى حل مشكلات حقيقية في سياقها المستقبلي اليومي والمهني.


لا نتعلم بمفردنا، ولا نتعلم بطريقة واحدة:
وبعد المرحلة الجماعية من عرض الموضوع ومصادره، ينقسم المتعلمون إلى مجموعات صغيرة لتوضيح المسألة الشائكة وإجراء عصف ذهني حول الموضوع وطرح الأسئلة والفرضيات الأولى والمشاركة في العمل. ثم يعملون بشكل فردي ويتبادلون عرض ثمار عملهم مما يسهّل كتابة تقرير حول عملهم. ويمكن أن ترافق هذه المحطات أعمال تقوم بها مجموعات كبيرة()بحث، إلقاء محاضرات) أو أعمال تطبيقية ومخبرية.
يعتبر العمل الفريقي مهما لأنه ينمي الكفايات على الصعيدين العلائقي والاجتماعي عند المتعلم وعلى الصعيد المعرفي أيضا (فهم، تحليل وتقييم). وبهذه المناسبة، يصبح المتعلم قادرا على الشرح والتعمق والمواجهة والدفاع عن وجهة نظره والتقييم وتحويل المعارف وباختصار يصبح قادرا على إجراء تغيير المفاهيم).
وتتنوع الأنشطة بهدف مصادفة أنماط مختلفة لاكتساب المعارف والكفايات والمواقف.
يمكن أن نتعلم:
- بالاستماع (نتلقى المعلومة)،
- بالتمرن (القيام بالتمرينات)،
- بالمحاكاة (استخدام نموذج معروض)،
- بالتجربة (اختبار محاليل)،
- بالاكتشاف (Par essai et par erreur)،
- بالابتكار (إنتاج معارف وأشياء ونماذج...).


وتقدم التقنيات الجديدة في هذا الصدد دعماً قيّماً، وتساهم في المراحل التي تتطلب تفاعلاً بين المتعلمين والمعلمين. هذه الطريقة تثبت النقاط الايجابية الآتية:
- معارف "ممتازة" يمكن استثمارها أكثر ومرتبطة بالسياق أكثر،
- إنفتاح أكبر على صعيد الحالات والسياقات،
- إعتماد على الذات بشكل أفضل على صعيد الدراسة والمبادرة لمتابعة التعلم،
- التحفيز وتحمل المسؤولية على طريق إنجازات أكبر،
- منحى البحث وحل المشكلات بصورة أفضل.


هذه المنهجية تخلق عدة تحولات:
- تحول في أنشطة المتعلم،
- تحول في أنشطة المعلم (خلق اللغز، إدارة المسعى...)،
- تحول في أنظمة التقييم،
- تحول في إدارة الوقت (تخصيص وقت للتعلم ووقت للتعليم).


٢. التعلّم التعاوني:
يجب حث المتعلمين على العمل في إطار مجموعات محدودة ليتمكن كل منهم من المساهمة في مهمة جماعية أنيط بها. فضلاً عن ذلك، على المتعلمين أن ينجزوا المهمة بمعزل عن إشراف مباشر وفوري من المعلم.
ويفترض التعلم التعاوني إذا عملاً فريقياً، لكن ليس كل عمل فريقي تعلماً تعاونياً بالضرورة. ولنتمكن من التحدث عن مهمة تعاونية، يجب أن يعلن عن هذه الأخيرة بطريقة لا يستطيع المتعلم حلها بمفرده، أي أنها تحتاج تعاوناً حقيقياً بين أفراد المجموعة. وبطريقة ما، ينبغي أن يعتمد كل متعلّم على الآخر.
وتمّ الاعلان سنة ١٩٩٤ (Paris et Turner) عن أربع صفات تتسم بها المهمة المحفزة (Tâche motivante) وهي:
الاختيار (Chois)، التحدّي (Défi)، الإشراف (Contrôle) والتعاون (Coopération).


من سمات عمل التعلّم المحفّز:
- إناطته التلميذ بالمسؤولية عبر تمكينه من القيام بخيارات،
- ارتباطه بالمجالات الشخصية والإجتماعية والمهنية،
- ذات مستوى معرفي عالٍ،
- متداخل مع مواد أخرى،
- منتج،
- يشكل تحدياً للتلميذ،
- يمكّن التلاميذ من التفاعل في ما بينهم،
- يجري في مدة زمنية كافية،
- يتضمّن تعليمات واضحة.


تجدر الإشارة إلى أنه نادراً ما نقع على المنهجيات التربوية "الصرفة" فعملية التعلم الغنية تتضمّن تنوّع الطرائق المقترحة في درس واحد، في حصة واحدة وفي منهاج واحد.كثير من المؤلفين يشددون على أهمية المجموعات غير المتجانسة (Hétérogénéité) التي تولّد أفكاراً تفوق في تنوعها تلك التي تولّدها المجموعات المتجانسة (Homogénéité). وعدم التجانس هذا يظهر على عدّة أصعدة:
- صفات الأفراد (السنّ، الجنس، العرق، السلوك الإجتماعي...)،
- المعارف المعالجة ومستوى الدراسة والمهن،
- الكفايات المعرفية أو التقنية،
- الكفايات الإجتماعية والعلائقيّة.


في بعض الحالات، وبحسب المواضيع المعالجة وسياقات الأعمال الفريقية، نكتشف بسهولة أنّ عدم التجانس يقود أيضاً إلى إعاقة العمل المعرفي. وحتى لو كان صعب التحقيق من الناحية العمليّة، يمكن أن نفترض أنّ التجانس أفضل من عدمه بحسب الوقت المختار في العمل التعاوني.
على كلّ حال، يجدر بالمعلّم أن ينظم على أفضل وجه مقابلة الأفكار لأنها تولّد تغييراً مفهومياً، وتطوّر عملية التعلّم. هكذا قلّما يتدخل المعلّم في المضامين في ما يخصّ مبادئ التعلم التعاوني، لكنه بالمقابل يدير فعلياً المجموعات:
- ينظم المبادرة بالكلام،
- يوجّه مناقشات التلاميذ،
- يزوّدهم بالمعلومات الضرورية،
- يحثّ كلاً منهم على تعليل وجهة نظره،
- يحترم إطار العمل المطلوب.


يشكل التعاون نوعاً من "الابتعاد عن المركز" أو اللامركزية (Décentration)، إذا جاز التعبير، تمكّن كل فرد من أن يعي وجود إجابات ممكنة تختلف عن إجاباته هو. فكلّ واحد يقدّم المعلومات الإضافية بالنسبة إلى غيره، ثم يقومون مجتمعين بصياغة إجابة جديدة. يدفع التعاون كلّ شخص إلى الدخول في علاقة اجتماعية مع الآخرين. تتّصف المشكلة في البدء بطبيعة اجتماعية، ولا تعتبر الأدوات الاجتماعية المعرفية متطورة إلا إذا مكّنت المشاركين من إعادة التوازن الإجتماعي.
ينقسم الصراع (Conflit) إلى شقّين:
- اجتماعي (Social) لأنها تتضمّن خلافاً بين كافة الأفراد،
- معرفي (Cognitif) لأنّ الخلاف يهيمن على طريقة  حلّ المشكلة المعرفية.

يذكر عدة مؤلفين انعكاسات معرفية إيجابية كثيرة لما سبق. ومن بين هذه الإنعكاسات الإيجابية نذكر:
- إدراك كل واحد مهاراته الشخصية،
- مدى ثقته بقدراته التعلمية،
- إمكانية الابتعاد عن المركز (Se décentrer)،
- تطبيق المفاهيم والمبادئ والمعلومات العملية في وضعيات مختلفة مع إمكانية النقل (Transfert)،
- القدرة على الالتزام بفكرة متشعّبة والدخول في صراعات مفتوحة والمجازفة.


فضلاً عن هذه الانعكاسات المعرفية، يذكر المؤلفون الأرباح على المستوى العاطفي والاجتماعي:
- تحسّن العلاقات الشخصية،
- تبنّي قيم ديموقراطية،
- سهولة في العمل الفريقي،
- تقبّل الاختلافات الشخصية والثقافية،
- تدنّي نسبة الخوف من الفشل ومن الكآبة،
- تزايد الثقة بالنفس.


٣. التربية بالمشروع:
في التربية بالمشروع، يتمثّل الهدف في إيجاد منحى يمكّن التلميذ من وضع مشروع ما من خلال الخروج عن المألوف. في التربية بالمشروع، يعادل الهدف اكتساب المعارف والمهارات... أما تموضع هذه التربية فيكمن في تحقيق أمر ما (معارف جديدة، غرض تقني، إنتاج شخصي). ويهدف التعليم إلى منح التلميذ المعارف والكفايات الضرورية لتحقيق مشروعه.
في هذا النوع من التربية، يمرّ التلميذ في مراحل مختلفة ويشدّد على النتاج أو الهدف.
تعتبر التربية بالمشروع نوعاً من التربية الحريصة في آن واحد على نتاج عملية التعلّم وعلى التفكير في المنحى المتّبع بهدف تطويره. ويبدو لنا هذا الجانب الذي يتضمّن النهج المعرفي ركناً أساسياً في هذه التربية: إنها فرصة تتيح للمتعلّم الالتفات إلى الوراء وتحليل المنحى المنهجي المتبع وتمتينه وجعله أسهل منالاً في الوضعيات الأخرى (النهج التحويلي : Transférabilité) فضلاً عن دمج المعارف والمهارات المختبرة.
وينعكس النهج المعرفي على مسلكيات الفرد (إعادة طرح الموضوع)، كما يخوّل ممارسة الحسّ النقدي وتحليل الظروف التي استخدمت في إطارها المعارف والكفايات.
من الصعب أحياناً أن نفرّق بين التربية بالمشروع، والتربية والتعلم من خلال حلّ المشكلات. ففي النوع الأوّل، يكون النتاج الذي نصبو إليه محدداً. والعمل الذي ننوي القيام به هو بناء منحى يؤدي إلى النتاج النهائي. أما في النوع الثاني، فنلاحظ أنّ عناصر المدخل (مكوّنات المشكلة) هي المحددة والهدف هو فكّ العقدة وحلّ المشكلة.
ويكمن فرق آخر في مدى تحفيظ هذه الأعمال مع الزمن: إن التعلم من خلال حلّ المشكلات يحصل أحياناً على مراحل أقصر من التي تتّبع في التربية بالمشروع المرتبطة بحجم المشكلة أو حجم المشروع. وقد يتطلب التعلم من خلال حل مشكلات شتى أسبوعا أو أكثر، ويتطلب بناء مشروع عدة أشهر وربما فصلاً كاملاً.
في النهاية، وبأسلوب تصويري، يهدف منحى حل المشكلات في أكثر أشكاله المحدودة إلى اكتساب المعارف والكفايات الجديدة، فيما التربية بالمشروع تهدف في أكثر الأحيان إلى تطبيق معارف أو كفايات مكتسبة في مكان آخر.


التقييم (Evaluation)
يحتلّ التقييم حيّزًا مهماً من الاهتمام في قسم "الإبداع". فتقييم النتاج يجري عند وضع الأهداف. والغاية منه الحكم على اكتساب المعارف والمهارات المعلّمة إما عن طريق تحديد مكان المتعلم بالنسبة إلى معيار معين، وإما عن طريق كشف الصعوبات التي لم يتغلب عليها المتعلم، وإما عن طريق تحديد مستوى كفاياته لتأكيدها. فالتقييم يسهّل تكييف التعليم، ويزوّدنا بالفكرة الهادفة في حال عدم اكتساب الأهداف.
وبناءً على الأهداف المعينة، يعلن المعلم معايير الاكتساب التي تمكّنه من الاشراف على التأهيل. ويمكّن الاكتساب من تعميق الموضوع أو الانتقال إلى مرتبة أعلى. أما الفشل في التقييم فيعيدنا إلى الوراء ليطرح المتعلم مسألة تمرينات التقوية.


وينبغي أن يتطوّر التقييم الذاتي لتمكين التلميذ من التمتع بالاستقلالية إزاء الأهداف المحددة. ويتمثل التقييم الذاتي في صنع أهداف معرفية على مستوى عال وكفايات وطرائق ناشطة وإشراك التلميذ في عملية التعلم.
ولا ننسى أنّ:
"وسائل الإعلام بيّنت فعالية على الصعيد التربوي في إطار عدة اختبارات أجريت. ولا يمكن بلورة إدماجها في النشاطات العملية من غير أن نعير الأهمية الكافية للمقاربات التربوية المتجددة على المستويين المؤسساتي والاجتماعي. وهكذا تجد لها مكانا في الإطار العام التي تجري ضمنه التحوّلات في الأنظمة التعليمية".

خاتمة
"إن اكتساب المعارف في الصف هو بمثابة تشييد بيت شخصي بواسطة المواد التي يوفّرها المعلم لتضاف إلى المواد التي في حوزتنا أصلا. ففي الحالة التقليدية، يقدم المعلم بيتا جاهزا للمتعلم (أي درساً مصمّمَاً بحسب ما يراه المعلمّ!) ويعتقد أنه ليس بوسع التلميذ إلا أن يعتمده (أي يتعلمه). لكن في الواقع، يجدر بالتلميذ أن يجزّىْ المعارف المتوفرة ويعيد تشكيلها وفق طريقته بغية إدخالها إلى بنيته المعرفية. تنحصر مهمة المعلم إذا في تقديم زالوحداتز التي ستؤلف البناء وعليه أن يترك للتلميذ إمكانية تشييد بناء معارفه بنفسه".


منسق لجنة تقييم مادة الكيمياء
في المركز التربوي للبحوث والإنماء
بسام شاهين

واقع التعليم بالطرق الناشطة من خلال المناهج التربويّة الجديدة ١

واقع التعليم بالطرق الناشطة
من خلال المناهج
 التربويّة الجديدة (١)

 

يعتبر كل درس "ترجمة لمنحى تربوي معيّن". فالاستجابة لحاجات المتعلّم وتحديد الأهداف والقدرات المرجوة وحصر المحتوى بما هو ضروري واختيار الطرائق التي تحقق اكتساب المعارف والمهارات وتوقع إجراءات التقييم وأشكال معالجة الصعوبات، كلها تشكّل مجموعة محطات لا غنى عنها في فلسفة التربية الحديثة.
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

"يمكن الاعتقاد أنّ التربية ليست سوى مجموعة طرائق ووصفات تخوّل التواصل مع المتعلم، كما تسهّل له مهمة استيعاب المعارف أو تعلّم تقنية معينة... لكن التربية بعيدة كل البعد عن أن تختصر بتقنية لأنه ينبغي أن تكيّف باستمرار طرائقها وفق الزمن والأشخاص بحضور المعلمين والمتعلمين. يشكل هذا التعديل المستمر الدائم جزءً من المسؤولية الملقاة على عاتق المعلم، جاعلاً من التربية فناً يعتبر فيه عدم الرضى والقلق عاملين منشطين والجهود المبذولة في البحث حركة ابداعية" (مارسيل بوستيك).
إن البرامج المحددة بحسب الكفايات تشدد على إدماج التقييم في التعلم، وعلى العلاقة بين عمليّتي التعلم والتعليم. يكتسب التلميذ من عمله ولا يقتصر دور المعلم على نقل المعارف بل يتعدّاه إلى كونه منظماً ومنشّطاً لأعمال التعلّم، ووسيطاً بين عملية التعلّم والمتعلم. لذلك تتكون نشاطات التعليم دائماً بحسب نشاطات التعلم لدى التلميذ.

 

يمثّل الرسم التالي نموذجاً بدمج التعليم والتعلّم والتقييم، ويعرض مفاهيم تشكل أساساً للتأهيل عن طريق الكفاية (Formation par compétences):

 

البعد البنائي (Constructivisme)

إن البعد البنائي يلقي ضوءًا على الدور الناشط الذي يؤديه المتعلم. فهو المحرك الأول في عملية تعلمه.
تعتبر المقاربة البنائية أنّ المعارف الجديدة تكتسب تدريجاً بالتواصل مع المعارف السابقة. ويتشكل فهم حقيقة من الحقائق انطلاقاً من ادراكات شخصية وليس من خلال حقيقة مطلقة.
توضح نظرية البعد البنائي أنّ المعلم لا يمنح المتعلم معارف بل ينقل إليه معلومات يحولها بدوره إلى معارف ومهارات ومواقف.
بالنسبة إلى المعلم، يضاف إلى دوره في إكساب المتعلم معارف، دوره في تنظيم النشاطات التعلمية والتقييمية وإحيائها في سبيل تكامل المعارف والمهارات و المواقف.


البعد العقلي (Cognitivisme)
يعتبر البعد العقلي حصيلة الاهتمامات المتعلقة بالطريقة التي يكتسب بها الفرد المعارف والمهارات ويستخدمها. وفي وضعية تعلمية حسية مرتبطة بالسياق وذات معنى، تؤدي مرحلة أولى من تنشيط (Phase d'activation) المعارف السابقة إلى بناء مهارات المتعلم انطلاقا مما
يعرفه. ويجب ألا تكتفي عملية التعلم بإثارة اهتمام المتعلم بل تلبي حاجاته التعلمية من غير ان تعتمد المنحى النظري لئلا تفقد من فعاليتها.
وفي وضعية يكون فيها مستوى تعقد المهمة مدروساً، يدفع التلميذ إلى التساؤل والتكهن بأنه لا يعرف ما يكفي عن الموضوع ليكون قادرا على توليد أفكار واضحة ودقيقة. فيجد نفسه وقتيا في وضعية تعلمية غير مستقرة، ويعيش اضطرابا معرفيا يقوده إلى مرحلة الإعداد (Phase d'élaboration) أي بناء معارف جديدة.
وبغية تسهيل التعلم، يجدر بالمتعلم أن يستغل وسائله (استراتيجيات التعلّم: Stratégies d'apprentissage) الشخصية والمكيفة بحسب حاجاته لاكتساب معلومات جديدة (جمع المعلومات: Collecte de l'information). وفي إطار التعلّم، يخزن المتعلّم مختلف أنواع المعارف:
١. المعارف المثبتة (Connaissances déclaratives) العائدة إلى محتوى محدد في المواد.
٢. المعارف الإجرائية (Connaissances procédurales) التي تشير إلى كيفية تعلّم المتعلّم.
٣. المعارف المشروطة ( Connaissances conditionnelles) التي تحدّد متى ولماذا نتعلّم.
سيستخدم المتعلم استراتيجيات متباينة في كل نوع من أنواع المهارات. وخلال عملية التعلم، يكتشف تقدمه وهو متيقّن للطريقة التي يتبعها ليتعلم. ولاختصار هذه الأعمال الذهنية في إطار المعرفيّة، سنتكلم على تنظيم المعلومة (Organisation de l'information).
عندما يعالج المتعلم المعلومات بشكل معمّق، يعتمد استراتيجيات تمكّنه من تصنيف هذه المعلومات (الترميز: Encodage) وتحفيظها في الذاكرة (التخزين: Stockage) واستحضارها على نحو مناسب خلال الوضعيات التعلمية (الاستذكار: Rappel). يبني المتعلم علاقات بين شبكات المفاهيم، ويتعلم كيف يدير بشكل أفضل المعلومات التي يخزنها في ذاكرته (إدارة الذاكرة: Gestion des mémoires). وما إن ترمّز المعلومات الجديدة وتُستوعب حتى يقوم بتعميم معارفه على وضعيات مشابهة نوعاً ما، أو بالانتقال إلى وضعيات أخرى.
في عملية التأهيل عن طريق الكفاية (Formation par compétences)، تعادل الكفاية مجموعة معارف منهجية، أي نسقاً يضمّ مكوّنات (أو قدرات) تقود إلى اكتساب الكفاية. يحث المعلم المتعلم على تعيين مكونات الكفايات الملتمسة والعودة إليها وتصويرها وتوضيعها. ونتيجة لذلك، نشدد على استثمار المهمات المندمجة (Tâches intégratrices) لأنها تعود إلى إحدى الاستراتيجيات الأساسية في اكتساب المعارف المنهجية: عرض المهمة (Tâche) على المتعلم الذي يطبق عليها كافة المراحل المنهجية. وهكذا نواجه التعلم المجزأ ونسعى إلى التعلم المدمج.


البعد البنائي الاجتماعي (Socioconstructivisme)
إن البعد البنائي الاجتماعي المنبثق عن البعد البنائي يضفي حجما على العلاقة مع الآخرين بهدف بناء المعارف. ونشير إلى أنواع جديدة من العلاقات: علاقة التلميذ بالتلميذ، علاقة التلميذ بالمعلم وعلاقة التلميذ بالفريق.


التأهيل عن طريق الكفاية (Formation par compétences)
لا يمكن تعليل التأهيل عن طريق الكفاية إلا إذا جمعنا ين البعد العقلي و البعد البنائي. فالمبادئ الرئيسة الخاصة بالتأهيل عن طريق الكفاية هي: الشموليّة (Globalité)، التكوين (Construction)، التعاقب (Alternance)، التطبيق (Application)، الترديد (Itération) والدمج (Intégration) والتمييز (Distinction)، الملاءمة (Pertinence)، الترابط (Cohérence) والتحويل (Transfert).


بعض الطرائق التربوية الناشطة (المقاربات المختلفة الملائمة للتأهيل عن طريق الكفاية):
تهدف الطرائق الناشطة إلى تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات والمواقف مما يجعله فاعلاً في عملية التعلّم فيصبح المحور. ولا تعود مهمة المعلم تتمثل في إعطاء أكبر قدر من المعلومات للمتعلم بل في تعليمه وسائل اكتساب الاستقلالية. وهكذا يؤهله للانخراط في حياة مهنية ناجحة.
"يمكن أن يعتبر التعلم عملية ناشطة وبناءة يدير فيها المتعلم بطريقة استراتيجية المصادر المعرفية المتاحة لخلق معارف جديدة باستخلاص المعلومة من الحياة اليومية ودمجها في البنية المعلوماتية المحفظة في الذاكرة" (كوزمان).
"إن التعليم يضع في متناول المتعلم فرصا تخوله التعلم. انها عملية تفاعلية ونشاط عمديّ... يمكن اعتبار الأهداف كسباً في المعارف، وتعمقاً في الفهم، وتطويراً للكفايات في "حلّ إحدى المشكلات" أو تغيراً في الادراك والمواقف والقيم والتصرف" (براون وأتكينس).
يتأثر هذان التعريفان إلى حدّ بعيد بكون التلميذ قائدًا لعملية التعلم، فهو من يبني معارفه ويكتسب في المقابل أنواعاً مختلفة من المعارف.
تعتمد هذه المقاربة البنائية (Constructivisme) في عملية التعلم على أعمال بياجيه (Piaget) التي تتعلق بتطور الولد النفسي إذ يظهر أهمية الشخص الذي يتعلم. في هذا الاطار، تبدو المعارف السابقة أو المكتسبة خارج السياق المدرسي أو التعلمي (التجارب اليومية) في غاية الأهمية بالنسبة إلى المعارف التالية/اللاحقة.
ونشير أيضاً إلى المصادر المادية التي يضعها المعلم في متناول المتعلمين، فهي الركيزة الأساسية التي سيشيّد بها المتعلم "صرح معارفه".
وتظهر جليّة الصفات التفاعلية أو الاجتماعية في عملية التعلّم. وتتطور معارفنا عندما يعاد النظر فيها مع الحياة اليومية: حدث متعارض مع اعتقاداتي، رأي مختلف عن الطريقة التي أرى بها الأمور... يؤدي هذا الخلل في المفاهيم إلى البحث عن توازن جديد: وهذا ما نسميه بتغيير المفاهيم (Changement conceptuel).


وبعد عرض هذه الاعتبارات العامة، ينبغي إنشاء قائمة بالسمات التي تتصف بها التربية الناشطة:
- الصفة الشخصية في عملية التعلم،
- دور المعارف السابقة المنشط،
- أهمية المصادر المتاحة،
- دور السياق والتجربة الملموسة،
- الكفايات التي تمارس على أعلى مستوى،
- منحى البحث في عملية التعلم،
- تغيير المفاهيم (التنبه، الخلل وإعادة الصياغة)،
- الصفة التفاعلية والتعاونية في عملية التعلم،
- الصلة بين المشروع الشخصي والمهني والدراسي،
- أهمية البناء والانتاج،
- أهمية البحث في مجال التعلم الجاري.
تشمل المنهجيات التربوية الناشطة مجموع هذه الصفات:
١. التعلم من خلال حل مشكلة (Apprentissage par résolution de problème)،
٢. التعلم التعاوني (Apprentissage coopératif)،
٣. التربية في إطار مشروع أو عبر المشروع (Pédagogie du projet ou par le projet).

 

١. التعلّم من خلال حلّ المشاكل:
يُعتبر التعلّم من خلال حل المشاكل وسيلة نقيّم بها مجموع مناهج التعليم أو أحد المناحي التربوية في إطار درس محدّد.
يمكن أن نضم إلى هذا النوع من التربية ما يلي:
- التطور الأسّي في المعارف خلال العقود الفائتة واستحالة تعليم كل شيء وعدم صوابيته،
- مستوى نقص حاد في معارف المتعلمين عند انتقالهم من صف إلى آخر أو من الدراسة الجامعية إلى الحياة المهنية،
- التعليم النظري بأسلوب محاضرة (Magistrale) غير المسيّق مقارنة بالحاجات والوقائع،
- سلبية المتعلم أمام ناقل المعرفة الوحيد المتمثل في المعلم في وجه عدد متنام من المتعلمين،
- نسبة متدنية من النشاط المعرفي (حسن إعادة ما قيل) أو المنهجي (تدوين رؤوس أقلام) في ما يتعلق بالكفايات الضرورية في مجال الأنشطة (حسن الاستعانة بمرجع أو بموسوعة)،
- افتقار تقييم المتعلم إلى العناصر الأساسية لتقتصر على قدرة تخزينه المعلومات.


إستنادًا إلى هذه الاستنتاجات، أُنشئت منهجية تربوية حول حل المسائل الحسية التي تعترض حياتنا اليومية أو المهنية. والأسس الستة هي:
- وضعية ملموسة تطرح مشكلة (Problème) وتشكل نقطة انطلاق العمل،
- مصادر ملائمة (وثائق، بنك المعلومات...) توضع في متناول المتعلمين لتدعّم الملف،
- أنشطة على مستوى عالٍ يقوم بها المتعلمون (على سبيل المثال، حصر مشكلة أو طرحها)، القيام بخطوات مراقبة وتحليل وبحث وتقييم ودراسة...
- دمج المعارف (وليس تجميعها)،
- تعاقب أوقات العمل الفريقي (تفصيل المشكلة، العصف الذهني: Brainstorming) وأوقات العمل الفردي،
- أشكال مختلفة من التقييم تخوّل في الوقت نفسه تنظيم الآلية ومراقبة ما تحقق لإنجاز الأهداف.


أما المراحل السبعة التي يتألف منها المنحى فهي:
- إيضاح التعابير والمصطلحات،
- تحليل المشكلة،
- إنشاء لائحة بالتفسيرات الممكنة،
- تحديد أهداف البحث والتعلم،
- جمع المعلومات المفيدة من الحياة اليومية،
- تقييم المعلومات المجموعة.


ثمة عدة طرائق لتصوّر المشكلة:
- إنطلاقاً من المعارف والمهارات التي سيغطيها الدرس أو الحصة أو الوحدة. وتعتبر الصفة المعقدة أو غير المعقدة للمشكلة في هذه الحالة ثابتة مهمة تؤخذ بعين الاعتبار.
- إنطلاقا من المعايير النابعة من الاشكاليات التي نصادفها في الحياة اليومية.


غالباً ما تنشأ المشكلة من خلال وضعية معينة نمر بها في حياتنا اليومية. ويجب أن يكون تصويرها ملموساً. فضلاً عن ذلك، يجب أن يكون التعبير عنها والأنشطة التي قد تنبثق عنها في متناول المتعلم. فالمشكلة الجيدة ليست معقدة كثيراً ولا مبسطة كثيراً. في النهاية، ينبغي تنويع
وسائل العرض والأنشطة المقترحة: نصوص متقنة، عرض شريط فيديو، قراءة مقالة علمية أو مقالة صحفية يومية. وسيتمّ أيضا تنويع المؤشرات الناتجة عن هذه الأنواع من العروض بهدف تمكين المتعلم من تمييزها من خلال وسائل الاتصال المختلفة (نظرية، سمعية...).
وترفق المشكلات المقترحة بفهرست مهم يهدف إلى تعويد المتعلم التوثيق والاستعلام والتعلّم بنفسه. ويجري تنويع وسائل الإعلام المستخدمة (كتب، أشرطة فيديو، انترنيت...).
من المفترض أن تطلق المشكلات المقترحة على المتعلمين أنشطة من النوع المعرفي والاجتماعي على حدّ سواء. وترتبط هذه الأنشطة المتنوعة ببحث حقيقي يقوم فيه المتعلم بـ:
- طرح المشكلة،
- فهم المشكلة،
- تكوين فرضيات (إجابات متوقعة تراقب بالنسبة إلى الأسئلة التي تنشأ عن الوضعية التي يواجهها المتعلم لدى طرحه اياها)،
- اعتماد عدة خطوات قياسية بهدف اختبار هذه الفرضيات (تنظيم البحث، الاستعانة بالمصادر، تحليل قائمة المراجع وتقييمها واستخلاص نتيجة منها...)،
- تأويل الحلول المختلفة وتقييمها وفق معايير السياق،
- صياغة نتائج جديدة وخلاصات.


تكون عمليات التعلّم متعددة المواد أو في تكاملية المواد. وتشكل الآلية المقترحة فرصة حقيقية لدمج المعارف: فمشكلة ناشئة عن علم البيئة تستدعي التطرق إلى الاستعانة بالفيزياء والكيمياء أو حتى بالصحة العامة والسياسة. وتشكل هذه الحركية الفكرية (المختبئة وراء النشاط) سمة
مهمة تؤدي إلى حل مشكلات حقيقية في سياقها المستقبلي اليومي والمهني.


لا نتعلم بمفردنا، ولا نتعلم بطريقة واحدة:
وبعد المرحلة الجماعية من عرض الموضوع ومصادره، ينقسم المتعلمون إلى مجموعات صغيرة لتوضيح المسألة الشائكة وإجراء عصف ذهني حول الموضوع وطرح الأسئلة والفرضيات الأولى والمشاركة في العمل. ثم يعملون بشكل فردي ويتبادلون عرض ثمار عملهم مما يسهّل كتابة تقرير حول عملهم. ويمكن أن ترافق هذه المحطات أعمال تقوم بها مجموعات كبيرة()بحث، إلقاء محاضرات) أو أعمال تطبيقية ومخبرية.
يعتبر العمل الفريقي مهما لأنه ينمي الكفايات على الصعيدين العلائقي والاجتماعي عند المتعلم وعلى الصعيد المعرفي أيضا (فهم، تحليل وتقييم). وبهذه المناسبة، يصبح المتعلم قادرا على الشرح والتعمق والمواجهة والدفاع عن وجهة نظره والتقييم وتحويل المعارف وباختصار يصبح قادرا على إجراء تغيير المفاهيم).
وتتنوع الأنشطة بهدف مصادفة أنماط مختلفة لاكتساب المعارف والكفايات والمواقف.
يمكن أن نتعلم:
- بالاستماع (نتلقى المعلومة)،
- بالتمرن (القيام بالتمرينات)،
- بالمحاكاة (استخدام نموذج معروض)،
- بالتجربة (اختبار محاليل)،
- بالاكتشاف (Par essai et par erreur)،
- بالابتكار (إنتاج معارف وأشياء ونماذج...).


وتقدم التقنيات الجديدة في هذا الصدد دعماً قيّماً، وتساهم في المراحل التي تتطلب تفاعلاً بين المتعلمين والمعلمين. هذه الطريقة تثبت النقاط الايجابية الآتية:
- معارف "ممتازة" يمكن استثمارها أكثر ومرتبطة بالسياق أكثر،
- إنفتاح أكبر على صعيد الحالات والسياقات،
- إعتماد على الذات بشكل أفضل على صعيد الدراسة والمبادرة لمتابعة التعلم،
- التحفيز وتحمل المسؤولية على طريق إنجازات أكبر،
- منحى البحث وحل المشكلات بصورة أفضل.


هذه المنهجية تخلق عدة تحولات:
- تحول في أنشطة المتعلم،
- تحول في أنشطة المعلم (خلق اللغز، إدارة المسعى...)،
- تحول في أنظمة التقييم،
- تحول في إدارة الوقت (تخصيص وقت للتعلم ووقت للتعليم).


٢. التعلّم التعاوني:
يجب حث المتعلمين على العمل في إطار مجموعات محدودة ليتمكن كل منهم من المساهمة في مهمة جماعية أنيط بها. فضلاً عن ذلك، على المتعلمين أن ينجزوا المهمة بمعزل عن إشراف مباشر وفوري من المعلم.
ويفترض التعلم التعاوني إذا عملاً فريقياً، لكن ليس كل عمل فريقي تعلماً تعاونياً بالضرورة. ولنتمكن من التحدث عن مهمة تعاونية، يجب أن يعلن عن هذه الأخيرة بطريقة لا يستطيع المتعلم حلها بمفرده، أي أنها تحتاج تعاوناً حقيقياً بين أفراد المجموعة. وبطريقة ما، ينبغي أن يعتمد كل متعلّم على الآخر.
وتمّ الاعلان سنة ١٩٩٤ (Paris et Turner) عن أربع صفات تتسم بها المهمة المحفزة (Tâche motivante) وهي:
الاختيار (Chois)، التحدّي (Défi)، الإشراف (Contrôle) والتعاون (Coopération).


من سمات عمل التعلّم المحفّز:
- إناطته التلميذ بالمسؤولية عبر تمكينه من القيام بخيارات،
- ارتباطه بالمجالات الشخصية والإجتماعية والمهنية،
- ذات مستوى معرفي عالٍ،
- متداخل مع مواد أخرى،
- منتج،
- يشكل تحدياً للتلميذ،
- يمكّن التلاميذ من التفاعل في ما بينهم،
- يجري في مدة زمنية كافية،
- يتضمّن تعليمات واضحة.


تجدر الإشارة إلى أنه نادراً ما نقع على المنهجيات التربوية "الصرفة" فعملية التعلم الغنية تتضمّن تنوّع الطرائق المقترحة في درس واحد، في حصة واحدة وفي منهاج واحد.كثير من المؤلفين يشددون على أهمية المجموعات غير المتجانسة (Hétérogénéité) التي تولّد أفكاراً تفوق في تنوعها تلك التي تولّدها المجموعات المتجانسة (Homogénéité). وعدم التجانس هذا يظهر على عدّة أصعدة:
- صفات الأفراد (السنّ، الجنس، العرق، السلوك الإجتماعي...)،
- المعارف المعالجة ومستوى الدراسة والمهن،
- الكفايات المعرفية أو التقنية،
- الكفايات الإجتماعية والعلائقيّة.


في بعض الحالات، وبحسب المواضيع المعالجة وسياقات الأعمال الفريقية، نكتشف بسهولة أنّ عدم التجانس يقود أيضاً إلى إعاقة العمل المعرفي. وحتى لو كان صعب التحقيق من الناحية العمليّة، يمكن أن نفترض أنّ التجانس أفضل من عدمه بحسب الوقت المختار في العمل التعاوني.
على كلّ حال، يجدر بالمعلّم أن ينظم على أفضل وجه مقابلة الأفكار لأنها تولّد تغييراً مفهومياً، وتطوّر عملية التعلّم. هكذا قلّما يتدخل المعلّم في المضامين في ما يخصّ مبادئ التعلم التعاوني، لكنه بالمقابل يدير فعلياً المجموعات:
- ينظم المبادرة بالكلام،
- يوجّه مناقشات التلاميذ،
- يزوّدهم بالمعلومات الضرورية،
- يحثّ كلاً منهم على تعليل وجهة نظره،
- يحترم إطار العمل المطلوب.


يشكل التعاون نوعاً من "الابتعاد عن المركز" أو اللامركزية (Décentration)، إذا جاز التعبير، تمكّن كل فرد من أن يعي وجود إجابات ممكنة تختلف عن إجاباته هو. فكلّ واحد يقدّم المعلومات الإضافية بالنسبة إلى غيره، ثم يقومون مجتمعين بصياغة إجابة جديدة. يدفع التعاون كلّ شخص إلى الدخول في علاقة اجتماعية مع الآخرين. تتّصف المشكلة في البدء بطبيعة اجتماعية، ولا تعتبر الأدوات الاجتماعية المعرفية متطورة إلا إذا مكّنت المشاركين من إعادة التوازن الإجتماعي.
ينقسم الصراع (Conflit) إلى شقّين:
- اجتماعي (Social) لأنها تتضمّن خلافاً بين كافة الأفراد،
- معرفي (Cognitif) لأنّ الخلاف يهيمن على طريقة  حلّ المشكلة المعرفية.

يذكر عدة مؤلفين انعكاسات معرفية إيجابية كثيرة لما سبق. ومن بين هذه الإنعكاسات الإيجابية نذكر:
- إدراك كل واحد مهاراته الشخصية،
- مدى ثقته بقدراته التعلمية،
- إمكانية الابتعاد عن المركز (Se décentrer)،
- تطبيق المفاهيم والمبادئ والمعلومات العملية في وضعيات مختلفة مع إمكانية النقل (Transfert)،
- القدرة على الالتزام بفكرة متشعّبة والدخول في صراعات مفتوحة والمجازفة.


فضلاً عن هذه الانعكاسات المعرفية، يذكر المؤلفون الأرباح على المستوى العاطفي والاجتماعي:
- تحسّن العلاقات الشخصية،
- تبنّي قيم ديموقراطية،
- سهولة في العمل الفريقي،
- تقبّل الاختلافات الشخصية والثقافية،
- تدنّي نسبة الخوف من الفشل ومن الكآبة،
- تزايد الثقة بالنفس.


٣. التربية بالمشروع:
في التربية بالمشروع، يتمثّل الهدف في إيجاد منحى يمكّن التلميذ من وضع مشروع ما من خلال الخروج عن المألوف. في التربية بالمشروع، يعادل الهدف اكتساب المعارف والمهارات... أما تموضع هذه التربية فيكمن في تحقيق أمر ما (معارف جديدة، غرض تقني، إنتاج شخصي). ويهدف التعليم إلى منح التلميذ المعارف والكفايات الضرورية لتحقيق مشروعه.
في هذا النوع من التربية، يمرّ التلميذ في مراحل مختلفة ويشدّد على النتاج أو الهدف.
تعتبر التربية بالمشروع نوعاً من التربية الحريصة في آن واحد على نتاج عملية التعلّم وعلى التفكير في المنحى المتّبع بهدف تطويره. ويبدو لنا هذا الجانب الذي يتضمّن النهج المعرفي ركناً أساسياً في هذه التربية: إنها فرصة تتيح للمتعلّم الالتفات إلى الوراء وتحليل المنحى المنهجي المتبع وتمتينه وجعله أسهل منالاً في الوضعيات الأخرى (النهج التحويلي : Transférabilité) فضلاً عن دمج المعارف والمهارات المختبرة.
وينعكس النهج المعرفي على مسلكيات الفرد (إعادة طرح الموضوع)، كما يخوّل ممارسة الحسّ النقدي وتحليل الظروف التي استخدمت في إطارها المعارف والكفايات.
من الصعب أحياناً أن نفرّق بين التربية بالمشروع، والتربية والتعلم من خلال حلّ المشكلات. ففي النوع الأوّل، يكون النتاج الذي نصبو إليه محدداً. والعمل الذي ننوي القيام به هو بناء منحى يؤدي إلى النتاج النهائي. أما في النوع الثاني، فنلاحظ أنّ عناصر المدخل (مكوّنات المشكلة) هي المحددة والهدف هو فكّ العقدة وحلّ المشكلة.
ويكمن فرق آخر في مدى تحفيظ هذه الأعمال مع الزمن: إن التعلم من خلال حلّ المشكلات يحصل أحياناً على مراحل أقصر من التي تتّبع في التربية بالمشروع المرتبطة بحجم المشكلة أو حجم المشروع. وقد يتطلب التعلم من خلال حل مشكلات شتى أسبوعا أو أكثر، ويتطلب بناء مشروع عدة أشهر وربما فصلاً كاملاً.
في النهاية، وبأسلوب تصويري، يهدف منحى حل المشكلات في أكثر أشكاله المحدودة إلى اكتساب المعارف والكفايات الجديدة، فيما التربية بالمشروع تهدف في أكثر الأحيان إلى تطبيق معارف أو كفايات مكتسبة في مكان آخر.


التقييم (Evaluation)
يحتلّ التقييم حيّزًا مهماً من الاهتمام في قسم "الإبداع". فتقييم النتاج يجري عند وضع الأهداف. والغاية منه الحكم على اكتساب المعارف والمهارات المعلّمة إما عن طريق تحديد مكان المتعلم بالنسبة إلى معيار معين، وإما عن طريق كشف الصعوبات التي لم يتغلب عليها المتعلم، وإما عن طريق تحديد مستوى كفاياته لتأكيدها. فالتقييم يسهّل تكييف التعليم، ويزوّدنا بالفكرة الهادفة في حال عدم اكتساب الأهداف.
وبناءً على الأهداف المعينة، يعلن المعلم معايير الاكتساب التي تمكّنه من الاشراف على التأهيل. ويمكّن الاكتساب من تعميق الموضوع أو الانتقال إلى مرتبة أعلى. أما الفشل في التقييم فيعيدنا إلى الوراء ليطرح المتعلم مسألة تمرينات التقوية.


وينبغي أن يتطوّر التقييم الذاتي لتمكين التلميذ من التمتع بالاستقلالية إزاء الأهداف المحددة. ويتمثل التقييم الذاتي في صنع أهداف معرفية على مستوى عال وكفايات وطرائق ناشطة وإشراك التلميذ في عملية التعلم.
ولا ننسى أنّ:
"وسائل الإعلام بيّنت فعالية على الصعيد التربوي في إطار عدة اختبارات أجريت. ولا يمكن بلورة إدماجها في النشاطات العملية من غير أن نعير الأهمية الكافية للمقاربات التربوية المتجددة على المستويين المؤسساتي والاجتماعي. وهكذا تجد لها مكانا في الإطار العام التي تجري ضمنه التحوّلات في الأنظمة التعليمية".

خاتمة
"إن اكتساب المعارف في الصف هو بمثابة تشييد بيت شخصي بواسطة المواد التي يوفّرها المعلم لتضاف إلى المواد التي في حوزتنا أصلا. ففي الحالة التقليدية، يقدم المعلم بيتا جاهزا للمتعلم (أي درساً مصمّمَاً بحسب ما يراه المعلمّ!) ويعتقد أنه ليس بوسع التلميذ إلا أن يعتمده (أي يتعلمه). لكن في الواقع، يجدر بالتلميذ أن يجزّىْ المعارف المتوفرة ويعيد تشكيلها وفق طريقته بغية إدخالها إلى بنيته المعرفية. تنحصر مهمة المعلم إذا في تقديم زالوحداتز التي ستؤلف البناء وعليه أن يترك للتلميذ إمكانية تشييد بناء معارفه بنفسه".


منسق لجنة تقييم مادة الكيمياء
في المركز التربوي للبحوث والإنماء
بسام شاهين

واقع التعليم بالطرق الناشطة من خلال المناهج التربويّة الجديدة ١

واقع التعليم بالطرق الناشطة
من خلال المناهج
 التربويّة الجديدة (١)

 

يعتبر كل درس "ترجمة لمنحى تربوي معيّن". فالاستجابة لحاجات المتعلّم وتحديد الأهداف والقدرات المرجوة وحصر المحتوى بما هو ضروري واختيار الطرائق التي تحقق اكتساب المعارف والمهارات وتوقع إجراءات التقييم وأشكال معالجة الصعوبات، كلها تشكّل مجموعة محطات لا غنى عنها في فلسفة التربية الحديثة.
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

"يمكن الاعتقاد أنّ التربية ليست سوى مجموعة طرائق ووصفات تخوّل التواصل مع المتعلم، كما تسهّل له مهمة استيعاب المعارف أو تعلّم تقنية معينة... لكن التربية بعيدة كل البعد عن أن تختصر بتقنية لأنه ينبغي أن تكيّف باستمرار طرائقها وفق الزمن والأشخاص بحضور المعلمين والمتعلمين. يشكل هذا التعديل المستمر الدائم جزءً من المسؤولية الملقاة على عاتق المعلم، جاعلاً من التربية فناً يعتبر فيه عدم الرضى والقلق عاملين منشطين والجهود المبذولة في البحث حركة ابداعية" (مارسيل بوستيك).
إن البرامج المحددة بحسب الكفايات تشدد على إدماج التقييم في التعلم، وعلى العلاقة بين عمليّتي التعلم والتعليم. يكتسب التلميذ من عمله ولا يقتصر دور المعلم على نقل المعارف بل يتعدّاه إلى كونه منظماً ومنشّطاً لأعمال التعلّم، ووسيطاً بين عملية التعلّم والمتعلم. لذلك تتكون نشاطات التعليم دائماً بحسب نشاطات التعلم لدى التلميذ.

 

يمثّل الرسم التالي نموذجاً بدمج التعليم والتعلّم والتقييم، ويعرض مفاهيم تشكل أساساً للتأهيل عن طريق الكفاية (Formation par compétences):

 

البعد البنائي (Constructivisme)

إن البعد البنائي يلقي ضوءًا على الدور الناشط الذي يؤديه المتعلم. فهو المحرك الأول في عملية تعلمه.
تعتبر المقاربة البنائية أنّ المعارف الجديدة تكتسب تدريجاً بالتواصل مع المعارف السابقة. ويتشكل فهم حقيقة من الحقائق انطلاقاً من ادراكات شخصية وليس من خلال حقيقة مطلقة.
توضح نظرية البعد البنائي أنّ المعلم لا يمنح المتعلم معارف بل ينقل إليه معلومات يحولها بدوره إلى معارف ومهارات ومواقف.
بالنسبة إلى المعلم، يضاف إلى دوره في إكساب المتعلم معارف، دوره في تنظيم النشاطات التعلمية والتقييمية وإحيائها في سبيل تكامل المعارف والمهارات و المواقف.


البعد العقلي (Cognitivisme)
يعتبر البعد العقلي حصيلة الاهتمامات المتعلقة بالطريقة التي يكتسب بها الفرد المعارف والمهارات ويستخدمها. وفي وضعية تعلمية حسية مرتبطة بالسياق وذات معنى، تؤدي مرحلة أولى من تنشيط (Phase d'activation) المعارف السابقة إلى بناء مهارات المتعلم انطلاقا مما
يعرفه. ويجب ألا تكتفي عملية التعلم بإثارة اهتمام المتعلم بل تلبي حاجاته التعلمية من غير ان تعتمد المنحى النظري لئلا تفقد من فعاليتها.
وفي وضعية يكون فيها مستوى تعقد المهمة مدروساً، يدفع التلميذ إلى التساؤل والتكهن بأنه لا يعرف ما يكفي عن الموضوع ليكون قادرا على توليد أفكار واضحة ودقيقة. فيجد نفسه وقتيا في وضعية تعلمية غير مستقرة، ويعيش اضطرابا معرفيا يقوده إلى مرحلة الإعداد (Phase d'élaboration) أي بناء معارف جديدة.
وبغية تسهيل التعلم، يجدر بالمتعلم أن يستغل وسائله (استراتيجيات التعلّم: Stratégies d'apprentissage) الشخصية والمكيفة بحسب حاجاته لاكتساب معلومات جديدة (جمع المعلومات: Collecte de l'information). وفي إطار التعلّم، يخزن المتعلّم مختلف أنواع المعارف:
١. المعارف المثبتة (Connaissances déclaratives) العائدة إلى محتوى محدد في المواد.
٢. المعارف الإجرائية (Connaissances procédurales) التي تشير إلى كيفية تعلّم المتعلّم.
٣. المعارف المشروطة ( Connaissances conditionnelles) التي تحدّد متى ولماذا نتعلّم.
سيستخدم المتعلم استراتيجيات متباينة في كل نوع من أنواع المهارات. وخلال عملية التعلم، يكتشف تقدمه وهو متيقّن للطريقة التي يتبعها ليتعلم. ولاختصار هذه الأعمال الذهنية في إطار المعرفيّة، سنتكلم على تنظيم المعلومة (Organisation de l'information).
عندما يعالج المتعلم المعلومات بشكل معمّق، يعتمد استراتيجيات تمكّنه من تصنيف هذه المعلومات (الترميز: Encodage) وتحفيظها في الذاكرة (التخزين: Stockage) واستحضارها على نحو مناسب خلال الوضعيات التعلمية (الاستذكار: Rappel). يبني المتعلم علاقات بين شبكات المفاهيم، ويتعلم كيف يدير بشكل أفضل المعلومات التي يخزنها في ذاكرته (إدارة الذاكرة: Gestion des mémoires). وما إن ترمّز المعلومات الجديدة وتُستوعب حتى يقوم بتعميم معارفه على وضعيات مشابهة نوعاً ما، أو بالانتقال إلى وضعيات أخرى.
في عملية التأهيل عن طريق الكفاية (Formation par compétences)، تعادل الكفاية مجموعة معارف منهجية، أي نسقاً يضمّ مكوّنات (أو قدرات) تقود إلى اكتساب الكفاية. يحث المعلم المتعلم على تعيين مكونات الكفايات الملتمسة والعودة إليها وتصويرها وتوضيعها. ونتيجة لذلك، نشدد على استثمار المهمات المندمجة (Tâches intégratrices) لأنها تعود إلى إحدى الاستراتيجيات الأساسية في اكتساب المعارف المنهجية: عرض المهمة (Tâche) على المتعلم الذي يطبق عليها كافة المراحل المنهجية. وهكذا نواجه التعلم المجزأ ونسعى إلى التعلم المدمج.


البعد البنائي الاجتماعي (Socioconstructivisme)
إن البعد البنائي الاجتماعي المنبثق عن البعد البنائي يضفي حجما على العلاقة مع الآخرين بهدف بناء المعارف. ونشير إلى أنواع جديدة من العلاقات: علاقة التلميذ بالتلميذ، علاقة التلميذ بالمعلم وعلاقة التلميذ بالفريق.


التأهيل عن طريق الكفاية (Formation par compétences)
لا يمكن تعليل التأهيل عن طريق الكفاية إلا إذا جمعنا ين البعد العقلي و البعد البنائي. فالمبادئ الرئيسة الخاصة بالتأهيل عن طريق الكفاية هي: الشموليّة (Globalité)، التكوين (Construction)، التعاقب (Alternance)، التطبيق (Application)، الترديد (Itération) والدمج (Intégration) والتمييز (Distinction)، الملاءمة (Pertinence)، الترابط (Cohérence) والتحويل (Transfert).


بعض الطرائق التربوية الناشطة (المقاربات المختلفة الملائمة للتأهيل عن طريق الكفاية):
تهدف الطرائق الناشطة إلى تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات والمواقف مما يجعله فاعلاً في عملية التعلّم فيصبح المحور. ولا تعود مهمة المعلم تتمثل في إعطاء أكبر قدر من المعلومات للمتعلم بل في تعليمه وسائل اكتساب الاستقلالية. وهكذا يؤهله للانخراط في حياة مهنية ناجحة.
"يمكن أن يعتبر التعلم عملية ناشطة وبناءة يدير فيها المتعلم بطريقة استراتيجية المصادر المعرفية المتاحة لخلق معارف جديدة باستخلاص المعلومة من الحياة اليومية ودمجها في البنية المعلوماتية المحفظة في الذاكرة" (كوزمان).
"إن التعليم يضع في متناول المتعلم فرصا تخوله التعلم. انها عملية تفاعلية ونشاط عمديّ... يمكن اعتبار الأهداف كسباً في المعارف، وتعمقاً في الفهم، وتطويراً للكفايات في "حلّ إحدى المشكلات" أو تغيراً في الادراك والمواقف والقيم والتصرف" (براون وأتكينس).
يتأثر هذان التعريفان إلى حدّ بعيد بكون التلميذ قائدًا لعملية التعلم، فهو من يبني معارفه ويكتسب في المقابل أنواعاً مختلفة من المعارف.
تعتمد هذه المقاربة البنائية (Constructivisme) في عملية التعلم على أعمال بياجيه (Piaget) التي تتعلق بتطور الولد النفسي إذ يظهر أهمية الشخص الذي يتعلم. في هذا الاطار، تبدو المعارف السابقة أو المكتسبة خارج السياق المدرسي أو التعلمي (التجارب اليومية) في غاية الأهمية بالنسبة إلى المعارف التالية/اللاحقة.
ونشير أيضاً إلى المصادر المادية التي يضعها المعلم في متناول المتعلمين، فهي الركيزة الأساسية التي سيشيّد بها المتعلم "صرح معارفه".
وتظهر جليّة الصفات التفاعلية أو الاجتماعية في عملية التعلّم. وتتطور معارفنا عندما يعاد النظر فيها مع الحياة اليومية: حدث متعارض مع اعتقاداتي، رأي مختلف عن الطريقة التي أرى بها الأمور... يؤدي هذا الخلل في المفاهيم إلى البحث عن توازن جديد: وهذا ما نسميه بتغيير المفاهيم (Changement conceptuel).


وبعد عرض هذه الاعتبارات العامة، ينبغي إنشاء قائمة بالسمات التي تتصف بها التربية الناشطة:
- الصفة الشخصية في عملية التعلم،
- دور المعارف السابقة المنشط،
- أهمية المصادر المتاحة،
- دور السياق والتجربة الملموسة،
- الكفايات التي تمارس على أعلى مستوى،
- منحى البحث في عملية التعلم،
- تغيير المفاهيم (التنبه، الخلل وإعادة الصياغة)،
- الصفة التفاعلية والتعاونية في عملية التعلم،
- الصلة بين المشروع الشخصي والمهني والدراسي،
- أهمية البناء والانتاج،
- أهمية البحث في مجال التعلم الجاري.
تشمل المنهجيات التربوية الناشطة مجموع هذه الصفات:
١. التعلم من خلال حل مشكلة (Apprentissage par résolution de problème)،
٢. التعلم التعاوني (Apprentissage coopératif)،
٣. التربية في إطار مشروع أو عبر المشروع (Pédagogie du projet ou par le projet).

 

١. التعلّم من خلال حلّ المشاكل:
يُعتبر التعلّم من خلال حل المشاكل وسيلة نقيّم بها مجموع مناهج التعليم أو أحد المناحي التربوية في إطار درس محدّد.
يمكن أن نضم إلى هذا النوع من التربية ما يلي:
- التطور الأسّي في المعارف خلال العقود الفائتة واستحالة تعليم كل شيء وعدم صوابيته،
- مستوى نقص حاد في معارف المتعلمين عند انتقالهم من صف إلى آخر أو من الدراسة الجامعية إلى الحياة المهنية،
- التعليم النظري بأسلوب محاضرة (Magistrale) غير المسيّق مقارنة بالحاجات والوقائع،
- سلبية المتعلم أمام ناقل المعرفة الوحيد المتمثل في المعلم في وجه عدد متنام من المتعلمين،
- نسبة متدنية من النشاط المعرفي (حسن إعادة ما قيل) أو المنهجي (تدوين رؤوس أقلام) في ما يتعلق بالكفايات الضرورية في مجال الأنشطة (حسن الاستعانة بمرجع أو بموسوعة)،
- افتقار تقييم المتعلم إلى العناصر الأساسية لتقتصر على قدرة تخزينه المعلومات.


إستنادًا إلى هذه الاستنتاجات، أُنشئت منهجية تربوية حول حل المسائل الحسية التي تعترض حياتنا اليومية أو المهنية. والأسس الستة هي:
- وضعية ملموسة تطرح مشكلة (Problème) وتشكل نقطة انطلاق العمل،
- مصادر ملائمة (وثائق، بنك المعلومات...) توضع في متناول المتعلمين لتدعّم الملف،
- أنشطة على مستوى عالٍ يقوم بها المتعلمون (على سبيل المثال، حصر مشكلة أو طرحها)، القيام بخطوات مراقبة وتحليل وبحث وتقييم ودراسة...
- دمج المعارف (وليس تجميعها)،
- تعاقب أوقات العمل الفريقي (تفصيل المشكلة، العصف الذهني: Brainstorming) وأوقات العمل الفردي،
- أشكال مختلفة من التقييم تخوّل في الوقت نفسه تنظيم الآلية ومراقبة ما تحقق لإنجاز الأهداف.


أما المراحل السبعة التي يتألف منها المنحى فهي:
- إيضاح التعابير والمصطلحات،
- تحليل المشكلة،
- إنشاء لائحة بالتفسيرات الممكنة،
- تحديد أهداف البحث والتعلم،
- جمع المعلومات المفيدة من الحياة اليومية،
- تقييم المعلومات المجموعة.


ثمة عدة طرائق لتصوّر المشكلة:
- إنطلاقاً من المعارف والمهارات التي سيغطيها الدرس أو الحصة أو الوحدة. وتعتبر الصفة المعقدة أو غير المعقدة للمشكلة في هذه الحالة ثابتة مهمة تؤخذ بعين الاعتبار.
- إنطلاقا من المعايير النابعة من الاشكاليات التي نصادفها في الحياة اليومية.


غالباً ما تنشأ المشكلة من خلال وضعية معينة نمر بها في حياتنا اليومية. ويجب أن يكون تصويرها ملموساً. فضلاً عن ذلك، يجب أن يكون التعبير عنها والأنشطة التي قد تنبثق عنها في متناول المتعلم. فالمشكلة الجيدة ليست معقدة كثيراً ولا مبسطة كثيراً. في النهاية، ينبغي تنويع
وسائل العرض والأنشطة المقترحة: نصوص متقنة، عرض شريط فيديو، قراءة مقالة علمية أو مقالة صحفية يومية. وسيتمّ أيضا تنويع المؤشرات الناتجة عن هذه الأنواع من العروض بهدف تمكين المتعلم من تمييزها من خلال وسائل الاتصال المختلفة (نظرية، سمعية...).
وترفق المشكلات المقترحة بفهرست مهم يهدف إلى تعويد المتعلم التوثيق والاستعلام والتعلّم بنفسه. ويجري تنويع وسائل الإعلام المستخدمة (كتب، أشرطة فيديو، انترنيت...).
من المفترض أن تطلق المشكلات المقترحة على المتعلمين أنشطة من النوع المعرفي والاجتماعي على حدّ سواء. وترتبط هذه الأنشطة المتنوعة ببحث حقيقي يقوم فيه المتعلم بـ:
- طرح المشكلة،
- فهم المشكلة،
- تكوين فرضيات (إجابات متوقعة تراقب بالنسبة إلى الأسئلة التي تنشأ عن الوضعية التي يواجهها المتعلم لدى طرحه اياها)،
- اعتماد عدة خطوات قياسية بهدف اختبار هذه الفرضيات (تنظيم البحث، الاستعانة بالمصادر، تحليل قائمة المراجع وتقييمها واستخلاص نتيجة منها...)،
- تأويل الحلول المختلفة وتقييمها وفق معايير السياق،
- صياغة نتائج جديدة وخلاصات.


تكون عمليات التعلّم متعددة المواد أو في تكاملية المواد. وتشكل الآلية المقترحة فرصة حقيقية لدمج المعارف: فمشكلة ناشئة عن علم البيئة تستدعي التطرق إلى الاستعانة بالفيزياء والكيمياء أو حتى بالصحة العامة والسياسة. وتشكل هذه الحركية الفكرية (المختبئة وراء النشاط) سمة
مهمة تؤدي إلى حل مشكلات حقيقية في سياقها المستقبلي اليومي والمهني.


لا نتعلم بمفردنا، ولا نتعلم بطريقة واحدة:
وبعد المرحلة الجماعية من عرض الموضوع ومصادره، ينقسم المتعلمون إلى مجموعات صغيرة لتوضيح المسألة الشائكة وإجراء عصف ذهني حول الموضوع وطرح الأسئلة والفرضيات الأولى والمشاركة في العمل. ثم يعملون بشكل فردي ويتبادلون عرض ثمار عملهم مما يسهّل كتابة تقرير حول عملهم. ويمكن أن ترافق هذه المحطات أعمال تقوم بها مجموعات كبيرة()بحث، إلقاء محاضرات) أو أعمال تطبيقية ومخبرية.
يعتبر العمل الفريقي مهما لأنه ينمي الكفايات على الصعيدين العلائقي والاجتماعي عند المتعلم وعلى الصعيد المعرفي أيضا (فهم، تحليل وتقييم). وبهذه المناسبة، يصبح المتعلم قادرا على الشرح والتعمق والمواجهة والدفاع عن وجهة نظره والتقييم وتحويل المعارف وباختصار يصبح قادرا على إجراء تغيير المفاهيم).
وتتنوع الأنشطة بهدف مصادفة أنماط مختلفة لاكتساب المعارف والكفايات والمواقف.
يمكن أن نتعلم:
- بالاستماع (نتلقى المعلومة)،
- بالتمرن (القيام بالتمرينات)،
- بالمحاكاة (استخدام نموذج معروض)،
- بالتجربة (اختبار محاليل)،
- بالاكتشاف (Par essai et par erreur)،
- بالابتكار (إنتاج معارف وأشياء ونماذج...).


وتقدم التقنيات الجديدة في هذا الصدد دعماً قيّماً، وتساهم في المراحل التي تتطلب تفاعلاً بين المتعلمين والمعلمين. هذه الطريقة تثبت النقاط الايجابية الآتية:
- معارف "ممتازة" يمكن استثمارها أكثر ومرتبطة بالسياق أكثر،
- إنفتاح أكبر على صعيد الحالات والسياقات،
- إعتماد على الذات بشكل أفضل على صعيد الدراسة والمبادرة لمتابعة التعلم،
- التحفيز وتحمل المسؤولية على طريق إنجازات أكبر،
- منحى البحث وحل المشكلات بصورة أفضل.


هذه المنهجية تخلق عدة تحولات:
- تحول في أنشطة المتعلم،
- تحول في أنشطة المعلم (خلق اللغز، إدارة المسعى...)،
- تحول في أنظمة التقييم،
- تحول في إدارة الوقت (تخصيص وقت للتعلم ووقت للتعليم).


٢. التعلّم التعاوني:
يجب حث المتعلمين على العمل في إطار مجموعات محدودة ليتمكن كل منهم من المساهمة في مهمة جماعية أنيط بها. فضلاً عن ذلك، على المتعلمين أن ينجزوا المهمة بمعزل عن إشراف مباشر وفوري من المعلم.
ويفترض التعلم التعاوني إذا عملاً فريقياً، لكن ليس كل عمل فريقي تعلماً تعاونياً بالضرورة. ولنتمكن من التحدث عن مهمة تعاونية، يجب أن يعلن عن هذه الأخيرة بطريقة لا يستطيع المتعلم حلها بمفرده، أي أنها تحتاج تعاوناً حقيقياً بين أفراد المجموعة. وبطريقة ما، ينبغي أن يعتمد كل متعلّم على الآخر.
وتمّ الاعلان سنة ١٩٩٤ (Paris et Turner) عن أربع صفات تتسم بها المهمة المحفزة (Tâche motivante) وهي:
الاختيار (Chois)، التحدّي (Défi)، الإشراف (Contrôle) والتعاون (Coopération).


من سمات عمل التعلّم المحفّز:
- إناطته التلميذ بالمسؤولية عبر تمكينه من القيام بخيارات،
- ارتباطه بالمجالات الشخصية والإجتماعية والمهنية،
- ذات مستوى معرفي عالٍ،
- متداخل مع مواد أخرى،
- منتج،
- يشكل تحدياً للتلميذ،
- يمكّن التلاميذ من التفاعل في ما بينهم،
- يجري في مدة زمنية كافية،
- يتضمّن تعليمات واضحة.


تجدر الإشارة إلى أنه نادراً ما نقع على المنهجيات التربوية "الصرفة" فعملية التعلم الغنية تتضمّن تنوّع الطرائق المقترحة في درس واحد، في حصة واحدة وفي منهاج واحد.كثير من المؤلفين يشددون على أهمية المجموعات غير المتجانسة (Hétérogénéité) التي تولّد أفكاراً تفوق في تنوعها تلك التي تولّدها المجموعات المتجانسة (Homogénéité). وعدم التجانس هذا يظهر على عدّة أصعدة:
- صفات الأفراد (السنّ، الجنس، العرق، السلوك الإجتماعي...)،
- المعارف المعالجة ومستوى الدراسة والمهن،
- الكفايات المعرفية أو التقنية،
- الكفايات الإجتماعية والعلائقيّة.


في بعض الحالات، وبحسب المواضيع المعالجة وسياقات الأعمال الفريقية، نكتشف بسهولة أنّ عدم التجانس يقود أيضاً إلى إعاقة العمل المعرفي. وحتى لو كان صعب التحقيق من الناحية العمليّة، يمكن أن نفترض أنّ التجانس أفضل من عدمه بحسب الوقت المختار في العمل التعاوني.
على كلّ حال، يجدر بالمعلّم أن ينظم على أفضل وجه مقابلة الأفكار لأنها تولّد تغييراً مفهومياً، وتطوّر عملية التعلّم. هكذا قلّما يتدخل المعلّم في المضامين في ما يخصّ مبادئ التعلم التعاوني، لكنه بالمقابل يدير فعلياً المجموعات:
- ينظم المبادرة بالكلام،
- يوجّه مناقشات التلاميذ،
- يزوّدهم بالمعلومات الضرورية،
- يحثّ كلاً منهم على تعليل وجهة نظره،
- يحترم إطار العمل المطلوب.


يشكل التعاون نوعاً من "الابتعاد عن المركز" أو اللامركزية (Décentration)، إذا جاز التعبير، تمكّن كل فرد من أن يعي وجود إجابات ممكنة تختلف عن إجاباته هو. فكلّ واحد يقدّم المعلومات الإضافية بالنسبة إلى غيره، ثم يقومون مجتمعين بصياغة إجابة جديدة. يدفع التعاون كلّ شخص إلى الدخول في علاقة اجتماعية مع الآخرين. تتّصف المشكلة في البدء بطبيعة اجتماعية، ولا تعتبر الأدوات الاجتماعية المعرفية متطورة إلا إذا مكّنت المشاركين من إعادة التوازن الإجتماعي.
ينقسم الصراع (Conflit) إلى شقّين:
- اجتماعي (Social) لأنها تتضمّن خلافاً بين كافة الأفراد،
- معرفي (Cognitif) لأنّ الخلاف يهيمن على طريقة  حلّ المشكلة المعرفية.

يذكر عدة مؤلفين انعكاسات معرفية إيجابية كثيرة لما سبق. ومن بين هذه الإنعكاسات الإيجابية نذكر:
- إدراك كل واحد مهاراته الشخصية،
- مدى ثقته بقدراته التعلمية،
- إمكانية الابتعاد عن المركز (Se décentrer)،
- تطبيق المفاهيم والمبادئ والمعلومات العملية في وضعيات مختلفة مع إمكانية النقل (Transfert)،
- القدرة على الالتزام بفكرة متشعّبة والدخول في صراعات مفتوحة والمجازفة.


فضلاً عن هذه الانعكاسات المعرفية، يذكر المؤلفون الأرباح على المستوى العاطفي والاجتماعي:
- تحسّن العلاقات الشخصية،
- تبنّي قيم ديموقراطية،
- سهولة في العمل الفريقي،
- تقبّل الاختلافات الشخصية والثقافية،
- تدنّي نسبة الخوف من الفشل ومن الكآبة،
- تزايد الثقة بالنفس.


٣. التربية بالمشروع:
في التربية بالمشروع، يتمثّل الهدف في إيجاد منحى يمكّن التلميذ من وضع مشروع ما من خلال الخروج عن المألوف. في التربية بالمشروع، يعادل الهدف اكتساب المعارف والمهارات... أما تموضع هذه التربية فيكمن في تحقيق أمر ما (معارف جديدة، غرض تقني، إنتاج شخصي). ويهدف التعليم إلى منح التلميذ المعارف والكفايات الضرورية لتحقيق مشروعه.
في هذا النوع من التربية، يمرّ التلميذ في مراحل مختلفة ويشدّد على النتاج أو الهدف.
تعتبر التربية بالمشروع نوعاً من التربية الحريصة في آن واحد على نتاج عملية التعلّم وعلى التفكير في المنحى المتّبع بهدف تطويره. ويبدو لنا هذا الجانب الذي يتضمّن النهج المعرفي ركناً أساسياً في هذه التربية: إنها فرصة تتيح للمتعلّم الالتفات إلى الوراء وتحليل المنحى المنهجي المتبع وتمتينه وجعله أسهل منالاً في الوضعيات الأخرى (النهج التحويلي : Transférabilité) فضلاً عن دمج المعارف والمهارات المختبرة.
وينعكس النهج المعرفي على مسلكيات الفرد (إعادة طرح الموضوع)، كما يخوّل ممارسة الحسّ النقدي وتحليل الظروف التي استخدمت في إطارها المعارف والكفايات.
من الصعب أحياناً أن نفرّق بين التربية بالمشروع، والتربية والتعلم من خلال حلّ المشكلات. ففي النوع الأوّل، يكون النتاج الذي نصبو إليه محدداً. والعمل الذي ننوي القيام به هو بناء منحى يؤدي إلى النتاج النهائي. أما في النوع الثاني، فنلاحظ أنّ عناصر المدخل (مكوّنات المشكلة) هي المحددة والهدف هو فكّ العقدة وحلّ المشكلة.
ويكمن فرق آخر في مدى تحفيظ هذه الأعمال مع الزمن: إن التعلم من خلال حلّ المشكلات يحصل أحياناً على مراحل أقصر من التي تتّبع في التربية بالمشروع المرتبطة بحجم المشكلة أو حجم المشروع. وقد يتطلب التعلم من خلال حل مشكلات شتى أسبوعا أو أكثر، ويتطلب بناء مشروع عدة أشهر وربما فصلاً كاملاً.
في النهاية، وبأسلوب تصويري، يهدف منحى حل المشكلات في أكثر أشكاله المحدودة إلى اكتساب المعارف والكفايات الجديدة، فيما التربية بالمشروع تهدف في أكثر الأحيان إلى تطبيق معارف أو كفايات مكتسبة في مكان آخر.


التقييم (Evaluation)
يحتلّ التقييم حيّزًا مهماً من الاهتمام في قسم "الإبداع". فتقييم النتاج يجري عند وضع الأهداف. والغاية منه الحكم على اكتساب المعارف والمهارات المعلّمة إما عن طريق تحديد مكان المتعلم بالنسبة إلى معيار معين، وإما عن طريق كشف الصعوبات التي لم يتغلب عليها المتعلم، وإما عن طريق تحديد مستوى كفاياته لتأكيدها. فالتقييم يسهّل تكييف التعليم، ويزوّدنا بالفكرة الهادفة في حال عدم اكتساب الأهداف.
وبناءً على الأهداف المعينة، يعلن المعلم معايير الاكتساب التي تمكّنه من الاشراف على التأهيل. ويمكّن الاكتساب من تعميق الموضوع أو الانتقال إلى مرتبة أعلى. أما الفشل في التقييم فيعيدنا إلى الوراء ليطرح المتعلم مسألة تمرينات التقوية.


وينبغي أن يتطوّر التقييم الذاتي لتمكين التلميذ من التمتع بالاستقلالية إزاء الأهداف المحددة. ويتمثل التقييم الذاتي في صنع أهداف معرفية على مستوى عال وكفايات وطرائق ناشطة وإشراك التلميذ في عملية التعلم.
ولا ننسى أنّ:
"وسائل الإعلام بيّنت فعالية على الصعيد التربوي في إطار عدة اختبارات أجريت. ولا يمكن بلورة إدماجها في النشاطات العملية من غير أن نعير الأهمية الكافية للمقاربات التربوية المتجددة على المستويين المؤسساتي والاجتماعي. وهكذا تجد لها مكانا في الإطار العام التي تجري ضمنه التحوّلات في الأنظمة التعليمية".

خاتمة
"إن اكتساب المعارف في الصف هو بمثابة تشييد بيت شخصي بواسطة المواد التي يوفّرها المعلم لتضاف إلى المواد التي في حوزتنا أصلا. ففي الحالة التقليدية، يقدم المعلم بيتا جاهزا للمتعلم (أي درساً مصمّمَاً بحسب ما يراه المعلمّ!) ويعتقد أنه ليس بوسع التلميذ إلا أن يعتمده (أي يتعلمه). لكن في الواقع، يجدر بالتلميذ أن يجزّىْ المعارف المتوفرة ويعيد تشكيلها وفق طريقته بغية إدخالها إلى بنيته المعرفية. تنحصر مهمة المعلم إذا في تقديم زالوحداتز التي ستؤلف البناء وعليه أن يترك للتلميذ إمكانية تشييد بناء معارفه بنفسه".


منسق لجنة تقييم مادة الكيمياء
في المركز التربوي للبحوث والإنماء
بسام شاهين