دور التجهيزات في عملية التعلّم والتعليم في المناهج الجديدة
شهدت السنوات الأخيرة تغيرًا كبيرًا في ميدان التجهيزات المدرسية إثر تجديد طرائق التدريس داخل العملية التربوية. |
في الماضي، فرضت طرق التعليم التلقيني وجود لوح أسود ومنبر للمعلم وبعض المقاعد المختلفة الأحجام والمقاييس، يجلس عليها التلاميذ مكتوفي الأيدي غالبًا ليستمعوا إلى ما يقوله المعلم خلال ساعات طويلة دون القيام بأي نشاط فردي أو فريقي.
ورثنا تراثًا عقيمًا في التعليم، صارت فيه وظيفة المتعلّم تحصيل ما في الكتاب المقرر من دروس يجب حفظها، وصارت الدروس هي العلم، وصارت وظيفة المعلم شرح هذه الدروس وتلقينها.لذلك نجد في مدارسنا أن الجغرافيا هي ما في الكتاب وكذلك التاريخ والعلوم والرياضيات... ونجد أن ما في الكتاب لا يرتبط في أذهان أطفالنا بما هو في خارج الكتاب.
ومنذ أن سلكت عملية التعلّم والتعليم المسار المنظم في تحصيل الفرد للمعارف وفي اكتساب المهارات، ومستلزمات هذه العملية من مناهج تعليمية وتجهيزات تربوية في تطور مستمرٍ، لعبت هذه التجهيزات بنوعيها (الوسائل التعليمية والمفروشات المدرسية) دورًا أساسيًا في استراتيجية التربية المدرسية وصياغة مناهجها التعليمية وطرائق تدريس موادها، سواء بالطريقة التلقينية أو بالطريقة الناشطة ومحورها المتعلّم، أو بطريقة البحث العلمي وممارستها إفراديًا وضمن مجموعات.
دور الوسائل التعليمية في عملية التعلّم والتعليم
إنّ الوسائل التعليمية المرتبطة في تصاميمها وبنائها بالعقل والحواس، هي اليوم جزء لا يتجزأ من المادة التعليمية والأسلوب، ومحور أساسي لعملية التعلّم. ذلك لأن الوسائل التعليمية/التعلّمية ممارسات تهدف إلى تحسين عملية التدريس ورفع مستوى أداء المعلم وتوفير الجهد والوقت على المتعلم وزيادة قدراته على الإدراك والفهم.
هذا وقد أثبتت التجارب العلمية أنه كلما اشتركت حواس أكثر في عملية التعلّم والتعليم كلما كان المردود من المعرفة والخبرة أكبر. لذلك استخدمت هذه الوسائل منذ القدم، فكان السمع والحفظ هما المصدر الأول والأساسي لنقل المعارف، ثم أضيف إليهما البصر ومشاهدة الأشياء للتعرف إليها وإدراكها وفهمها وبالتالي تعلّمها.
وقد أكد على هذا النوع من التعلّم أوائل علماء التربية كالحسن بن الهيثم الذي كان يفسر لتلاميذه ظواهر الطبيعة عمليًا وكذلك فعل جان جاك روسو الذي أكد على ضرورة وضع الأشياء أمام عينيّ المتعلم حتى يراها فيدركها ليتعلم تعلّمًا واقعيّاً بعيدًا عن الكلام المجرد.
فلحواس الإنسان قدرات متكاملة تسند كل منها الأخرى وإهمالُ أي منها في عملية التعليم تقليل من هذه القدرات المميزة وإغلاق لنوافذ العقل على المعرفة.
أمّا التربية الحديثة فلقد أدركت ضرورة مشاركة جميع أدوات المعرفة في عملية التعلّم. فالتعلّم بالتلقين لا يشارك فيه المتعلم سوى بعقله، أو بعبارة أدق، لا يشارك سوى بناحية واحدة من عقله، وهي القدرة على التذكّر والحفظ. وتبقى أدوات المعرفة الأخرى معطلة.
في هذه الطريقة، لا تشترك حواس المتعلّم ولا جوانب عقله الأخرى ولا قلبه ولا جسمه (بالممارسة والعمل مثلاً) بل المعرفة التي ما كان يمكن أن يكتسبها إلاّ باشتراك هذه الأدوات، خارج تعلمه ومعرفته، وبالتالي خارج قدرته على معرفة هذا الوجود بجوانبه المتعددة.
دور المفروشات في عملية التعلّم والتعليم
مما لا شك فيه أن التجهيزات المدرسية من مفروشات وأدوات ولوازم، تلعب دورًا رئيسيًا في نجاح العملية التربوية.فمهما بلغت الدقة في مناهج التعليم وبرامجه، واتسعت رقعتها فإنها تبقى عاجزة عن بلوغ غايات التربية وأهداف التعليم إذا لم تتوافر مقومات تطبيقها ونجاحها، وفي مقدمة هذه المقومات وجود التجهيزات المدرسية.
يعتقد البعض بأن المفروشات المريحة من شأنها أن تخلق الأجواء الملائمة للصف، ويعتقد البعض الآخر بأن المغالاة في صنع فرش مريح تضر بالتعليم أكثر مما تفيد، حيث علّق أحد مديري المدارس على ذلك بقوله "ينبغي صنع مفروشات غير مريحة كي لا ينام التلامذة في الصف". هذه الأفكار ناتجة عن الأسلوب التلقيني.
ومهما كان الاعتقاد، فإن المفروشات المدرسية المريحة هي تلك التي تلائم التلميذ في جلوسه وإصغائه ونشاطاته التعلّمية. لذلك، يجب اعتبار قياسات المفروشات المدرسية مرتبطة بشكل وثيق ورئيسي مع طول قامات التلاميذ بحيث أن أي تعديل في هذه القياسات يؤدي إلى خلل في ملاءمة هذه التجهيزات لراحتهم، وينعكس بالتالي تأثيرًا سلبيًا على صحتهم العامة.
لذلك لا ينبغي أن تتوخى صناعة المفروشات المدرسية المتانة، والمرونة، والبساطة، والوفر في الكلفة وحسب، بل أن تعتمد تصاميمها الهندسية على توزع قامات التلامذة إلى فئات ينتمون إليها في مراحل التعليم دون أن يؤثر ذلك على الأهداف الرامية إلى صناعة المفروشات المدرسية.
علاقة المفروشات المدرسية بطول قامات التلامذة
فالتجهيزات التربوية بكل ما تحتويه من مفروشات مدرسية وأدوات داخل الصف والمختبر والمشغل والمكتبة وكل الوسائل التعليمية وما تحتاجه النشاطات الصفية واللاصفية ليست، كما يتوهم البعض، شيئًا إضافيًا يساعد على الشرح والتوضيح، بل هي جزء لا يتجزأ من عملية التعليم التي يجب أن تشترك فيها جميع الحواس لتكون ناجحة وملائمة لفطرة الطفل. على أن دور المعلّمِ يبقى دورًا أساسيًا في عملية التعلّم والتعليم. إذ لا فائدة من الوسائل والتجهيزات مهما كانت ملائمة للمناهج إذا لم يستعملها معلّم متمرّس فنان وخلاّق في مجال التربية والتعليم. لأن المعلّم الناجح في عمله يدرك حيوية الفطرة في الطفل ويدرك كيف تنعكس هذه الفطرة في رغباته، ويدرك كيف يشغّل أدوات التعلّم والمعرفة في إشباع هذه الفطرة، وكيف ينمّي هذه الأدوات بخلق المجالات التعليمية لكل منها.
فالطفل يتعلم بيديه وبعينيه وبأذنيه وبحواسه الأخرى، وبهذه الحواس يشرك عقله، فينمو نموًا محببًا لنفسه، لإحساسه بالتفاعل الكلي في هذه العملية، ويصبح السعي وراء العلم والمعرفة وما يتطلبه من حب الاكتشاف والإدراك عادة محببة طيلة حياته.
ختاماً، نرى ان التجهيزات المدرسية تشغل موقعاً أكثر اهمية بعد صدور المناهج الجديدة التي يراعى فيها التوازن والتفاعل بين محتواها النظري وتطبيقاتها العملية.
المركز التربوي للبحوث والإنماء
مكتب التجهيزات والوسائل التربوية
رئيس دائرة التجهيزات والأبنية المدرسية
يوسف بيضون