كيف يتحقّق إنخراط ذوي الحاجات الخاصة ضمن نظام التعليم العام في لبنان: الواقع والمرتجى

يولي المركز التربوي للبحوث والإنماء موضوع تثقيف ذوي الحاجات الخاصة وتعليمهم وتدريبهم أهمية كبرى من خلال أبحاثه الإنمائية. وقد أصدر حتى تاريخه عدة دراسات كانت أبرزها دراسة تحت عنوان"التعليم المختص في لبنان" باشراف الدكتورة رفيقة حمود والأستاذ جوزف مارون (١٩٨٢). وهي دراسة تشخيصية لواقع التعليم المختص في لبنان مع تصنيف علمي للمعوّقين وأنواع المدارس والمراكز التي تهتم بهم. ونتيجة للدراسات التي ينفذها، يسعى المركز التربوي للبحوث والإنماء الى تطوير مشروع دمج تربية ذوي الحاجات الخاصة ضمن نظام التعليم العام في لبنان، منطلقاً من مبدأ
ديمقراطية التعليم لجميع أبناء الوطن مع الأخذ بعين الاعتبار حاجاتهم اليوميّة كمتعلّمين ومتطلباتهم الخاصة التي تنشأ نتيجة إعاقتهم، وذلك من خلال إدخالهم في "مشروع خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع في لبنان(2004-2015)" التي تسعى لتأمين فرص تعليمية لجميع أبناء الوطن والتركيز على تجديد النظام التربوي وتطويره كمّاً ونوعاً وفقاً لمتطلبات العصر وتحسين الخدمات التربوية والخدمات المساندة لذوي الحاجات الخاصة في مراحل ما قبل المدرسة، والمدرسة وما بعدها.

أولاً: كيفية دمج ذوي الحاجات الخاصة في المدارس

ان الهدف الرئيسي من انخراط ذوي الحاجات الخاصة في المدرسة يساعد على تنمية قدراتهم الجسدية والعقلية والنفسية لمتابعة الدراسة في أقرب مدرسة لبيتهم رغم كل الصعوبات التي يمكن ان يعانوا منها الى جانب أترابهم. فالتعلّم الفردي وحده لم يعد كافياً لحل المشكلة بسبب تداخل العوامل المؤثّرة على العملية التربوية، ولم يعد بالإمكان تجاهل أثر البيئة المدرسيّة على النمو الذهني للمتعلّم.
ويبقى القول إن تحقيق عملية دمج الأولاد ذوي الحاجات الخاصة في الصفوف النظامية رهن بتوافر شروط عديدة يجب ان تؤمّنها السلطات التربوية والمدارس.

أهم هذه الشروط هي:
١- وضع سياسة تربوية واضحة لذوي الحاجات الخاصة

شهد لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة تطوّراً نوعيّاً وكميّاً في البرامج التعليمية للأطفال والشباب ذوي الحاجات الخاصة. لكن على الرغم من بروز توجّهات رسميّة مشجّعة في هذا المجال، فإننا ما نزال نحتاج الى سياسة تربوية واضحة تحدد حق جميع الأولاد اللبنانيين في الانتفاع من مختلف المرافق والمناهج والتسهيلات التعليمية المتوافرة. وتترجم هذه السياسة من خلال تشريعات مفصّلة ترتكز على تطبيق مبدأ إعطاء فرص تعليمية للجميع وتعطي تعريفات إجرائية ودقيقة لفئات الإعاقة وللخدمات الخاصة المساندة التي يجب تقديمها لهم.
كما ان التزام وزارة التربية والتعليم العالي الثابت والمعلن بتأمين التعليم والرعاية لذوي الحاجات الخاصة في لبنان، كلٌ حسب قدرته ونوع إعاقته ضمن النظام التربوي العادي يعتبر القاعدة الأساسية لتحقيق الدمج المرتجى. وفي غياب هذا التعهّد من قبل وزارة التربية، يُخشى الاّ يعطى تعليم ذوي الحاجات الخاصة الرعاية الكافية في لبنان لتلقّي خدمات تربوية متكاملة ومناسبة لحاجاتهم.

٢- التزام المؤسسات التربوية بالدمج
رغم تعدّد المؤسسات التي تُعنى بتعليم ذوي الحاجات الخاصة وتدريبهم، فان نظام التربية الخاصة في لبنان تطوّر بمنأى عن النظام التربوي العام. وقد تقاسمت إدارته والإشراف عليه جهات وسلطات تربوية وغير تربوية، مما ساهم في تشتّت الجهود وتضارب الصلاحيّات.
الاّ ان التزام الهيئة التعليمية الثابت في المؤسسات الرسمية والخاصة بدعم عملية الانخراط وتعزيزها في المدارس العادية وتوفير الدعم اللازم للمعلمين يبقى الأساس. ومن الضروري ايضاً تجاوب جميع المدارس الخاصة والرسمية مع طلب قبول ذوي الحاجات الخاصة في النظام التعليمي العادي آخذة بعين الاعتبار الصعوبات التي يمكن ان تواجهها نتيجةً لتفاوت إمكانيّات التحصيل التعلّمي عند الولد. ولا يمكن التغلّب على هذه المشكلة الاّ بواسطة هيئة تعليمية معدّة إعداداً كافياً، ملتزمة بمبدأ الانخراط وتعزيزه.

٣- إعداد المعلمين وتدريبهم
ان الالتزام بمبدأ الدمج يطرح تحدّيات جديدة على معدّي برامج إعداد المعلمين وتدريبهم، خاصة في ما يتعلّق بتقديم خدمات متنوّعة لذوي الحاجات الخاصة. ويمكن ان يشتمل إعداد جميع المعلمين على وسائل تربوية خاصة بتعليم ذوي الحاجات الخاصة وتدريبهم على تطبيق مناهج تعليمية مخصّصة لهذه الغاية، وإتاحة الفرصة للمعلمين الراغبين التعمّق في دراسة هذا الموضوع ان يفعلوا ذلك كجزء من عملهم اليومي. بالإضافة الى ذلك ، ينبغي تنظيم ندوات متخصصة يتم فيها بحث التطور الحاصل في تعليم هؤلاء الأولاد على ضوء بعض التجارب العملية. ومن الضروري من وقت لآخر إعداد دورات تدريبيّة تشمل معلمي التربية الخاصة ومعلمي الصفوف العادية كي يتمكّنوا من تبادل الخبرات التعليمية. وينبغي ألاّ يقتصر تدريب المعلّمين على التعامل مع ذوي الحاجات الخاصة وحسب؛ إذ إنّ من مهمات المعلم أيضاً توعية الأولاد العاديين على قبول المعاق في المحيط العائلي اولاً ومن ثم في المحيط المدرسي فالاجتماعي، وعدم التفرقة في العلاقات بين تلاميذ الصف الواحد.
ومقابل هذه المسؤوليّات الجديدة الملقاة على عاتقه، من حق المعلّم ان يتوقّع الدعم المادي والمعنوي لقاء استجابته لهذا المبدأ، خاصة وان نجاح عملية الانخراط يتوقّف على استجابة المعلّم في النظام المدرسي العادي لهذا المبدأ. وهذا الدعم يمكن ترجمته من خلال مكافآت ونصائح ودورات تدريبية مستمرّة.

٤- تأهيل الأبنية المدرسية لتتلاءم مع حاجات دمج التعليم المختص
من الضروري الأخذ بعين الاعتبار تحركات ذوي الحاجات الخاصة داخل البناء المدرسي وتنفيذ التشريعات التي تحدّد مواصفات الأبنية المدرسية الملائمة لحاجات المعوقين بحيث تُؤهَّل الأبنية المذكورة لاستقبالهم وتسهيل تحرّكهم، كأن يراعى مثلاً في البناء المدرسي(1):

  • توسيع أبواب المصاعد والغرف والحمامات.
  • إزالة جميع العوائق الأرضية وجعل الأرصفة سهلة الانحدار.
  • تخصيصهم بمساحات للهو ضمن الملاعب.
  • توفير التجهيزات المدرسية المناسبة من أجلهم.

٥- تنظيم التربية المتكاملة
ينبغي ان يكون الدمج او الانخراط في مجتمع الكبار الهدف الأساسي للتربية المتكاملة. ففي الواقع ان مبررات التربية المتكاملة خلال سنوات الدراسة تكمن بالضبط في قدرتها على مساعدة التلميذ المعاق وغير المعاق على الانخراط بالمجتمع كراشد. ومهما يكن نجاح المدرسة في تلبية حاجات التلاميذ الفردية، فهي تعتبر فاشلة في مهمتها اذا لم تعدّهم الى أقصى درجة ممكنة من الاستقلالية عندما يحين موعد تخرجّهم من المدرسة وانتقالهم الى عالم العمل والحياة الاجتماعية.

٦- إعداد مناهج تربوية لذوي الإعاقات الشديدة والمتعدّدة
في حال تعذّر على الذين يتابعون دراستهم الاندماج في منهج التعليم العام، ينبغي على وزارة التربية إعداد مناهج تتناسب وقدراتهم العقلية والجسدية. ولا بد من ان تتّصف هذه المناهج بالمرونة وتأخذ بعين الاعتبار الوقت الضروري للتحصيل، بحيث ينعكس ذلك على سلّم التعليم المعمول به حالياً. كما اثبتت الدراسات ان الجهود التي تركّزت على بعض أنواع الإعاقة دون غيرها اتّسمت بالجزئية والفاعلية المحدودة.

 

ثانياً: في النتائج

ان أهم النتائج التي يمكن ان نستخلصها من التجارب والأبحاث هي ان لكل ذي حاجة خاصة الحق الكامل بالانتفاع من جميع المرافق والتسهيلات التعليمية المتوافرة للأولاد الآخرين.
وقد أصبح هذا الحق في لبنان ليس فقط مقبولاً بل شرعة تسعى وزارة التربية الى تطبيقها من خلال خطة عمل وطنية كما ذكرنا سابقاً. والمشكلة التي تواجهنا اليوم هي جعل هذا الحق واقعاً ملموساً. والتأكيد على ان من شأن كل ما نوفّره من وسائل او تدابير يفي، من جهة، بالحاجات الاجتماعية للأولاد ذوي الحاجات الخاصة ويلبّي، من جهة اخرى، حاجاتهم التعليمية الناشئة عن إعاقتهم.
لقد شهدت السنوات العشر الأخيرة تقدّماً ملموساً في معرفتنا بطريقة تعليم ذوي الحاجات الخاصة. وندرك اليوم أهمية إنماء طاقاتهم وكفاياتهم العقلية والجسدية، كما ندرك بالمقابل ان ثمة حدوداً لما يمكنهم تحقيقه. لكن ينبغي ان نولي الصعوبات التي نواجهها في تعليمهم اهتماماً أكبر من اهتمامنا بوضع حدود مسبقة لإمكانية التعلّم لديهم.
ان التجارب المعمول بها في هذا المضمار تثبت ان تعليم الأولاد ذوي الحاجات الخاصة في المدارس العادية ليس حلماً بل فعلاً واقعاً يمكن تحقيقه عندما تتوافر له  العناصر الأساسية التي تكلّمنا عنها آنفاً. ان النظام التربوي في لبنان لم يُنكر للمعاق هذا الحق. لذلك فهو ما زال قابلاً لهذا التعديل، ويمكن تطبيق مبدأ الدمج في المدارس العادية من خلال خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع التي تأخذ بعين الاعتبار المساواة وتعميم التعليم على جميع الأولاد في مختلف المناطق مع مراعاة نوعية إعاقتهم. واذا نجحنا في تحقيق ذلك نكون قد طوّرنا نظامنا التربوي، واعطينا فرصاً تعليمية لجميع أولادنا وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص من خلال
تقديم مختلف الخدمات التربوية لتعليم الأولاد المعاقين وغيرالمعاقين على السواء وبنوعيّة جيّدة.


في الختام، وبعد ان أُدرج مشروع الدمج في إطار"خطّة العمل الوطنية للتعليم للجميع"، يبقى على وزارة التربية والتعليم العالي بالتنسيق مع وزارة الشؤون الإجتماعية ان تحدّد المستلزمات المادية والتربوية والتشريعيّة لتطبيقه ولترجمة مضمونه في مدارس ومؤسسات خاصة ورسمية تطلقه الى حيّز الوجود. وهنا يمكننا الإفادة من تجارب الآخرين في هذا المضمار متخطّين كل التحدّيات التي تنتظرنا.

المراجع:
١- التعليم المختص في لبنان المركز التربوي للبحوث والانماء، د. رفيقة حمود، أ.جوزف مارون ، بيروت ١٩٨٢
٢- الصعوبات التعلّمية: طبيعتها، أبعادها وانعكاساتها التربوية. (بحث تربوي-نفسي)، الهيئة اللبنانية لمتابعة الصعوبات التعلّمية ، بيروت ١٩٩٦
٣- وضع الأطفال في لبنان لعام ٢٠٠٠ ، الاحصاء المركزي بالتعاون مع اليونيسيف، بيروت .٢٠٠٠
٤- مشروع خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع في لبنان (2004-2015)، وزارة التربية والتعليم العالي، بيروت ٢٠٠٤
٥- مرسوم رقم ٩٠٩١ ، تاريخ 2003/11/15 ، تحديد معايير ومقاييس أبنية المدارس الرسمية في التعليم العام قبل الجامعي.

المركز التربوي للبحوث والانماء
مساعد رئيسة المركز التربوي في الشؤون التربوية
د. يوسف صادر

 

كيف يتحقّق إنخراط ذوي الحاجات الخاصة ضمن نظام التعليم العام في لبنان: الواقع والمرتجى

يولي المركز التربوي للبحوث والإنماء موضوع تثقيف ذوي الحاجات الخاصة وتعليمهم وتدريبهم أهمية كبرى من خلال أبحاثه الإنمائية. وقد أصدر حتى تاريخه عدة دراسات كانت أبرزها دراسة تحت عنوان"التعليم المختص في لبنان" باشراف الدكتورة رفيقة حمود والأستاذ جوزف مارون (١٩٨٢). وهي دراسة تشخيصية لواقع التعليم المختص في لبنان مع تصنيف علمي للمعوّقين وأنواع المدارس والمراكز التي تهتم بهم. ونتيجة للدراسات التي ينفذها، يسعى المركز التربوي للبحوث والإنماء الى تطوير مشروع دمج تربية ذوي الحاجات الخاصة ضمن نظام التعليم العام في لبنان، منطلقاً من مبدأ
ديمقراطية التعليم لجميع أبناء الوطن مع الأخذ بعين الاعتبار حاجاتهم اليوميّة كمتعلّمين ومتطلباتهم الخاصة التي تنشأ نتيجة إعاقتهم، وذلك من خلال إدخالهم في "مشروع خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع في لبنان(2004-2015)" التي تسعى لتأمين فرص تعليمية لجميع أبناء الوطن والتركيز على تجديد النظام التربوي وتطويره كمّاً ونوعاً وفقاً لمتطلبات العصر وتحسين الخدمات التربوية والخدمات المساندة لذوي الحاجات الخاصة في مراحل ما قبل المدرسة، والمدرسة وما بعدها.

أولاً: كيفية دمج ذوي الحاجات الخاصة في المدارس

ان الهدف الرئيسي من انخراط ذوي الحاجات الخاصة في المدرسة يساعد على تنمية قدراتهم الجسدية والعقلية والنفسية لمتابعة الدراسة في أقرب مدرسة لبيتهم رغم كل الصعوبات التي يمكن ان يعانوا منها الى جانب أترابهم. فالتعلّم الفردي وحده لم يعد كافياً لحل المشكلة بسبب تداخل العوامل المؤثّرة على العملية التربوية، ولم يعد بالإمكان تجاهل أثر البيئة المدرسيّة على النمو الذهني للمتعلّم.
ويبقى القول إن تحقيق عملية دمج الأولاد ذوي الحاجات الخاصة في الصفوف النظامية رهن بتوافر شروط عديدة يجب ان تؤمّنها السلطات التربوية والمدارس.

أهم هذه الشروط هي:
١- وضع سياسة تربوية واضحة لذوي الحاجات الخاصة

شهد لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة تطوّراً نوعيّاً وكميّاً في البرامج التعليمية للأطفال والشباب ذوي الحاجات الخاصة. لكن على الرغم من بروز توجّهات رسميّة مشجّعة في هذا المجال، فإننا ما نزال نحتاج الى سياسة تربوية واضحة تحدد حق جميع الأولاد اللبنانيين في الانتفاع من مختلف المرافق والمناهج والتسهيلات التعليمية المتوافرة. وتترجم هذه السياسة من خلال تشريعات مفصّلة ترتكز على تطبيق مبدأ إعطاء فرص تعليمية للجميع وتعطي تعريفات إجرائية ودقيقة لفئات الإعاقة وللخدمات الخاصة المساندة التي يجب تقديمها لهم.
كما ان التزام وزارة التربية والتعليم العالي الثابت والمعلن بتأمين التعليم والرعاية لذوي الحاجات الخاصة في لبنان، كلٌ حسب قدرته ونوع إعاقته ضمن النظام التربوي العادي يعتبر القاعدة الأساسية لتحقيق الدمج المرتجى. وفي غياب هذا التعهّد من قبل وزارة التربية، يُخشى الاّ يعطى تعليم ذوي الحاجات الخاصة الرعاية الكافية في لبنان لتلقّي خدمات تربوية متكاملة ومناسبة لحاجاتهم.

٢- التزام المؤسسات التربوية بالدمج
رغم تعدّد المؤسسات التي تُعنى بتعليم ذوي الحاجات الخاصة وتدريبهم، فان نظام التربية الخاصة في لبنان تطوّر بمنأى عن النظام التربوي العام. وقد تقاسمت إدارته والإشراف عليه جهات وسلطات تربوية وغير تربوية، مما ساهم في تشتّت الجهود وتضارب الصلاحيّات.
الاّ ان التزام الهيئة التعليمية الثابت في المؤسسات الرسمية والخاصة بدعم عملية الانخراط وتعزيزها في المدارس العادية وتوفير الدعم اللازم للمعلمين يبقى الأساس. ومن الضروري ايضاً تجاوب جميع المدارس الخاصة والرسمية مع طلب قبول ذوي الحاجات الخاصة في النظام التعليمي العادي آخذة بعين الاعتبار الصعوبات التي يمكن ان تواجهها نتيجةً لتفاوت إمكانيّات التحصيل التعلّمي عند الولد. ولا يمكن التغلّب على هذه المشكلة الاّ بواسطة هيئة تعليمية معدّة إعداداً كافياً، ملتزمة بمبدأ الانخراط وتعزيزه.

٣- إعداد المعلمين وتدريبهم
ان الالتزام بمبدأ الدمج يطرح تحدّيات جديدة على معدّي برامج إعداد المعلمين وتدريبهم، خاصة في ما يتعلّق بتقديم خدمات متنوّعة لذوي الحاجات الخاصة. ويمكن ان يشتمل إعداد جميع المعلمين على وسائل تربوية خاصة بتعليم ذوي الحاجات الخاصة وتدريبهم على تطبيق مناهج تعليمية مخصّصة لهذه الغاية، وإتاحة الفرصة للمعلمين الراغبين التعمّق في دراسة هذا الموضوع ان يفعلوا ذلك كجزء من عملهم اليومي. بالإضافة الى ذلك ، ينبغي تنظيم ندوات متخصصة يتم فيها بحث التطور الحاصل في تعليم هؤلاء الأولاد على ضوء بعض التجارب العملية. ومن الضروري من وقت لآخر إعداد دورات تدريبيّة تشمل معلمي التربية الخاصة ومعلمي الصفوف العادية كي يتمكّنوا من تبادل الخبرات التعليمية. وينبغي ألاّ يقتصر تدريب المعلّمين على التعامل مع ذوي الحاجات الخاصة وحسب؛ إذ إنّ من مهمات المعلم أيضاً توعية الأولاد العاديين على قبول المعاق في المحيط العائلي اولاً ومن ثم في المحيط المدرسي فالاجتماعي، وعدم التفرقة في العلاقات بين تلاميذ الصف الواحد.
ومقابل هذه المسؤوليّات الجديدة الملقاة على عاتقه، من حق المعلّم ان يتوقّع الدعم المادي والمعنوي لقاء استجابته لهذا المبدأ، خاصة وان نجاح عملية الانخراط يتوقّف على استجابة المعلّم في النظام المدرسي العادي لهذا المبدأ. وهذا الدعم يمكن ترجمته من خلال مكافآت ونصائح ودورات تدريبية مستمرّة.

٤- تأهيل الأبنية المدرسية لتتلاءم مع حاجات دمج التعليم المختص
من الضروري الأخذ بعين الاعتبار تحركات ذوي الحاجات الخاصة داخل البناء المدرسي وتنفيذ التشريعات التي تحدّد مواصفات الأبنية المدرسية الملائمة لحاجات المعوقين بحيث تُؤهَّل الأبنية المذكورة لاستقبالهم وتسهيل تحرّكهم، كأن يراعى مثلاً في البناء المدرسي(1):

  • توسيع أبواب المصاعد والغرف والحمامات.
  • إزالة جميع العوائق الأرضية وجعل الأرصفة سهلة الانحدار.
  • تخصيصهم بمساحات للهو ضمن الملاعب.
  • توفير التجهيزات المدرسية المناسبة من أجلهم.

٥- تنظيم التربية المتكاملة
ينبغي ان يكون الدمج او الانخراط في مجتمع الكبار الهدف الأساسي للتربية المتكاملة. ففي الواقع ان مبررات التربية المتكاملة خلال سنوات الدراسة تكمن بالضبط في قدرتها على مساعدة التلميذ المعاق وغير المعاق على الانخراط بالمجتمع كراشد. ومهما يكن نجاح المدرسة في تلبية حاجات التلاميذ الفردية، فهي تعتبر فاشلة في مهمتها اذا لم تعدّهم الى أقصى درجة ممكنة من الاستقلالية عندما يحين موعد تخرجّهم من المدرسة وانتقالهم الى عالم العمل والحياة الاجتماعية.

٦- إعداد مناهج تربوية لذوي الإعاقات الشديدة والمتعدّدة
في حال تعذّر على الذين يتابعون دراستهم الاندماج في منهج التعليم العام، ينبغي على وزارة التربية إعداد مناهج تتناسب وقدراتهم العقلية والجسدية. ولا بد من ان تتّصف هذه المناهج بالمرونة وتأخذ بعين الاعتبار الوقت الضروري للتحصيل، بحيث ينعكس ذلك على سلّم التعليم المعمول به حالياً. كما اثبتت الدراسات ان الجهود التي تركّزت على بعض أنواع الإعاقة دون غيرها اتّسمت بالجزئية والفاعلية المحدودة.

 

ثانياً: في النتائج

ان أهم النتائج التي يمكن ان نستخلصها من التجارب والأبحاث هي ان لكل ذي حاجة خاصة الحق الكامل بالانتفاع من جميع المرافق والتسهيلات التعليمية المتوافرة للأولاد الآخرين.
وقد أصبح هذا الحق في لبنان ليس فقط مقبولاً بل شرعة تسعى وزارة التربية الى تطبيقها من خلال خطة عمل وطنية كما ذكرنا سابقاً. والمشكلة التي تواجهنا اليوم هي جعل هذا الحق واقعاً ملموساً. والتأكيد على ان من شأن كل ما نوفّره من وسائل او تدابير يفي، من جهة، بالحاجات الاجتماعية للأولاد ذوي الحاجات الخاصة ويلبّي، من جهة اخرى، حاجاتهم التعليمية الناشئة عن إعاقتهم.
لقد شهدت السنوات العشر الأخيرة تقدّماً ملموساً في معرفتنا بطريقة تعليم ذوي الحاجات الخاصة. وندرك اليوم أهمية إنماء طاقاتهم وكفاياتهم العقلية والجسدية، كما ندرك بالمقابل ان ثمة حدوداً لما يمكنهم تحقيقه. لكن ينبغي ان نولي الصعوبات التي نواجهها في تعليمهم اهتماماً أكبر من اهتمامنا بوضع حدود مسبقة لإمكانية التعلّم لديهم.
ان التجارب المعمول بها في هذا المضمار تثبت ان تعليم الأولاد ذوي الحاجات الخاصة في المدارس العادية ليس حلماً بل فعلاً واقعاً يمكن تحقيقه عندما تتوافر له  العناصر الأساسية التي تكلّمنا عنها آنفاً. ان النظام التربوي في لبنان لم يُنكر للمعاق هذا الحق. لذلك فهو ما زال قابلاً لهذا التعديل، ويمكن تطبيق مبدأ الدمج في المدارس العادية من خلال خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع التي تأخذ بعين الاعتبار المساواة وتعميم التعليم على جميع الأولاد في مختلف المناطق مع مراعاة نوعية إعاقتهم. واذا نجحنا في تحقيق ذلك نكون قد طوّرنا نظامنا التربوي، واعطينا فرصاً تعليمية لجميع أولادنا وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص من خلال
تقديم مختلف الخدمات التربوية لتعليم الأولاد المعاقين وغيرالمعاقين على السواء وبنوعيّة جيّدة.


في الختام، وبعد ان أُدرج مشروع الدمج في إطار"خطّة العمل الوطنية للتعليم للجميع"، يبقى على وزارة التربية والتعليم العالي بالتنسيق مع وزارة الشؤون الإجتماعية ان تحدّد المستلزمات المادية والتربوية والتشريعيّة لتطبيقه ولترجمة مضمونه في مدارس ومؤسسات خاصة ورسمية تطلقه الى حيّز الوجود. وهنا يمكننا الإفادة من تجارب الآخرين في هذا المضمار متخطّين كل التحدّيات التي تنتظرنا.

المراجع:
١- التعليم المختص في لبنان المركز التربوي للبحوث والانماء، د. رفيقة حمود، أ.جوزف مارون ، بيروت ١٩٨٢
٢- الصعوبات التعلّمية: طبيعتها، أبعادها وانعكاساتها التربوية. (بحث تربوي-نفسي)، الهيئة اللبنانية لمتابعة الصعوبات التعلّمية ، بيروت ١٩٩٦
٣- وضع الأطفال في لبنان لعام ٢٠٠٠ ، الاحصاء المركزي بالتعاون مع اليونيسيف، بيروت .٢٠٠٠
٤- مشروع خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع في لبنان (2004-2015)، وزارة التربية والتعليم العالي، بيروت ٢٠٠٤
٥- مرسوم رقم ٩٠٩١ ، تاريخ 2003/11/15 ، تحديد معايير ومقاييس أبنية المدارس الرسمية في التعليم العام قبل الجامعي.

المركز التربوي للبحوث والانماء
مساعد رئيسة المركز التربوي في الشؤون التربوية
د. يوسف صادر

 

كيف يتحقّق إنخراط ذوي الحاجات الخاصة ضمن نظام التعليم العام في لبنان: الواقع والمرتجى

يولي المركز التربوي للبحوث والإنماء موضوع تثقيف ذوي الحاجات الخاصة وتعليمهم وتدريبهم أهمية كبرى من خلال أبحاثه الإنمائية. وقد أصدر حتى تاريخه عدة دراسات كانت أبرزها دراسة تحت عنوان"التعليم المختص في لبنان" باشراف الدكتورة رفيقة حمود والأستاذ جوزف مارون (١٩٨٢). وهي دراسة تشخيصية لواقع التعليم المختص في لبنان مع تصنيف علمي للمعوّقين وأنواع المدارس والمراكز التي تهتم بهم. ونتيجة للدراسات التي ينفذها، يسعى المركز التربوي للبحوث والإنماء الى تطوير مشروع دمج تربية ذوي الحاجات الخاصة ضمن نظام التعليم العام في لبنان، منطلقاً من مبدأ
ديمقراطية التعليم لجميع أبناء الوطن مع الأخذ بعين الاعتبار حاجاتهم اليوميّة كمتعلّمين ومتطلباتهم الخاصة التي تنشأ نتيجة إعاقتهم، وذلك من خلال إدخالهم في "مشروع خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع في لبنان(2004-2015)" التي تسعى لتأمين فرص تعليمية لجميع أبناء الوطن والتركيز على تجديد النظام التربوي وتطويره كمّاً ونوعاً وفقاً لمتطلبات العصر وتحسين الخدمات التربوية والخدمات المساندة لذوي الحاجات الخاصة في مراحل ما قبل المدرسة، والمدرسة وما بعدها.

أولاً: كيفية دمج ذوي الحاجات الخاصة في المدارس

ان الهدف الرئيسي من انخراط ذوي الحاجات الخاصة في المدرسة يساعد على تنمية قدراتهم الجسدية والعقلية والنفسية لمتابعة الدراسة في أقرب مدرسة لبيتهم رغم كل الصعوبات التي يمكن ان يعانوا منها الى جانب أترابهم. فالتعلّم الفردي وحده لم يعد كافياً لحل المشكلة بسبب تداخل العوامل المؤثّرة على العملية التربوية، ولم يعد بالإمكان تجاهل أثر البيئة المدرسيّة على النمو الذهني للمتعلّم.
ويبقى القول إن تحقيق عملية دمج الأولاد ذوي الحاجات الخاصة في الصفوف النظامية رهن بتوافر شروط عديدة يجب ان تؤمّنها السلطات التربوية والمدارس.

أهم هذه الشروط هي:
١- وضع سياسة تربوية واضحة لذوي الحاجات الخاصة

شهد لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة تطوّراً نوعيّاً وكميّاً في البرامج التعليمية للأطفال والشباب ذوي الحاجات الخاصة. لكن على الرغم من بروز توجّهات رسميّة مشجّعة في هذا المجال، فإننا ما نزال نحتاج الى سياسة تربوية واضحة تحدد حق جميع الأولاد اللبنانيين في الانتفاع من مختلف المرافق والمناهج والتسهيلات التعليمية المتوافرة. وتترجم هذه السياسة من خلال تشريعات مفصّلة ترتكز على تطبيق مبدأ إعطاء فرص تعليمية للجميع وتعطي تعريفات إجرائية ودقيقة لفئات الإعاقة وللخدمات الخاصة المساندة التي يجب تقديمها لهم.
كما ان التزام وزارة التربية والتعليم العالي الثابت والمعلن بتأمين التعليم والرعاية لذوي الحاجات الخاصة في لبنان، كلٌ حسب قدرته ونوع إعاقته ضمن النظام التربوي العادي يعتبر القاعدة الأساسية لتحقيق الدمج المرتجى. وفي غياب هذا التعهّد من قبل وزارة التربية، يُخشى الاّ يعطى تعليم ذوي الحاجات الخاصة الرعاية الكافية في لبنان لتلقّي خدمات تربوية متكاملة ومناسبة لحاجاتهم.

٢- التزام المؤسسات التربوية بالدمج
رغم تعدّد المؤسسات التي تُعنى بتعليم ذوي الحاجات الخاصة وتدريبهم، فان نظام التربية الخاصة في لبنان تطوّر بمنأى عن النظام التربوي العام. وقد تقاسمت إدارته والإشراف عليه جهات وسلطات تربوية وغير تربوية، مما ساهم في تشتّت الجهود وتضارب الصلاحيّات.
الاّ ان التزام الهيئة التعليمية الثابت في المؤسسات الرسمية والخاصة بدعم عملية الانخراط وتعزيزها في المدارس العادية وتوفير الدعم اللازم للمعلمين يبقى الأساس. ومن الضروري ايضاً تجاوب جميع المدارس الخاصة والرسمية مع طلب قبول ذوي الحاجات الخاصة في النظام التعليمي العادي آخذة بعين الاعتبار الصعوبات التي يمكن ان تواجهها نتيجةً لتفاوت إمكانيّات التحصيل التعلّمي عند الولد. ولا يمكن التغلّب على هذه المشكلة الاّ بواسطة هيئة تعليمية معدّة إعداداً كافياً، ملتزمة بمبدأ الانخراط وتعزيزه.

٣- إعداد المعلمين وتدريبهم
ان الالتزام بمبدأ الدمج يطرح تحدّيات جديدة على معدّي برامج إعداد المعلمين وتدريبهم، خاصة في ما يتعلّق بتقديم خدمات متنوّعة لذوي الحاجات الخاصة. ويمكن ان يشتمل إعداد جميع المعلمين على وسائل تربوية خاصة بتعليم ذوي الحاجات الخاصة وتدريبهم على تطبيق مناهج تعليمية مخصّصة لهذه الغاية، وإتاحة الفرصة للمعلمين الراغبين التعمّق في دراسة هذا الموضوع ان يفعلوا ذلك كجزء من عملهم اليومي. بالإضافة الى ذلك ، ينبغي تنظيم ندوات متخصصة يتم فيها بحث التطور الحاصل في تعليم هؤلاء الأولاد على ضوء بعض التجارب العملية. ومن الضروري من وقت لآخر إعداد دورات تدريبيّة تشمل معلمي التربية الخاصة ومعلمي الصفوف العادية كي يتمكّنوا من تبادل الخبرات التعليمية. وينبغي ألاّ يقتصر تدريب المعلّمين على التعامل مع ذوي الحاجات الخاصة وحسب؛ إذ إنّ من مهمات المعلم أيضاً توعية الأولاد العاديين على قبول المعاق في المحيط العائلي اولاً ومن ثم في المحيط المدرسي فالاجتماعي، وعدم التفرقة في العلاقات بين تلاميذ الصف الواحد.
ومقابل هذه المسؤوليّات الجديدة الملقاة على عاتقه، من حق المعلّم ان يتوقّع الدعم المادي والمعنوي لقاء استجابته لهذا المبدأ، خاصة وان نجاح عملية الانخراط يتوقّف على استجابة المعلّم في النظام المدرسي العادي لهذا المبدأ. وهذا الدعم يمكن ترجمته من خلال مكافآت ونصائح ودورات تدريبية مستمرّة.

٤- تأهيل الأبنية المدرسية لتتلاءم مع حاجات دمج التعليم المختص
من الضروري الأخذ بعين الاعتبار تحركات ذوي الحاجات الخاصة داخل البناء المدرسي وتنفيذ التشريعات التي تحدّد مواصفات الأبنية المدرسية الملائمة لحاجات المعوقين بحيث تُؤهَّل الأبنية المذكورة لاستقبالهم وتسهيل تحرّكهم، كأن يراعى مثلاً في البناء المدرسي(1):

  • توسيع أبواب المصاعد والغرف والحمامات.
  • إزالة جميع العوائق الأرضية وجعل الأرصفة سهلة الانحدار.
  • تخصيصهم بمساحات للهو ضمن الملاعب.
  • توفير التجهيزات المدرسية المناسبة من أجلهم.

٥- تنظيم التربية المتكاملة
ينبغي ان يكون الدمج او الانخراط في مجتمع الكبار الهدف الأساسي للتربية المتكاملة. ففي الواقع ان مبررات التربية المتكاملة خلال سنوات الدراسة تكمن بالضبط في قدرتها على مساعدة التلميذ المعاق وغير المعاق على الانخراط بالمجتمع كراشد. ومهما يكن نجاح المدرسة في تلبية حاجات التلاميذ الفردية، فهي تعتبر فاشلة في مهمتها اذا لم تعدّهم الى أقصى درجة ممكنة من الاستقلالية عندما يحين موعد تخرجّهم من المدرسة وانتقالهم الى عالم العمل والحياة الاجتماعية.

٦- إعداد مناهج تربوية لذوي الإعاقات الشديدة والمتعدّدة
في حال تعذّر على الذين يتابعون دراستهم الاندماج في منهج التعليم العام، ينبغي على وزارة التربية إعداد مناهج تتناسب وقدراتهم العقلية والجسدية. ولا بد من ان تتّصف هذه المناهج بالمرونة وتأخذ بعين الاعتبار الوقت الضروري للتحصيل، بحيث ينعكس ذلك على سلّم التعليم المعمول به حالياً. كما اثبتت الدراسات ان الجهود التي تركّزت على بعض أنواع الإعاقة دون غيرها اتّسمت بالجزئية والفاعلية المحدودة.

 

ثانياً: في النتائج

ان أهم النتائج التي يمكن ان نستخلصها من التجارب والأبحاث هي ان لكل ذي حاجة خاصة الحق الكامل بالانتفاع من جميع المرافق والتسهيلات التعليمية المتوافرة للأولاد الآخرين.
وقد أصبح هذا الحق في لبنان ليس فقط مقبولاً بل شرعة تسعى وزارة التربية الى تطبيقها من خلال خطة عمل وطنية كما ذكرنا سابقاً. والمشكلة التي تواجهنا اليوم هي جعل هذا الحق واقعاً ملموساً. والتأكيد على ان من شأن كل ما نوفّره من وسائل او تدابير يفي، من جهة، بالحاجات الاجتماعية للأولاد ذوي الحاجات الخاصة ويلبّي، من جهة اخرى، حاجاتهم التعليمية الناشئة عن إعاقتهم.
لقد شهدت السنوات العشر الأخيرة تقدّماً ملموساً في معرفتنا بطريقة تعليم ذوي الحاجات الخاصة. وندرك اليوم أهمية إنماء طاقاتهم وكفاياتهم العقلية والجسدية، كما ندرك بالمقابل ان ثمة حدوداً لما يمكنهم تحقيقه. لكن ينبغي ان نولي الصعوبات التي نواجهها في تعليمهم اهتماماً أكبر من اهتمامنا بوضع حدود مسبقة لإمكانية التعلّم لديهم.
ان التجارب المعمول بها في هذا المضمار تثبت ان تعليم الأولاد ذوي الحاجات الخاصة في المدارس العادية ليس حلماً بل فعلاً واقعاً يمكن تحقيقه عندما تتوافر له  العناصر الأساسية التي تكلّمنا عنها آنفاً. ان النظام التربوي في لبنان لم يُنكر للمعاق هذا الحق. لذلك فهو ما زال قابلاً لهذا التعديل، ويمكن تطبيق مبدأ الدمج في المدارس العادية من خلال خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع التي تأخذ بعين الاعتبار المساواة وتعميم التعليم على جميع الأولاد في مختلف المناطق مع مراعاة نوعية إعاقتهم. واذا نجحنا في تحقيق ذلك نكون قد طوّرنا نظامنا التربوي، واعطينا فرصاً تعليمية لجميع أولادنا وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص من خلال
تقديم مختلف الخدمات التربوية لتعليم الأولاد المعاقين وغيرالمعاقين على السواء وبنوعيّة جيّدة.


في الختام، وبعد ان أُدرج مشروع الدمج في إطار"خطّة العمل الوطنية للتعليم للجميع"، يبقى على وزارة التربية والتعليم العالي بالتنسيق مع وزارة الشؤون الإجتماعية ان تحدّد المستلزمات المادية والتربوية والتشريعيّة لتطبيقه ولترجمة مضمونه في مدارس ومؤسسات خاصة ورسمية تطلقه الى حيّز الوجود. وهنا يمكننا الإفادة من تجارب الآخرين في هذا المضمار متخطّين كل التحدّيات التي تنتظرنا.

المراجع:
١- التعليم المختص في لبنان المركز التربوي للبحوث والانماء، د. رفيقة حمود، أ.جوزف مارون ، بيروت ١٩٨٢
٢- الصعوبات التعلّمية: طبيعتها، أبعادها وانعكاساتها التربوية. (بحث تربوي-نفسي)، الهيئة اللبنانية لمتابعة الصعوبات التعلّمية ، بيروت ١٩٩٦
٣- وضع الأطفال في لبنان لعام ٢٠٠٠ ، الاحصاء المركزي بالتعاون مع اليونيسيف، بيروت .٢٠٠٠
٤- مشروع خطة العمل الوطنية للتعليم للجميع في لبنان (2004-2015)، وزارة التربية والتعليم العالي، بيروت ٢٠٠٤
٥- مرسوم رقم ٩٠٩١ ، تاريخ 2003/11/15 ، تحديد معايير ومقاييس أبنية المدارس الرسمية في التعليم العام قبل الجامعي.

المركز التربوي للبحوث والانماء
مساعد رئيسة المركز التربوي في الشؤون التربوية
د. يوسف صادر