الأدوار النفسية والتربوية للأسرة والمدرسة والإساءة الى الأطفال

د.مريم داود سليم استاذة في كلية التربية الجامعة اللبنانية

يلاحظ من خلال الإتصال المستمر بين القيّمين على الشأن التربوي من جهة والمعلمين من جهة أخرى أن المشكلات التي يناقشها الأهل والمعلمون ما هي إلا نتيجة طريقة خاطئة ينتهجها الوالدان والمدرسون. وأن المشكلات الأساسية التي يعاني منها التلاميذ ناتجة عن اضطرابات معينة مثل العناد أو انعدلم الثقة بالنفس أو الرسوب المدرسي أو الكذب.... ألخ

نتناول في هذا البحث موضوع أدوار الأسرة والمدرسة والاساءة الى الأطفال مع الإشارة الى أن هذه الإساءة غير متعمّدة في الغالب... فالإساءة الى الأطفال لا تقتصر على الضرب أو الاهانة او الاساءة الجنسية فقط، بل تكمن ايضاً في عدم معرفتنا بحاجات الأطفال في المراحل النمائية المختلفة. إذ لا تزال اساليب الاساءة القاسية متداولة في مجتمعاتنا حيث يعتبر الضرب احدى أدوات التربية التي يستخدمها الوالدان والمدرسون على حد سواء.

ففي إحد اللقاءات مع أولياء أمور تلاميذ المرحلتين الاعدادية والثانوية سأل أحد أولياء الأمور أثناء مناقشة موضوع الضرب، كيف تريدوننا أن نربي أولادنا اذا لم نضربهم؟. في لقاء آخر مع أولياء أمور تلاميذ رياض الاطفال، شكت أم من أن ابنها يضرب رفاقه، وان المعلمات يشكين من ذلك، وأنها تضربه حتى يكف عن ضرب رفاقه، فكان الجواب: حاولي أن تمتنعي عن ضربه لعله يتوقف هو نفسه عن ضرب الآخرين.

وفي مواقف مماثلة عندما كنا نقول: ممنوع مقارنة الطفل بالآخرين، كنا نواجَه برفض ذلك، وحجة الاهل والمعلمين انهم يفعلون هذا من اجل تشجيعه ودفعه، فيما يعتبر علم النفس أن مقارنة الطفل بآخرين هي اساءة اليه، وعندما كنا نقول بعدم التشهير بالطفل والكلام عن مساوئه امام الآخرين، كنا نواجه برفض الاهل ايضاً وحجتهم هذه المرّة انهم يفعلون ذلك من اجل ان يقلع الطفل عن الامور السيئة. وإذا أردنا أن نسترسل فإن الامثلة كثيرة، لكننا نستشهد بمثل أخير، فعندما يخبرنا الأهل بمشكلات يعاني منها أطفالهم، وخلال سرد المشكلة نعتقد بأن الطفل في الرابعة أو الخامسة من العمر، وعندما نستفسر عن عمره نفاجأ بأنه في التاسعة او العاشرة منه. لذلك نستطيع القول إن أطفالنا في غالبيتهم ليس لديهم ما نسميه الانضباط الذاتي، ونحن نعرف بأن الأطفال في الطفولة الوسطى والمتأخرة أي بين ٦ و١٢ سنة يحرصون على إعطاء صورة جيدة عنهم، ويكون الحس الأخلاقي والخضوع للقانون قد تتطورا عندهم، ولكن لماذا لا نجد هذا عند اطفالنا. وهذا ما يشكو منه المدرسون والمدارس ايضاً أي الانضباط الذاتي في الصف كما في الملعب.صورة لاولاد مع تعليق: اولادنا امانة في اعناقنا

من أجل هذه الأمور وغيرها أيضاً نتكلم على "أدوار الأسرة والمدرسة والإساءة الى الأطفال" اذ أننا بحاجة الى نشر الثقافة التربوية والنفسية بين الجميع خصوصاً بين الآباء والأمهات، فلا الأبوة ولا الأمومة وظائف بيولوجية بل هي وظائف بيولوجية تحتاج الى اعداد. وسنتناول في ما يأتي حاجات الأطفال في المراحل النمائية المختلفة:

 

أدوار الأسرة النفسية والتربوية

حاجات الطفل من المرحلة الجنينية الى المراهقة

إن إنجاب الطفل في يومنا هذا يتعلق بقرار الزوجين برغبتهما، حتى انهما وبنتيجة التقدم الطبي الكبير يستطيعان أن يحددا جنس الجنين. وقد اسهمت في هذا التطور علوم عديدة منها البيولوجيا والفيزيولوجيا الحديثة وعلم النفس والايتولوجيا (علم دراسة العادات) ولقد اهتم علماء النفس بدراسة الكائن البشري منذ تكونه وليس منذ ميلاده، أي طيلة التسعة أشهر من الحمل (من الإخصاب إلى الميلاد) وتؤكد الأبحاث على نشاط الحواس في الشهر السابع. حيث تلاحظ الحامل أن الجنين يتأثر بالضجيج وبالموسيقى أو ببعض العوامل الخارجية، كما بينت الأبحاث الفرنسية أن الأجنة يستسيغون موسيقى موزار ويضطربون لموسيقى بيتهوفن وبرامس.

ويستطيع الجنين في الشهر السابع أن يسمع صوت الأم أو صوت الأب والأخوة والأخوات. وفي إحدى التجارب تبيّن أن الأب الذي يقول للجنين بعض الكلمات وإذا رددها له بعد الولادة فإنها تؤدي إلى حالة من الهدوء اذا كان الجنين باكياً او مضطرباً.

ولا بد هنا من الكلام ايضاً عن الوراثة والأمراض الوراثية، إضافة إلى أهمية العوامل البيئية من غذاء الأم الحامل وامتناعها عن التدخين، ذلك أن الأبحاث بيّنت أن الطفل الذي دخنت أمه أثناء حملها به يعاني من نقص الانتباه عندما يذهب إلى المدرسة. إضافة الى خطورة إدمان الكحول لدى الحامل ذلك أن الجنين يكون صغير الرأس بالإضافة الى إمكانية اصابته بالعته العقلي وضعف البنية وانعدام مقاومة الأمراض.  

 الجنين يسمع صوت الام والأب والاختإن المرأة غير السعيدة تتحمل أعباء الحمل بصعوبة أكبر من المرأة السعيدة التي تعيش في جو من الانسجام والتفاهم. ويصاحب الإتجاه السلبي نحو الحمل الغثيان ويميز هذه الاصوات بعد الولادةوالتقيؤ. وكذلك فإن الإنفعالات النفسية عند الأم الحامل تؤثر بصورة مباشرة على الجنين اذ تؤدي الى إفراز هرمونات تصل عبر المشيمة اليه وتؤثر على إفراز الهرمونات في غدده. وبعض الأجنة تظهر تزايداً في حركتها عند تعرض الأم لانفعالات نفسية.  

ومن المهم أن نذكر ان للناس المحيطين بالحامل تأثيراً كبيراً على حالتها النفسية وخصوصاً الزوج، ذلك ان سوء التوافق مع الحمل. والحمل والولادة ليسا من أمور المرأة وحدها، فدورالزوج ''الأب'' أساسي بالنسبة للأم وكذلك بالنسبة للطفل. والأبوة وظيفة يجب ان يتعلمها الرجل وهي تبدأ قبل الولادة وتستمر خلال تربية الطفل. ومن المهم ان نذكر ان للبيئة التي تعيش فيها الحامل تأثيراً كبيراً على الجنين، ذلك ان الاجهاد النفسي والذهني والجسمي يؤثر على نمو الجنين وتطوره بسبب إفراز هرمونات تؤثر على جسمه، وقد أثبتت الدراسات أن نتائج الإجهاد تظهر لاحقاً عند الأطفال من خلال أدائهم الدراسي المتدني، ذلك ان اختلاف معاملة الامهات اثناء الحمل ينتج عنه اختلاف في تصرفات الأطفال بعد الولادة، كما ثبت ان الأطفال حتى سن الثلاثة اشهر ينتابهم الخوف اذا كانت امهاتهم قد تعرضن اثناء الحمل لحوادث مخيفة. ويولد بعض الأطفال قبل اكتمال ٣٧ أسبوعاً وهناك أسباب لولادة الطفل الخديج (الذي يولد قبل اتمام ٩ أشهر)، منها:

  1. أمراض ومشاكل في الجهاز التناسلي للأم.
  2. مشاكل صحية عند الأم الحامل مثل سوء التغذية والإجهادالنفسي والإرهاق.
  3. الإضطرابات النفسية عند الحامل.

وكل طفل يولد خديجاً يكون  معرضاً للخطر كلما كانت مدة الحمل أقل. ويكون الطفل في هذه الحالة ناقص الوزن مما يزيد احتمال تعرضه لخلل عصبي. وقد يلاحظ عند هؤلاء الأطفال صعوبات من الناحية الكلامية ونقص في التآزر الحركي ونقص أو زيادة في النشاط وصعوبات في ضبط عمليات الإخراج مع صعوبات اجتماعية وانفعالية، مما يؤدي إلى شدة القابلية للتشتت وعدم التركيز.

وفي دراسة نشرتها مجلة ''لانست'' قال أطباء إن الأطفال الذين ولدوا قبل أكثر من خمسة أسابيع من اكتمال فترة النمو يصبحون أكثر عرضة لمواجهة صعوبة القراءة ومشكلات سلوكية في مرحلة المراهقة. وقد أجرت الدراسة الطبيبة آن ستيوارت وزملاؤها من جامعة لندن على ٧٢ مراهقاً ولدوا قبل الآوان و ١٥ مراهقاً ولدوا بعد اكتمال فترة الحمل. خضع خلالها المراهقون لسلسلة من اختبارات التعلم والسلوك لتحديد مدى تأثير الولادة السابقة لأوانها على تركيب المخ والقدرة على التعلم. وأظهرت الدراسة ان المراهقين الذين ولدوا قبل اكتمال نموهم أكثر عرضة ١٢ مرة من غيرهم من الشباب الجنين يسمع صوت الام والأب والاخت. ويميز هذه الاصوات بعد الولادة. لان تكون الاشاعات المقطعية على مخهم غير طبيعية كما أنهم يجدون صعوبة أكبر في التعلم وتكون درجاتهم في القراءة ضعيفة. وأشارت ستيورات وفريقها إلى ان أكبر اختلاف أظهرته الإشاعات المقطعية بين تركيب دماغ المجموعتين كان الجزء الذي ينقل الإشارات الى الحبل الشوكي. كما وتؤثر المحاولات المتكررة الفاشلة للإجهاض تأثيراً خطيراً على نمو الجنين.

ولا تزال المرأة العربية تواجه الكثير من المشكلات والهموم حين يتعلق الأمر بالحمل والولادة، منها ما هو متعلق بالعادات والتقاليد والقيّم السائدة وموقف الرجل. ومنها ما يتعلق بوضع المرأة نفسها كعاملة تنشد الإنجاز وتحقيق الذات في ميدان العمل، والصراعات التي تمر بها وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية التي تزخر بالتناقضات. ويزيد من أهمية الموضوع ازدياد أعداد النساء العاملات، سواء لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو ذاتية. ولكن تبقى"الأمومة" كمفهوم وشعور نقطة انطلاق الى مواضيع أخرى عديدة.

ومن العادات التي تؤثر على أوضاع المرأة الحامل وصحتها بعد الوضع، انه يتم حرمانها من شرب الماء أو العصير أو أكل الحمضيات بداعي أنها تؤثر على صحتها ولياقتها الجسدية، وقد أدى ذلك في حالات ليست بالنادرة الى إصابة بعض النساء بالفشل الكلوي. ونحن نعلم ان عدم شرب المرأة للسوائل بعد الوضع يؤثر على قدرتها على الإرضاع. يتبين لنا مما تقدم مقدار الإساءة الى الطفل في حال عدم مراعاة حاجات هذه المرحلة ومتطلباتها.

الحاجات في الطفولة الأولى

يمكن فهم خصائص النمو النفسي للأطفال في هذه المرحلة من خلال إشباع حاجاته الأساسية: حاجته الى الراحة والاستقرار والثبات في البيئة المحيطة به، حاجته الى التعلق ودفء العاطفة والحنان العلاقة مع الام والشعور بالأمانوالرعاية، هذا الى جانب أن إحساس الطفل بالثقة وباشباع حاجاته ما هو في الواقع الاّحالة انفعالية تساعده على التوحد مع العالم، بمعنى ان الجو الذي يشيع الثقة بين الطفل ومن حوله من أفراد أسرته يدعم الجهود التي يقوم بها لكي ينجز واجبات النمو في هذه الفترة. ولذلك فإن دور الوالدين في هذه المرحلة يتحدد بالفورية والثبات، أي بالاستجابة لمؤثرات التوتر التي تصدر عن الطفل وذلك بهدف إزالة هذا التوتر. ''فقد ثبت أن الطفل الذي لم تكن أمه تستجيب لحاجاته بشكل فوري في الأشهر الأولى من حياته، يميل بعد ذلك إلى أن يصبح سريع الغضب والإهتياج وأقل  طاعة لأوامر أمه ونواهيها عندما يكبر(1).

إن نوع نسيج الوعي عند المولود الجديد وصلابته يتعلقان بمحيطه وخصوصاً بالأم حضوراً وحرارة وحناناً، فالتجربة الناشئة عن الاحتكاك اليومي معها سوف تترك آثارها على شخصيته كلها، والأسابيع الأولى من حياة الطفل بالغة الأهمية اذ تشهد عقد الروابط بين الطفل والأم، روابط سوف يكون لها تأثير على شخصيته ومستقبله، ذلك ان توازن الإنسان البالغ تشكل خلال طفولته، وأساس التوازن تقيّمه الأم منذ الأسابيع الأولى من حياة، الطفل حسب سبيتز(2) فالطفل في هذه المرحلة يختزن كل ما يعيشه من مستحب ومكروه، من إشباعات وخيبات أمل وتجارب سارة ومحزنة ومحاولات ناجحة وفاشلة.  

تلعب العلاقة الأولى مع الأم دوراً أساسياً في بناء الشخصية العاطفية والاجتماعية والصحة العقلية للفرد. وتعطي ميلاني كلاين (3) أهمية كبيرة وأساسية لعلاقة الطفل بأمه، فالنمو لا يمكن أن يحدث النمو السليم في كنف العائلةبطريقة سليمة اذا لم تتجذر صورة الأم مع الأنا في أمان، هذه العلاقة بثدي الأم أو ما يحل محله أو الأم على الأصح، هذه العلاقة الجسدية والنفسية لا تؤدي إلى النمو الصحيح اذا لم تحصل الأشياء بشكل جيد. والكثير من الاطفال الذين يحرمون من الأم أو يوضعون في مؤسسات رعائية ولا يكون لهم علاقة مباشرة بالأم يعانون من مشكلات نمائية أقلها التأخر الدراسي والتأخر في نمو الذكاء ومنهم من يموت جوعاً برفضهم الطعام وكل هذا بسبب الحرمان العاطفي. وفي دراسة قمنا بها في مؤسسات رعائية في لبنان تناولت مئة تلميذ حول "نمو الذكاء" وطبقنا فيها اختبارات بياجية المتعلقة بتصور العالم عند الطفل، تبين لنا أن أطفال هذهالنمو السليم في كنف العائلة. العلاقة مع الام والشعور بالأمان. المؤسسات قد تأخر لديهم تكوّن هذه المفاهيم (مفاهيم تصورالعالم) ثلاث سنوات عن الأطفال الذي يعيشون في أسرهم. ولعلنا هنا نقول بأن وجود الأطفال في هكذا مؤسسات هو مننوع الاساءة إليهم، وقد ألغيت هذه المؤسسات في الكثير منحيث (sos) بلدان العالم وتمّ استبدالها بالأسر أو بقرى الأطفال الأطفال في عائلات ترعاها من تقوم مقام الأم وتقدم الدعم والرعاية لكل طفل.

في الحرمان من الحركة اساءة الى نمو الطفلفي نهاية السنة الثانية يستطيع الطفل أن يمشي وهوأقل اعتماداً على الآخرين في تحركاته، ويستخدم يديه بمهارة، ويعود هذا التقدم إلى نمو الجهاز العصبي والعضلي. ويختلف الأطفال في ما بينهم بالنسبة لقضايا المشي والنظافة والكلام، وليس مهماً متى تحصل هذه الأمور، ولكن من المهم أن تحصل في الفترة التي تسمى"الفترة الحرجة" التي هي بين ١٢ و ١٨ شهراً، وخلال هذه الفترة لا نستطيع أن نتكلم عن تأخر في النمو أو تقدمه.  ومن السنة الى ال ١٨ شهراً يستطيع الطفل أن يأكل بمفرده. ونعتقد أنه يقع في باب الاساءة الى الطفل في هذه السن عدم السماح له بالحركة والتنقل وعدم تشجيعه على القيام بذلك وحمله طوال الوقت، خصوصاً في الأسر التي تتوافر فيها الخادمات، حيث يطلب الى الخادمة حمل الطفل وفي هذا الأمر إساءة إلى نموه الحسي - الحركي. كما اننا يجب أن نترك الطفل يأكل بمفرده، فنضعه في كرسيه ونضع تحته جرائد أو أوراقاً، لانه بإطعام نفسه سوف يشعر بسعادة وسوف تزداد ثقته بنفسه، لأن إطعام الذات في هذه المرحلة يعتبر من الإنجازات، والجميع يعرف أن الإنجاز يعزز الثقة بالنفس. كما ان عدم توفير الألعاب للطفل من مكعبات وحتى أشياء من المنزل، وعدم توفير كرة له، وعدم السماح بخلع ملابسه بنفسه، وأن نقوم نحن باطعامه، فهذه كلها أمور تسيء الى الطفل وتجعله غير مستقل، ذلك ان الطفل في هذه المرحلة يحب الالعاب التي تتضمن تخبئة الأشياء، وفي هذا النوع تمرين عاطفي وذهني ايضاً حيث يتغلب الطفل على صعوبات الانفصال المؤقت عن الأم.

كما يجب أن نؤمن للطفل دراجة بثلاثة دواليب، وأن نضع بين يديه كتباً يتصفحها، وأن نؤمن له أوراقاً وأقلاماً لأنه يحب الرسم. كما يجب أن نروي له القصص بما لها من تأثير على نموه العقلي واللغوي، بالإضافة الى كونها تساعد الطفل على حل أزماته العاطفية وتعمل على تمتين العلاقة بينه وبين والديه (4) .

الانفصال المؤقت عن الأمفي عمر السنتين يستطيع الطفل أن يكون نظيفاً من خلال ضبط البول والإخراج بسبب النضج العصبي والعاطفي، ذلك أنه حتى يستطيع ضبط عمليتي البول والإخراج فإن عضلات المبولة والمخرج يجب أن تكون قوية. من هنا فإن الإساءة الى الطفل قد تتمثل في حثه على تعلم النظافة قبل النضج العصبي والعضلي اللازمين لذلك، ما يؤدي الى شعوره بالعجز عن تحقيق ما يريده منه والداه. وينطبق الأمر نفسه اذا أهمل الطفل ولم يتم تعليمه النظافة في الوقت المناسب.

ومن أجل اكتشاف الذات وتوكيد الأنا يمر الطفل بأزمات وصعوبات، وهو يمر من دون سبب بين قول "نعم" وقول "لا" أي بين الحاجة إلى الأمان والحاجة إلى الاستقلال، وهو بحاجة إلى معايير تساعده على الخروج من هذه التناقضات.

وتعتبر إساءة إلى الطفل، اذا حاولنا فرض أمور عليه وعدم إعطائه بدائل وعدم شرح المواقف له ومناقشته لنساعده على بناء شخصيته. وفي مواقف عديدة نرى أن الأهل يحاولون إثارة غضب الطفل بشكل مفتعل ويهزؤون من ثورة غضبه.

ويحقق الطفل بين السنتين والسنتين والنصف تقدماً في المجال اللغوي وتصبح جمله واضحة ومفهومه من الآخرين، ويفهم معاني الكثير من الكلمات. من هنا فإن من واجب الوالدين محادثة الطفل وقراءة الكتب له. واذا كان يخطئ في لفظ بعض الأحرف فيجب عدم إجباره على اللفظ الصحيح لان الأمر يتعلق بالنضج العصبي للمناطق المتعلقة بالنطق. وعلى الوالدين في هذه الحالة ترداد الكلمة امامه بلفظ صحيح وهذا كاف ليتمكن الطفل من لفظها صحيحة عندما يصبح قادراً على ذلك.

والطفل بين السنتين والنصف والثلاث سنوات يفضل اللعب بمفرده، إلا أنه يستطيع التحاور مع الآخرين الذين هم في سنه واللعب معهم والعيش معاً في عالم الخيال. ويدرك الانفصال المؤقت عن الأم. في الحرمان من الحركة اساءة الى نمو الطفل الطفل في هذه المرحلة هويته الجنسية فتختلف العابه ويختلف سلوكه تبعاً لهذه الهوية. ومن هنا نعتبر انه من الإساءة الى الطفل منعه من الاختلاط مع أطفال في سنه وكذلك عدم العمل على جعله يدرك هويته الجنسية التي يهملها بعض الأباء ما قد يؤدي الى وقوع الطفل في اضطرابات في المستقبل.

استخدام الطفل ليديه اليد اليمنى ام اليد اليسرى

تقول النظريات ان الذي يحدد أياً من اليدين يستخدم الطفل هو نوع السيطرة المخية الأصلية لديه؛ فسيطرة الجانب الايمن من المخ تفضي الى العسر والعكس صحيح. وان ضغط الأهل على الطفل كي يستخدم يده اليمنى له نتائج ضارة على النطق والانفعالات كأن يصبح الطفل متأتئاً.

النمو الإجتماعي

إن الحياة بالنسبة لطفل في هذه المرحلة ما هي الا لوحات متمحورة حول شخصية الأم، وهذه اللوحات تمنح الطفل الطمأنينة وتسمح له أن يجد ذاته، لذلك اذا كانت هذه اللوحات مشوشة وكانت العادات متغيرة باستمرار يضيع الطفل ويفقد اتجاهه. المهم في تفاعلات الرضيع مع من يقوم على رعايته هو ما يجده من ثبات. فعندما يحس الطفل بثبات الأب وانه يمكنه الاعتماد عليه ينمو لديه إحساس بالثقة في هذا الأب والبديل عن ذلك هو فقدان الثقة، أي الشعور بعدم التوقع أو عدم إمكانية الإعتماد عليه أو انه يمكنه ألا يكون موجوداً عندما يحتاج الطفل اليه. وعندما يتعلم الطفل الثقة في من يرعاه فإن ذلك ينعكس على سلوكه. ويقول أريكسون إن علاقة الثقة في الأم تظهر عندما يكون الطفل مستعداً لتقبل ترك الأم عند رؤيتها دون أن يظهر القلق والغضب، ترك الطفل مؤقتاً يعزز ثقته بنفسه.ذلك انه اذا كان الأباء ممن يعتمد عليهم فان الاطفال يحتملون غيابهم، أما لو كانوا ممن لا يعتمد عليهم فإن الأطفال لا يستطيعون ان يتركوهم ليذهبوا بعيداً عنهم. وتعتمد الثقة ايضاً في أن يكون لدى الآباء الثقة في ما يفعلونه، وأن يعبروا للطفل ان هناك معنى في ما يفعلونه، وهكذا فمن المهم أن يشعر الأهل بالثقة كي لا يشعر الرضيع بالقلق.  ويتصل نمو الطفل الاجتماعي اتصالاً وثيقاً بنموه الجسدي والعقلي والعاطفي، فعندما يولد الطفل في بيئة ترغب فيه وبين أناس يحبونه ويقبلون على مداعبته، يألف الناس ويقبل عليهم ويستمتع بصحبتهم، مما يمهد السبيل لنموه الاجتماعي وسهولة إقامة العلاقات بالغير. كذلك فإن صحة الطفل الجيدة والعناية بملبسه ومظهره ذات تأثير كبير في إقبال الناس عليه، أما الطفل ضعيف البنية والذي لا يتمتع بحسن المظهر فانه يعزل عن الناس مما يقلل من فرص نموه الاجتماعي وإقبال الناس عليه. ويحتاج الطفل منذ الشهر الرابع الى بقاء الناس معه، يبكي لاستدعائهم ويبتسم عندما يداعبونه ويهتمون به. لذلك فإن ترك الطفل مع الخدم وعدم الاهتمام به من قبل الأم والأب بصورة مباشرة يقلل من فرص نموه الاجتماعي ويعتبر هذا الأمر إساءة اليه. وتدل أبحاث فينكوت ودولتو وسبيتز على أهمية العلاقة بين الأم وبين الطفل. وقد وجد سبيتز نوعاً من الإنهيار العصبي عند بعض الاطفال المحرومين عاطفة الام وتدل الدراسات العيادية أن الاسرة المضطربة تنتج أطفالاً مضطربين. وان الكثير من اضطراب الطفل ما هو الا أحد أعراض اضطراب الأسرة المتمثل في الظروف الصعبة وأخطاء التربية والتنشئة الاجتماعية.

النمو المعرفي

الروضة - الانطلاق الى العالم الخارجيان التفاعل الذي تتخذ فيه الام موقفاً ايجابياً فعالاً في حياة الطفل لا يقتصر على مجرد الاستجابة لحاجاته فقط، بل يتعداه الى المبادأة في استثارته اجتماعياً وانفعالياً ومعرفياً وذلك من خلال الإتصال بالطفل من حيث احتضانه والتحدث اليه ومداعبته ومشاركته اللعب وسماعه للموسيقى. لهذا ينبغي على الوالدين تشكيل البيئة المادية للطفل بحيث تتناسب ومستوى نموه، أي أن يأخذ الوالدان بعين الاعتبار حاجات الطفل عند إعطائه المواقف والمثيرات وتحديد ما هو مناسب للطفل من حيث تنوع الخبرات التي يتعرض لها، وأن يقوما بتغيير البيئة بما يتناسب ونمو مهارات الطفل المختلفة، فالوالدان اللذان يهيئان لأطفالهما فرصة التشجيع على الإطلاع والاستكشاف والمعرفة، إنما يهيئان لهم فرصة للشعور بالسعادة والنجاح التفوق. والوالدان اللذان لا يفعلان ذلك يسيئان إلى أطفالهما.

متطلبات وحاجات النمو في الطفولة المبكرة

اولاً: متطلبات النمو الجسدي:

  1. الأطفال في الطفولة المبكرة نشيطون ويستمتعون بالنشاط لأجل النشاط ذاته ويستطيعون التحكم في أجسامهم. وهذه الخاصية تتطلب من مناهج الروضة ومن الوالدين إتاحة الفرص الكثيرة والمتنوعة لهم للحركة والجري والتسلق والقفز. على أن تنظم هذه الاداءات الحركية بتوجيه وضبط. كما يتوجب على الوالدين تعليمهم مهارات حركية منظمة ومفيدة مثل السباحة وركوب الدراجات واللعب في الهواء الطلق. وغالباً ما يشكو الأهل من كثرة حركة هؤلاء الأطفال ويطلبون منهم أن يكونوا هادئين كالكبار وهذا أمر مجحف بالنسبة اليهم. كما ان الطفل الذي لا يتحرك كثيراً يجب أن يثير قلق الوالدين والمدرسة معاً.
  2. يحتاج الطفل بسبب تفجر النشاط عنده ونزعته الى العنف احياناً الى تنظيم فترات من الراحة من وقت لآخر، لذلك يجب أن يتضمن المنهج جدولاً بالأنشطة الهادئة بعد الأنشطة العنيفة وتوجيهاً لنشاط الأطفال كي لا تتحول الاستثارة المصاحبة للنشاط الحركي إلى توتر وصخب وشغب.
  3. لما كانت العضلات الكبيرة عند هؤلاء الاطفال أكثر نضجاً من العضلات الصغيرة التي تمكنهم من التحكم بالاصابع واليدين، لذلك يجب تأمين أدوات كبيرة للنشاط والأداء كالفرشاة وأدوات التلوين وأدوات اللعب ذات الحجم الكبير.
  4. يجد الأطفال في هذه السن صعوبة كبيرة في تركيز أبصارهم على الأشياء الصغيرة، ولهذا، فإن التناسق بين حركة اليد والعين ربما يكون ناقصاً. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نطبع كتب الأطفال بحروف ورسوم وخطوط كبيرة الحجم وان نقلل قدر الإمكان من الأنشطة التي تتطلب النظر الى أشياء صغيرة.
  5. بالرغم من ان جسم الطفل في هذه المرحلة يتصف بالمرونة وسهولة التكيّف واستعادة الحيوية والتوازن، إلا أن العظام التي تحمي الدماغ لا تزال لينة. لذلك يجب وقاية الاطفال من الالعاب التي تنطوي على مخاطر يترتب عليها إصابات الدماغ، وملاحظة الأطفال بعناية وتبصيرهم بذلك.
  6. تبدي الفتيات تفوقاً على الفتيان في كثير من جوانب النمو وخصوصاً في المهارات الحركية الدقيقة. لذا يمكن تجنب الأنشطة التنافسية أو المقارنات بينهم على أساس المهارات.

ثانياً: متطلبات النمو الإجتماعي:يقود سيارته.

  1. يميل معظم أطفال مرحلة الطفولة المبكرة إلى تكوين صداقات مع أقرانهم، كما يبدون رغبة وقدرة على اللعب مع معظم هؤلاء الأطفال. وبالرغم من أن تناسق بين حركة اليد والعين.الأطفال يميلون الى اختيار أفضل أصدقائهم من الجنس نفسه، الا ان كثيراً من الصداقات بين البنين والبنات تنمو في هذه المرحلة. وتعتبر إساءة الى الطفل عدم وضعه في مواقف تزخر بالانشطة التي تساعد على تنمية المهارات الاجتماعية والاتصال بالآخرين والمشاركة مع الأطفال الآخرين وعدم اقتصار محيطه على الكبار فقط.
  2. تميل جماعات اللعب في هذه المرحلة الى تكوين جماعات صغيرة وغير منظمة في الغالب، فهي جماعات عرضة للتغير السريع، من هنا يجب ألاَّ نشعر الطفل بالذنب اذا ترك جماعة وانتقل الى اللعب مع جماعة أخرى. ويعتبر سلوكاً طبيعياً اذا انتقل الطفل من نشاط الى آخر، وهذا لا يستدعي القلق من قبل الاهل والمعلمين، ولكن من المهم جداً أن نضبط بعض الأنشطة ونطلب من الطفل عدم الانتقال الى نشاط آخر قبل انهاء ما طلبناه منه وذلك حتى لا يأخذ الأمر طابع عدم الاستقرار ولتعزيز القدرة على التركيز وبذل الجهد والمثابرة لانه سيحتاج إلى هذه المهارات في المراحل التالية. وتعتبر إساءة إلى الطفل اذا لم نعلمه المثابرة في هذه المرحلة.
  3. كثيراً ما تحدث مشاحنات بين الأطفال لكنها لا تدوم طويلاً، وسرعان ما تتلاشى بالنسيان. ما يتطلب "بيئة مفتوحة" لنشاط والتفاعل، يتوافر فيها أنشطة وأدوات مختلفة بحيث تتعدد الأدوار ويسهل الانتقال من نشاط الى آخر. وقد نجد بعض الأهل يتدخلون في مشاحنات الأطفال ويعلمون الطفل الضغينة والكره، وهذا العمل يعتبر إساءة الى الطفل لانه رقصة ونشاط وتنمية للمهاراتهو شخصياً يكون قد نسي ما حدث.
  4. يستمتع الأطفال باللعب التمثيلي والرسم في هذه المرحلة، وينبع معظم ما يبتدعونه من خبراتهم الخاصة، وبالامكان الافادة من هذه الخاصية في تنمية الابداع من طريق التدريب على التخيل، وفي التخفيف من التوتر وفي تعلم الأدوار الاجتماعية وكذلك في اكتساب بعض الخبرات. وقد ابتكر مورينو(5) السيكو دراما وفيه يقوم الطفل بأداء الأدوار المختلفة بإشراف المعالج. ويلاحظ سلوك الطفل في عدد من المواقف المختارة، مثلاً قد يطلب من الطفل أن يتخيل انه مع شخص وهمي وان عليه أن يقيم علاقة به، ثم تترك الحرية للطفل لتحديد الأطفال والأقوال والمواقف. إن مثل هذا الموقف يقصد منه الكشف عن دلالة العلاقة الاجتماعية للطفل وأسلوبه في الإتصال بالأشخاص الآخرين. ويعتبر مورينو أن اللعب التمثيلي، أي تمثيل مواقف اجتماعية معينة بالمشاركة مع الآخرين، يؤدي إلى إحداث أثر مريح وذلك من طريق التعبير عن انفعالاته الكامنة، فمن خلال اللعب التمثيلي يتعلم الطفل أن يستجيب للآخرين بينما يكون خجولاً في حياته اليومية، ومن أنشطة اللعب التي استخدمت لأسباب علاجية، طريقة الرسم بوصفه إسقاطاً للشخصية، وقد ذكر فرويد أن الفن والأحلام هي الطريق المؤدي إلى الأعماق. ففي هذا النوع من النشاط يستطيع الاختصاصي النفسي أن يفسر المشاعر والانفعالات، وكذلك السلوك العام من حيث مصادر الإشباع وإمكانية تحقيق الأهداف والقابلية للتكيف وعلاقة الطفل ببيئته والعلاقات داخل العائلة وخارجها والحاجات الأساسية.

ثالثاً: متطلبات النمو الإنفعالي:

  1. يميل أطفال هذه السن إلى التعبير عن انفعالاتهم بحرية، وكثيراً ما يأتون بثورات غضب كردود فعل لبعض المواقف الضاغطة. لذلك من المفيد أن نسمح لهم بالتعبير عن مشاعرهم اللعب التمثيلي يسهم في بناء الشخصيةبحرية حتى يستطيعوا التعرف إلى انفعالاتهم ومواجهتها.  ويقترح البعض أنه حينما نشجع الاطفال على تحليل سلوكهم في مناقشة هادئة وجدية معهم، من المحتمل أن يكتسبوا وعياً بسبب مشاعرهم، هذا الوعي قد يساعدهم على التحكم في مشاعرهم وتقبلها.
  2. كثيراً ما تشيع في هذه السن مشاعر الغيرة بين الأطفال وينزعون إلى الحصول على عطف الكبار واستحسانهم ويتطلب ذلك من الكبار الانتباه إلى الطفل وامتداحه والاهتمام به وعدم مقارنته بالآخرين.  وتعتبر إساءة إلى الطفل اذا لم نظهر له حسناته، ويستخدم بعض الأهل التأنيب والكلمات المهينة للطفل في أغلب الأحيان، حيث يتوجه الوالدان والمعلمون للأطفال إما بالأوامر وإما بالنواهي وإما بالتأنيب بدل تقديم تغذية راجعة ايجابية، أو يهددونهم بالتوقف عن محبتهم. وفي هذا الأمر إساءة الى الطفل لان محبة الوالدين هي أغلى ما يملك، ويمكن أن نقول للطفل بأننا لم نحب ما فعله ولكننا دائماً نحبه.
  3. من حاجات الطفل الحاجة إلى الوسائط الثقافية والألعاب، وذلك للتخفيف من أزماته العاطفية، فللنمو في مختلف مراحله تحديات تطرح على الطفل كما ان مكانته وأدواره وتفاعلاته في المؤسسات المختلفة تولد لديه أزمات. والطفل المعاني ينهض بتلقائية لمجابهة تحدياته والتغلب عليها، وهو يفعل ذلك بشكل يكاد يكون لا واعياً، يتوصل اليه بتجسيد هذه الازمات في اللعب ضمن مجموعةكائنات (من الحيوان والبشر) ويخرج منها ظافراً. من هنا ولع الطفل بتكرار اللعبة ذاتها أو قراءة القصة ذاتها أو الطلب إلى الكبار روايتها عدداً لا متناهياً من المرات أو مشاهدة المسلسل نفسه أو سماع الشريط المسجل نفسه. انه بذلك يتخلص من أزماته تدريجياً من خلال شغلها نفسياً. ومن طريق اللعب على حرية التحرك بين الواقع والخيال والحقيقة والوهم، يستعيد توازنه ويحقق عافيته النفسية التي تفتح أمامه آفاق النمو السليم ومجابهة الحياة المستقبلية بثقة. ومن هنا فإن عدم قراءة الطفل القصص وروايتها وعدم مشاهدته للمسرحيات والأفلام وسماعه الأناشيد والأغاني يعتبر إساءة اليه لأن هذا يحرمه من حل أزماته العاطفية.
  4. ومن حاجات الطفل الحاجات الجمالية والحاجة الترويحية. فالحس الجمالي عند الطفل لا يحتاج الى من ينميه، بل يحتاج الى من يقدم له فرص الاشباع كي يتفتح من خالحيوان صديق الاطفال.لال الشكل واللون والنغم. وتلعب الجماليات دوراً أصيلاً في عملية الانتماء الثقافي وبناء الهوية الوطنية. بمعنى ان بيئة الطفل يجب ان يكون فيها مسحة الجمال وأن نربي فيه الميل الى رؤية المشاهد الجميلة وتقديرها وهكذا نربي مواطنين حريصين على مظاهر الجمال في مجتمعهم ووطنهم والا يعملوا على إيذاء هذا الجمال سواء في الطبيعة أو في البيت أو في المحيط.
  5. الطفل بحاجة الى معايير وقوانين تقنن رغباته وتنظم نزواته، فذلك مدعاة إلى حمايته من القلق الذاتي وبه تتحدد الذات، من خلال نظام المسموح والممنوع الذي يحكم العلاقات الاجتماعية، ويعتقد بعض الأهل أن القول للطفل "لا" قد يؤذيه ولكن نحن نعلم أن التربية هي التي تؤدي إلى انتقال الطفل من مبدأ الواقع وبناء الأنا الأعلى والضمير والإرادة عنده. فعندما نسمح للطفل بتحقيق كل رغباته ولا نقول له ''لا'' فإنه يضيع وينشأ ضعيف الإرادة تتحكم به نزواته، وقد بينت الدراسات ان الأطفال المدللين أو الذين يربون من دون قواعد وقوانين تكون عتبة الإحباط عندهم منخفضة، أي أنهم يتراجعون أمام أي صعوبة يواجهونها، كما أن درايتسلق شجرة في احضان الطبيعةسة الجانحين بينت ان قسماً منهم ينتمون إلى اسر لم يقل لهم أحد فيها ''لا''، ولم يكن في الأسرة قواعد وقوانين، وكانت تسود فيها تربية ترك الحبل مشاهدة التلفزيون من دون مراقبة الأهل تؤثر سلباً على التحصيل الدراسي.عل الغارب ما أدى إلى سيطرة مبدأ اللذة عليهم وإلى عدم قدرتهم على ضبط رغباتهم وأنفسهم. ويعتبر هذا الأمر إساءة الى الطفل.
  6. الحاجة إلى الانتماء: اذا كان المجتمع يريد تنميط الطفل ثقافياً وصولاً إلى اكتسابه الشخصية المنوالية: فالطفل بدوره يريد بناء هوية شخصية تكفل له الانتماء الاجتماعي والعاطفي، وتتم هذه العملية من خلال سلسلة تماهيات يقوم بها الطفل بالأشخاص المرجعيين الذين يشكلون له المثل الاعلى والقدوة، والتي تبدأ بالوالدين وأفراد الأسرة وتتوسع لتشمل المعلمين والأتراب  والأبطال والنجوم الاجتماعية. يبني الطفل هويته الذاتية ومنها يعبر لبناء الهوية الاجتماعية بمعناها الواسع، ولذلك، فإن قيمة الوسائط الثقافية تتوقف إلى حدّ بعيد على مقدار نجاحها في تقديم النماذج الجيدة (من شخصيات وأبطال وأدوار) التي بإمكان الطفل أن يتماهى بها. وإذا لم تحرص هذه الوسائط على جودة قيادة السيارة والتحكم باللعبة.الانتقاء ومتانة المثل وملاءمتها لاحتياجات الطفل في كل مرحلة، فهو سيلتقط بعفوية المناخ وقد يتحول إلى البدائل الثقافية المتسربة في الإعلام الجماهيري، وينهل منها. من هنا، فإننا نعتبر كإساءة الى الطفل، أولاً سلوك الوالدين اللذين ينهيان الطفل عن القيام بأمر ويقومان هما به، لأن الطفل يتأثر بالنموذج أمامه أكثر مما يتأثر بالكلام، وأبحاث باندورا تدل على ذلك، فمثلاً اذا أردنا من الطفل أن يقرأ فلن ينفع أن نقول له مئة مرة في اليوم لماذا لا تقرأ، فالاجدى في ذلك هو أن يرانا نقرأ فيتماهى معنا، أو أن نقول له لا ترفع صوتك ونحن نصرخ في وجهه طوال الوقت.

أما بالنسبة للوسائط الثقافية فيجب أن يشاهدها الطفل بحضورنا، وأن نناقش معه ما تعرضه حتى لا يكون تأثيرها عليه كاملاً. وبالنسبة إلى الجلوس أمام الحيوان صديق الاطفال.التلفاز فقد تبين في دراسة إنكليزية أنه كلما زاد عدد الساعات التي يقضيها التلاميذ أمام التلفاز، كلما تناقصت قدرتهم على الإنتباه في الصف وتدهور تحصيلهم المدرسي. وفي دراسة فرنسية حديثة تبين أن الأطفال الذين يجلسون بين ١٩ و ٢٢ ساعة في الأسبوع أمام التلفاز يصابون بالبدانة، مما يشكل خطراً على صحتهم. وفي دراسة أجريناها في الكويت عام ١٩٩٩ ، تبين أن الفرد في الكويت يجلس أمام التلفزيون بين ٤و ٥ ساعات في اليوم، أي أكثر من الفرنسي، والإقتراح هو أن نتعود مع أطفالنا منذ الصغر على إغلاق الجهاز حتى ينصرفوا إلى نشاطات حركية أو إلى المطالعة، والأمر نفسه بالنسبة الى الكمبيوتر الذي لا يجب أن يكون في غرفة الأطفال بل في صالة الجلوس حتى لا يستخدمه ابناؤنا استخداماً سيئاً.

رابعاً: متطلبات النمو العقلي:

  1. الحاجة إلى المعرفة: لا يحتاج الطفل إلى من يستثير رغبته المعرفية، فالإثارة والبحث عنها على شكل معرفة تنتظم تدريجياً، وهي من خصائص الكائن العضوي الفطرية أي من خصائص الدماغ، فالدماغ يجب أن يعرف ويكافئ نفسه عندما يتعلم من طريق إفراز هرمونات تشعر الفرد بالفرح. وتتضح الحاجة المعرفية بقدر تجاوب المجتمع وتقديم المثيرات المناسبة للطفل. فالطفل يريد أن يعرف ليكبر ويسيطر على عالمه ويحسن التعامل معه. لذلك فهي لا ترتبط بكمية المعلومات فقط بل تتجاوزها إلى الممارسة وإلى اكتساب المهارات. والطفل في هذا منخرط في ورشة تدريب على أدواره المستقبلية، حتى أن لعبه ليس عبثياً كما يظن في كثير من الأحيان، بل نوع من المران وتنمية المهارات، والفضول المعرفي أصيل لدى الطفل، فإذا ووجه بالصد فذلك بسبب عدم فعالية الوسائط والمؤسسات وما تمنحه من إجابات عن تساؤلاته ورغباته المعرفية. ومن المعروف ان غنى أو فقر المحيط الأسري والاجتماعي بالوسائط الثقافية منذ السنوات الأولى من عمر الطفل يلعب دوراً حاسماً ويشكل المدخل الأكيد لنجاحه المدرسي والفكري اللاحق.  لذلك تعتبر إساءة إلى الطفل ان لم نقدم له الخبرات المفيدة وان لم نجب عن أسئلته، فعندما نطلب منه أن يسكت في حال طرحه الأسئلة علينا، فإننا بذلك ندفعه إلى أن يتخلى عن حشريته وفضوله العلمي والمعرفي، وهو سيعتقد بأنه يفعل شيئاً سيئاً عندما يسأل، وعندما يذهب إلى المدرسة سيكون لا مبالياً بالمعرفة التي تقدم له، وهنا يبدأ الأهل بالسؤال: لماذا لا يهتم بدروسه، ونكون نحن الذين أسهمنا في هذه اللامبالاة تجاه قدرته على التعلم.
  2. الرسم والتخيليبدي الطفل مهارة كبيرة في التعلم اللغوي ويميل معظم الأطفال إلى الكلام وخصوصاً وسط جماعات الأقران، وينبغي لذلك تهيئة الفرص الملائمة والطبيعية للكلام والتحدث، وتدريب الأطفال على الإصغاء الجيد وأن نصغي نحن بدورنا اليهم، وكذلك توفير الأنشطة والخبرات، ما يساعد الأطفال الأقل ثقة بأنفسهم على التعبير الكلامي. وتعتبر إساءة الى الطفل إن لم نتحدث اليه، فنفسح له المجال للتعبير عن أفكاره ومشاعره ولا نهزأ مما يقول ونصغي اليه حتى يتعود الإصغاء الى الآخرين .
  3. الخيال والإبداع من أبرز خصائص النشاط العقلي في هذه المرحلة، وهو ما ينبغي تنميته في أنشطة اللعب ورواية القصص والرسم والإيقاع. وإذا كان بعض الأطفال يبدون نزعة الى التخيل الزائد بحيث يخلطون بين الواقع والخيال، مع ما قد يترتب على ذلك من مشكلات للتوافق، فإنه ينبغي تهيئة بعض المواقف التي يُطلب فيها وصف ما يحدث بالفعل، فمن الأهمية بمكان في هذه المرحلة تعلم الأطفال التمييز بين الحقيقة والخيال، بحيث لا يحدث انطفاء جذوة الخيال عندهم. فالخيال من أعظم مصادر الطفولة التي تتأتى خصوصاً في سنوات الطفولة المبكرة كمرحلة مؤاتية للتنمية العقلية ولإطلاق ملكة الإبداع وصقلها. إن تنمية الخيال تؤدي إلى الإبداع، والإنجازات العلمية والفنية الكبرى كانت تعتمد على الخيال والحلم في بداية الأمر، كما أن ترك الطفل يعيش في عالم خيالي يؤدي الى عدم التكيف، وعدم مراعاة هذه الأمور تعتبر إساءة الى الطفل.

حاجات الطفولة الوسطى والمتأخرة

في بداية السنة السادسة يدخل الطفل المدرسة ويتغير أسلوب حياته فيميل إلى الاستقرار الإنفعالي والضبط الذاتي، ويسير النمو في هذه المرحلة مع التطور في جوانب متعددة من النشاطات الحسية التعبير عن الافكار والاحاسيس من خلال الرسم الحركية والمعرفية والأخلاقية ومع انبثاق الحس الأخلاقي والرادع الداخلي، اما اذا كان الاهل لم يعملوا على بناء هذا الحس الأخلاقي في الطفولة المبكرة، فإن الطفل سيفتقد الحس الأخلاقي وفي هذا أيضاً إساءة الى الطفل. وتتصاعد أهمية الولاء للرفاق والجماعة كلما تقدم الطفل في العمر، من هنا يجب الا نحرم الطفل من تكوين رفاق والانتماء الى جماعة قد تكون كشفية أو رياضية أو تطوعية وحرمانه من هذا يعتبر أيضاً وأيضاً إساءة اليه.

دور التغذية

من المهم أن نذكِّر بالنسبة للنمو الجسمي بدور التغذية، ذلك أن تغذية طفل المدرسة تعني التعرف إلى متطلبات الأطفال من التغذية بالقدر الذي يستوفي احتياجاتهم منها في السن المدرسي نظراً لما للتغذية من تأثير على التحصيل الدراسي. إن تأثير التغذية في مرحلة الطفولة يرجع الى كونها العامل الأساسي والمحدد لتطوير النمو الطبيعي للطفل ووقايته من المرض من خلال تقوية جهازه المناعي، كما ان اختلالها ينعكس سلباً على صحة الطفل على نحو قد يصيبه بعاهات مزمنة، ذلك ان نقص اليود يؤدي الى التخلف العقلي والصمم ونقص الكالسيوم يؤدي الى الكساح وضيق القفص الصدري وعظام الحوض وتشوه العمود الفقري، أما الإفراط في السكريات فيؤدي الى التهيج الحركي وتسوس الأسنان.  واختلال الأغذية يضعف قدرات الطفل على التحصيل والاداء المدرسي بمستويات قد تؤدي الى تخلفه وعجزه عن استكمال مساراته التعليمية، اذ يؤدي نقص الحديد الى ضعف القدرة على التركيز والفهم والاستيعاب والتذكر. وتصيب السمنة الأطفال بالخمول والكسل والتبلد الذهني والإجهاد، ويقود النحول الى التعب وضعف القدرة على الفهم والتحصيل. من هنا فإن عدم الاهتمام بغذاء الطفل يعتبر إساءة اليه، وتركه يمارس عادات غذائية سيئة هو ايضاً اساءة اليه، وعلى العموم ففي الأسرة حيث العادات الغذائية الحسنة يكتسب الأطفال عادات غذائية حسنة ايضاً خصوصاً أنهم يتماهون مع والديهم، فإذا سمع الأطفال الأم تقول انها لا تحب الفاكهة ولا تأكل فاكهة فهم لن يفعلوا ذلك ايضاً مما سيحرمهم من الكثير من المواد الغذائية الجيدة، التي تسهم في المحافظة على صحتهم وكذلك بالنسبة للأمور الأخرى. والكثير من الأطفال لا يتناولون وجبة الصباح وهذا يؤثر على قدرتهم على الاستيعاب في الصف. ولكن اذا كانت الاسرة تحافظ على تناول وجبة الصباح فإن الاطفال سيعتادون ذلك. وقد دلت الدراسات التي تناولت الصعوبات التعلمية انه يمكن معالجة بعضها بتناول أغذية معينة مثل البروتينات.

الأسرة المفككة

تؤكد الاسرة المتماسكة ضمان لحياة الطفلالدراسات والأبحاث ان أطفال العائلات المفككة يعانون من عدم التكيف والانحراف. ونقصد بالعائلات المفككة، الطلاق، وفاة أحد الوالدين، وقوع الخلافات بين الزوجين. ولكن هل تستطيع التربية أن تصحح هذه الأخطاء؟

ان انحلال الرباط العائلي يوجد نوعاً من الانفصال المفاجئ أو التدريجي، ويوجد تمزقاً يمكن ان يلتئم مع الزمن وخصوصاً في حال الطلاق. حيث يهتم كل واحد من الزوجين بالطفل ولكن يبين كل منهما كراهيته للطرف الآخر ما يكوّن عند الطفل نوعاً من القلق، وكأن الطفل لا يستطيع ان يظهر محبته للطرف الآخر، خوفاً من فقدان محبة الطرف الذي يعيش معه وخوفاً من إيلامه ايضاً. ويبقى الموقف الأصعب هو عيش الطفل مع أحد الطرفين وانقطاعه عن الطرف الآخر وكأن هذا استمرار لعلاقة المولود الصغير بأمه فقط وفي هذا الموقف يواجه الكثير من الصعوبات.

وقد يؤدي تفكك الأسرة الى اضطرابات في التعلم، تكشف عن صعوبات نفسية لم تكن ظاهرة حتى الان بالرغم من الذكاء الطبيعي الذي يتمتع به التلميذ. مثل الاضطرابات التبول اللاإرادي، التأتأة، ، (Tics) النفس-جسدية - اللزمات أكل الأظافر والاضطرابات السلوكية (الغضب، الميول)  غير الاجتماعية، البلادة ... الخ.  وقد يكون الطفل قلقاً بسبب الوضع الصحي الذي يتعرض له أحد افراد الأسرة مثل الانتقال الى منزل جديد أو تغيير المدرسة أو وفاة أحد في الأسرة الممتدة أو حدوث نكبة في الأسرة أو البطالة، أو امتناع الرفاق عن اللعب مع الطفل أو نبذه او الابتعاد عنه أو السخرية منه. كلها قضايا يشعر بها الطفل بعمق وتؤثر على تحصيله الدراسي. وتنتشر ظاهرة الأطفال المضطربين، والطفل المضطرب هو الطفل الذي يلمس كل شيء ولا يستطيع المكوث في مكان معين ويحرك يديه ورجليه بصورة دائمة ولا يستطيع تركيز انتباهه أو يستمع الى شرح المعلم ولا يستطيع إنجاز الفروض المدرسية، ويتميز هذا الطفل باختلاجات عصبية أثناء اللعب أو القراءة ويظهر هذا الاضطرابات في مزاجه، وتلعب الوراثة دوراً (وخصوصاً الأم القلقة المضطربة).

الاستاذ - أب وصديقانطلاقاً مما سبق نستطيع أن نقول ان الموقف السلبي لأحد الوالدين من الآخر أثناء الانفصال أو الطلاق يؤدي الى الإساءة الى الطفل، ونحن دائماً دائماً ننصح الأم والأب بعدم الإساءة الى الطرف الآخر وليس هذا من أجل هذا الطرف أو ذاك بل من أجل توازن الطفل النفسي. والأمر المسيء ايضاً هو تقديم الأم الأرملة صورة مثالية عن الاب المتوفي (وهذا يحصل عادة في حال الاستشهاد أو وفاة الأب لأمر كبير)، فإنها في ذلك تجعل الطفل غير قادر على التماهي معه كونه مثالاً لا يستطيع أن يكونه، وفي حال غياب الأب، على الأم أن توطد علاقة الطفل مع الجد أو الأعمام والأخوال، كما أن وجود الطفل الذكر في محيط يقتصر على الإناث يمنعه من تحقيق ذاته كما يجب، وفي هذه الحال تكون الإساءة الى الطفل في عدم اختيار مدرسة فيها بنين حيث وجود المدرس الذكر، اذ يمكن أن يخفف من وطأة المشكلة من دون أن يحلها وعندها يتحضر الطفل للبلوغ دون مشاعر مؤلمة.

كما أن من الإساءة الى الأطفال، عيشهم في محيط مغلق، حيث يجد الطفل نفسه على احتكاك دائم بالأشخاص أنفسهم دون علاقات مع العالم الخارجي وهذا يمنعه من تجربة العلاقات العاطفية (الرفاق، المسؤوليات، العلاقات بالكبار أو العلاقات ببيئات اجتماعية وثقافية مختلفة...) الضرورية لنموه ولتربيته ليصبح رجلاً ناضجاً أو امرأة ناضجة.

الانحراف خطر يهدد الاطفال.وهذه التربية تتعلق أكثر ما تتعلق بموقف الوالدين أمام الواقع الخارجي وبحريتهم الذاتية. وهنا يجب أن يتعرف الآباء الى أنفسهم وأن يحترموها، وأن يعملوا ليحترمهم الآخرون سواء بالقول أم بالفعل وخصوصاً تجاه أبنائهم، كما يجب أن يمارسوا حياة اجتماعية ناشطة وأن يكون لهم علاقات مع راشدين من مختلف الأجيال وأن يمارسوا الكرم مع أنفسهم ومع الآخرين.

وأيضاً نود إن نقول أن الطفل المضطرب هو دائماً  عرضة للمعاقبة، وفي هذا الأمر إساءة اليه، فهؤلاء الأطفال يحتاجون الى أن نفتش عن المشكلات الكامنة وراء اضطرابهم حتى نساعدهم بالتعاون ما بين الأسرة والمدرسة والاختصاصي النفسي لأن العقاب سيؤدي الى تعميق مشكلاتهم.

تنمية الإرادة

إن جماعات الأحداث المنحرفين وزمر الشباب الخارجين على الأصول الاجتماعية، تبين القصور في مسألة "السلطة العائلية" و "انعدام وجود الإرادة" عند الشباب. ولكن الإرادة تخضع لبناء جميع القدرات المهارات العقلية، وهي خاصية نحملها منذ الولادة. فهناك ''الإرادة من حديد'' التي لا علاقة للتربية بها، وبالمقابل هناك ''انعدام الإرادة'' وخصوصاً في حالة بعض الأمراض العصبية. وهناك علاقة تكوينية بين الإرادة وبين الضمير وهما ينموان معاً(Génétique) فالأعمال الإرادية عند الرضيع تتناول نشاطه الحركي والعضلي ووعيه بذاته، وانطلاقاً من هنا فإن تنمية الإرادة تمر بالقدرة على السيطرة على الذات والحركات والحاجات العضوية والدوافع ثم السيطرة على الشهوة والغرائز والأفكار. وعند الطفل كما عند الإنسان الراشد نستطيع أن نميز عدة مظاهر للارادة وهي:

أولاً: الارادة عكس رغبات الآخرين. وفي هذه ال"لا" نواح ايجابية مثل تأكيد الذات والشجاعة والمنافسة.

ثانياً: هو ال "نعم" أريد ذلك'' ونجد فيها أحد مظاهر الهروب من المسوؤلية والرغبة في أن يكون خلف الآخرين. ولا نرى كيف يمكن أن تكون الحياة الاجتماعية من دون التعاون مع الآخرين وهي: علامة على قبول الواقع والتكيّف مع الآخرين. وهذان النوعان من الإرادة نجدهما باكراً عند الطفل وتستمران طوال الحياة. واذا كان قول "لا" في الأسرة يطرح بعض المشكلات، الا أن هذا القول يدل على شخصية قوية خارج المنزل حيث أن الطفل لن يكون عرضة للتأثير بما يفرضه عليه الآخرون. والقول نعم دائماً وإن كانت مريحة للأسرة ولكن على الوالدين عدم المبالغة في الاستفادة من خضوع الطفل، ذلك أن بعض عدم الطاعة ليس سيئًا، لأن الطفل يصبح سريع التأثر بالآخرين ما يؤدي الى ضعف في الإرادة. ولكن يبقى أن الإرادة ليست مجرد الوقوف عكس إرادة الآخرين أو عكس ما يريده الآخرون منا، ولكنها معرفة ما يريده هو نفسه، وما إرادة شيء ما في نهاية الأمر الا وضوح في الأهداف والعمل على تحقيقها، ويجب مساعدة الطفل لتكوين هذه الإرادة ويعتبر عدم العمل على ذلك إساءة الى الطفل. ولكن هذا لا يحدث ما لم يسيطر على عملية التربية جو من الحرية الشخصية مع وجود المعايير والقوانين (6)  الصحيحة، ونشدد هنا قوانين ومعايير في التعامل مع الطفل.

سلطة الوالدين

إن الخضوع للمعايير والقوانين يفرضه الوالدان. ولكن الكثير من الاهل يجدون غضاضة في ممارسة السلطة على أطفالهم، أو أنهم يشعرون بأنهم لا يملكون هذه السلطة ويخافون من قول "لا". ونجد بداية مرحلة الرشد.ثلاثة أنواع من المواقف بالنسبة للسلطة:

  1. السلطة المطلقة المستبدة: يمارسها في الغالب الأم أو الأب اللذين إذا كانا عنيدين في طفولتيهما ونجدهما هنا يستمران في ذلك مع تغيير الأدوار. وفي هذا النوع يشعر الوالدان بأنهما يجب أن يخرجا منتصرين في علاقتهما بالطفل. وهما دائماً على حق، لا يخضعان مطلقاً لإرادة الطفل وأي معارضة يجب أن تنكسر أمامهما. ولكن هذه التربية تعطي نتائج غير مرضية، بحيث تؤدي الى ان يكون الطفل إما ثأثراً وإما قلقاً، وتتسبب بحالات مرضية أثناء البلوغ والمراهقة. هذا النوع من السلوك يخفي في واقع الأمر عدم الثقة بالنفس والخوف من فقدان السلطة والهيبة. وفي بعض الأحيان يعبر عن اضطرابات في شخصية الوالدين، مع وجود نوع من السادية ومع وجود لذة في العقاب العنيف أو التعذيب المخطط له مسبقاً وبعناية.
  2. النوع الثاني في مواقف الوالدين هو أن نترك الطفل يفعل ما يريد ولا نفرض عليه أي قواعد أو قوانين ولا نطالبه بأي جهد ونسامحه دائماً وهو ما يشجعه على ارتكاب الخطأ، وهذا الموقف يجعله في الواقع حائراً لأنه لم يتعلم التحكم برغباته أو تأجيل إشباع هذه الرغبات أو بذل الجهد من أجل الوصول الى هدف معين. وهو يسير بحسب أهواء المجموعة ولن يكون القائد لأنه يفتقر الى الإرادة وخصائص القيادة، ويجد في قائد المجموعة ما يصبو اليه إذ إنه يشعر بالأمان أخيراً لأنه يستطيع أن يستند الى سلطة أحد ما. وفي هذا الموقف وكأن الأهل "يستقيلون" من مهامهم "التربوية"'، وقد يكون في هذا تعبير عن الإهمال وعدم الاهتمام، وفي الغالب يكون الوالدان منهمكين في أعمالهما الخاصة وواجباتهما الاجتماعية التي تأخذهما بعيداً عن أطفالهما، وهما يشعران بالذنب خصوصاً الأم من خلال الخوف من فقدان محبة الطفل في حال رفضها ما يريده. أن يظهر الوالدان سلطتهما ليس معناه أنهما متسلطان بل قويان، ومن المهم أن يفرض الوالدان إرادتهما عندما يكون ذلك ضرورياً وأن يراقبا أطفالهما، ولكن عليهما ايضاً أن يستمعا وأن يعترفا بخطئهما وأن يتقبلا المعارضة وأن يتخليا عن مواقفهما وحتى أن ينخدعا في بعض الأحيان.  

وهذه المواقف هي لصالح الطفل بشرط الا نتردد بحسب رغباته الأنوية. فصورة الوالدين القوية والثابتة هي ما يحتاجه الطفل لانها تشعره بالأمان.

ويجب ألاّ تكون هذه السلطة صلبة حتى لا تكسر ارادة الطفل وكذلك ألا تكون لينة لأنه لن يجد المقاومة اللازمة والضرورية لتأكيد ذاته. وإذا أصبح الطفل قادراً أن يفهم أهمية الحياة في جماعة، فسيكون من السهل عليه فهم العلاقات داخل الأسرة والعبور من مراقبة الآخرين له إلى الثقة. ومن السلطة إلى الحرية في جزء مهم من نشاطاته. وبحسب أريكسون(7) فإنه في هذه المرحلة قد تنمو عنده روح المثابرة والإنجاز والكفاءة، أو ينمو الشعور بالنقص والدونية، وهو يقول: إن هذه المرحلة حاسمة في نمو الأنا، فالأطفال يسيطرون على مهارات أكثر عقلانية مثل القراءة والكتابة والحساب، وهم يطبقون بأنفسهم ما يقودهم الى تعلم هذه المهارات، وفي هذه المرحلة، يتعلم الأطفال أشياء ذات معنى ويطورون قوة الأنا بالانتباه الثابت وبالكفاح المستمر، كما أنهم يعملون ويلعبون مع أقرانهم، والخطر في هذه المرحلة هو شعورهم بعدم النجاح في عملهم المدرسي ما يؤدي الى شعور بالدونية. وقد يتذكر معظمنا آثار الفشل الدراسي في الصف، وهو شعور عميق بالدونية. وفي أوقات كثيرة ربما تعوق المدرسة نمو الإحساس بالمثابرة والإنجاز. ويقول اريكسون انه لاحظ مراراً، أن مدرساً واحداً يكفي لإظهار موهبة الطفل.  والحل الناجح لهذه المرحلة يقود الى قوة الأنا التي يسميها أريكسون بالكفاءة والإنجاز والممارسة المفتوحة للذكاء ومهارة الفرد في اتمام المهام غير المتأثرة بأي مشاعر دونية.

المراهقة

ينتفي وجود المراهقة في المجتمعات البدائية. ويتأخر اليوم دخول المراهقين ميدان العمل وهذا ما يشكل أزمة المراهقة بحسب قول افنزيني (8).من إحدى المجلات الموجهة للمراهقين

معنى المراهقة

المراهقة هي فترة من النمو معروفة بصعوباتها. والمراهقة كأنها تنهي عالم الطفل والمراهق لم يدخل بعد عالم الراشدين.

ففي حين أن الجسم ينبني ويبلغ قمة نضوجه خصوصاً من الناحية الجنسية، فإن جهوداً كبيرة تبذل على مستوى البنيات العقلية ومحاولات التكيف الاجتماعي ويحصل هذا في بنية مستعدة للإبداع  ومصطلح مراهقة في اللغة الأجنبية (Adolescence) يشتق من  اللغة اللاتينية (Adolescentia)  والفعل معناه "كبر". أي أن المراهقة هي الانتقال من الاتكالية إلى الاعتماد على الذات. أما في العربية، فالمراهقة تعني الاقتراب أو الدنو، فحين نقول راهق الغلام فهو مُراهق أي أنه قارب الاحتلام، والحُلم هو قدرة المراهق على الانجاب.

الخصائص النفسية

تركز الدراسات النفسية ليس فقط على النمو الجنسي والجسمي، بل على ما يصاحب هذا النمو من تأثيرات على سلوك المراهق، فغموض هوية المراهق وميوله المتناقضة وصراعاته النفسية وقلقه الجنسي، تؤلف جميعها في هذه المرحلة عوامل أساسية في انهيار توازنه واضطراب علاقاته مع ذاته والآخرين. فهذا الانهيار في التوازن البيولوجي والنفسي وظهور الوظائف الجديدة في حياة الكائن هو مظهر من مظاهر ما يطلق عليه أزمة المراهقة، أزمة تخلق مواقف متناقضة ورفضاً وثورة، فالمراهق يرفض الخضوع لسلطة الأهل ويكف عن الثقة بالأفكار والأوامر السابقة هو يريد الآن أن يفعل ما يريده. ويقع صراع المراهق في خانة الصراع بين التخلص من سلطة الأهل والرغبة في التعلق والاتكالية عليهم.

إن هذا الموقف يفسر التأرجح بين الميل إلى الاستقلالية والتماهي بصورة الوالدين. وفقدان صورة الأهل بحسب فرويد(9) يشكّل عاملاً مهمّاً آخر هو التأثير الذي يحدثه في شخصية المراهق، إذ إن العلاقات التي كانت تربطه بالأهل كانت علاقات متبادلة، فكان الأهل يقدمون له الحب والأمان ومثال الصورة التي يكوّنها عن ذاته، فهم الذين يحققون له صورة ذاته، وتنقطع علاقاته بهم تجاه ذاته وتتغيّر دوافعه وتكف "أناه'"عن الشعور بالدعم والسند والتشجيع من الأهل، بل على العكس، يشعر بأن عدوانيتهم كلها موجهة إليه، أو كأنهم يعملون على الانتقام منه لأنه يعاكسهم وينتقدهم، لذلك، فإن "الأنا" تُدفع إلى البحث عن أسس جديدة لتقدير ذاته وأولويات تعيد له الاعتبار.

الانقلاب العاطفي

إنه يحوّل عواطفه تجاه أهله إلى نقيضها، أي أن الحب يتحول إلى كراهية ويتحول الاحترام والاعتزاز إلى احتقار وتبخيس معتقداً بأنه أصبح مستقلاً عنهم ومتحرراً منهم، ولكنه في الواقع يظل أسير التعلق بهم. إن هذا الانقلاب العاطفي لا يؤدي إلى إرضاء متطلبات المراهق لأنه بمثابة استجابة عدوانية، يستجيب الأهل لها بدورهم بعدوانية مماثلة، فيجد نفسه أسير علاقة سادية  عدوانية، يستجيب الأهل لها بدورهم بعدوانية مماثلة، فيجد نفسه أسير علاقة سادية  مازوشية، فهذه الأولوية بدلاً من أن تحرّره تزيد من قلقه، قلق فقدان العاطفة والأمان وخوف من إسقاط العدوانية على الذات. وهذا القلق والخوف هما السبب في حالات الاكتئاب التي تسيطر على المراهقين (10) وقد يميل المراهق إلى التعلق الشديد بالأهل أو ببدائل الأهل من اساتذة وأصدقاء ومفكرين وسياسيين ورجال دين أو نجوم رياضيين ... إلخ. وهذا التعلق يمكن أن يغني شخصية المراهق على الصعيدين العقلي والعاطفي. ولكن هذا الهروب العاطفي قد يصاحبه أحياناً هروب حقيقي يحمل المراهق على ترك المنزل أو قد يكون هروباً رمزياً يظل في المنزل كغريب، يؤمن له المأكل والملبس ولكن لا يوجد فيه اشباعات عاطفية، وقد يعمل المراهق للدفاع عن ذاته، بالتعلق الشديد بالذات وإعطاء أهميّة كبيرة لل ـ"أنا" ونشاطاتها على الصعيد العقلي، فيعتقد أنه دائماً على حق ولا يقبل برأى الآخرين. ويميل إلى الانطواء والعزلة وإلى استعراض الذات (من طريق الثياب والتزيين والدراجات النارية والسيارات الحديثة ... إلخ( وللهروب أيضاً من هذه المواقف يلجأ المراهق الى النكوص للطفولية، ولكن هذا لا يدوم طويلاً فيعمد إلى الثورة لتأكيد ذاته. وقد يلجأ المراهق هرباً من ضغط الصراعات التي تظهر بين الشخصية وبين العالم الواقعي إلى الانخراط في عصابات الأحداث لأن المراهق يشعر بأنه وحيد تجاه الصراعات، ويظهر هذا الشعور في مظاهر أبرزها أن الراشدين لا يفهمونه، ونتيجة لذلك، يلجأ المراهق إلى مذكراته يسجل فيها ما ينتابه من شعور بالقلق والاضطراب وإما إلى الانخراط في عصابات الأحداث على أساس أنهم وحدهم يفهمون مشاكله.  ويجد المراهق في هذه الجماعات الفرصة لتعلم الحياة الجماعية، مثل التعاطف والمساعدة المتبادلة والتضحية، من دون أن تكون خاضعة لقوانين مفروضة من الكبار. ولكن الذوبان في عصابات الأحداث قد يؤدّي لعدد من الانحرافات، مثل الجنوح والعدوانية المتطرفة والعصاب وأحياناً الذهان والانتحار(11).

الوضع الأسري

لا فرق بين الزهر والازرقمن المهّم دراسة مكانة المراهق في الأسرة كعامل مؤثر في تكيّفه مع الواقع الاجتماعي لها، وعلاقة المراهق بأفرادها خصوصاً الأب، ثم التساؤل عن الأسباب التي تجعل من أزمة المراهق في بعض الأسر أخف وطأة منها في أسر أخرى.  ومن المهّم أيضاً معرفة علاقة المراهق بأسرته والأبعاد السلبية لعدم ثبات العلاقة نتيجة التفكك الأسري أو بسبب التزمت أو التسامح أو الرفض، أو لعجز الآباء عن مواجهة مشكلات أبنائهم لانعدام الرؤية الصحيحة عندهم، وعدم مراعاة البيئة وطبيعة العصر، أو نتيجة لظروفهم وأزماتهم النفسية.

في الماضي، كان التنظيم العائلي يستند إلى السلطة وخاصةً سلطة الأب، أما اليوم فإن السلطة لم تعد مقبولة إذا لم تكن مستندة إلى الحب والاحترام والحزم، وفي بعض الأحيان يتنازل الآباء عن سلطتهم ولا يعودون نماذج جيدة للتماهي. وعندما يحاول الأب استعادة سلطته فإنه عندئذ يلجأ إلى العنف والقسوة، فيصل إلى الشعور بعدم الرضا ويحاول أن يعوض عنه بمضاعفة العاطفة، فنلاحظ في النهاية سلوكاً متأرجحاً بين القسوة الحب، والنتيجة في كلتا الحالتين خلل في العلاقة بين المراهق والأب. ولا ننسى دور الأم المركزي في العلاقات العائلية، فدور الأم قد تغيّر وأصبحت أقلّ اهتماماً بأولادها بسبب ضيق الوقت الناجم عن إيقاع العصر، إن هذا الوضع ربما ساعد المراهق في الحصول على استقلالية مبكرة ولكنها استقلالية ثمنها مرتفع نتيجة الجرح الذي يتركه عدم الاشباع العاطفي، فالمراهقون كالأطفال بحاجة إلى استقرار العائلة وتماسك أفرادها للتوصل إلى التوازن السليم والصحة النفسية.

إضافة إلى ذلك يعتبر تدخل العائلة في شؤون المراهقين الخاصة وفي اختيار الأصدقاء وفي انتماءاتهم الرياضية أو ميولهم الترفيهية أو في اختيار مهنة المستقبل، تدخلاً يؤدي إلى شعور المراهق باغتصاب إرادته وحجز حريته، ما يشعره بتبخيس ذاته نتيجة عدم ثقة أهله به. وبالامكان أيضاً الرجوع إلى موقع المراهق في الأسرة وبين الأخوة والأخوات، من تفضيل الذكر على الأنثى الذي يتولد منه شعور الصبي بالسيطرة على الفتاة وشعور الفتاة بالحقد، وأخيراً الحقوق والامتيازات التي تُمنح لواحد ويُحرم منها الآخر. وكذلك فإن بعض الآباء يعملون على تبخيس صورة الأم وموقعها ويطلب من المراهق عدم سماع رأيها، فهذا يؤدي إلى أن يكوّن المراهق صورة سلبية عن المرأة ما قد يؤدي به إلى مشكلات في حياته الزوجية في المستقبل.

إن جميع هذه العوامل تشكّل نتائجها إعاقة في تطور المراهق النفسي والاجتماعي. ومن هنا نجد أن المراهقة تمرّ بسلام في بعض الأسر، بينما تكون سبباً لمشكلات عديدة في أسر أخرى. ومن أجل مساعدة المراهقين على النمو السوي وعدم الإساءة إليهم، نقدّم بعض المقتراحات للوالدين مستقاة من الأبحاث النفسية في هذا المجال وهي:

  1. توفير جو نفسي  اجتماعي خالٍ من الضغط، وذلك من طريق إتاحة الفرص الكافية لأبنائهم لممارسة الأنشطة التي يرغبونها.
  2. تدريب الأبناء على اكتشاف ما يحيط بهم من طريق المحاولة والخطأ ومن طريق التفكير الاستقصائي والحدسي، فالفرد في حياته عرضة للنجاح والفشل، والفشل يجب ألا يحول بين الانسان وبين تكرار المحاولات لاكتشاف ما يحيط به من غموض.
  3. مساعدة الأبناء على تقييم أفعالهم وتجاربهم من دون الشعور بالذنب أو خيبة الأمل إذا لم تؤتِ ثمارها، ومن هنا نقول بأن المراهقين الذين تربوا من دون وجود قوانين ومعايير تكون لديهم عتبة الإحباط منخفضة ما يؤدي إلى تراجعهم أمام الصعاب وعدم المحاولة للوصول إلى الهدف وبذل الجهد.
  4. توفير قاعدة نفسية آمنة يمكن من خلالها للأبناء الانطلاق الى الاكتشاف والمحاولة والتجريب، وينبغي أن يشعر المراهق أنه محل حب وتقبل من والديه.
  5. تقبل الأفكار الجديدة للأبناء، واحترام حب الاستطلاع والتساؤلات المستمرة والإجابة عنها من دون اعتراض أو تقليل من شأنها، كما على الوالدين أن يجعلوا أفكار أبنائهم أكثر واقعية.
  6. ألا يبالغوا في مساعدة الأبناء ما قد يحول بين الأبناء وبين الاستقلال.
  7. أن يوفروا الفرص المتنوعة والمتعددة الأهداف والغايات لتلائم ميول وأفكار الأبناء وتنميتها.
  8. أن يزودوا الأبناء بالحقائق والخبرات الثقافية والاجتماعية لكي تضيف إليهم حقائق جديدة تشكّل تحدياً لقدراتهم العقلية.
  9. مساعدة الأبناء لكي يصبحوا أكثر حساسية للمثيرات البيئية.
  10. توفير وسائل الثقافة المختلفة داخل الأسرة وتوجيه الأبناء إلى حسن استخدام هذه الوسائل والمعينات.

صورة الجسم

يتطور إدراك الشخص لذاته من خلال العلاقة بين إدراكه لصورته ولجسمه من جهة، وإدراكه لمن حوله من جهة أخرى. في السنة الأولى من العمر ينحصر إدراك الطفل لذاته من خلال إدراكه لجسمه، إدراك الذات من خلال الجسدوفي السنتين الثانية والثالثة يتمكن الطفل من أن يميز بين جسمه وبين ما يحيط به. ففي السنوات الرابعة والعاشرة يضاف بعد آخر يتمثل في صورته في عيون الآخرين (يمدحون، يهزأون، يحتفون، يغضبون ...) وإبان مرحلة البلوغ يعود تمركز المراهق حول ذاته كجسم وذلك نتيجة التغييرات الفيزيولوجية والتشريحية الهائلة التي تحدث في هذه المرحلة وتعاظم دور الجسد الذي يصحب محور الوجود.  

بعد هذه المرحلة يعي الشاب أهمّية البيئة والعالم حوله، ويتوقّع منه المجتمع أن يلعب دوراً فاعلاً في الحياة اليومية، وهكذا تضاف إلى الحلقة السابقة حلقة جديدة يرى فيها الشاب نفسه من خلال المجتمع(12).

صورة الجسد هي ما نختزنه في عقولنا عن شكلنا الخارجي وهي عملية متنامية منذ الطفولة، وتؤثّر في كيفية إحساسنا باحترام الذات. ويتفاعل هذان العاملان، احترام الذات وصورة الجسد، حيث يقوم المراهق بمراجعة شكلة الخارجي، وكيفية ظهور هذا الشكل للآخرين وانطباعهم عنه، يربط ذلك باحترامه لذاته، فكلما كان تصوره عن شكله الخارجي إيجابياً كان احترامه لذاته إيجابياً أيضاً، من هنا يجب الأخذ بعين الاعتبار عند التعامل مع المراهق تنمية الانطباع الايجابي عن ذاته الداخلية وهي من الأساليب الأساسية التي يجب أن يتعلمها الوالدان، والجهل بها يؤدي إلى الإساءة إلى المراهق ويؤدي إلى اضطرابات منها: ضعف في الشخصية وتوقف في النمو المتصاعد للتلقائية، وتنشأ بعض الاضطرابات الأخرى النفسية أيضاً ومن هذه الاضطرابات: القلق العصبي والفهم  (Anorexiaوهو أكثر انتشاراً عند الإناث. وقد أكّدت دراسة ل الصراف أن أكثر المخاوف انتشاراً بين المراهقات في الكويت هو الخوف من زيادة الوزن.

ومن الأمراض التي تضطرب فيها صورة الجسم، اضطراب شكل الجسم الوهمي، حيث يعتقد المريض بأن هناك خطأ في شكله الخارجي ما يسبّب الإحساس بالقلق الشديد، ويحتاج هذا المرض إلى إعادة تكوين الصورة الصحيحة الداخلية عن الجسم من طريق العلاج النفسي (13) .

أدوار المدرسة

نقتصر في الكلام عن دور المدرسة على أمور قليلة مع أن للمدرسة تأثيراً كبيراً من حيث بناء شخصية التلميذ، ولعّل مجتمعاتنا لن تنتقل إلى الحداثة إذا لم يصبح التعلم في المدرسة قائماً على الموقف التعليمي (Situation didactique) حيث يختصر دور المعلم في التوجيه والإرشاد وتحضير الموقف التعليمي ويكون التلميذ فاعلاً في الصف لا منصتاً متبرماً مثرثراً يصعب الحصول على انتباهه.

المبادىء التربوية

ومن المبادىء التربوية في هذا الصدد ما يقوله بياجيه (14) "إن الفائدة الرئيسة لنظرية النمو العقلي في مجال التعليم هي إتاحة الفرصة أمام الطفل ليقوم بعمل ذاتي، فإننا لانستطيع تنمية ذكاء الطفل بالتكلم معه فقط، ولا نستطيع أن نمارس التربية بشكل جيد، من دون أن نضع الطفل في موقف تعليمي، حيث يختبر بنفسه ويرى ما يحصل، ويستخدم الرموز ويضع الأسئلة ويفتش في إجاباته الخاصة، رابطاً ما يجده هنا بما يجده في مكان آخر، مقارناً اكتشافاته باكتشافات الأطفال الآخرين".

ونضيف هنا استناداً إلى بياجيه أيضاً في نظريته البنائية، بأن النمو العقلي هو نتيجة للتفاعل بين ثلاثة عوامل: الموروث البيولوجي والخبرات الشخصية (ونشدّد هنا على الخبرات الشخصية التي تقدّمها المدرسة) والبيئة الاجتماعية.

ونقول في هذا الصدد بأن الأبحاث حول مفاهيم الاحتفاظ بالفيزياء ومفاهيم تصور العالم عند الطفل التي قمنا بها مع طلابنا الجامعيين في الكويت وفي لبنان بينت تأخر تكوّن هذه المفاهيم عند تلاميذنا، فمثلاً تكوّن مفهوم الاحتفاظ بالكمية يجب أن يتّم في السابعة من العمر لكننا نجده مفقوداً حتى عند التلاميذ الذين بلغوا الثانية عشرة من العمر. وفي تعليلنا لذلك أن أحد أسباب هذا التأخر يعود إلى التعليم اللفظي السائد في مدارسنا.

والمبدأ الثاني هو أهمّية التفاعل بين التلاميذ في الصف.  إذ يعتقد بياجيه أن النمو العقلي يفترض ليس فقط تعاون التلاميذ مع المعلمين ولكن تعاون التلاميذ في ما بينهم أيضاً. ذلك أن التلميذ الذي لا نسمح له بأن يرى نسبية إدراكه يبقى سجين وجهات نظره الأنوية. فالصراع في الآراء بين التلاميذ يجعلهم يدركون مباشرة وجهات نظر مختلفة، إذ إن تلاميذ المستوى الواحد يستطيعون أكثر من المعلم مساعدة رفاقهم على الفهم الصحيح للموضوع. من هنا أفضلية العمل في مجموعات والمناقشات بين التلاميذ.  

أما المبدأ الثالث، فهو أفضلية العمل العقلي المبني على التجربة المباشرة وليس على الوصف والكلام. ونشدّد هنا على أهمّية اللغة بحيث لا تعمل على الضرر بالتفكير، نترك التلميذ يعطي في مراحل نموه العقلي إجابات غير صحيحة قبل أن ننتظر منه الإجابات الصحيحة. وقد سجّل المعلمون في المرحلة الابتدائية تقدماً ملحوظاً بحسب سان كلار عند اعطائهم الأولوية للتجربة الحسية على شرح المعلم. ويقول فورث في هذا المجال، إن هدف التعليم، هو قبل كل شيء، تعليم التفكير. وباعترافه بأهمّية القراءة كوسيلة للتعلم، إلا أنه أسف، كونها أصبحت هدف المربين الأساسي على حساب نمو التفكير والعمليات العقلية الحقيقية (15).

  وغني عن القول أن استخدام التعليم اللفظي وعدم جعل التلميذ ناشطاً وعدم العمل في مجموعات، وعدم الاعتماد على العمل العقلي وتجاهل هذه المبادىء كافة يمكن أن يعتبر إساءة الى التلاميذ.

الدافعية

من المبادىء المهمّة أيضاً في التعلم والتعليم الدافعية الداخلية. ولكن كيف يمكن للمعلم أن ينشط الدافعية الداخلية عند التلاميذ من بين الاستراتيجيات لبناء الدافعية الداخلية نذكر:يشعر التلميذ بالفتور امام اساليب تعليمية غير مناسبة.

  1. إزالة التوتر من بيئة الصف. ومن المصادر التي تسهم في التوتر: التهديد والتعليقات المنطوية على السخرية أو التهديد والاختبارات الفجائية غير المعلنة والاحتفاظ بالعلامات والافتقار إلى المصادر.
  2. من المهّم تشييد الجسور بين عالم التلاميذ خارج الصف وبدء التعلم مثل التنفس العميق. فأنت لا تعرف ما يحدث للتلاميذ في الملعب من شجار أو انفصال عن صديق حميم أو تهديد.
  3. من المهّم البدء بمناقشة مشكلات شخصية والترحيب بالتلميذ الذي كان غائباً ومراجعة الدرس السابق. إن مثل هذه الأنشطة الانتقالية تسمح للدماغ بأن ينتقل إلى الحالة الكيميائية المناسبة للتعلّم.
  4. من المهّم أيضاً أن يسود الصف جو من الجدية والحركة وإثراء المنهج بمواد ذات صلة بالتلاميذ.
  5. يمكن البدء اليوم بالمصافحة والتبادل والهتافات والألعاب والكتابة في مفكرة والتقييم الذاتي، إن هذه الفرص التي تؤثر على الجانب الانفعالي للتعلم تشكّل البراهين والحجج في أن المعلم يستطيع أن يمارس بعض هذه الاستراتيجيات وهو لا يزال يملك وقتاً كافياً للمضمون.
  6. يجب أن يحصل التلاميذ على تغذية راجعة شخصية وأكاديمية، ويتّم ذلك من خلال التبادل ووضع الأهداف والعمل الجماعي وتوقيت الأسئلة والأجوبة والمفكرة التعلمية. إن المعلمين نتعلم لكي نبني المستقبل.الذين يصممون تعليمهم بشكل دقيق، بحيث يتضمن عشرات الطرق للتغذية الراجعة، يجدون زيادة في الدافعية لدى التلاميذ، وتعتبر التغذية الراجعة التي يقدمها الأقران أكثر فائدة وتحفيزاً من تلك التي يقدمها المعلم من حيث الحصول على نتائج مستدامة.
  7. وتتّم معالجة فقدان الدافعية الداخلية باستخدام اختيارات إيجابية إجبارية (16) وبكلمة أخرى إذا سمحت للتلميذ بعمل ما يريد فإنه غالباً لا يعمل شيئاً. ولكن العمل ضمن فريق متماسك لتحقيق هدف محدّد كفيل بأن يساعد في التخلص من الشعور بالعجز المكتسب لدى الأفراد، والعمل ضمن فريق يُشعر التلاميذ بأنهم مهمّون بالنسبة للآخرين وأنهم يستطيعون أن يختاروا قرارات جيدة ويحصلون على الدعم من رفاقهم.

يعاني بعض التلاميذ من لا دافعية مؤقتة، ويعود ذلك إلى ثلاثة أسباب: السبب الأول يتعلق بارتباطات من الماضي يمكن أن تثير حالة سلبية أو فتوراً لدى التلميذ، قد تكون هذه الارتباطات مخزنة في الذاكرة، وعندما تثار فإن الدماغ يتصرف وكأن الواقعة تحدث الآن، كما تثار التفاعلات الكيميائية ويتّم إطلاق هرمونات مثل الأدرنالين وغيره إلى مجرى الدم. لذا فإن صوت المعلم أو نبرة صوته أو إشاراته، قد تذكر التلميذ بمعلم سابق لا يحبه. وقد تثير الإخفاقات السابقة مثل تلك المشاعر، كما يمكن أن تثيرها ذكرى الفشل المستمر في مادة، ذكرى لرسوب محرج، ويمكن إعادة إشارة تهديد حقيقي ذي شأن عن طريق حادثة أصغر منه بكثير.

السبب الثاني يتعلق بالبيئة. فالتلاميذ قد يشعرون بالفتور أمام أساليب تعلمية غير مناسبة، ونقص المصادر والمعوقات اللغوية وفقدان الاختيار والمحرمات الثقافية والخوف والإحراج والافتقار إلى التغذية الراجعة وسوء التغذية والعطش ونقص الأوكسيجين في غرفة الصف وتلوث البيئة. بالاضافة إلى المضمون غير المثير للاهتمام إضافة إلى احتمالات أخرى (17)

والسبب الثالث لحدوث لا دافعية يعود إلى العلاقة بالمستقبل، وهذا يتضمن وجود أهداف واضحة محدّدة بشكل جيد، ذلك أن الكثير من التلاميذ يتسربون من المدرسة أو يرسبون بسبب عدم وضوح الأهداف. كما أن ما يعتقده التلميذ إزاء المضمون والسياق والاهتمام بإحراز النجاح في هذا الصف ومع هذا المعلم مسألة في غاية الأهمّية. فهذه الأهداف والمعتقدات تحدث في حالات تُطلق مواد كيمائية قوية في الدماغ؛ إذ إن التفكير الإيجابي ينشط الفص الأمامي الأيسر وعادة ما يطلق مواد كيمائية تبعث على السرور مثل الدوبامين Dopamine إضافة إلى المهدئات الطبيعية كالأندرفين Endrophine وهذه المكافأة الذاتية تعزّز السلوك المطلوب.

إن التلاميذ من أي من الفئات الثلاث السابقة، هم ببساطة في حالة لا دافعية مؤقتة. ونظراً الى أن أي فرد يمكن أن يمّر في مجموعة من الحالات في أي وقت سعيد، جائع، قلق، فضولي، راض فإن الحالة التي نطلق عليها الفتور قد تكون ببساطة إحدى الاستجابات المناسبة للبيئة، والمعلم الذي يفهم الحالات التي يمّر بها التلاميذ يمكن أن يكون فاعلاً، وغالباً ما يختفي الفتور بنشاط جذاب بسيط، أو من خلال الإصغاء أو التبادل أو استخدام الموسيقى والأنشطة الجماعية.

الدافعية والدماغ والهرمونات

يقول دين ويترك: "إن التعليم الصفي يستند إلى نظرية خاطئة، فنحن نفترض بأنه يتعين على التلاميذ أن يحصلوا" على مكافأة فورية عندما يؤدون عملاً بطريقة صحيحة (18)  ولكن الدماغ يرتاح تماماً لمتابعة الجديد وحب الاستطلاع ويحب الأشياء ذات الصلة بالموضوع ويستغرق في التغذية في النجاح، وسيكون من المفيد توسعاً في تطبيق المواضيع وحلّ المشكلات حيث تكون العملية نفسها أهّم من الإجابة أو الحلّ وهذه هي المكافأة.

ويتخذ علماء الأعصاب موقفاً مختلفاً عن النظرية السلوكية في ما يتعلق بالمكافآت. ذلك أن الدماغ يصنع مكافآته بنفسه وهي ما نطلق عليها المهدئات التي تستخدم لتخفيف الألم والتوتر كالمورفين، ويقع جهاز المكافأة في الهيبوتلاموس، وكأن الدماغ يقول عن هذا السلوك: "هذا شيء جيد دعنا نفعل ذلك، ونفعله مرة أخرى". وهكذا يكافىءالدماغ التعلم بمشاعر جيدة. فالتلاميذ الذين ينجحون يشعرون بالرضا وهذا يمثل مكافأة كافية بالنسبة لهم.

تلعب الحساسية الجينية وتجارب الحياة دوراً في جهاز المكافأة. فخبرات الطفولة المبكرة المشتملة على العنف هي التي تشكّل الدماغ. إنّ أدمغة هؤلاء التلاميذ لا تكافأ بالرضا والارتياح في إنجازهم للنشاط والعمل المدرسي فقط. وفي هذه الحالة، فإن الاستراتيجيات التي يستخدمها معظم المعلمين لا تحقّق الغاية ما لم يفهموا سبب تصرف هؤلاء التلاميذ. إنهم سيحققون نجاحاً عندما يوضعون في مجموعات ويمارسون أدواراً تعاونية. كما أنهم يحتاجون إلى تعلم مهارات عاطفية.

دور المعلمين

من الحلول بالنسبة للدافعية تقديم التدريب الأفضل والفعلي للمعلمين في مجالات المعرقة والثقافة وأساليب التعلم وإدارة الحالات، وتوفير مزيد من المصادر، ومن المفيد التقليل من الحواجز اللغوية واستخدام أكثر لخيارات التلميذ وإزالة أي نوع من الإحراج والسخرية. كما يجب تقديم المزيد من التغذية الراجعة والتشجيع على تناول الغذاء الصحي. كذلك من المفيد أن يتعلم التلاميذ أساليب التفكير الإيجابي وأن يتعلموا وضع أهداف محدّدة. ويقوم الباحثون حالياً بتطوير أدوات أفضل لفهم آليات العمل الداخلي للدماغ المتسم بالدافعية، وعلى العموم فإن ما يتوافر من أبحاث يدّل على أن أساس المشكلة يتمثل في طريق تعاملنا مع التلاميذ، وبدلاً من السؤال، كيف يمكن تحفيز التلاميذ ؟ فإن السؤال الأفضل هو، ما الطرق التي يتّم بها حفز الدماغ (19)  بشكل طبيعي من الداخل ؟ وهل يستطيع المعلمون القيام بذلك؟ الجواب هو نعم، والمربون في العالم يحققون نجاحاً كل يوم.

انطلاقاً مما سبق ذكره، نجد أن عدم معرفة هذه الأمور والأصّح عدم تطبيقها في غرفة الصف يشكّل إساءة غير متعمدة للتلاميذ.المعلم - متعاطف أم غير متعاطف

العلاقة التربوية : معلم تلميذ

العلاقة معلم  تلميذ تتوقف في جزء كبير منها على لا وعي المعلم وعلى نضجه العاطفي. فإذا بقي المعلم في حالة من عدم النضوج العاطفي الكافي، فإنه سوف يستجيب لانعدام النضوج الطبيعي عند التلميذ. فقد يبقى التلميذ مثبتاً في المرحلة الفمية فيسعى إذ ذاك إلى امتلاك انتباه المعلم، أما الطفل العدواني أو الذي لديه شعور بالذنب، فإنه يثير عدوانية المعلم حتى يقتص منه.

وقد قام فريق من الباحثين بتجربة دامت اثنتي عشرة سنة في هامبورغ (20) وانتهت بفشل كبير، إذ إن الأطفال تألموا من انعدام سلطة الكبار وبعضهم استجاب بشكل ذهاني لهذه العلاقة المتصفة بالقلق. ولكن نستطيع أن نقول، أن كل مربّ ناضج يستطيع أن يميّز بين السلطة والقمع، وكل مربّ يلجأ إلى القمع : التهديد، الابتزاز العاطفي،  برهن عن افتقاره الى السلطة، ذلك أن السلطة قوة داخلية تفرض نفسها بنفسها.

ويصنف التلاميذ المعلمين بين متعاطف وبين غير متعاطف. ويظهر أن الصفة المهمّة بالنسبة للتلاميذ هي التعاطف أي استعداده العاطفي الايجابي واهتمام المعلم بالتلاميذ وبعملهم. وإذا أحبّ المعلم التلاميذ فسوف يحبونه وإذا احترم التلاميذ سيحترمونه وإذا اهتّم بهم سيهتمون به. والعكس نجده عند المعلم غير المتعاطف الذي يُظهر برودة وعدم اهتمام بالتلاميذ وهذا ما يشكّل أساساً لبناء المشاعر السلبية.

إن المعلم الذي لا يتمتع بخصائص المعلم الناضج والمتعاطف يكون في عمله مع التلاميذ مسيئاً إليهم.

وفي النهاية نقول بأن مهنة التربية هي مهنة صعبة وتتطلب الصبر والتسلح بالمعارف والمهارات اللازمة والضرورية. ولا شكّ أن العلوم النفسية تقدّم لنا كمربين الكثير من الدعم وتنير لنا الطريق وخاصة الأبحاث الحديثة التي تتناول الدماغ، ولكن يبقى أن يكون لدينا الإدارة في أن نحسّن أداءنا كآباء أو كمدرسين ومن هنا علينا أن نقرأ، ونحن كما قالت عنت المنظكة الدولية للتربية والعلوم. المعلم من الدعم وتنير لنا الطريق وخاصةً الأبحاث الحديثة التي تتناول الدماغ، ولكن يبقى أن يكون لدينا الإرادة في أن نحسّن أداءنا سواء كآباء أو كمدرسين ومن هنا علينا أن نقرأ، ونحن كما قالت عنا المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة.

 

المراجع :

- مريم سليم، علم نفس النمو، دار النهضة العربية بيروت ٢٠٠٥

- مريم سليم، علم نفس التعلم، دار النهضة العربية بيروت ٢٠٠٣

- مريم سليم، علم النفس التربوي، دار النهضة العربية (وهذا الكتاب كان الأكثر مبيعاً في معرض بيروت للكتاب  ٢٠٠٤) بيروت ٢٠٠٤

- مريم سليم، أدب الطفل وثقافته، دار النهضة العربية بيروت ٢٠٠١

- مريم سليم، علم تكوين المعرفة، (الطبعة الأولى، معهد الإنماء العربي)، ط.ث.، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٢

- مريم سليم، قياس وتقييم النمو العقلي المعرفي في رياض الأطفال، وزارة التربية، مركز الطفولة والأمومة، الكويت، ٢٠٠٢

- مريم سليم، الأسس الثقافية النفسية  التربوية في الصحة الإنجابية، صندوق الأمم المتحدة في لبنان، ٢٠٠٢

.  مريم سليم وعلي زيعور، حقول علم النفس الطبعة الأولى، دار الطليعة، بيروت ط.ث.، دار النهضة العربية، ٢٠٠٤

- مريم سليم وباسمة الحاج، أسباب الطلاق في الكويت، وزارة التربية، مركز الطفولة والأمومة، ٢٠٠٠

- معصومة ابراهيم ومريم سليم وآخرون، علم نفس النمو، الكويت، ٢٠٠٠

- مريم سليم، دراسة تقييمية للشباب في مرحلة المراهقة، صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان، ٢٠٠٢

- مريم سليم، كيف ننمّي تقدير الذات والثقة بالنفس والنجاح عند أبنائنا، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٣

- جعفر العريان، باسمة الحاج، مريم سليم، تحسين نوعية حياة الأسرة في الكويت، وزارة التربية، مركز الطفولة والأمومة.

.  مريم سليم، الطفل من الولادة حتى الخمس سنوات (ط.أ. دار البراعم) زط.ثُ، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٥

- مريم سليم، الأسس التربوية لتدريس الرياضيات للأطفال، دار المقاصد الإسلامية، بيروت، ١٩٨١

 

الهوامش

١ مريم سليم، الطفل من الولادة حتى الخمس سنوات، دار النهضة العربية، ٢٠٠٥

2- Rene's spitz, 1965, de la naissance à la parole, Paris, PUF

3- Mélanie Kleine, (1968), Envie et gratitude, Paris, Gallimard

4 مريم سليم، ( ٢٠٠١)، بيروت ،أدب الطفل، وثقافته، دار النهضة العربية

5- Bideau j,et d'autres,)1993(, l'homme en developpement, PUF,Paris.Psychodrame

6 مريم سليم، (٢٠٠٣ )، كيف ننمي تقدير الذات والثقة بالنفس والنجاح عند ابنائنا، بيروت، دار النهضة العربية

7- Eric Eickson, (1963), childhood and Society, Norton and Co., New york

8- A. Avanzini, (2005), Le temps de L'adolescence, éd. Universitaire, Paris

9- Freud S., Deuil et mélancolie in métapsychologie cité par la planche J., l'articleÅ: Les normes normales et sociales leur impact dams la topique subjective, un bulletin de psychologie II, VI, 1972, 1973, pp. 14-16

١٠ - المرجع السابق نفسهMucheilli R, (1972), comment ils deviennent déliquants, Coll., ESF, 11- Paris

١٢ - مريم سليم، دراسة تقييمية : في مرحلة البلوغ والمراهقة، ( ٢٠٠٢ )، صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان.

١٣ - مريم سليم، الأسس الثقافية النفسية التربوية في مواضيع الصحة الإنجابية، ( ٢٠٠٢ ) صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان.

14- Jean Piaget, six études de psychologie, éd. Gonthier, 1969, Gebève

15- Inhelder B., Saint Clair M., Bovet M., Learning and the development of cognition, Cambridge, M.A., Harvard University, Press, 1974

16 مريم سليم، علم نفس التعلّم،( ٢٠٠٣) دار النهضة العربية، بيروت، ص. ٥١٨

17- Lieury A., 2000 Paris apprentissage scolaire : mieux impliquer la mémoire, science et vie, N212.

18 إيريك جينسن، ( ٢٠٠١ )، الظهرن، كيف توظف أبحاث الدماغ في التعليم، دار الكتاب التربوي.

19- Ledoux J, the emotional brain, New York, Simon and Schuter, 1996

20- Chirivella F1997, Paris rencontres internationals sur l'enseignement des mathématiques, CRDP, p.412

 

الأدوار النفسية والتربوية للأسرة والمدرسة والإساءة الى الأطفال

د.مريم داود سليم استاذة في كلية التربية الجامعة اللبنانية

يلاحظ من خلال الإتصال المستمر بين القيّمين على الشأن التربوي من جهة والمعلمين من جهة أخرى أن المشكلات التي يناقشها الأهل والمعلمون ما هي إلا نتيجة طريقة خاطئة ينتهجها الوالدان والمدرسون. وأن المشكلات الأساسية التي يعاني منها التلاميذ ناتجة عن اضطرابات معينة مثل العناد أو انعدلم الثقة بالنفس أو الرسوب المدرسي أو الكذب.... ألخ

نتناول في هذا البحث موضوع أدوار الأسرة والمدرسة والاساءة الى الأطفال مع الإشارة الى أن هذه الإساءة غير متعمّدة في الغالب... فالإساءة الى الأطفال لا تقتصر على الضرب أو الاهانة او الاساءة الجنسية فقط، بل تكمن ايضاً في عدم معرفتنا بحاجات الأطفال في المراحل النمائية المختلفة. إذ لا تزال اساليب الاساءة القاسية متداولة في مجتمعاتنا حيث يعتبر الضرب احدى أدوات التربية التي يستخدمها الوالدان والمدرسون على حد سواء.

ففي إحد اللقاءات مع أولياء أمور تلاميذ المرحلتين الاعدادية والثانوية سأل أحد أولياء الأمور أثناء مناقشة موضوع الضرب، كيف تريدوننا أن نربي أولادنا اذا لم نضربهم؟. في لقاء آخر مع أولياء أمور تلاميذ رياض الاطفال، شكت أم من أن ابنها يضرب رفاقه، وان المعلمات يشكين من ذلك، وأنها تضربه حتى يكف عن ضرب رفاقه، فكان الجواب: حاولي أن تمتنعي عن ضربه لعله يتوقف هو نفسه عن ضرب الآخرين.

وفي مواقف مماثلة عندما كنا نقول: ممنوع مقارنة الطفل بالآخرين، كنا نواجَه برفض ذلك، وحجة الاهل والمعلمين انهم يفعلون هذا من اجل تشجيعه ودفعه، فيما يعتبر علم النفس أن مقارنة الطفل بآخرين هي اساءة اليه، وعندما كنا نقول بعدم التشهير بالطفل والكلام عن مساوئه امام الآخرين، كنا نواجه برفض الاهل ايضاً وحجتهم هذه المرّة انهم يفعلون ذلك من اجل ان يقلع الطفل عن الامور السيئة. وإذا أردنا أن نسترسل فإن الامثلة كثيرة، لكننا نستشهد بمثل أخير، فعندما يخبرنا الأهل بمشكلات يعاني منها أطفالهم، وخلال سرد المشكلة نعتقد بأن الطفل في الرابعة أو الخامسة من العمر، وعندما نستفسر عن عمره نفاجأ بأنه في التاسعة او العاشرة منه. لذلك نستطيع القول إن أطفالنا في غالبيتهم ليس لديهم ما نسميه الانضباط الذاتي، ونحن نعرف بأن الأطفال في الطفولة الوسطى والمتأخرة أي بين ٦ و١٢ سنة يحرصون على إعطاء صورة جيدة عنهم، ويكون الحس الأخلاقي والخضوع للقانون قد تتطورا عندهم، ولكن لماذا لا نجد هذا عند اطفالنا. وهذا ما يشكو منه المدرسون والمدارس ايضاً أي الانضباط الذاتي في الصف كما في الملعب.صورة لاولاد مع تعليق: اولادنا امانة في اعناقنا

من أجل هذه الأمور وغيرها أيضاً نتكلم على "أدوار الأسرة والمدرسة والإساءة الى الأطفال" اذ أننا بحاجة الى نشر الثقافة التربوية والنفسية بين الجميع خصوصاً بين الآباء والأمهات، فلا الأبوة ولا الأمومة وظائف بيولوجية بل هي وظائف بيولوجية تحتاج الى اعداد. وسنتناول في ما يأتي حاجات الأطفال في المراحل النمائية المختلفة:

 

أدوار الأسرة النفسية والتربوية

حاجات الطفل من المرحلة الجنينية الى المراهقة

إن إنجاب الطفل في يومنا هذا يتعلق بقرار الزوجين برغبتهما، حتى انهما وبنتيجة التقدم الطبي الكبير يستطيعان أن يحددا جنس الجنين. وقد اسهمت في هذا التطور علوم عديدة منها البيولوجيا والفيزيولوجيا الحديثة وعلم النفس والايتولوجيا (علم دراسة العادات) ولقد اهتم علماء النفس بدراسة الكائن البشري منذ تكونه وليس منذ ميلاده، أي طيلة التسعة أشهر من الحمل (من الإخصاب إلى الميلاد) وتؤكد الأبحاث على نشاط الحواس في الشهر السابع. حيث تلاحظ الحامل أن الجنين يتأثر بالضجيج وبالموسيقى أو ببعض العوامل الخارجية، كما بينت الأبحاث الفرنسية أن الأجنة يستسيغون موسيقى موزار ويضطربون لموسيقى بيتهوفن وبرامس.

ويستطيع الجنين في الشهر السابع أن يسمع صوت الأم أو صوت الأب والأخوة والأخوات. وفي إحدى التجارب تبيّن أن الأب الذي يقول للجنين بعض الكلمات وإذا رددها له بعد الولادة فإنها تؤدي إلى حالة من الهدوء اذا كان الجنين باكياً او مضطرباً.

ولا بد هنا من الكلام ايضاً عن الوراثة والأمراض الوراثية، إضافة إلى أهمية العوامل البيئية من غذاء الأم الحامل وامتناعها عن التدخين، ذلك أن الأبحاث بيّنت أن الطفل الذي دخنت أمه أثناء حملها به يعاني من نقص الانتباه عندما يذهب إلى المدرسة. إضافة الى خطورة إدمان الكحول لدى الحامل ذلك أن الجنين يكون صغير الرأس بالإضافة الى إمكانية اصابته بالعته العقلي وضعف البنية وانعدام مقاومة الأمراض.  

 الجنين يسمع صوت الام والأب والاختإن المرأة غير السعيدة تتحمل أعباء الحمل بصعوبة أكبر من المرأة السعيدة التي تعيش في جو من الانسجام والتفاهم. ويصاحب الإتجاه السلبي نحو الحمل الغثيان ويميز هذه الاصوات بعد الولادةوالتقيؤ. وكذلك فإن الإنفعالات النفسية عند الأم الحامل تؤثر بصورة مباشرة على الجنين اذ تؤدي الى إفراز هرمونات تصل عبر المشيمة اليه وتؤثر على إفراز الهرمونات في غدده. وبعض الأجنة تظهر تزايداً في حركتها عند تعرض الأم لانفعالات نفسية.  

ومن المهم أن نذكر ان للناس المحيطين بالحامل تأثيراً كبيراً على حالتها النفسية وخصوصاً الزوج، ذلك ان سوء التوافق مع الحمل. والحمل والولادة ليسا من أمور المرأة وحدها، فدورالزوج ''الأب'' أساسي بالنسبة للأم وكذلك بالنسبة للطفل. والأبوة وظيفة يجب ان يتعلمها الرجل وهي تبدأ قبل الولادة وتستمر خلال تربية الطفل. ومن المهم ان نذكر ان للبيئة التي تعيش فيها الحامل تأثيراً كبيراً على الجنين، ذلك ان الاجهاد النفسي والذهني والجسمي يؤثر على نمو الجنين وتطوره بسبب إفراز هرمونات تؤثر على جسمه، وقد أثبتت الدراسات أن نتائج الإجهاد تظهر لاحقاً عند الأطفال من خلال أدائهم الدراسي المتدني، ذلك ان اختلاف معاملة الامهات اثناء الحمل ينتج عنه اختلاف في تصرفات الأطفال بعد الولادة، كما ثبت ان الأطفال حتى سن الثلاثة اشهر ينتابهم الخوف اذا كانت امهاتهم قد تعرضن اثناء الحمل لحوادث مخيفة. ويولد بعض الأطفال قبل اكتمال ٣٧ أسبوعاً وهناك أسباب لولادة الطفل الخديج (الذي يولد قبل اتمام ٩ أشهر)، منها:

  1. أمراض ومشاكل في الجهاز التناسلي للأم.
  2. مشاكل صحية عند الأم الحامل مثل سوء التغذية والإجهادالنفسي والإرهاق.
  3. الإضطرابات النفسية عند الحامل.

وكل طفل يولد خديجاً يكون  معرضاً للخطر كلما كانت مدة الحمل أقل. ويكون الطفل في هذه الحالة ناقص الوزن مما يزيد احتمال تعرضه لخلل عصبي. وقد يلاحظ عند هؤلاء الأطفال صعوبات من الناحية الكلامية ونقص في التآزر الحركي ونقص أو زيادة في النشاط وصعوبات في ضبط عمليات الإخراج مع صعوبات اجتماعية وانفعالية، مما يؤدي إلى شدة القابلية للتشتت وعدم التركيز.

وفي دراسة نشرتها مجلة ''لانست'' قال أطباء إن الأطفال الذين ولدوا قبل أكثر من خمسة أسابيع من اكتمال فترة النمو يصبحون أكثر عرضة لمواجهة صعوبة القراءة ومشكلات سلوكية في مرحلة المراهقة. وقد أجرت الدراسة الطبيبة آن ستيوارت وزملاؤها من جامعة لندن على ٧٢ مراهقاً ولدوا قبل الآوان و ١٥ مراهقاً ولدوا بعد اكتمال فترة الحمل. خضع خلالها المراهقون لسلسلة من اختبارات التعلم والسلوك لتحديد مدى تأثير الولادة السابقة لأوانها على تركيب المخ والقدرة على التعلم. وأظهرت الدراسة ان المراهقين الذين ولدوا قبل اكتمال نموهم أكثر عرضة ١٢ مرة من غيرهم من الشباب الجنين يسمع صوت الام والأب والاخت. ويميز هذه الاصوات بعد الولادة. لان تكون الاشاعات المقطعية على مخهم غير طبيعية كما أنهم يجدون صعوبة أكبر في التعلم وتكون درجاتهم في القراءة ضعيفة. وأشارت ستيورات وفريقها إلى ان أكبر اختلاف أظهرته الإشاعات المقطعية بين تركيب دماغ المجموعتين كان الجزء الذي ينقل الإشارات الى الحبل الشوكي. كما وتؤثر المحاولات المتكررة الفاشلة للإجهاض تأثيراً خطيراً على نمو الجنين.

ولا تزال المرأة العربية تواجه الكثير من المشكلات والهموم حين يتعلق الأمر بالحمل والولادة، منها ما هو متعلق بالعادات والتقاليد والقيّم السائدة وموقف الرجل. ومنها ما يتعلق بوضع المرأة نفسها كعاملة تنشد الإنجاز وتحقيق الذات في ميدان العمل، والصراعات التي تمر بها وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية التي تزخر بالتناقضات. ويزيد من أهمية الموضوع ازدياد أعداد النساء العاملات، سواء لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو ذاتية. ولكن تبقى"الأمومة" كمفهوم وشعور نقطة انطلاق الى مواضيع أخرى عديدة.

ومن العادات التي تؤثر على أوضاع المرأة الحامل وصحتها بعد الوضع، انه يتم حرمانها من شرب الماء أو العصير أو أكل الحمضيات بداعي أنها تؤثر على صحتها ولياقتها الجسدية، وقد أدى ذلك في حالات ليست بالنادرة الى إصابة بعض النساء بالفشل الكلوي. ونحن نعلم ان عدم شرب المرأة للسوائل بعد الوضع يؤثر على قدرتها على الإرضاع. يتبين لنا مما تقدم مقدار الإساءة الى الطفل في حال عدم مراعاة حاجات هذه المرحلة ومتطلباتها.

الحاجات في الطفولة الأولى

يمكن فهم خصائص النمو النفسي للأطفال في هذه المرحلة من خلال إشباع حاجاته الأساسية: حاجته الى الراحة والاستقرار والثبات في البيئة المحيطة به، حاجته الى التعلق ودفء العاطفة والحنان العلاقة مع الام والشعور بالأمانوالرعاية، هذا الى جانب أن إحساس الطفل بالثقة وباشباع حاجاته ما هو في الواقع الاّحالة انفعالية تساعده على التوحد مع العالم، بمعنى ان الجو الذي يشيع الثقة بين الطفل ومن حوله من أفراد أسرته يدعم الجهود التي يقوم بها لكي ينجز واجبات النمو في هذه الفترة. ولذلك فإن دور الوالدين في هذه المرحلة يتحدد بالفورية والثبات، أي بالاستجابة لمؤثرات التوتر التي تصدر عن الطفل وذلك بهدف إزالة هذا التوتر. ''فقد ثبت أن الطفل الذي لم تكن أمه تستجيب لحاجاته بشكل فوري في الأشهر الأولى من حياته، يميل بعد ذلك إلى أن يصبح سريع الغضب والإهتياج وأقل  طاعة لأوامر أمه ونواهيها عندما يكبر(1).

إن نوع نسيج الوعي عند المولود الجديد وصلابته يتعلقان بمحيطه وخصوصاً بالأم حضوراً وحرارة وحناناً، فالتجربة الناشئة عن الاحتكاك اليومي معها سوف تترك آثارها على شخصيته كلها، والأسابيع الأولى من حياة الطفل بالغة الأهمية اذ تشهد عقد الروابط بين الطفل والأم، روابط سوف يكون لها تأثير على شخصيته ومستقبله، ذلك ان توازن الإنسان البالغ تشكل خلال طفولته، وأساس التوازن تقيّمه الأم منذ الأسابيع الأولى من حياة، الطفل حسب سبيتز(2) فالطفل في هذه المرحلة يختزن كل ما يعيشه من مستحب ومكروه، من إشباعات وخيبات أمل وتجارب سارة ومحزنة ومحاولات ناجحة وفاشلة.  

تلعب العلاقة الأولى مع الأم دوراً أساسياً في بناء الشخصية العاطفية والاجتماعية والصحة العقلية للفرد. وتعطي ميلاني كلاين (3) أهمية كبيرة وأساسية لعلاقة الطفل بأمه، فالنمو لا يمكن أن يحدث النمو السليم في كنف العائلةبطريقة سليمة اذا لم تتجذر صورة الأم مع الأنا في أمان، هذه العلاقة بثدي الأم أو ما يحل محله أو الأم على الأصح، هذه العلاقة الجسدية والنفسية لا تؤدي إلى النمو الصحيح اذا لم تحصل الأشياء بشكل جيد. والكثير من الاطفال الذين يحرمون من الأم أو يوضعون في مؤسسات رعائية ولا يكون لهم علاقة مباشرة بالأم يعانون من مشكلات نمائية أقلها التأخر الدراسي والتأخر في نمو الذكاء ومنهم من يموت جوعاً برفضهم الطعام وكل هذا بسبب الحرمان العاطفي. وفي دراسة قمنا بها في مؤسسات رعائية في لبنان تناولت مئة تلميذ حول "نمو الذكاء" وطبقنا فيها اختبارات بياجية المتعلقة بتصور العالم عند الطفل، تبين لنا أن أطفال هذهالنمو السليم في كنف العائلة. العلاقة مع الام والشعور بالأمان. المؤسسات قد تأخر لديهم تكوّن هذه المفاهيم (مفاهيم تصورالعالم) ثلاث سنوات عن الأطفال الذي يعيشون في أسرهم. ولعلنا هنا نقول بأن وجود الأطفال في هكذا مؤسسات هو مننوع الاساءة إليهم، وقد ألغيت هذه المؤسسات في الكثير منحيث (sos) بلدان العالم وتمّ استبدالها بالأسر أو بقرى الأطفال الأطفال في عائلات ترعاها من تقوم مقام الأم وتقدم الدعم والرعاية لكل طفل.

في الحرمان من الحركة اساءة الى نمو الطفلفي نهاية السنة الثانية يستطيع الطفل أن يمشي وهوأقل اعتماداً على الآخرين في تحركاته، ويستخدم يديه بمهارة، ويعود هذا التقدم إلى نمو الجهاز العصبي والعضلي. ويختلف الأطفال في ما بينهم بالنسبة لقضايا المشي والنظافة والكلام، وليس مهماً متى تحصل هذه الأمور، ولكن من المهم أن تحصل في الفترة التي تسمى"الفترة الحرجة" التي هي بين ١٢ و ١٨ شهراً، وخلال هذه الفترة لا نستطيع أن نتكلم عن تأخر في النمو أو تقدمه.  ومن السنة الى ال ١٨ شهراً يستطيع الطفل أن يأكل بمفرده. ونعتقد أنه يقع في باب الاساءة الى الطفل في هذه السن عدم السماح له بالحركة والتنقل وعدم تشجيعه على القيام بذلك وحمله طوال الوقت، خصوصاً في الأسر التي تتوافر فيها الخادمات، حيث يطلب الى الخادمة حمل الطفل وفي هذا الأمر إساءة إلى نموه الحسي - الحركي. كما اننا يجب أن نترك الطفل يأكل بمفرده، فنضعه في كرسيه ونضع تحته جرائد أو أوراقاً، لانه بإطعام نفسه سوف يشعر بسعادة وسوف تزداد ثقته بنفسه، لأن إطعام الذات في هذه المرحلة يعتبر من الإنجازات، والجميع يعرف أن الإنجاز يعزز الثقة بالنفس. كما ان عدم توفير الألعاب للطفل من مكعبات وحتى أشياء من المنزل، وعدم توفير كرة له، وعدم السماح بخلع ملابسه بنفسه، وأن نقوم نحن باطعامه، فهذه كلها أمور تسيء الى الطفل وتجعله غير مستقل، ذلك ان الطفل في هذه المرحلة يحب الالعاب التي تتضمن تخبئة الأشياء، وفي هذا النوع تمرين عاطفي وذهني ايضاً حيث يتغلب الطفل على صعوبات الانفصال المؤقت عن الأم.

كما يجب أن نؤمن للطفل دراجة بثلاثة دواليب، وأن نضع بين يديه كتباً يتصفحها، وأن نؤمن له أوراقاً وأقلاماً لأنه يحب الرسم. كما يجب أن نروي له القصص بما لها من تأثير على نموه العقلي واللغوي، بالإضافة الى كونها تساعد الطفل على حل أزماته العاطفية وتعمل على تمتين العلاقة بينه وبين والديه (4) .

الانفصال المؤقت عن الأمفي عمر السنتين يستطيع الطفل أن يكون نظيفاً من خلال ضبط البول والإخراج بسبب النضج العصبي والعاطفي، ذلك أنه حتى يستطيع ضبط عمليتي البول والإخراج فإن عضلات المبولة والمخرج يجب أن تكون قوية. من هنا فإن الإساءة الى الطفل قد تتمثل في حثه على تعلم النظافة قبل النضج العصبي والعضلي اللازمين لذلك، ما يؤدي الى شعوره بالعجز عن تحقيق ما يريده منه والداه. وينطبق الأمر نفسه اذا أهمل الطفل ولم يتم تعليمه النظافة في الوقت المناسب.

ومن أجل اكتشاف الذات وتوكيد الأنا يمر الطفل بأزمات وصعوبات، وهو يمر من دون سبب بين قول "نعم" وقول "لا" أي بين الحاجة إلى الأمان والحاجة إلى الاستقلال، وهو بحاجة إلى معايير تساعده على الخروج من هذه التناقضات.

وتعتبر إساءة إلى الطفل، اذا حاولنا فرض أمور عليه وعدم إعطائه بدائل وعدم شرح المواقف له ومناقشته لنساعده على بناء شخصيته. وفي مواقف عديدة نرى أن الأهل يحاولون إثارة غضب الطفل بشكل مفتعل ويهزؤون من ثورة غضبه.

ويحقق الطفل بين السنتين والسنتين والنصف تقدماً في المجال اللغوي وتصبح جمله واضحة ومفهومه من الآخرين، ويفهم معاني الكثير من الكلمات. من هنا فإن من واجب الوالدين محادثة الطفل وقراءة الكتب له. واذا كان يخطئ في لفظ بعض الأحرف فيجب عدم إجباره على اللفظ الصحيح لان الأمر يتعلق بالنضج العصبي للمناطق المتعلقة بالنطق. وعلى الوالدين في هذه الحالة ترداد الكلمة امامه بلفظ صحيح وهذا كاف ليتمكن الطفل من لفظها صحيحة عندما يصبح قادراً على ذلك.

والطفل بين السنتين والنصف والثلاث سنوات يفضل اللعب بمفرده، إلا أنه يستطيع التحاور مع الآخرين الذين هم في سنه واللعب معهم والعيش معاً في عالم الخيال. ويدرك الانفصال المؤقت عن الأم. في الحرمان من الحركة اساءة الى نمو الطفل الطفل في هذه المرحلة هويته الجنسية فتختلف العابه ويختلف سلوكه تبعاً لهذه الهوية. ومن هنا نعتبر انه من الإساءة الى الطفل منعه من الاختلاط مع أطفال في سنه وكذلك عدم العمل على جعله يدرك هويته الجنسية التي يهملها بعض الأباء ما قد يؤدي الى وقوع الطفل في اضطرابات في المستقبل.

استخدام الطفل ليديه اليد اليمنى ام اليد اليسرى

تقول النظريات ان الذي يحدد أياً من اليدين يستخدم الطفل هو نوع السيطرة المخية الأصلية لديه؛ فسيطرة الجانب الايمن من المخ تفضي الى العسر والعكس صحيح. وان ضغط الأهل على الطفل كي يستخدم يده اليمنى له نتائج ضارة على النطق والانفعالات كأن يصبح الطفل متأتئاً.

النمو الإجتماعي

إن الحياة بالنسبة لطفل في هذه المرحلة ما هي الا لوحات متمحورة حول شخصية الأم، وهذه اللوحات تمنح الطفل الطمأنينة وتسمح له أن يجد ذاته، لذلك اذا كانت هذه اللوحات مشوشة وكانت العادات متغيرة باستمرار يضيع الطفل ويفقد اتجاهه. المهم في تفاعلات الرضيع مع من يقوم على رعايته هو ما يجده من ثبات. فعندما يحس الطفل بثبات الأب وانه يمكنه الاعتماد عليه ينمو لديه إحساس بالثقة في هذا الأب والبديل عن ذلك هو فقدان الثقة، أي الشعور بعدم التوقع أو عدم إمكانية الإعتماد عليه أو انه يمكنه ألا يكون موجوداً عندما يحتاج الطفل اليه. وعندما يتعلم الطفل الثقة في من يرعاه فإن ذلك ينعكس على سلوكه. ويقول أريكسون إن علاقة الثقة في الأم تظهر عندما يكون الطفل مستعداً لتقبل ترك الأم عند رؤيتها دون أن يظهر القلق والغضب، ترك الطفل مؤقتاً يعزز ثقته بنفسه.ذلك انه اذا كان الأباء ممن يعتمد عليهم فان الاطفال يحتملون غيابهم، أما لو كانوا ممن لا يعتمد عليهم فإن الأطفال لا يستطيعون ان يتركوهم ليذهبوا بعيداً عنهم. وتعتمد الثقة ايضاً في أن يكون لدى الآباء الثقة في ما يفعلونه، وأن يعبروا للطفل ان هناك معنى في ما يفعلونه، وهكذا فمن المهم أن يشعر الأهل بالثقة كي لا يشعر الرضيع بالقلق.  ويتصل نمو الطفل الاجتماعي اتصالاً وثيقاً بنموه الجسدي والعقلي والعاطفي، فعندما يولد الطفل في بيئة ترغب فيه وبين أناس يحبونه ويقبلون على مداعبته، يألف الناس ويقبل عليهم ويستمتع بصحبتهم، مما يمهد السبيل لنموه الاجتماعي وسهولة إقامة العلاقات بالغير. كذلك فإن صحة الطفل الجيدة والعناية بملبسه ومظهره ذات تأثير كبير في إقبال الناس عليه، أما الطفل ضعيف البنية والذي لا يتمتع بحسن المظهر فانه يعزل عن الناس مما يقلل من فرص نموه الاجتماعي وإقبال الناس عليه. ويحتاج الطفل منذ الشهر الرابع الى بقاء الناس معه، يبكي لاستدعائهم ويبتسم عندما يداعبونه ويهتمون به. لذلك فإن ترك الطفل مع الخدم وعدم الاهتمام به من قبل الأم والأب بصورة مباشرة يقلل من فرص نموه الاجتماعي ويعتبر هذا الأمر إساءة اليه. وتدل أبحاث فينكوت ودولتو وسبيتز على أهمية العلاقة بين الأم وبين الطفل. وقد وجد سبيتز نوعاً من الإنهيار العصبي عند بعض الاطفال المحرومين عاطفة الام وتدل الدراسات العيادية أن الاسرة المضطربة تنتج أطفالاً مضطربين. وان الكثير من اضطراب الطفل ما هو الا أحد أعراض اضطراب الأسرة المتمثل في الظروف الصعبة وأخطاء التربية والتنشئة الاجتماعية.

النمو المعرفي

الروضة - الانطلاق الى العالم الخارجيان التفاعل الذي تتخذ فيه الام موقفاً ايجابياً فعالاً في حياة الطفل لا يقتصر على مجرد الاستجابة لحاجاته فقط، بل يتعداه الى المبادأة في استثارته اجتماعياً وانفعالياً ومعرفياً وذلك من خلال الإتصال بالطفل من حيث احتضانه والتحدث اليه ومداعبته ومشاركته اللعب وسماعه للموسيقى. لهذا ينبغي على الوالدين تشكيل البيئة المادية للطفل بحيث تتناسب ومستوى نموه، أي أن يأخذ الوالدان بعين الاعتبار حاجات الطفل عند إعطائه المواقف والمثيرات وتحديد ما هو مناسب للطفل من حيث تنوع الخبرات التي يتعرض لها، وأن يقوما بتغيير البيئة بما يتناسب ونمو مهارات الطفل المختلفة، فالوالدان اللذان يهيئان لأطفالهما فرصة التشجيع على الإطلاع والاستكشاف والمعرفة، إنما يهيئان لهم فرصة للشعور بالسعادة والنجاح التفوق. والوالدان اللذان لا يفعلان ذلك يسيئان إلى أطفالهما.

متطلبات وحاجات النمو في الطفولة المبكرة

اولاً: متطلبات النمو الجسدي:

  1. الأطفال في الطفولة المبكرة نشيطون ويستمتعون بالنشاط لأجل النشاط ذاته ويستطيعون التحكم في أجسامهم. وهذه الخاصية تتطلب من مناهج الروضة ومن الوالدين إتاحة الفرص الكثيرة والمتنوعة لهم للحركة والجري والتسلق والقفز. على أن تنظم هذه الاداءات الحركية بتوجيه وضبط. كما يتوجب على الوالدين تعليمهم مهارات حركية منظمة ومفيدة مثل السباحة وركوب الدراجات واللعب في الهواء الطلق. وغالباً ما يشكو الأهل من كثرة حركة هؤلاء الأطفال ويطلبون منهم أن يكونوا هادئين كالكبار وهذا أمر مجحف بالنسبة اليهم. كما ان الطفل الذي لا يتحرك كثيراً يجب أن يثير قلق الوالدين والمدرسة معاً.
  2. يحتاج الطفل بسبب تفجر النشاط عنده ونزعته الى العنف احياناً الى تنظيم فترات من الراحة من وقت لآخر، لذلك يجب أن يتضمن المنهج جدولاً بالأنشطة الهادئة بعد الأنشطة العنيفة وتوجيهاً لنشاط الأطفال كي لا تتحول الاستثارة المصاحبة للنشاط الحركي إلى توتر وصخب وشغب.
  3. لما كانت العضلات الكبيرة عند هؤلاء الاطفال أكثر نضجاً من العضلات الصغيرة التي تمكنهم من التحكم بالاصابع واليدين، لذلك يجب تأمين أدوات كبيرة للنشاط والأداء كالفرشاة وأدوات التلوين وأدوات اللعب ذات الحجم الكبير.
  4. يجد الأطفال في هذه السن صعوبة كبيرة في تركيز أبصارهم على الأشياء الصغيرة، ولهذا، فإن التناسق بين حركة اليد والعين ربما يكون ناقصاً. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نطبع كتب الأطفال بحروف ورسوم وخطوط كبيرة الحجم وان نقلل قدر الإمكان من الأنشطة التي تتطلب النظر الى أشياء صغيرة.
  5. بالرغم من ان جسم الطفل في هذه المرحلة يتصف بالمرونة وسهولة التكيّف واستعادة الحيوية والتوازن، إلا أن العظام التي تحمي الدماغ لا تزال لينة. لذلك يجب وقاية الاطفال من الالعاب التي تنطوي على مخاطر يترتب عليها إصابات الدماغ، وملاحظة الأطفال بعناية وتبصيرهم بذلك.
  6. تبدي الفتيات تفوقاً على الفتيان في كثير من جوانب النمو وخصوصاً في المهارات الحركية الدقيقة. لذا يمكن تجنب الأنشطة التنافسية أو المقارنات بينهم على أساس المهارات.

ثانياً: متطلبات النمو الإجتماعي:يقود سيارته.

  1. يميل معظم أطفال مرحلة الطفولة المبكرة إلى تكوين صداقات مع أقرانهم، كما يبدون رغبة وقدرة على اللعب مع معظم هؤلاء الأطفال. وبالرغم من أن تناسق بين حركة اليد والعين.الأطفال يميلون الى اختيار أفضل أصدقائهم من الجنس نفسه، الا ان كثيراً من الصداقات بين البنين والبنات تنمو في هذه المرحلة. وتعتبر إساءة الى الطفل عدم وضعه في مواقف تزخر بالانشطة التي تساعد على تنمية المهارات الاجتماعية والاتصال بالآخرين والمشاركة مع الأطفال الآخرين وعدم اقتصار محيطه على الكبار فقط.
  2. تميل جماعات اللعب في هذه المرحلة الى تكوين جماعات صغيرة وغير منظمة في الغالب، فهي جماعات عرضة للتغير السريع، من هنا يجب ألاَّ نشعر الطفل بالذنب اذا ترك جماعة وانتقل الى اللعب مع جماعة أخرى. ويعتبر سلوكاً طبيعياً اذا انتقل الطفل من نشاط الى آخر، وهذا لا يستدعي القلق من قبل الاهل والمعلمين، ولكن من المهم جداً أن نضبط بعض الأنشطة ونطلب من الطفل عدم الانتقال الى نشاط آخر قبل انهاء ما طلبناه منه وذلك حتى لا يأخذ الأمر طابع عدم الاستقرار ولتعزيز القدرة على التركيز وبذل الجهد والمثابرة لانه سيحتاج إلى هذه المهارات في المراحل التالية. وتعتبر إساءة إلى الطفل اذا لم نعلمه المثابرة في هذه المرحلة.
  3. كثيراً ما تحدث مشاحنات بين الأطفال لكنها لا تدوم طويلاً، وسرعان ما تتلاشى بالنسيان. ما يتطلب "بيئة مفتوحة" لنشاط والتفاعل، يتوافر فيها أنشطة وأدوات مختلفة بحيث تتعدد الأدوار ويسهل الانتقال من نشاط الى آخر. وقد نجد بعض الأهل يتدخلون في مشاحنات الأطفال ويعلمون الطفل الضغينة والكره، وهذا العمل يعتبر إساءة الى الطفل لانه رقصة ونشاط وتنمية للمهاراتهو شخصياً يكون قد نسي ما حدث.
  4. يستمتع الأطفال باللعب التمثيلي والرسم في هذه المرحلة، وينبع معظم ما يبتدعونه من خبراتهم الخاصة، وبالامكان الافادة من هذه الخاصية في تنمية الابداع من طريق التدريب على التخيل، وفي التخفيف من التوتر وفي تعلم الأدوار الاجتماعية وكذلك في اكتساب بعض الخبرات. وقد ابتكر مورينو(5) السيكو دراما وفيه يقوم الطفل بأداء الأدوار المختلفة بإشراف المعالج. ويلاحظ سلوك الطفل في عدد من المواقف المختارة، مثلاً قد يطلب من الطفل أن يتخيل انه مع شخص وهمي وان عليه أن يقيم علاقة به، ثم تترك الحرية للطفل لتحديد الأطفال والأقوال والمواقف. إن مثل هذا الموقف يقصد منه الكشف عن دلالة العلاقة الاجتماعية للطفل وأسلوبه في الإتصال بالأشخاص الآخرين. ويعتبر مورينو أن اللعب التمثيلي، أي تمثيل مواقف اجتماعية معينة بالمشاركة مع الآخرين، يؤدي إلى إحداث أثر مريح وذلك من طريق التعبير عن انفعالاته الكامنة، فمن خلال اللعب التمثيلي يتعلم الطفل أن يستجيب للآخرين بينما يكون خجولاً في حياته اليومية، ومن أنشطة اللعب التي استخدمت لأسباب علاجية، طريقة الرسم بوصفه إسقاطاً للشخصية، وقد ذكر فرويد أن الفن والأحلام هي الطريق المؤدي إلى الأعماق. ففي هذا النوع من النشاط يستطيع الاختصاصي النفسي أن يفسر المشاعر والانفعالات، وكذلك السلوك العام من حيث مصادر الإشباع وإمكانية تحقيق الأهداف والقابلية للتكيف وعلاقة الطفل ببيئته والعلاقات داخل العائلة وخارجها والحاجات الأساسية.

ثالثاً: متطلبات النمو الإنفعالي:

  1. يميل أطفال هذه السن إلى التعبير عن انفعالاتهم بحرية، وكثيراً ما يأتون بثورات غضب كردود فعل لبعض المواقف الضاغطة. لذلك من المفيد أن نسمح لهم بالتعبير عن مشاعرهم اللعب التمثيلي يسهم في بناء الشخصيةبحرية حتى يستطيعوا التعرف إلى انفعالاتهم ومواجهتها.  ويقترح البعض أنه حينما نشجع الاطفال على تحليل سلوكهم في مناقشة هادئة وجدية معهم، من المحتمل أن يكتسبوا وعياً بسبب مشاعرهم، هذا الوعي قد يساعدهم على التحكم في مشاعرهم وتقبلها.
  2. كثيراً ما تشيع في هذه السن مشاعر الغيرة بين الأطفال وينزعون إلى الحصول على عطف الكبار واستحسانهم ويتطلب ذلك من الكبار الانتباه إلى الطفل وامتداحه والاهتمام به وعدم مقارنته بالآخرين.  وتعتبر إساءة إلى الطفل اذا لم نظهر له حسناته، ويستخدم بعض الأهل التأنيب والكلمات المهينة للطفل في أغلب الأحيان، حيث يتوجه الوالدان والمعلمون للأطفال إما بالأوامر وإما بالنواهي وإما بالتأنيب بدل تقديم تغذية راجعة ايجابية، أو يهددونهم بالتوقف عن محبتهم. وفي هذا الأمر إساءة الى الطفل لان محبة الوالدين هي أغلى ما يملك، ويمكن أن نقول للطفل بأننا لم نحب ما فعله ولكننا دائماً نحبه.
  3. من حاجات الطفل الحاجة إلى الوسائط الثقافية والألعاب، وذلك للتخفيف من أزماته العاطفية، فللنمو في مختلف مراحله تحديات تطرح على الطفل كما ان مكانته وأدواره وتفاعلاته في المؤسسات المختلفة تولد لديه أزمات. والطفل المعاني ينهض بتلقائية لمجابهة تحدياته والتغلب عليها، وهو يفعل ذلك بشكل يكاد يكون لا واعياً، يتوصل اليه بتجسيد هذه الازمات في اللعب ضمن مجموعةكائنات (من الحيوان والبشر) ويخرج منها ظافراً. من هنا ولع الطفل بتكرار اللعبة ذاتها أو قراءة القصة ذاتها أو الطلب إلى الكبار روايتها عدداً لا متناهياً من المرات أو مشاهدة المسلسل نفسه أو سماع الشريط المسجل نفسه. انه بذلك يتخلص من أزماته تدريجياً من خلال شغلها نفسياً. ومن طريق اللعب على حرية التحرك بين الواقع والخيال والحقيقة والوهم، يستعيد توازنه ويحقق عافيته النفسية التي تفتح أمامه آفاق النمو السليم ومجابهة الحياة المستقبلية بثقة. ومن هنا فإن عدم قراءة الطفل القصص وروايتها وعدم مشاهدته للمسرحيات والأفلام وسماعه الأناشيد والأغاني يعتبر إساءة اليه لأن هذا يحرمه من حل أزماته العاطفية.
  4. ومن حاجات الطفل الحاجات الجمالية والحاجة الترويحية. فالحس الجمالي عند الطفل لا يحتاج الى من ينميه، بل يحتاج الى من يقدم له فرص الاشباع كي يتفتح من خالحيوان صديق الاطفال.لال الشكل واللون والنغم. وتلعب الجماليات دوراً أصيلاً في عملية الانتماء الثقافي وبناء الهوية الوطنية. بمعنى ان بيئة الطفل يجب ان يكون فيها مسحة الجمال وأن نربي فيه الميل الى رؤية المشاهد الجميلة وتقديرها وهكذا نربي مواطنين حريصين على مظاهر الجمال في مجتمعهم ووطنهم والا يعملوا على إيذاء هذا الجمال سواء في الطبيعة أو في البيت أو في المحيط.
  5. الطفل بحاجة الى معايير وقوانين تقنن رغباته وتنظم نزواته، فذلك مدعاة إلى حمايته من القلق الذاتي وبه تتحدد الذات، من خلال نظام المسموح والممنوع الذي يحكم العلاقات الاجتماعية، ويعتقد بعض الأهل أن القول للطفل "لا" قد يؤذيه ولكن نحن نعلم أن التربية هي التي تؤدي إلى انتقال الطفل من مبدأ الواقع وبناء الأنا الأعلى والضمير والإرادة عنده. فعندما نسمح للطفل بتحقيق كل رغباته ولا نقول له ''لا'' فإنه يضيع وينشأ ضعيف الإرادة تتحكم به نزواته، وقد بينت الدراسات ان الأطفال المدللين أو الذين يربون من دون قواعد وقوانين تكون عتبة الإحباط عندهم منخفضة، أي أنهم يتراجعون أمام أي صعوبة يواجهونها، كما أن درايتسلق شجرة في احضان الطبيعةسة الجانحين بينت ان قسماً منهم ينتمون إلى اسر لم يقل لهم أحد فيها ''لا''، ولم يكن في الأسرة قواعد وقوانين، وكانت تسود فيها تربية ترك الحبل مشاهدة التلفزيون من دون مراقبة الأهل تؤثر سلباً على التحصيل الدراسي.عل الغارب ما أدى إلى سيطرة مبدأ اللذة عليهم وإلى عدم قدرتهم على ضبط رغباتهم وأنفسهم. ويعتبر هذا الأمر إساءة الى الطفل.
  6. الحاجة إلى الانتماء: اذا كان المجتمع يريد تنميط الطفل ثقافياً وصولاً إلى اكتسابه الشخصية المنوالية: فالطفل بدوره يريد بناء هوية شخصية تكفل له الانتماء الاجتماعي والعاطفي، وتتم هذه العملية من خلال سلسلة تماهيات يقوم بها الطفل بالأشخاص المرجعيين الذين يشكلون له المثل الاعلى والقدوة، والتي تبدأ بالوالدين وأفراد الأسرة وتتوسع لتشمل المعلمين والأتراب  والأبطال والنجوم الاجتماعية. يبني الطفل هويته الذاتية ومنها يعبر لبناء الهوية الاجتماعية بمعناها الواسع، ولذلك، فإن قيمة الوسائط الثقافية تتوقف إلى حدّ بعيد على مقدار نجاحها في تقديم النماذج الجيدة (من شخصيات وأبطال وأدوار) التي بإمكان الطفل أن يتماهى بها. وإذا لم تحرص هذه الوسائط على جودة قيادة السيارة والتحكم باللعبة.الانتقاء ومتانة المثل وملاءمتها لاحتياجات الطفل في كل مرحلة، فهو سيلتقط بعفوية المناخ وقد يتحول إلى البدائل الثقافية المتسربة في الإعلام الجماهيري، وينهل منها. من هنا، فإننا نعتبر كإساءة الى الطفل، أولاً سلوك الوالدين اللذين ينهيان الطفل عن القيام بأمر ويقومان هما به، لأن الطفل يتأثر بالنموذج أمامه أكثر مما يتأثر بالكلام، وأبحاث باندورا تدل على ذلك، فمثلاً اذا أردنا من الطفل أن يقرأ فلن ينفع أن نقول له مئة مرة في اليوم لماذا لا تقرأ، فالاجدى في ذلك هو أن يرانا نقرأ فيتماهى معنا، أو أن نقول له لا ترفع صوتك ونحن نصرخ في وجهه طوال الوقت.

أما بالنسبة للوسائط الثقافية فيجب أن يشاهدها الطفل بحضورنا، وأن نناقش معه ما تعرضه حتى لا يكون تأثيرها عليه كاملاً. وبالنسبة إلى الجلوس أمام الحيوان صديق الاطفال.التلفاز فقد تبين في دراسة إنكليزية أنه كلما زاد عدد الساعات التي يقضيها التلاميذ أمام التلفاز، كلما تناقصت قدرتهم على الإنتباه في الصف وتدهور تحصيلهم المدرسي. وفي دراسة فرنسية حديثة تبين أن الأطفال الذين يجلسون بين ١٩ و ٢٢ ساعة في الأسبوع أمام التلفاز يصابون بالبدانة، مما يشكل خطراً على صحتهم. وفي دراسة أجريناها في الكويت عام ١٩٩٩ ، تبين أن الفرد في الكويت يجلس أمام التلفزيون بين ٤و ٥ ساعات في اليوم، أي أكثر من الفرنسي، والإقتراح هو أن نتعود مع أطفالنا منذ الصغر على إغلاق الجهاز حتى ينصرفوا إلى نشاطات حركية أو إلى المطالعة، والأمر نفسه بالنسبة الى الكمبيوتر الذي لا يجب أن يكون في غرفة الأطفال بل في صالة الجلوس حتى لا يستخدمه ابناؤنا استخداماً سيئاً.

رابعاً: متطلبات النمو العقلي:

  1. الحاجة إلى المعرفة: لا يحتاج الطفل إلى من يستثير رغبته المعرفية، فالإثارة والبحث عنها على شكل معرفة تنتظم تدريجياً، وهي من خصائص الكائن العضوي الفطرية أي من خصائص الدماغ، فالدماغ يجب أن يعرف ويكافئ نفسه عندما يتعلم من طريق إفراز هرمونات تشعر الفرد بالفرح. وتتضح الحاجة المعرفية بقدر تجاوب المجتمع وتقديم المثيرات المناسبة للطفل. فالطفل يريد أن يعرف ليكبر ويسيطر على عالمه ويحسن التعامل معه. لذلك فهي لا ترتبط بكمية المعلومات فقط بل تتجاوزها إلى الممارسة وإلى اكتساب المهارات. والطفل في هذا منخرط في ورشة تدريب على أدواره المستقبلية، حتى أن لعبه ليس عبثياً كما يظن في كثير من الأحيان، بل نوع من المران وتنمية المهارات، والفضول المعرفي أصيل لدى الطفل، فإذا ووجه بالصد فذلك بسبب عدم فعالية الوسائط والمؤسسات وما تمنحه من إجابات عن تساؤلاته ورغباته المعرفية. ومن المعروف ان غنى أو فقر المحيط الأسري والاجتماعي بالوسائط الثقافية منذ السنوات الأولى من عمر الطفل يلعب دوراً حاسماً ويشكل المدخل الأكيد لنجاحه المدرسي والفكري اللاحق.  لذلك تعتبر إساءة إلى الطفل ان لم نقدم له الخبرات المفيدة وان لم نجب عن أسئلته، فعندما نطلب منه أن يسكت في حال طرحه الأسئلة علينا، فإننا بذلك ندفعه إلى أن يتخلى عن حشريته وفضوله العلمي والمعرفي، وهو سيعتقد بأنه يفعل شيئاً سيئاً عندما يسأل، وعندما يذهب إلى المدرسة سيكون لا مبالياً بالمعرفة التي تقدم له، وهنا يبدأ الأهل بالسؤال: لماذا لا يهتم بدروسه، ونكون نحن الذين أسهمنا في هذه اللامبالاة تجاه قدرته على التعلم.
  2. الرسم والتخيليبدي الطفل مهارة كبيرة في التعلم اللغوي ويميل معظم الأطفال إلى الكلام وخصوصاً وسط جماعات الأقران، وينبغي لذلك تهيئة الفرص الملائمة والطبيعية للكلام والتحدث، وتدريب الأطفال على الإصغاء الجيد وأن نصغي نحن بدورنا اليهم، وكذلك توفير الأنشطة والخبرات، ما يساعد الأطفال الأقل ثقة بأنفسهم على التعبير الكلامي. وتعتبر إساءة الى الطفل إن لم نتحدث اليه، فنفسح له المجال للتعبير عن أفكاره ومشاعره ولا نهزأ مما يقول ونصغي اليه حتى يتعود الإصغاء الى الآخرين .
  3. الخيال والإبداع من أبرز خصائص النشاط العقلي في هذه المرحلة، وهو ما ينبغي تنميته في أنشطة اللعب ورواية القصص والرسم والإيقاع. وإذا كان بعض الأطفال يبدون نزعة الى التخيل الزائد بحيث يخلطون بين الواقع والخيال، مع ما قد يترتب على ذلك من مشكلات للتوافق، فإنه ينبغي تهيئة بعض المواقف التي يُطلب فيها وصف ما يحدث بالفعل، فمن الأهمية بمكان في هذه المرحلة تعلم الأطفال التمييز بين الحقيقة والخيال، بحيث لا يحدث انطفاء جذوة الخيال عندهم. فالخيال من أعظم مصادر الطفولة التي تتأتى خصوصاً في سنوات الطفولة المبكرة كمرحلة مؤاتية للتنمية العقلية ولإطلاق ملكة الإبداع وصقلها. إن تنمية الخيال تؤدي إلى الإبداع، والإنجازات العلمية والفنية الكبرى كانت تعتمد على الخيال والحلم في بداية الأمر، كما أن ترك الطفل يعيش في عالم خيالي يؤدي الى عدم التكيف، وعدم مراعاة هذه الأمور تعتبر إساءة الى الطفل.

حاجات الطفولة الوسطى والمتأخرة

في بداية السنة السادسة يدخل الطفل المدرسة ويتغير أسلوب حياته فيميل إلى الاستقرار الإنفعالي والضبط الذاتي، ويسير النمو في هذه المرحلة مع التطور في جوانب متعددة من النشاطات الحسية التعبير عن الافكار والاحاسيس من خلال الرسم الحركية والمعرفية والأخلاقية ومع انبثاق الحس الأخلاقي والرادع الداخلي، اما اذا كان الاهل لم يعملوا على بناء هذا الحس الأخلاقي في الطفولة المبكرة، فإن الطفل سيفتقد الحس الأخلاقي وفي هذا أيضاً إساءة الى الطفل. وتتصاعد أهمية الولاء للرفاق والجماعة كلما تقدم الطفل في العمر، من هنا يجب الا نحرم الطفل من تكوين رفاق والانتماء الى جماعة قد تكون كشفية أو رياضية أو تطوعية وحرمانه من هذا يعتبر أيضاً وأيضاً إساءة اليه.

دور التغذية

من المهم أن نذكِّر بالنسبة للنمو الجسمي بدور التغذية، ذلك أن تغذية طفل المدرسة تعني التعرف إلى متطلبات الأطفال من التغذية بالقدر الذي يستوفي احتياجاتهم منها في السن المدرسي نظراً لما للتغذية من تأثير على التحصيل الدراسي. إن تأثير التغذية في مرحلة الطفولة يرجع الى كونها العامل الأساسي والمحدد لتطوير النمو الطبيعي للطفل ووقايته من المرض من خلال تقوية جهازه المناعي، كما ان اختلالها ينعكس سلباً على صحة الطفل على نحو قد يصيبه بعاهات مزمنة، ذلك ان نقص اليود يؤدي الى التخلف العقلي والصمم ونقص الكالسيوم يؤدي الى الكساح وضيق القفص الصدري وعظام الحوض وتشوه العمود الفقري، أما الإفراط في السكريات فيؤدي الى التهيج الحركي وتسوس الأسنان.  واختلال الأغذية يضعف قدرات الطفل على التحصيل والاداء المدرسي بمستويات قد تؤدي الى تخلفه وعجزه عن استكمال مساراته التعليمية، اذ يؤدي نقص الحديد الى ضعف القدرة على التركيز والفهم والاستيعاب والتذكر. وتصيب السمنة الأطفال بالخمول والكسل والتبلد الذهني والإجهاد، ويقود النحول الى التعب وضعف القدرة على الفهم والتحصيل. من هنا فإن عدم الاهتمام بغذاء الطفل يعتبر إساءة اليه، وتركه يمارس عادات غذائية سيئة هو ايضاً اساءة اليه، وعلى العموم ففي الأسرة حيث العادات الغذائية الحسنة يكتسب الأطفال عادات غذائية حسنة ايضاً خصوصاً أنهم يتماهون مع والديهم، فإذا سمع الأطفال الأم تقول انها لا تحب الفاكهة ولا تأكل فاكهة فهم لن يفعلوا ذلك ايضاً مما سيحرمهم من الكثير من المواد الغذائية الجيدة، التي تسهم في المحافظة على صحتهم وكذلك بالنسبة للأمور الأخرى. والكثير من الأطفال لا يتناولون وجبة الصباح وهذا يؤثر على قدرتهم على الاستيعاب في الصف. ولكن اذا كانت الاسرة تحافظ على تناول وجبة الصباح فإن الاطفال سيعتادون ذلك. وقد دلت الدراسات التي تناولت الصعوبات التعلمية انه يمكن معالجة بعضها بتناول أغذية معينة مثل البروتينات.

الأسرة المفككة

تؤكد الاسرة المتماسكة ضمان لحياة الطفلالدراسات والأبحاث ان أطفال العائلات المفككة يعانون من عدم التكيف والانحراف. ونقصد بالعائلات المفككة، الطلاق، وفاة أحد الوالدين، وقوع الخلافات بين الزوجين. ولكن هل تستطيع التربية أن تصحح هذه الأخطاء؟

ان انحلال الرباط العائلي يوجد نوعاً من الانفصال المفاجئ أو التدريجي، ويوجد تمزقاً يمكن ان يلتئم مع الزمن وخصوصاً في حال الطلاق. حيث يهتم كل واحد من الزوجين بالطفل ولكن يبين كل منهما كراهيته للطرف الآخر ما يكوّن عند الطفل نوعاً من القلق، وكأن الطفل لا يستطيع ان يظهر محبته للطرف الآخر، خوفاً من فقدان محبة الطرف الذي يعيش معه وخوفاً من إيلامه ايضاً. ويبقى الموقف الأصعب هو عيش الطفل مع أحد الطرفين وانقطاعه عن الطرف الآخر وكأن هذا استمرار لعلاقة المولود الصغير بأمه فقط وفي هذا الموقف يواجه الكثير من الصعوبات.

وقد يؤدي تفكك الأسرة الى اضطرابات في التعلم، تكشف عن صعوبات نفسية لم تكن ظاهرة حتى الان بالرغم من الذكاء الطبيعي الذي يتمتع به التلميذ. مثل الاضطرابات التبول اللاإرادي، التأتأة، ، (Tics) النفس-جسدية - اللزمات أكل الأظافر والاضطرابات السلوكية (الغضب، الميول)  غير الاجتماعية، البلادة ... الخ.  وقد يكون الطفل قلقاً بسبب الوضع الصحي الذي يتعرض له أحد افراد الأسرة مثل الانتقال الى منزل جديد أو تغيير المدرسة أو وفاة أحد في الأسرة الممتدة أو حدوث نكبة في الأسرة أو البطالة، أو امتناع الرفاق عن اللعب مع الطفل أو نبذه او الابتعاد عنه أو السخرية منه. كلها قضايا يشعر بها الطفل بعمق وتؤثر على تحصيله الدراسي. وتنتشر ظاهرة الأطفال المضطربين، والطفل المضطرب هو الطفل الذي يلمس كل شيء ولا يستطيع المكوث في مكان معين ويحرك يديه ورجليه بصورة دائمة ولا يستطيع تركيز انتباهه أو يستمع الى شرح المعلم ولا يستطيع إنجاز الفروض المدرسية، ويتميز هذا الطفل باختلاجات عصبية أثناء اللعب أو القراءة ويظهر هذا الاضطرابات في مزاجه، وتلعب الوراثة دوراً (وخصوصاً الأم القلقة المضطربة).

الاستاذ - أب وصديقانطلاقاً مما سبق نستطيع أن نقول ان الموقف السلبي لأحد الوالدين من الآخر أثناء الانفصال أو الطلاق يؤدي الى الإساءة الى الطفل، ونحن دائماً دائماً ننصح الأم والأب بعدم الإساءة الى الطرف الآخر وليس هذا من أجل هذا الطرف أو ذاك بل من أجل توازن الطفل النفسي. والأمر المسيء ايضاً هو تقديم الأم الأرملة صورة مثالية عن الاب المتوفي (وهذا يحصل عادة في حال الاستشهاد أو وفاة الأب لأمر كبير)، فإنها في ذلك تجعل الطفل غير قادر على التماهي معه كونه مثالاً لا يستطيع أن يكونه، وفي حال غياب الأب، على الأم أن توطد علاقة الطفل مع الجد أو الأعمام والأخوال، كما أن وجود الطفل الذكر في محيط يقتصر على الإناث يمنعه من تحقيق ذاته كما يجب، وفي هذه الحال تكون الإساءة الى الطفل في عدم اختيار مدرسة فيها بنين حيث وجود المدرس الذكر، اذ يمكن أن يخفف من وطأة المشكلة من دون أن يحلها وعندها يتحضر الطفل للبلوغ دون مشاعر مؤلمة.

كما أن من الإساءة الى الأطفال، عيشهم في محيط مغلق، حيث يجد الطفل نفسه على احتكاك دائم بالأشخاص أنفسهم دون علاقات مع العالم الخارجي وهذا يمنعه من تجربة العلاقات العاطفية (الرفاق، المسؤوليات، العلاقات بالكبار أو العلاقات ببيئات اجتماعية وثقافية مختلفة...) الضرورية لنموه ولتربيته ليصبح رجلاً ناضجاً أو امرأة ناضجة.

الانحراف خطر يهدد الاطفال.وهذه التربية تتعلق أكثر ما تتعلق بموقف الوالدين أمام الواقع الخارجي وبحريتهم الذاتية. وهنا يجب أن يتعرف الآباء الى أنفسهم وأن يحترموها، وأن يعملوا ليحترمهم الآخرون سواء بالقول أم بالفعل وخصوصاً تجاه أبنائهم، كما يجب أن يمارسوا حياة اجتماعية ناشطة وأن يكون لهم علاقات مع راشدين من مختلف الأجيال وأن يمارسوا الكرم مع أنفسهم ومع الآخرين.

وأيضاً نود إن نقول أن الطفل المضطرب هو دائماً  عرضة للمعاقبة، وفي هذا الأمر إساءة اليه، فهؤلاء الأطفال يحتاجون الى أن نفتش عن المشكلات الكامنة وراء اضطرابهم حتى نساعدهم بالتعاون ما بين الأسرة والمدرسة والاختصاصي النفسي لأن العقاب سيؤدي الى تعميق مشكلاتهم.

تنمية الإرادة

إن جماعات الأحداث المنحرفين وزمر الشباب الخارجين على الأصول الاجتماعية، تبين القصور في مسألة "السلطة العائلية" و "انعدام وجود الإرادة" عند الشباب. ولكن الإرادة تخضع لبناء جميع القدرات المهارات العقلية، وهي خاصية نحملها منذ الولادة. فهناك ''الإرادة من حديد'' التي لا علاقة للتربية بها، وبالمقابل هناك ''انعدام الإرادة'' وخصوصاً في حالة بعض الأمراض العصبية. وهناك علاقة تكوينية بين الإرادة وبين الضمير وهما ينموان معاً(Génétique) فالأعمال الإرادية عند الرضيع تتناول نشاطه الحركي والعضلي ووعيه بذاته، وانطلاقاً من هنا فإن تنمية الإرادة تمر بالقدرة على السيطرة على الذات والحركات والحاجات العضوية والدوافع ثم السيطرة على الشهوة والغرائز والأفكار. وعند الطفل كما عند الإنسان الراشد نستطيع أن نميز عدة مظاهر للارادة وهي:

أولاً: الارادة عكس رغبات الآخرين. وفي هذه ال"لا" نواح ايجابية مثل تأكيد الذات والشجاعة والمنافسة.

ثانياً: هو ال "نعم" أريد ذلك'' ونجد فيها أحد مظاهر الهروب من المسوؤلية والرغبة في أن يكون خلف الآخرين. ولا نرى كيف يمكن أن تكون الحياة الاجتماعية من دون التعاون مع الآخرين وهي: علامة على قبول الواقع والتكيّف مع الآخرين. وهذان النوعان من الإرادة نجدهما باكراً عند الطفل وتستمران طوال الحياة. واذا كان قول "لا" في الأسرة يطرح بعض المشكلات، الا أن هذا القول يدل على شخصية قوية خارج المنزل حيث أن الطفل لن يكون عرضة للتأثير بما يفرضه عليه الآخرون. والقول نعم دائماً وإن كانت مريحة للأسرة ولكن على الوالدين عدم المبالغة في الاستفادة من خضوع الطفل، ذلك أن بعض عدم الطاعة ليس سيئًا، لأن الطفل يصبح سريع التأثر بالآخرين ما يؤدي الى ضعف في الإرادة. ولكن يبقى أن الإرادة ليست مجرد الوقوف عكس إرادة الآخرين أو عكس ما يريده الآخرون منا، ولكنها معرفة ما يريده هو نفسه، وما إرادة شيء ما في نهاية الأمر الا وضوح في الأهداف والعمل على تحقيقها، ويجب مساعدة الطفل لتكوين هذه الإرادة ويعتبر عدم العمل على ذلك إساءة الى الطفل. ولكن هذا لا يحدث ما لم يسيطر على عملية التربية جو من الحرية الشخصية مع وجود المعايير والقوانين (6)  الصحيحة، ونشدد هنا قوانين ومعايير في التعامل مع الطفل.

سلطة الوالدين

إن الخضوع للمعايير والقوانين يفرضه الوالدان. ولكن الكثير من الاهل يجدون غضاضة في ممارسة السلطة على أطفالهم، أو أنهم يشعرون بأنهم لا يملكون هذه السلطة ويخافون من قول "لا". ونجد بداية مرحلة الرشد.ثلاثة أنواع من المواقف بالنسبة للسلطة:

  1. السلطة المطلقة المستبدة: يمارسها في الغالب الأم أو الأب اللذين إذا كانا عنيدين في طفولتيهما ونجدهما هنا يستمران في ذلك مع تغيير الأدوار. وفي هذا النوع يشعر الوالدان بأنهما يجب أن يخرجا منتصرين في علاقتهما بالطفل. وهما دائماً على حق، لا يخضعان مطلقاً لإرادة الطفل وأي معارضة يجب أن تنكسر أمامهما. ولكن هذه التربية تعطي نتائج غير مرضية، بحيث تؤدي الى ان يكون الطفل إما ثأثراً وإما قلقاً، وتتسبب بحالات مرضية أثناء البلوغ والمراهقة. هذا النوع من السلوك يخفي في واقع الأمر عدم الثقة بالنفس والخوف من فقدان السلطة والهيبة. وفي بعض الأحيان يعبر عن اضطرابات في شخصية الوالدين، مع وجود نوع من السادية ومع وجود لذة في العقاب العنيف أو التعذيب المخطط له مسبقاً وبعناية.
  2. النوع الثاني في مواقف الوالدين هو أن نترك الطفل يفعل ما يريد ولا نفرض عليه أي قواعد أو قوانين ولا نطالبه بأي جهد ونسامحه دائماً وهو ما يشجعه على ارتكاب الخطأ، وهذا الموقف يجعله في الواقع حائراً لأنه لم يتعلم التحكم برغباته أو تأجيل إشباع هذه الرغبات أو بذل الجهد من أجل الوصول الى هدف معين. وهو يسير بحسب أهواء المجموعة ولن يكون القائد لأنه يفتقر الى الإرادة وخصائص القيادة، ويجد في قائد المجموعة ما يصبو اليه إذ إنه يشعر بالأمان أخيراً لأنه يستطيع أن يستند الى سلطة أحد ما. وفي هذا الموقف وكأن الأهل "يستقيلون" من مهامهم "التربوية"'، وقد يكون في هذا تعبير عن الإهمال وعدم الاهتمام، وفي الغالب يكون الوالدان منهمكين في أعمالهما الخاصة وواجباتهما الاجتماعية التي تأخذهما بعيداً عن أطفالهما، وهما يشعران بالذنب خصوصاً الأم من خلال الخوف من فقدان محبة الطفل في حال رفضها ما يريده. أن يظهر الوالدان سلطتهما ليس معناه أنهما متسلطان بل قويان، ومن المهم أن يفرض الوالدان إرادتهما عندما يكون ذلك ضرورياً وأن يراقبا أطفالهما، ولكن عليهما ايضاً أن يستمعا وأن يعترفا بخطئهما وأن يتقبلا المعارضة وأن يتخليا عن مواقفهما وحتى أن ينخدعا في بعض الأحيان.  

وهذه المواقف هي لصالح الطفل بشرط الا نتردد بحسب رغباته الأنوية. فصورة الوالدين القوية والثابتة هي ما يحتاجه الطفل لانها تشعره بالأمان.

ويجب ألاّ تكون هذه السلطة صلبة حتى لا تكسر ارادة الطفل وكذلك ألا تكون لينة لأنه لن يجد المقاومة اللازمة والضرورية لتأكيد ذاته. وإذا أصبح الطفل قادراً أن يفهم أهمية الحياة في جماعة، فسيكون من السهل عليه فهم العلاقات داخل الأسرة والعبور من مراقبة الآخرين له إلى الثقة. ومن السلطة إلى الحرية في جزء مهم من نشاطاته. وبحسب أريكسون(7) فإنه في هذه المرحلة قد تنمو عنده روح المثابرة والإنجاز والكفاءة، أو ينمو الشعور بالنقص والدونية، وهو يقول: إن هذه المرحلة حاسمة في نمو الأنا، فالأطفال يسيطرون على مهارات أكثر عقلانية مثل القراءة والكتابة والحساب، وهم يطبقون بأنفسهم ما يقودهم الى تعلم هذه المهارات، وفي هذه المرحلة، يتعلم الأطفال أشياء ذات معنى ويطورون قوة الأنا بالانتباه الثابت وبالكفاح المستمر، كما أنهم يعملون ويلعبون مع أقرانهم، والخطر في هذه المرحلة هو شعورهم بعدم النجاح في عملهم المدرسي ما يؤدي الى شعور بالدونية. وقد يتذكر معظمنا آثار الفشل الدراسي في الصف، وهو شعور عميق بالدونية. وفي أوقات كثيرة ربما تعوق المدرسة نمو الإحساس بالمثابرة والإنجاز. ويقول اريكسون انه لاحظ مراراً، أن مدرساً واحداً يكفي لإظهار موهبة الطفل.  والحل الناجح لهذه المرحلة يقود الى قوة الأنا التي يسميها أريكسون بالكفاءة والإنجاز والممارسة المفتوحة للذكاء ومهارة الفرد في اتمام المهام غير المتأثرة بأي مشاعر دونية.

المراهقة

ينتفي وجود المراهقة في المجتمعات البدائية. ويتأخر اليوم دخول المراهقين ميدان العمل وهذا ما يشكل أزمة المراهقة بحسب قول افنزيني (8).من إحدى المجلات الموجهة للمراهقين

معنى المراهقة

المراهقة هي فترة من النمو معروفة بصعوباتها. والمراهقة كأنها تنهي عالم الطفل والمراهق لم يدخل بعد عالم الراشدين.

ففي حين أن الجسم ينبني ويبلغ قمة نضوجه خصوصاً من الناحية الجنسية، فإن جهوداً كبيرة تبذل على مستوى البنيات العقلية ومحاولات التكيف الاجتماعي ويحصل هذا في بنية مستعدة للإبداع  ومصطلح مراهقة في اللغة الأجنبية (Adolescence) يشتق من  اللغة اللاتينية (Adolescentia)  والفعل معناه "كبر". أي أن المراهقة هي الانتقال من الاتكالية إلى الاعتماد على الذات. أما في العربية، فالمراهقة تعني الاقتراب أو الدنو، فحين نقول راهق الغلام فهو مُراهق أي أنه قارب الاحتلام، والحُلم هو قدرة المراهق على الانجاب.

الخصائص النفسية

تركز الدراسات النفسية ليس فقط على النمو الجنسي والجسمي، بل على ما يصاحب هذا النمو من تأثيرات على سلوك المراهق، فغموض هوية المراهق وميوله المتناقضة وصراعاته النفسية وقلقه الجنسي، تؤلف جميعها في هذه المرحلة عوامل أساسية في انهيار توازنه واضطراب علاقاته مع ذاته والآخرين. فهذا الانهيار في التوازن البيولوجي والنفسي وظهور الوظائف الجديدة في حياة الكائن هو مظهر من مظاهر ما يطلق عليه أزمة المراهقة، أزمة تخلق مواقف متناقضة ورفضاً وثورة، فالمراهق يرفض الخضوع لسلطة الأهل ويكف عن الثقة بالأفكار والأوامر السابقة هو يريد الآن أن يفعل ما يريده. ويقع صراع المراهق في خانة الصراع بين التخلص من سلطة الأهل والرغبة في التعلق والاتكالية عليهم.

إن هذا الموقف يفسر التأرجح بين الميل إلى الاستقلالية والتماهي بصورة الوالدين. وفقدان صورة الأهل بحسب فرويد(9) يشكّل عاملاً مهمّاً آخر هو التأثير الذي يحدثه في شخصية المراهق، إذ إن العلاقات التي كانت تربطه بالأهل كانت علاقات متبادلة، فكان الأهل يقدمون له الحب والأمان ومثال الصورة التي يكوّنها عن ذاته، فهم الذين يحققون له صورة ذاته، وتنقطع علاقاته بهم تجاه ذاته وتتغيّر دوافعه وتكف "أناه'"عن الشعور بالدعم والسند والتشجيع من الأهل، بل على العكس، يشعر بأن عدوانيتهم كلها موجهة إليه، أو كأنهم يعملون على الانتقام منه لأنه يعاكسهم وينتقدهم، لذلك، فإن "الأنا" تُدفع إلى البحث عن أسس جديدة لتقدير ذاته وأولويات تعيد له الاعتبار.

الانقلاب العاطفي

إنه يحوّل عواطفه تجاه أهله إلى نقيضها، أي أن الحب يتحول إلى كراهية ويتحول الاحترام والاعتزاز إلى احتقار وتبخيس معتقداً بأنه أصبح مستقلاً عنهم ومتحرراً منهم، ولكنه في الواقع يظل أسير التعلق بهم. إن هذا الانقلاب العاطفي لا يؤدي إلى إرضاء متطلبات المراهق لأنه بمثابة استجابة عدوانية، يستجيب الأهل لها بدورهم بعدوانية مماثلة، فيجد نفسه أسير علاقة سادية  عدوانية، يستجيب الأهل لها بدورهم بعدوانية مماثلة، فيجد نفسه أسير علاقة سادية  مازوشية، فهذه الأولوية بدلاً من أن تحرّره تزيد من قلقه، قلق فقدان العاطفة والأمان وخوف من إسقاط العدوانية على الذات. وهذا القلق والخوف هما السبب في حالات الاكتئاب التي تسيطر على المراهقين (10) وقد يميل المراهق إلى التعلق الشديد بالأهل أو ببدائل الأهل من اساتذة وأصدقاء ومفكرين وسياسيين ورجال دين أو نجوم رياضيين ... إلخ. وهذا التعلق يمكن أن يغني شخصية المراهق على الصعيدين العقلي والعاطفي. ولكن هذا الهروب العاطفي قد يصاحبه أحياناً هروب حقيقي يحمل المراهق على ترك المنزل أو قد يكون هروباً رمزياً يظل في المنزل كغريب، يؤمن له المأكل والملبس ولكن لا يوجد فيه اشباعات عاطفية، وقد يعمل المراهق للدفاع عن ذاته، بالتعلق الشديد بالذات وإعطاء أهميّة كبيرة لل ـ"أنا" ونشاطاتها على الصعيد العقلي، فيعتقد أنه دائماً على حق ولا يقبل برأى الآخرين. ويميل إلى الانطواء والعزلة وإلى استعراض الذات (من طريق الثياب والتزيين والدراجات النارية والسيارات الحديثة ... إلخ( وللهروب أيضاً من هذه المواقف يلجأ المراهق الى النكوص للطفولية، ولكن هذا لا يدوم طويلاً فيعمد إلى الثورة لتأكيد ذاته. وقد يلجأ المراهق هرباً من ضغط الصراعات التي تظهر بين الشخصية وبين العالم الواقعي إلى الانخراط في عصابات الأحداث لأن المراهق يشعر بأنه وحيد تجاه الصراعات، ويظهر هذا الشعور في مظاهر أبرزها أن الراشدين لا يفهمونه، ونتيجة لذلك، يلجأ المراهق إلى مذكراته يسجل فيها ما ينتابه من شعور بالقلق والاضطراب وإما إلى الانخراط في عصابات الأحداث على أساس أنهم وحدهم يفهمون مشاكله.  ويجد المراهق في هذه الجماعات الفرصة لتعلم الحياة الجماعية، مثل التعاطف والمساعدة المتبادلة والتضحية، من دون أن تكون خاضعة لقوانين مفروضة من الكبار. ولكن الذوبان في عصابات الأحداث قد يؤدّي لعدد من الانحرافات، مثل الجنوح والعدوانية المتطرفة والعصاب وأحياناً الذهان والانتحار(11).

الوضع الأسري

لا فرق بين الزهر والازرقمن المهّم دراسة مكانة المراهق في الأسرة كعامل مؤثر في تكيّفه مع الواقع الاجتماعي لها، وعلاقة المراهق بأفرادها خصوصاً الأب، ثم التساؤل عن الأسباب التي تجعل من أزمة المراهق في بعض الأسر أخف وطأة منها في أسر أخرى.  ومن المهّم أيضاً معرفة علاقة المراهق بأسرته والأبعاد السلبية لعدم ثبات العلاقة نتيجة التفكك الأسري أو بسبب التزمت أو التسامح أو الرفض، أو لعجز الآباء عن مواجهة مشكلات أبنائهم لانعدام الرؤية الصحيحة عندهم، وعدم مراعاة البيئة وطبيعة العصر، أو نتيجة لظروفهم وأزماتهم النفسية.

في الماضي، كان التنظيم العائلي يستند إلى السلطة وخاصةً سلطة الأب، أما اليوم فإن السلطة لم تعد مقبولة إذا لم تكن مستندة إلى الحب والاحترام والحزم، وفي بعض الأحيان يتنازل الآباء عن سلطتهم ولا يعودون نماذج جيدة للتماهي. وعندما يحاول الأب استعادة سلطته فإنه عندئذ يلجأ إلى العنف والقسوة، فيصل إلى الشعور بعدم الرضا ويحاول أن يعوض عنه بمضاعفة العاطفة، فنلاحظ في النهاية سلوكاً متأرجحاً بين القسوة الحب، والنتيجة في كلتا الحالتين خلل في العلاقة بين المراهق والأب. ولا ننسى دور الأم المركزي في العلاقات العائلية، فدور الأم قد تغيّر وأصبحت أقلّ اهتماماً بأولادها بسبب ضيق الوقت الناجم عن إيقاع العصر، إن هذا الوضع ربما ساعد المراهق في الحصول على استقلالية مبكرة ولكنها استقلالية ثمنها مرتفع نتيجة الجرح الذي يتركه عدم الاشباع العاطفي، فالمراهقون كالأطفال بحاجة إلى استقرار العائلة وتماسك أفرادها للتوصل إلى التوازن السليم والصحة النفسية.

إضافة إلى ذلك يعتبر تدخل العائلة في شؤون المراهقين الخاصة وفي اختيار الأصدقاء وفي انتماءاتهم الرياضية أو ميولهم الترفيهية أو في اختيار مهنة المستقبل، تدخلاً يؤدي إلى شعور المراهق باغتصاب إرادته وحجز حريته، ما يشعره بتبخيس ذاته نتيجة عدم ثقة أهله به. وبالامكان أيضاً الرجوع إلى موقع المراهق في الأسرة وبين الأخوة والأخوات، من تفضيل الذكر على الأنثى الذي يتولد منه شعور الصبي بالسيطرة على الفتاة وشعور الفتاة بالحقد، وأخيراً الحقوق والامتيازات التي تُمنح لواحد ويُحرم منها الآخر. وكذلك فإن بعض الآباء يعملون على تبخيس صورة الأم وموقعها ويطلب من المراهق عدم سماع رأيها، فهذا يؤدي إلى أن يكوّن المراهق صورة سلبية عن المرأة ما قد يؤدي به إلى مشكلات في حياته الزوجية في المستقبل.

إن جميع هذه العوامل تشكّل نتائجها إعاقة في تطور المراهق النفسي والاجتماعي. ومن هنا نجد أن المراهقة تمرّ بسلام في بعض الأسر، بينما تكون سبباً لمشكلات عديدة في أسر أخرى. ومن أجل مساعدة المراهقين على النمو السوي وعدم الإساءة إليهم، نقدّم بعض المقتراحات للوالدين مستقاة من الأبحاث النفسية في هذا المجال وهي:

  1. توفير جو نفسي  اجتماعي خالٍ من الضغط، وذلك من طريق إتاحة الفرص الكافية لأبنائهم لممارسة الأنشطة التي يرغبونها.
  2. تدريب الأبناء على اكتشاف ما يحيط بهم من طريق المحاولة والخطأ ومن طريق التفكير الاستقصائي والحدسي، فالفرد في حياته عرضة للنجاح والفشل، والفشل يجب ألا يحول بين الانسان وبين تكرار المحاولات لاكتشاف ما يحيط به من غموض.
  3. مساعدة الأبناء على تقييم أفعالهم وتجاربهم من دون الشعور بالذنب أو خيبة الأمل إذا لم تؤتِ ثمارها، ومن هنا نقول بأن المراهقين الذين تربوا من دون وجود قوانين ومعايير تكون لديهم عتبة الإحباط منخفضة ما يؤدي إلى تراجعهم أمام الصعاب وعدم المحاولة للوصول إلى الهدف وبذل الجهد.
  4. توفير قاعدة نفسية آمنة يمكن من خلالها للأبناء الانطلاق الى الاكتشاف والمحاولة والتجريب، وينبغي أن يشعر المراهق أنه محل حب وتقبل من والديه.
  5. تقبل الأفكار الجديدة للأبناء، واحترام حب الاستطلاع والتساؤلات المستمرة والإجابة عنها من دون اعتراض أو تقليل من شأنها، كما على الوالدين أن يجعلوا أفكار أبنائهم أكثر واقعية.
  6. ألا يبالغوا في مساعدة الأبناء ما قد يحول بين الأبناء وبين الاستقلال.
  7. أن يوفروا الفرص المتنوعة والمتعددة الأهداف والغايات لتلائم ميول وأفكار الأبناء وتنميتها.
  8. أن يزودوا الأبناء بالحقائق والخبرات الثقافية والاجتماعية لكي تضيف إليهم حقائق جديدة تشكّل تحدياً لقدراتهم العقلية.
  9. مساعدة الأبناء لكي يصبحوا أكثر حساسية للمثيرات البيئية.
  10. توفير وسائل الثقافة المختلفة داخل الأسرة وتوجيه الأبناء إلى حسن استخدام هذه الوسائل والمعينات.

صورة الجسم

يتطور إدراك الشخص لذاته من خلال العلاقة بين إدراكه لصورته ولجسمه من جهة، وإدراكه لمن حوله من جهة أخرى. في السنة الأولى من العمر ينحصر إدراك الطفل لذاته من خلال إدراكه لجسمه، إدراك الذات من خلال الجسدوفي السنتين الثانية والثالثة يتمكن الطفل من أن يميز بين جسمه وبين ما يحيط به. ففي السنوات الرابعة والعاشرة يضاف بعد آخر يتمثل في صورته في عيون الآخرين (يمدحون، يهزأون، يحتفون، يغضبون ...) وإبان مرحلة البلوغ يعود تمركز المراهق حول ذاته كجسم وذلك نتيجة التغييرات الفيزيولوجية والتشريحية الهائلة التي تحدث في هذه المرحلة وتعاظم دور الجسد الذي يصحب محور الوجود.  

بعد هذه المرحلة يعي الشاب أهمّية البيئة والعالم حوله، ويتوقّع منه المجتمع أن يلعب دوراً فاعلاً في الحياة اليومية، وهكذا تضاف إلى الحلقة السابقة حلقة جديدة يرى فيها الشاب نفسه من خلال المجتمع(12).

صورة الجسد هي ما نختزنه في عقولنا عن شكلنا الخارجي وهي عملية متنامية منذ الطفولة، وتؤثّر في كيفية إحساسنا باحترام الذات. ويتفاعل هذان العاملان، احترام الذات وصورة الجسد، حيث يقوم المراهق بمراجعة شكلة الخارجي، وكيفية ظهور هذا الشكل للآخرين وانطباعهم عنه، يربط ذلك باحترامه لذاته، فكلما كان تصوره عن شكله الخارجي إيجابياً كان احترامه لذاته إيجابياً أيضاً، من هنا يجب الأخذ بعين الاعتبار عند التعامل مع المراهق تنمية الانطباع الايجابي عن ذاته الداخلية وهي من الأساليب الأساسية التي يجب أن يتعلمها الوالدان، والجهل بها يؤدي إلى الإساءة إلى المراهق ويؤدي إلى اضطرابات منها: ضعف في الشخصية وتوقف في النمو المتصاعد للتلقائية، وتنشأ بعض الاضطرابات الأخرى النفسية أيضاً ومن هذه الاضطرابات: القلق العصبي والفهم  (Anorexiaوهو أكثر انتشاراً عند الإناث. وقد أكّدت دراسة ل الصراف أن أكثر المخاوف انتشاراً بين المراهقات في الكويت هو الخوف من زيادة الوزن.

ومن الأمراض التي تضطرب فيها صورة الجسم، اضطراب شكل الجسم الوهمي، حيث يعتقد المريض بأن هناك خطأ في شكله الخارجي ما يسبّب الإحساس بالقلق الشديد، ويحتاج هذا المرض إلى إعادة تكوين الصورة الصحيحة الداخلية عن الجسم من طريق العلاج النفسي (13) .

أدوار المدرسة

نقتصر في الكلام عن دور المدرسة على أمور قليلة مع أن للمدرسة تأثيراً كبيراً من حيث بناء شخصية التلميذ، ولعّل مجتمعاتنا لن تنتقل إلى الحداثة إذا لم يصبح التعلم في المدرسة قائماً على الموقف التعليمي (Situation didactique) حيث يختصر دور المعلم في التوجيه والإرشاد وتحضير الموقف التعليمي ويكون التلميذ فاعلاً في الصف لا منصتاً متبرماً مثرثراً يصعب الحصول على انتباهه.

المبادىء التربوية

ومن المبادىء التربوية في هذا الصدد ما يقوله بياجيه (14) "إن الفائدة الرئيسة لنظرية النمو العقلي في مجال التعليم هي إتاحة الفرصة أمام الطفل ليقوم بعمل ذاتي، فإننا لانستطيع تنمية ذكاء الطفل بالتكلم معه فقط، ولا نستطيع أن نمارس التربية بشكل جيد، من دون أن نضع الطفل في موقف تعليمي، حيث يختبر بنفسه ويرى ما يحصل، ويستخدم الرموز ويضع الأسئلة ويفتش في إجاباته الخاصة، رابطاً ما يجده هنا بما يجده في مكان آخر، مقارناً اكتشافاته باكتشافات الأطفال الآخرين".

ونضيف هنا استناداً إلى بياجيه أيضاً في نظريته البنائية، بأن النمو العقلي هو نتيجة للتفاعل بين ثلاثة عوامل: الموروث البيولوجي والخبرات الشخصية (ونشدّد هنا على الخبرات الشخصية التي تقدّمها المدرسة) والبيئة الاجتماعية.

ونقول في هذا الصدد بأن الأبحاث حول مفاهيم الاحتفاظ بالفيزياء ومفاهيم تصور العالم عند الطفل التي قمنا بها مع طلابنا الجامعيين في الكويت وفي لبنان بينت تأخر تكوّن هذه المفاهيم عند تلاميذنا، فمثلاً تكوّن مفهوم الاحتفاظ بالكمية يجب أن يتّم في السابعة من العمر لكننا نجده مفقوداً حتى عند التلاميذ الذين بلغوا الثانية عشرة من العمر. وفي تعليلنا لذلك أن أحد أسباب هذا التأخر يعود إلى التعليم اللفظي السائد في مدارسنا.

والمبدأ الثاني هو أهمّية التفاعل بين التلاميذ في الصف.  إذ يعتقد بياجيه أن النمو العقلي يفترض ليس فقط تعاون التلاميذ مع المعلمين ولكن تعاون التلاميذ في ما بينهم أيضاً. ذلك أن التلميذ الذي لا نسمح له بأن يرى نسبية إدراكه يبقى سجين وجهات نظره الأنوية. فالصراع في الآراء بين التلاميذ يجعلهم يدركون مباشرة وجهات نظر مختلفة، إذ إن تلاميذ المستوى الواحد يستطيعون أكثر من المعلم مساعدة رفاقهم على الفهم الصحيح للموضوع. من هنا أفضلية العمل في مجموعات والمناقشات بين التلاميذ.  

أما المبدأ الثالث، فهو أفضلية العمل العقلي المبني على التجربة المباشرة وليس على الوصف والكلام. ونشدّد هنا على أهمّية اللغة بحيث لا تعمل على الضرر بالتفكير، نترك التلميذ يعطي في مراحل نموه العقلي إجابات غير صحيحة قبل أن ننتظر منه الإجابات الصحيحة. وقد سجّل المعلمون في المرحلة الابتدائية تقدماً ملحوظاً بحسب سان كلار عند اعطائهم الأولوية للتجربة الحسية على شرح المعلم. ويقول فورث في هذا المجال، إن هدف التعليم، هو قبل كل شيء، تعليم التفكير. وباعترافه بأهمّية القراءة كوسيلة للتعلم، إلا أنه أسف، كونها أصبحت هدف المربين الأساسي على حساب نمو التفكير والعمليات العقلية الحقيقية (15).

  وغني عن القول أن استخدام التعليم اللفظي وعدم جعل التلميذ ناشطاً وعدم العمل في مجموعات، وعدم الاعتماد على العمل العقلي وتجاهل هذه المبادىء كافة يمكن أن يعتبر إساءة الى التلاميذ.

الدافعية

من المبادىء المهمّة أيضاً في التعلم والتعليم الدافعية الداخلية. ولكن كيف يمكن للمعلم أن ينشط الدافعية الداخلية عند التلاميذ من بين الاستراتيجيات لبناء الدافعية الداخلية نذكر:يشعر التلميذ بالفتور امام اساليب تعليمية غير مناسبة.

  1. إزالة التوتر من بيئة الصف. ومن المصادر التي تسهم في التوتر: التهديد والتعليقات المنطوية على السخرية أو التهديد والاختبارات الفجائية غير المعلنة والاحتفاظ بالعلامات والافتقار إلى المصادر.
  2. من المهّم تشييد الجسور بين عالم التلاميذ خارج الصف وبدء التعلم مثل التنفس العميق. فأنت لا تعرف ما يحدث للتلاميذ في الملعب من شجار أو انفصال عن صديق حميم أو تهديد.
  3. من المهّم البدء بمناقشة مشكلات شخصية والترحيب بالتلميذ الذي كان غائباً ومراجعة الدرس السابق. إن مثل هذه الأنشطة الانتقالية تسمح للدماغ بأن ينتقل إلى الحالة الكيميائية المناسبة للتعلّم.
  4. من المهّم أيضاً أن يسود الصف جو من الجدية والحركة وإثراء المنهج بمواد ذات صلة بالتلاميذ.
  5. يمكن البدء اليوم بالمصافحة والتبادل والهتافات والألعاب والكتابة في مفكرة والتقييم الذاتي، إن هذه الفرص التي تؤثر على الجانب الانفعالي للتعلم تشكّل البراهين والحجج في أن المعلم يستطيع أن يمارس بعض هذه الاستراتيجيات وهو لا يزال يملك وقتاً كافياً للمضمون.
  6. يجب أن يحصل التلاميذ على تغذية راجعة شخصية وأكاديمية، ويتّم ذلك من خلال التبادل ووضع الأهداف والعمل الجماعي وتوقيت الأسئلة والأجوبة والمفكرة التعلمية. إن المعلمين نتعلم لكي نبني المستقبل.الذين يصممون تعليمهم بشكل دقيق، بحيث يتضمن عشرات الطرق للتغذية الراجعة، يجدون زيادة في الدافعية لدى التلاميذ، وتعتبر التغذية الراجعة التي يقدمها الأقران أكثر فائدة وتحفيزاً من تلك التي يقدمها المعلم من حيث الحصول على نتائج مستدامة.
  7. وتتّم معالجة فقدان الدافعية الداخلية باستخدام اختيارات إيجابية إجبارية (16) وبكلمة أخرى إذا سمحت للتلميذ بعمل ما يريد فإنه غالباً لا يعمل شيئاً. ولكن العمل ضمن فريق متماسك لتحقيق هدف محدّد كفيل بأن يساعد في التخلص من الشعور بالعجز المكتسب لدى الأفراد، والعمل ضمن فريق يُشعر التلاميذ بأنهم مهمّون بالنسبة للآخرين وأنهم يستطيعون أن يختاروا قرارات جيدة ويحصلون على الدعم من رفاقهم.

يعاني بعض التلاميذ من لا دافعية مؤقتة، ويعود ذلك إلى ثلاثة أسباب: السبب الأول يتعلق بارتباطات من الماضي يمكن أن تثير حالة سلبية أو فتوراً لدى التلميذ، قد تكون هذه الارتباطات مخزنة في الذاكرة، وعندما تثار فإن الدماغ يتصرف وكأن الواقعة تحدث الآن، كما تثار التفاعلات الكيميائية ويتّم إطلاق هرمونات مثل الأدرنالين وغيره إلى مجرى الدم. لذا فإن صوت المعلم أو نبرة صوته أو إشاراته، قد تذكر التلميذ بمعلم سابق لا يحبه. وقد تثير الإخفاقات السابقة مثل تلك المشاعر، كما يمكن أن تثيرها ذكرى الفشل المستمر في مادة، ذكرى لرسوب محرج، ويمكن إعادة إشارة تهديد حقيقي ذي شأن عن طريق حادثة أصغر منه بكثير.

السبب الثاني يتعلق بالبيئة. فالتلاميذ قد يشعرون بالفتور أمام أساليب تعلمية غير مناسبة، ونقص المصادر والمعوقات اللغوية وفقدان الاختيار والمحرمات الثقافية والخوف والإحراج والافتقار إلى التغذية الراجعة وسوء التغذية والعطش ونقص الأوكسيجين في غرفة الصف وتلوث البيئة. بالاضافة إلى المضمون غير المثير للاهتمام إضافة إلى احتمالات أخرى (17)

والسبب الثالث لحدوث لا دافعية يعود إلى العلاقة بالمستقبل، وهذا يتضمن وجود أهداف واضحة محدّدة بشكل جيد، ذلك أن الكثير من التلاميذ يتسربون من المدرسة أو يرسبون بسبب عدم وضوح الأهداف. كما أن ما يعتقده التلميذ إزاء المضمون والسياق والاهتمام بإحراز النجاح في هذا الصف ومع هذا المعلم مسألة في غاية الأهمّية. فهذه الأهداف والمعتقدات تحدث في حالات تُطلق مواد كيمائية قوية في الدماغ؛ إذ إن التفكير الإيجابي ينشط الفص الأمامي الأيسر وعادة ما يطلق مواد كيمائية تبعث على السرور مثل الدوبامين Dopamine إضافة إلى المهدئات الطبيعية كالأندرفين Endrophine وهذه المكافأة الذاتية تعزّز السلوك المطلوب.

إن التلاميذ من أي من الفئات الثلاث السابقة، هم ببساطة في حالة لا دافعية مؤقتة. ونظراً الى أن أي فرد يمكن أن يمّر في مجموعة من الحالات في أي وقت سعيد، جائع، قلق، فضولي، راض فإن الحالة التي نطلق عليها الفتور قد تكون ببساطة إحدى الاستجابات المناسبة للبيئة، والمعلم الذي يفهم الحالات التي يمّر بها التلاميذ يمكن أن يكون فاعلاً، وغالباً ما يختفي الفتور بنشاط جذاب بسيط، أو من خلال الإصغاء أو التبادل أو استخدام الموسيقى والأنشطة الجماعية.

الدافعية والدماغ والهرمونات

يقول دين ويترك: "إن التعليم الصفي يستند إلى نظرية خاطئة، فنحن نفترض بأنه يتعين على التلاميذ أن يحصلوا" على مكافأة فورية عندما يؤدون عملاً بطريقة صحيحة (18)  ولكن الدماغ يرتاح تماماً لمتابعة الجديد وحب الاستطلاع ويحب الأشياء ذات الصلة بالموضوع ويستغرق في التغذية في النجاح، وسيكون من المفيد توسعاً في تطبيق المواضيع وحلّ المشكلات حيث تكون العملية نفسها أهّم من الإجابة أو الحلّ وهذه هي المكافأة.

ويتخذ علماء الأعصاب موقفاً مختلفاً عن النظرية السلوكية في ما يتعلق بالمكافآت. ذلك أن الدماغ يصنع مكافآته بنفسه وهي ما نطلق عليها المهدئات التي تستخدم لتخفيف الألم والتوتر كالمورفين، ويقع جهاز المكافأة في الهيبوتلاموس، وكأن الدماغ يقول عن هذا السلوك: "هذا شيء جيد دعنا نفعل ذلك، ونفعله مرة أخرى". وهكذا يكافىءالدماغ التعلم بمشاعر جيدة. فالتلاميذ الذين ينجحون يشعرون بالرضا وهذا يمثل مكافأة كافية بالنسبة لهم.

تلعب الحساسية الجينية وتجارب الحياة دوراً في جهاز المكافأة. فخبرات الطفولة المبكرة المشتملة على العنف هي التي تشكّل الدماغ. إنّ أدمغة هؤلاء التلاميذ لا تكافأ بالرضا والارتياح في إنجازهم للنشاط والعمل المدرسي فقط. وفي هذه الحالة، فإن الاستراتيجيات التي يستخدمها معظم المعلمين لا تحقّق الغاية ما لم يفهموا سبب تصرف هؤلاء التلاميذ. إنهم سيحققون نجاحاً عندما يوضعون في مجموعات ويمارسون أدواراً تعاونية. كما أنهم يحتاجون إلى تعلم مهارات عاطفية.

دور المعلمين

من الحلول بالنسبة للدافعية تقديم التدريب الأفضل والفعلي للمعلمين في مجالات المعرقة والثقافة وأساليب التعلم وإدارة الحالات، وتوفير مزيد من المصادر، ومن المفيد التقليل من الحواجز اللغوية واستخدام أكثر لخيارات التلميذ وإزالة أي نوع من الإحراج والسخرية. كما يجب تقديم المزيد من التغذية الراجعة والتشجيع على تناول الغذاء الصحي. كذلك من المفيد أن يتعلم التلاميذ أساليب التفكير الإيجابي وأن يتعلموا وضع أهداف محدّدة. ويقوم الباحثون حالياً بتطوير أدوات أفضل لفهم آليات العمل الداخلي للدماغ المتسم بالدافعية، وعلى العموم فإن ما يتوافر من أبحاث يدّل على أن أساس المشكلة يتمثل في طريق تعاملنا مع التلاميذ، وبدلاً من السؤال، كيف يمكن تحفيز التلاميذ ؟ فإن السؤال الأفضل هو، ما الطرق التي يتّم بها حفز الدماغ (19)  بشكل طبيعي من الداخل ؟ وهل يستطيع المعلمون القيام بذلك؟ الجواب هو نعم، والمربون في العالم يحققون نجاحاً كل يوم.

انطلاقاً مما سبق ذكره، نجد أن عدم معرفة هذه الأمور والأصّح عدم تطبيقها في غرفة الصف يشكّل إساءة غير متعمدة للتلاميذ.المعلم - متعاطف أم غير متعاطف

العلاقة التربوية : معلم تلميذ

العلاقة معلم  تلميذ تتوقف في جزء كبير منها على لا وعي المعلم وعلى نضجه العاطفي. فإذا بقي المعلم في حالة من عدم النضوج العاطفي الكافي، فإنه سوف يستجيب لانعدام النضوج الطبيعي عند التلميذ. فقد يبقى التلميذ مثبتاً في المرحلة الفمية فيسعى إذ ذاك إلى امتلاك انتباه المعلم، أما الطفل العدواني أو الذي لديه شعور بالذنب، فإنه يثير عدوانية المعلم حتى يقتص منه.

وقد قام فريق من الباحثين بتجربة دامت اثنتي عشرة سنة في هامبورغ (20) وانتهت بفشل كبير، إذ إن الأطفال تألموا من انعدام سلطة الكبار وبعضهم استجاب بشكل ذهاني لهذه العلاقة المتصفة بالقلق. ولكن نستطيع أن نقول، أن كل مربّ ناضج يستطيع أن يميّز بين السلطة والقمع، وكل مربّ يلجأ إلى القمع : التهديد، الابتزاز العاطفي،  برهن عن افتقاره الى السلطة، ذلك أن السلطة قوة داخلية تفرض نفسها بنفسها.

ويصنف التلاميذ المعلمين بين متعاطف وبين غير متعاطف. ويظهر أن الصفة المهمّة بالنسبة للتلاميذ هي التعاطف أي استعداده العاطفي الايجابي واهتمام المعلم بالتلاميذ وبعملهم. وإذا أحبّ المعلم التلاميذ فسوف يحبونه وإذا احترم التلاميذ سيحترمونه وإذا اهتّم بهم سيهتمون به. والعكس نجده عند المعلم غير المتعاطف الذي يُظهر برودة وعدم اهتمام بالتلاميذ وهذا ما يشكّل أساساً لبناء المشاعر السلبية.

إن المعلم الذي لا يتمتع بخصائص المعلم الناضج والمتعاطف يكون في عمله مع التلاميذ مسيئاً إليهم.

وفي النهاية نقول بأن مهنة التربية هي مهنة صعبة وتتطلب الصبر والتسلح بالمعارف والمهارات اللازمة والضرورية. ولا شكّ أن العلوم النفسية تقدّم لنا كمربين الكثير من الدعم وتنير لنا الطريق وخاصة الأبحاث الحديثة التي تتناول الدماغ، ولكن يبقى أن يكون لدينا الإدارة في أن نحسّن أداءنا كآباء أو كمدرسين ومن هنا علينا أن نقرأ، ونحن كما قالت عنت المنظكة الدولية للتربية والعلوم. المعلم من الدعم وتنير لنا الطريق وخاصةً الأبحاث الحديثة التي تتناول الدماغ، ولكن يبقى أن يكون لدينا الإرادة في أن نحسّن أداءنا سواء كآباء أو كمدرسين ومن هنا علينا أن نقرأ، ونحن كما قالت عنا المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة.

 

المراجع :

- مريم سليم، علم نفس النمو، دار النهضة العربية بيروت ٢٠٠٥

- مريم سليم، علم نفس التعلم، دار النهضة العربية بيروت ٢٠٠٣

- مريم سليم، علم النفس التربوي، دار النهضة العربية (وهذا الكتاب كان الأكثر مبيعاً في معرض بيروت للكتاب  ٢٠٠٤) بيروت ٢٠٠٤

- مريم سليم، أدب الطفل وثقافته، دار النهضة العربية بيروت ٢٠٠١

- مريم سليم، علم تكوين المعرفة، (الطبعة الأولى، معهد الإنماء العربي)، ط.ث.، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٢

- مريم سليم، قياس وتقييم النمو العقلي المعرفي في رياض الأطفال، وزارة التربية، مركز الطفولة والأمومة، الكويت، ٢٠٠٢

- مريم سليم، الأسس الثقافية النفسية  التربوية في الصحة الإنجابية، صندوق الأمم المتحدة في لبنان، ٢٠٠٢

.  مريم سليم وعلي زيعور، حقول علم النفس الطبعة الأولى، دار الطليعة، بيروت ط.ث.، دار النهضة العربية، ٢٠٠٤

- مريم سليم وباسمة الحاج، أسباب الطلاق في الكويت، وزارة التربية، مركز الطفولة والأمومة، ٢٠٠٠

- معصومة ابراهيم ومريم سليم وآخرون، علم نفس النمو، الكويت، ٢٠٠٠

- مريم سليم، دراسة تقييمية للشباب في مرحلة المراهقة، صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان، ٢٠٠٢

- مريم سليم، كيف ننمّي تقدير الذات والثقة بالنفس والنجاح عند أبنائنا، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٣

- جعفر العريان، باسمة الحاج، مريم سليم، تحسين نوعية حياة الأسرة في الكويت، وزارة التربية، مركز الطفولة والأمومة.

.  مريم سليم، الطفل من الولادة حتى الخمس سنوات (ط.أ. دار البراعم) زط.ثُ، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٥

- مريم سليم، الأسس التربوية لتدريس الرياضيات للأطفال، دار المقاصد الإسلامية، بيروت، ١٩٨١

 

الهوامش

١ مريم سليم، الطفل من الولادة حتى الخمس سنوات، دار النهضة العربية، ٢٠٠٥

2- Rene's spitz, 1965, de la naissance à la parole, Paris, PUF

3- Mélanie Kleine, (1968), Envie et gratitude, Paris, Gallimard

4 مريم سليم، ( ٢٠٠١)، بيروت ،أدب الطفل، وثقافته، دار النهضة العربية

5- Bideau j,et d'autres,)1993(, l'homme en developpement, PUF,Paris.Psychodrame

6 مريم سليم، (٢٠٠٣ )، كيف ننمي تقدير الذات والثقة بالنفس والنجاح عند ابنائنا، بيروت، دار النهضة العربية

7- Eric Eickson, (1963), childhood and Society, Norton and Co., New york

8- A. Avanzini, (2005), Le temps de L'adolescence, éd. Universitaire, Paris

9- Freud S., Deuil et mélancolie in métapsychologie cité par la planche J., l'articleÅ: Les normes normales et sociales leur impact dams la topique subjective, un bulletin de psychologie II, VI, 1972, 1973, pp. 14-16

١٠ - المرجع السابق نفسهMucheilli R, (1972), comment ils deviennent déliquants, Coll., ESF, 11- Paris

١٢ - مريم سليم، دراسة تقييمية : في مرحلة البلوغ والمراهقة، ( ٢٠٠٢ )، صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان.

١٣ - مريم سليم، الأسس الثقافية النفسية التربوية في مواضيع الصحة الإنجابية، ( ٢٠٠٢ ) صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان.

14- Jean Piaget, six études de psychologie, éd. Gonthier, 1969, Gebève

15- Inhelder B., Saint Clair M., Bovet M., Learning and the development of cognition, Cambridge, M.A., Harvard University, Press, 1974

16 مريم سليم، علم نفس التعلّم،( ٢٠٠٣) دار النهضة العربية، بيروت، ص. ٥١٨

17- Lieury A., 2000 Paris apprentissage scolaire : mieux impliquer la mémoire, science et vie, N212.

18 إيريك جينسن، ( ٢٠٠١ )، الظهرن، كيف توظف أبحاث الدماغ في التعليم، دار الكتاب التربوي.

19- Ledoux J, the emotional brain, New York, Simon and Schuter, 1996

20- Chirivella F1997, Paris rencontres internationals sur l'enseignement des mathématiques, CRDP, p.412

 

الأدوار النفسية والتربوية للأسرة والمدرسة والإساءة الى الأطفال

د.مريم داود سليم استاذة في كلية التربية الجامعة اللبنانية

يلاحظ من خلال الإتصال المستمر بين القيّمين على الشأن التربوي من جهة والمعلمين من جهة أخرى أن المشكلات التي يناقشها الأهل والمعلمون ما هي إلا نتيجة طريقة خاطئة ينتهجها الوالدان والمدرسون. وأن المشكلات الأساسية التي يعاني منها التلاميذ ناتجة عن اضطرابات معينة مثل العناد أو انعدلم الثقة بالنفس أو الرسوب المدرسي أو الكذب.... ألخ

نتناول في هذا البحث موضوع أدوار الأسرة والمدرسة والاساءة الى الأطفال مع الإشارة الى أن هذه الإساءة غير متعمّدة في الغالب... فالإساءة الى الأطفال لا تقتصر على الضرب أو الاهانة او الاساءة الجنسية فقط، بل تكمن ايضاً في عدم معرفتنا بحاجات الأطفال في المراحل النمائية المختلفة. إذ لا تزال اساليب الاساءة القاسية متداولة في مجتمعاتنا حيث يعتبر الضرب احدى أدوات التربية التي يستخدمها الوالدان والمدرسون على حد سواء.

ففي إحد اللقاءات مع أولياء أمور تلاميذ المرحلتين الاعدادية والثانوية سأل أحد أولياء الأمور أثناء مناقشة موضوع الضرب، كيف تريدوننا أن نربي أولادنا اذا لم نضربهم؟. في لقاء آخر مع أولياء أمور تلاميذ رياض الاطفال، شكت أم من أن ابنها يضرب رفاقه، وان المعلمات يشكين من ذلك، وأنها تضربه حتى يكف عن ضرب رفاقه، فكان الجواب: حاولي أن تمتنعي عن ضربه لعله يتوقف هو نفسه عن ضرب الآخرين.

وفي مواقف مماثلة عندما كنا نقول: ممنوع مقارنة الطفل بالآخرين، كنا نواجَه برفض ذلك، وحجة الاهل والمعلمين انهم يفعلون هذا من اجل تشجيعه ودفعه، فيما يعتبر علم النفس أن مقارنة الطفل بآخرين هي اساءة اليه، وعندما كنا نقول بعدم التشهير بالطفل والكلام عن مساوئه امام الآخرين، كنا نواجه برفض الاهل ايضاً وحجتهم هذه المرّة انهم يفعلون ذلك من اجل ان يقلع الطفل عن الامور السيئة. وإذا أردنا أن نسترسل فإن الامثلة كثيرة، لكننا نستشهد بمثل أخير، فعندما يخبرنا الأهل بمشكلات يعاني منها أطفالهم، وخلال سرد المشكلة نعتقد بأن الطفل في الرابعة أو الخامسة من العمر، وعندما نستفسر عن عمره نفاجأ بأنه في التاسعة او العاشرة منه. لذلك نستطيع القول إن أطفالنا في غالبيتهم ليس لديهم ما نسميه الانضباط الذاتي، ونحن نعرف بأن الأطفال في الطفولة الوسطى والمتأخرة أي بين ٦ و١٢ سنة يحرصون على إعطاء صورة جيدة عنهم، ويكون الحس الأخلاقي والخضوع للقانون قد تتطورا عندهم، ولكن لماذا لا نجد هذا عند اطفالنا. وهذا ما يشكو منه المدرسون والمدارس ايضاً أي الانضباط الذاتي في الصف كما في الملعب.صورة لاولاد مع تعليق: اولادنا امانة في اعناقنا

من أجل هذه الأمور وغيرها أيضاً نتكلم على "أدوار الأسرة والمدرسة والإساءة الى الأطفال" اذ أننا بحاجة الى نشر الثقافة التربوية والنفسية بين الجميع خصوصاً بين الآباء والأمهات، فلا الأبوة ولا الأمومة وظائف بيولوجية بل هي وظائف بيولوجية تحتاج الى اعداد. وسنتناول في ما يأتي حاجات الأطفال في المراحل النمائية المختلفة:

 

أدوار الأسرة النفسية والتربوية

حاجات الطفل من المرحلة الجنينية الى المراهقة

إن إنجاب الطفل في يومنا هذا يتعلق بقرار الزوجين برغبتهما، حتى انهما وبنتيجة التقدم الطبي الكبير يستطيعان أن يحددا جنس الجنين. وقد اسهمت في هذا التطور علوم عديدة منها البيولوجيا والفيزيولوجيا الحديثة وعلم النفس والايتولوجيا (علم دراسة العادات) ولقد اهتم علماء النفس بدراسة الكائن البشري منذ تكونه وليس منذ ميلاده، أي طيلة التسعة أشهر من الحمل (من الإخصاب إلى الميلاد) وتؤكد الأبحاث على نشاط الحواس في الشهر السابع. حيث تلاحظ الحامل أن الجنين يتأثر بالضجيج وبالموسيقى أو ببعض العوامل الخارجية، كما بينت الأبحاث الفرنسية أن الأجنة يستسيغون موسيقى موزار ويضطربون لموسيقى بيتهوفن وبرامس.

ويستطيع الجنين في الشهر السابع أن يسمع صوت الأم أو صوت الأب والأخوة والأخوات. وفي إحدى التجارب تبيّن أن الأب الذي يقول للجنين بعض الكلمات وإذا رددها له بعد الولادة فإنها تؤدي إلى حالة من الهدوء اذا كان الجنين باكياً او مضطرباً.

ولا بد هنا من الكلام ايضاً عن الوراثة والأمراض الوراثية، إضافة إلى أهمية العوامل البيئية من غذاء الأم الحامل وامتناعها عن التدخين، ذلك أن الأبحاث بيّنت أن الطفل الذي دخنت أمه أثناء حملها به يعاني من نقص الانتباه عندما يذهب إلى المدرسة. إضافة الى خطورة إدمان الكحول لدى الحامل ذلك أن الجنين يكون صغير الرأس بالإضافة الى إمكانية اصابته بالعته العقلي وضعف البنية وانعدام مقاومة الأمراض.  

 الجنين يسمع صوت الام والأب والاختإن المرأة غير السعيدة تتحمل أعباء الحمل بصعوبة أكبر من المرأة السعيدة التي تعيش في جو من الانسجام والتفاهم. ويصاحب الإتجاه السلبي نحو الحمل الغثيان ويميز هذه الاصوات بعد الولادةوالتقيؤ. وكذلك فإن الإنفعالات النفسية عند الأم الحامل تؤثر بصورة مباشرة على الجنين اذ تؤدي الى إفراز هرمونات تصل عبر المشيمة اليه وتؤثر على إفراز الهرمونات في غدده. وبعض الأجنة تظهر تزايداً في حركتها عند تعرض الأم لانفعالات نفسية.  

ومن المهم أن نذكر ان للناس المحيطين بالحامل تأثيراً كبيراً على حالتها النفسية وخصوصاً الزوج، ذلك ان سوء التوافق مع الحمل. والحمل والولادة ليسا من أمور المرأة وحدها، فدورالزوج ''الأب'' أساسي بالنسبة للأم وكذلك بالنسبة للطفل. والأبوة وظيفة يجب ان يتعلمها الرجل وهي تبدأ قبل الولادة وتستمر خلال تربية الطفل. ومن المهم ان نذكر ان للبيئة التي تعيش فيها الحامل تأثيراً كبيراً على الجنين، ذلك ان الاجهاد النفسي والذهني والجسمي يؤثر على نمو الجنين وتطوره بسبب إفراز هرمونات تؤثر على جسمه، وقد أثبتت الدراسات أن نتائج الإجهاد تظهر لاحقاً عند الأطفال من خلال أدائهم الدراسي المتدني، ذلك ان اختلاف معاملة الامهات اثناء الحمل ينتج عنه اختلاف في تصرفات الأطفال بعد الولادة، كما ثبت ان الأطفال حتى سن الثلاثة اشهر ينتابهم الخوف اذا كانت امهاتهم قد تعرضن اثناء الحمل لحوادث مخيفة. ويولد بعض الأطفال قبل اكتمال ٣٧ أسبوعاً وهناك أسباب لولادة الطفل الخديج (الذي يولد قبل اتمام ٩ أشهر)، منها:

  1. أمراض ومشاكل في الجهاز التناسلي للأم.
  2. مشاكل صحية عند الأم الحامل مثل سوء التغذية والإجهادالنفسي والإرهاق.
  3. الإضطرابات النفسية عند الحامل.

وكل طفل يولد خديجاً يكون  معرضاً للخطر كلما كانت مدة الحمل أقل. ويكون الطفل في هذه الحالة ناقص الوزن مما يزيد احتمال تعرضه لخلل عصبي. وقد يلاحظ عند هؤلاء الأطفال صعوبات من الناحية الكلامية ونقص في التآزر الحركي ونقص أو زيادة في النشاط وصعوبات في ضبط عمليات الإخراج مع صعوبات اجتماعية وانفعالية، مما يؤدي إلى شدة القابلية للتشتت وعدم التركيز.

وفي دراسة نشرتها مجلة ''لانست'' قال أطباء إن الأطفال الذين ولدوا قبل أكثر من خمسة أسابيع من اكتمال فترة النمو يصبحون أكثر عرضة لمواجهة صعوبة القراءة ومشكلات سلوكية في مرحلة المراهقة. وقد أجرت الدراسة الطبيبة آن ستيوارت وزملاؤها من جامعة لندن على ٧٢ مراهقاً ولدوا قبل الآوان و ١٥ مراهقاً ولدوا بعد اكتمال فترة الحمل. خضع خلالها المراهقون لسلسلة من اختبارات التعلم والسلوك لتحديد مدى تأثير الولادة السابقة لأوانها على تركيب المخ والقدرة على التعلم. وأظهرت الدراسة ان المراهقين الذين ولدوا قبل اكتمال نموهم أكثر عرضة ١٢ مرة من غيرهم من الشباب الجنين يسمع صوت الام والأب والاخت. ويميز هذه الاصوات بعد الولادة. لان تكون الاشاعات المقطعية على مخهم غير طبيعية كما أنهم يجدون صعوبة أكبر في التعلم وتكون درجاتهم في القراءة ضعيفة. وأشارت ستيورات وفريقها إلى ان أكبر اختلاف أظهرته الإشاعات المقطعية بين تركيب دماغ المجموعتين كان الجزء الذي ينقل الإشارات الى الحبل الشوكي. كما وتؤثر المحاولات المتكررة الفاشلة للإجهاض تأثيراً خطيراً على نمو الجنين.

ولا تزال المرأة العربية تواجه الكثير من المشكلات والهموم حين يتعلق الأمر بالحمل والولادة، منها ما هو متعلق بالعادات والتقاليد والقيّم السائدة وموقف الرجل. ومنها ما يتعلق بوضع المرأة نفسها كعاملة تنشد الإنجاز وتحقيق الذات في ميدان العمل، والصراعات التي تمر بها وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية التي تزخر بالتناقضات. ويزيد من أهمية الموضوع ازدياد أعداد النساء العاملات، سواء لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو ذاتية. ولكن تبقى"الأمومة" كمفهوم وشعور نقطة انطلاق الى مواضيع أخرى عديدة.

ومن العادات التي تؤثر على أوضاع المرأة الحامل وصحتها بعد الوضع، انه يتم حرمانها من شرب الماء أو العصير أو أكل الحمضيات بداعي أنها تؤثر على صحتها ولياقتها الجسدية، وقد أدى ذلك في حالات ليست بالنادرة الى إصابة بعض النساء بالفشل الكلوي. ونحن نعلم ان عدم شرب المرأة للسوائل بعد الوضع يؤثر على قدرتها على الإرضاع. يتبين لنا مما تقدم مقدار الإساءة الى الطفل في حال عدم مراعاة حاجات هذه المرحلة ومتطلباتها.

الحاجات في الطفولة الأولى

يمكن فهم خصائص النمو النفسي للأطفال في هذه المرحلة من خلال إشباع حاجاته الأساسية: حاجته الى الراحة والاستقرار والثبات في البيئة المحيطة به، حاجته الى التعلق ودفء العاطفة والحنان العلاقة مع الام والشعور بالأمانوالرعاية، هذا الى جانب أن إحساس الطفل بالثقة وباشباع حاجاته ما هو في الواقع الاّحالة انفعالية تساعده على التوحد مع العالم، بمعنى ان الجو الذي يشيع الثقة بين الطفل ومن حوله من أفراد أسرته يدعم الجهود التي يقوم بها لكي ينجز واجبات النمو في هذه الفترة. ولذلك فإن دور الوالدين في هذه المرحلة يتحدد بالفورية والثبات، أي بالاستجابة لمؤثرات التوتر التي تصدر عن الطفل وذلك بهدف إزالة هذا التوتر. ''فقد ثبت أن الطفل الذي لم تكن أمه تستجيب لحاجاته بشكل فوري في الأشهر الأولى من حياته، يميل بعد ذلك إلى أن يصبح سريع الغضب والإهتياج وأقل  طاعة لأوامر أمه ونواهيها عندما يكبر(1).

إن نوع نسيج الوعي عند المولود الجديد وصلابته يتعلقان بمحيطه وخصوصاً بالأم حضوراً وحرارة وحناناً، فالتجربة الناشئة عن الاحتكاك اليومي معها سوف تترك آثارها على شخصيته كلها، والأسابيع الأولى من حياة الطفل بالغة الأهمية اذ تشهد عقد الروابط بين الطفل والأم، روابط سوف يكون لها تأثير على شخصيته ومستقبله، ذلك ان توازن الإنسان البالغ تشكل خلال طفولته، وأساس التوازن تقيّمه الأم منذ الأسابيع الأولى من حياة، الطفل حسب سبيتز(2) فالطفل في هذه المرحلة يختزن كل ما يعيشه من مستحب ومكروه، من إشباعات وخيبات أمل وتجارب سارة ومحزنة ومحاولات ناجحة وفاشلة.  

تلعب العلاقة الأولى مع الأم دوراً أساسياً في بناء الشخصية العاطفية والاجتماعية والصحة العقلية للفرد. وتعطي ميلاني كلاين (3) أهمية كبيرة وأساسية لعلاقة الطفل بأمه، فالنمو لا يمكن أن يحدث النمو السليم في كنف العائلةبطريقة سليمة اذا لم تتجذر صورة الأم مع الأنا في أمان، هذه العلاقة بثدي الأم أو ما يحل محله أو الأم على الأصح، هذه العلاقة الجسدية والنفسية لا تؤدي إلى النمو الصحيح اذا لم تحصل الأشياء بشكل جيد. والكثير من الاطفال الذين يحرمون من الأم أو يوضعون في مؤسسات رعائية ولا يكون لهم علاقة مباشرة بالأم يعانون من مشكلات نمائية أقلها التأخر الدراسي والتأخر في نمو الذكاء ومنهم من يموت جوعاً برفضهم الطعام وكل هذا بسبب الحرمان العاطفي. وفي دراسة قمنا بها في مؤسسات رعائية في لبنان تناولت مئة تلميذ حول "نمو الذكاء" وطبقنا فيها اختبارات بياجية المتعلقة بتصور العالم عند الطفل، تبين لنا أن أطفال هذهالنمو السليم في كنف العائلة. العلاقة مع الام والشعور بالأمان. المؤسسات قد تأخر لديهم تكوّن هذه المفاهيم (مفاهيم تصورالعالم) ثلاث سنوات عن الأطفال الذي يعيشون في أسرهم. ولعلنا هنا نقول بأن وجود الأطفال في هكذا مؤسسات هو مننوع الاساءة إليهم، وقد ألغيت هذه المؤسسات في الكثير منحيث (sos) بلدان العالم وتمّ استبدالها بالأسر أو بقرى الأطفال الأطفال في عائلات ترعاها من تقوم مقام الأم وتقدم الدعم والرعاية لكل طفل.

في الحرمان من الحركة اساءة الى نمو الطفلفي نهاية السنة الثانية يستطيع الطفل أن يمشي وهوأقل اعتماداً على الآخرين في تحركاته، ويستخدم يديه بمهارة، ويعود هذا التقدم إلى نمو الجهاز العصبي والعضلي. ويختلف الأطفال في ما بينهم بالنسبة لقضايا المشي والنظافة والكلام، وليس مهماً متى تحصل هذه الأمور، ولكن من المهم أن تحصل في الفترة التي تسمى"الفترة الحرجة" التي هي بين ١٢ و ١٨ شهراً، وخلال هذه الفترة لا نستطيع أن نتكلم عن تأخر في النمو أو تقدمه.  ومن السنة الى ال ١٨ شهراً يستطيع الطفل أن يأكل بمفرده. ونعتقد أنه يقع في باب الاساءة الى الطفل في هذه السن عدم السماح له بالحركة والتنقل وعدم تشجيعه على القيام بذلك وحمله طوال الوقت، خصوصاً في الأسر التي تتوافر فيها الخادمات، حيث يطلب الى الخادمة حمل الطفل وفي هذا الأمر إساءة إلى نموه الحسي - الحركي. كما اننا يجب أن نترك الطفل يأكل بمفرده، فنضعه في كرسيه ونضع تحته جرائد أو أوراقاً، لانه بإطعام نفسه سوف يشعر بسعادة وسوف تزداد ثقته بنفسه، لأن إطعام الذات في هذه المرحلة يعتبر من الإنجازات، والجميع يعرف أن الإنجاز يعزز الثقة بالنفس. كما ان عدم توفير الألعاب للطفل من مكعبات وحتى أشياء من المنزل، وعدم توفير كرة له، وعدم السماح بخلع ملابسه بنفسه، وأن نقوم نحن باطعامه، فهذه كلها أمور تسيء الى الطفل وتجعله غير مستقل، ذلك ان الطفل في هذه المرحلة يحب الالعاب التي تتضمن تخبئة الأشياء، وفي هذا النوع تمرين عاطفي وذهني ايضاً حيث يتغلب الطفل على صعوبات الانفصال المؤقت عن الأم.

كما يجب أن نؤمن للطفل دراجة بثلاثة دواليب، وأن نضع بين يديه كتباً يتصفحها، وأن نؤمن له أوراقاً وأقلاماً لأنه يحب الرسم. كما يجب أن نروي له القصص بما لها من تأثير على نموه العقلي واللغوي، بالإضافة الى كونها تساعد الطفل على حل أزماته العاطفية وتعمل على تمتين العلاقة بينه وبين والديه (4) .

الانفصال المؤقت عن الأمفي عمر السنتين يستطيع الطفل أن يكون نظيفاً من خلال ضبط البول والإخراج بسبب النضج العصبي والعاطفي، ذلك أنه حتى يستطيع ضبط عمليتي البول والإخراج فإن عضلات المبولة والمخرج يجب أن تكون قوية. من هنا فإن الإساءة الى الطفل قد تتمثل في حثه على تعلم النظافة قبل النضج العصبي والعضلي اللازمين لذلك، ما يؤدي الى شعوره بالعجز عن تحقيق ما يريده منه والداه. وينطبق الأمر نفسه اذا أهمل الطفل ولم يتم تعليمه النظافة في الوقت المناسب.

ومن أجل اكتشاف الذات وتوكيد الأنا يمر الطفل بأزمات وصعوبات، وهو يمر من دون سبب بين قول "نعم" وقول "لا" أي بين الحاجة إلى الأمان والحاجة إلى الاستقلال، وهو بحاجة إلى معايير تساعده على الخروج من هذه التناقضات.

وتعتبر إساءة إلى الطفل، اذا حاولنا فرض أمور عليه وعدم إعطائه بدائل وعدم شرح المواقف له ومناقشته لنساعده على بناء شخصيته. وفي مواقف عديدة نرى أن الأهل يحاولون إثارة غضب الطفل بشكل مفتعل ويهزؤون من ثورة غضبه.

ويحقق الطفل بين السنتين والسنتين والنصف تقدماً في المجال اللغوي وتصبح جمله واضحة ومفهومه من الآخرين، ويفهم معاني الكثير من الكلمات. من هنا فإن من واجب الوالدين محادثة الطفل وقراءة الكتب له. واذا كان يخطئ في لفظ بعض الأحرف فيجب عدم إجباره على اللفظ الصحيح لان الأمر يتعلق بالنضج العصبي للمناطق المتعلقة بالنطق. وعلى الوالدين في هذه الحالة ترداد الكلمة امامه بلفظ صحيح وهذا كاف ليتمكن الطفل من لفظها صحيحة عندما يصبح قادراً على ذلك.

والطفل بين السنتين والنصف والثلاث سنوات يفضل اللعب بمفرده، إلا أنه يستطيع التحاور مع الآخرين الذين هم في سنه واللعب معهم والعيش معاً في عالم الخيال. ويدرك الانفصال المؤقت عن الأم. في الحرمان من الحركة اساءة الى نمو الطفل الطفل في هذه المرحلة هويته الجنسية فتختلف العابه ويختلف سلوكه تبعاً لهذه الهوية. ومن هنا نعتبر انه من الإساءة الى الطفل منعه من الاختلاط مع أطفال في سنه وكذلك عدم العمل على جعله يدرك هويته الجنسية التي يهملها بعض الأباء ما قد يؤدي الى وقوع الطفل في اضطرابات في المستقبل.

استخدام الطفل ليديه اليد اليمنى ام اليد اليسرى

تقول النظريات ان الذي يحدد أياً من اليدين يستخدم الطفل هو نوع السيطرة المخية الأصلية لديه؛ فسيطرة الجانب الايمن من المخ تفضي الى العسر والعكس صحيح. وان ضغط الأهل على الطفل كي يستخدم يده اليمنى له نتائج ضارة على النطق والانفعالات كأن يصبح الطفل متأتئاً.

النمو الإجتماعي

إن الحياة بالنسبة لطفل في هذه المرحلة ما هي الا لوحات متمحورة حول شخصية الأم، وهذه اللوحات تمنح الطفل الطمأنينة وتسمح له أن يجد ذاته، لذلك اذا كانت هذه اللوحات مشوشة وكانت العادات متغيرة باستمرار يضيع الطفل ويفقد اتجاهه. المهم في تفاعلات الرضيع مع من يقوم على رعايته هو ما يجده من ثبات. فعندما يحس الطفل بثبات الأب وانه يمكنه الاعتماد عليه ينمو لديه إحساس بالثقة في هذا الأب والبديل عن ذلك هو فقدان الثقة، أي الشعور بعدم التوقع أو عدم إمكانية الإعتماد عليه أو انه يمكنه ألا يكون موجوداً عندما يحتاج الطفل اليه. وعندما يتعلم الطفل الثقة في من يرعاه فإن ذلك ينعكس على سلوكه. ويقول أريكسون إن علاقة الثقة في الأم تظهر عندما يكون الطفل مستعداً لتقبل ترك الأم عند رؤيتها دون أن يظهر القلق والغضب، ترك الطفل مؤقتاً يعزز ثقته بنفسه.ذلك انه اذا كان الأباء ممن يعتمد عليهم فان الاطفال يحتملون غيابهم، أما لو كانوا ممن لا يعتمد عليهم فإن الأطفال لا يستطيعون ان يتركوهم ليذهبوا بعيداً عنهم. وتعتمد الثقة ايضاً في أن يكون لدى الآباء الثقة في ما يفعلونه، وأن يعبروا للطفل ان هناك معنى في ما يفعلونه، وهكذا فمن المهم أن يشعر الأهل بالثقة كي لا يشعر الرضيع بالقلق.  ويتصل نمو الطفل الاجتماعي اتصالاً وثيقاً بنموه الجسدي والعقلي والعاطفي، فعندما يولد الطفل في بيئة ترغب فيه وبين أناس يحبونه ويقبلون على مداعبته، يألف الناس ويقبل عليهم ويستمتع بصحبتهم، مما يمهد السبيل لنموه الاجتماعي وسهولة إقامة العلاقات بالغير. كذلك فإن صحة الطفل الجيدة والعناية بملبسه ومظهره ذات تأثير كبير في إقبال الناس عليه، أما الطفل ضعيف البنية والذي لا يتمتع بحسن المظهر فانه يعزل عن الناس مما يقلل من فرص نموه الاجتماعي وإقبال الناس عليه. ويحتاج الطفل منذ الشهر الرابع الى بقاء الناس معه، يبكي لاستدعائهم ويبتسم عندما يداعبونه ويهتمون به. لذلك فإن ترك الطفل مع الخدم وعدم الاهتمام به من قبل الأم والأب بصورة مباشرة يقلل من فرص نموه الاجتماعي ويعتبر هذا الأمر إساءة اليه. وتدل أبحاث فينكوت ودولتو وسبيتز على أهمية العلاقة بين الأم وبين الطفل. وقد وجد سبيتز نوعاً من الإنهيار العصبي عند بعض الاطفال المحرومين عاطفة الام وتدل الدراسات العيادية أن الاسرة المضطربة تنتج أطفالاً مضطربين. وان الكثير من اضطراب الطفل ما هو الا أحد أعراض اضطراب الأسرة المتمثل في الظروف الصعبة وأخطاء التربية والتنشئة الاجتماعية.

النمو المعرفي

الروضة - الانطلاق الى العالم الخارجيان التفاعل الذي تتخذ فيه الام موقفاً ايجابياً فعالاً في حياة الطفل لا يقتصر على مجرد الاستجابة لحاجاته فقط، بل يتعداه الى المبادأة في استثارته اجتماعياً وانفعالياً ومعرفياً وذلك من خلال الإتصال بالطفل من حيث احتضانه والتحدث اليه ومداعبته ومشاركته اللعب وسماعه للموسيقى. لهذا ينبغي على الوالدين تشكيل البيئة المادية للطفل بحيث تتناسب ومستوى نموه، أي أن يأخذ الوالدان بعين الاعتبار حاجات الطفل عند إعطائه المواقف والمثيرات وتحديد ما هو مناسب للطفل من حيث تنوع الخبرات التي يتعرض لها، وأن يقوما بتغيير البيئة بما يتناسب ونمو مهارات الطفل المختلفة، فالوالدان اللذان يهيئان لأطفالهما فرصة التشجيع على الإطلاع والاستكشاف والمعرفة، إنما يهيئان لهم فرصة للشعور بالسعادة والنجاح التفوق. والوالدان اللذان لا يفعلان ذلك يسيئان إلى أطفالهما.

متطلبات وحاجات النمو في الطفولة المبكرة

اولاً: متطلبات النمو الجسدي:

  1. الأطفال في الطفولة المبكرة نشيطون ويستمتعون بالنشاط لأجل النشاط ذاته ويستطيعون التحكم في أجسامهم. وهذه الخاصية تتطلب من مناهج الروضة ومن الوالدين إتاحة الفرص الكثيرة والمتنوعة لهم للحركة والجري والتسلق والقفز. على أن تنظم هذه الاداءات الحركية بتوجيه وضبط. كما يتوجب على الوالدين تعليمهم مهارات حركية منظمة ومفيدة مثل السباحة وركوب الدراجات واللعب في الهواء الطلق. وغالباً ما يشكو الأهل من كثرة حركة هؤلاء الأطفال ويطلبون منهم أن يكونوا هادئين كالكبار وهذا أمر مجحف بالنسبة اليهم. كما ان الطفل الذي لا يتحرك كثيراً يجب أن يثير قلق الوالدين والمدرسة معاً.
  2. يحتاج الطفل بسبب تفجر النشاط عنده ونزعته الى العنف احياناً الى تنظيم فترات من الراحة من وقت لآخر، لذلك يجب أن يتضمن المنهج جدولاً بالأنشطة الهادئة بعد الأنشطة العنيفة وتوجيهاً لنشاط الأطفال كي لا تتحول الاستثارة المصاحبة للنشاط الحركي إلى توتر وصخب وشغب.
  3. لما كانت العضلات الكبيرة عند هؤلاء الاطفال أكثر نضجاً من العضلات الصغيرة التي تمكنهم من التحكم بالاصابع واليدين، لذلك يجب تأمين أدوات كبيرة للنشاط والأداء كالفرشاة وأدوات التلوين وأدوات اللعب ذات الحجم الكبير.
  4. يجد الأطفال في هذه السن صعوبة كبيرة في تركيز أبصارهم على الأشياء الصغيرة، ولهذا، فإن التناسق بين حركة اليد والعين ربما يكون ناقصاً. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نطبع كتب الأطفال بحروف ورسوم وخطوط كبيرة الحجم وان نقلل قدر الإمكان من الأنشطة التي تتطلب النظر الى أشياء صغيرة.
  5. بالرغم من ان جسم الطفل في هذه المرحلة يتصف بالمرونة وسهولة التكيّف واستعادة الحيوية والتوازن، إلا أن العظام التي تحمي الدماغ لا تزال لينة. لذلك يجب وقاية الاطفال من الالعاب التي تنطوي على مخاطر يترتب عليها إصابات الدماغ، وملاحظة الأطفال بعناية وتبصيرهم بذلك.
  6. تبدي الفتيات تفوقاً على الفتيان في كثير من جوانب النمو وخصوصاً في المهارات الحركية الدقيقة. لذا يمكن تجنب الأنشطة التنافسية أو المقارنات بينهم على أساس المهارات.

ثانياً: متطلبات النمو الإجتماعي:يقود سيارته.

  1. يميل معظم أطفال مرحلة الطفولة المبكرة إلى تكوين صداقات مع أقرانهم، كما يبدون رغبة وقدرة على اللعب مع معظم هؤلاء الأطفال. وبالرغم من أن تناسق بين حركة اليد والعين.الأطفال يميلون الى اختيار أفضل أصدقائهم من الجنس نفسه، الا ان كثيراً من الصداقات بين البنين والبنات تنمو في هذه المرحلة. وتعتبر إساءة الى الطفل عدم وضعه في مواقف تزخر بالانشطة التي تساعد على تنمية المهارات الاجتماعية والاتصال بالآخرين والمشاركة مع الأطفال الآخرين وعدم اقتصار محيطه على الكبار فقط.
  2. تميل جماعات اللعب في هذه المرحلة الى تكوين جماعات صغيرة وغير منظمة في الغالب، فهي جماعات عرضة للتغير السريع، من هنا يجب ألاَّ نشعر الطفل بالذنب اذا ترك جماعة وانتقل الى اللعب مع جماعة أخرى. ويعتبر سلوكاً طبيعياً اذا انتقل الطفل من نشاط الى آخر، وهذا لا يستدعي القلق من قبل الاهل والمعلمين، ولكن من المهم جداً أن نضبط بعض الأنشطة ونطلب من الطفل عدم الانتقال الى نشاط آخر قبل انهاء ما طلبناه منه وذلك حتى لا يأخذ الأمر طابع عدم الاستقرار ولتعزيز القدرة على التركيز وبذل الجهد والمثابرة لانه سيحتاج إلى هذه المهارات في المراحل التالية. وتعتبر إساءة إلى الطفل اذا لم نعلمه المثابرة في هذه المرحلة.
  3. كثيراً ما تحدث مشاحنات بين الأطفال لكنها لا تدوم طويلاً، وسرعان ما تتلاشى بالنسيان. ما يتطلب "بيئة مفتوحة" لنشاط والتفاعل، يتوافر فيها أنشطة وأدوات مختلفة بحيث تتعدد الأدوار ويسهل الانتقال من نشاط الى آخر. وقد نجد بعض الأهل يتدخلون في مشاحنات الأطفال ويعلمون الطفل الضغينة والكره، وهذا العمل يعتبر إساءة الى الطفل لانه رقصة ونشاط وتنمية للمهاراتهو شخصياً يكون قد نسي ما حدث.
  4. يستمتع الأطفال باللعب التمثيلي والرسم في هذه المرحلة، وينبع معظم ما يبتدعونه من خبراتهم الخاصة، وبالامكان الافادة من هذه الخاصية في تنمية الابداع من طريق التدريب على التخيل، وفي التخفيف من التوتر وفي تعلم الأدوار الاجتماعية وكذلك في اكتساب بعض الخبرات. وقد ابتكر مورينو(5) السيكو دراما وفيه يقوم الطفل بأداء الأدوار المختلفة بإشراف المعالج. ويلاحظ سلوك الطفل في عدد من المواقف المختارة، مثلاً قد يطلب من الطفل أن يتخيل انه مع شخص وهمي وان عليه أن يقيم علاقة به، ثم تترك الحرية للطفل لتحديد الأطفال والأقوال والمواقف. إن مثل هذا الموقف يقصد منه الكشف عن دلالة العلاقة الاجتماعية للطفل وأسلوبه في الإتصال بالأشخاص الآخرين. ويعتبر مورينو أن اللعب التمثيلي، أي تمثيل مواقف اجتماعية معينة بالمشاركة مع الآخرين، يؤدي إلى إحداث أثر مريح وذلك من طريق التعبير عن انفعالاته الكامنة، فمن خلال اللعب التمثيلي يتعلم الطفل أن يستجيب للآخرين بينما يكون خجولاً في حياته اليومية، ومن أنشطة اللعب التي استخدمت لأسباب علاجية، طريقة الرسم بوصفه إسقاطاً للشخصية، وقد ذكر فرويد أن الفن والأحلام هي الطريق المؤدي إلى الأعماق. ففي هذا النوع من النشاط يستطيع الاختصاصي النفسي أن يفسر المشاعر والانفعالات، وكذلك السلوك العام من حيث مصادر الإشباع وإمكانية تحقيق الأهداف والقابلية للتكيف وعلاقة الطفل ببيئته والعلاقات داخل العائلة وخارجها والحاجات الأساسية.

ثالثاً: متطلبات النمو الإنفعالي:

  1. يميل أطفال هذه السن إلى التعبير عن انفعالاتهم بحرية، وكثيراً ما يأتون بثورات غضب كردود فعل لبعض المواقف الضاغطة. لذلك من المفيد أن نسمح لهم بالتعبير عن مشاعرهم اللعب التمثيلي يسهم في بناء الشخصيةبحرية حتى يستطيعوا التعرف إلى انفعالاتهم ومواجهتها.  ويقترح البعض أنه حينما نشجع الاطفال على تحليل سلوكهم في مناقشة هادئة وجدية معهم، من المحتمل أن يكتسبوا وعياً بسبب مشاعرهم، هذا الوعي قد يساعدهم على التحكم في مشاعرهم وتقبلها.
  2. كثيراً ما تشيع في هذه السن مشاعر الغيرة بين الأطفال وينزعون إلى الحصول على عطف الكبار واستحسانهم ويتطلب ذلك من الكبار الانتباه إلى الطفل وامتداحه والاهتمام به وعدم مقارنته بالآخرين.  وتعتبر إساءة إلى الطفل اذا لم نظهر له حسناته، ويستخدم بعض الأهل التأنيب والكلمات المهينة للطفل في أغلب الأحيان، حيث يتوجه الوالدان والمعلمون للأطفال إما بالأوامر وإما بالنواهي وإما بالتأنيب بدل تقديم تغذية راجعة ايجابية، أو يهددونهم بالتوقف عن محبتهم. وفي هذا الأمر إساءة الى الطفل لان محبة الوالدين هي أغلى ما يملك، ويمكن أن نقول للطفل بأننا لم نحب ما فعله ولكننا دائماً نحبه.
  3. من حاجات الطفل الحاجة إلى الوسائط الثقافية والألعاب، وذلك للتخفيف من أزماته العاطفية، فللنمو في مختلف مراحله تحديات تطرح على الطفل كما ان مكانته وأدواره وتفاعلاته في المؤسسات المختلفة تولد لديه أزمات. والطفل المعاني ينهض بتلقائية لمجابهة تحدياته والتغلب عليها، وهو يفعل ذلك بشكل يكاد يكون لا واعياً، يتوصل اليه بتجسيد هذه الازمات في اللعب ضمن مجموعةكائنات (من الحيوان والبشر) ويخرج منها ظافراً. من هنا ولع الطفل بتكرار اللعبة ذاتها أو قراءة القصة ذاتها أو الطلب إلى الكبار روايتها عدداً لا متناهياً من المرات أو مشاهدة المسلسل نفسه أو سماع الشريط المسجل نفسه. انه بذلك يتخلص من أزماته تدريجياً من خلال شغلها نفسياً. ومن طريق اللعب على حرية التحرك بين الواقع والخيال والحقيقة والوهم، يستعيد توازنه ويحقق عافيته النفسية التي تفتح أمامه آفاق النمو السليم ومجابهة الحياة المستقبلية بثقة. ومن هنا فإن عدم قراءة الطفل القصص وروايتها وعدم مشاهدته للمسرحيات والأفلام وسماعه الأناشيد والأغاني يعتبر إساءة اليه لأن هذا يحرمه من حل أزماته العاطفية.
  4. ومن حاجات الطفل الحاجات الجمالية والحاجة الترويحية. فالحس الجمالي عند الطفل لا يحتاج الى من ينميه، بل يحتاج الى من يقدم له فرص الاشباع كي يتفتح من خالحيوان صديق الاطفال.لال الشكل واللون والنغم. وتلعب الجماليات دوراً أصيلاً في عملية الانتماء الثقافي وبناء الهوية الوطنية. بمعنى ان بيئة الطفل يجب ان يكون فيها مسحة الجمال وأن نربي فيه الميل الى رؤية المشاهد الجميلة وتقديرها وهكذا نربي مواطنين حريصين على مظاهر الجمال في مجتمعهم ووطنهم والا يعملوا على إيذاء هذا الجمال سواء في الطبيعة أو في البيت أو في المحيط.
  5. الطفل بحاجة الى معايير وقوانين تقنن رغباته وتنظم نزواته، فذلك مدعاة إلى حمايته من القلق الذاتي وبه تتحدد الذات، من خلال نظام المسموح والممنوع الذي يحكم العلاقات الاجتماعية، ويعتقد بعض الأهل أن القول للطفل "لا" قد يؤذيه ولكن نحن نعلم أن التربية هي التي تؤدي إلى انتقال الطفل من مبدأ الواقع وبناء الأنا الأعلى والضمير والإرادة عنده. فعندما نسمح للطفل بتحقيق كل رغباته ولا نقول له ''لا'' فإنه يضيع وينشأ ضعيف الإرادة تتحكم به نزواته، وقد بينت الدراسات ان الأطفال المدللين أو الذين يربون من دون قواعد وقوانين تكون عتبة الإحباط عندهم منخفضة، أي أنهم يتراجعون أمام أي صعوبة يواجهونها، كما أن درايتسلق شجرة في احضان الطبيعةسة الجانحين بينت ان قسماً منهم ينتمون إلى اسر لم يقل لهم أحد فيها ''لا''، ولم يكن في الأسرة قواعد وقوانين، وكانت تسود فيها تربية ترك الحبل مشاهدة التلفزيون من دون مراقبة الأهل تؤثر سلباً على التحصيل الدراسي.عل الغارب ما أدى إلى سيطرة مبدأ اللذة عليهم وإلى عدم قدرتهم على ضبط رغباتهم وأنفسهم. ويعتبر هذا الأمر إساءة الى الطفل.
  6. الحاجة إلى الانتماء: اذا كان المجتمع يريد تنميط الطفل ثقافياً وصولاً إلى اكتسابه الشخصية المنوالية: فالطفل بدوره يريد بناء هوية شخصية تكفل له الانتماء الاجتماعي والعاطفي، وتتم هذه العملية من خلال سلسلة تماهيات يقوم بها الطفل بالأشخاص المرجعيين الذين يشكلون له المثل الاعلى والقدوة، والتي تبدأ بالوالدين وأفراد الأسرة وتتوسع لتشمل المعلمين والأتراب  والأبطال والنجوم الاجتماعية. يبني الطفل هويته الذاتية ومنها يعبر لبناء الهوية الاجتماعية بمعناها الواسع، ولذلك، فإن قيمة الوسائط الثقافية تتوقف إلى حدّ بعيد على مقدار نجاحها في تقديم النماذج الجيدة (من شخصيات وأبطال وأدوار) التي بإمكان الطفل أن يتماهى بها. وإذا لم تحرص هذه الوسائط على جودة قيادة السيارة والتحكم باللعبة.الانتقاء ومتانة المثل وملاءمتها لاحتياجات الطفل في كل مرحلة، فهو سيلتقط بعفوية المناخ وقد يتحول إلى البدائل الثقافية المتسربة في الإعلام الجماهيري، وينهل منها. من هنا، فإننا نعتبر كإساءة الى الطفل، أولاً سلوك الوالدين اللذين ينهيان الطفل عن القيام بأمر ويقومان هما به، لأن الطفل يتأثر بالنموذج أمامه أكثر مما يتأثر بالكلام، وأبحاث باندورا تدل على ذلك، فمثلاً اذا أردنا من الطفل أن يقرأ فلن ينفع أن نقول له مئة مرة في اليوم لماذا لا تقرأ، فالاجدى في ذلك هو أن يرانا نقرأ فيتماهى معنا، أو أن نقول له لا ترفع صوتك ونحن نصرخ في وجهه طوال الوقت.

أما بالنسبة للوسائط الثقافية فيجب أن يشاهدها الطفل بحضورنا، وأن نناقش معه ما تعرضه حتى لا يكون تأثيرها عليه كاملاً. وبالنسبة إلى الجلوس أمام الحيوان صديق الاطفال.التلفاز فقد تبين في دراسة إنكليزية أنه كلما زاد عدد الساعات التي يقضيها التلاميذ أمام التلفاز، كلما تناقصت قدرتهم على الإنتباه في الصف وتدهور تحصيلهم المدرسي. وفي دراسة فرنسية حديثة تبين أن الأطفال الذين يجلسون بين ١٩ و ٢٢ ساعة في الأسبوع أمام التلفاز يصابون بالبدانة، مما يشكل خطراً على صحتهم. وفي دراسة أجريناها في الكويت عام ١٩٩٩ ، تبين أن الفرد في الكويت يجلس أمام التلفزيون بين ٤و ٥ ساعات في اليوم، أي أكثر من الفرنسي، والإقتراح هو أن نتعود مع أطفالنا منذ الصغر على إغلاق الجهاز حتى ينصرفوا إلى نشاطات حركية أو إلى المطالعة، والأمر نفسه بالنسبة الى الكمبيوتر الذي لا يجب أن يكون في غرفة الأطفال بل في صالة الجلوس حتى لا يستخدمه ابناؤنا استخداماً سيئاً.

رابعاً: متطلبات النمو العقلي:

  1. الحاجة إلى المعرفة: لا يحتاج الطفل إلى من يستثير رغبته المعرفية، فالإثارة والبحث عنها على شكل معرفة تنتظم تدريجياً، وهي من خصائص الكائن العضوي الفطرية أي من خصائص الدماغ، فالدماغ يجب أن يعرف ويكافئ نفسه عندما يتعلم من طريق إفراز هرمونات تشعر الفرد بالفرح. وتتضح الحاجة المعرفية بقدر تجاوب المجتمع وتقديم المثيرات المناسبة للطفل. فالطفل يريد أن يعرف ليكبر ويسيطر على عالمه ويحسن التعامل معه. لذلك فهي لا ترتبط بكمية المعلومات فقط بل تتجاوزها إلى الممارسة وإلى اكتساب المهارات. والطفل في هذا منخرط في ورشة تدريب على أدواره المستقبلية، حتى أن لعبه ليس عبثياً كما يظن في كثير من الأحيان، بل نوع من المران وتنمية المهارات، والفضول المعرفي أصيل لدى الطفل، فإذا ووجه بالصد فذلك بسبب عدم فعالية الوسائط والمؤسسات وما تمنحه من إجابات عن تساؤلاته ورغباته المعرفية. ومن المعروف ان غنى أو فقر المحيط الأسري والاجتماعي بالوسائط الثقافية منذ السنوات الأولى من عمر الطفل يلعب دوراً حاسماً ويشكل المدخل الأكيد لنجاحه المدرسي والفكري اللاحق.  لذلك تعتبر إساءة إلى الطفل ان لم نقدم له الخبرات المفيدة وان لم نجب عن أسئلته، فعندما نطلب منه أن يسكت في حال طرحه الأسئلة علينا، فإننا بذلك ندفعه إلى أن يتخلى عن حشريته وفضوله العلمي والمعرفي، وهو سيعتقد بأنه يفعل شيئاً سيئاً عندما يسأل، وعندما يذهب إلى المدرسة سيكون لا مبالياً بالمعرفة التي تقدم له، وهنا يبدأ الأهل بالسؤال: لماذا لا يهتم بدروسه، ونكون نحن الذين أسهمنا في هذه اللامبالاة تجاه قدرته على التعلم.
  2. الرسم والتخيليبدي الطفل مهارة كبيرة في التعلم اللغوي ويميل معظم الأطفال إلى الكلام وخصوصاً وسط جماعات الأقران، وينبغي لذلك تهيئة الفرص الملائمة والطبيعية للكلام والتحدث، وتدريب الأطفال على الإصغاء الجيد وأن نصغي نحن بدورنا اليهم، وكذلك توفير الأنشطة والخبرات، ما يساعد الأطفال الأقل ثقة بأنفسهم على التعبير الكلامي. وتعتبر إساءة الى الطفل إن لم نتحدث اليه، فنفسح له المجال للتعبير عن أفكاره ومشاعره ولا نهزأ مما يقول ونصغي اليه حتى يتعود الإصغاء الى الآخرين .
  3. الخيال والإبداع من أبرز خصائص النشاط العقلي في هذه المرحلة، وهو ما ينبغي تنميته في أنشطة اللعب ورواية القصص والرسم والإيقاع. وإذا كان بعض الأطفال يبدون نزعة الى التخيل الزائد بحيث يخلطون بين الواقع والخيال، مع ما قد يترتب على ذلك من مشكلات للتوافق، فإنه ينبغي تهيئة بعض المواقف التي يُطلب فيها وصف ما يحدث بالفعل، فمن الأهمية بمكان في هذه المرحلة تعلم الأطفال التمييز بين الحقيقة والخيال، بحيث لا يحدث انطفاء جذوة الخيال عندهم. فالخيال من أعظم مصادر الطفولة التي تتأتى خصوصاً في سنوات الطفولة المبكرة كمرحلة مؤاتية للتنمية العقلية ولإطلاق ملكة الإبداع وصقلها. إن تنمية الخيال تؤدي إلى الإبداع، والإنجازات العلمية والفنية الكبرى كانت تعتمد على الخيال والحلم في بداية الأمر، كما أن ترك الطفل يعيش في عالم خيالي يؤدي الى عدم التكيف، وعدم مراعاة هذه الأمور تعتبر إساءة الى الطفل.

حاجات الطفولة الوسطى والمتأخرة

في بداية السنة السادسة يدخل الطفل المدرسة ويتغير أسلوب حياته فيميل إلى الاستقرار الإنفعالي والضبط الذاتي، ويسير النمو في هذه المرحلة مع التطور في جوانب متعددة من النشاطات الحسية التعبير عن الافكار والاحاسيس من خلال الرسم الحركية والمعرفية والأخلاقية ومع انبثاق الحس الأخلاقي والرادع الداخلي، اما اذا كان الاهل لم يعملوا على بناء هذا الحس الأخلاقي في الطفولة المبكرة، فإن الطفل سيفتقد الحس الأخلاقي وفي هذا أيضاً إساءة الى الطفل. وتتصاعد أهمية الولاء للرفاق والجماعة كلما تقدم الطفل في العمر، من هنا يجب الا نحرم الطفل من تكوين رفاق والانتماء الى جماعة قد تكون كشفية أو رياضية أو تطوعية وحرمانه من هذا يعتبر أيضاً وأيضاً إساءة اليه.

دور التغذية

من المهم أن نذكِّر بالنسبة للنمو الجسمي بدور التغذية، ذلك أن تغذية طفل المدرسة تعني التعرف إلى متطلبات الأطفال من التغذية بالقدر الذي يستوفي احتياجاتهم منها في السن المدرسي نظراً لما للتغذية من تأثير على التحصيل الدراسي. إن تأثير التغذية في مرحلة الطفولة يرجع الى كونها العامل الأساسي والمحدد لتطوير النمو الطبيعي للطفل ووقايته من المرض من خلال تقوية جهازه المناعي، كما ان اختلالها ينعكس سلباً على صحة الطفل على نحو قد يصيبه بعاهات مزمنة، ذلك ان نقص اليود يؤدي الى التخلف العقلي والصمم ونقص الكالسيوم يؤدي الى الكساح وضيق القفص الصدري وعظام الحوض وتشوه العمود الفقري، أما الإفراط في السكريات فيؤدي الى التهيج الحركي وتسوس الأسنان.  واختلال الأغذية يضعف قدرات الطفل على التحصيل والاداء المدرسي بمستويات قد تؤدي الى تخلفه وعجزه عن استكمال مساراته التعليمية، اذ يؤدي نقص الحديد الى ضعف القدرة على التركيز والفهم والاستيعاب والتذكر. وتصيب السمنة الأطفال بالخمول والكسل والتبلد الذهني والإجهاد، ويقود النحول الى التعب وضعف القدرة على الفهم والتحصيل. من هنا فإن عدم الاهتمام بغذاء الطفل يعتبر إساءة اليه، وتركه يمارس عادات غذائية سيئة هو ايضاً اساءة اليه، وعلى العموم ففي الأسرة حيث العادات الغذائية الحسنة يكتسب الأطفال عادات غذائية حسنة ايضاً خصوصاً أنهم يتماهون مع والديهم، فإذا سمع الأطفال الأم تقول انها لا تحب الفاكهة ولا تأكل فاكهة فهم لن يفعلوا ذلك ايضاً مما سيحرمهم من الكثير من المواد الغذائية الجيدة، التي تسهم في المحافظة على صحتهم وكذلك بالنسبة للأمور الأخرى. والكثير من الأطفال لا يتناولون وجبة الصباح وهذا يؤثر على قدرتهم على الاستيعاب في الصف. ولكن اذا كانت الاسرة تحافظ على تناول وجبة الصباح فإن الاطفال سيعتادون ذلك. وقد دلت الدراسات التي تناولت الصعوبات التعلمية انه يمكن معالجة بعضها بتناول أغذية معينة مثل البروتينات.

الأسرة المفككة

تؤكد الاسرة المتماسكة ضمان لحياة الطفلالدراسات والأبحاث ان أطفال العائلات المفككة يعانون من عدم التكيف والانحراف. ونقصد بالعائلات المفككة، الطلاق، وفاة أحد الوالدين، وقوع الخلافات بين الزوجين. ولكن هل تستطيع التربية أن تصحح هذه الأخطاء؟

ان انحلال الرباط العائلي يوجد نوعاً من الانفصال المفاجئ أو التدريجي، ويوجد تمزقاً يمكن ان يلتئم مع الزمن وخصوصاً في حال الطلاق. حيث يهتم كل واحد من الزوجين بالطفل ولكن يبين كل منهما كراهيته للطرف الآخر ما يكوّن عند الطفل نوعاً من القلق، وكأن الطفل لا يستطيع ان يظهر محبته للطرف الآخر، خوفاً من فقدان محبة الطرف الذي يعيش معه وخوفاً من إيلامه ايضاً. ويبقى الموقف الأصعب هو عيش الطفل مع أحد الطرفين وانقطاعه عن الطرف الآخر وكأن هذا استمرار لعلاقة المولود الصغير بأمه فقط وفي هذا الموقف يواجه الكثير من الصعوبات.

وقد يؤدي تفكك الأسرة الى اضطرابات في التعلم، تكشف عن صعوبات نفسية لم تكن ظاهرة حتى الان بالرغم من الذكاء الطبيعي الذي يتمتع به التلميذ. مثل الاضطرابات التبول اللاإرادي، التأتأة، ، (Tics) النفس-جسدية - اللزمات أكل الأظافر والاضطرابات السلوكية (الغضب، الميول)  غير الاجتماعية، البلادة ... الخ.  وقد يكون الطفل قلقاً بسبب الوضع الصحي الذي يتعرض له أحد افراد الأسرة مثل الانتقال الى منزل جديد أو تغيير المدرسة أو وفاة أحد في الأسرة الممتدة أو حدوث نكبة في الأسرة أو البطالة، أو امتناع الرفاق عن اللعب مع الطفل أو نبذه او الابتعاد عنه أو السخرية منه. كلها قضايا يشعر بها الطفل بعمق وتؤثر على تحصيله الدراسي. وتنتشر ظاهرة الأطفال المضطربين، والطفل المضطرب هو الطفل الذي يلمس كل شيء ولا يستطيع المكوث في مكان معين ويحرك يديه ورجليه بصورة دائمة ولا يستطيع تركيز انتباهه أو يستمع الى شرح المعلم ولا يستطيع إنجاز الفروض المدرسية، ويتميز هذا الطفل باختلاجات عصبية أثناء اللعب أو القراءة ويظهر هذا الاضطرابات في مزاجه، وتلعب الوراثة دوراً (وخصوصاً الأم القلقة المضطربة).

الاستاذ - أب وصديقانطلاقاً مما سبق نستطيع أن نقول ان الموقف السلبي لأحد الوالدين من الآخر أثناء الانفصال أو الطلاق يؤدي الى الإساءة الى الطفل، ونحن دائماً دائماً ننصح الأم والأب بعدم الإساءة الى الطرف الآخر وليس هذا من أجل هذا الطرف أو ذاك بل من أجل توازن الطفل النفسي. والأمر المسيء ايضاً هو تقديم الأم الأرملة صورة مثالية عن الاب المتوفي (وهذا يحصل عادة في حال الاستشهاد أو وفاة الأب لأمر كبير)، فإنها في ذلك تجعل الطفل غير قادر على التماهي معه كونه مثالاً لا يستطيع أن يكونه، وفي حال غياب الأب، على الأم أن توطد علاقة الطفل مع الجد أو الأعمام والأخوال، كما أن وجود الطفل الذكر في محيط يقتصر على الإناث يمنعه من تحقيق ذاته كما يجب، وفي هذه الحال تكون الإساءة الى الطفل في عدم اختيار مدرسة فيها بنين حيث وجود المدرس الذكر، اذ يمكن أن يخفف من وطأة المشكلة من دون أن يحلها وعندها يتحضر الطفل للبلوغ دون مشاعر مؤلمة.

كما أن من الإساءة الى الأطفال، عيشهم في محيط مغلق، حيث يجد الطفل نفسه على احتكاك دائم بالأشخاص أنفسهم دون علاقات مع العالم الخارجي وهذا يمنعه من تجربة العلاقات العاطفية (الرفاق، المسؤوليات، العلاقات بالكبار أو العلاقات ببيئات اجتماعية وثقافية مختلفة...) الضرورية لنموه ولتربيته ليصبح رجلاً ناضجاً أو امرأة ناضجة.

الانحراف خطر يهدد الاطفال.وهذه التربية تتعلق أكثر ما تتعلق بموقف الوالدين أمام الواقع الخارجي وبحريتهم الذاتية. وهنا يجب أن يتعرف الآباء الى أنفسهم وأن يحترموها، وأن يعملوا ليحترمهم الآخرون سواء بالقول أم بالفعل وخصوصاً تجاه أبنائهم، كما يجب أن يمارسوا حياة اجتماعية ناشطة وأن يكون لهم علاقات مع راشدين من مختلف الأجيال وأن يمارسوا الكرم مع أنفسهم ومع الآخرين.

وأيضاً نود إن نقول أن الطفل المضطرب هو دائماً  عرضة للمعاقبة، وفي هذا الأمر إساءة اليه، فهؤلاء الأطفال يحتاجون الى أن نفتش عن المشكلات الكامنة وراء اضطرابهم حتى نساعدهم بالتعاون ما بين الأسرة والمدرسة والاختصاصي النفسي لأن العقاب سيؤدي الى تعميق مشكلاتهم.

تنمية الإرادة

إن جماعات الأحداث المنحرفين وزمر الشباب الخارجين على الأصول الاجتماعية، تبين القصور في مسألة "السلطة العائلية" و "انعدام وجود الإرادة" عند الشباب. ولكن الإرادة تخضع لبناء جميع القدرات المهارات العقلية، وهي خاصية نحملها منذ الولادة. فهناك ''الإرادة من حديد'' التي لا علاقة للتربية بها، وبالمقابل هناك ''انعدام الإرادة'' وخصوصاً في حالة بعض الأمراض العصبية. وهناك علاقة تكوينية بين الإرادة وبين الضمير وهما ينموان معاً(Génétique) فالأعمال الإرادية عند الرضيع تتناول نشاطه الحركي والعضلي ووعيه بذاته، وانطلاقاً من هنا فإن تنمية الإرادة تمر بالقدرة على السيطرة على الذات والحركات والحاجات العضوية والدوافع ثم السيطرة على الشهوة والغرائز والأفكار. وعند الطفل كما عند الإنسان الراشد نستطيع أن نميز عدة مظاهر للارادة وهي:

أولاً: الارادة عكس رغبات الآخرين. وفي هذه ال"لا" نواح ايجابية مثل تأكيد الذات والشجاعة والمنافسة.

ثانياً: هو ال "نعم" أريد ذلك'' ونجد فيها أحد مظاهر الهروب من المسوؤلية والرغبة في أن يكون خلف الآخرين. ولا نرى كيف يمكن أن تكون الحياة الاجتماعية من دون التعاون مع الآخرين وهي: علامة على قبول الواقع والتكيّف مع الآخرين. وهذان النوعان من الإرادة نجدهما باكراً عند الطفل وتستمران طوال الحياة. واذا كان قول "لا" في الأسرة يطرح بعض المشكلات، الا أن هذا القول يدل على شخصية قوية خارج المنزل حيث أن الطفل لن يكون عرضة للتأثير بما يفرضه عليه الآخرون. والقول نعم دائماً وإن كانت مريحة للأسرة ولكن على الوالدين عدم المبالغة في الاستفادة من خضوع الطفل، ذلك أن بعض عدم الطاعة ليس سيئًا، لأن الطفل يصبح سريع التأثر بالآخرين ما يؤدي الى ضعف في الإرادة. ولكن يبقى أن الإرادة ليست مجرد الوقوف عكس إرادة الآخرين أو عكس ما يريده الآخرون منا، ولكنها معرفة ما يريده هو نفسه، وما إرادة شيء ما في نهاية الأمر الا وضوح في الأهداف والعمل على تحقيقها، ويجب مساعدة الطفل لتكوين هذه الإرادة ويعتبر عدم العمل على ذلك إساءة الى الطفل. ولكن هذا لا يحدث ما لم يسيطر على عملية التربية جو من الحرية الشخصية مع وجود المعايير والقوانين (6)  الصحيحة، ونشدد هنا قوانين ومعايير في التعامل مع الطفل.

سلطة الوالدين

إن الخضوع للمعايير والقوانين يفرضه الوالدان. ولكن الكثير من الاهل يجدون غضاضة في ممارسة السلطة على أطفالهم، أو أنهم يشعرون بأنهم لا يملكون هذه السلطة ويخافون من قول "لا". ونجد بداية مرحلة الرشد.ثلاثة أنواع من المواقف بالنسبة للسلطة:

  1. السلطة المطلقة المستبدة: يمارسها في الغالب الأم أو الأب اللذين إذا كانا عنيدين في طفولتيهما ونجدهما هنا يستمران في ذلك مع تغيير الأدوار. وفي هذا النوع يشعر الوالدان بأنهما يجب أن يخرجا منتصرين في علاقتهما بالطفل. وهما دائماً على حق، لا يخضعان مطلقاً لإرادة الطفل وأي معارضة يجب أن تنكسر أمامهما. ولكن هذه التربية تعطي نتائج غير مرضية، بحيث تؤدي الى ان يكون الطفل إما ثأثراً وإما قلقاً، وتتسبب بحالات مرضية أثناء البلوغ والمراهقة. هذا النوع من السلوك يخفي في واقع الأمر عدم الثقة بالنفس والخوف من فقدان السلطة والهيبة. وفي بعض الأحيان يعبر عن اضطرابات في شخصية الوالدين، مع وجود نوع من السادية ومع وجود لذة في العقاب العنيف أو التعذيب المخطط له مسبقاً وبعناية.
  2. النوع الثاني في مواقف الوالدين هو أن نترك الطفل يفعل ما يريد ولا نفرض عليه أي قواعد أو قوانين ولا نطالبه بأي جهد ونسامحه دائماً وهو ما يشجعه على ارتكاب الخطأ، وهذا الموقف يجعله في الواقع حائراً لأنه لم يتعلم التحكم برغباته أو تأجيل إشباع هذه الرغبات أو بذل الجهد من أجل الوصول الى هدف معين. وهو يسير بحسب أهواء المجموعة ولن يكون القائد لأنه يفتقر الى الإرادة وخصائص القيادة، ويجد في قائد المجموعة ما يصبو اليه إذ إنه يشعر بالأمان أخيراً لأنه يستطيع أن يستند الى سلطة أحد ما. وفي هذا الموقف وكأن الأهل "يستقيلون" من مهامهم "التربوية"'، وقد يكون في هذا تعبير عن الإهمال وعدم الاهتمام، وفي الغالب يكون الوالدان منهمكين في أعمالهما الخاصة وواجباتهما الاجتماعية التي تأخذهما بعيداً عن أطفالهما، وهما يشعران بالذنب خصوصاً الأم من خلال الخوف من فقدان محبة الطفل في حال رفضها ما يريده. أن يظهر الوالدان سلطتهما ليس معناه أنهما متسلطان بل قويان، ومن المهم أن يفرض الوالدان إرادتهما عندما يكون ذلك ضرورياً وأن يراقبا أطفالهما، ولكن عليهما ايضاً أن يستمعا وأن يعترفا بخطئهما وأن يتقبلا المعارضة وأن يتخليا عن مواقفهما وحتى أن ينخدعا في بعض الأحيان.  

وهذه المواقف هي لصالح الطفل بشرط الا نتردد بحسب رغباته الأنوية. فصورة الوالدين القوية والثابتة هي ما يحتاجه الطفل لانها تشعره بالأمان.

ويجب ألاّ تكون هذه السلطة صلبة حتى لا تكسر ارادة الطفل وكذلك ألا تكون لينة لأنه لن يجد المقاومة اللازمة والضرورية لتأكيد ذاته. وإذا أصبح الطفل قادراً أن يفهم أهمية الحياة في جماعة، فسيكون من السهل عليه فهم العلاقات داخل الأسرة والعبور من مراقبة الآخرين له إلى الثقة. ومن السلطة إلى الحرية في جزء مهم من نشاطاته. وبحسب أريكسون(7) فإنه في هذه المرحلة قد تنمو عنده روح المثابرة والإنجاز والكفاءة، أو ينمو الشعور بالنقص والدونية، وهو يقول: إن هذه المرحلة حاسمة في نمو الأنا، فالأطفال يسيطرون على مهارات أكثر عقلانية مثل القراءة والكتابة والحساب، وهم يطبقون بأنفسهم ما يقودهم الى تعلم هذه المهارات، وفي هذه المرحلة، يتعلم الأطفال أشياء ذات معنى ويطورون قوة الأنا بالانتباه الثابت وبالكفاح المستمر، كما أنهم يعملون ويلعبون مع أقرانهم، والخطر في هذه المرحلة هو شعورهم بعدم النجاح في عملهم المدرسي ما يؤدي الى شعور بالدونية. وقد يتذكر معظمنا آثار الفشل الدراسي في الصف، وهو شعور عميق بالدونية. وفي أوقات كثيرة ربما تعوق المدرسة نمو الإحساس بالمثابرة والإنجاز. ويقول اريكسون انه لاحظ مراراً، أن مدرساً واحداً يكفي لإظهار موهبة الطفل.  والحل الناجح لهذه المرحلة يقود الى قوة الأنا التي يسميها أريكسون بالكفاءة والإنجاز والممارسة المفتوحة للذكاء ومهارة الفرد في اتمام المهام غير المتأثرة بأي مشاعر دونية.

المراهقة

ينتفي وجود المراهقة في المجتمعات البدائية. ويتأخر اليوم دخول المراهقين ميدان العمل وهذا ما يشكل أزمة المراهقة بحسب قول افنزيني (8).من إحدى المجلات الموجهة للمراهقين

معنى المراهقة

المراهقة هي فترة من النمو معروفة بصعوباتها. والمراهقة كأنها تنهي عالم الطفل والمراهق لم يدخل بعد عالم الراشدين.

ففي حين أن الجسم ينبني ويبلغ قمة نضوجه خصوصاً من الناحية الجنسية، فإن جهوداً كبيرة تبذل على مستوى البنيات العقلية ومحاولات التكيف الاجتماعي ويحصل هذا في بنية مستعدة للإبداع  ومصطلح مراهقة في اللغة الأجنبية (Adolescence) يشتق من  اللغة اللاتينية (Adolescentia)  والفعل معناه "كبر". أي أن المراهقة هي الانتقال من الاتكالية إلى الاعتماد على الذات. أما في العربية، فالمراهقة تعني الاقتراب أو الدنو، فحين نقول راهق الغلام فهو مُراهق أي أنه قارب الاحتلام، والحُلم هو قدرة المراهق على الانجاب.

الخصائص النفسية

تركز الدراسات النفسية ليس فقط على النمو الجنسي والجسمي، بل على ما يصاحب هذا النمو من تأثيرات على سلوك المراهق، فغموض هوية المراهق وميوله المتناقضة وصراعاته النفسية وقلقه الجنسي، تؤلف جميعها في هذه المرحلة عوامل أساسية في انهيار توازنه واضطراب علاقاته مع ذاته والآخرين. فهذا الانهيار في التوازن البيولوجي والنفسي وظهور الوظائف الجديدة في حياة الكائن هو مظهر من مظاهر ما يطلق عليه أزمة المراهقة، أزمة تخلق مواقف متناقضة ورفضاً وثورة، فالمراهق يرفض الخضوع لسلطة الأهل ويكف عن الثقة بالأفكار والأوامر السابقة هو يريد الآن أن يفعل ما يريده. ويقع صراع المراهق في خانة الصراع بين التخلص من سلطة الأهل والرغبة في التعلق والاتكالية عليهم.

إن هذا الموقف يفسر التأرجح بين الميل إلى الاستقلالية والتماهي بصورة الوالدين. وفقدان صورة الأهل بحسب فرويد(9) يشكّل عاملاً مهمّاً آخر هو التأثير الذي يحدثه في شخصية المراهق، إذ إن العلاقات التي كانت تربطه بالأهل كانت علاقات متبادلة، فكان الأهل يقدمون له الحب والأمان ومثال الصورة التي يكوّنها عن ذاته، فهم الذين يحققون له صورة ذاته، وتنقطع علاقاته بهم تجاه ذاته وتتغيّر دوافعه وتكف "أناه'"عن الشعور بالدعم والسند والتشجيع من الأهل، بل على العكس، يشعر بأن عدوانيتهم كلها موجهة إليه، أو كأنهم يعملون على الانتقام منه لأنه يعاكسهم وينتقدهم، لذلك، فإن "الأنا" تُدفع إلى البحث عن أسس جديدة لتقدير ذاته وأولويات تعيد له الاعتبار.

الانقلاب العاطفي

إنه يحوّل عواطفه تجاه أهله إلى نقيضها، أي أن الحب يتحول إلى كراهية ويتحول الاحترام والاعتزاز إلى احتقار وتبخيس معتقداً بأنه أصبح مستقلاً عنهم ومتحرراً منهم، ولكنه في الواقع يظل أسير التعلق بهم. إن هذا الانقلاب العاطفي لا يؤدي إلى إرضاء متطلبات المراهق لأنه بمثابة استجابة عدوانية، يستجيب الأهل لها بدورهم بعدوانية مماثلة، فيجد نفسه أسير علاقة سادية  عدوانية، يستجيب الأهل لها بدورهم بعدوانية مماثلة، فيجد نفسه أسير علاقة سادية  مازوشية، فهذه الأولوية بدلاً من أن تحرّره تزيد من قلقه، قلق فقدان العاطفة والأمان وخوف من إسقاط العدوانية على الذات. وهذا القلق والخوف هما السبب في حالات الاكتئاب التي تسيطر على المراهقين (10) وقد يميل المراهق إلى التعلق الشديد بالأهل أو ببدائل الأهل من اساتذة وأصدقاء ومفكرين وسياسيين ورجال دين أو نجوم رياضيين ... إلخ. وهذا التعلق يمكن أن يغني شخصية المراهق على الصعيدين العقلي والعاطفي. ولكن هذا الهروب العاطفي قد يصاحبه أحياناً هروب حقيقي يحمل المراهق على ترك المنزل أو قد يكون هروباً رمزياً يظل في المنزل كغريب، يؤمن له المأكل والملبس ولكن لا يوجد فيه اشباعات عاطفية، وقد يعمل المراهق للدفاع عن ذاته، بالتعلق الشديد بالذات وإعطاء أهميّة كبيرة لل ـ"أنا" ونشاطاتها على الصعيد العقلي، فيعتقد أنه دائماً على حق ولا يقبل برأى الآخرين. ويميل إلى الانطواء والعزلة وإلى استعراض الذات (من طريق الثياب والتزيين والدراجات النارية والسيارات الحديثة ... إلخ( وللهروب أيضاً من هذه المواقف يلجأ المراهق الى النكوص للطفولية، ولكن هذا لا يدوم طويلاً فيعمد إلى الثورة لتأكيد ذاته. وقد يلجأ المراهق هرباً من ضغط الصراعات التي تظهر بين الشخصية وبين العالم الواقعي إلى الانخراط في عصابات الأحداث لأن المراهق يشعر بأنه وحيد تجاه الصراعات، ويظهر هذا الشعور في مظاهر أبرزها أن الراشدين لا يفهمونه، ونتيجة لذلك، يلجأ المراهق إلى مذكراته يسجل فيها ما ينتابه من شعور بالقلق والاضطراب وإما إلى الانخراط في عصابات الأحداث على أساس أنهم وحدهم يفهمون مشاكله.  ويجد المراهق في هذه الجماعات الفرصة لتعلم الحياة الجماعية، مثل التعاطف والمساعدة المتبادلة والتضحية، من دون أن تكون خاضعة لقوانين مفروضة من الكبار. ولكن الذوبان في عصابات الأحداث قد يؤدّي لعدد من الانحرافات، مثل الجنوح والعدوانية المتطرفة والعصاب وأحياناً الذهان والانتحار(11).

الوضع الأسري

لا فرق بين الزهر والازرقمن المهّم دراسة مكانة المراهق في الأسرة كعامل مؤثر في تكيّفه مع الواقع الاجتماعي لها، وعلاقة المراهق بأفرادها خصوصاً الأب، ثم التساؤل عن الأسباب التي تجعل من أزمة المراهق في بعض الأسر أخف وطأة منها في أسر أخرى.  ومن المهّم أيضاً معرفة علاقة المراهق بأسرته والأبعاد السلبية لعدم ثبات العلاقة نتيجة التفكك الأسري أو بسبب التزمت أو التسامح أو الرفض، أو لعجز الآباء عن مواجهة مشكلات أبنائهم لانعدام الرؤية الصحيحة عندهم، وعدم مراعاة البيئة وطبيعة العصر، أو نتيجة لظروفهم وأزماتهم النفسية.

في الماضي، كان التنظيم العائلي يستند إلى السلطة وخاصةً سلطة الأب، أما اليوم فإن السلطة لم تعد مقبولة إذا لم تكن مستندة إلى الحب والاحترام والحزم، وفي بعض الأحيان يتنازل الآباء عن سلطتهم ولا يعودون نماذج جيدة للتماهي. وعندما يحاول الأب استعادة سلطته فإنه عندئذ يلجأ إلى العنف والقسوة، فيصل إلى الشعور بعدم الرضا ويحاول أن يعوض عنه بمضاعفة العاطفة، فنلاحظ في النهاية سلوكاً متأرجحاً بين القسوة الحب، والنتيجة في كلتا الحالتين خلل في العلاقة بين المراهق والأب. ولا ننسى دور الأم المركزي في العلاقات العائلية، فدور الأم قد تغيّر وأصبحت أقلّ اهتماماً بأولادها بسبب ضيق الوقت الناجم عن إيقاع العصر، إن هذا الوضع ربما ساعد المراهق في الحصول على استقلالية مبكرة ولكنها استقلالية ثمنها مرتفع نتيجة الجرح الذي يتركه عدم الاشباع العاطفي، فالمراهقون كالأطفال بحاجة إلى استقرار العائلة وتماسك أفرادها للتوصل إلى التوازن السليم والصحة النفسية.

إضافة إلى ذلك يعتبر تدخل العائلة في شؤون المراهقين الخاصة وفي اختيار الأصدقاء وفي انتماءاتهم الرياضية أو ميولهم الترفيهية أو في اختيار مهنة المستقبل، تدخلاً يؤدي إلى شعور المراهق باغتصاب إرادته وحجز حريته، ما يشعره بتبخيس ذاته نتيجة عدم ثقة أهله به. وبالامكان أيضاً الرجوع إلى موقع المراهق في الأسرة وبين الأخوة والأخوات، من تفضيل الذكر على الأنثى الذي يتولد منه شعور الصبي بالسيطرة على الفتاة وشعور الفتاة بالحقد، وأخيراً الحقوق والامتيازات التي تُمنح لواحد ويُحرم منها الآخر. وكذلك فإن بعض الآباء يعملون على تبخيس صورة الأم وموقعها ويطلب من المراهق عدم سماع رأيها، فهذا يؤدي إلى أن يكوّن المراهق صورة سلبية عن المرأة ما قد يؤدي به إلى مشكلات في حياته الزوجية في المستقبل.

إن جميع هذه العوامل تشكّل نتائجها إعاقة في تطور المراهق النفسي والاجتماعي. ومن هنا نجد أن المراهقة تمرّ بسلام في بعض الأسر، بينما تكون سبباً لمشكلات عديدة في أسر أخرى. ومن أجل مساعدة المراهقين على النمو السوي وعدم الإساءة إليهم، نقدّم بعض المقتراحات للوالدين مستقاة من الأبحاث النفسية في هذا المجال وهي:

  1. توفير جو نفسي  اجتماعي خالٍ من الضغط، وذلك من طريق إتاحة الفرص الكافية لأبنائهم لممارسة الأنشطة التي يرغبونها.
  2. تدريب الأبناء على اكتشاف ما يحيط بهم من طريق المحاولة والخطأ ومن طريق التفكير الاستقصائي والحدسي، فالفرد في حياته عرضة للنجاح والفشل، والفشل يجب ألا يحول بين الانسان وبين تكرار المحاولات لاكتشاف ما يحيط به من غموض.
  3. مساعدة الأبناء على تقييم أفعالهم وتجاربهم من دون الشعور بالذنب أو خيبة الأمل إذا لم تؤتِ ثمارها، ومن هنا نقول بأن المراهقين الذين تربوا من دون وجود قوانين ومعايير تكون لديهم عتبة الإحباط منخفضة ما يؤدي إلى تراجعهم أمام الصعاب وعدم المحاولة للوصول إلى الهدف وبذل الجهد.
  4. توفير قاعدة نفسية آمنة يمكن من خلالها للأبناء الانطلاق الى الاكتشاف والمحاولة والتجريب، وينبغي أن يشعر المراهق أنه محل حب وتقبل من والديه.
  5. تقبل الأفكار الجديدة للأبناء، واحترام حب الاستطلاع والتساؤلات المستمرة والإجابة عنها من دون اعتراض أو تقليل من شأنها، كما على الوالدين أن يجعلوا أفكار أبنائهم أكثر واقعية.
  6. ألا يبالغوا في مساعدة الأبناء ما قد يحول بين الأبناء وبين الاستقلال.
  7. أن يوفروا الفرص المتنوعة والمتعددة الأهداف والغايات لتلائم ميول وأفكار الأبناء وتنميتها.
  8. أن يزودوا الأبناء بالحقائق والخبرات الثقافية والاجتماعية لكي تضيف إليهم حقائق جديدة تشكّل تحدياً لقدراتهم العقلية.
  9. مساعدة الأبناء لكي يصبحوا أكثر حساسية للمثيرات البيئية.
  10. توفير وسائل الثقافة المختلفة داخل الأسرة وتوجيه الأبناء إلى حسن استخدام هذه الوسائل والمعينات.

صورة الجسم

يتطور إدراك الشخص لذاته من خلال العلاقة بين إدراكه لصورته ولجسمه من جهة، وإدراكه لمن حوله من جهة أخرى. في السنة الأولى من العمر ينحصر إدراك الطفل لذاته من خلال إدراكه لجسمه، إدراك الذات من خلال الجسدوفي السنتين الثانية والثالثة يتمكن الطفل من أن يميز بين جسمه وبين ما يحيط به. ففي السنوات الرابعة والعاشرة يضاف بعد آخر يتمثل في صورته في عيون الآخرين (يمدحون، يهزأون، يحتفون، يغضبون ...) وإبان مرحلة البلوغ يعود تمركز المراهق حول ذاته كجسم وذلك نتيجة التغييرات الفيزيولوجية والتشريحية الهائلة التي تحدث في هذه المرحلة وتعاظم دور الجسد الذي يصحب محور الوجود.  

بعد هذه المرحلة يعي الشاب أهمّية البيئة والعالم حوله، ويتوقّع منه المجتمع أن يلعب دوراً فاعلاً في الحياة اليومية، وهكذا تضاف إلى الحلقة السابقة حلقة جديدة يرى فيها الشاب نفسه من خلال المجتمع(12).

صورة الجسد هي ما نختزنه في عقولنا عن شكلنا الخارجي وهي عملية متنامية منذ الطفولة، وتؤثّر في كيفية إحساسنا باحترام الذات. ويتفاعل هذان العاملان، احترام الذات وصورة الجسد، حيث يقوم المراهق بمراجعة شكلة الخارجي، وكيفية ظهور هذا الشكل للآخرين وانطباعهم عنه، يربط ذلك باحترامه لذاته، فكلما كان تصوره عن شكله الخارجي إيجابياً كان احترامه لذاته إيجابياً أيضاً، من هنا يجب الأخذ بعين الاعتبار عند التعامل مع المراهق تنمية الانطباع الايجابي عن ذاته الداخلية وهي من الأساليب الأساسية التي يجب أن يتعلمها الوالدان، والجهل بها يؤدي إلى الإساءة إلى المراهق ويؤدي إلى اضطرابات منها: ضعف في الشخصية وتوقف في النمو المتصاعد للتلقائية، وتنشأ بعض الاضطرابات الأخرى النفسية أيضاً ومن هذه الاضطرابات: القلق العصبي والفهم  (Anorexiaوهو أكثر انتشاراً عند الإناث. وقد أكّدت دراسة ل الصراف أن أكثر المخاوف انتشاراً بين المراهقات في الكويت هو الخوف من زيادة الوزن.

ومن الأمراض التي تضطرب فيها صورة الجسم، اضطراب شكل الجسم الوهمي، حيث يعتقد المريض بأن هناك خطأ في شكله الخارجي ما يسبّب الإحساس بالقلق الشديد، ويحتاج هذا المرض إلى إعادة تكوين الصورة الصحيحة الداخلية عن الجسم من طريق العلاج النفسي (13) .

أدوار المدرسة

نقتصر في الكلام عن دور المدرسة على أمور قليلة مع أن للمدرسة تأثيراً كبيراً من حيث بناء شخصية التلميذ، ولعّل مجتمعاتنا لن تنتقل إلى الحداثة إذا لم يصبح التعلم في المدرسة قائماً على الموقف التعليمي (Situation didactique) حيث يختصر دور المعلم في التوجيه والإرشاد وتحضير الموقف التعليمي ويكون التلميذ فاعلاً في الصف لا منصتاً متبرماً مثرثراً يصعب الحصول على انتباهه.

المبادىء التربوية

ومن المبادىء التربوية في هذا الصدد ما يقوله بياجيه (14) "إن الفائدة الرئيسة لنظرية النمو العقلي في مجال التعليم هي إتاحة الفرصة أمام الطفل ليقوم بعمل ذاتي، فإننا لانستطيع تنمية ذكاء الطفل بالتكلم معه فقط، ولا نستطيع أن نمارس التربية بشكل جيد، من دون أن نضع الطفل في موقف تعليمي، حيث يختبر بنفسه ويرى ما يحصل، ويستخدم الرموز ويضع الأسئلة ويفتش في إجاباته الخاصة، رابطاً ما يجده هنا بما يجده في مكان آخر، مقارناً اكتشافاته باكتشافات الأطفال الآخرين".

ونضيف هنا استناداً إلى بياجيه أيضاً في نظريته البنائية، بأن النمو العقلي هو نتيجة للتفاعل بين ثلاثة عوامل: الموروث البيولوجي والخبرات الشخصية (ونشدّد هنا على الخبرات الشخصية التي تقدّمها المدرسة) والبيئة الاجتماعية.

ونقول في هذا الصدد بأن الأبحاث حول مفاهيم الاحتفاظ بالفيزياء ومفاهيم تصور العالم عند الطفل التي قمنا بها مع طلابنا الجامعيين في الكويت وفي لبنان بينت تأخر تكوّن هذه المفاهيم عند تلاميذنا، فمثلاً تكوّن مفهوم الاحتفاظ بالكمية يجب أن يتّم في السابعة من العمر لكننا نجده مفقوداً حتى عند التلاميذ الذين بلغوا الثانية عشرة من العمر. وفي تعليلنا لذلك أن أحد أسباب هذا التأخر يعود إلى التعليم اللفظي السائد في مدارسنا.

والمبدأ الثاني هو أهمّية التفاعل بين التلاميذ في الصف.  إذ يعتقد بياجيه أن النمو العقلي يفترض ليس فقط تعاون التلاميذ مع المعلمين ولكن تعاون التلاميذ في ما بينهم أيضاً. ذلك أن التلميذ الذي لا نسمح له بأن يرى نسبية إدراكه يبقى سجين وجهات نظره الأنوية. فالصراع في الآراء بين التلاميذ يجعلهم يدركون مباشرة وجهات نظر مختلفة، إذ إن تلاميذ المستوى الواحد يستطيعون أكثر من المعلم مساعدة رفاقهم على الفهم الصحيح للموضوع. من هنا أفضلية العمل في مجموعات والمناقشات بين التلاميذ.  

أما المبدأ الثالث، فهو أفضلية العمل العقلي المبني على التجربة المباشرة وليس على الوصف والكلام. ونشدّد هنا على أهمّية اللغة بحيث لا تعمل على الضرر بالتفكير، نترك التلميذ يعطي في مراحل نموه العقلي إجابات غير صحيحة قبل أن ننتظر منه الإجابات الصحيحة. وقد سجّل المعلمون في المرحلة الابتدائية تقدماً ملحوظاً بحسب سان كلار عند اعطائهم الأولوية للتجربة الحسية على شرح المعلم. ويقول فورث في هذا المجال، إن هدف التعليم، هو قبل كل شيء، تعليم التفكير. وباعترافه بأهمّية القراءة كوسيلة للتعلم، إلا أنه أسف، كونها أصبحت هدف المربين الأساسي على حساب نمو التفكير والعمليات العقلية الحقيقية (15).

  وغني عن القول أن استخدام التعليم اللفظي وعدم جعل التلميذ ناشطاً وعدم العمل في مجموعات، وعدم الاعتماد على العمل العقلي وتجاهل هذه المبادىء كافة يمكن أن يعتبر إساءة الى التلاميذ.

الدافعية

من المبادىء المهمّة أيضاً في التعلم والتعليم الدافعية الداخلية. ولكن كيف يمكن للمعلم أن ينشط الدافعية الداخلية عند التلاميذ من بين الاستراتيجيات لبناء الدافعية الداخلية نذكر:يشعر التلميذ بالفتور امام اساليب تعليمية غير مناسبة.

  1. إزالة التوتر من بيئة الصف. ومن المصادر التي تسهم في التوتر: التهديد والتعليقات المنطوية على السخرية أو التهديد والاختبارات الفجائية غير المعلنة والاحتفاظ بالعلامات والافتقار إلى المصادر.
  2. من المهّم تشييد الجسور بين عالم التلاميذ خارج الصف وبدء التعلم مثل التنفس العميق. فأنت لا تعرف ما يحدث للتلاميذ في الملعب من شجار أو انفصال عن صديق حميم أو تهديد.
  3. من المهّم البدء بمناقشة مشكلات شخصية والترحيب بالتلميذ الذي كان غائباً ومراجعة الدرس السابق. إن مثل هذه الأنشطة الانتقالية تسمح للدماغ بأن ينتقل إلى الحالة الكيميائية المناسبة للتعلّم.
  4. من المهّم أيضاً أن يسود الصف جو من الجدية والحركة وإثراء المنهج بمواد ذات صلة بالتلاميذ.
  5. يمكن البدء اليوم بالمصافحة والتبادل والهتافات والألعاب والكتابة في مفكرة والتقييم الذاتي، إن هذه الفرص التي تؤثر على الجانب الانفعالي للتعلم تشكّل البراهين والحجج في أن المعلم يستطيع أن يمارس بعض هذه الاستراتيجيات وهو لا يزال يملك وقتاً كافياً للمضمون.
  6. يجب أن يحصل التلاميذ على تغذية راجعة شخصية وأكاديمية، ويتّم ذلك من خلال التبادل ووضع الأهداف والعمل الجماعي وتوقيت الأسئلة والأجوبة والمفكرة التعلمية. إن المعلمين نتعلم لكي نبني المستقبل.الذين يصممون تعليمهم بشكل دقيق، بحيث يتضمن عشرات الطرق للتغذية الراجعة، يجدون زيادة في الدافعية لدى التلاميذ، وتعتبر التغذية الراجعة التي يقدمها الأقران أكثر فائدة وتحفيزاً من تلك التي يقدمها المعلم من حيث الحصول على نتائج مستدامة.
  7. وتتّم معالجة فقدان الدافعية الداخلية باستخدام اختيارات إيجابية إجبارية (16) وبكلمة أخرى إذا سمحت للتلميذ بعمل ما يريد فإنه غالباً لا يعمل شيئاً. ولكن العمل ضمن فريق متماسك لتحقيق هدف محدّد كفيل بأن يساعد في التخلص من الشعور بالعجز المكتسب لدى الأفراد، والعمل ضمن فريق يُشعر التلاميذ بأنهم مهمّون بالنسبة للآخرين وأنهم يستطيعون أن يختاروا قرارات جيدة ويحصلون على الدعم من رفاقهم.

يعاني بعض التلاميذ من لا دافعية مؤقتة، ويعود ذلك إلى ثلاثة أسباب: السبب الأول يتعلق بارتباطات من الماضي يمكن أن تثير حالة سلبية أو فتوراً لدى التلميذ، قد تكون هذه الارتباطات مخزنة في الذاكرة، وعندما تثار فإن الدماغ يتصرف وكأن الواقعة تحدث الآن، كما تثار التفاعلات الكيميائية ويتّم إطلاق هرمونات مثل الأدرنالين وغيره إلى مجرى الدم. لذا فإن صوت المعلم أو نبرة صوته أو إشاراته، قد تذكر التلميذ بمعلم سابق لا يحبه. وقد تثير الإخفاقات السابقة مثل تلك المشاعر، كما يمكن أن تثيرها ذكرى الفشل المستمر في مادة، ذكرى لرسوب محرج، ويمكن إعادة إشارة تهديد حقيقي ذي شأن عن طريق حادثة أصغر منه بكثير.

السبب الثاني يتعلق بالبيئة. فالتلاميذ قد يشعرون بالفتور أمام أساليب تعلمية غير مناسبة، ونقص المصادر والمعوقات اللغوية وفقدان الاختيار والمحرمات الثقافية والخوف والإحراج والافتقار إلى التغذية الراجعة وسوء التغذية والعطش ونقص الأوكسيجين في غرفة الصف وتلوث البيئة. بالاضافة إلى المضمون غير المثير للاهتمام إضافة إلى احتمالات أخرى (17)

والسبب الثالث لحدوث لا دافعية يعود إلى العلاقة بالمستقبل، وهذا يتضمن وجود أهداف واضحة محدّدة بشكل جيد، ذلك أن الكثير من التلاميذ يتسربون من المدرسة أو يرسبون بسبب عدم وضوح الأهداف. كما أن ما يعتقده التلميذ إزاء المضمون والسياق والاهتمام بإحراز النجاح في هذا الصف ومع هذا المعلم مسألة في غاية الأهمّية. فهذه الأهداف والمعتقدات تحدث في حالات تُطلق مواد كيمائية قوية في الدماغ؛ إذ إن التفكير الإيجابي ينشط الفص الأمامي الأيسر وعادة ما يطلق مواد كيمائية تبعث على السرور مثل الدوبامين Dopamine إضافة إلى المهدئات الطبيعية كالأندرفين Endrophine وهذه المكافأة الذاتية تعزّز السلوك المطلوب.

إن التلاميذ من أي من الفئات الثلاث السابقة، هم ببساطة في حالة لا دافعية مؤقتة. ونظراً الى أن أي فرد يمكن أن يمّر في مجموعة من الحالات في أي وقت سعيد، جائع، قلق، فضولي، راض فإن الحالة التي نطلق عليها الفتور قد تكون ببساطة إحدى الاستجابات المناسبة للبيئة، والمعلم الذي يفهم الحالات التي يمّر بها التلاميذ يمكن أن يكون فاعلاً، وغالباً ما يختفي الفتور بنشاط جذاب بسيط، أو من خلال الإصغاء أو التبادل أو استخدام الموسيقى والأنشطة الجماعية.

الدافعية والدماغ والهرمونات

يقول دين ويترك: "إن التعليم الصفي يستند إلى نظرية خاطئة، فنحن نفترض بأنه يتعين على التلاميذ أن يحصلوا" على مكافأة فورية عندما يؤدون عملاً بطريقة صحيحة (18)  ولكن الدماغ يرتاح تماماً لمتابعة الجديد وحب الاستطلاع ويحب الأشياء ذات الصلة بالموضوع ويستغرق في التغذية في النجاح، وسيكون من المفيد توسعاً في تطبيق المواضيع وحلّ المشكلات حيث تكون العملية نفسها أهّم من الإجابة أو الحلّ وهذه هي المكافأة.

ويتخذ علماء الأعصاب موقفاً مختلفاً عن النظرية السلوكية في ما يتعلق بالمكافآت. ذلك أن الدماغ يصنع مكافآته بنفسه وهي ما نطلق عليها المهدئات التي تستخدم لتخفيف الألم والتوتر كالمورفين، ويقع جهاز المكافأة في الهيبوتلاموس، وكأن الدماغ يقول عن هذا السلوك: "هذا شيء جيد دعنا نفعل ذلك، ونفعله مرة أخرى". وهكذا يكافىءالدماغ التعلم بمشاعر جيدة. فالتلاميذ الذين ينجحون يشعرون بالرضا وهذا يمثل مكافأة كافية بالنسبة لهم.

تلعب الحساسية الجينية وتجارب الحياة دوراً في جهاز المكافأة. فخبرات الطفولة المبكرة المشتملة على العنف هي التي تشكّل الدماغ. إنّ أدمغة هؤلاء التلاميذ لا تكافأ بالرضا والارتياح في إنجازهم للنشاط والعمل المدرسي فقط. وفي هذه الحالة، فإن الاستراتيجيات التي يستخدمها معظم المعلمين لا تحقّق الغاية ما لم يفهموا سبب تصرف هؤلاء التلاميذ. إنهم سيحققون نجاحاً عندما يوضعون في مجموعات ويمارسون أدواراً تعاونية. كما أنهم يحتاجون إلى تعلم مهارات عاطفية.

دور المعلمين

من الحلول بالنسبة للدافعية تقديم التدريب الأفضل والفعلي للمعلمين في مجالات المعرقة والثقافة وأساليب التعلم وإدارة الحالات، وتوفير مزيد من المصادر، ومن المفيد التقليل من الحواجز اللغوية واستخدام أكثر لخيارات التلميذ وإزالة أي نوع من الإحراج والسخرية. كما يجب تقديم المزيد من التغذية الراجعة والتشجيع على تناول الغذاء الصحي. كذلك من المفيد أن يتعلم التلاميذ أساليب التفكير الإيجابي وأن يتعلموا وضع أهداف محدّدة. ويقوم الباحثون حالياً بتطوير أدوات أفضل لفهم آليات العمل الداخلي للدماغ المتسم بالدافعية، وعلى العموم فإن ما يتوافر من أبحاث يدّل على أن أساس المشكلة يتمثل في طريق تعاملنا مع التلاميذ، وبدلاً من السؤال، كيف يمكن تحفيز التلاميذ ؟ فإن السؤال الأفضل هو، ما الطرق التي يتّم بها حفز الدماغ (19)  بشكل طبيعي من الداخل ؟ وهل يستطيع المعلمون القيام بذلك؟ الجواب هو نعم، والمربون في العالم يحققون نجاحاً كل يوم.

انطلاقاً مما سبق ذكره، نجد أن عدم معرفة هذه الأمور والأصّح عدم تطبيقها في غرفة الصف يشكّل إساءة غير متعمدة للتلاميذ.المعلم - متعاطف أم غير متعاطف

العلاقة التربوية : معلم تلميذ

العلاقة معلم  تلميذ تتوقف في جزء كبير منها على لا وعي المعلم وعلى نضجه العاطفي. فإذا بقي المعلم في حالة من عدم النضوج العاطفي الكافي، فإنه سوف يستجيب لانعدام النضوج الطبيعي عند التلميذ. فقد يبقى التلميذ مثبتاً في المرحلة الفمية فيسعى إذ ذاك إلى امتلاك انتباه المعلم، أما الطفل العدواني أو الذي لديه شعور بالذنب، فإنه يثير عدوانية المعلم حتى يقتص منه.

وقد قام فريق من الباحثين بتجربة دامت اثنتي عشرة سنة في هامبورغ (20) وانتهت بفشل كبير، إذ إن الأطفال تألموا من انعدام سلطة الكبار وبعضهم استجاب بشكل ذهاني لهذه العلاقة المتصفة بالقلق. ولكن نستطيع أن نقول، أن كل مربّ ناضج يستطيع أن يميّز بين السلطة والقمع، وكل مربّ يلجأ إلى القمع : التهديد، الابتزاز العاطفي،  برهن عن افتقاره الى السلطة، ذلك أن السلطة قوة داخلية تفرض نفسها بنفسها.

ويصنف التلاميذ المعلمين بين متعاطف وبين غير متعاطف. ويظهر أن الصفة المهمّة بالنسبة للتلاميذ هي التعاطف أي استعداده العاطفي الايجابي واهتمام المعلم بالتلاميذ وبعملهم. وإذا أحبّ المعلم التلاميذ فسوف يحبونه وإذا احترم التلاميذ سيحترمونه وإذا اهتّم بهم سيهتمون به. والعكس نجده عند المعلم غير المتعاطف الذي يُظهر برودة وعدم اهتمام بالتلاميذ وهذا ما يشكّل أساساً لبناء المشاعر السلبية.

إن المعلم الذي لا يتمتع بخصائص المعلم الناضج والمتعاطف يكون في عمله مع التلاميذ مسيئاً إليهم.

وفي النهاية نقول بأن مهنة التربية هي مهنة صعبة وتتطلب الصبر والتسلح بالمعارف والمهارات اللازمة والضرورية. ولا شكّ أن العلوم النفسية تقدّم لنا كمربين الكثير من الدعم وتنير لنا الطريق وخاصة الأبحاث الحديثة التي تتناول الدماغ، ولكن يبقى أن يكون لدينا الإدارة في أن نحسّن أداءنا كآباء أو كمدرسين ومن هنا علينا أن نقرأ، ونحن كما قالت عنت المنظكة الدولية للتربية والعلوم. المعلم من الدعم وتنير لنا الطريق وخاصةً الأبحاث الحديثة التي تتناول الدماغ، ولكن يبقى أن يكون لدينا الإرادة في أن نحسّن أداءنا سواء كآباء أو كمدرسين ومن هنا علينا أن نقرأ، ونحن كما قالت عنا المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة.

 

المراجع :

- مريم سليم، علم نفس النمو، دار النهضة العربية بيروت ٢٠٠٥

- مريم سليم، علم نفس التعلم، دار النهضة العربية بيروت ٢٠٠٣

- مريم سليم، علم النفس التربوي، دار النهضة العربية (وهذا الكتاب كان الأكثر مبيعاً في معرض بيروت للكتاب  ٢٠٠٤) بيروت ٢٠٠٤

- مريم سليم، أدب الطفل وثقافته، دار النهضة العربية بيروت ٢٠٠١

- مريم سليم، علم تكوين المعرفة، (الطبعة الأولى، معهد الإنماء العربي)، ط.ث.، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٢

- مريم سليم، قياس وتقييم النمو العقلي المعرفي في رياض الأطفال، وزارة التربية، مركز الطفولة والأمومة، الكويت، ٢٠٠٢

- مريم سليم، الأسس الثقافية النفسية  التربوية في الصحة الإنجابية، صندوق الأمم المتحدة في لبنان، ٢٠٠٢

.  مريم سليم وعلي زيعور، حقول علم النفس الطبعة الأولى، دار الطليعة، بيروت ط.ث.، دار النهضة العربية، ٢٠٠٤

- مريم سليم وباسمة الحاج، أسباب الطلاق في الكويت، وزارة التربية، مركز الطفولة والأمومة، ٢٠٠٠

- معصومة ابراهيم ومريم سليم وآخرون، علم نفس النمو، الكويت، ٢٠٠٠

- مريم سليم، دراسة تقييمية للشباب في مرحلة المراهقة، صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان، ٢٠٠٢

- مريم سليم، كيف ننمّي تقدير الذات والثقة بالنفس والنجاح عند أبنائنا، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٣

- جعفر العريان، باسمة الحاج، مريم سليم، تحسين نوعية حياة الأسرة في الكويت، وزارة التربية، مركز الطفولة والأمومة.

.  مريم سليم، الطفل من الولادة حتى الخمس سنوات (ط.أ. دار البراعم) زط.ثُ، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٥

- مريم سليم، الأسس التربوية لتدريس الرياضيات للأطفال، دار المقاصد الإسلامية، بيروت، ١٩٨١

 

الهوامش

١ مريم سليم، الطفل من الولادة حتى الخمس سنوات، دار النهضة العربية، ٢٠٠٥

2- Rene's spitz, 1965, de la naissance à la parole, Paris, PUF

3- Mélanie Kleine, (1968), Envie et gratitude, Paris, Gallimard

4 مريم سليم، ( ٢٠٠١)، بيروت ،أدب الطفل، وثقافته، دار النهضة العربية

5- Bideau j,et d'autres,)1993(, l'homme en developpement, PUF,Paris.Psychodrame

6 مريم سليم، (٢٠٠٣ )، كيف ننمي تقدير الذات والثقة بالنفس والنجاح عند ابنائنا، بيروت، دار النهضة العربية

7- Eric Eickson, (1963), childhood and Society, Norton and Co., New york

8- A. Avanzini, (2005), Le temps de L'adolescence, éd. Universitaire, Paris

9- Freud S., Deuil et mélancolie in métapsychologie cité par la planche J., l'articleÅ: Les normes normales et sociales leur impact dams la topique subjective, un bulletin de psychologie II, VI, 1972, 1973, pp. 14-16

١٠ - المرجع السابق نفسهMucheilli R, (1972), comment ils deviennent déliquants, Coll., ESF, 11- Paris

١٢ - مريم سليم، دراسة تقييمية : في مرحلة البلوغ والمراهقة، ( ٢٠٠٢ )، صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان.

١٣ - مريم سليم، الأسس الثقافية النفسية التربوية في مواضيع الصحة الإنجابية، ( ٢٠٠٢ ) صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان.

14- Jean Piaget, six études de psychologie, éd. Gonthier, 1969, Gebève

15- Inhelder B., Saint Clair M., Bovet M., Learning and the development of cognition, Cambridge, M.A., Harvard University, Press, 1974

16 مريم سليم، علم نفس التعلّم،( ٢٠٠٣) دار النهضة العربية، بيروت، ص. ٥١٨

17- Lieury A., 2000 Paris apprentissage scolaire : mieux impliquer la mémoire, science et vie, N212.

18 إيريك جينسن، ( ٢٠٠١ )، الظهرن، كيف توظف أبحاث الدماغ في التعليم، دار الكتاب التربوي.

19- Ledoux J, the emotional brain, New York, Simon and Schuter, 1996

20- Chirivella F1997, Paris rencontres internationals sur l'enseignement des mathématiques, CRDP, p.412