وحدة اللّغات: ترابط وتفاعل

عمر بو عرم رئيس قسم اللّغة العربيّة وآدابها المركز التربوي للبحوث والإنماء

تقوم علوم اللّغة اليوم على التّواصل الأساسي بين الأفراد في سائر المجتمعات، فضلاً عن التّركيز على باقي الوظائف اللّغويّة كالتفكير والتّعبير. وبذلك تتكامل وظائفيّة اللّغة الثّلاثيّة، وأكثر من ذلك، فإنّ اللّغة تؤدّي دورًا جوهريّاً في تجريد المفاهيم والأفكار والمحسوسات، وبالتّالي فإنّها تصبح أكثر من أداة ثقافيّة، حيث تتحوّل إلى مؤسّسة حياتيّة ترتسم على أساسها أنماط التّربية والتّفكير والسّلوك ومختلف الأنشطة الإنسانيّة.
وفقًا لهذا التّصوّر العام، فإنّ تعليم اللّغة يستوجب طرائق خاصّة ووسائل معينة تختلف قليلاً أو كثيرًا عن طرائق تعليم المواد التّعليميّة الأخرى، وذلك من خلال ضرورة اتّباع استراتيجيّات محدّدة في عمليّتي التّعلّم والتّعليم؛ على أساس ارتباط اللّغة أكثر من غيرها بالحياة اليوميّة المعيشة من ناحية، وارتباطها بالخبرة والممارسة والتّطبيق من ناحية أخرى. وذلك من دون أن ننسى وظيفة القواعد المعياريّة الّتي تتشكّل على أساسها منظومة اللّغة المنطقيّة وقواعدها الموضوعيّة

على الرّغم من هذه المفاهيم الأوّليّة والجوهريّة، فإنّ تعليم اللّغة، يلاقي صعوبات وعقبات معيّنة لدى النّاطقين بها، أو لدى من يحاول تعلّمها وإتقانها من أبناء اللّغات العالميّة الأخرى. انطلاقًا من هذا الواقع الدّقيق، كان لا بد من انتهاج طرائق تدريس خاصّة باللّغة، مهما كان نوعها، واليوم قد حصل تقدّم علوم الألسنيّة الوظيفيّة العامّة الّتي تقوم على أسس محدّدة من أهمّها:

المبدأ الأوّل:
الانطلاق من الوحدة المحوريّة، أي تنظيم الموادّ الدّراسيّة ضمن الوحدة اللّغويّة وفقًا لمحاور مفهوميّة أو فكريّة تهمّ المتعلّم وترتبط بحياته العمليّة والدّراسيّة على السّواء. وهذه المحاور تشكّل منطلقات عامّة وأبوابًا كبرى يمكن الولوج من خلالها إلى عمليّة اختيار النّصوص الملائمة الّتي تندرج في إطارها الدّروس اللّغويّة.

المبدأ الثّاني:
الوحدة النّصّية، وهي تقوم على اعتبار النّصّ، وهو الخليّة الأولى الّتي تتشكّل منها المحاور الكبرى، كليانيّةً متكاملة، أيّ أنّه كلُّ متكامل بذاته، بوصفه كيانًا لغويًّا تتفاعل وتتداخل سائر المكوّنات الألسنيّة في نسيج النّصّ، كالألفاظ والعبارات والفقرات، وما يوجد فيها من أدوات الرّبط المنطقيّة، والقواعد الوظيفيّة، والبلاغة الوظيفيّة أيضًا... وذلك ضمن استخدام الأساليب الخاصّة والأنماط الملائمة للوصول إلى استكشاف غاية الكاتب من مرسلته النّصّية... وبالتّالي يُترك المجال واسعًا أمام المتعلّم للتّحليل والتّقييم وإبداء الرّأي الشّخصي... وذلك وفقًا لعمليّة تتألّف من ثلاث مراحل:

  • المحاكاة.
  • التّحليل.
  • الإبداع الشّخصي.

المبدأ الثّالث:
وحدة فروع اللّغة: إنّ ما سبق ذكره حول الوحدتين السّابقتين يجد صدًى له في وحدة فروع اللّغة أي تعليمها مختلف الموادّ اللّغويّة الثّانويّة، في إطار شبكة نصّيّة متماسكة، بحيث يمكن الانطلاق من النّصّ في دروس القراءة والقواعد والمحفوظات والتّعبير الشّفوي والكتابي وسوى ذلك من دروس لغويّة... إنّ فائدة هذه الطّريقة تكمن في الطّريقة الطبيعيّة والعفويّة والمنهجيّة الّتي تتم على أساس المعاطاة مع سائر الفروع اللّغويّة، بحيث لا يجد المتعلم نفسه غريبًا عن جوّ الدّراسة اللّغويّة المطلوبة...

المبدأ الرّابع:
أمّا المبدأ الرّابع الّذي تقوم عليه المنهجيّة اللّغويّة فيفترض عمليّاً استخدام مصطلحات ومفاهيم وأدوات ألسنيّة ومنهجيّة خاصّة بعلوم الألسنيّة، وذلك لتسهيل دراسة النّصّ وتحليله، من أجل مساعدة المتعلّم على تكوين أدوات علميّة وعمليّة واضحة وبسيطة لاستيعاب المادّة المعرفيّة اللّغويّة إضافة إلى تكوين ثروته اللّغويّة والتّقنيّة اللاّزمة في الدّراسة... وبذلك تصبح دراسة اللّغة دراسة علميّة وموضوعيّة وذات أصول منهجيّة كدراسة سائر الموادّ المدرسيّة الأخرى.

المبدأ الخامس:
وهو مبدأ التّدرّج والتّسلسل في تدريس اللّغة؛ ومن هنا تقسيم برنامج اللّغة إلى مراحل وحلقات وسنوات، يبدأ المتعلم معها، بصورة تدريجيّة ومبسّطة وبحسب عمره في تكوين شخصيّته اللّغويّة، بالاعتماد على مجهوده الذّاتي، بعيدًا عن التّلقين والإسقاط الخارجي؛ أي أن يكون هذا التّقسيم المنهجي المتّبع ملائمًا لسنّه وحاجاته ومتطلّبات بيئته؛ حتّى يصل إلى استكمال مكتسباته اللّغويّة الّتي لا يمكن الفصل بين مكوّناتها في النّهاية.

المبدأ السّادس:
وحدة مبادئ الألسنيّة العامّة وأسسها وأهدافها الّتي يمكن تطبيقها، لا بل يجب مراعاتها في سائر اللّغات، على أساس الوظائف العامّة للّغات جميعًا... ومن هنا التقاء الفرنكوفونيّة أو الأنكلوفونيّة والعربفونيّة وغيرها من لغات العالم على قواسم مشتركة في طرائق التّدريس والتّحليل والبحث... وعلى هذا الأساس يمكن تبادل الخبرات وتقاسمها والتّماثل في ما بينها سواء في تحديد الأهداف العامّة والأهداف الخاصّة واستراتيجيّات التّعليم وطرائق التّقييم تحديدًا مشتركًا وقوي التّرابط والتّشابه بين مختلف اللّغات... وذلك بالحفاظ طبعًا، على خصوصيّة كلّ لغة، من ناحية تركيبها الصّرفي والنحويّ والدّلاليّ...
إنّ تلك المبادئ المذكورة يمكن اعتبارها ميدان ترابط وثيق وتفاعل خلاّق بين سائر اللّغات، بحيث يتمّ تكوين منهجيّة عامّة مشتركة في ما بينها، وخصوصًا في الإفادة ممّا حصل من تقدّم على صعيد علوم الألسنيّة الحديثة والّتي لم يكن العرب في تراثهم الماضي والحاضر بعيدين عن المساهمة في تأصيلها في ما يُسمّى عندهم "فقه اللّغة"...
ولقد ورد في المقدّمة العامّة لطرائق تدريس اللّغة العربيّة وآدابها ما يلي: ليست طريقة التّدريس واحدة. فالطّرائق الحديثة عديدة ومتنوّعة، يُراعى في اختيارها وتطبيقها الفروقات القائمة بين المتعلّمين، ومواد التّدريس، ومراحل التّعليم، فيُكيّفِ المعلّم طريقته بما يلائم هذه الفروقات. "وقد ذكرت هذه الفروقات على سبيل المثال لا الحصر، تمهيدًا لتبرير الاختيار، الّذي تحدّد كالآتي: مهما تكن الطريقة المعتمدة، فالمهم قيامها على أسس حديثة ناشطة وفعّالة".
فأين نجد منطلقات هذا الاختيار للطرائق الحديثة النّاشطة والفعّالة؟ وما هي أبرز مبادئها؟
لو رجعنا إلى الهيكليّة الجديدة، وإلى المرسوم رقم 10227/97 القاضي بتحديد مناهج التّعليم العام، لوجدنا في غايات المناهج وأهدافها العامّة، وفي وظائف المراحل وأهدافها، توجيهات محدّدة حول الطرائق، ومنها على سبيل المثال:

  • "تُراعى في تكوين شخصيّة الفرد القدرة على تحقيق الذّات وتحمّل المسؤوليّة والالتزام الأخلاقي..." (الأهداف العامّة).
  • "اكساب الطّفل مهارات الاتّصال اللّغويّ الأساسيّة... وتعزيز ثقة الطّفل بنفسه، واستقلاليّته، وممارسة السّلوك المتمدّن والعمل التّعاوني داخل المدرسة وخارجها" (أهداف المرحلة الابتدائيّة).
  • "التّعرّف إلى القدرات والاتّجاهات الفرديّة وتعزيزها...تعريف المتعلّم النّشاطات اليدويّة، وتدريبه على بعضها لتنمية قدراته واستعداداته... وتعزيز ثقته بنفسه باعتباره فردًا مستقلاّ في تفكيره، مُقبلاً على التّعاون والانخراط الاجتماعي، موازنًا بين حرّيته ومسؤوليّته" (أهداف المرحلة المتوسّطة).
  • "إعداد المتعلّم كي يصبح قادرًا على تحديد الصّعوباتوالمشكلات وتحليلها بمنهجيّة علميّة من طريق التّفكير المنهجي والبحث العلمي، والابتكار والإبداع..." (أهداف المرحلة الثّانويّة).

ولم تقتصر هذه التّوجيهات على إشارات متفرّقة بل طلبت الهيكليّة الجديدة وبشكل واضح ما يأتي:
"تطبيق الاستراتيجيّات الحديثة للتّربية والّتي تقوم على تزويد المتعلّم بجملة من القيم والمعارف والمهارات والمواقف ويكون له دور ناشط ومحوري في عمليّة التّعلّم الّتي لا تقتصر على فهم المعلومات أو التّعريفات، بل تمتد إلى مناقشتها وتحليلها وتقييمها بعقل شمولي وبالاعتماد على مفهوم التّكنولوجيا كأسلوب تفكير خاص".
وأضافت الهيكليّة تطلب:
"تربية الرّوح النّقدي عند المتعلّم، وروح المبادرة والإبداع، وتدريبه على طرق البحث العلمي، منفردًا وضمن فريق عمل، تسهيلاً لتكيّفه مع التّطوّر العلمي والتّكنولوجي السّريع".
من خلال هذه المنطلقات والتّوجّهُات المفصّلة نستنتج أبرز مبادئ الطّرائق الحديثة النّاشطة والفعّالة الّتي نصّت عليها مقدّمة التّوجيهات العامّة في طرائق تدريس اللّغة العربيّة وآدابها، وهي ذاتها المبادئ الّتي روعيت في تحديد خطوات الدّروس في فروع اللّغة العربيّة، وذلك بحسب الحلقات والمراحل، والّتي يمكن اختصارها بالآتي:

  • اعتبار المتعلّم محور العمليّة التّربويّة.
  • التّحول من التّعليم التّلقيني إلى التّعليم التّكويني.
  • ربط التّعلّم بأهداف محدّدة.
  • ربط التّعلّم بالحياة.
  • تعزيز المشاركة والحوار.
  • اعتماد مبدأ الإعادة والإضافة للإفادة من رصيد المتعلّم وخبراته السّابقة والانطلاق منها نحو توسّع جديد.
  • التّدرّج من المعلوم إلى المجهول ومن السّهل إلى الصّعب، ومن البسيط إلى المركّب، ومن المحسوس إلى المجرّد...
  • التّركيز على الرّوح النّقدي في التّحليل، وعلى الاستقلاليّة في التّعلّم وفي التّقييم الذّاتي.
  • استخدام الوسائل المعينة، وتوسّل الأنشطة التّربويّة والسّلوكيّة لفهم المادّة وتطبيقها. على أن تتم الأنشطة في الحلقة الأولى من خلال الواقع المحسوس وبالملاحظة والتّجربة والمعالجة اليدويّة للانتقال من المستوى الحسّي إلى المستوى الإدراكي، بينما تتدرّج في المراحل الأخرى إلى التّطبيقات العمليّة والاختبارات.
  • تشجيع العمل الفريقي حافزًا على توزيع الأدوار وتحمّل المسؤوليّات والمشاركة، ومدخلاً إلى الحياة الاجتماعيّة.
  • الاتّجاه إلى النّواحي العمليّة في التّعلّم والتّطبيقات الوظيفيّة وذلك بالتّدرّب على الفهم أي الاستماع والقراءة، وعلى الإفهام أي التّعبير بشكليه الشّفوي والكتابي.
  • إعتماد التّقييم المرحلي تسديدًا للخُطى وتداركًا لمواطن النّقص والخلل.

ومن خلال المقارنة بين الطريقة التّلقينيّة والطّرائق النّاشطة والواردة في الجدول الآتي تظهر الفوارق بشكل واضح بين التّعليم والتّعلّم، ويتبيّن مدى فعاليّة الطّرائق النّاشطة في تنمية قدرات المتعلّم الّذي هو محور العمليّة التّربويّة، وتكوين شخصيّته الفرديّة المبدعة وتكوينه الاجتماعي:

بين التّعليم والتّعلّم

في الطريقة التّلقينية

في الطريقة النّاشطة

1- الأهداف

- الأهداف غير محدّدة بدقّة

- الأهداف محدّدة وتعيّن تصرّفات المتعلّم والنّشاطات التي ينبغي أن يقوم بها.

2- التّعلّم

 

 

 

 

 

 

 

3- المعلّم

 

 

 

4- المتعلّم

 

5- التّقييم

 

 

 

 

6- النّتيجة

- المعرفة تنتقل من جيل راشد إلى جيل ناشىء.

- المعارف لها صفة الدّيمومة والشّمول، وهي واحدة.

- نماء للذّاكرة، وتقبّل للمعارف.

- تغلب الصّفة النّظرية.

- الشّكل إلقائي والوسائل المعينة نادرة.

 

- التّعليم سلطوي وغير قابل للتّعديل.

 

- المعلّم مصدر المعلومات والمعارف.

- المعلّم ملقّن ينقل المعلومات.

- المعلّم يشعر بالأمان.

- السّلطة أبويّة قياديّة.

- المتعلّم متلقّ وسلبيّ.

- المتعلّم بعيد عن محيطه وواقعه.

- التّقييم نهائي ويأتي متأخراً.

 

- التّقييم يعتمد الاختبارات الانتقائيّة لتحديد المكتسبات المحصّلة.

 

- يكتفى بأن يكون ثلث الصّف جيّداً، والثّلث الثّاني في حدود الوسط، والثّلث الّالث راسبّاً.

- المعلّم يحكم بنفسه على نجاح الدّرس أو فشله بطريقة ذاتيّة.

- المعرفة تستمدّ في الحاضر بالتّعلّم.

- المعارف نسبيّة، تتبدّل باستمرار، وهي متنوّعة.

- نماء للملاحظة والقدرات والمهارات والمواقف.

- هناك توازن بين النّظري والعملي مع رجحان كفّة العملي.

- الشّكل تواصليّ يتمّ من خلال نشاطات تعتمد الوسائل المعينة بشكل فعّال.

- التّعلّم ديمقراطي، والتّعديل حاصل كلّما تبيّن ما ينقضه أو ما ينقصه.

- المعلّم منظّم ومنشّط وموجّه.

- يساعد على اكتشاف المعلومات بتهيئة الشّروط المناسبة لها.

- المعلّم دائم التّكيّف.

- السّلطة موزّعة وديمقراطيّة وبخاصّة في أعمال الفرق.

- المتعلّم ناشط، ونشاطه يرتبط بحلّ المشكلات.

- المتعلّم مرتبط بالحياة ومتفاعل مع الواقع.

- التّقييم مباشر ومستمر يتكرّر بعد كلّ حصّة، أو بعد كلّ وحدة تعليميّة.

- التّقييم يعتمد الاختبارات الشّفويّة والخطّية والملاحظة المباشرة، لقياس مدى تحقّق الأهداف المحدّدة وللكشف عن الصّعوبات وتحليلها بهدف تنمية كفايات المتعلّم.

- ينتظر مع إعطاء الوقت الكافي للمتعلّم أن يحقّق كلّ واحد في ذاته الأهداف التّعليميّة المحدّدة.

- أنماط التّقييم الموضوعي تبيّن نتيجة التّعلّم والكفايات المكتسبة وتساعد المعلّم والمتعلّم على تصحيح المسار.

 


ومن حسنات هذه الطّرائق النّاشطة أنّها تنمّي لدى المتعلّم شخصيّته الذّاتيّة والمنتجة والمتوازنة ما بين المعارف والمهارات والمواقف. كما تنمّي القدرة على التمرّس بالمسؤوليّة والحرّية والمشاركة والدّيمقراطيّة والتّعاون وتبادل المعلومات والخبرات. وكذلك التّعوّد على التّركيز والثّقة بالنّفس والتّفوّق على الصّعوبات.

ولكن، دون تطبيقها معوّقات يمكن إيجاد حلول لها وأهمّها: أنّها تستلزم وقتًا طويلاً وتحضيرًا دقيقًا ومعلّمًا قديرًا وإدارة مشجّعة ومتجاوبة. كما تتطلّب وسائل معينة كلفتها المادّية عالية، ومرافق مدرسيّة متعدّدة ومجهّزة تجهيزًا كاملاً، وصفّاً متحرّك المقاعد وخارجًا على نظام الصّمت والسّكوت، ومنهجًا مرنًا.

ومن أجل تطبيق مبادئ هذه الطّرائق، طُلبَ في المناهج أن يتمّ تعليم اللّغة على أنّها وحدة مترابطة ومتكاملة في فروعها. وإذا كان جائزًا استكمال التّدريس، بدءًا من الحلقة الثّانية من التّعليم الأساسي على أساس فروع اللّغة لزيادة العناية بها، فينبغي عدم اعتبار أي فرع قسمًا قائمًا بذاته ومنفصلاً عن غيره.

الصّفات الوظيفيّة في شخصيّة المعلّم

الخصائص الواجب توافرها فيه

1- المعلّم بحاجة إلى المعلومات والخبرات والبعد الثّقافي والمعرفي.

- الإلمام التّام بالمادّة، وتفهّم المنهج، وأغراضه وأهدافه، وكلّ ما يتّصل به.

- الوقوف باستمرار على كلّ تطوّر في ميدان اختصاصه.

- فهم مراحل نموّ الطّفل.

- معرفة طرق البحث واستخدام الوسائل المعينة، والإلمام بالتّكنولوجيا والكومبيوتر.

2- المعلّم يكيّف المنهج ويقوّمه ويبتكر في طرائق التّدريس.

- التّجدّد باستمرار.

- القدرة على الفهم والنّقد والابتكار.

- الإلمام بمختلف طرائق التّدريس والتّقييم والتّدرّب عليها، والقدرة على إختيار ما يناسب مادّته وتلاميذه منها.

3- المعلّم يسهم في إعداد المواطن الصّالح.

- فهم مقوّمات البيئة، ومشكلاتها، وأنماط العيش والسّلوك.

- توجيه التّعليم نحو غايات المنهج وأهدافه.

الدّيمقراطيّة في التّفكير، والإيمان بكرامة الفرد، واحترام الآخر، والحرّية في الرّأي.

- المساواة في المناقشة وتقبّل النّقد البنّاء.

4- المعلّم يعتمد على صحّته وحيويّته.

- الاتّزان في الانفعالات وإظهار بعض الحماسة.

- وضوح الصوّت وسلامة النطق.

- الوقوف والحركة وعدم الملل.

- التّنشيط، ومراقبة الأعمال وتحريك التّلامذة أفرادّاً وفرقّاً.

- التّكيّف وتعديل السّلوك.

 

 

واعتُمد لهذه الغاية نظام الوحدات. كلّ وحدة تتركّز على محور القراءة، وتتكامل بحسب التّدرّج الآتي:

  1. الأهداف التّعلّميّة من معارف ومهارات ومواقف، وتحدّد أوّلاً لتقود عمليّة التّعلّم في خطّها الصّحيح. وهي تتناول ما تتناوله الأهداف المعرفيّة والذّهنيّة، والاجتماعيّة والتّربويّة، والحركيّة السّلوكيّة، واللّغويّة التّعبيريّة...
  2. الوسائل المعينة والأنشطة المرتبطة بها لاستخدامها أوّلاً في التّمهيد للدّرس أو التّشويق، ثمّ ثانيًا في أثناء الدّرس كما في امتداداته اللاّصفّية.
  3. المحادثة التّمهيديّة أو الموطّئة الّتي تستثمر المكتسبات السّابقة سبيلاً إلى الدّخول في الموضوع وطرح الإشكاليّة الّتي تخلق الحافز.
  4. القراءة بنوعيها الصّامتة والجهريّة، وبأشكالها المتعدّدة.
  5. المحادثة التّحليليّة الّتي ترتبط بالنّص في دراسة الأفكار والأسلوب والبنية والمفاصل، وفي التّحليل والتّلخيص والمقارنة والمفاضلة والنّقد والتّقييم ... والّتي تتجاوز النّصّ للحثّ على التّفكير والرّأي الشّخصي والإبداع.
  6. التّطبيقات العمليّة شفويّاً وكتابيّاً من خلال تمارين متنوّعة ومتدرّجِة في التّحليل والتّركيب.
  7. القواعد والإملاء، وتدريسهما في الحلقة الأولى يتمّ حدسيّاً بالمحاكاة من خلال دروس المحادثة والقراءة وتمارين التّعبير. أمّا في الحلقات الأخرى فتنطلق دروس القواعد من النّصّ المقروء وتوظّف في التّعبير وتكون في جميع الأحوال دروسًا وظيفيّة.

وكل هذه التّفاصيل والتّوجّهُات تبقى إشارات يستلهمها المعلّم في أداء مهمّته، ولا تغنيه عن التّجدّد باستمرار. فما هي الصّفات الوظيفيّة في معلّم هذه المناهج الجديدة؟ وما الخصائص الواجب توافرها فيه كي يؤدّي رسالته على أكمل وجه؟ (راجع الجدول في الصفحة السابقة)

ختامًا فإنّنا ننتظر مردودًا وافرًا من عمليّة التفاعل بين اللغات، ما ينعكس إيجاباً على طرائق تدريب المعلّمين وأدوات التّقييم واستخدام الوسائل التكنولوجيّة الحديثة الّتي تسهم في ترسيخ مكتسبات المتعلّم اللّغويّة، وبالتّالي في تنشيط مبادرته الخاصّة حول مهاراته اللّغويّة المطلوبة، وأدائه اللّغويّ وصولاً إلى تنمية الكفايات اللّغويّة الأساسيّة الّتي يحتاج إليها في حياته اليوميّة والتّعلّميّة؛ وذلك وفقًا لنظام التّقييم بالكفايات، وهو نظام جديد في التّدريس، جرى استخدامه في لبنان حديثًا مع بداية تطبيق المناهج الجديدة...


المراجع

  • المركز التّربوي للبحوث والإنماء، الهيكليّة الجديدة للتّعليم في لبنان، دار صادر، بيروت، ١٩٩٥
  • المرسوم رقم 10227/97، تاريخ 8/5/1997، تحديد مناهج التّعليم العام ما قبل الجامعي وأهدافها.
  • المركز التّربوي للبحوث والإنماء، أسس التّقييم ومبادئه، تشرين الأوّل ١٩٩٩

وحدة اللّغات: ترابط وتفاعل

عمر بو عرم رئيس قسم اللّغة العربيّة وآدابها المركز التربوي للبحوث والإنماء

تقوم علوم اللّغة اليوم على التّواصل الأساسي بين الأفراد في سائر المجتمعات، فضلاً عن التّركيز على باقي الوظائف اللّغويّة كالتفكير والتّعبير. وبذلك تتكامل وظائفيّة اللّغة الثّلاثيّة، وأكثر من ذلك، فإنّ اللّغة تؤدّي دورًا جوهريّاً في تجريد المفاهيم والأفكار والمحسوسات، وبالتّالي فإنّها تصبح أكثر من أداة ثقافيّة، حيث تتحوّل إلى مؤسّسة حياتيّة ترتسم على أساسها أنماط التّربية والتّفكير والسّلوك ومختلف الأنشطة الإنسانيّة.
وفقًا لهذا التّصوّر العام، فإنّ تعليم اللّغة يستوجب طرائق خاصّة ووسائل معينة تختلف قليلاً أو كثيرًا عن طرائق تعليم المواد التّعليميّة الأخرى، وذلك من خلال ضرورة اتّباع استراتيجيّات محدّدة في عمليّتي التّعلّم والتّعليم؛ على أساس ارتباط اللّغة أكثر من غيرها بالحياة اليوميّة المعيشة من ناحية، وارتباطها بالخبرة والممارسة والتّطبيق من ناحية أخرى. وذلك من دون أن ننسى وظيفة القواعد المعياريّة الّتي تتشكّل على أساسها منظومة اللّغة المنطقيّة وقواعدها الموضوعيّة

على الرّغم من هذه المفاهيم الأوّليّة والجوهريّة، فإنّ تعليم اللّغة، يلاقي صعوبات وعقبات معيّنة لدى النّاطقين بها، أو لدى من يحاول تعلّمها وإتقانها من أبناء اللّغات العالميّة الأخرى. انطلاقًا من هذا الواقع الدّقيق، كان لا بد من انتهاج طرائق تدريس خاصّة باللّغة، مهما كان نوعها، واليوم قد حصل تقدّم علوم الألسنيّة الوظيفيّة العامّة الّتي تقوم على أسس محدّدة من أهمّها:

المبدأ الأوّل:
الانطلاق من الوحدة المحوريّة، أي تنظيم الموادّ الدّراسيّة ضمن الوحدة اللّغويّة وفقًا لمحاور مفهوميّة أو فكريّة تهمّ المتعلّم وترتبط بحياته العمليّة والدّراسيّة على السّواء. وهذه المحاور تشكّل منطلقات عامّة وأبوابًا كبرى يمكن الولوج من خلالها إلى عمليّة اختيار النّصوص الملائمة الّتي تندرج في إطارها الدّروس اللّغويّة.

المبدأ الثّاني:
الوحدة النّصّية، وهي تقوم على اعتبار النّصّ، وهو الخليّة الأولى الّتي تتشكّل منها المحاور الكبرى، كليانيّةً متكاملة، أيّ أنّه كلُّ متكامل بذاته، بوصفه كيانًا لغويًّا تتفاعل وتتداخل سائر المكوّنات الألسنيّة في نسيج النّصّ، كالألفاظ والعبارات والفقرات، وما يوجد فيها من أدوات الرّبط المنطقيّة، والقواعد الوظيفيّة، والبلاغة الوظيفيّة أيضًا... وذلك ضمن استخدام الأساليب الخاصّة والأنماط الملائمة للوصول إلى استكشاف غاية الكاتب من مرسلته النّصّية... وبالتّالي يُترك المجال واسعًا أمام المتعلّم للتّحليل والتّقييم وإبداء الرّأي الشّخصي... وذلك وفقًا لعمليّة تتألّف من ثلاث مراحل:

  • المحاكاة.
  • التّحليل.
  • الإبداع الشّخصي.

المبدأ الثّالث:
وحدة فروع اللّغة: إنّ ما سبق ذكره حول الوحدتين السّابقتين يجد صدًى له في وحدة فروع اللّغة أي تعليمها مختلف الموادّ اللّغويّة الثّانويّة، في إطار شبكة نصّيّة متماسكة، بحيث يمكن الانطلاق من النّصّ في دروس القراءة والقواعد والمحفوظات والتّعبير الشّفوي والكتابي وسوى ذلك من دروس لغويّة... إنّ فائدة هذه الطّريقة تكمن في الطّريقة الطبيعيّة والعفويّة والمنهجيّة الّتي تتم على أساس المعاطاة مع سائر الفروع اللّغويّة، بحيث لا يجد المتعلم نفسه غريبًا عن جوّ الدّراسة اللّغويّة المطلوبة...

المبدأ الرّابع:
أمّا المبدأ الرّابع الّذي تقوم عليه المنهجيّة اللّغويّة فيفترض عمليّاً استخدام مصطلحات ومفاهيم وأدوات ألسنيّة ومنهجيّة خاصّة بعلوم الألسنيّة، وذلك لتسهيل دراسة النّصّ وتحليله، من أجل مساعدة المتعلّم على تكوين أدوات علميّة وعمليّة واضحة وبسيطة لاستيعاب المادّة المعرفيّة اللّغويّة إضافة إلى تكوين ثروته اللّغويّة والتّقنيّة اللاّزمة في الدّراسة... وبذلك تصبح دراسة اللّغة دراسة علميّة وموضوعيّة وذات أصول منهجيّة كدراسة سائر الموادّ المدرسيّة الأخرى.

المبدأ الخامس:
وهو مبدأ التّدرّج والتّسلسل في تدريس اللّغة؛ ومن هنا تقسيم برنامج اللّغة إلى مراحل وحلقات وسنوات، يبدأ المتعلم معها، بصورة تدريجيّة ومبسّطة وبحسب عمره في تكوين شخصيّته اللّغويّة، بالاعتماد على مجهوده الذّاتي، بعيدًا عن التّلقين والإسقاط الخارجي؛ أي أن يكون هذا التّقسيم المنهجي المتّبع ملائمًا لسنّه وحاجاته ومتطلّبات بيئته؛ حتّى يصل إلى استكمال مكتسباته اللّغويّة الّتي لا يمكن الفصل بين مكوّناتها في النّهاية.

المبدأ السّادس:
وحدة مبادئ الألسنيّة العامّة وأسسها وأهدافها الّتي يمكن تطبيقها، لا بل يجب مراعاتها في سائر اللّغات، على أساس الوظائف العامّة للّغات جميعًا... ومن هنا التقاء الفرنكوفونيّة أو الأنكلوفونيّة والعربفونيّة وغيرها من لغات العالم على قواسم مشتركة في طرائق التّدريس والتّحليل والبحث... وعلى هذا الأساس يمكن تبادل الخبرات وتقاسمها والتّماثل في ما بينها سواء في تحديد الأهداف العامّة والأهداف الخاصّة واستراتيجيّات التّعليم وطرائق التّقييم تحديدًا مشتركًا وقوي التّرابط والتّشابه بين مختلف اللّغات... وذلك بالحفاظ طبعًا، على خصوصيّة كلّ لغة، من ناحية تركيبها الصّرفي والنحويّ والدّلاليّ...
إنّ تلك المبادئ المذكورة يمكن اعتبارها ميدان ترابط وثيق وتفاعل خلاّق بين سائر اللّغات، بحيث يتمّ تكوين منهجيّة عامّة مشتركة في ما بينها، وخصوصًا في الإفادة ممّا حصل من تقدّم على صعيد علوم الألسنيّة الحديثة والّتي لم يكن العرب في تراثهم الماضي والحاضر بعيدين عن المساهمة في تأصيلها في ما يُسمّى عندهم "فقه اللّغة"...
ولقد ورد في المقدّمة العامّة لطرائق تدريس اللّغة العربيّة وآدابها ما يلي: ليست طريقة التّدريس واحدة. فالطّرائق الحديثة عديدة ومتنوّعة، يُراعى في اختيارها وتطبيقها الفروقات القائمة بين المتعلّمين، ومواد التّدريس، ومراحل التّعليم، فيُكيّفِ المعلّم طريقته بما يلائم هذه الفروقات. "وقد ذكرت هذه الفروقات على سبيل المثال لا الحصر، تمهيدًا لتبرير الاختيار، الّذي تحدّد كالآتي: مهما تكن الطريقة المعتمدة، فالمهم قيامها على أسس حديثة ناشطة وفعّالة".
فأين نجد منطلقات هذا الاختيار للطرائق الحديثة النّاشطة والفعّالة؟ وما هي أبرز مبادئها؟
لو رجعنا إلى الهيكليّة الجديدة، وإلى المرسوم رقم 10227/97 القاضي بتحديد مناهج التّعليم العام، لوجدنا في غايات المناهج وأهدافها العامّة، وفي وظائف المراحل وأهدافها، توجيهات محدّدة حول الطرائق، ومنها على سبيل المثال:

  • "تُراعى في تكوين شخصيّة الفرد القدرة على تحقيق الذّات وتحمّل المسؤوليّة والالتزام الأخلاقي..." (الأهداف العامّة).
  • "اكساب الطّفل مهارات الاتّصال اللّغويّ الأساسيّة... وتعزيز ثقة الطّفل بنفسه، واستقلاليّته، وممارسة السّلوك المتمدّن والعمل التّعاوني داخل المدرسة وخارجها" (أهداف المرحلة الابتدائيّة).
  • "التّعرّف إلى القدرات والاتّجاهات الفرديّة وتعزيزها...تعريف المتعلّم النّشاطات اليدويّة، وتدريبه على بعضها لتنمية قدراته واستعداداته... وتعزيز ثقته بنفسه باعتباره فردًا مستقلاّ في تفكيره، مُقبلاً على التّعاون والانخراط الاجتماعي، موازنًا بين حرّيته ومسؤوليّته" (أهداف المرحلة المتوسّطة).
  • "إعداد المتعلّم كي يصبح قادرًا على تحديد الصّعوباتوالمشكلات وتحليلها بمنهجيّة علميّة من طريق التّفكير المنهجي والبحث العلمي، والابتكار والإبداع..." (أهداف المرحلة الثّانويّة).

ولم تقتصر هذه التّوجيهات على إشارات متفرّقة بل طلبت الهيكليّة الجديدة وبشكل واضح ما يأتي:
"تطبيق الاستراتيجيّات الحديثة للتّربية والّتي تقوم على تزويد المتعلّم بجملة من القيم والمعارف والمهارات والمواقف ويكون له دور ناشط ومحوري في عمليّة التّعلّم الّتي لا تقتصر على فهم المعلومات أو التّعريفات، بل تمتد إلى مناقشتها وتحليلها وتقييمها بعقل شمولي وبالاعتماد على مفهوم التّكنولوجيا كأسلوب تفكير خاص".
وأضافت الهيكليّة تطلب:
"تربية الرّوح النّقدي عند المتعلّم، وروح المبادرة والإبداع، وتدريبه على طرق البحث العلمي، منفردًا وضمن فريق عمل، تسهيلاً لتكيّفه مع التّطوّر العلمي والتّكنولوجي السّريع".
من خلال هذه المنطلقات والتّوجّهُات المفصّلة نستنتج أبرز مبادئ الطّرائق الحديثة النّاشطة والفعّالة الّتي نصّت عليها مقدّمة التّوجيهات العامّة في طرائق تدريس اللّغة العربيّة وآدابها، وهي ذاتها المبادئ الّتي روعيت في تحديد خطوات الدّروس في فروع اللّغة العربيّة، وذلك بحسب الحلقات والمراحل، والّتي يمكن اختصارها بالآتي:

  • اعتبار المتعلّم محور العمليّة التّربويّة.
  • التّحول من التّعليم التّلقيني إلى التّعليم التّكويني.
  • ربط التّعلّم بأهداف محدّدة.
  • ربط التّعلّم بالحياة.
  • تعزيز المشاركة والحوار.
  • اعتماد مبدأ الإعادة والإضافة للإفادة من رصيد المتعلّم وخبراته السّابقة والانطلاق منها نحو توسّع جديد.
  • التّدرّج من المعلوم إلى المجهول ومن السّهل إلى الصّعب، ومن البسيط إلى المركّب، ومن المحسوس إلى المجرّد...
  • التّركيز على الرّوح النّقدي في التّحليل، وعلى الاستقلاليّة في التّعلّم وفي التّقييم الذّاتي.
  • استخدام الوسائل المعينة، وتوسّل الأنشطة التّربويّة والسّلوكيّة لفهم المادّة وتطبيقها. على أن تتم الأنشطة في الحلقة الأولى من خلال الواقع المحسوس وبالملاحظة والتّجربة والمعالجة اليدويّة للانتقال من المستوى الحسّي إلى المستوى الإدراكي، بينما تتدرّج في المراحل الأخرى إلى التّطبيقات العمليّة والاختبارات.
  • تشجيع العمل الفريقي حافزًا على توزيع الأدوار وتحمّل المسؤوليّات والمشاركة، ومدخلاً إلى الحياة الاجتماعيّة.
  • الاتّجاه إلى النّواحي العمليّة في التّعلّم والتّطبيقات الوظيفيّة وذلك بالتّدرّب على الفهم أي الاستماع والقراءة، وعلى الإفهام أي التّعبير بشكليه الشّفوي والكتابي.
  • إعتماد التّقييم المرحلي تسديدًا للخُطى وتداركًا لمواطن النّقص والخلل.

ومن خلال المقارنة بين الطريقة التّلقينيّة والطّرائق النّاشطة والواردة في الجدول الآتي تظهر الفوارق بشكل واضح بين التّعليم والتّعلّم، ويتبيّن مدى فعاليّة الطّرائق النّاشطة في تنمية قدرات المتعلّم الّذي هو محور العمليّة التّربويّة، وتكوين شخصيّته الفرديّة المبدعة وتكوينه الاجتماعي:

بين التّعليم والتّعلّم

في الطريقة التّلقينية

في الطريقة النّاشطة

1- الأهداف

- الأهداف غير محدّدة بدقّة

- الأهداف محدّدة وتعيّن تصرّفات المتعلّم والنّشاطات التي ينبغي أن يقوم بها.

2- التّعلّم

 

 

 

 

 

 

 

3- المعلّم

 

 

 

4- المتعلّم

 

5- التّقييم

 

 

 

 

6- النّتيجة

- المعرفة تنتقل من جيل راشد إلى جيل ناشىء.

- المعارف لها صفة الدّيمومة والشّمول، وهي واحدة.

- نماء للذّاكرة، وتقبّل للمعارف.

- تغلب الصّفة النّظرية.

- الشّكل إلقائي والوسائل المعينة نادرة.

 

- التّعليم سلطوي وغير قابل للتّعديل.

 

- المعلّم مصدر المعلومات والمعارف.

- المعلّم ملقّن ينقل المعلومات.

- المعلّم يشعر بالأمان.

- السّلطة أبويّة قياديّة.

- المتعلّم متلقّ وسلبيّ.

- المتعلّم بعيد عن محيطه وواقعه.

- التّقييم نهائي ويأتي متأخراً.

 

- التّقييم يعتمد الاختبارات الانتقائيّة لتحديد المكتسبات المحصّلة.

 

- يكتفى بأن يكون ثلث الصّف جيّداً، والثّلث الثّاني في حدود الوسط، والثّلث الّالث راسبّاً.

- المعلّم يحكم بنفسه على نجاح الدّرس أو فشله بطريقة ذاتيّة.

- المعرفة تستمدّ في الحاضر بالتّعلّم.

- المعارف نسبيّة، تتبدّل باستمرار، وهي متنوّعة.

- نماء للملاحظة والقدرات والمهارات والمواقف.

- هناك توازن بين النّظري والعملي مع رجحان كفّة العملي.

- الشّكل تواصليّ يتمّ من خلال نشاطات تعتمد الوسائل المعينة بشكل فعّال.

- التّعلّم ديمقراطي، والتّعديل حاصل كلّما تبيّن ما ينقضه أو ما ينقصه.

- المعلّم منظّم ومنشّط وموجّه.

- يساعد على اكتشاف المعلومات بتهيئة الشّروط المناسبة لها.

- المعلّم دائم التّكيّف.

- السّلطة موزّعة وديمقراطيّة وبخاصّة في أعمال الفرق.

- المتعلّم ناشط، ونشاطه يرتبط بحلّ المشكلات.

- المتعلّم مرتبط بالحياة ومتفاعل مع الواقع.

- التّقييم مباشر ومستمر يتكرّر بعد كلّ حصّة، أو بعد كلّ وحدة تعليميّة.

- التّقييم يعتمد الاختبارات الشّفويّة والخطّية والملاحظة المباشرة، لقياس مدى تحقّق الأهداف المحدّدة وللكشف عن الصّعوبات وتحليلها بهدف تنمية كفايات المتعلّم.

- ينتظر مع إعطاء الوقت الكافي للمتعلّم أن يحقّق كلّ واحد في ذاته الأهداف التّعليميّة المحدّدة.

- أنماط التّقييم الموضوعي تبيّن نتيجة التّعلّم والكفايات المكتسبة وتساعد المعلّم والمتعلّم على تصحيح المسار.

 


ومن حسنات هذه الطّرائق النّاشطة أنّها تنمّي لدى المتعلّم شخصيّته الذّاتيّة والمنتجة والمتوازنة ما بين المعارف والمهارات والمواقف. كما تنمّي القدرة على التمرّس بالمسؤوليّة والحرّية والمشاركة والدّيمقراطيّة والتّعاون وتبادل المعلومات والخبرات. وكذلك التّعوّد على التّركيز والثّقة بالنّفس والتّفوّق على الصّعوبات.

ولكن، دون تطبيقها معوّقات يمكن إيجاد حلول لها وأهمّها: أنّها تستلزم وقتًا طويلاً وتحضيرًا دقيقًا ومعلّمًا قديرًا وإدارة مشجّعة ومتجاوبة. كما تتطلّب وسائل معينة كلفتها المادّية عالية، ومرافق مدرسيّة متعدّدة ومجهّزة تجهيزًا كاملاً، وصفّاً متحرّك المقاعد وخارجًا على نظام الصّمت والسّكوت، ومنهجًا مرنًا.

ومن أجل تطبيق مبادئ هذه الطّرائق، طُلبَ في المناهج أن يتمّ تعليم اللّغة على أنّها وحدة مترابطة ومتكاملة في فروعها. وإذا كان جائزًا استكمال التّدريس، بدءًا من الحلقة الثّانية من التّعليم الأساسي على أساس فروع اللّغة لزيادة العناية بها، فينبغي عدم اعتبار أي فرع قسمًا قائمًا بذاته ومنفصلاً عن غيره.

الصّفات الوظيفيّة في شخصيّة المعلّم

الخصائص الواجب توافرها فيه

1- المعلّم بحاجة إلى المعلومات والخبرات والبعد الثّقافي والمعرفي.

- الإلمام التّام بالمادّة، وتفهّم المنهج، وأغراضه وأهدافه، وكلّ ما يتّصل به.

- الوقوف باستمرار على كلّ تطوّر في ميدان اختصاصه.

- فهم مراحل نموّ الطّفل.

- معرفة طرق البحث واستخدام الوسائل المعينة، والإلمام بالتّكنولوجيا والكومبيوتر.

2- المعلّم يكيّف المنهج ويقوّمه ويبتكر في طرائق التّدريس.

- التّجدّد باستمرار.

- القدرة على الفهم والنّقد والابتكار.

- الإلمام بمختلف طرائق التّدريس والتّقييم والتّدرّب عليها، والقدرة على إختيار ما يناسب مادّته وتلاميذه منها.

3- المعلّم يسهم في إعداد المواطن الصّالح.

- فهم مقوّمات البيئة، ومشكلاتها، وأنماط العيش والسّلوك.

- توجيه التّعليم نحو غايات المنهج وأهدافه.

الدّيمقراطيّة في التّفكير، والإيمان بكرامة الفرد، واحترام الآخر، والحرّية في الرّأي.

- المساواة في المناقشة وتقبّل النّقد البنّاء.

4- المعلّم يعتمد على صحّته وحيويّته.

- الاتّزان في الانفعالات وإظهار بعض الحماسة.

- وضوح الصوّت وسلامة النطق.

- الوقوف والحركة وعدم الملل.

- التّنشيط، ومراقبة الأعمال وتحريك التّلامذة أفرادّاً وفرقّاً.

- التّكيّف وتعديل السّلوك.

 

 

واعتُمد لهذه الغاية نظام الوحدات. كلّ وحدة تتركّز على محور القراءة، وتتكامل بحسب التّدرّج الآتي:

  1. الأهداف التّعلّميّة من معارف ومهارات ومواقف، وتحدّد أوّلاً لتقود عمليّة التّعلّم في خطّها الصّحيح. وهي تتناول ما تتناوله الأهداف المعرفيّة والذّهنيّة، والاجتماعيّة والتّربويّة، والحركيّة السّلوكيّة، واللّغويّة التّعبيريّة...
  2. الوسائل المعينة والأنشطة المرتبطة بها لاستخدامها أوّلاً في التّمهيد للدّرس أو التّشويق، ثمّ ثانيًا في أثناء الدّرس كما في امتداداته اللاّصفّية.
  3. المحادثة التّمهيديّة أو الموطّئة الّتي تستثمر المكتسبات السّابقة سبيلاً إلى الدّخول في الموضوع وطرح الإشكاليّة الّتي تخلق الحافز.
  4. القراءة بنوعيها الصّامتة والجهريّة، وبأشكالها المتعدّدة.
  5. المحادثة التّحليليّة الّتي ترتبط بالنّص في دراسة الأفكار والأسلوب والبنية والمفاصل، وفي التّحليل والتّلخيص والمقارنة والمفاضلة والنّقد والتّقييم ... والّتي تتجاوز النّصّ للحثّ على التّفكير والرّأي الشّخصي والإبداع.
  6. التّطبيقات العمليّة شفويّاً وكتابيّاً من خلال تمارين متنوّعة ومتدرّجِة في التّحليل والتّركيب.
  7. القواعد والإملاء، وتدريسهما في الحلقة الأولى يتمّ حدسيّاً بالمحاكاة من خلال دروس المحادثة والقراءة وتمارين التّعبير. أمّا في الحلقات الأخرى فتنطلق دروس القواعد من النّصّ المقروء وتوظّف في التّعبير وتكون في جميع الأحوال دروسًا وظيفيّة.

وكل هذه التّفاصيل والتّوجّهُات تبقى إشارات يستلهمها المعلّم في أداء مهمّته، ولا تغنيه عن التّجدّد باستمرار. فما هي الصّفات الوظيفيّة في معلّم هذه المناهج الجديدة؟ وما الخصائص الواجب توافرها فيه كي يؤدّي رسالته على أكمل وجه؟ (راجع الجدول في الصفحة السابقة)

ختامًا فإنّنا ننتظر مردودًا وافرًا من عمليّة التفاعل بين اللغات، ما ينعكس إيجاباً على طرائق تدريب المعلّمين وأدوات التّقييم واستخدام الوسائل التكنولوجيّة الحديثة الّتي تسهم في ترسيخ مكتسبات المتعلّم اللّغويّة، وبالتّالي في تنشيط مبادرته الخاصّة حول مهاراته اللّغويّة المطلوبة، وأدائه اللّغويّ وصولاً إلى تنمية الكفايات اللّغويّة الأساسيّة الّتي يحتاج إليها في حياته اليوميّة والتّعلّميّة؛ وذلك وفقًا لنظام التّقييم بالكفايات، وهو نظام جديد في التّدريس، جرى استخدامه في لبنان حديثًا مع بداية تطبيق المناهج الجديدة...


المراجع

  • المركز التّربوي للبحوث والإنماء، الهيكليّة الجديدة للتّعليم في لبنان، دار صادر، بيروت، ١٩٩٥
  • المرسوم رقم 10227/97، تاريخ 8/5/1997، تحديد مناهج التّعليم العام ما قبل الجامعي وأهدافها.
  • المركز التّربوي للبحوث والإنماء، أسس التّقييم ومبادئه، تشرين الأوّل ١٩٩٩

وحدة اللّغات: ترابط وتفاعل

عمر بو عرم رئيس قسم اللّغة العربيّة وآدابها المركز التربوي للبحوث والإنماء

تقوم علوم اللّغة اليوم على التّواصل الأساسي بين الأفراد في سائر المجتمعات، فضلاً عن التّركيز على باقي الوظائف اللّغويّة كالتفكير والتّعبير. وبذلك تتكامل وظائفيّة اللّغة الثّلاثيّة، وأكثر من ذلك، فإنّ اللّغة تؤدّي دورًا جوهريّاً في تجريد المفاهيم والأفكار والمحسوسات، وبالتّالي فإنّها تصبح أكثر من أداة ثقافيّة، حيث تتحوّل إلى مؤسّسة حياتيّة ترتسم على أساسها أنماط التّربية والتّفكير والسّلوك ومختلف الأنشطة الإنسانيّة.
وفقًا لهذا التّصوّر العام، فإنّ تعليم اللّغة يستوجب طرائق خاصّة ووسائل معينة تختلف قليلاً أو كثيرًا عن طرائق تعليم المواد التّعليميّة الأخرى، وذلك من خلال ضرورة اتّباع استراتيجيّات محدّدة في عمليّتي التّعلّم والتّعليم؛ على أساس ارتباط اللّغة أكثر من غيرها بالحياة اليوميّة المعيشة من ناحية، وارتباطها بالخبرة والممارسة والتّطبيق من ناحية أخرى. وذلك من دون أن ننسى وظيفة القواعد المعياريّة الّتي تتشكّل على أساسها منظومة اللّغة المنطقيّة وقواعدها الموضوعيّة

على الرّغم من هذه المفاهيم الأوّليّة والجوهريّة، فإنّ تعليم اللّغة، يلاقي صعوبات وعقبات معيّنة لدى النّاطقين بها، أو لدى من يحاول تعلّمها وإتقانها من أبناء اللّغات العالميّة الأخرى. انطلاقًا من هذا الواقع الدّقيق، كان لا بد من انتهاج طرائق تدريس خاصّة باللّغة، مهما كان نوعها، واليوم قد حصل تقدّم علوم الألسنيّة الوظيفيّة العامّة الّتي تقوم على أسس محدّدة من أهمّها:

المبدأ الأوّل:
الانطلاق من الوحدة المحوريّة، أي تنظيم الموادّ الدّراسيّة ضمن الوحدة اللّغويّة وفقًا لمحاور مفهوميّة أو فكريّة تهمّ المتعلّم وترتبط بحياته العمليّة والدّراسيّة على السّواء. وهذه المحاور تشكّل منطلقات عامّة وأبوابًا كبرى يمكن الولوج من خلالها إلى عمليّة اختيار النّصوص الملائمة الّتي تندرج في إطارها الدّروس اللّغويّة.

المبدأ الثّاني:
الوحدة النّصّية، وهي تقوم على اعتبار النّصّ، وهو الخليّة الأولى الّتي تتشكّل منها المحاور الكبرى، كليانيّةً متكاملة، أيّ أنّه كلُّ متكامل بذاته، بوصفه كيانًا لغويًّا تتفاعل وتتداخل سائر المكوّنات الألسنيّة في نسيج النّصّ، كالألفاظ والعبارات والفقرات، وما يوجد فيها من أدوات الرّبط المنطقيّة، والقواعد الوظيفيّة، والبلاغة الوظيفيّة أيضًا... وذلك ضمن استخدام الأساليب الخاصّة والأنماط الملائمة للوصول إلى استكشاف غاية الكاتب من مرسلته النّصّية... وبالتّالي يُترك المجال واسعًا أمام المتعلّم للتّحليل والتّقييم وإبداء الرّأي الشّخصي... وذلك وفقًا لعمليّة تتألّف من ثلاث مراحل:

  • المحاكاة.
  • التّحليل.
  • الإبداع الشّخصي.

المبدأ الثّالث:
وحدة فروع اللّغة: إنّ ما سبق ذكره حول الوحدتين السّابقتين يجد صدًى له في وحدة فروع اللّغة أي تعليمها مختلف الموادّ اللّغويّة الثّانويّة، في إطار شبكة نصّيّة متماسكة، بحيث يمكن الانطلاق من النّصّ في دروس القراءة والقواعد والمحفوظات والتّعبير الشّفوي والكتابي وسوى ذلك من دروس لغويّة... إنّ فائدة هذه الطّريقة تكمن في الطّريقة الطبيعيّة والعفويّة والمنهجيّة الّتي تتم على أساس المعاطاة مع سائر الفروع اللّغويّة، بحيث لا يجد المتعلم نفسه غريبًا عن جوّ الدّراسة اللّغويّة المطلوبة...

المبدأ الرّابع:
أمّا المبدأ الرّابع الّذي تقوم عليه المنهجيّة اللّغويّة فيفترض عمليّاً استخدام مصطلحات ومفاهيم وأدوات ألسنيّة ومنهجيّة خاصّة بعلوم الألسنيّة، وذلك لتسهيل دراسة النّصّ وتحليله، من أجل مساعدة المتعلّم على تكوين أدوات علميّة وعمليّة واضحة وبسيطة لاستيعاب المادّة المعرفيّة اللّغويّة إضافة إلى تكوين ثروته اللّغويّة والتّقنيّة اللاّزمة في الدّراسة... وبذلك تصبح دراسة اللّغة دراسة علميّة وموضوعيّة وذات أصول منهجيّة كدراسة سائر الموادّ المدرسيّة الأخرى.

المبدأ الخامس:
وهو مبدأ التّدرّج والتّسلسل في تدريس اللّغة؛ ومن هنا تقسيم برنامج اللّغة إلى مراحل وحلقات وسنوات، يبدأ المتعلم معها، بصورة تدريجيّة ومبسّطة وبحسب عمره في تكوين شخصيّته اللّغويّة، بالاعتماد على مجهوده الذّاتي، بعيدًا عن التّلقين والإسقاط الخارجي؛ أي أن يكون هذا التّقسيم المنهجي المتّبع ملائمًا لسنّه وحاجاته ومتطلّبات بيئته؛ حتّى يصل إلى استكمال مكتسباته اللّغويّة الّتي لا يمكن الفصل بين مكوّناتها في النّهاية.

المبدأ السّادس:
وحدة مبادئ الألسنيّة العامّة وأسسها وأهدافها الّتي يمكن تطبيقها، لا بل يجب مراعاتها في سائر اللّغات، على أساس الوظائف العامّة للّغات جميعًا... ومن هنا التقاء الفرنكوفونيّة أو الأنكلوفونيّة والعربفونيّة وغيرها من لغات العالم على قواسم مشتركة في طرائق التّدريس والتّحليل والبحث... وعلى هذا الأساس يمكن تبادل الخبرات وتقاسمها والتّماثل في ما بينها سواء في تحديد الأهداف العامّة والأهداف الخاصّة واستراتيجيّات التّعليم وطرائق التّقييم تحديدًا مشتركًا وقوي التّرابط والتّشابه بين مختلف اللّغات... وذلك بالحفاظ طبعًا، على خصوصيّة كلّ لغة، من ناحية تركيبها الصّرفي والنحويّ والدّلاليّ...
إنّ تلك المبادئ المذكورة يمكن اعتبارها ميدان ترابط وثيق وتفاعل خلاّق بين سائر اللّغات، بحيث يتمّ تكوين منهجيّة عامّة مشتركة في ما بينها، وخصوصًا في الإفادة ممّا حصل من تقدّم على صعيد علوم الألسنيّة الحديثة والّتي لم يكن العرب في تراثهم الماضي والحاضر بعيدين عن المساهمة في تأصيلها في ما يُسمّى عندهم "فقه اللّغة"...
ولقد ورد في المقدّمة العامّة لطرائق تدريس اللّغة العربيّة وآدابها ما يلي: ليست طريقة التّدريس واحدة. فالطّرائق الحديثة عديدة ومتنوّعة، يُراعى في اختيارها وتطبيقها الفروقات القائمة بين المتعلّمين، ومواد التّدريس، ومراحل التّعليم، فيُكيّفِ المعلّم طريقته بما يلائم هذه الفروقات. "وقد ذكرت هذه الفروقات على سبيل المثال لا الحصر، تمهيدًا لتبرير الاختيار، الّذي تحدّد كالآتي: مهما تكن الطريقة المعتمدة، فالمهم قيامها على أسس حديثة ناشطة وفعّالة".
فأين نجد منطلقات هذا الاختيار للطرائق الحديثة النّاشطة والفعّالة؟ وما هي أبرز مبادئها؟
لو رجعنا إلى الهيكليّة الجديدة، وإلى المرسوم رقم 10227/97 القاضي بتحديد مناهج التّعليم العام، لوجدنا في غايات المناهج وأهدافها العامّة، وفي وظائف المراحل وأهدافها، توجيهات محدّدة حول الطرائق، ومنها على سبيل المثال:

  • "تُراعى في تكوين شخصيّة الفرد القدرة على تحقيق الذّات وتحمّل المسؤوليّة والالتزام الأخلاقي..." (الأهداف العامّة).
  • "اكساب الطّفل مهارات الاتّصال اللّغويّ الأساسيّة... وتعزيز ثقة الطّفل بنفسه، واستقلاليّته، وممارسة السّلوك المتمدّن والعمل التّعاوني داخل المدرسة وخارجها" (أهداف المرحلة الابتدائيّة).
  • "التّعرّف إلى القدرات والاتّجاهات الفرديّة وتعزيزها...تعريف المتعلّم النّشاطات اليدويّة، وتدريبه على بعضها لتنمية قدراته واستعداداته... وتعزيز ثقته بنفسه باعتباره فردًا مستقلاّ في تفكيره، مُقبلاً على التّعاون والانخراط الاجتماعي، موازنًا بين حرّيته ومسؤوليّته" (أهداف المرحلة المتوسّطة).
  • "إعداد المتعلّم كي يصبح قادرًا على تحديد الصّعوباتوالمشكلات وتحليلها بمنهجيّة علميّة من طريق التّفكير المنهجي والبحث العلمي، والابتكار والإبداع..." (أهداف المرحلة الثّانويّة).

ولم تقتصر هذه التّوجيهات على إشارات متفرّقة بل طلبت الهيكليّة الجديدة وبشكل واضح ما يأتي:
"تطبيق الاستراتيجيّات الحديثة للتّربية والّتي تقوم على تزويد المتعلّم بجملة من القيم والمعارف والمهارات والمواقف ويكون له دور ناشط ومحوري في عمليّة التّعلّم الّتي لا تقتصر على فهم المعلومات أو التّعريفات، بل تمتد إلى مناقشتها وتحليلها وتقييمها بعقل شمولي وبالاعتماد على مفهوم التّكنولوجيا كأسلوب تفكير خاص".
وأضافت الهيكليّة تطلب:
"تربية الرّوح النّقدي عند المتعلّم، وروح المبادرة والإبداع، وتدريبه على طرق البحث العلمي، منفردًا وضمن فريق عمل، تسهيلاً لتكيّفه مع التّطوّر العلمي والتّكنولوجي السّريع".
من خلال هذه المنطلقات والتّوجّهُات المفصّلة نستنتج أبرز مبادئ الطّرائق الحديثة النّاشطة والفعّالة الّتي نصّت عليها مقدّمة التّوجيهات العامّة في طرائق تدريس اللّغة العربيّة وآدابها، وهي ذاتها المبادئ الّتي روعيت في تحديد خطوات الدّروس في فروع اللّغة العربيّة، وذلك بحسب الحلقات والمراحل، والّتي يمكن اختصارها بالآتي:

  • اعتبار المتعلّم محور العمليّة التّربويّة.
  • التّحول من التّعليم التّلقيني إلى التّعليم التّكويني.
  • ربط التّعلّم بأهداف محدّدة.
  • ربط التّعلّم بالحياة.
  • تعزيز المشاركة والحوار.
  • اعتماد مبدأ الإعادة والإضافة للإفادة من رصيد المتعلّم وخبراته السّابقة والانطلاق منها نحو توسّع جديد.
  • التّدرّج من المعلوم إلى المجهول ومن السّهل إلى الصّعب، ومن البسيط إلى المركّب، ومن المحسوس إلى المجرّد...
  • التّركيز على الرّوح النّقدي في التّحليل، وعلى الاستقلاليّة في التّعلّم وفي التّقييم الذّاتي.
  • استخدام الوسائل المعينة، وتوسّل الأنشطة التّربويّة والسّلوكيّة لفهم المادّة وتطبيقها. على أن تتم الأنشطة في الحلقة الأولى من خلال الواقع المحسوس وبالملاحظة والتّجربة والمعالجة اليدويّة للانتقال من المستوى الحسّي إلى المستوى الإدراكي، بينما تتدرّج في المراحل الأخرى إلى التّطبيقات العمليّة والاختبارات.
  • تشجيع العمل الفريقي حافزًا على توزيع الأدوار وتحمّل المسؤوليّات والمشاركة، ومدخلاً إلى الحياة الاجتماعيّة.
  • الاتّجاه إلى النّواحي العمليّة في التّعلّم والتّطبيقات الوظيفيّة وذلك بالتّدرّب على الفهم أي الاستماع والقراءة، وعلى الإفهام أي التّعبير بشكليه الشّفوي والكتابي.
  • إعتماد التّقييم المرحلي تسديدًا للخُطى وتداركًا لمواطن النّقص والخلل.

ومن خلال المقارنة بين الطريقة التّلقينيّة والطّرائق النّاشطة والواردة في الجدول الآتي تظهر الفوارق بشكل واضح بين التّعليم والتّعلّم، ويتبيّن مدى فعاليّة الطّرائق النّاشطة في تنمية قدرات المتعلّم الّذي هو محور العمليّة التّربويّة، وتكوين شخصيّته الفرديّة المبدعة وتكوينه الاجتماعي:

بين التّعليم والتّعلّم

في الطريقة التّلقينية

في الطريقة النّاشطة

1- الأهداف

- الأهداف غير محدّدة بدقّة

- الأهداف محدّدة وتعيّن تصرّفات المتعلّم والنّشاطات التي ينبغي أن يقوم بها.

2- التّعلّم

 

 

 

 

 

 

 

3- المعلّم

 

 

 

4- المتعلّم

 

5- التّقييم

 

 

 

 

6- النّتيجة

- المعرفة تنتقل من جيل راشد إلى جيل ناشىء.

- المعارف لها صفة الدّيمومة والشّمول، وهي واحدة.

- نماء للذّاكرة، وتقبّل للمعارف.

- تغلب الصّفة النّظرية.

- الشّكل إلقائي والوسائل المعينة نادرة.

 

- التّعليم سلطوي وغير قابل للتّعديل.

 

- المعلّم مصدر المعلومات والمعارف.

- المعلّم ملقّن ينقل المعلومات.

- المعلّم يشعر بالأمان.

- السّلطة أبويّة قياديّة.

- المتعلّم متلقّ وسلبيّ.

- المتعلّم بعيد عن محيطه وواقعه.

- التّقييم نهائي ويأتي متأخراً.

 

- التّقييم يعتمد الاختبارات الانتقائيّة لتحديد المكتسبات المحصّلة.

 

- يكتفى بأن يكون ثلث الصّف جيّداً، والثّلث الثّاني في حدود الوسط، والثّلث الّالث راسبّاً.

- المعلّم يحكم بنفسه على نجاح الدّرس أو فشله بطريقة ذاتيّة.

- المعرفة تستمدّ في الحاضر بالتّعلّم.

- المعارف نسبيّة، تتبدّل باستمرار، وهي متنوّعة.

- نماء للملاحظة والقدرات والمهارات والمواقف.

- هناك توازن بين النّظري والعملي مع رجحان كفّة العملي.

- الشّكل تواصليّ يتمّ من خلال نشاطات تعتمد الوسائل المعينة بشكل فعّال.

- التّعلّم ديمقراطي، والتّعديل حاصل كلّما تبيّن ما ينقضه أو ما ينقصه.

- المعلّم منظّم ومنشّط وموجّه.

- يساعد على اكتشاف المعلومات بتهيئة الشّروط المناسبة لها.

- المعلّم دائم التّكيّف.

- السّلطة موزّعة وديمقراطيّة وبخاصّة في أعمال الفرق.

- المتعلّم ناشط، ونشاطه يرتبط بحلّ المشكلات.

- المتعلّم مرتبط بالحياة ومتفاعل مع الواقع.

- التّقييم مباشر ومستمر يتكرّر بعد كلّ حصّة، أو بعد كلّ وحدة تعليميّة.

- التّقييم يعتمد الاختبارات الشّفويّة والخطّية والملاحظة المباشرة، لقياس مدى تحقّق الأهداف المحدّدة وللكشف عن الصّعوبات وتحليلها بهدف تنمية كفايات المتعلّم.

- ينتظر مع إعطاء الوقت الكافي للمتعلّم أن يحقّق كلّ واحد في ذاته الأهداف التّعليميّة المحدّدة.

- أنماط التّقييم الموضوعي تبيّن نتيجة التّعلّم والكفايات المكتسبة وتساعد المعلّم والمتعلّم على تصحيح المسار.

 


ومن حسنات هذه الطّرائق النّاشطة أنّها تنمّي لدى المتعلّم شخصيّته الذّاتيّة والمنتجة والمتوازنة ما بين المعارف والمهارات والمواقف. كما تنمّي القدرة على التمرّس بالمسؤوليّة والحرّية والمشاركة والدّيمقراطيّة والتّعاون وتبادل المعلومات والخبرات. وكذلك التّعوّد على التّركيز والثّقة بالنّفس والتّفوّق على الصّعوبات.

ولكن، دون تطبيقها معوّقات يمكن إيجاد حلول لها وأهمّها: أنّها تستلزم وقتًا طويلاً وتحضيرًا دقيقًا ومعلّمًا قديرًا وإدارة مشجّعة ومتجاوبة. كما تتطلّب وسائل معينة كلفتها المادّية عالية، ومرافق مدرسيّة متعدّدة ومجهّزة تجهيزًا كاملاً، وصفّاً متحرّك المقاعد وخارجًا على نظام الصّمت والسّكوت، ومنهجًا مرنًا.

ومن أجل تطبيق مبادئ هذه الطّرائق، طُلبَ في المناهج أن يتمّ تعليم اللّغة على أنّها وحدة مترابطة ومتكاملة في فروعها. وإذا كان جائزًا استكمال التّدريس، بدءًا من الحلقة الثّانية من التّعليم الأساسي على أساس فروع اللّغة لزيادة العناية بها، فينبغي عدم اعتبار أي فرع قسمًا قائمًا بذاته ومنفصلاً عن غيره.

الصّفات الوظيفيّة في شخصيّة المعلّم

الخصائص الواجب توافرها فيه

1- المعلّم بحاجة إلى المعلومات والخبرات والبعد الثّقافي والمعرفي.

- الإلمام التّام بالمادّة، وتفهّم المنهج، وأغراضه وأهدافه، وكلّ ما يتّصل به.

- الوقوف باستمرار على كلّ تطوّر في ميدان اختصاصه.

- فهم مراحل نموّ الطّفل.

- معرفة طرق البحث واستخدام الوسائل المعينة، والإلمام بالتّكنولوجيا والكومبيوتر.

2- المعلّم يكيّف المنهج ويقوّمه ويبتكر في طرائق التّدريس.

- التّجدّد باستمرار.

- القدرة على الفهم والنّقد والابتكار.

- الإلمام بمختلف طرائق التّدريس والتّقييم والتّدرّب عليها، والقدرة على إختيار ما يناسب مادّته وتلاميذه منها.

3- المعلّم يسهم في إعداد المواطن الصّالح.

- فهم مقوّمات البيئة، ومشكلاتها، وأنماط العيش والسّلوك.

- توجيه التّعليم نحو غايات المنهج وأهدافه.

الدّيمقراطيّة في التّفكير، والإيمان بكرامة الفرد، واحترام الآخر، والحرّية في الرّأي.

- المساواة في المناقشة وتقبّل النّقد البنّاء.

4- المعلّم يعتمد على صحّته وحيويّته.

- الاتّزان في الانفعالات وإظهار بعض الحماسة.

- وضوح الصوّت وسلامة النطق.

- الوقوف والحركة وعدم الملل.

- التّنشيط، ومراقبة الأعمال وتحريك التّلامذة أفرادّاً وفرقّاً.

- التّكيّف وتعديل السّلوك.

 

 

واعتُمد لهذه الغاية نظام الوحدات. كلّ وحدة تتركّز على محور القراءة، وتتكامل بحسب التّدرّج الآتي:

  1. الأهداف التّعلّميّة من معارف ومهارات ومواقف، وتحدّد أوّلاً لتقود عمليّة التّعلّم في خطّها الصّحيح. وهي تتناول ما تتناوله الأهداف المعرفيّة والذّهنيّة، والاجتماعيّة والتّربويّة، والحركيّة السّلوكيّة، واللّغويّة التّعبيريّة...
  2. الوسائل المعينة والأنشطة المرتبطة بها لاستخدامها أوّلاً في التّمهيد للدّرس أو التّشويق، ثمّ ثانيًا في أثناء الدّرس كما في امتداداته اللاّصفّية.
  3. المحادثة التّمهيديّة أو الموطّئة الّتي تستثمر المكتسبات السّابقة سبيلاً إلى الدّخول في الموضوع وطرح الإشكاليّة الّتي تخلق الحافز.
  4. القراءة بنوعيها الصّامتة والجهريّة، وبأشكالها المتعدّدة.
  5. المحادثة التّحليليّة الّتي ترتبط بالنّص في دراسة الأفكار والأسلوب والبنية والمفاصل، وفي التّحليل والتّلخيص والمقارنة والمفاضلة والنّقد والتّقييم ... والّتي تتجاوز النّصّ للحثّ على التّفكير والرّأي الشّخصي والإبداع.
  6. التّطبيقات العمليّة شفويّاً وكتابيّاً من خلال تمارين متنوّعة ومتدرّجِة في التّحليل والتّركيب.
  7. القواعد والإملاء، وتدريسهما في الحلقة الأولى يتمّ حدسيّاً بالمحاكاة من خلال دروس المحادثة والقراءة وتمارين التّعبير. أمّا في الحلقات الأخرى فتنطلق دروس القواعد من النّصّ المقروء وتوظّف في التّعبير وتكون في جميع الأحوال دروسًا وظيفيّة.

وكل هذه التّفاصيل والتّوجّهُات تبقى إشارات يستلهمها المعلّم في أداء مهمّته، ولا تغنيه عن التّجدّد باستمرار. فما هي الصّفات الوظيفيّة في معلّم هذه المناهج الجديدة؟ وما الخصائص الواجب توافرها فيه كي يؤدّي رسالته على أكمل وجه؟ (راجع الجدول في الصفحة السابقة)

ختامًا فإنّنا ننتظر مردودًا وافرًا من عمليّة التفاعل بين اللغات، ما ينعكس إيجاباً على طرائق تدريب المعلّمين وأدوات التّقييم واستخدام الوسائل التكنولوجيّة الحديثة الّتي تسهم في ترسيخ مكتسبات المتعلّم اللّغويّة، وبالتّالي في تنشيط مبادرته الخاصّة حول مهاراته اللّغويّة المطلوبة، وأدائه اللّغويّ وصولاً إلى تنمية الكفايات اللّغويّة الأساسيّة الّتي يحتاج إليها في حياته اليوميّة والتّعلّميّة؛ وذلك وفقًا لنظام التّقييم بالكفايات، وهو نظام جديد في التّدريس، جرى استخدامه في لبنان حديثًا مع بداية تطبيق المناهج الجديدة...


المراجع

  • المركز التّربوي للبحوث والإنماء، الهيكليّة الجديدة للتّعليم في لبنان، دار صادر، بيروت، ١٩٩٥
  • المرسوم رقم 10227/97، تاريخ 8/5/1997، تحديد مناهج التّعليم العام ما قبل الجامعي وأهدافها.
  • المركز التّربوي للبحوث والإنماء، أسس التّقييم ومبادئه، تشرين الأوّل ١٩٩٩