التفتيش التربوي ضمير التربية والرقابة كنز لا يفنى

كنّا أطفالاً في المرحلة الابتدائية في الخمسينات، يوم كان يعلمنا في الضيعة معلم منفرد. كان هو وحده الجهاز التعليمي، والجهاز الإداري، وجهاز الرقابة أيضاً، إذ كان يعلمنا ويرعانا نهاراً، ويرسل مساءً من يدور على بيوتنا، يتنصّت على أبوابها وشبابيكها، ليسمع أو يرى، من الذي يقوم منا بواجباته المدرسية، ومن الذي السهّيرة « يقضي السهرة كلها لاهياً يستمتع باللعب، أو بأحاديث ونوادرهم، فيلقى حسابه في اليوم التالي.

 لم يكن ذلك المعلم الرسالي، بالرقابة التي يمارسها علينا، يضمر الشر لأحد منا، بل كان هدفه ضبط إيقاعنا، والعبور بنا إلى المراتب العليا. ولم يكن قضيب الرمان الذي يسلخ به جلود الكسالى أو الصائعين منا، أداة تشفٍّ عنده، بل كان تبعاً لمفهوم ذلك الوقت، وسيلته الفضلى لتقويم اعوجاجنا، وردعنا عما تسّوله لنا نفوسنا من التلكؤ أو الانحراف.

ومع إقرارنا المطلق بأن العقاب جزاء المذنبين، الذين لهم في القصاص حياة، إلا أننا لا نفهم بالرقابة غير نهج المتابعة، والرعاية، والتصويب، والتحسين، والتطوير، تجنيباً للخطأ، وهداية للصواب، وسهراً على الحقوق والواجبات، وحرصاً على المصلحة العامة التي هي عندنا فوق كل اعتبار.

فالبذرة الطيبة التي نزرعها، والغرسة الصالحة التي نغرسها، نراقب نموها ونرعاها لنحسن استثمارها. والطفل العزيز الذي يهبه لله لنا، لا نتركه لمصيره، بل نراقب مأكله، ومشربه، وملبسه، وتعليمه، وسلوكه وكل تصرفاته، حرصاً منا على سلامة نموّه، وحسن تربيته، وعدم انحرافه. والمريض الذي يراقب الطبيب مرضه، يأخذه بعين عنايته، فيعالج داءه توخياً لشفائه. والطالب الباحث الذي يعد بحثاً أو رسالة، إنما يعد بحثه بإشراف أستاذ مشرف يوجهه ويرشده، ويصحح أخطاءه، ويهديه في بحثه إلى سواء السبيل. والرئيس التسلسلي في الإدارة أو العمل، يراقب أعمال مرؤوسيه، فيرشدهم إلى الصواب، وينهاهم عن الخطأ، ثم يحاسب.

إن الإنسان العاقل الواعي، هو الذي يراقب ذاته، فيطلب المشورة لنفسه طوعاً، ويسترشد بالعارفين رغبةً، فيقف عند رأيهم بسلوكه، وعمله، ليرصد هفواته فيتجنبها، ويكتشف أخطاءه فيقلع عنها. كما يمارس على نفسه وعلى فريق عمله نقداً ذاتياً، فيعيد النظر في قناعاته وتصرفاته،... ولما كانت النفس أمّارة بالسوء، فقد أسدل لله علينا رقابته، وأنذرنا بأنه يعلم ما توسوس به نفوسنا، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد. كما زرع في عقولنا وقلوبنا ضمائر حية، تتمثل بها رقابتنا الذاتية على أنفسنا، وعلى أعمالنا، لكي نعمل الخير كله، ونمتنع عن فعل الشرور كلها.

لقد كنا معلمين في جميع مراحل التعليم، وكنا نتباهى بدعوتنا المفتشين التربويين لحضور الدروس التي نعطيها لتلاميذنا، لنشهدهم على كفاءتنا، ونجاحنا، ونتائجنا التي نحققها. كما كنا نتباهى بعدم استفادتنا من تقرير طبي واحد خلال عام دراسي كامل، أو بضعة أعوام متلاحقة. وكنّا في مجالسنا نتصفح سجلات معلمين أنقياء، أنهيت خدماتهم، وقد خلت ملفاتهم من غياب تحت أي عنوان كان، ناهيك بخلوها من أية مخالفة ترتبت عليها عقوبة.

إن الرقابة التي نفرّ منها، أو نتجنبها، أو نكرهها وننقم عليها، على صراحتها ووضوحها، ليست عدوتنا، ولا هي توجس بأحد منا شراً. إنها حليفة استقامتنا، وصديقة نزاهتنا، ونصيرة مصلحتنا العامة، ولا هدف لها غير الصالح العام، والخير العام.

وفي هذه الظروف السوداء الحالكة، التي تعمّ العالم وتجتاح المنطقة، كما الأجواء العفنة التي تقودنا إلى حالات التذمر واليأس والإحباط؛ لا يبقى لنا بصيص أمل إلا في التربية، وفي القطاع التربوي. فماذا لو فقدنا فسحة الأمل هذه؟

ألا نعلّم أولادنا اللغة الصحيحة، والقراءة الصحيحة، والعلوم الصحيحة، والأدب النظيف المستقيم؟ فالتربية لا تطيق شواذاً، أو شذوذاً. فشواذها واضح مفضوح. إذ يستطيع سارق المال أن يخفي سرقته، لكن سرقة العلم لا تخفى على أحد. فنسب النجاح في الامتحانات الرسمية تنشرها الصحف ووسائل الإعلام، كما ينشر الغسيل فوق السطوح. وفائض المعلمين في بعض المدارس معلوم للقاصي والداني. والأبنية المدرسية الرسمية التي تتهدّد بالانهيار على رؤوس شاغليها معروفة ومعدودة. والكتاب المدرسي الوطني مقروء من ألفه إلى يائه. والمناهج الجديدة صار يعرفها الجميع، ويعرف مكامن قوتها وضعفها، وأين وكيف تتخبط...

ولما كان الظلم عند الإنسان قاتلاً لا يحتمل، والمظالم التي يسجلها التاريخ لا تمّحي أبد الآبدين، لذلك، فإن التفتيش التربوي لا يسمح لنفسه أن يظلم أحداً، معلماً أو مدير مدرسة أو موظف تعليم، تيمناً بقول السيد المسيح: "أنا ما جئت لأدين، بل جئت لأخلص ... "  لكنما في الوقت عينه، لا ولن يسمح التفتيش لمعلم أن يظلم تلميذاً  بإهماله، أو مدرسة بالغياب المتعمد عنها، أو عملية تعليمية بالتنكر لواجب التعليم الذي امتهنه صنعة له فيها، أو رسالة تربوية بالإساءة إلى رايتها التي نرفعها جميعاً. لن يسمح بذلك مطلقاً، وتيمناً بقول السيد المسيح أيضاً.." أما الظالم فسوف ينال جزاء ظلمه"

فلأن التربية أساس الأخلاق،

ولأن الأخلاق ركيزة الأوطان والأمم،

والضمير هو وازع الأخلاق والقيم،

لهذا كله،

ووفاءً منا لأهلنا ومجتمعنا والوطن،

وحتى لا يبيع أحد في التربية ضميره،

سيبقى التفتيش التربوي ضمير التربية،

وسيبقى هذا الضمير حياً يقظاً، حاضراً في مجالس التربية كلها، عاملاً ما بوسعه على رفع الظلم عن المدرسة الرسمية، والتعليم الرسمي.

وستبقى الرقابة بنظرنا الكنز الذي لا يفنى....

 

 المفتش العام التربوي

الدكتور رضا سعادة

التفتيش التربوي ضمير التربية والرقابة كنز لا يفنى

كنّا أطفالاً في المرحلة الابتدائية في الخمسينات، يوم كان يعلمنا في الضيعة معلم منفرد. كان هو وحده الجهاز التعليمي، والجهاز الإداري، وجهاز الرقابة أيضاً، إذ كان يعلمنا ويرعانا نهاراً، ويرسل مساءً من يدور على بيوتنا، يتنصّت على أبوابها وشبابيكها، ليسمع أو يرى، من الذي يقوم منا بواجباته المدرسية، ومن الذي السهّيرة « يقضي السهرة كلها لاهياً يستمتع باللعب، أو بأحاديث ونوادرهم، فيلقى حسابه في اليوم التالي.

 لم يكن ذلك المعلم الرسالي، بالرقابة التي يمارسها علينا، يضمر الشر لأحد منا، بل كان هدفه ضبط إيقاعنا، والعبور بنا إلى المراتب العليا. ولم يكن قضيب الرمان الذي يسلخ به جلود الكسالى أو الصائعين منا، أداة تشفٍّ عنده، بل كان تبعاً لمفهوم ذلك الوقت، وسيلته الفضلى لتقويم اعوجاجنا، وردعنا عما تسّوله لنا نفوسنا من التلكؤ أو الانحراف.

ومع إقرارنا المطلق بأن العقاب جزاء المذنبين، الذين لهم في القصاص حياة، إلا أننا لا نفهم بالرقابة غير نهج المتابعة، والرعاية، والتصويب، والتحسين، والتطوير، تجنيباً للخطأ، وهداية للصواب، وسهراً على الحقوق والواجبات، وحرصاً على المصلحة العامة التي هي عندنا فوق كل اعتبار.

فالبذرة الطيبة التي نزرعها، والغرسة الصالحة التي نغرسها، نراقب نموها ونرعاها لنحسن استثمارها. والطفل العزيز الذي يهبه لله لنا، لا نتركه لمصيره، بل نراقب مأكله، ومشربه، وملبسه، وتعليمه، وسلوكه وكل تصرفاته، حرصاً منا على سلامة نموّه، وحسن تربيته، وعدم انحرافه. والمريض الذي يراقب الطبيب مرضه، يأخذه بعين عنايته، فيعالج داءه توخياً لشفائه. والطالب الباحث الذي يعد بحثاً أو رسالة، إنما يعد بحثه بإشراف أستاذ مشرف يوجهه ويرشده، ويصحح أخطاءه، ويهديه في بحثه إلى سواء السبيل. والرئيس التسلسلي في الإدارة أو العمل، يراقب أعمال مرؤوسيه، فيرشدهم إلى الصواب، وينهاهم عن الخطأ، ثم يحاسب.

إن الإنسان العاقل الواعي، هو الذي يراقب ذاته، فيطلب المشورة لنفسه طوعاً، ويسترشد بالعارفين رغبةً، فيقف عند رأيهم بسلوكه، وعمله، ليرصد هفواته فيتجنبها، ويكتشف أخطاءه فيقلع عنها. كما يمارس على نفسه وعلى فريق عمله نقداً ذاتياً، فيعيد النظر في قناعاته وتصرفاته،... ولما كانت النفس أمّارة بالسوء، فقد أسدل لله علينا رقابته، وأنذرنا بأنه يعلم ما توسوس به نفوسنا، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد. كما زرع في عقولنا وقلوبنا ضمائر حية، تتمثل بها رقابتنا الذاتية على أنفسنا، وعلى أعمالنا، لكي نعمل الخير كله، ونمتنع عن فعل الشرور كلها.

لقد كنا معلمين في جميع مراحل التعليم، وكنا نتباهى بدعوتنا المفتشين التربويين لحضور الدروس التي نعطيها لتلاميذنا، لنشهدهم على كفاءتنا، ونجاحنا، ونتائجنا التي نحققها. كما كنا نتباهى بعدم استفادتنا من تقرير طبي واحد خلال عام دراسي كامل، أو بضعة أعوام متلاحقة. وكنّا في مجالسنا نتصفح سجلات معلمين أنقياء، أنهيت خدماتهم، وقد خلت ملفاتهم من غياب تحت أي عنوان كان، ناهيك بخلوها من أية مخالفة ترتبت عليها عقوبة.

إن الرقابة التي نفرّ منها، أو نتجنبها، أو نكرهها وننقم عليها، على صراحتها ووضوحها، ليست عدوتنا، ولا هي توجس بأحد منا شراً. إنها حليفة استقامتنا، وصديقة نزاهتنا، ونصيرة مصلحتنا العامة، ولا هدف لها غير الصالح العام، والخير العام.

وفي هذه الظروف السوداء الحالكة، التي تعمّ العالم وتجتاح المنطقة، كما الأجواء العفنة التي تقودنا إلى حالات التذمر واليأس والإحباط؛ لا يبقى لنا بصيص أمل إلا في التربية، وفي القطاع التربوي. فماذا لو فقدنا فسحة الأمل هذه؟

ألا نعلّم أولادنا اللغة الصحيحة، والقراءة الصحيحة، والعلوم الصحيحة، والأدب النظيف المستقيم؟ فالتربية لا تطيق شواذاً، أو شذوذاً. فشواذها واضح مفضوح. إذ يستطيع سارق المال أن يخفي سرقته، لكن سرقة العلم لا تخفى على أحد. فنسب النجاح في الامتحانات الرسمية تنشرها الصحف ووسائل الإعلام، كما ينشر الغسيل فوق السطوح. وفائض المعلمين في بعض المدارس معلوم للقاصي والداني. والأبنية المدرسية الرسمية التي تتهدّد بالانهيار على رؤوس شاغليها معروفة ومعدودة. والكتاب المدرسي الوطني مقروء من ألفه إلى يائه. والمناهج الجديدة صار يعرفها الجميع، ويعرف مكامن قوتها وضعفها، وأين وكيف تتخبط...

ولما كان الظلم عند الإنسان قاتلاً لا يحتمل، والمظالم التي يسجلها التاريخ لا تمّحي أبد الآبدين، لذلك، فإن التفتيش التربوي لا يسمح لنفسه أن يظلم أحداً، معلماً أو مدير مدرسة أو موظف تعليم، تيمناً بقول السيد المسيح: "أنا ما جئت لأدين، بل جئت لأخلص ... "  لكنما في الوقت عينه، لا ولن يسمح التفتيش لمعلم أن يظلم تلميذاً  بإهماله، أو مدرسة بالغياب المتعمد عنها، أو عملية تعليمية بالتنكر لواجب التعليم الذي امتهنه صنعة له فيها، أو رسالة تربوية بالإساءة إلى رايتها التي نرفعها جميعاً. لن يسمح بذلك مطلقاً، وتيمناً بقول السيد المسيح أيضاً.." أما الظالم فسوف ينال جزاء ظلمه"

فلأن التربية أساس الأخلاق،

ولأن الأخلاق ركيزة الأوطان والأمم،

والضمير هو وازع الأخلاق والقيم،

لهذا كله،

ووفاءً منا لأهلنا ومجتمعنا والوطن،

وحتى لا يبيع أحد في التربية ضميره،

سيبقى التفتيش التربوي ضمير التربية،

وسيبقى هذا الضمير حياً يقظاً، حاضراً في مجالس التربية كلها، عاملاً ما بوسعه على رفع الظلم عن المدرسة الرسمية، والتعليم الرسمي.

وستبقى الرقابة بنظرنا الكنز الذي لا يفنى....

 

 المفتش العام التربوي

الدكتور رضا سعادة

التفتيش التربوي ضمير التربية والرقابة كنز لا يفنى

كنّا أطفالاً في المرحلة الابتدائية في الخمسينات، يوم كان يعلمنا في الضيعة معلم منفرد. كان هو وحده الجهاز التعليمي، والجهاز الإداري، وجهاز الرقابة أيضاً، إذ كان يعلمنا ويرعانا نهاراً، ويرسل مساءً من يدور على بيوتنا، يتنصّت على أبوابها وشبابيكها، ليسمع أو يرى، من الذي يقوم منا بواجباته المدرسية، ومن الذي السهّيرة « يقضي السهرة كلها لاهياً يستمتع باللعب، أو بأحاديث ونوادرهم، فيلقى حسابه في اليوم التالي.

 لم يكن ذلك المعلم الرسالي، بالرقابة التي يمارسها علينا، يضمر الشر لأحد منا، بل كان هدفه ضبط إيقاعنا، والعبور بنا إلى المراتب العليا. ولم يكن قضيب الرمان الذي يسلخ به جلود الكسالى أو الصائعين منا، أداة تشفٍّ عنده، بل كان تبعاً لمفهوم ذلك الوقت، وسيلته الفضلى لتقويم اعوجاجنا، وردعنا عما تسّوله لنا نفوسنا من التلكؤ أو الانحراف.

ومع إقرارنا المطلق بأن العقاب جزاء المذنبين، الذين لهم في القصاص حياة، إلا أننا لا نفهم بالرقابة غير نهج المتابعة، والرعاية، والتصويب، والتحسين، والتطوير، تجنيباً للخطأ، وهداية للصواب، وسهراً على الحقوق والواجبات، وحرصاً على المصلحة العامة التي هي عندنا فوق كل اعتبار.

فالبذرة الطيبة التي نزرعها، والغرسة الصالحة التي نغرسها، نراقب نموها ونرعاها لنحسن استثمارها. والطفل العزيز الذي يهبه لله لنا، لا نتركه لمصيره، بل نراقب مأكله، ومشربه، وملبسه، وتعليمه، وسلوكه وكل تصرفاته، حرصاً منا على سلامة نموّه، وحسن تربيته، وعدم انحرافه. والمريض الذي يراقب الطبيب مرضه، يأخذه بعين عنايته، فيعالج داءه توخياً لشفائه. والطالب الباحث الذي يعد بحثاً أو رسالة، إنما يعد بحثه بإشراف أستاذ مشرف يوجهه ويرشده، ويصحح أخطاءه، ويهديه في بحثه إلى سواء السبيل. والرئيس التسلسلي في الإدارة أو العمل، يراقب أعمال مرؤوسيه، فيرشدهم إلى الصواب، وينهاهم عن الخطأ، ثم يحاسب.

إن الإنسان العاقل الواعي، هو الذي يراقب ذاته، فيطلب المشورة لنفسه طوعاً، ويسترشد بالعارفين رغبةً، فيقف عند رأيهم بسلوكه، وعمله، ليرصد هفواته فيتجنبها، ويكتشف أخطاءه فيقلع عنها. كما يمارس على نفسه وعلى فريق عمله نقداً ذاتياً، فيعيد النظر في قناعاته وتصرفاته،... ولما كانت النفس أمّارة بالسوء، فقد أسدل لله علينا رقابته، وأنذرنا بأنه يعلم ما توسوس به نفوسنا، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد. كما زرع في عقولنا وقلوبنا ضمائر حية، تتمثل بها رقابتنا الذاتية على أنفسنا، وعلى أعمالنا، لكي نعمل الخير كله، ونمتنع عن فعل الشرور كلها.

لقد كنا معلمين في جميع مراحل التعليم، وكنا نتباهى بدعوتنا المفتشين التربويين لحضور الدروس التي نعطيها لتلاميذنا، لنشهدهم على كفاءتنا، ونجاحنا، ونتائجنا التي نحققها. كما كنا نتباهى بعدم استفادتنا من تقرير طبي واحد خلال عام دراسي كامل، أو بضعة أعوام متلاحقة. وكنّا في مجالسنا نتصفح سجلات معلمين أنقياء، أنهيت خدماتهم، وقد خلت ملفاتهم من غياب تحت أي عنوان كان، ناهيك بخلوها من أية مخالفة ترتبت عليها عقوبة.

إن الرقابة التي نفرّ منها، أو نتجنبها، أو نكرهها وننقم عليها، على صراحتها ووضوحها، ليست عدوتنا، ولا هي توجس بأحد منا شراً. إنها حليفة استقامتنا، وصديقة نزاهتنا، ونصيرة مصلحتنا العامة، ولا هدف لها غير الصالح العام، والخير العام.

وفي هذه الظروف السوداء الحالكة، التي تعمّ العالم وتجتاح المنطقة، كما الأجواء العفنة التي تقودنا إلى حالات التذمر واليأس والإحباط؛ لا يبقى لنا بصيص أمل إلا في التربية، وفي القطاع التربوي. فماذا لو فقدنا فسحة الأمل هذه؟

ألا نعلّم أولادنا اللغة الصحيحة، والقراءة الصحيحة، والعلوم الصحيحة، والأدب النظيف المستقيم؟ فالتربية لا تطيق شواذاً، أو شذوذاً. فشواذها واضح مفضوح. إذ يستطيع سارق المال أن يخفي سرقته، لكن سرقة العلم لا تخفى على أحد. فنسب النجاح في الامتحانات الرسمية تنشرها الصحف ووسائل الإعلام، كما ينشر الغسيل فوق السطوح. وفائض المعلمين في بعض المدارس معلوم للقاصي والداني. والأبنية المدرسية الرسمية التي تتهدّد بالانهيار على رؤوس شاغليها معروفة ومعدودة. والكتاب المدرسي الوطني مقروء من ألفه إلى يائه. والمناهج الجديدة صار يعرفها الجميع، ويعرف مكامن قوتها وضعفها، وأين وكيف تتخبط...

ولما كان الظلم عند الإنسان قاتلاً لا يحتمل، والمظالم التي يسجلها التاريخ لا تمّحي أبد الآبدين، لذلك، فإن التفتيش التربوي لا يسمح لنفسه أن يظلم أحداً، معلماً أو مدير مدرسة أو موظف تعليم، تيمناً بقول السيد المسيح: "أنا ما جئت لأدين، بل جئت لأخلص ... "  لكنما في الوقت عينه، لا ولن يسمح التفتيش لمعلم أن يظلم تلميذاً  بإهماله، أو مدرسة بالغياب المتعمد عنها، أو عملية تعليمية بالتنكر لواجب التعليم الذي امتهنه صنعة له فيها، أو رسالة تربوية بالإساءة إلى رايتها التي نرفعها جميعاً. لن يسمح بذلك مطلقاً، وتيمناً بقول السيد المسيح أيضاً.." أما الظالم فسوف ينال جزاء ظلمه"

فلأن التربية أساس الأخلاق،

ولأن الأخلاق ركيزة الأوطان والأمم،

والضمير هو وازع الأخلاق والقيم،

لهذا كله،

ووفاءً منا لأهلنا ومجتمعنا والوطن،

وحتى لا يبيع أحد في التربية ضميره،

سيبقى التفتيش التربوي ضمير التربية،

وسيبقى هذا الضمير حياً يقظاً، حاضراً في مجالس التربية كلها، عاملاً ما بوسعه على رفع الظلم عن المدرسة الرسمية، والتعليم الرسمي.

وستبقى الرقابة بنظرنا الكنز الذي لا يفنى....

 

 المفتش العام التربوي

الدكتور رضا سعادة