بريد القراء

تعليم القراءة: الطرائق كثيرة والمقاربة واحدة والطريقة الفضلى إلغاء دروس القراءة

ما فتئت طريقة القراءة - ومنذ قرون - تثير بين التربويين جدالاً، بل سجال حام ونزاع حاد. أما اليوم فلم نعدّ نقرأ ولا نسمع عن تلك السجالات الحامية حول أفضلية كل من الطريقتين التحليلية والتركيبية. فهل تعب المتقاتلون وانتهت الحرب بلا غالب ولا مغلوب؟ وهل تبنّى الجميع الحلّ الذي قدّمه المركز التربوي في الكتاب الوطني باتباع طريقة تحليلية وتركيبية في آن؟ علماً أنه لا توجد نظرياً وعلمياً طريقة تحليلية تركيبية.

إن الهدف من هذه المقالة هو إعادة فتح الحوار أو الصراع حول مسألة تعليم القراءة وطرائقها استناداً إلى مسلمتين:

الأولى، هي أن جميع الطرائق الشائعة ومنها الطريقتان التحليلية والتركيبية تقع ضمن مقاربة واحدة وتتجاهل مقاربات أخرى عديدة. والثانية، هي أن تعليم القراءة في أوقات مخصصة لذلك يؤدي إلى الفصل بين تعلّمها وممارستها، فيجعل تعلمها مصطنعاً، بل عديم الفائدة.

 

١- تقع جميع طرائق القراءة ضمن المقاربة اللغوية. فالطرائق الهجائية والصوتية والتركيبية تنطلق من الوحدة الصغرى أي الصوت أو الحرف أو المقطع أو الكلمة... نحو الوحدة الكبرى. من الصوت الساكن مثلاً إلى الصوت المتحرك أو المقطع الصوتي إلى الكلمة فالجملة. أو أنها تسير تحليلاً في الاتجاه المعاكس أي من الجملة أو الكلمة باتجاه الوحدات الأصغر. وبالتالي فإنه سواء أكانت الطريقة تحليلية أم تركيبية فإن أحداهما تنتهي بالأخرى، وإن بأشكال ومراحل مختلفة؛ ويبقى الهدف دائماً هو هو، أي تحويل الرموز المكتوبة إلى أصوات. حتى طريقة ديكروكي الكلية لا تخرج عن هذا الاهتمام. ولا تختلف أيضاً في هذا التوجه تلك الطرائق التي تقرن الكلمة بالصورة؟ بل هي تضيف تعمية جديدة. فنحن نقدم الرمز اللغوي للمتعلم وكأنه معادل لأشياء العالم وبهذا نغشه، وهو يقرأ الصورة بدل الكلمة وبهذا يغشنا.

ونلاحظ أن الصراع حول تعليم القراءة قد انحصر في لبنان بمسألة المفاضلة بين الطريقتين التحليلية والتركيبية ولم يطاول طرائق أخرى عديدة تقع ضمن المقاربة اللغوية مثل:

Chassagny- Alfonie- Jeannot - Borel Miasonny- Thimmonier- Sablier- Bordessoules.

كما نلاحظ أن تعليم القراءة ضمن هذه المقاربة لم يؤد يوماً إلى تحويل المتعلم إلى قارئ بل إلى مهجّئِ. (Liseur ;Lecteur)

 

٢- نحو مقاربات أخرى. بالإمكان استناداً إلى مقاربات أخرى، غير معروفة عندنا، ابتداع طرائق أو استراتيجيات لتعليم القراءة متنوعة وأكثر فاعلية.

- المقاربة التكوينية (Génétique) والتي هي شائعة في مدارس الروضة في أوروبا، حيث يبتدع الأطفال رموزهم اللغوية ويطورونها (الكتابة).

- المقاربة النفسجماعية: وهي تأخذ بالاعتبار المواقف والاتجاهات بالنسبة لمراكز اللغة المكتوبة ومصادرها، فتدعو مثلاً إلى زيارة المكتبات وألفتها دور النشر والصحافة، الخ ...

- المقاربة السوسيولوجية: وهي تأخذ بالاعتبار القضايا النضالية لجماعة المتعلمين (كما لدى باولو فريري في البرازيل)، أو ثقافتهم الخاصة (كما يدعو إلى ذلك هوغارت) أو المستوى اللغوي للعائلة (كما لدى بريشتاين في إنكلترا)  ...

 - المقاربة الانتروبولوجية للقراءة، وهي تأخذ بالاعتبار دور اللغة في حياة الناس كإحدى الثوابت الإنسانية (ليفي ستروس)، أي اللغة في إطارها الاجتماعي، الثقافي. وهنا يمكن وضع الطريقة المسماة طبيعية استناداً إلى وثائق ونصوص حقيقية.

- ويمكن أن نميّز مقاربة أخرى يمكن تسميتها بالتقنية. وهي تأخذ بالاعتبار الممارسة اليومية للقراءة. ففي هذه الممارسة يستخدم القارئ وبحسب أهدافه تقنيات أو استراتيجيات قراءة مختلفة ومتنوعة: قراءة قصة تتطلب استراتيجية تختلف عن قراءة فاتورة الهاتف، ...

 

٣- الطريقة الفضلى لتعليم القراءة: إن مراجعة لنصوص القراءة في الكتب المدرسية تبيّن لنا كم هي فارغة من المعنى، ومن المعلومات، وكم هي تعتمد على الغباء بدل الذكاء، وكم هي بعيدة عن وقائع الحياة اليومية، رغم ادعاء المؤلفين ربطها ببيئة التلميذ. وهي تعتمد في النهاية نفس المقاربة اللغوية التاريخية والتراثية للغة. إنها تفتقد إلى التفكير في سؤال أولي: لماذا نقرأ؟ ولماذا يقرأ الولد في المدرسة؟

إنه بدون أدنى شك يقرأ ليتعلم المواد الأخرى. فالقراءة مهارة مستعرضة تلزم في جميع المواد الأخرى. فلماذا إذن لا نعلمها استناداً إلى وظيفتها، وبخاصة وظيفتها في العمل المدرسي؟ لماذا لا نستبدل النصوص الفارغة بنصوص من الرياضيات والعلوم وغيرها من المواد، فيتعلم الولد كيف يقرأ مسألة رياضية، وكيف يقرأ نصاً علمياً، ويطلع في قراءته على مفاهيم علمية بدل الكلمات والمرادفات التي لا معنى لها: الأسد = الهزبر، الليث، الخ ... ولماذا ايضاً لا ندخل على نصوص ملائمة لمقاربات غير لغوية؟ ولماذا لا يجرب المعلمون في بلادنا طرائق متنوعة على غرار زملائهم في البلدان الغربية استناداً إلى مقاربات سوسيولوجية أو انتروبولوجية أو غير ذلك؟ أو ليست كتب تعليم القراءة هي المسؤولة عن هذا التحجّر الفكري في التربية وطرائقها؟...

ما نقترحه هو إلغاء دروس القراءة واللغة بعامة. فهي تأخذ نصف الدوام المدرسي من دون أن تقدم أية فائدة للتلميذ على صعيد عمله المدرسي، أو في الحياة اليومية، كما أنها تلغي العمل الفكري لديه. فتعليم القراءة يجب أن يحصل من أجل وأثناء تعلم المواد الأخرى. وهذا يعطينا وقتاً كافياً لتعلم هذه المواد. ولعل المنهج الشمولي هو الأكثر ملاءمة لهذا التوجه. ولعل العاملين على إعادة النظر في المناهج يأخذون هذا الواقع بالاعتبار ويقدمون للمعلمين وجهات نظر عديدة ومقاربات متنوعة لتعليم القراءة.

 

ابراهيم نادر

صدر عن دار العلم للملايين كتاب "التربية شغف وإبداع" لرجا أبو شقرا، ١٩٢ صفحة من القطع الوسط، عام ٢٠٠٦ . يعاني المؤلف همّ الحكمة والمعرفة ويشهد التطور السريع المذهل للعلوم والمكتشفات، والتغير الذي يطرأ على أفراد المجتمعات من حيث سلوكها وأنماط المعيشة فيها. ويحمل في ذاته عبء التفكير في تنشئة الأجيال: ماذا يتعلمون؟ وكيف؟ وما صفات المعلم ودوره؟ وهو في إجابته عن هذه الأسئلة يرسم منهجاً تربوياً يقوم على أسس التعلّم الصحيح ودور المدرّس الشغوف وتدريس الحقائق في المحتوى الدراسي في سياق ومضمون عمليين كي تصبح معارف فاعلة. وهو كتاب يهم واضعي المناهج والمعلمين والأهل على حدّ سواء.

بريد القراء

تعليم القراءة: الطرائق كثيرة والمقاربة واحدة والطريقة الفضلى إلغاء دروس القراءة

ما فتئت طريقة القراءة - ومنذ قرون - تثير بين التربويين جدالاً، بل سجال حام ونزاع حاد. أما اليوم فلم نعدّ نقرأ ولا نسمع عن تلك السجالات الحامية حول أفضلية كل من الطريقتين التحليلية والتركيبية. فهل تعب المتقاتلون وانتهت الحرب بلا غالب ولا مغلوب؟ وهل تبنّى الجميع الحلّ الذي قدّمه المركز التربوي في الكتاب الوطني باتباع طريقة تحليلية وتركيبية في آن؟ علماً أنه لا توجد نظرياً وعلمياً طريقة تحليلية تركيبية.

إن الهدف من هذه المقالة هو إعادة فتح الحوار أو الصراع حول مسألة تعليم القراءة وطرائقها استناداً إلى مسلمتين:

الأولى، هي أن جميع الطرائق الشائعة ومنها الطريقتان التحليلية والتركيبية تقع ضمن مقاربة واحدة وتتجاهل مقاربات أخرى عديدة. والثانية، هي أن تعليم القراءة في أوقات مخصصة لذلك يؤدي إلى الفصل بين تعلّمها وممارستها، فيجعل تعلمها مصطنعاً، بل عديم الفائدة.

 

١- تقع جميع طرائق القراءة ضمن المقاربة اللغوية. فالطرائق الهجائية والصوتية والتركيبية تنطلق من الوحدة الصغرى أي الصوت أو الحرف أو المقطع أو الكلمة... نحو الوحدة الكبرى. من الصوت الساكن مثلاً إلى الصوت المتحرك أو المقطع الصوتي إلى الكلمة فالجملة. أو أنها تسير تحليلاً في الاتجاه المعاكس أي من الجملة أو الكلمة باتجاه الوحدات الأصغر. وبالتالي فإنه سواء أكانت الطريقة تحليلية أم تركيبية فإن أحداهما تنتهي بالأخرى، وإن بأشكال ومراحل مختلفة؛ ويبقى الهدف دائماً هو هو، أي تحويل الرموز المكتوبة إلى أصوات. حتى طريقة ديكروكي الكلية لا تخرج عن هذا الاهتمام. ولا تختلف أيضاً في هذا التوجه تلك الطرائق التي تقرن الكلمة بالصورة؟ بل هي تضيف تعمية جديدة. فنحن نقدم الرمز اللغوي للمتعلم وكأنه معادل لأشياء العالم وبهذا نغشه، وهو يقرأ الصورة بدل الكلمة وبهذا يغشنا.

ونلاحظ أن الصراع حول تعليم القراءة قد انحصر في لبنان بمسألة المفاضلة بين الطريقتين التحليلية والتركيبية ولم يطاول طرائق أخرى عديدة تقع ضمن المقاربة اللغوية مثل:

Chassagny- Alfonie- Jeannot - Borel Miasonny- Thimmonier- Sablier- Bordessoules.

كما نلاحظ أن تعليم القراءة ضمن هذه المقاربة لم يؤد يوماً إلى تحويل المتعلم إلى قارئ بل إلى مهجّئِ. (Liseur ;Lecteur)

 

٢- نحو مقاربات أخرى. بالإمكان استناداً إلى مقاربات أخرى، غير معروفة عندنا، ابتداع طرائق أو استراتيجيات لتعليم القراءة متنوعة وأكثر فاعلية.

- المقاربة التكوينية (Génétique) والتي هي شائعة في مدارس الروضة في أوروبا، حيث يبتدع الأطفال رموزهم اللغوية ويطورونها (الكتابة).

- المقاربة النفسجماعية: وهي تأخذ بالاعتبار المواقف والاتجاهات بالنسبة لمراكز اللغة المكتوبة ومصادرها، فتدعو مثلاً إلى زيارة المكتبات وألفتها دور النشر والصحافة، الخ ...

- المقاربة السوسيولوجية: وهي تأخذ بالاعتبار القضايا النضالية لجماعة المتعلمين (كما لدى باولو فريري في البرازيل)، أو ثقافتهم الخاصة (كما يدعو إلى ذلك هوغارت) أو المستوى اللغوي للعائلة (كما لدى بريشتاين في إنكلترا)  ...

 - المقاربة الانتروبولوجية للقراءة، وهي تأخذ بالاعتبار دور اللغة في حياة الناس كإحدى الثوابت الإنسانية (ليفي ستروس)، أي اللغة في إطارها الاجتماعي، الثقافي. وهنا يمكن وضع الطريقة المسماة طبيعية استناداً إلى وثائق ونصوص حقيقية.

- ويمكن أن نميّز مقاربة أخرى يمكن تسميتها بالتقنية. وهي تأخذ بالاعتبار الممارسة اليومية للقراءة. ففي هذه الممارسة يستخدم القارئ وبحسب أهدافه تقنيات أو استراتيجيات قراءة مختلفة ومتنوعة: قراءة قصة تتطلب استراتيجية تختلف عن قراءة فاتورة الهاتف، ...

 

٣- الطريقة الفضلى لتعليم القراءة: إن مراجعة لنصوص القراءة في الكتب المدرسية تبيّن لنا كم هي فارغة من المعنى، ومن المعلومات، وكم هي تعتمد على الغباء بدل الذكاء، وكم هي بعيدة عن وقائع الحياة اليومية، رغم ادعاء المؤلفين ربطها ببيئة التلميذ. وهي تعتمد في النهاية نفس المقاربة اللغوية التاريخية والتراثية للغة. إنها تفتقد إلى التفكير في سؤال أولي: لماذا نقرأ؟ ولماذا يقرأ الولد في المدرسة؟

إنه بدون أدنى شك يقرأ ليتعلم المواد الأخرى. فالقراءة مهارة مستعرضة تلزم في جميع المواد الأخرى. فلماذا إذن لا نعلمها استناداً إلى وظيفتها، وبخاصة وظيفتها في العمل المدرسي؟ لماذا لا نستبدل النصوص الفارغة بنصوص من الرياضيات والعلوم وغيرها من المواد، فيتعلم الولد كيف يقرأ مسألة رياضية، وكيف يقرأ نصاً علمياً، ويطلع في قراءته على مفاهيم علمية بدل الكلمات والمرادفات التي لا معنى لها: الأسد = الهزبر، الليث، الخ ... ولماذا ايضاً لا ندخل على نصوص ملائمة لمقاربات غير لغوية؟ ولماذا لا يجرب المعلمون في بلادنا طرائق متنوعة على غرار زملائهم في البلدان الغربية استناداً إلى مقاربات سوسيولوجية أو انتروبولوجية أو غير ذلك؟ أو ليست كتب تعليم القراءة هي المسؤولة عن هذا التحجّر الفكري في التربية وطرائقها؟...

ما نقترحه هو إلغاء دروس القراءة واللغة بعامة. فهي تأخذ نصف الدوام المدرسي من دون أن تقدم أية فائدة للتلميذ على صعيد عمله المدرسي، أو في الحياة اليومية، كما أنها تلغي العمل الفكري لديه. فتعليم القراءة يجب أن يحصل من أجل وأثناء تعلم المواد الأخرى. وهذا يعطينا وقتاً كافياً لتعلم هذه المواد. ولعل المنهج الشمولي هو الأكثر ملاءمة لهذا التوجه. ولعل العاملين على إعادة النظر في المناهج يأخذون هذا الواقع بالاعتبار ويقدمون للمعلمين وجهات نظر عديدة ومقاربات متنوعة لتعليم القراءة.

 

ابراهيم نادر

صدر عن دار العلم للملايين كتاب "التربية شغف وإبداع" لرجا أبو شقرا، ١٩٢ صفحة من القطع الوسط، عام ٢٠٠٦ . يعاني المؤلف همّ الحكمة والمعرفة ويشهد التطور السريع المذهل للعلوم والمكتشفات، والتغير الذي يطرأ على أفراد المجتمعات من حيث سلوكها وأنماط المعيشة فيها. ويحمل في ذاته عبء التفكير في تنشئة الأجيال: ماذا يتعلمون؟ وكيف؟ وما صفات المعلم ودوره؟ وهو في إجابته عن هذه الأسئلة يرسم منهجاً تربوياً يقوم على أسس التعلّم الصحيح ودور المدرّس الشغوف وتدريس الحقائق في المحتوى الدراسي في سياق ومضمون عمليين كي تصبح معارف فاعلة. وهو كتاب يهم واضعي المناهج والمعلمين والأهل على حدّ سواء.

بريد القراء

تعليم القراءة: الطرائق كثيرة والمقاربة واحدة والطريقة الفضلى إلغاء دروس القراءة

ما فتئت طريقة القراءة - ومنذ قرون - تثير بين التربويين جدالاً، بل سجال حام ونزاع حاد. أما اليوم فلم نعدّ نقرأ ولا نسمع عن تلك السجالات الحامية حول أفضلية كل من الطريقتين التحليلية والتركيبية. فهل تعب المتقاتلون وانتهت الحرب بلا غالب ولا مغلوب؟ وهل تبنّى الجميع الحلّ الذي قدّمه المركز التربوي في الكتاب الوطني باتباع طريقة تحليلية وتركيبية في آن؟ علماً أنه لا توجد نظرياً وعلمياً طريقة تحليلية تركيبية.

إن الهدف من هذه المقالة هو إعادة فتح الحوار أو الصراع حول مسألة تعليم القراءة وطرائقها استناداً إلى مسلمتين:

الأولى، هي أن جميع الطرائق الشائعة ومنها الطريقتان التحليلية والتركيبية تقع ضمن مقاربة واحدة وتتجاهل مقاربات أخرى عديدة. والثانية، هي أن تعليم القراءة في أوقات مخصصة لذلك يؤدي إلى الفصل بين تعلّمها وممارستها، فيجعل تعلمها مصطنعاً، بل عديم الفائدة.

 

١- تقع جميع طرائق القراءة ضمن المقاربة اللغوية. فالطرائق الهجائية والصوتية والتركيبية تنطلق من الوحدة الصغرى أي الصوت أو الحرف أو المقطع أو الكلمة... نحو الوحدة الكبرى. من الصوت الساكن مثلاً إلى الصوت المتحرك أو المقطع الصوتي إلى الكلمة فالجملة. أو أنها تسير تحليلاً في الاتجاه المعاكس أي من الجملة أو الكلمة باتجاه الوحدات الأصغر. وبالتالي فإنه سواء أكانت الطريقة تحليلية أم تركيبية فإن أحداهما تنتهي بالأخرى، وإن بأشكال ومراحل مختلفة؛ ويبقى الهدف دائماً هو هو، أي تحويل الرموز المكتوبة إلى أصوات. حتى طريقة ديكروكي الكلية لا تخرج عن هذا الاهتمام. ولا تختلف أيضاً في هذا التوجه تلك الطرائق التي تقرن الكلمة بالصورة؟ بل هي تضيف تعمية جديدة. فنحن نقدم الرمز اللغوي للمتعلم وكأنه معادل لأشياء العالم وبهذا نغشه، وهو يقرأ الصورة بدل الكلمة وبهذا يغشنا.

ونلاحظ أن الصراع حول تعليم القراءة قد انحصر في لبنان بمسألة المفاضلة بين الطريقتين التحليلية والتركيبية ولم يطاول طرائق أخرى عديدة تقع ضمن المقاربة اللغوية مثل:

Chassagny- Alfonie- Jeannot - Borel Miasonny- Thimmonier- Sablier- Bordessoules.

كما نلاحظ أن تعليم القراءة ضمن هذه المقاربة لم يؤد يوماً إلى تحويل المتعلم إلى قارئ بل إلى مهجّئِ. (Liseur ;Lecteur)

 

٢- نحو مقاربات أخرى. بالإمكان استناداً إلى مقاربات أخرى، غير معروفة عندنا، ابتداع طرائق أو استراتيجيات لتعليم القراءة متنوعة وأكثر فاعلية.

- المقاربة التكوينية (Génétique) والتي هي شائعة في مدارس الروضة في أوروبا، حيث يبتدع الأطفال رموزهم اللغوية ويطورونها (الكتابة).

- المقاربة النفسجماعية: وهي تأخذ بالاعتبار المواقف والاتجاهات بالنسبة لمراكز اللغة المكتوبة ومصادرها، فتدعو مثلاً إلى زيارة المكتبات وألفتها دور النشر والصحافة، الخ ...

- المقاربة السوسيولوجية: وهي تأخذ بالاعتبار القضايا النضالية لجماعة المتعلمين (كما لدى باولو فريري في البرازيل)، أو ثقافتهم الخاصة (كما يدعو إلى ذلك هوغارت) أو المستوى اللغوي للعائلة (كما لدى بريشتاين في إنكلترا)  ...

 - المقاربة الانتروبولوجية للقراءة، وهي تأخذ بالاعتبار دور اللغة في حياة الناس كإحدى الثوابت الإنسانية (ليفي ستروس)، أي اللغة في إطارها الاجتماعي، الثقافي. وهنا يمكن وضع الطريقة المسماة طبيعية استناداً إلى وثائق ونصوص حقيقية.

- ويمكن أن نميّز مقاربة أخرى يمكن تسميتها بالتقنية. وهي تأخذ بالاعتبار الممارسة اليومية للقراءة. ففي هذه الممارسة يستخدم القارئ وبحسب أهدافه تقنيات أو استراتيجيات قراءة مختلفة ومتنوعة: قراءة قصة تتطلب استراتيجية تختلف عن قراءة فاتورة الهاتف، ...

 

٣- الطريقة الفضلى لتعليم القراءة: إن مراجعة لنصوص القراءة في الكتب المدرسية تبيّن لنا كم هي فارغة من المعنى، ومن المعلومات، وكم هي تعتمد على الغباء بدل الذكاء، وكم هي بعيدة عن وقائع الحياة اليومية، رغم ادعاء المؤلفين ربطها ببيئة التلميذ. وهي تعتمد في النهاية نفس المقاربة اللغوية التاريخية والتراثية للغة. إنها تفتقد إلى التفكير في سؤال أولي: لماذا نقرأ؟ ولماذا يقرأ الولد في المدرسة؟

إنه بدون أدنى شك يقرأ ليتعلم المواد الأخرى. فالقراءة مهارة مستعرضة تلزم في جميع المواد الأخرى. فلماذا إذن لا نعلمها استناداً إلى وظيفتها، وبخاصة وظيفتها في العمل المدرسي؟ لماذا لا نستبدل النصوص الفارغة بنصوص من الرياضيات والعلوم وغيرها من المواد، فيتعلم الولد كيف يقرأ مسألة رياضية، وكيف يقرأ نصاً علمياً، ويطلع في قراءته على مفاهيم علمية بدل الكلمات والمرادفات التي لا معنى لها: الأسد = الهزبر، الليث، الخ ... ولماذا ايضاً لا ندخل على نصوص ملائمة لمقاربات غير لغوية؟ ولماذا لا يجرب المعلمون في بلادنا طرائق متنوعة على غرار زملائهم في البلدان الغربية استناداً إلى مقاربات سوسيولوجية أو انتروبولوجية أو غير ذلك؟ أو ليست كتب تعليم القراءة هي المسؤولة عن هذا التحجّر الفكري في التربية وطرائقها؟...

ما نقترحه هو إلغاء دروس القراءة واللغة بعامة. فهي تأخذ نصف الدوام المدرسي من دون أن تقدم أية فائدة للتلميذ على صعيد عمله المدرسي، أو في الحياة اليومية، كما أنها تلغي العمل الفكري لديه. فتعليم القراءة يجب أن يحصل من أجل وأثناء تعلم المواد الأخرى. وهذا يعطينا وقتاً كافياً لتعلم هذه المواد. ولعل المنهج الشمولي هو الأكثر ملاءمة لهذا التوجه. ولعل العاملين على إعادة النظر في المناهج يأخذون هذا الواقع بالاعتبار ويقدمون للمعلمين وجهات نظر عديدة ومقاربات متنوعة لتعليم القراءة.

 

ابراهيم نادر

صدر عن دار العلم للملايين كتاب "التربية شغف وإبداع" لرجا أبو شقرا، ١٩٢ صفحة من القطع الوسط، عام ٢٠٠٦ . يعاني المؤلف همّ الحكمة والمعرفة ويشهد التطور السريع المذهل للعلوم والمكتشفات، والتغير الذي يطرأ على أفراد المجتمعات من حيث سلوكها وأنماط المعيشة فيها. ويحمل في ذاته عبء التفكير في تنشئة الأجيال: ماذا يتعلمون؟ وكيف؟ وما صفات المعلم ودوره؟ وهو في إجابته عن هذه الأسئلة يرسم منهجاً تربوياً يقوم على أسس التعلّم الصحيح ودور المدرّس الشغوف وتدريس الحقائق في المحتوى الدراسي في سياق ومضمون عمليين كي تصبح معارف فاعلة. وهو كتاب يهم واضعي المناهج والمعلمين والأهل على حدّ سواء.