التقويم بالكفايات كأداة لتطوير عملية التعلم
التقويم بالكفايات كأداة لتطوير عملية التعلم
أدركت التيارات التربوية الحديثة التي نشأت في بداية ثمانينيات القرن الماضي أهمية التقويم في العملية التربوية. وبذلك اعتبر التقويم التربوي، بوظائفه الثلاث التشخيصية والتكوينية والختامية، جزءاً لا يتجزأ من عملية التعلم. ويبقى التقويم التكويني أهم هذه الوظائف لأنه يعمل على بناء قدرات المتعلم وتنميتها.
تقتضي الوظيفة التكوينية للتقويم أن يكون هذا الأخير مرافقاً للعملية التربوية ومواكباً لها بمراحلها كافة، ومتكاملاً مع أنشطتها المدرسية، خصوصاً تلك التي تعتمد المقاربة البنائية (approche constructiviste) حيث يكون للمتعلم الدور المركزي. وهذه المواكبة تقتضي ضرورة دمج التقويم التكويني مع طرائق التدريس، ما يسمح للمعلم والمتعلم معاً بتصحيح مسار عملية التعلم عند الضرورة وذلك من خلال متابعة تقدمها بالنسبة للأهداف المرجوة .(Perrenoud, 1989) وعلى هذا الأساس يعتبر التقويم التكويني أداة لتطوير عملية التعلم بشكل مستمر من خلال كونه مظهراً من مظاهر الدعم المدرسي يتم اللجوء اليه كمتمّم لاستراتيجية التعلم من دون الحاجة إلى تدخل المعلم المباشر بل من خلال التفاعل بين المتعلم وبين ما يجب أن يتعلمه. ولكي تنجح عملية التفاعل هذه، على المعلم أن يأخذ بالاعتبار مستويات المتعلمين وطرائق تفكيرهم من خلال عملية تقويم تشخيصي يمكن أن يجريها عبر الإجابة عن مجموعة من الأسئلة الهادفة :(Toussaint, 1991) فمنهم مثلاً من لا يستطيع الخروج مما أُنتج في الصف أو حل مسألة معينة إذا صيغت بطريقة مغايرة لما كانت عليه خلال عملية التعلم، ومنهم من يحب العمل الفريقي بينما بإمكان آخرين بناء استراتيجية تعلم خاصة بكل منهم، ومنهم من يجد راحة وسهولة في العمل النظري المجرد بينما آخرون يفضلون العمل المخبري والتمارين العملية، ...
إذا كان التوجه العام في كل عملية إصلاح تربوية حديثة يرتكز على اعتبار التقويم التكويني ركناً أساسياً من أركان العملية التربوية التي تعتبر المتعلم هو الأساس في كل عملية تعلّم ومحورها؛ فإن هذا لا يعني أبداً إلغاء دور المعلم في هذه العملية؛ فعليه تأمين الظروف والوضعيات التعلمية المناسبة للمتعلم كي يستطيع هذا الأخير بناء معرفته بذاته.
أما أهم ميزات التقويم التكويني فهي أنه:
- يتوجه إلى المتعلّم
- يجعل المتعلم يلتزم عملية تعلمه، فهو لا يكتفي فقط بالملاحظة بل يجعل المتعلّم ينخرط في العمل.
- يهتم بطرق بناء المعرفة كما بنتائجها : يعطي التقويم التكويني الأفضلية لعملية التعلّم أكثر منه لنتائجها. فهو يركز على مراحل عملية التعلّم والطرائق التي اعتمدت للوصول إلى النتائج المرجوة بالرغم من صعوبة ذلك عملياً. وفي هذا الإطار، فإن المعلمين يحتاجون إلى أدوات عملية للقيام بالتقويم التكويني كما أن آلية تطبيقه تحتاج إلى تدريب جيد وإلا وجد المعلمون أنفسهم أمام فراغ لا يستطيعون ملأه أو مهمة صعبة لا يستطيعون القيام بها.
- يحدد الصعوبات ويضعها بشكل متدرج محدداً أسبابها من من أجل المعالجة لا من أجل المعاقبة والحساب.
- يعطي للخطأ دوراً تربوياً على اعتبار أن التعلم يمكن أن يتم عبر التجربة والخطأ. وعلى هذا الأساس، يأخذ الخطأ الذي يقترفه المتعلم معنى مختلفاً عما هو متعارف عليه؛ فهو يعتبر مؤشراً لصعوبات تعلمية أو لاستراتيجية تعلمية غير مناسبة ما يسمح باقتراح الحلول لذلك من خلال الدعم المدرسي. إن دراسة أخطاء التلاميذ تمثل الحلقة الأولى من عملية الدعم حيث يكون للمعلم الدور الأهم من خلال اقتراح طريقة الدعم المناسبة وآليتها بدل الاكتفاء باعتبار المتعلم راسباً أو ضعيفاً. ولذلك فهو يهتم بطريقة التعلّم أكثر من اهتمامه بالنتائج.
إن كل هذه المبادىء هي مطابقة كلياً ومنسجمة مع التوجه العام للمدرسة الحديثة: تنمية قدرات المتعلم الفكرية وإكسابه المعرفة الضرورية التي تساعده على إكمال تعلمه الجامعي أو التي تؤهله للدخول إلى الحياة العملية.
التقويم بالكفايات كمظهر من مظاهر التقويم التكويني
تعتبر المقاربة بالكفايات على مستوى التقويم أحد أهم مظاهر التقويم التكويني كونه يعطي لهذه المقاربة مبررات اعتمادها. فمن خلال كونه يدمج موارد مختلفة ومتنوعة عند المتعلّم) معارف - قدرات - مواقف)، يسهم التقويم بالكفايات في تنمية قدرات المتعلّم وفي تحديد المكتسبات والصعوبات التعلمية ما يساعد في عملية الدعم المدرسي التي تعتبر أساسية في التقويم التكويني.
إن التقويم بالكفايات هو أكثر من طريقة تقويم عادية يومية؛ إنه موقف ورؤية لأن ممارسته تخبىء في طياتها رؤية خاصة لعملية التعلّم تكون مبنية على جعل المتعلّم، لا المعلّم، محوراً لعملية التعلّم؛ وهي بالتالي تفرض على المعلّم تغييراً جوهرياً في ممارساته اليومية على مستويات عدة: دوره في عملية التعلّم، اختيار وضعيات التعلّم والأنشطة المرتبطة بها، إيقاع عملية التعلّم، الأخذ بعين الاعتبار طرائق التفكير عند المتعلّم واختلافها من تلميذ إلى آخر، تحليل نتائج كل عملية تقويم من أجل تحديد الصعوبات والمكتسبات عند المتعلّم بهدف تحديد آلية الدعم المدرسي المناسب .(Allal,1991)
يسهم التقويم بالكفايات بتحسين جودة التعليم لأنه يدمج بشكل متكامل وظائف التقويم الثلاث الآنفة الذكر؛ فهو يؤمن متابعة عملية التعلّم وأنشطتها في كل مراحلها، ابتداءً من استكشاف النقص وتشخيص الصعوبات عند المتعلم، كي يتم تأمين ما هو ضروري للحصول على مكتسبات جديدة، وانتهاءً بجردة المكتسبات من معارف وقدرات ومواقف ضرورية للانتقال من صف إلى آخر أو للحصول على شهادة. ولذلك فإن آلية تنفيذ التقويم بالكفايات تعتمد الخطوات التمهيدية الآتية:
أ. في بداية كل عملية تعلّم محور معيَن، يقوم المعلم بعملية تقويم تشخيصي مبنية على كفايات تمّ اكتسابها في السنة السابقة لتحديد الصعوبات ونقاط الضعف من أجل العمل على تجاوزها قبل البدء بعملية تعلم جديدة.
ب. يطلب إلى المتعلم حل وضعية مركبة تقوم على استخدام مهارة أساسية واحدة من أجل التأكد من قدرته على استخدامها في وضعيات تعلّم جديدة أكثر تركيباً.
ج. للتأكد من امتلاك المتعلم لكفاية ما، يجب أن ينجح في حلّ وضعيتين من أصل ثلاث وضعيات تحدد هذه الكفاية. وهنا يجب التأكيد على عدم تقويم عناصر كفاية معينة بشكل منفصل بعضها عن بعض لأن المطلوب هو مراقبة تصرف المتعلم في وضعية مركبة تدمج كل هذه العناصر وتكون مشابهة أو قريبة لما يمكن أن يصادفه في حياته اليومية.
يسهم التقويم بالكفايات في تكوين شخصية المتعلّم من جميع جوانبها على أساس أن اكثرية الوضعيات المقترحة في عملية التقويم هذه، تطلب من التلميذ تحديد المشاكل واستخراجها من المستندات الموضوعة بين يديه ووضع الفرضيات الواقعية لهذه المشاكل من أجل اقتراح حلول مناسبة لها. أما عملية تقويم الكفايات فتتم في وضعية مركبة، يوظف فيها المتعلم موارد مختلفة بشكل مندمج، من خلال مدى تملك هذا الأخير لمعايير (أو محكّات كما يرغب البعض تسميتها) محددة خصوصاً بكل كفاية، من دون النظر إلى ما تملّكَه زملاؤه الآخرون في الصف. بمعنى أن التنافس في الصف لم يعد بين متعلّم ومتعلّم آخر بل أصبح بين المتعلّم ونفسه، قبل عملية التعلّم وبعدها (هل اكتسب أم لم يكتسب) وذلك من خلال سؤاله لنفسه: ''ماذا تغيَر لدي قبل عملية التعلم وبعدها''؛ لأن التنافس بين متعلّم ومتعلّم آخر قد يؤدي أحياناً إلى اللجوء إلى طرق غير مشروعة كي يحصل التلميذ على علامة أعلى مما حصل عليه الآخر. ولكن ما هي هذه المعايير وكيف تتم عملية تطبيقها عملياً في تقويم الكفاية؟
أين أصبح نظام التقويم بالكفايات؟
قبل الإجابة عن السؤال السابق، لا بد من التطرق إلى المراحل التي وصل إليها نظام المقاربة بالكفايات على صعيد التقويم. لن ندخل في نقاش حول تعريف الكفاية الذي اعتمده المركز التربوي للبحوث والإنماء أو خصائصها التي أصبحت معروفة من قبل غالبية المعنيين بالشأن التربوي. أما الجديد في الأمر فهو مشروع تطوير نظام التقويم بالكفايات الذي قام به المركز التربوي ضمن مشروع الإنماء التربوي المموَّل بقرض من البنك الدولي. فقد تم التعاقد مع المكتب البلجيكي لهندسة التربية والتدريب (BIEF) لدراسة ما كان قد تم إنتاجه حول التقويم بالكفايات والانطلاق من هذه الدراسة لتحديد الأطر العملية الآيلة إلى جعل نظام التقويم بالكفايات أكثر عملانية وسهولة في التطبيق من أجل تحقيق الأهداف المرجوة لعملية التقويم. وخلال هذه العملية التي امتدت على مدى عشرين شهراً (من بداية شهر تشرين الأول ٢٠٠٤ وحتى نهاية شهر نيسان ٢٠٠٦)، تم إنجاز الأمور الآتية:
أ- إعادة صياغة كفايات السنة الثالثة من كل حلقة من حلقات التعليم الأساسي الثلاث ومن المرحلة الثانوية بفروعها كافة بمعدل إثنتين إلى أربع كفايات في كل مادة دراسية. وقد تمت هذه العملية إنطلاقاً من صورة المواطن اللبناني التي رسمتها الأهداف العامة لخطة النهوض التربوي التي تم إقرارها عام ١٩٩٤.
ب- إنجاز وضعيات تقويم بمعدل أربع إلى ست وضعيات لكل كفاية على أساس أن تحديد الكفاية عبر وضعية واحدة أو إثنتين فقط يؤدي بالمعلم إلى تكرارها في كل عملية تعلم أو تقويم حيث أن المتعلم في هذه الحالة يلجأ إلى التذكر والإسقاط لما تم تعلمه في الصف. وعلى هذا الأساس تم إنجاز حوالى ٨٥٠ وضعية في كل المواد الدراسية.
ج- تجربة ١٣٣ وضعية من الوضعيات المعدة لحلقات التعليم الثلاث في ٣٦ مؤسسة تربوية، رسمية وخاصة، موزعة على مختلف المناطق اللبنانية حيث كان الهدف الأساسي من هذه التجارب الوقوف على مدى عملانية ما تم إنجازه لجهة التوازن بين الوضعيات المخصصة لكل كفاية على صعيدي الصعوبة ودرجة التركيب (complexité) ولجهة التطبيق العملي إن على مستوى صياغة الوضعية أم على مستوى عملية التصحيح على أساس المعايير، خصوصاً وأن عملية التصحيح هذه قد تمت من قبل معلمين وأساتذة شاركوا في إنتاج هذه الوضعيات وآخرين لم يشاركوا في إنتاجها تمت مناقشة ملاحظاتهم على مدى عملانية التصحيح على أساس المعايير. وقد قامت لجان التقويم بأخذ نتائج هذه التجارب والمناقشات بالاعتبار لجهة إعادة النظر في بعض الوضعيات حيث كان ذلك ضرورياً.
د- إنجاز أداة تدريب على التقويم بالكفايات كاملة مكتملة باللغات الثلاث: العربية والفرنسية والإنكليزية (حوالى ١٥٠ صفحة خاصة بكل لغة).
لكي يكون نظام التقويم بالكفايات مكتملاً، لا بد من إنجاز كفايات التقويم والوضعيات الخاصة بها للسنتين الأولى والثانية من كل حلقة ومرحلة. هذا ما نحن الآن بصدد التحضير له.
المعايير التي اعتمدتها لجان التقويم في لبنان
ما دورالمعايير في التقويم التربوي المبني على أساس الكفايات؟
عندما يأتي الأهل إلى المدرسة للسؤال أو للاستفسار عن الصعوبات التعلمية التي يواجهها أولادهم، كان يعطي المعلم في غالب الأحيان إجابة عامة، كأن يقول : ''تلميذ ضعيف''؛ ''بإمكانه أن يكون أفضل''؛ ؛يجب أن ينتبه خلال الشرح''؛ أو ما شابه. وفي أفضل الأحيان يكون الجواب "عليه أن يدرس بعمق أكثر" أو "عليه أن يغيَر طريقة الدرس". إنما السؤال الصعب الذي لم يكن من السهل الإجابة عنه: "ما هو العمل المطلوب القيام به لمساعدة هذا التلميذ على تجاوز هذه الصعوبات وكيف يمكن أن يتم ذلك؟". في الإجابة عن هذا السؤال يكمن سر اعتماد معايير التقويم التي هي في أساس المقاربة بالكفايات؛ ومن هنا جاء اعتبار التقويم بالكفايات مظهراً أساسياً من مظاهر التقويم التكويني والدعم المدرسي. ولكن كيف يكون ذلك؟ وما هي هذه المعايير وكيف يمكن لها أن تساعد المتعلم على تخطي الصعوبات؟
ما هي معايير التقويم؟
إن معايير تقويم الكفاية هي صفات مرجعية يتم العودة اليها عند تقويم نتاج المتعلم؛ وهي تظهر عبر مبينات أو مؤشرات واضحة وقابلة للملاحظة. ومن خصائص المعايير أنها:
- عامة: يمكن استعمالها في أكثر من موضوع ومادة دراسية.
- غير محسوسة: لا تظهر إلا من خلال مبينات أو مؤشرات.
- ثابتة: لا تتأثر بتغيير المواد الدراسية أو الأعمال أو الأزمنة.
- منفصلة بعضها عن بعض كي لا يدفع المتعلم ثمن الخطأ الواحد مرات عدة.
- واضحة ومفهومة من قبل الجميع بالشكل نفسه.
- صادقة: تقيس ما هو مفروض أن تقيسه.
أما المعايير التي تم اعتماد بعضها في لجان التقويم، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المادة الدراسية، فهي:
أ. الملاءمة (pertinence) أي تطابق إنتاج المتعلم مع التعليمات الخاصة بالمهمة المطلوب من المتعلم القيام بها.
ب. الاستعمال الصحيح لأدوات المادة الدراسية (أي المعارف والموارد الخاصة بالمادة أو بمواد أخرى مرتبطة بالمادة).
ج. الاتساق (cohérence) أو التماسك والترابط في الإجابات والحجج والسياق الفكري....
د. الاقتضاب في التعابير.(concision de l'expression)
هـ. الوضوح في صياغة الإجابة .(clarté de la rédaction)
و. مقروئية الخط والرسوم ....
ز. الابتكارية في الأفكار والتعابير والأمثلة ... (originalité)
ح. احترام قواعد السلامة ....
لكل واحد من هذه المعايير مبينات عدة أو مؤشرات (indicateurs) تكون قابلة للملاحظة والقياس ما يسمح بالتأكد من اكتساب الكفاية أو عدمه. تتم صياغة هذه المبينات من خلال تعابير مثل : وجود أو عدم وجود ...، عدد الأسطر، عدد الجمل، الجواب الصحيح، وحدات القياس، استعمال أدوات الربط في الإجابة.... أما عدد هذه المبينات الخاصة بكل معيار فيجب ألا يكون كبيراً كي لا نقع في سلم تصحيح يعتمد على الجزئيات (microbarème)، كما يجب ألا يقتصر على مبين واحد أو إثنين كي لا يكون شاملاً بحيث يحمل تأويلات عدة تخضع لذاتية المصحح؛ ولذلك حاولت غالبية اللجان اعتماد ثلاث أو أربع مبينات لكل معيار. والجدير ذكره أن معايير تقويم كفاية ما تبقى هي ذاتها من وضعية إلى أخرى ولا تتغيّرَ بتغيّرُ هذه الأخيرة؛ أما المبيّنِات فهي مرتبطة بالوضعية المختارة لتقويم الكفاية ولذلك فهي تتغيّرَ بتغيّرُ الوضعية.
متى نقول إن هذا المعيار قد تم امتلاكه؟
اعتمدت لجان التقويم أربعة مستويات لتملك كل معيار وذلك بحسب عدد المبينات الظاهرة في إجابة المتعلم:
١. التملّك الأقصى: في حال وجود المبينات كافة.
٢. التملّك الأدنى: في حال وجود ثلثي المبينات تقريباً.
٣. التملّك الجزئي: في حال وجود أقل من ثلثي المبينات.
٤. عدم التملّك: في حال عدم وجود أي مبين.
والجدير بالذكر أن المعيار لا يعتبر مكتسباً إلا في حال التملّك الأدنى على الأقل أي في المستويين الأول والثاني فقط.
أما عن كيفية اعتماد المعايير، فقد قامت كل لجنة من لجان التقويم بتحديد نوعين من المعايير:
- معايير الحد الأدنى: أي المعايير التي يتوجب على المتعلّم امتلاكها جميعاً بالحد الأدنى، على الأقل كي يمكن اعتبار الكفاية مكتسبة. أما العدد المثالي لهذه المعايير فهو ثلاثة.
- معايير التمايز أو الاكتمال: وهي المعايير التي لا تعتبر ضرورية للحكم على اكتساب الكفاية أو عدمه؛ إنما تكمن وظيفتها في تمييز تلميذ عن آخر. ولذلك فهي محدودة العدد، معيار واحد أو اثنان على الأكثر.
لقد اعتمدت غالبية اللجان ثلاثة معايير اعتبرت كمعايير للحد الأدنى، وهي الملاءمة والاستعمال الصحيح لأدوات المادة الدراسية والاتساق. أما معايير التمايز فقد تمثلت في مقروئية الخط والرسوم، الابتكارية في الأفكار والتعابير والأمثلة، ترتيب المسابقة،...
وبالعودة إلى السؤال حول الصعوبات التعلمية التي يواجهها المتعلم، يمكن الآن إعطاء جواب واضح وعملاني للأهل. فعلى سبيل المثال يمكن أن تكمن المشكلة في أن المتعلم:
أ. لديه المعلومات المعرفية وطرائق استعمالها ولكنه لا يستطيع فهم المهمة المطلوب منه القيام بها أي أن إجابته لا تتلاءم مع المطلوب بالرغم من صحتها من الناحية المعرفية أو العلمية، ولذلك يجب مساعدته في فهم ما هو مطلوب منه القيام به؛
ب. أو أنه يستطيع فهم ما هو مطلوب منه ولكن المشكلة تكمن في عدم قدرته على الاستعمال الصحيح لقواعد المادة ومعارفها (قواعد اللغة مثلاً أو القوانين العلمية أو القواعد الرياضية) ولذلك يجب مساعدته على حسن استعمال أدوات المادة؛
ت. كما قد تكمن المشكلة في أن المتعلم، بالرغم من اكتسابه المعرفة العلمية المتعلقة بالمادة إلا أنه لا يستطيع إعطاء جواب مترابط الأفكار أو لا يتمتع بالحس النقدي الذي يمكنه من اكتشاف عدم منطقية جوابه.
إن تحديد الصعوبات هو الخطوة الأولى الضرورية لمساعدة المتعلم وتصحيح مسار عملية التعلم. من هنا القول إن التقويم بالكفايات على أساس المعايير يؤدي وظيفته التكوينية التي تتجلى في استكشاف أخطاء التلاميذ وإعطائها دوراً مهماً من خلال تحديد أسبابها، وذلك من أجل مساعدة المتعلم على تجاوز الصعوبات التي تعيق عملية التعلم كما تساعده على تعميق المكتسبات السابقة.
خاتمة
إذا كان الاهتمام الحالي للمدرسة في بداية هذا القرن يتركز على تطوير الكفايات وزيادتها لكي تغطي مجالات المعرفة كافة وطرائق استعمالها وتواصلها من أجل اعطائها ''شرعية تربوية''، فذلك يعود لسببين اثنين:
أ. إن قسماً من التلامذة لا يستطيع محاربة الفشل في المدرسة من خلال معرفة خالية من كل اطار واقعي وفعلي ومنقطعة عن كل ممارسة عملية. والمقاربة بالكفايات تؤمن صلة الوصل بين المعرفة المدرسية والممارسة اليومية في الحياة الاجتماعية. وهنا يجب الاعتراف أن المقاربة بالكفايات وإن أمّنَت تلك الصلة فهي لا تستطيع حل كل الصعوبات التعلمية إنما تقليصها إلى الحد الأدنى.
ب. إن قسماً آخر من التلاميذ وإن تمكَّن من استيعاب المعرفة المدرسية في اطار معين يبقى عاجزاً عن استخدامها واستثمارها في أطر ووضعيات جديدة. والمقاربة بالكفايات تمثل خطوة متقدمة تسمح للمتعلم بهذا الاستثمار.
إن اعتماد نظام تقويم يرتكز على المقاربة بالكفايات يستجيب لتطلعات التيارات التربوية الحديثة القائمة على مبدأ اعتبار المتعلم أساس العملية التربوية. إننا نتطلع، من خلال هذه المقاربة، إلى تكوين مواطن لا يكتفي بتحقيق مهمة معينة فقط؛ بل يكون لديه، في اطار وظيفته ودوره في الحياة، استقلالية ذاتية تسمح له بأن يواجه بشكل فعّال وباتزان المواقف المرتبطة بوظيفته أو بعمله حتى لو كانت هذه المواقف غير متوقعة.