وسائل تعليمية بأقل كلفة ممكنة
وسائل تعليمية بأقل كلفة ممكنة
يعتقد البعض أن الوسيلة التعليمية تحل محل الخبرة المباشرة ، متجاهلين القاعدة الصحيحة دائماً والقائلة ''أن أفضل أنواع التعلم ما كان نتيجة لخبرة مباشرة'' فدور الوسائل يبدأ في حال غياب هذه الخبرة أو تعذر حصولها لأسباب معروفة ومحددة وهي:
١- صغر أو كبر حجم الظاهرة.
٢- بُعد الظاهرة زمانيا أو مكانياً عن المتعلم.
٣- خطورة الظاهرة على حياة المتعلمين.
٤- سرعة أو بطء حصول الظاهرة.
وما عدا ذلك ينبغي أن يسعى إليها المعلم مع المتعلم أو أن يتقربا منها ببدائل ممكنة تُوفرها البيئة المحلية والتكنولوجيا الحديثة ويطلق عليها حديثا ''وسائل وتكنولوجيا التعليم''.
إن المعيار الأول والأهم لاختيار المعلم الوسيلة المناسبة لموضوع درسه إذاً هو: الاقتراب من الخبرة المباشرة، إضافة إلى المعايير المكملة الأخرى التي نجدها في كتب الوسائل وتكنولوجيا التعليم.
الأسس السيكولوجية لاستخدام الوسائل التعليمية:
يُعَد الإحساس بأدواته الخمس المدخل الرئيس لعملية التعلم الذي هو نتيجة لعمليات أخرى أبرزها عملية الإدراك. واستخدام المعلم لوسيلة التعليم تحقق مبدأ التآزر بين الحواس خلال عملية التعلم عملا بمقولة ''كلما تكاملت الحواس في طلب المعرفة كان التحصيل أفضل''. فعملية ''التآزر التكاملي" هذه تساعد على تحسين نوعي للعملية التعليمية /التعلمية .
أشارت نتائج بعض الدراسات في علم التربية وعلم النفس التعلمي الى انه لا يكفي قراءة عبارة أو سماعها وحفظ بعض ما ورد فيها ليكون معناها واضحا عند المتعلم ، ويبقى السؤال الوجيه دائما: المعلم يشرح ويوضح، فهل يتعلم المتعلمون ؟ ووجاهة السؤال تكمن في علاقة عملية الإدراك بعملية الإحساس. والتلقين هو ابسط واقرب وأسهل طريقة في التعليم ولكنه ليس أفضلها.
ان التلميذ، خلال مرحلة التعليم الاساسي بحاجة إلى أشياء حقيقية وملموسة لتعلم المفاهيم أو لتكوين مفاهيم جديدة. يحس التلميذ، ولكن هل يدرك ما تنقله إليه حواسه؟ انه يسمع أو يرى أو يتذوق فهل يتعلم ، أي هل يحلل ويفسر ويربط ويركِّب ويحكم؟ وبمعنى آخر هل يدرك العلاقة بين العناصر؟ فعمر المتعلم يحدد مستوى نضجه العضوي والنفسي والعقلي وتصنيف ادغار ديل لمواضيع التعلم من المحسوس إلى المجرد، بما يعرف بمخروط الخبرة يستند إلى هذا المفهوم(١).
وقد أثبتت دراسات بياجيه (Piaget) وبرونر (Bruner) ان إدراك الفرد ينمو من المحسوس إلى المجرد وأشارا إلى خمسة مستويات للإدراك هي(٢):
- مستوى الإدراك الواقعي الملموس (الحركي) (٣ - ٥ سنوات - مرحلة الروضة)
- مستوى التصور الواقعي (٦ - ٨ سنوات – الحلقة الأولى/التعليم الأساسي)
- مستوى التصور الرمزي (٩ - ١٢ سنة – الحلقة الثانية / التعليم الأساسي)
- مستوى التصور التأملي (١٣ - ١٨/١٧ سنة – الحلقة الثالثة / التعليم الأساسي ومرحلة التعليم الثانوي)
- مستوى الإدراك التأملي البحت (١٩/١٨ سنة وما فوق – التعليم العالي)
يتعاظم دور الوسائل التعليمية في السنوات الأولى من مرحلة التعليم الأساسي لأن المتعلم في هذه السنوات لا يدرك إلا الأشياء الواقعية (المحسوسة) ويقل هذا الدور تدريجيا كلما صعدنا في سنوات الدراسة حتى يصبح التصور الإدراكي جاهزا للتعلم الرمزي ثم التأملي. وكل مستوى يؤسس للمستوى الذي يليه. والانتقال من مرحلة إلى أخرى يتطلب استعمال نوع معين من التصور، ما عدا الإدراك الحركي والإدراك التأملي اللذين لا يعتمدان على أي تصور لأن الأول يعتمد على الواقع الملموس فقط والثاني يعتمد على المفاهيم النظرية البحتة. أما المستويات الأخرى فإنها تتطلب من المعلم استخدام الوسائل والمواد التعليمية المناسبة لمساعدة التلاميذ على تعلم المفاهيم وتكوين تصور إدراكي لها.
وينبغي ألا يغيب عن بالنا أمر في غاية الأهمية ، يتيحه استخدام الوسيلة للمتعلمين في مرحلة التعليم الأساسي وهو ما يتعلق بمنهج البحث والتفكير الذي يوحيه إليهم تنفيذ الخطوات الدقيقة عند استخدام أي من الوسائل التعليمية. إن حسن الاستخدام يساعد ، ليس فقط على تزويد المتعلمين بمعلومات ، بل أيضا يكسبهم منهجا علميا في كيفية إيجاد هذه المعلومات والافادة منها في الحياة اليومية. وهنا نكون قد حققنا هدفين هامين هما: اكتساب منهج بحث علمي، وربط المعلومة بواقع المتعلم للاستفادة بها في حياته اليومية. وهذا الجانب المهم هو الذي أسس لتقنيات فكرية أصبحت مكوّناً أساسياً من مكوّنات استراتيجية المعلم عند استخدامه الوسائل وجعل الاسم المناسب لها هو ''وسائل وتكنولوجيا (تقنيات) التعليم''.
هل أفضل الوسائل هي الأغلى ثمنا؟
يسود الاعتقاد أن أفضل الوسائل هي تلك التي تنتج من قبل مؤسسات متخصصة تراعي في إنتاجها المواصفات الفنية إضافة إلى المواصفات العلمية والتربوية ، ويبرر أصحاب وجهة النظر هذه بأن الوسيلة ينبغي أن تُقدّمَ إلى المتعلمين بأفضل صورة.
هذا أمر لا يختلف عليه اثنان في حالة إمكانية تحقيقه ، وينطبق على أنواع محدودة لمواد وصفوف معينة، ولكن الوسائل لا تنحصر فقط في هذه الأنواع ولهذه المواد والصفوف فقط، ويمكن وضع سلم اولويات يسعى المدرّسِ إلى تحقيق بنوده، ولكن من غير المعقول أن نضع شرط تحققها كاملة كشرط لاستخدام الوسيلة، مثلا: هل يمتنع المعلم عن تعليم درس الجغرافيا بحجة عدم توافر خريطة للبلد أو للقارة موضوع الدرس بمواصفات فنية جيدة ؟ أو يقوم المعلم مسبقاً برسم خريطة على لوح كرتوني وبمواصفات معقولة ، تحقق الهدف المنشود ، أو يقوم برسم خريطة على لوح الصف بالطبشور الملون ؟
وهل يمتنع المعلم عن إعطاء درس في الفيزياء بموضوع الدارة الكهربائية بحجة أن مختبر الفيزياء غير متوافر في المدرسة أو يحمل معه بطارية وبعض الأسلاك ومحرك لعبة صغير أو لمبة صغيرة ويقوم بصنع دارة كهر بائية أمام تلاميذه ومعهم؟ والأمثلة على ذلك كثيرة.
وهناك جانب لا يقل أهمية عما ذكر سابقا يطرحه السؤال الآتي : من قال بأن الوسيلة الجاهزة هي أفضل الوسائل للتعليم حتى وان كانت ذات مواصفات فنية عالية وأكاديمية جيدة؟ أو ليس التعديل والتصحيح والتصويب هي عمليات إجرائية للتعلم ؟.
وأخيراً، ان عملية إنتاج الوسائل البسيطة من قبل المدرس ، وبالتعاون مع التلاميذ، عدا أنها عملية تدريب مهارات حس / حركية ومهارات فكرية وخطوات منهجية ينبغي أن يكتسبها المتعلم ، فإنها كذلك تؤسس لعقلية الإنتاج والإبداع بدل عقلية الاستهلاك التي تسعى المؤسسات الاقتصادية العالمية إلى إغراق أجيالنا في لجتها ، وهذا برأينا الهدف الأسمى لتشجيع المعلمين على إنتاج وسائلهم الخاصة بمواضيع دروسهم بعد تدريبهم على ذلك.
أما السؤال عن إمكانية إنتاج بعض الوسائل التعليمية وكلفتها، فقد أجابت بعض المؤسسات التعليمية عنه من خلال إقامتها معارض للوسائل التعليمية المنتجة من قبل المعلمين والمتعلمين(٣)، وقد شاهد الزائر أنواعا من الوسائل البسيطة والمصنوعة من مواد متوفرة في البيئة المحلية وبكلفة زهيدة، غطت معظم أنواع الوسائل من مجسمات ثابتة ومتحركة وعينات حقيقية وأشكال هندسية ولوحات كهر بائية ورسوم بيانية وخرائط جغرافية وتاريخية ورسوم كاريكاتورية غطت مواضيع مواد المناهج التعليمية الحديثة كافة. وبرز فيها إبداع في تصوير أو تجسيم الفكرة المأخوذة من درس معين ، كما برزت مهارات فنية راقية في التصميم والتنفيذ.
قد يصبح استخدام الوسائل التعليمية مضيعة لوقت المعلم والمتعلم إذا كان هذا الاستخدام شكليا، والاستخدام الشكلي عادة يصبح هدفا بحد ذاته، أي أن يقرر المعلم استخدام وسيلة ما لتمضية وقت لا يجد فيه ما يعمله في الصف، ومن دون خطة عامة (استراتيجية) ومن دون خطوات تفصيلية (تكتيك)، وحتى لا يقع المعلم في ذلك، عليه أن يؤمن أولا بأهمية عمله كمعلم وثانيا أن يحترم المتعلمين وثالثا أن يختار استراتيجية معينة عند تحضيره لدرسه وان تكون الوسيلة التعليمية جزءاً من هذه الإستراتيجية وان تحتل موقعا أساسا في التكتيك وبخاصة عند تطبيق الطرائق الناشطة.
الوسائل التعليمية البسيطة والكمبيوتر:
يذهب البعض الى أن استخدام الوسائل المعروضة على أجهزة هي الأفضل والأكثر فائدة ولعل أهمها على الإطلاق هو الكمبيوتر الذي يُعَد مجموعة من الأجهزة في جهاز واحد وبالتالي يقدم إمكانيات غير محدودة لتشويق المتعلمين وإثراء الموقف التعليمي / التعلمي، وأن مدرسة غير مجهزة بصالات الكمبيوتر لا تقدم للمتعلمين تعليما جيدا. مثل هذه الآراء كثيرة وحجج بعضها وجيهة، وخصوصاً لجهة استخدام الكومبيوتر على الصعيد الإداري، ولكن ذلك لا يمنع مناقشتها ليس بهدف الرفض بل بهدف التفريق بين امكانات هذا الجهاز والفائدة الحقيقية، وكيفية توظيفها لتطوير العملية التعليمية/التعلمية من جهة، وبين تأثير سياسة الترويج التسويقي للشركات المصنّعِة التي أوجدت مناخا يخدم مصالحها من جهة أخرى.
ولا يُخفى أن ربط الجودة باستخدام الكمبيوتر فيه تبسيط وتسطيح لموضوع الجودة، تذّرُ رماده بعض مؤسسات القطاع الخاص في عيون المواطنين بهدف المنافسة وتبرير الأقساط المرتفعة، وان المغالاة في أهمية استخدام الكمبيوتر في مرحلة التعليم الأساسي لا يطمئن له التربوي وذلك بسبب استبدال العالم الواقعي بعالم افتراضي لمتعلمين في سن لم يكتمل بعد فيها نموهم العقلي والنفسي، وبسبب جهلنا للأثر الذي يتركه جعل هذا العالم الافتراضي بديلا رئيسا للواقع ، ومدى تأثير ذلك على تفكير أبنائنا وأجيالنا في المستقبل. والإجابة عن مثل هذه التساؤلات تكون بخطة بحثية تربوية ميدانية ومقارنة نفتقد إليها في الوقت الراهن، والمطلوب من مراكز الابحاث المعنية وضع خطة تخدم هذا الاتجاه.
تبقى بيئة المتعلم بشقّيها الطبيعي والاجتماعي هي الكتاب المفتوح دائما، حيث تتوافر مجالات متنوعة من الخبرة المباشرة، وفيها مواد كثيرة يمكن استخدامها في إنتاج وسائل تعليمية متنوعة بأقل كلفة ممكنة، تخدم موضوعات المناهج الجديدة وتغني العملية التعليمية في مدارسنا سواء تلك الموجودة في المدن أو في القرى النائية.وتكتسب هذه الوسائل أهمية خاصة لدى المعلمين الذين يعتمدون الطرائق الناشطة في تعليمهم حيث يتجلى التفاعل الإيجابي بين عناصرالعملية التربوية في احسن صورة .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
١- Edgar DALE, A.V.Methods in teaching, The Dryden press, N.Y. 1969,p 719
٢- عبد الرحمن، مصطفى، الوسائل التعليمية والتكنولوجيا ، دار احياء التراث، ط ١، ١٩٩١ ، ص.ص. ١٠٠- ١٠٥
٣- معرض ثانوية فخر الدين الرسمية الذي أقيم في ٢٠٠٤/٥/٦ ومعرض ثانوية البتول الذي أقيم بين ١٢ و ٢٠٠٤/٥/١٦ ومعرض كلية التربية في الجامعة اللبنانية الذي أقيم بين ١٦ و ٢٠٠٤/٦/٢٠ وغيرها من المعارض.