التسرّب المدرسي مقاربة للواقع والمعالجات

    التسرّب المدرسي  
مقاربة للواقع والمعالجات

تعتبر المدرسة المركز الأساس للتحصيل العلمي وللتكوين النفسي والفكري للتلميذ والمرحلة الأولية
للانخراط الاجتماعي بين الفرد والجماعة. وبالرغم من إقرار قانون إلزامية التعليم للجميع في المرحلة
الابتدائية، نرى العديد من التلاميذ يعانون من مشاكل دراسية واجتماعية وشخصية ويرزحون تحت عبء
النظام المدرسي المثقل بالمواد التعليمية ما يعرّض بعضهم لخطر التسرب من المدرسة.

                                                                                      

مفهوم التسرّب المدرسي وعوامله

نعني بالتلميذ المتسرب، كل تلميذ انقطع عن متابعة دراسته الأكاديمية لظروف معينة تربوية كانت أم  اجتماعية ولم يعد بامكانه العودة إلى المدرسة والانخراطفي النظام التعليمي. ولقد أصبحت ظاهرة التسرّب تشكّل عبئاً مجتمعياً وتربوياً جلياً، فمعدلات التسرّب في ارتفاع دائم. والتسرّب المدرسي، هو مؤشّر على نوعية التعليم الذي يستبقي الطفل في مرحلة إعداده للحياة والمجتمع وهو دلالة على خلل وعدم توازن في النظام التربوي. كذلك لا نستطيع الاكتفاء بالبعد التربوي لهذه المشكلة إذ إنه كماذكرنا، ثمة وضاع اجتماعية يتخبط بها لبنان تدفع الاهل  إلى الإخلال بتعهداتهم في رعاية أطفالهم وتأمين حقهمفي التربية والتعليم.   وفي مؤتمر عقد مؤخراً في قصر الأونيسكو حولموضوع التسرّب حيث ضمّ العديد من الاختصاصيين التربويين والعاملين في جمعيات أهلية محلية واقليمية تعمل في حقل الوقاية من هذه الظاهرة الاجتماعية، أوضحت الدكتورة سوزان أبو رجيلي، الأختصاصية التربوية: ''أنه للوهلة الأولى يمكن الاعتقاد بأن التسرّب المدرسي ناتج عن نقص في القدرات المعرفية والمدرسية لدى التلميذ بمعنى أن المسؤولية تقع على عاتق هذا الأخير. ولكن إذا ما تمعنّا في هذه المسألة، لتبيّن لنا أن هناك أسباباً عديدة ترتبط بمجمل البيئة السياسية والاجتماعية والتعليمية - التعلمية بالإضافة إلى النواحي الشخصية والتي تأتي في أسفل الدرك''.

      

 

 

 

أما أهم العوامل المؤدية إلى التسرّب فيمكن حصرها بالآتي:

أ- العوامل ذات المصدر السياسي الإداري مثل عدم تطبيق قانون إلزامية التعليم ومجانيته، محدودية الميزانية الحكومية المخصّصة للتربية، عدم ملاءمة المباني المدرسية للمعايير، عدم إقرار آلية للتقييم والتصويب المستمر لفعالية النظام التربوي.
ب- العوامل ذات المصدر التعليمي- التعلّمي وتندرج ضمنها الصعوبات التعلّمية المتأتية من عوامل فيزيولوجية مثل تعسّر القراءة والكتابة، التأخر والبطء الدراسيين، الإعاقات العقلية والجسدية. أو من عوامل تعليمية مثل طرق التدريس وإدارة الصف،
( بروفيل Profil ) المعلم التربوي والنفسي  توقعاته، إهمال المعلم للولد إلى حد ما أحياناً وذلك نتيجة الاحباط الذي توصّل إليه بعد محاولاته الفاشلة في مساعدته(، أو نتيجة جهله بواقع المشكلة نظراً لإعداده المتواضع في هذا المجال أو حتى نتيجة عدم
رغبته أصلاً في إجهاد نفسه من منطلق أن ذلك لا يندرج ضمن وظيفته كأستاذ ولا يتلقى عليه أجراً معيناً. كما أنه غالباً ما يهمل المسؤولون الولد باعتبار أنهم قاموا بكل ما يلزم تجاهه، فيوفروا على أنفسهم مشقة تكييف طرائقهم مع الاحتياجات الخاصة لدى الولد. فتتفاقم الأزمة بشكل لافت حتى يستمرّ الاهمال هذا على مدى سنين فيصل الجميع إلى حائط مسدود. ج- العوامل ذات المصدر النفسي - العلائقي وتشمل الاضطرابات النفسية الاكتئاب، الانفعالية، القلق، الانطوائية والسلوكية (الكذب، الانحراف،
العدوانية...)
د- العوامل ذات المصدر الثقافي - الاجتماعي وتضم العوامل الاقتصادية: الوضع المادي، مهنة الأهل، الجهل، المستوى التعليمي للأهل، توقعاتهم إزاء الولد (أي اعتبار هذا الأخير مصدر رزق ودفعة إلى العمل بدلاً من تعليمه) الاستغلال الجنسي، اليتم، الطلاق... وأضافت الدكتورة أبو رجيلي أن هذه العوامل المذكورة، لم تأت نتيجة طرح لنظريات ''في الهواء'' بل نتيجة تمخّض طويل لمعطيات كشف لنا إياها الواقع الميداني التربوي والاجتماعي اللبناني.

                                      

                                          الترفيع الميسّر ومشكلة التسرّب

في إطار هذه الظاهرة وأسبابها المتعدّدة علّق الدكتور عبد الفتاح خضر رئيس مكتب البحوث التربوية في المركز التربوي للبحوث والإنماء، على مقدمات ومتلازمات ظاهرة التسرّب المدرسي في الواقع التربوي في لبنان ومما جاء في مداخلته: من الجدير التذكير أن الهيكلية الجديدة للتعليم ركّزت على المرحلة الإبتدائية بحلقتيها الأولى والثانية والمرحلة
المتوسطة (الحلقة الثالثة) كبنية التعليم الأساسي الذي يرتكز إليه التعليم الثانوي بمعنى أن مراحل الروضة والابتدائية والمتوسطة، تشكّل جزءاً تربوياً مشتركاً يرتكز إليه التعليم الثانوي ما بين العام أو المهني/ التقني. ولكن إزاء هذا التعديل بالشكل والمضمون والجهود، ما  زالت مشكلة التسرّب قائمة في كلتا المرحلتين الإبتدائيةوالمتوسطة. وعليه، أكّد الدكتور خضر بالاستناد إلى رسوم بيانية إحصائية، أن التسرّب ناتج من أسباب عديدة أوّلها اعتماد أسلوب الترفيع الآلي(ضمن الحلقة الأولى)(ضمن الحلقة الثانية)
من المرحلة الأولى من التعليم الأساسي(الابتدائية) ضمن شروط سليمة: فهناك شقّ مبدئي في هذه الفلسفة لا يطبّق بدقّة ووضوح ألا وهو الملفّ التحصيلي (carnet d'évaluation)  الخاص بكل تلميذ. وعليه، فإن هذا الملف يشكّل هوية التلميذ التربوية ضمن سنوات الحلقة الأولى ما يفعّل الهدف الأساسي لفلسفة الترفيع الميسّر  إلا أن عدم تطبيقه أو اعتمادهبطريقة مغلوطة وغير صحيحة، يصعّب على المعلمين مهمّتهم في مساندة التلميذ ودعمه تربوياً كتحسين الكتابة أو رفع مستوى القراءة لديه مثلاً. وبالتالي، نجد
التلميذ يرفّع ضمن الحلقة الأولى من دون شروط تربوية صحيحة فيصل إلى الحلقة الثانية ضعيفاً ما يؤدّي به إلى القصور صفاً بعد آخر وبالتالي الرسوب والإعادة والرسوب المتكرّر فالتسرّب. إن سياسة الترفيع الآلي تهدف إلى حماية الطفل من تجربة الفشل
والرسوب التربوي ولكن ما تظهره الرسوم البيانية هي نتيجة معاكسة تماماً لدور الترفيع الآلي أهدافه! من هنا، نرى أنفسنا  والحالة هذه، أمام معضلات متأتية من تعثّر التلميذ والرسوب المتكرر وعدم التجانس العمري في الصف وهي: - هدر لأعمار الأطفال المتأخرين والمتسربين منهم قبل الدخول في منطقة الأمان لناحية المعارف والمهارات الأساسية وبالتالي تهديد مستقبلهم المهني والاجتماعي. - إعادة تغذية الواقع الاجتماعي بمرشّحين
محتملين للسقوط في الأميّة. - إحباط مسبق، وإضعاف لفرص نجاح إجراءات وخطط التنمية البشرية. - رفع الكلفة الفعلية للتعليم وهدر كبير للموارد المتخصصة.

إزاء هذه الظاهرة الفتّاكة والتي تمتدّ بذيولها لخلق زعزعة في التوازن المجتمعي على الصعيدين التربوي والاجتماعي، اقترح الدكتور خضر برامج الرعاية والدعم والاستلحاق المدرسي التي  تخصّ فئات معينة من تلاميذ  المرحلتين الأولى والثانية، وأشار
إلى ضرورة استخدام الأبنية المدرسية خارج الدوام النظامي. كما أشار إلى وضع برنامج  الاستلحاق المدرسي بحيث يجب توفير تعليم مختلف وملائم ضمن صيغ منهجية وأطر تعليمية مختلفة عمّا هو متوافر في المدرسة العادية.

الوضع الميداني لمشكلة التسرّب

إذا كان أصحاب الاختصاص ينظرون إلى أسباب التسرّب من منظارهم النظري، فما هي آراء مديري المدارس والتربويين حول هذا الموضوع وهم أقرب الناس إلى التلميذ بعد أهله؟ في هذا الإطار، كانت لنا جولة ميدانية على عدد من المدارس الرسمية والمدارس الخاصة المجانية من مناطق مختلفة شكّلت  عينة صغيرة، استطعنا من خلالها استطلاع آراء متباينة حول مشكلة التسرّب وأسبابها. ففي مدرسة القلبين الأقدسين- برج حمود، أوضحت الأخت المديرة ماري دو كالفير عبّود أن مشكلة التسرّب ناتجة أولاً
من عدم جدية التلامذة في التعلّم وهذا أمر ناتج عن عدم مساندة الأهل لأولادهم وعن المستوى الثقافي المتدنّي لديهم. وتشير الأخت دو كالفير عبّود إلى أنها تحارب هذه المشكلة من طريق تشجيع الهيئة التعليمية على مساندة التلاميذ الذين يعانون من تقصير في تحصيلهم العلمي. ولمدير ابتدائية الأخاء اللبناني في حارة حريك السيد علي قشاقش، رأي حول هذا الموضوع إذ أوضح أن التسرّب يختلف باختلاف نوعية المدرسة. فالحالة الاقتصادية هي السبب الأول لتسرّب التلاميذ من المدرسة الخاصة المجانية، إذ تشكّل الأقساط عبئاً على عاتق الأهل كونهم يعجزون عن دفعها ما يؤدي إلى هذه النتيجة. إزاء هذه المشكلة، يلجأ الأهالي إلى تسجيل أولادهم في القطاع العام أي في المدارس الرسمية فيواجهون بالتالي صعوبة أخرى وهي اعتماد اللغة العربية للتدريس في
الحلقتين الأولى والثانية فيلقى التلميذ حينها صعوبة في إكمال التعليم باللغة الفرنسية أو الانكليزية حين يترفّع إلى المرحلة المتوسطة. وقد تمنّى السيد قشاقش في النهاية إعادة النظر في النظام التعليمي بدقّة وشمولية لتفادي مشكلة التعثر وبالتالي التسرّب. ومن حارة حريك إلى كرم الزيتون حيث التقينا السيدة مي كرم مديرة متوسطة كرم الزيتون للبنات. استهلت السيدة كرم حديثها مظهرةً أن مشكلة التسرّب تكمن من ناحية أولى في صعوبة استعمال أسلوب التقييم فتقول  الكفايات (carnet d'évaluation)فتقول ''إذا استطعنا تسوية الأمر بواسطة دورات تأهيلية وتدريبية تقام للهيئة التعليمية، فلن نستطيع تسويته لدى الأهالي إذ إنهم غير قادرين على استيعاب مثل هذا الأسلوب في تقييم كفايات أولادهم''. ما زالت العلامة التقديرية لديهم هي الطريقة الفضلى والتي بواسطتها يقيّمون المستوى العلمي لأولادهم. وليس من المعقول إقامة دورات تأهيلية للأهل حول التقييم بواسطة الكفايات؟! أما من ناحية ثانية، فإننا نواجه صعوبة في تطبيق أسلوب الترفيع الميسّر لاحتواء المناهج على عدد لا يحصى من المواد التي تعيق تطبيق هذا الأسلوب بطريقة صحيحة. فمن أجل نتيجة مثمرة يجب ألاّ تشتمل المرحلة الأولى سوى على هذه المواد ونحظى بتطبيق سليم لأسلوب الترفيع هذا. وإذا كانت الآراء متعددة حول العوامل والأسباب فكلّها تصبّ في معضلة واحدة وهي التسرّب، وإن أي حلّ لهذه الظاهرة لا بد أن يعتمد على مقاربة شاملة متعددة الأبعاد ت بالتركيز على الجانب الوقائي لما له من فائدة وفعالية بالتعرف إلى الأطفال المعرّضين لخطر التسرّب، والتدخل معهم كذلك لجهة مراجعة مكوّنات التعلّم لتكون ملائمة لاحتياجات
الأطفال فيستطيع بالتالي المعلم والمدرسة إدارةً ونظاماً تعليمياً أن يلعبوا دوراً حاسماً في هذا الموضوع. وكما أشار الدكتور عبد الفتاح خضر إلى اقتراح حول برنامج الرعاية والدعم والاستلحاق المدرسي لتفادي مشكلة التسرّب، هناك عددٌ من الجمعيات الاهلية المحلية التي باشرت بالمضي للوقاية والحدّ من هذه المشكلة محاولةً حلّها بالتعاون في ما بينها ومع المركز التربوي للبحوث والانماء أو مع جمعيات عالمية أخرى.
 

دور الجمعيات الأهلية الوقائي

في هذا المجال التقينا السيدة فيروز سلامة المسؤولة عن برنامج الاندماج في المدرسة لدى جمعية الحركة الاجتماعية وهي جمعية أهلية تعمل على قضية التسرّب عند الأطفال خصوصاً في البيئات الفقيرة وغير المتمكنة. استهلّت السيدة سلامة حديثها شارحةً لنا أهداف برنامج الدعم وكيفية تفعيله. فقالت إنه يتوجه إلى الأطفال من عمر ٥ إلى ١٨ سنة. إلاّ أن اختصاصِيّي الحركة الاجتماعية لاحظوا  أثر دراسة أجريت على عينة من الأطفال الملتحقين ببرامج الحركة، وتحت إشراف الاختصاصية في علم الاجتماع التربوي الدكتورة خيريّة قدّوح، أن الشريحة الأكثر تأثراً  بالتسرّب المدرسي تضمّ تلاميذ تتراوح أعمارهم ما بين ١١ و ١٤ سنة لذا أرست الحركة الاجتماعية برنامج الدعم لتسهيل عملية دمج أو اندماج التلاميذ في المدرسة. يطبّق هذا البرنامج وفق منهجية علمية معينة وهو ينتشر  ليطول كتجربة أوليّة ١٦ مدرسة رسمية منتشرة على الأراضي اللبنانية كافة. ''إن هذا البرنامج، تتابع السيدة سلامة، بعيد كل البعد عن حل الفروض    لمدرسية، بل يكمن في تشخيص نقاط الضعف التربوي التي يعاني منها التلاميذ والعمل على تقويتها وذلك بالتعاون والتواصل البنّاء ما بين المربين والمعالجين النفسيين والعمال الاجتماعيين التابعين للحركة من جهة والهيئة التعليمية والإدارية ولجان الأهل في  لمدارس الرسمية  من جهة ثانية''. وتشير سلامة إلى أن هدف البرنامج هو خفض نسبة الرسوب المتكرر والتسرّب عند التلاميذ خصوصاً في الصفين الرابع والثامن من مرحلة التعليم الأساسي، ويطبق

  هذا البرنامج ضمن مقاربة تربوية شاملة نعني بها متابعة التلميذ والإصغاء إلى حاجاته وتنمية قدراته على التفاعل  وتخطي كل المعوقات: رياضيات، لغة عربية، لغات أجنبية، فهم قراءة وتعبير، وغيرها من المواد الأساسية  التي يتم إعادة شرحها للتلميذ في مراكزنا المعتمدة وباستخدام طرق ناشطة. أما من الناحية الاقتصادية، فيتضمن هذا المشروع فيصيغته المتطورة هيكليات دمج متعددة تتكامل مع آلية الدعم  لمدرسي التربوي المعتمدة:   أندية   المواطنية: وهي فسحة للتعبير والتفاعل ما بين التلاميذ والموجهين عبر المشاركة بنشاطات ترفيهية وتثقيفية (توجيه بيئي، اكتشاف دور ومعنى النظام الديموقراطي، الاهتمام بالحقوق والشأن العام...). - تفعيل لجنة الأهل: تعمل فرق الحركة من أجل توعية الأهل على دورها الأساسي والذي يكمّل دور الادارة - فهي في المدارس الرسمية شبه معدومة. - المكتب الاستشاري وتتوزع مهامه على محورين  أساسيين وهما:
   

● مكتب التوجيه بحيث يتوجه إلى تلاميذ المرحلة  المتوسطة من خلال عرض الاختصاصات المهنية والجامعية المتوافرة.
●  مكتب المتابعة الاجتماعية.  وبانتقالنا إلى البرنامج الأساسي الثاني للحركة وهو الأندية  المهنية أوضحت السيدة فيروز سلامة ''أن هذا الأخير هو بمثابة مدرسة بديلة للأطفال الذين لم يرتادوا المدرسة قط وهم خارج أي نظام تعليمي معيّن''. يتوجه البرنامج من خلال فريق عمل متعدد الاختصاصات للعمل مع أطفال بين عمر ١١ و ١٤ سنة تركوا المدرسة في سن مبكرة فاتخذوا من الشارع ملجأ أو دخلوا سوق العمل حيث الانتهاك الواضح لحقوقهم. هنا يكمن دور الأندية المهنية لتؤمن لهم تعليماً بديلاً وتعالج نقاط ضعفهم على مختلف المستويات وتتأقلم مع حاجاتهم. وبحسب مستواهم، يتابعون صفوف محو الأمية وتعليم أساسي وعلوم ورياضيات وصفوف باللغة الأجنبية.  فيوجّهون بعدها مهنياً أو إذا رغبوا يلتحقون ببرنامج التدريبالمهني في جميع مراكز  لحركة الاجتماعية عند بلوغهم سن . ال ١٥ والبرنامج الثالث، برنامج التدريب المهني تؤمنه فرق الحركة في مراكزها، ويتمحور بين قسم نظري وآخر تطبيقي أو ميداني. يتوجه إلى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و ١٩ سنة والذين خرجوا من النظام المدرسي عاطلين عن العمل،  هددين بالانحراف أو يزاولون مهناً من دون أية مؤهلات وفي ظروف لا تتلاءم مع أعمارهم وحاجاتهم. فبواسطة هذا البرنامج يستطيع الشاب أو الفتاة تعلم مهنٍ متعددة )ميكانيك سيارات، براشور، مزين...( وبالتالي   لتسلّح بها للانخراط بثقة أكبر في سوق العمل. وبالاضافة إلى التدريب التربوي المهني لا ننسى التأهيل لاجتماعي والانساني اللذين يشكلان الخطوة الأولى لانخراط   ناجح في المجتمع.  على غرار جمعية الحركة الاجتماعية، طرقنا أيضاً باب الجمعيات  العالمية بهدف أخذ فكرة عن الاستراتيجية التييعملون على تطبيقها فقابلنا السيدة هيفاء حموية حمدان منسقة جمعية غوث الاطفال البريطانية التي عملت على إعادة بعض الاطفال المتسرّبين إلى المدارس. تقول حمدان: تركّز عملنا مع مراكز الخدمات الشاملة، منذ ١٩٩٨ ، التي هدفت إلى تأهيل الأولاد العاملين وإعادتهم إلى المدارس، إذاً، كان يتم العمل على تأهيلهم أكاديمياً  واجتماعياً، والمهم هو إلحاقهم بالمستوى التعليمي الأكاديمي:قبلت بعض المدارس في بيروت وبعد مشاورات كثيرة إلحاقهم في صفوفها  جاءت النتيجة مثمرة.

والسيدة حمدان هي من أولى العاملات في حقل الوقاية من  خطر التسرّب ومحو الأمية بالتعاون مع مراكز الخدمات الإنمائية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية. أمّا اليونيسف المنظمة الدولية المعروفة من ناحية حماية الطفولة والمحافظة على حقوقها؟ أين هي من هذا كله وما هي المحاور والمخططات التي تعمل على تحقيقها؟ في لقاء مع السيدة ليلى ديراني المسؤولة عن قسم التربية في المنظمة العالمية للأمم المتحدة لحماية الطفولة ( Unicef )، أشارت إلى أن مشروع الوقاية من التسرّب بدأ بين عامي      ٢٠٠٤ و ٢٠٠٥ من منطلق نظرة شمولية تخطيطية واستراتيجية. اعتبرنا أن المدرسة هي المحور الأساسي الذي يسهم في تعلّم الطفل ونموه ضمن بيئة سليمة، أي أنها النواة التي يجب البدء بتحسينها وصولاً إلى محاور أخرى (تحسينالوسائل والبرامج  التربوية، مساعدة اجتماعية...)
وبالاستناد إلى الدراسات والأبحاث، لاحظنا أن أسباب التسرّب تختلف بين المناطق المدينية والمناطق الريفية، فبدأنا بتأهيل عينة أولية قابلة للتوسع، وهي ١٥ مدرسة ضمن المناطق الريفية كونها الأكثر حاجة إلى التأهيل وهي في الهرمل )البقاع( وعكار )الشمال(. فبدأنا بعملية التأهيل من خلال إصلاح المباني وتجهيزها بالمعدات التربوية، والمشاغل، والمكتبات الخ... وذلك بهدف جعل المدرسة بيئة مثيرة للتعلّم. من ناحية ثانية، يتناول مخططنا التركيز على التأهيل التربوي من خلال إقامة دورات تدريبية لاساتذة المدارس الرسمية ومديريها. كما نعمل على إحياء مشروع مكتب متخصص ما زال نواة بحيث يضم اختصاصيين تربويين ومعالجين نفسيين للتعامل مع التلاميذ عندما يعجز الاستاذ عن
تحقيق ذلك.
وبما أن تنشيط المجتمع والكفاءات البشرية المجتمعية حول المدرسة تتداخل مع العوامل التربوية والتجهيزية للوقاية من التسرّب، فإننا نعمل بالتنسيق مع البلديات على ذلك، إذ إن تفعيل دور هذه الأخيرة مهم جداً كونه يجب   أن   يتابع أعمالالمدرسة الرسمية ونشاطاتها. ومن تطلعاتنا أيضاً إقامة نشاطات ترفيهية مجانية للتلاميذ خارج دوام المدرسة خصوصاً أنها تتيح للولد التعبير عن ذاته في إطار ترفيهي، فيعتبر المدرسة من خلال ذلك بيته  لثاني ويتشوق بالتالي للالتحاق بها والتعلّم فيها. أما الناحية الثالثة، فنتناول خلالها الأهالي الأميين والأمهات تحديداً، بحيث نعقد لهم دورات محو أمية لتعلم الكتابة والقراءة متناولين خصوصاً مواضيع توعية على الصعد التربوية إلاجتماعية والحقوقية. وإننا بالاضافة إلى ذلك بصدد إصدار مجلة مبسّطة لغوياَ نتوجه بها إلى الأمهات، بحيث تشكل دعماً تثقيفياً مكملاً لدورات التوعية هذه. ولكن أشير إلى أن هذا المشروع قيد الدرس ولم يباشر به  تى الآن''. في الختام أوضحت السيدة ديراني أن عمل قسم التربية هو تخطيطي استراتيجي بحث، وأن اليونيسف بأقسامها، وخصوصاً قسمي التربية وحماية الطفل، يشكلان المصدر المموّل للمشاريع التي تأخذها على  عاتقها العديد من الجمعيات الأهلية. ''نحن نتعامل مع الاغلبية وهدفنا واحد هو  لوقاية من التسرّب والحدّ منه وحماية حقوق الطفل''. إن الأسباب والعوامل المؤدية للتسرّب متعددة، لذا يجب  أن تتظافر الجهود وتتكامل في ما بينها من أجل الحدّ منانتشار هذه  لمعضلة في مجتمعنا، بدءًا من دور الدولة  الوزارات المعنية مروراً بمخططات البرامج المتكاملة والدورات التدريبية وبرامج مراكز التعلم المجتمعية والمراسيم التشريعية والتنفيذية وقوانين التربية ومخططات البرامج المتكاملة وصولاً إلى البيئة المحيطة   التلميذ كدور الأهل والهيئة التعليمية. إنها مسؤولية مشتركة متكاملة في ما بينها وهدفها واحد هو الوقاية والمعالجة الفعلية لمشكلة التسرّب

التسرّب المدرسي مقاربة للواقع والمعالجات

    التسرّب المدرسي  
مقاربة للواقع والمعالجات

تعتبر المدرسة المركز الأساس للتحصيل العلمي وللتكوين النفسي والفكري للتلميذ والمرحلة الأولية
للانخراط الاجتماعي بين الفرد والجماعة. وبالرغم من إقرار قانون إلزامية التعليم للجميع في المرحلة
الابتدائية، نرى العديد من التلاميذ يعانون من مشاكل دراسية واجتماعية وشخصية ويرزحون تحت عبء
النظام المدرسي المثقل بالمواد التعليمية ما يعرّض بعضهم لخطر التسرب من المدرسة.

                                                                                      

مفهوم التسرّب المدرسي وعوامله

نعني بالتلميذ المتسرب، كل تلميذ انقطع عن متابعة دراسته الأكاديمية لظروف معينة تربوية كانت أم  اجتماعية ولم يعد بامكانه العودة إلى المدرسة والانخراطفي النظام التعليمي. ولقد أصبحت ظاهرة التسرّب تشكّل عبئاً مجتمعياً وتربوياً جلياً، فمعدلات التسرّب في ارتفاع دائم. والتسرّب المدرسي، هو مؤشّر على نوعية التعليم الذي يستبقي الطفل في مرحلة إعداده للحياة والمجتمع وهو دلالة على خلل وعدم توازن في النظام التربوي. كذلك لا نستطيع الاكتفاء بالبعد التربوي لهذه المشكلة إذ إنه كماذكرنا، ثمة وضاع اجتماعية يتخبط بها لبنان تدفع الاهل  إلى الإخلال بتعهداتهم في رعاية أطفالهم وتأمين حقهمفي التربية والتعليم.   وفي مؤتمر عقد مؤخراً في قصر الأونيسكو حولموضوع التسرّب حيث ضمّ العديد من الاختصاصيين التربويين والعاملين في جمعيات أهلية محلية واقليمية تعمل في حقل الوقاية من هذه الظاهرة الاجتماعية، أوضحت الدكتورة سوزان أبو رجيلي، الأختصاصية التربوية: ''أنه للوهلة الأولى يمكن الاعتقاد بأن التسرّب المدرسي ناتج عن نقص في القدرات المعرفية والمدرسية لدى التلميذ بمعنى أن المسؤولية تقع على عاتق هذا الأخير. ولكن إذا ما تمعنّا في هذه المسألة، لتبيّن لنا أن هناك أسباباً عديدة ترتبط بمجمل البيئة السياسية والاجتماعية والتعليمية - التعلمية بالإضافة إلى النواحي الشخصية والتي تأتي في أسفل الدرك''.

      

 

 

 

أما أهم العوامل المؤدية إلى التسرّب فيمكن حصرها بالآتي:

أ- العوامل ذات المصدر السياسي الإداري مثل عدم تطبيق قانون إلزامية التعليم ومجانيته، محدودية الميزانية الحكومية المخصّصة للتربية، عدم ملاءمة المباني المدرسية للمعايير، عدم إقرار آلية للتقييم والتصويب المستمر لفعالية النظام التربوي.
ب- العوامل ذات المصدر التعليمي- التعلّمي وتندرج ضمنها الصعوبات التعلّمية المتأتية من عوامل فيزيولوجية مثل تعسّر القراءة والكتابة، التأخر والبطء الدراسيين، الإعاقات العقلية والجسدية. أو من عوامل تعليمية مثل طرق التدريس وإدارة الصف،
( بروفيل Profil ) المعلم التربوي والنفسي  توقعاته، إهمال المعلم للولد إلى حد ما أحياناً وذلك نتيجة الاحباط الذي توصّل إليه بعد محاولاته الفاشلة في مساعدته(، أو نتيجة جهله بواقع المشكلة نظراً لإعداده المتواضع في هذا المجال أو حتى نتيجة عدم
رغبته أصلاً في إجهاد نفسه من منطلق أن ذلك لا يندرج ضمن وظيفته كأستاذ ولا يتلقى عليه أجراً معيناً. كما أنه غالباً ما يهمل المسؤولون الولد باعتبار أنهم قاموا بكل ما يلزم تجاهه، فيوفروا على أنفسهم مشقة تكييف طرائقهم مع الاحتياجات الخاصة لدى الولد. فتتفاقم الأزمة بشكل لافت حتى يستمرّ الاهمال هذا على مدى سنين فيصل الجميع إلى حائط مسدود. ج- العوامل ذات المصدر النفسي - العلائقي وتشمل الاضطرابات النفسية الاكتئاب، الانفعالية، القلق، الانطوائية والسلوكية (الكذب، الانحراف،
العدوانية...)
د- العوامل ذات المصدر الثقافي - الاجتماعي وتضم العوامل الاقتصادية: الوضع المادي، مهنة الأهل، الجهل، المستوى التعليمي للأهل، توقعاتهم إزاء الولد (أي اعتبار هذا الأخير مصدر رزق ودفعة إلى العمل بدلاً من تعليمه) الاستغلال الجنسي، اليتم، الطلاق... وأضافت الدكتورة أبو رجيلي أن هذه العوامل المذكورة، لم تأت نتيجة طرح لنظريات ''في الهواء'' بل نتيجة تمخّض طويل لمعطيات كشف لنا إياها الواقع الميداني التربوي والاجتماعي اللبناني.

                                      

                                          الترفيع الميسّر ومشكلة التسرّب

في إطار هذه الظاهرة وأسبابها المتعدّدة علّق الدكتور عبد الفتاح خضر رئيس مكتب البحوث التربوية في المركز التربوي للبحوث والإنماء، على مقدمات ومتلازمات ظاهرة التسرّب المدرسي في الواقع التربوي في لبنان ومما جاء في مداخلته: من الجدير التذكير أن الهيكلية الجديدة للتعليم ركّزت على المرحلة الإبتدائية بحلقتيها الأولى والثانية والمرحلة
المتوسطة (الحلقة الثالثة) كبنية التعليم الأساسي الذي يرتكز إليه التعليم الثانوي بمعنى أن مراحل الروضة والابتدائية والمتوسطة، تشكّل جزءاً تربوياً مشتركاً يرتكز إليه التعليم الثانوي ما بين العام أو المهني/ التقني. ولكن إزاء هذا التعديل بالشكل والمضمون والجهود، ما  زالت مشكلة التسرّب قائمة في كلتا المرحلتين الإبتدائيةوالمتوسطة. وعليه، أكّد الدكتور خضر بالاستناد إلى رسوم بيانية إحصائية، أن التسرّب ناتج من أسباب عديدة أوّلها اعتماد أسلوب الترفيع الآلي(ضمن الحلقة الأولى)(ضمن الحلقة الثانية)
من المرحلة الأولى من التعليم الأساسي(الابتدائية) ضمن شروط سليمة: فهناك شقّ مبدئي في هذه الفلسفة لا يطبّق بدقّة ووضوح ألا وهو الملفّ التحصيلي (carnet d'évaluation)  الخاص بكل تلميذ. وعليه، فإن هذا الملف يشكّل هوية التلميذ التربوية ضمن سنوات الحلقة الأولى ما يفعّل الهدف الأساسي لفلسفة الترفيع الميسّر  إلا أن عدم تطبيقه أو اعتمادهبطريقة مغلوطة وغير صحيحة، يصعّب على المعلمين مهمّتهم في مساندة التلميذ ودعمه تربوياً كتحسين الكتابة أو رفع مستوى القراءة لديه مثلاً. وبالتالي، نجد
التلميذ يرفّع ضمن الحلقة الأولى من دون شروط تربوية صحيحة فيصل إلى الحلقة الثانية ضعيفاً ما يؤدّي به إلى القصور صفاً بعد آخر وبالتالي الرسوب والإعادة والرسوب المتكرّر فالتسرّب. إن سياسة الترفيع الآلي تهدف إلى حماية الطفل من تجربة الفشل
والرسوب التربوي ولكن ما تظهره الرسوم البيانية هي نتيجة معاكسة تماماً لدور الترفيع الآلي أهدافه! من هنا، نرى أنفسنا  والحالة هذه، أمام معضلات متأتية من تعثّر التلميذ والرسوب المتكرر وعدم التجانس العمري في الصف وهي: - هدر لأعمار الأطفال المتأخرين والمتسربين منهم قبل الدخول في منطقة الأمان لناحية المعارف والمهارات الأساسية وبالتالي تهديد مستقبلهم المهني والاجتماعي. - إعادة تغذية الواقع الاجتماعي بمرشّحين
محتملين للسقوط في الأميّة. - إحباط مسبق، وإضعاف لفرص نجاح إجراءات وخطط التنمية البشرية. - رفع الكلفة الفعلية للتعليم وهدر كبير للموارد المتخصصة.

إزاء هذه الظاهرة الفتّاكة والتي تمتدّ بذيولها لخلق زعزعة في التوازن المجتمعي على الصعيدين التربوي والاجتماعي، اقترح الدكتور خضر برامج الرعاية والدعم والاستلحاق المدرسي التي  تخصّ فئات معينة من تلاميذ  المرحلتين الأولى والثانية، وأشار
إلى ضرورة استخدام الأبنية المدرسية خارج الدوام النظامي. كما أشار إلى وضع برنامج  الاستلحاق المدرسي بحيث يجب توفير تعليم مختلف وملائم ضمن صيغ منهجية وأطر تعليمية مختلفة عمّا هو متوافر في المدرسة العادية.

الوضع الميداني لمشكلة التسرّب

إذا كان أصحاب الاختصاص ينظرون إلى أسباب التسرّب من منظارهم النظري، فما هي آراء مديري المدارس والتربويين حول هذا الموضوع وهم أقرب الناس إلى التلميذ بعد أهله؟ في هذا الإطار، كانت لنا جولة ميدانية على عدد من المدارس الرسمية والمدارس الخاصة المجانية من مناطق مختلفة شكّلت  عينة صغيرة، استطعنا من خلالها استطلاع آراء متباينة حول مشكلة التسرّب وأسبابها. ففي مدرسة القلبين الأقدسين- برج حمود، أوضحت الأخت المديرة ماري دو كالفير عبّود أن مشكلة التسرّب ناتجة أولاً
من عدم جدية التلامذة في التعلّم وهذا أمر ناتج عن عدم مساندة الأهل لأولادهم وعن المستوى الثقافي المتدنّي لديهم. وتشير الأخت دو كالفير عبّود إلى أنها تحارب هذه المشكلة من طريق تشجيع الهيئة التعليمية على مساندة التلاميذ الذين يعانون من تقصير في تحصيلهم العلمي. ولمدير ابتدائية الأخاء اللبناني في حارة حريك السيد علي قشاقش، رأي حول هذا الموضوع إذ أوضح أن التسرّب يختلف باختلاف نوعية المدرسة. فالحالة الاقتصادية هي السبب الأول لتسرّب التلاميذ من المدرسة الخاصة المجانية، إذ تشكّل الأقساط عبئاً على عاتق الأهل كونهم يعجزون عن دفعها ما يؤدي إلى هذه النتيجة. إزاء هذه المشكلة، يلجأ الأهالي إلى تسجيل أولادهم في القطاع العام أي في المدارس الرسمية فيواجهون بالتالي صعوبة أخرى وهي اعتماد اللغة العربية للتدريس في
الحلقتين الأولى والثانية فيلقى التلميذ حينها صعوبة في إكمال التعليم باللغة الفرنسية أو الانكليزية حين يترفّع إلى المرحلة المتوسطة. وقد تمنّى السيد قشاقش في النهاية إعادة النظر في النظام التعليمي بدقّة وشمولية لتفادي مشكلة التعثر وبالتالي التسرّب. ومن حارة حريك إلى كرم الزيتون حيث التقينا السيدة مي كرم مديرة متوسطة كرم الزيتون للبنات. استهلت السيدة كرم حديثها مظهرةً أن مشكلة التسرّب تكمن من ناحية أولى في صعوبة استعمال أسلوب التقييم فتقول  الكفايات (carnet d'évaluation)فتقول ''إذا استطعنا تسوية الأمر بواسطة دورات تأهيلية وتدريبية تقام للهيئة التعليمية، فلن نستطيع تسويته لدى الأهالي إذ إنهم غير قادرين على استيعاب مثل هذا الأسلوب في تقييم كفايات أولادهم''. ما زالت العلامة التقديرية لديهم هي الطريقة الفضلى والتي بواسطتها يقيّمون المستوى العلمي لأولادهم. وليس من المعقول إقامة دورات تأهيلية للأهل حول التقييم بواسطة الكفايات؟! أما من ناحية ثانية، فإننا نواجه صعوبة في تطبيق أسلوب الترفيع الميسّر لاحتواء المناهج على عدد لا يحصى من المواد التي تعيق تطبيق هذا الأسلوب بطريقة صحيحة. فمن أجل نتيجة مثمرة يجب ألاّ تشتمل المرحلة الأولى سوى على هذه المواد ونحظى بتطبيق سليم لأسلوب الترفيع هذا. وإذا كانت الآراء متعددة حول العوامل والأسباب فكلّها تصبّ في معضلة واحدة وهي التسرّب، وإن أي حلّ لهذه الظاهرة لا بد أن يعتمد على مقاربة شاملة متعددة الأبعاد ت بالتركيز على الجانب الوقائي لما له من فائدة وفعالية بالتعرف إلى الأطفال المعرّضين لخطر التسرّب، والتدخل معهم كذلك لجهة مراجعة مكوّنات التعلّم لتكون ملائمة لاحتياجات
الأطفال فيستطيع بالتالي المعلم والمدرسة إدارةً ونظاماً تعليمياً أن يلعبوا دوراً حاسماً في هذا الموضوع. وكما أشار الدكتور عبد الفتاح خضر إلى اقتراح حول برنامج الرعاية والدعم والاستلحاق المدرسي لتفادي مشكلة التسرّب، هناك عددٌ من الجمعيات الاهلية المحلية التي باشرت بالمضي للوقاية والحدّ من هذه المشكلة محاولةً حلّها بالتعاون في ما بينها ومع المركز التربوي للبحوث والانماء أو مع جمعيات عالمية أخرى.
 

دور الجمعيات الأهلية الوقائي

في هذا المجال التقينا السيدة فيروز سلامة المسؤولة عن برنامج الاندماج في المدرسة لدى جمعية الحركة الاجتماعية وهي جمعية أهلية تعمل على قضية التسرّب عند الأطفال خصوصاً في البيئات الفقيرة وغير المتمكنة. استهلّت السيدة سلامة حديثها شارحةً لنا أهداف برنامج الدعم وكيفية تفعيله. فقالت إنه يتوجه إلى الأطفال من عمر ٥ إلى ١٨ سنة. إلاّ أن اختصاصِيّي الحركة الاجتماعية لاحظوا  أثر دراسة أجريت على عينة من الأطفال الملتحقين ببرامج الحركة، وتحت إشراف الاختصاصية في علم الاجتماع التربوي الدكتورة خيريّة قدّوح، أن الشريحة الأكثر تأثراً  بالتسرّب المدرسي تضمّ تلاميذ تتراوح أعمارهم ما بين ١١ و ١٤ سنة لذا أرست الحركة الاجتماعية برنامج الدعم لتسهيل عملية دمج أو اندماج التلاميذ في المدرسة. يطبّق هذا البرنامج وفق منهجية علمية معينة وهو ينتشر  ليطول كتجربة أوليّة ١٦ مدرسة رسمية منتشرة على الأراضي اللبنانية كافة. ''إن هذا البرنامج، تتابع السيدة سلامة، بعيد كل البعد عن حل الفروض    لمدرسية، بل يكمن في تشخيص نقاط الضعف التربوي التي يعاني منها التلاميذ والعمل على تقويتها وذلك بالتعاون والتواصل البنّاء ما بين المربين والمعالجين النفسيين والعمال الاجتماعيين التابعين للحركة من جهة والهيئة التعليمية والإدارية ولجان الأهل في  لمدارس الرسمية  من جهة ثانية''. وتشير سلامة إلى أن هدف البرنامج هو خفض نسبة الرسوب المتكرر والتسرّب عند التلاميذ خصوصاً في الصفين الرابع والثامن من مرحلة التعليم الأساسي، ويطبق

  هذا البرنامج ضمن مقاربة تربوية شاملة نعني بها متابعة التلميذ والإصغاء إلى حاجاته وتنمية قدراته على التفاعل  وتخطي كل المعوقات: رياضيات، لغة عربية، لغات أجنبية، فهم قراءة وتعبير، وغيرها من المواد الأساسية  التي يتم إعادة شرحها للتلميذ في مراكزنا المعتمدة وباستخدام طرق ناشطة. أما من الناحية الاقتصادية، فيتضمن هذا المشروع فيصيغته المتطورة هيكليات دمج متعددة تتكامل مع آلية الدعم  لمدرسي التربوي المعتمدة:   أندية   المواطنية: وهي فسحة للتعبير والتفاعل ما بين التلاميذ والموجهين عبر المشاركة بنشاطات ترفيهية وتثقيفية (توجيه بيئي، اكتشاف دور ومعنى النظام الديموقراطي، الاهتمام بالحقوق والشأن العام...). - تفعيل لجنة الأهل: تعمل فرق الحركة من أجل توعية الأهل على دورها الأساسي والذي يكمّل دور الادارة - فهي في المدارس الرسمية شبه معدومة. - المكتب الاستشاري وتتوزع مهامه على محورين  أساسيين وهما:
   

● مكتب التوجيه بحيث يتوجه إلى تلاميذ المرحلة  المتوسطة من خلال عرض الاختصاصات المهنية والجامعية المتوافرة.
●  مكتب المتابعة الاجتماعية.  وبانتقالنا إلى البرنامج الأساسي الثاني للحركة وهو الأندية  المهنية أوضحت السيدة فيروز سلامة ''أن هذا الأخير هو بمثابة مدرسة بديلة للأطفال الذين لم يرتادوا المدرسة قط وهم خارج أي نظام تعليمي معيّن''. يتوجه البرنامج من خلال فريق عمل متعدد الاختصاصات للعمل مع أطفال بين عمر ١١ و ١٤ سنة تركوا المدرسة في سن مبكرة فاتخذوا من الشارع ملجأ أو دخلوا سوق العمل حيث الانتهاك الواضح لحقوقهم. هنا يكمن دور الأندية المهنية لتؤمن لهم تعليماً بديلاً وتعالج نقاط ضعفهم على مختلف المستويات وتتأقلم مع حاجاتهم. وبحسب مستواهم، يتابعون صفوف محو الأمية وتعليم أساسي وعلوم ورياضيات وصفوف باللغة الأجنبية.  فيوجّهون بعدها مهنياً أو إذا رغبوا يلتحقون ببرنامج التدريبالمهني في جميع مراكز  لحركة الاجتماعية عند بلوغهم سن . ال ١٥ والبرنامج الثالث، برنامج التدريب المهني تؤمنه فرق الحركة في مراكزها، ويتمحور بين قسم نظري وآخر تطبيقي أو ميداني. يتوجه إلى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و ١٩ سنة والذين خرجوا من النظام المدرسي عاطلين عن العمل،  هددين بالانحراف أو يزاولون مهناً من دون أية مؤهلات وفي ظروف لا تتلاءم مع أعمارهم وحاجاتهم. فبواسطة هذا البرنامج يستطيع الشاب أو الفتاة تعلم مهنٍ متعددة )ميكانيك سيارات، براشور، مزين...( وبالتالي   لتسلّح بها للانخراط بثقة أكبر في سوق العمل. وبالاضافة إلى التدريب التربوي المهني لا ننسى التأهيل لاجتماعي والانساني اللذين يشكلان الخطوة الأولى لانخراط   ناجح في المجتمع.  على غرار جمعية الحركة الاجتماعية، طرقنا أيضاً باب الجمعيات  العالمية بهدف أخذ فكرة عن الاستراتيجية التييعملون على تطبيقها فقابلنا السيدة هيفاء حموية حمدان منسقة جمعية غوث الاطفال البريطانية التي عملت على إعادة بعض الاطفال المتسرّبين إلى المدارس. تقول حمدان: تركّز عملنا مع مراكز الخدمات الشاملة، منذ ١٩٩٨ ، التي هدفت إلى تأهيل الأولاد العاملين وإعادتهم إلى المدارس، إذاً، كان يتم العمل على تأهيلهم أكاديمياً  واجتماعياً، والمهم هو إلحاقهم بالمستوى التعليمي الأكاديمي:قبلت بعض المدارس في بيروت وبعد مشاورات كثيرة إلحاقهم في صفوفها  جاءت النتيجة مثمرة.

والسيدة حمدان هي من أولى العاملات في حقل الوقاية من  خطر التسرّب ومحو الأمية بالتعاون مع مراكز الخدمات الإنمائية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية. أمّا اليونيسف المنظمة الدولية المعروفة من ناحية حماية الطفولة والمحافظة على حقوقها؟ أين هي من هذا كله وما هي المحاور والمخططات التي تعمل على تحقيقها؟ في لقاء مع السيدة ليلى ديراني المسؤولة عن قسم التربية في المنظمة العالمية للأمم المتحدة لحماية الطفولة ( Unicef )، أشارت إلى أن مشروع الوقاية من التسرّب بدأ بين عامي      ٢٠٠٤ و ٢٠٠٥ من منطلق نظرة شمولية تخطيطية واستراتيجية. اعتبرنا أن المدرسة هي المحور الأساسي الذي يسهم في تعلّم الطفل ونموه ضمن بيئة سليمة، أي أنها النواة التي يجب البدء بتحسينها وصولاً إلى محاور أخرى (تحسينالوسائل والبرامج  التربوية، مساعدة اجتماعية...)
وبالاستناد إلى الدراسات والأبحاث، لاحظنا أن أسباب التسرّب تختلف بين المناطق المدينية والمناطق الريفية، فبدأنا بتأهيل عينة أولية قابلة للتوسع، وهي ١٥ مدرسة ضمن المناطق الريفية كونها الأكثر حاجة إلى التأهيل وهي في الهرمل )البقاع( وعكار )الشمال(. فبدأنا بعملية التأهيل من خلال إصلاح المباني وتجهيزها بالمعدات التربوية، والمشاغل، والمكتبات الخ... وذلك بهدف جعل المدرسة بيئة مثيرة للتعلّم. من ناحية ثانية، يتناول مخططنا التركيز على التأهيل التربوي من خلال إقامة دورات تدريبية لاساتذة المدارس الرسمية ومديريها. كما نعمل على إحياء مشروع مكتب متخصص ما زال نواة بحيث يضم اختصاصيين تربويين ومعالجين نفسيين للتعامل مع التلاميذ عندما يعجز الاستاذ عن
تحقيق ذلك.
وبما أن تنشيط المجتمع والكفاءات البشرية المجتمعية حول المدرسة تتداخل مع العوامل التربوية والتجهيزية للوقاية من التسرّب، فإننا نعمل بالتنسيق مع البلديات على ذلك، إذ إن تفعيل دور هذه الأخيرة مهم جداً كونه يجب   أن   يتابع أعمالالمدرسة الرسمية ونشاطاتها. ومن تطلعاتنا أيضاً إقامة نشاطات ترفيهية مجانية للتلاميذ خارج دوام المدرسة خصوصاً أنها تتيح للولد التعبير عن ذاته في إطار ترفيهي، فيعتبر المدرسة من خلال ذلك بيته  لثاني ويتشوق بالتالي للالتحاق بها والتعلّم فيها. أما الناحية الثالثة، فنتناول خلالها الأهالي الأميين والأمهات تحديداً، بحيث نعقد لهم دورات محو أمية لتعلم الكتابة والقراءة متناولين خصوصاً مواضيع توعية على الصعد التربوية إلاجتماعية والحقوقية. وإننا بالاضافة إلى ذلك بصدد إصدار مجلة مبسّطة لغوياَ نتوجه بها إلى الأمهات، بحيث تشكل دعماً تثقيفياً مكملاً لدورات التوعية هذه. ولكن أشير إلى أن هذا المشروع قيد الدرس ولم يباشر به  تى الآن''. في الختام أوضحت السيدة ديراني أن عمل قسم التربية هو تخطيطي استراتيجي بحث، وأن اليونيسف بأقسامها، وخصوصاً قسمي التربية وحماية الطفل، يشكلان المصدر المموّل للمشاريع التي تأخذها على  عاتقها العديد من الجمعيات الأهلية. ''نحن نتعامل مع الاغلبية وهدفنا واحد هو  لوقاية من التسرّب والحدّ منه وحماية حقوق الطفل''. إن الأسباب والعوامل المؤدية للتسرّب متعددة، لذا يجب  أن تتظافر الجهود وتتكامل في ما بينها من أجل الحدّ منانتشار هذه  لمعضلة في مجتمعنا، بدءًا من دور الدولة  الوزارات المعنية مروراً بمخططات البرامج المتكاملة والدورات التدريبية وبرامج مراكز التعلم المجتمعية والمراسيم التشريعية والتنفيذية وقوانين التربية ومخططات البرامج المتكاملة وصولاً إلى البيئة المحيطة   التلميذ كدور الأهل والهيئة التعليمية. إنها مسؤولية مشتركة متكاملة في ما بينها وهدفها واحد هو الوقاية والمعالجة الفعلية لمشكلة التسرّب

التسرّب المدرسي مقاربة للواقع والمعالجات

    التسرّب المدرسي  
مقاربة للواقع والمعالجات

تعتبر المدرسة المركز الأساس للتحصيل العلمي وللتكوين النفسي والفكري للتلميذ والمرحلة الأولية
للانخراط الاجتماعي بين الفرد والجماعة. وبالرغم من إقرار قانون إلزامية التعليم للجميع في المرحلة
الابتدائية، نرى العديد من التلاميذ يعانون من مشاكل دراسية واجتماعية وشخصية ويرزحون تحت عبء
النظام المدرسي المثقل بالمواد التعليمية ما يعرّض بعضهم لخطر التسرب من المدرسة.

                                                                                      

مفهوم التسرّب المدرسي وعوامله

نعني بالتلميذ المتسرب، كل تلميذ انقطع عن متابعة دراسته الأكاديمية لظروف معينة تربوية كانت أم  اجتماعية ولم يعد بامكانه العودة إلى المدرسة والانخراطفي النظام التعليمي. ولقد أصبحت ظاهرة التسرّب تشكّل عبئاً مجتمعياً وتربوياً جلياً، فمعدلات التسرّب في ارتفاع دائم. والتسرّب المدرسي، هو مؤشّر على نوعية التعليم الذي يستبقي الطفل في مرحلة إعداده للحياة والمجتمع وهو دلالة على خلل وعدم توازن في النظام التربوي. كذلك لا نستطيع الاكتفاء بالبعد التربوي لهذه المشكلة إذ إنه كماذكرنا، ثمة وضاع اجتماعية يتخبط بها لبنان تدفع الاهل  إلى الإخلال بتعهداتهم في رعاية أطفالهم وتأمين حقهمفي التربية والتعليم.   وفي مؤتمر عقد مؤخراً في قصر الأونيسكو حولموضوع التسرّب حيث ضمّ العديد من الاختصاصيين التربويين والعاملين في جمعيات أهلية محلية واقليمية تعمل في حقل الوقاية من هذه الظاهرة الاجتماعية، أوضحت الدكتورة سوزان أبو رجيلي، الأختصاصية التربوية: ''أنه للوهلة الأولى يمكن الاعتقاد بأن التسرّب المدرسي ناتج عن نقص في القدرات المعرفية والمدرسية لدى التلميذ بمعنى أن المسؤولية تقع على عاتق هذا الأخير. ولكن إذا ما تمعنّا في هذه المسألة، لتبيّن لنا أن هناك أسباباً عديدة ترتبط بمجمل البيئة السياسية والاجتماعية والتعليمية - التعلمية بالإضافة إلى النواحي الشخصية والتي تأتي في أسفل الدرك''.

      

 

 

 

أما أهم العوامل المؤدية إلى التسرّب فيمكن حصرها بالآتي:

أ- العوامل ذات المصدر السياسي الإداري مثل عدم تطبيق قانون إلزامية التعليم ومجانيته، محدودية الميزانية الحكومية المخصّصة للتربية، عدم ملاءمة المباني المدرسية للمعايير، عدم إقرار آلية للتقييم والتصويب المستمر لفعالية النظام التربوي.
ب- العوامل ذات المصدر التعليمي- التعلّمي وتندرج ضمنها الصعوبات التعلّمية المتأتية من عوامل فيزيولوجية مثل تعسّر القراءة والكتابة، التأخر والبطء الدراسيين، الإعاقات العقلية والجسدية. أو من عوامل تعليمية مثل طرق التدريس وإدارة الصف،
( بروفيل Profil ) المعلم التربوي والنفسي  توقعاته، إهمال المعلم للولد إلى حد ما أحياناً وذلك نتيجة الاحباط الذي توصّل إليه بعد محاولاته الفاشلة في مساعدته(، أو نتيجة جهله بواقع المشكلة نظراً لإعداده المتواضع في هذا المجال أو حتى نتيجة عدم
رغبته أصلاً في إجهاد نفسه من منطلق أن ذلك لا يندرج ضمن وظيفته كأستاذ ولا يتلقى عليه أجراً معيناً. كما أنه غالباً ما يهمل المسؤولون الولد باعتبار أنهم قاموا بكل ما يلزم تجاهه، فيوفروا على أنفسهم مشقة تكييف طرائقهم مع الاحتياجات الخاصة لدى الولد. فتتفاقم الأزمة بشكل لافت حتى يستمرّ الاهمال هذا على مدى سنين فيصل الجميع إلى حائط مسدود. ج- العوامل ذات المصدر النفسي - العلائقي وتشمل الاضطرابات النفسية الاكتئاب، الانفعالية، القلق، الانطوائية والسلوكية (الكذب، الانحراف،
العدوانية...)
د- العوامل ذات المصدر الثقافي - الاجتماعي وتضم العوامل الاقتصادية: الوضع المادي، مهنة الأهل، الجهل، المستوى التعليمي للأهل، توقعاتهم إزاء الولد (أي اعتبار هذا الأخير مصدر رزق ودفعة إلى العمل بدلاً من تعليمه) الاستغلال الجنسي، اليتم، الطلاق... وأضافت الدكتورة أبو رجيلي أن هذه العوامل المذكورة، لم تأت نتيجة طرح لنظريات ''في الهواء'' بل نتيجة تمخّض طويل لمعطيات كشف لنا إياها الواقع الميداني التربوي والاجتماعي اللبناني.

                                      

                                          الترفيع الميسّر ومشكلة التسرّب

في إطار هذه الظاهرة وأسبابها المتعدّدة علّق الدكتور عبد الفتاح خضر رئيس مكتب البحوث التربوية في المركز التربوي للبحوث والإنماء، على مقدمات ومتلازمات ظاهرة التسرّب المدرسي في الواقع التربوي في لبنان ومما جاء في مداخلته: من الجدير التذكير أن الهيكلية الجديدة للتعليم ركّزت على المرحلة الإبتدائية بحلقتيها الأولى والثانية والمرحلة
المتوسطة (الحلقة الثالثة) كبنية التعليم الأساسي الذي يرتكز إليه التعليم الثانوي بمعنى أن مراحل الروضة والابتدائية والمتوسطة، تشكّل جزءاً تربوياً مشتركاً يرتكز إليه التعليم الثانوي ما بين العام أو المهني/ التقني. ولكن إزاء هذا التعديل بالشكل والمضمون والجهود، ما  زالت مشكلة التسرّب قائمة في كلتا المرحلتين الإبتدائيةوالمتوسطة. وعليه، أكّد الدكتور خضر بالاستناد إلى رسوم بيانية إحصائية، أن التسرّب ناتج من أسباب عديدة أوّلها اعتماد أسلوب الترفيع الآلي(ضمن الحلقة الأولى)(ضمن الحلقة الثانية)
من المرحلة الأولى من التعليم الأساسي(الابتدائية) ضمن شروط سليمة: فهناك شقّ مبدئي في هذه الفلسفة لا يطبّق بدقّة ووضوح ألا وهو الملفّ التحصيلي (carnet d'évaluation)  الخاص بكل تلميذ. وعليه، فإن هذا الملف يشكّل هوية التلميذ التربوية ضمن سنوات الحلقة الأولى ما يفعّل الهدف الأساسي لفلسفة الترفيع الميسّر  إلا أن عدم تطبيقه أو اعتمادهبطريقة مغلوطة وغير صحيحة، يصعّب على المعلمين مهمّتهم في مساندة التلميذ ودعمه تربوياً كتحسين الكتابة أو رفع مستوى القراءة لديه مثلاً. وبالتالي، نجد
التلميذ يرفّع ضمن الحلقة الأولى من دون شروط تربوية صحيحة فيصل إلى الحلقة الثانية ضعيفاً ما يؤدّي به إلى القصور صفاً بعد آخر وبالتالي الرسوب والإعادة والرسوب المتكرّر فالتسرّب. إن سياسة الترفيع الآلي تهدف إلى حماية الطفل من تجربة الفشل
والرسوب التربوي ولكن ما تظهره الرسوم البيانية هي نتيجة معاكسة تماماً لدور الترفيع الآلي أهدافه! من هنا، نرى أنفسنا  والحالة هذه، أمام معضلات متأتية من تعثّر التلميذ والرسوب المتكرر وعدم التجانس العمري في الصف وهي: - هدر لأعمار الأطفال المتأخرين والمتسربين منهم قبل الدخول في منطقة الأمان لناحية المعارف والمهارات الأساسية وبالتالي تهديد مستقبلهم المهني والاجتماعي. - إعادة تغذية الواقع الاجتماعي بمرشّحين
محتملين للسقوط في الأميّة. - إحباط مسبق، وإضعاف لفرص نجاح إجراءات وخطط التنمية البشرية. - رفع الكلفة الفعلية للتعليم وهدر كبير للموارد المتخصصة.

إزاء هذه الظاهرة الفتّاكة والتي تمتدّ بذيولها لخلق زعزعة في التوازن المجتمعي على الصعيدين التربوي والاجتماعي، اقترح الدكتور خضر برامج الرعاية والدعم والاستلحاق المدرسي التي  تخصّ فئات معينة من تلاميذ  المرحلتين الأولى والثانية، وأشار
إلى ضرورة استخدام الأبنية المدرسية خارج الدوام النظامي. كما أشار إلى وضع برنامج  الاستلحاق المدرسي بحيث يجب توفير تعليم مختلف وملائم ضمن صيغ منهجية وأطر تعليمية مختلفة عمّا هو متوافر في المدرسة العادية.

الوضع الميداني لمشكلة التسرّب

إذا كان أصحاب الاختصاص ينظرون إلى أسباب التسرّب من منظارهم النظري، فما هي آراء مديري المدارس والتربويين حول هذا الموضوع وهم أقرب الناس إلى التلميذ بعد أهله؟ في هذا الإطار، كانت لنا جولة ميدانية على عدد من المدارس الرسمية والمدارس الخاصة المجانية من مناطق مختلفة شكّلت  عينة صغيرة، استطعنا من خلالها استطلاع آراء متباينة حول مشكلة التسرّب وأسبابها. ففي مدرسة القلبين الأقدسين- برج حمود، أوضحت الأخت المديرة ماري دو كالفير عبّود أن مشكلة التسرّب ناتجة أولاً
من عدم جدية التلامذة في التعلّم وهذا أمر ناتج عن عدم مساندة الأهل لأولادهم وعن المستوى الثقافي المتدنّي لديهم. وتشير الأخت دو كالفير عبّود إلى أنها تحارب هذه المشكلة من طريق تشجيع الهيئة التعليمية على مساندة التلاميذ الذين يعانون من تقصير في تحصيلهم العلمي. ولمدير ابتدائية الأخاء اللبناني في حارة حريك السيد علي قشاقش، رأي حول هذا الموضوع إذ أوضح أن التسرّب يختلف باختلاف نوعية المدرسة. فالحالة الاقتصادية هي السبب الأول لتسرّب التلاميذ من المدرسة الخاصة المجانية، إذ تشكّل الأقساط عبئاً على عاتق الأهل كونهم يعجزون عن دفعها ما يؤدي إلى هذه النتيجة. إزاء هذه المشكلة، يلجأ الأهالي إلى تسجيل أولادهم في القطاع العام أي في المدارس الرسمية فيواجهون بالتالي صعوبة أخرى وهي اعتماد اللغة العربية للتدريس في
الحلقتين الأولى والثانية فيلقى التلميذ حينها صعوبة في إكمال التعليم باللغة الفرنسية أو الانكليزية حين يترفّع إلى المرحلة المتوسطة. وقد تمنّى السيد قشاقش في النهاية إعادة النظر في النظام التعليمي بدقّة وشمولية لتفادي مشكلة التعثر وبالتالي التسرّب. ومن حارة حريك إلى كرم الزيتون حيث التقينا السيدة مي كرم مديرة متوسطة كرم الزيتون للبنات. استهلت السيدة كرم حديثها مظهرةً أن مشكلة التسرّب تكمن من ناحية أولى في صعوبة استعمال أسلوب التقييم فتقول  الكفايات (carnet d'évaluation)فتقول ''إذا استطعنا تسوية الأمر بواسطة دورات تأهيلية وتدريبية تقام للهيئة التعليمية، فلن نستطيع تسويته لدى الأهالي إذ إنهم غير قادرين على استيعاب مثل هذا الأسلوب في تقييم كفايات أولادهم''. ما زالت العلامة التقديرية لديهم هي الطريقة الفضلى والتي بواسطتها يقيّمون المستوى العلمي لأولادهم. وليس من المعقول إقامة دورات تأهيلية للأهل حول التقييم بواسطة الكفايات؟! أما من ناحية ثانية، فإننا نواجه صعوبة في تطبيق أسلوب الترفيع الميسّر لاحتواء المناهج على عدد لا يحصى من المواد التي تعيق تطبيق هذا الأسلوب بطريقة صحيحة. فمن أجل نتيجة مثمرة يجب ألاّ تشتمل المرحلة الأولى سوى على هذه المواد ونحظى بتطبيق سليم لأسلوب الترفيع هذا. وإذا كانت الآراء متعددة حول العوامل والأسباب فكلّها تصبّ في معضلة واحدة وهي التسرّب، وإن أي حلّ لهذه الظاهرة لا بد أن يعتمد على مقاربة شاملة متعددة الأبعاد ت بالتركيز على الجانب الوقائي لما له من فائدة وفعالية بالتعرف إلى الأطفال المعرّضين لخطر التسرّب، والتدخل معهم كذلك لجهة مراجعة مكوّنات التعلّم لتكون ملائمة لاحتياجات
الأطفال فيستطيع بالتالي المعلم والمدرسة إدارةً ونظاماً تعليمياً أن يلعبوا دوراً حاسماً في هذا الموضوع. وكما أشار الدكتور عبد الفتاح خضر إلى اقتراح حول برنامج الرعاية والدعم والاستلحاق المدرسي لتفادي مشكلة التسرّب، هناك عددٌ من الجمعيات الاهلية المحلية التي باشرت بالمضي للوقاية والحدّ من هذه المشكلة محاولةً حلّها بالتعاون في ما بينها ومع المركز التربوي للبحوث والانماء أو مع جمعيات عالمية أخرى.
 

دور الجمعيات الأهلية الوقائي

في هذا المجال التقينا السيدة فيروز سلامة المسؤولة عن برنامج الاندماج في المدرسة لدى جمعية الحركة الاجتماعية وهي جمعية أهلية تعمل على قضية التسرّب عند الأطفال خصوصاً في البيئات الفقيرة وغير المتمكنة. استهلّت السيدة سلامة حديثها شارحةً لنا أهداف برنامج الدعم وكيفية تفعيله. فقالت إنه يتوجه إلى الأطفال من عمر ٥ إلى ١٨ سنة. إلاّ أن اختصاصِيّي الحركة الاجتماعية لاحظوا  أثر دراسة أجريت على عينة من الأطفال الملتحقين ببرامج الحركة، وتحت إشراف الاختصاصية في علم الاجتماع التربوي الدكتورة خيريّة قدّوح، أن الشريحة الأكثر تأثراً  بالتسرّب المدرسي تضمّ تلاميذ تتراوح أعمارهم ما بين ١١ و ١٤ سنة لذا أرست الحركة الاجتماعية برنامج الدعم لتسهيل عملية دمج أو اندماج التلاميذ في المدرسة. يطبّق هذا البرنامج وفق منهجية علمية معينة وهو ينتشر  ليطول كتجربة أوليّة ١٦ مدرسة رسمية منتشرة على الأراضي اللبنانية كافة. ''إن هذا البرنامج، تتابع السيدة سلامة، بعيد كل البعد عن حل الفروض    لمدرسية، بل يكمن في تشخيص نقاط الضعف التربوي التي يعاني منها التلاميذ والعمل على تقويتها وذلك بالتعاون والتواصل البنّاء ما بين المربين والمعالجين النفسيين والعمال الاجتماعيين التابعين للحركة من جهة والهيئة التعليمية والإدارية ولجان الأهل في  لمدارس الرسمية  من جهة ثانية''. وتشير سلامة إلى أن هدف البرنامج هو خفض نسبة الرسوب المتكرر والتسرّب عند التلاميذ خصوصاً في الصفين الرابع والثامن من مرحلة التعليم الأساسي، ويطبق

  هذا البرنامج ضمن مقاربة تربوية شاملة نعني بها متابعة التلميذ والإصغاء إلى حاجاته وتنمية قدراته على التفاعل  وتخطي كل المعوقات: رياضيات، لغة عربية، لغات أجنبية، فهم قراءة وتعبير، وغيرها من المواد الأساسية  التي يتم إعادة شرحها للتلميذ في مراكزنا المعتمدة وباستخدام طرق ناشطة. أما من الناحية الاقتصادية، فيتضمن هذا المشروع فيصيغته المتطورة هيكليات دمج متعددة تتكامل مع آلية الدعم  لمدرسي التربوي المعتمدة:   أندية   المواطنية: وهي فسحة للتعبير والتفاعل ما بين التلاميذ والموجهين عبر المشاركة بنشاطات ترفيهية وتثقيفية (توجيه بيئي، اكتشاف دور ومعنى النظام الديموقراطي، الاهتمام بالحقوق والشأن العام...). - تفعيل لجنة الأهل: تعمل فرق الحركة من أجل توعية الأهل على دورها الأساسي والذي يكمّل دور الادارة - فهي في المدارس الرسمية شبه معدومة. - المكتب الاستشاري وتتوزع مهامه على محورين  أساسيين وهما:
   

● مكتب التوجيه بحيث يتوجه إلى تلاميذ المرحلة  المتوسطة من خلال عرض الاختصاصات المهنية والجامعية المتوافرة.
●  مكتب المتابعة الاجتماعية.  وبانتقالنا إلى البرنامج الأساسي الثاني للحركة وهو الأندية  المهنية أوضحت السيدة فيروز سلامة ''أن هذا الأخير هو بمثابة مدرسة بديلة للأطفال الذين لم يرتادوا المدرسة قط وهم خارج أي نظام تعليمي معيّن''. يتوجه البرنامج من خلال فريق عمل متعدد الاختصاصات للعمل مع أطفال بين عمر ١١ و ١٤ سنة تركوا المدرسة في سن مبكرة فاتخذوا من الشارع ملجأ أو دخلوا سوق العمل حيث الانتهاك الواضح لحقوقهم. هنا يكمن دور الأندية المهنية لتؤمن لهم تعليماً بديلاً وتعالج نقاط ضعفهم على مختلف المستويات وتتأقلم مع حاجاتهم. وبحسب مستواهم، يتابعون صفوف محو الأمية وتعليم أساسي وعلوم ورياضيات وصفوف باللغة الأجنبية.  فيوجّهون بعدها مهنياً أو إذا رغبوا يلتحقون ببرنامج التدريبالمهني في جميع مراكز  لحركة الاجتماعية عند بلوغهم سن . ال ١٥ والبرنامج الثالث، برنامج التدريب المهني تؤمنه فرق الحركة في مراكزها، ويتمحور بين قسم نظري وآخر تطبيقي أو ميداني. يتوجه إلى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و ١٩ سنة والذين خرجوا من النظام المدرسي عاطلين عن العمل،  هددين بالانحراف أو يزاولون مهناً من دون أية مؤهلات وفي ظروف لا تتلاءم مع أعمارهم وحاجاتهم. فبواسطة هذا البرنامج يستطيع الشاب أو الفتاة تعلم مهنٍ متعددة )ميكانيك سيارات، براشور، مزين...( وبالتالي   لتسلّح بها للانخراط بثقة أكبر في سوق العمل. وبالاضافة إلى التدريب التربوي المهني لا ننسى التأهيل لاجتماعي والانساني اللذين يشكلان الخطوة الأولى لانخراط   ناجح في المجتمع.  على غرار جمعية الحركة الاجتماعية، طرقنا أيضاً باب الجمعيات  العالمية بهدف أخذ فكرة عن الاستراتيجية التييعملون على تطبيقها فقابلنا السيدة هيفاء حموية حمدان منسقة جمعية غوث الاطفال البريطانية التي عملت على إعادة بعض الاطفال المتسرّبين إلى المدارس. تقول حمدان: تركّز عملنا مع مراكز الخدمات الشاملة، منذ ١٩٩٨ ، التي هدفت إلى تأهيل الأولاد العاملين وإعادتهم إلى المدارس، إذاً، كان يتم العمل على تأهيلهم أكاديمياً  واجتماعياً، والمهم هو إلحاقهم بالمستوى التعليمي الأكاديمي:قبلت بعض المدارس في بيروت وبعد مشاورات كثيرة إلحاقهم في صفوفها  جاءت النتيجة مثمرة.

والسيدة حمدان هي من أولى العاملات في حقل الوقاية من  خطر التسرّب ومحو الأمية بالتعاون مع مراكز الخدمات الإنمائية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية. أمّا اليونيسف المنظمة الدولية المعروفة من ناحية حماية الطفولة والمحافظة على حقوقها؟ أين هي من هذا كله وما هي المحاور والمخططات التي تعمل على تحقيقها؟ في لقاء مع السيدة ليلى ديراني المسؤولة عن قسم التربية في المنظمة العالمية للأمم المتحدة لحماية الطفولة ( Unicef )، أشارت إلى أن مشروع الوقاية من التسرّب بدأ بين عامي      ٢٠٠٤ و ٢٠٠٥ من منطلق نظرة شمولية تخطيطية واستراتيجية. اعتبرنا أن المدرسة هي المحور الأساسي الذي يسهم في تعلّم الطفل ونموه ضمن بيئة سليمة، أي أنها النواة التي يجب البدء بتحسينها وصولاً إلى محاور أخرى (تحسينالوسائل والبرامج  التربوية، مساعدة اجتماعية...)
وبالاستناد إلى الدراسات والأبحاث، لاحظنا أن أسباب التسرّب تختلف بين المناطق المدينية والمناطق الريفية، فبدأنا بتأهيل عينة أولية قابلة للتوسع، وهي ١٥ مدرسة ضمن المناطق الريفية كونها الأكثر حاجة إلى التأهيل وهي في الهرمل )البقاع( وعكار )الشمال(. فبدأنا بعملية التأهيل من خلال إصلاح المباني وتجهيزها بالمعدات التربوية، والمشاغل، والمكتبات الخ... وذلك بهدف جعل المدرسة بيئة مثيرة للتعلّم. من ناحية ثانية، يتناول مخططنا التركيز على التأهيل التربوي من خلال إقامة دورات تدريبية لاساتذة المدارس الرسمية ومديريها. كما نعمل على إحياء مشروع مكتب متخصص ما زال نواة بحيث يضم اختصاصيين تربويين ومعالجين نفسيين للتعامل مع التلاميذ عندما يعجز الاستاذ عن
تحقيق ذلك.
وبما أن تنشيط المجتمع والكفاءات البشرية المجتمعية حول المدرسة تتداخل مع العوامل التربوية والتجهيزية للوقاية من التسرّب، فإننا نعمل بالتنسيق مع البلديات على ذلك، إذ إن تفعيل دور هذه الأخيرة مهم جداً كونه يجب   أن   يتابع أعمالالمدرسة الرسمية ونشاطاتها. ومن تطلعاتنا أيضاً إقامة نشاطات ترفيهية مجانية للتلاميذ خارج دوام المدرسة خصوصاً أنها تتيح للولد التعبير عن ذاته في إطار ترفيهي، فيعتبر المدرسة من خلال ذلك بيته  لثاني ويتشوق بالتالي للالتحاق بها والتعلّم فيها. أما الناحية الثالثة، فنتناول خلالها الأهالي الأميين والأمهات تحديداً، بحيث نعقد لهم دورات محو أمية لتعلم الكتابة والقراءة متناولين خصوصاً مواضيع توعية على الصعد التربوية إلاجتماعية والحقوقية. وإننا بالاضافة إلى ذلك بصدد إصدار مجلة مبسّطة لغوياَ نتوجه بها إلى الأمهات، بحيث تشكل دعماً تثقيفياً مكملاً لدورات التوعية هذه. ولكن أشير إلى أن هذا المشروع قيد الدرس ولم يباشر به  تى الآن''. في الختام أوضحت السيدة ديراني أن عمل قسم التربية هو تخطيطي استراتيجي بحث، وأن اليونيسف بأقسامها، وخصوصاً قسمي التربية وحماية الطفل، يشكلان المصدر المموّل للمشاريع التي تأخذها على  عاتقها العديد من الجمعيات الأهلية. ''نحن نتعامل مع الاغلبية وهدفنا واحد هو  لوقاية من التسرّب والحدّ منه وحماية حقوق الطفل''. إن الأسباب والعوامل المؤدية للتسرّب متعددة، لذا يجب  أن تتظافر الجهود وتتكامل في ما بينها من أجل الحدّ منانتشار هذه  لمعضلة في مجتمعنا، بدءًا من دور الدولة  الوزارات المعنية مروراً بمخططات البرامج المتكاملة والدورات التدريبية وبرامج مراكز التعلم المجتمعية والمراسيم التشريعية والتنفيذية وقوانين التربية ومخططات البرامج المتكاملة وصولاً إلى البيئة المحيطة   التلميذ كدور الأهل والهيئة التعليمية. إنها مسؤولية مشتركة متكاملة في ما بينها وهدفها واحد هو الوقاية والمعالجة الفعلية لمشكلة التسرّب