التعليم الثانوي الرسمي

التعليم الثانوي الرسمي      

واقعه وشروط تطويره

(المؤتمر الخامس لرابطة أساتذة التعليم الثانوي)

 

الثانوية الرسمية: التنظيم الداخلي، والعلاقة مع المحيط

في التنظيم الداخلي
في التاسع عشر من شهر حزيران من العام ١٩٧٤ ، صدر ، النظام الداخلي للمدارس الثانوية في لبنان، بموجب القرار ٥٩٠ لذي استند في حيثياته إلى نظام الموظفين، والمراسيم الاشتراعية والتنظيمية المتعاقبة ذات الصلة بتنظيم وزارة .٥٩/ التربية، وكان آخرها المرسوم التنظيمي رقم 59/2869
تناول النظام في فصوله الثلاثة عشرة شروط قبول التلامذة وتسجيلهم، والأعمال التحضيرية في بداية كل عام دراسي، وتنظيم السجلات والمطبوعات المدرسية، وإدارة الثانوية وأعمال النظارة، ومحضري المختبر ومنسقي الدروس، والانتظام، وواجبات  الأساتذة، والمجالس واللجان، والإجازات وشروط الحصول عليها، وانضباط التلامذة، والنتائج المدرسية، بالإضافة إلى مجموعة من الأحكام المتفرقة.... ومع أن هذا النظام تعرض لتعديلات كثيرة، على مدى سنوات العمل بموجبه، فرضتها ظروف عادية واستثنائية، فتراكمت النصوص في أرشيف الثانوية، ونسخ بعضها بعضاً، حتى كاد بعض المديرين يحارون في أمرهم، عندما تبرز الحاجة إلى الاسناد القانوني لأي تدبير أو مسألة يواجهونها، فيضطرون إلى طلب المساعدة من التفتيش أو مديرية التعليم الثانوي، فإن البنية الأساسية لهذا النظام التي تحكم توجهاته العامة تحتاج إلي رؤية جديدة تنطلق من الظروف الموضوعية المستجدة، التي رافقت التطور الواسع الذي عرفته الأوضاع الوظيفية والتربوية، حيث تغير المشهد التربوي ليكون أكثر تعبيراً عن حاجات الفرد والجماعة، وبالتالي أكثر مواءمة لمتطلبات البناء بمختلف منطلقاته الواعدة بمواطن إنسان متصالح مع ذاته والمجتمع. ومن الأمثلة على المعطيات والظروف والحاجات الناشئة في المدارس الثانوية ما يلي:
١- بلغ عدد الثانويات العاملة خلال العام الدراسي ٢٠٠٥- ٢٤٣,٢٠٠٦ ثانوية، والتلامذة ٧٤٠٧ تلميذاً، والأساتذة في الملاك ٧٤٦٩ أستاذاً، بالإضافة إلى ١٦٥١٧ حصة تعاقدية ( ١). في حين أن عدد الثانويات في العام الدم الدراسي  ٧٤/٧٣ أي العام الذي صدر فيه النظام الداخلي للثانويات الرسمية، لم يتجاوز ال ٦٩ ثانوية، والتلامذة ٢٠٦٣٧ تلميذاً، والأساتذة ٢٤٣٣ أستاذاً
٢- زيادة الأعباء الإدارية والتربوية على كاهل مدير الثانوية وسائر العاملين فيها. فبالإضافة إلى رعاية الشؤون المتصلة بالموارد البشرية والمادية، وحسن استخدامها توظيفها واستثمارها، بالشكل الذي يوفر للثانوية رفعة  الأداء وجودة النتائج،فإن الاهتمام بالجوانب الفنية والعلمية والثقافية واللوجستية لعمليات التعليم، وما يرافقها من استخدام وسائل وتنفيذ أنشطة، يبقى الشغل  لشاغل، أو هكذا يجب أن يكون، لموظفي التعليم في  لثانوية. ذلك أن المناهج الجديدة تفترض توفير الظروف المناسبة والمستلزمات الضرورية لتنفيذ الحصص التعليمية وفق طبيعة الدروس ومقتضياتها؛ الأمر الذي  ستدعي تفعيل الأطر التنظيمية الكفيلة بالإفادة من الإمكانيات المتاحة في هذا السبيل، ومواكبة تنفيذ الدروس خارج الصفوف أحياناً، وربما خارج الثانوية. وفي هذا المجال، هل يكفي أن تعهد أمانة المكتبة أو المختبرات أو الوسائل التربوية أو شؤون المعلوماتية لموظفي تعليم، من دون إلزامهم بمتابعة دورات متخصصة، وبصورة مستمرة، لزيادة ثقافتهم وقدراتهم التشغيلية، على قاعدة التوصيف الوظيفي المناسب للمهام
الموكولة اليهم، وبعد لحظ ما ليس ملحوظاً منها في ملاك الثانوية؟
٣- الحاجة إلى رعاية الأنشطة اللاصفية والنوادي المدرسية، وذلك بهدف إغناء العمل الصفي بأعمال مكملة، وتوفير السبل الآيلة إلى تفتح المواهب وتنمية الاستعدادات والميول، بحيث تتحول إلى كفايات وأنماط تقدمة من العيش والتكيف، توفر للتلميذ أسباب نموه العقلي والروحي  والجسدي، في نطاق النمو العام للجماعة، وذلك تطبيقاً للنصوص القانونية (القانون ٢٢  /٨٢ ) التي جعلت من حصص التناقص التدريجي ميادين هذه الأنشطة، من دون أي يجري تنفيذ ذلك حتى تاريخه؛ مع الإشارة إلى ضرورة الشروع في تحديد الآلية اللازمة لتطبيقها، بعد توصيفها وتصنيفها وتعيين لمناسب منها لكل مرحلة دراسية، وإطلاق نظام الأندية  المدرسية الذي أعده المركز التربوي للبحوث والإنماء، وتعميمه على المؤسسات التعليمية.
٤- اتساع رقعة الأنشطة المتعلقة بالاختبارات المدرسية، وفاقاً للمناهج الجديدة، والتي تهدف إلى أن يكتسب المتعلم مجموعة الكفايات المحددة لكل مادة دراسية، إن من خلال اختبارات السعي، وهي عملية تقييم  يوميةوأسبوعية وشهرية، ترتكز على الاختبارات المستمرة  والاختبارات الشهرية، أو من طريق الاختبارات الفصلية (ثمة فصلان دراسيان في العام الدراسي ترسل بطاقة علامات التلميذ في نهاية كل منهما إلى  الاهل).
إن تنفيذ هذه الاختبارات يتم عبر أشكال مختلفة من الأنشطة منها التسميعات الشفهية، والفروض البيتية، والتقارير والابداعات الشخصية، والمسابقات الخطية، والتمارين العملية، الأبحاث والمشاريع...
وذلك وفقاً للمقتضيات الخاصة بكل مادة. إن تضخم حجم الانشطة المطلوبة في هذا المجال، وإرسال بطاقة علامات التلميذ إلى أهله مرة واحدة خلال العام الدراسي، باعتبار أن إرسال هذه البطاقة في نهاية الفصل الثاني لا قيمة له على صعيد التقييم التكويني لهذا التلميذ، يجب أن يدعوانا إلى إعادة النظر في أحكام هذا النظام الامتحاني، بحيث يصار إلى اختصار الأنشطة المحددة في القرار ٦٦٦ /م/ ٢٠٠٠ وتعديلاته،
الذي حل مكان الفصل الحادي عشر من النظام الداخلي للمدارس الثانوية (المواد: من ٤١ إلى ٤٤ )، لأن تنفيذها كاملة غير ممكن في ضوء الحصص المخصصة أسبوعياً للمواد الدراسية، والتي لا تفي بالمطلوب في هذا المجال؛ علماً أنه بفعل كثافة هذه الانشطة وتنوعها، وتعذر تطبيقها، استسهل بعض المعلمين العودة إلى ما كان قائماً في نظام التقييم المرتبط بالمناهج القديمة، فآثروا التسميعات الشفهية والمسابقات الخطية على ماعداها، ماسخين بذلك مضمون المنهج الجديد وتقنياته وأساليب  تحقيق أهدافه. كما أنه لا بد أيضاً من إعادة الاعتبار إلى المتابعة الحثيثة للأوضاع الدراسية للتلامذة، واطلاعهم وأهليهم عليها في الاوقات المناسبة التي تسمح بتوافر أسباب النجاح لعمليةالتصحيح والتصويب لمساراتهم التعليمية، وذلك بتظهير التقييم  المدرسي المستمر للتلميذ، وابلاغه المعنيين به على مدار العام الدراسي، من خلال اختبارات السعي والاختبارات الفصلية.أن ما تقدم يشكّل عيّنات من الأوضاع الإدارية والتربوية  التي عرفت توسعاً، أو تشعباً، أو تبدلاً، أو قيمة مضافة، في لأحجام والمقاييس والأهداف والوسائل التي يرتكز عليها العمل
المدرسي. من أجل ذلك كان لا بد من الدعوة إلى استكمال الورشة التي بدأت في مديرية التعليم الثانوي ثم توقفت، وكانت غايتها صياغة  ظام داخلي جديد للمدارس الثانوية، يأخذ بعين الاعتبار
المستجدات والحاجات والتحديات الطارئة على أوضاعالثانويات الرسمية، من مختلف النواحي، ولتعود النصوص  المتفرقة لتنتظم في شكل تنظيمي موحد، على أن تعاد هذه العملية مرة كل عام، إذا ما طرأ تعديل أو إلغاء لأي مادة من مواده، أو بند من بنوده، تحاشياً لتكرار سلبية تبعثر النصوص التنظيمية المرعية الإجراء، كما هو واقع الحال اليوم. لقد أصبح من الضرورة بمكان ان يكون للنظام الداخلي الجديد اطلالة جديدة تحكم سير العمل في الثانويات الرسمية، فيضوء تطور العلم الاداري، وتلبي الحاجة إلى قراءة التوجهات التربوية الجديدة بعين الباحث عن التفاعل والفاعلية، وعلى قاعدة توسيع الصلاحيات العائدة لمجموعات العمل في الثانوية لرسمية، والشراكة في تشخيص المشكلات ووصف العلاجات  واتخاذ القرارات الاساسية فيها، وإضافة مهمات جديدة تستجيب للحاجات الادارية والتقنية والتربوية. إن توفير المناخات المؤاتية للتواصل والتفاعل بين العاملين في الثانوية، في أي حقل من الحقول، لا بد له من ان يؤتي أكله، لأن هذا الامر يفضي حتماً إلى إشاعة أجواء الثقة بالنفس وبالمؤسسة وبجدوى العمل مع الآخرين، من منطلق القرارات لإرادية التي تتقدم على القرارات الإدارية. ان تحقيق هذه الغاية لا يتم إلا بوساطة إدارة مرنة وقيادة إيجابية تعرف كيف تستنهض طاقات الأساتذة، وتستنفر قدراتهم، وتؤمن بجدوى العمل الفريقي، خصوصاً في نطاق المؤسسات المتخصصة داخل الثانوية،ومن بينها مجلس الأساتذة، ولجان المواد، ومجلس التنسيق، ومجلس النظام والتوجيه، ومجلس الاهلين...، بعد إعادة النظر في مهامها فيالوجهة التي تحقق أهداف العمل المؤسسي والإدارة الإيجابية. ومن الأمثلة على ذلك أن المادة ٢٠ من القرار ٥٩٠ ، نصت على تشكيل لجنة لأساتذة كل مادة دراسية، وحددت لها اجتماعات شهرية، لكن هذه اللجنة اختصرت بالمهام التي أسندت إلى منسقها، الذي يتولى توزيع المنهج المقرر للمادة في كل صف على اشهر العام الدراسي( بالتعاون مع أساتذة المادة)، ويحضر دروساً لدى زملائه ويدون الملاحظات المناسبة بشأنها، ويستقبلهم عند الاقتضاء لحضور دروس لديه، ويراقب الفروض والمسابقات والامتحانات، ويطلع الأساتذة على ما استحدث في حقل التعليم، ويضع أسئلة الامتحانات والاختبارات وسلم التصحيح (بعد استطلاع رأي الأساتذة)، ثم يعرضها على مدير الثانوية... فماذا بقي بعد ذلك من مهام لهذه اللجنة؟ وأين هو العمل الفريقي؟ وهل عبرت كلمة ''منسق'' عن معناها الحقيقي في كل المهام الموكلة إلى صاحبها؟
أما المادة ٣٠ من القرار ٥٩٠ ، فقد نصت على إنشاء مجلس للأساتذة، مهمته البحث في الشؤون التربوية والثقافية... وذلك من دون تحديد هويته وآلية اتخاذ القرارات فيه. فهل هو مجلس استشاري لمدير الثانوية، أم مجلس تقريري في الشؤون المعروضة عليه؟! ، والأمر عينه ينطبق على حال مجلس المنسقين ( المادة ٣١) ,حيث لا إشارة إلي طبيعة مهامه وحدود صلاحياته. تلك هي بعض المؤشرات التي تناولت واقع النظام الداخلي للمدارس الثانوية، وما يواجهه في نواح معينة من قصور في تسيير أمور الثانوية والتكيف مع حاجاتها،في ظل حركة التجديد والتحديث التي ألمت بها، في الشكل والمضمون والأداء؛ الأمر
الذي يقتضي معه إيجاد المناسبة والتناغم بين النص والحاجة، لأن واقع هذا النظام حالياً لا يعكس ما هو مطلوب من الثانويات لرسمية. وهذا ما هدفت إليه هذه القراءة السريعة لموضوع التنظيم الداخلي للثانويات الرسمية، حيث كان الغرض التركيز على بعض المتغيرات وما تقتضيه من توجهات تنظيمية جديدة، دون الخوض في الكثير من التفاصيل. ولا اعتقد أننا في هذه العجالة نستطيع تقديم اقتراحات محددة لتعديل هذا النظام، ولم نزعم ذلك على الإطلاق، لأن لهذه الغاية مكاناً و''مانا'' آخرين.


في العلاقة مع المحيط
لا يستقيم العمل التربوي، ولا يحقق اغراضه القريبة والبعيدة، التعليمية والتربوية منها، والاجتماعية والاقتصادية والوطنية، إلا اذا شكلت المدرسة عامل جذب واستقطاب لمحيطها من جهة، ومركز اشعاع وتأثير في هذا المحيط من جهة ثانية. وبكلمة أخرى، إن لم تضطلع المدرسة بدور تنموي واصلاحي وارتقائي في بيئتها، بدعم من الهيئات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني والسلطات المحلية، فليس لها لزوم
او حاجة، لأنها اذا اكتفت بأن تكون صورة عن واقع هذا المحيط تجسد كل ما فيه من عثرات ونواقص ومواطن ضعف، منعزلة عن كل ما يحيط بها من عوامل التأثر والتأثير الايجابيين، والتفاعل مع الحاجات الموضوعية، فما هي القيمة المضافة التي تقدمها إلى الواقع المشكو منه؟ تشكل مجالس الاهل والبلديات الأطر التي يتم من خلالها تقديم العون والمؤازرة للمدرسة الرسمية، في الواقع الراهن، مع وجود بعض لجان الدعم المحدودة. فما هو دور كل منها في عملية الدعم هذه، وما هي الظروف المحيطة بتنفيذ اعمالها؟


١ - العلاقة مع مجالس الاهل
لقد نص القرار ٤٤١ /م/ ٢٠٠٠ على أن ''مجلس الاهل هو الصلة الطبيعية الوثيقة بين أهالي التلامذة وإدارة المدرسة، مهمته تقديم الدعم المادي والمعنوي للمدرسة، والمساهمة في رفع مستواها بالتعاون والتنسيق مع ادارتها ...، على أن يجري الإنفاق من مالية هذه المجالس لتوفير نفقات الرعاية الصحية للتلامذة ، وتقديم الجوائز العينية والمادية للمتفوقين منهم ، والمساعدات على أنواعها لذوي الحاجة والأيتام، وتأمين
التجهيزات اللازمة التي تحتاج اليها الثانوية والوسائل التربوية الضرورية، وتغطية نفقات النشاطات اللامنهجية ...'' كما نص القرار المذكور على أن يعمل مجلس الأهل على حث البلديات والجمعيات والأندية والهيئات الأهلية، لتقديم المساعدات التي تسهل عمل المدارس الثانوية وتحسن مستواها. لقد تناول هذا النظام، في مختلف مواده، المفاصل والتفاصيل المتصلة بآلية تقديم الدعم للثانوية الرسمية، وأحكم تنظيم
العلاقة بين الادارة التربوية والأهلين لهذه الغاية. غير أن المشكلة ليست في النظرية، وإنما في التطبيق ، حيث هناك ملاحظتان اثنتان:
- في كثير من الأحوال تجري انتخابات الهيئات العامة لمجالس الأهل، في الدعوة الثالثة لهذه الانتخابات، أي بمن حضر، شرط الا ينقص عدد الحاضرين عن سبعة. وهذا إن دل على شيْء، فإنما يدل على ما يشوب العلاقة بين المدرسة والأهلين من وهن. إن استقالة هؤلاء من مسؤولياتهم تجاه اولادهم والمؤسسة التي تحتضنهم، يطرح علامة استفهام حول درجة وعيهم لواقعهم، ومستوى قناعتهم بأن طريق ابنائهم إلى المستقبل تمر بهذه المؤسسة حتما. وللمدرسة إزاء ذلك مسؤوليتان: الأولى انها لم تقم بالدور المطلوب منها بالتواصل مع هؤلاء الأهلين بشتى الطرق الممكنة، لإبراز دورهم البناء والأساسي في توفير سبل النجاح لأولادهم، والثانية أنها لا تكون قد قدمت لهؤلاء الأدلة الحسية على جهود بذلت من قبل العاملين في المدرسة لمصلحة التلامذة ومستقبلهم، أو أنها لم تحسن تسويق الانجازات المحققة في هذا السبيل. إن كسب ثقة الأهلين وتعاونهم يعتمد بصورة اساسية على صدقية العمل المدرسي وإخلاص القائمين به، وتحقيق النتائج المدرسية المرضية، وساعتئذ لا حاجة إلى توجيه دعوة ثانية أو ثالثة لانتخاب الهيئة العامة لمجلس الأهل،
لأن الأمر يقضى من الدعوة الأولى.  ثمة ازدواجية في مجالات االإنفاق المحددة للجنة المالية لصندوق الثانوية ومجلس الأهل. وحبذا لو خصص كلطرف بمجالات معينة للإنفاق من صندوقه، حتى لا تصرف نفقة على موضوع واحد من مرجعين اثنين، أو كي لا يرمي كل طرف كرة الإنفاق على موضوع معين في ملعب الطرف الآخر. وفي كل الأحوال لا بد من الطلب إلى اللجان المالية ومجالس الاهل في الثانويات
الرسمية تنسيق العمل في ما بينها، عند اعداد مشاريع الموازنات، وذلك بغية التكامل بين الطرفين.


٢- علاقة المدرسة بالبلدية
تشكل البلدية في أداء مهماتها المتصلة بقضايا المواطنين ومشاكلهم النموذج الحقيقي للامركزية الحقيقية، التي يفترض فيها تحقيق برامج التنمية بصورتها المتوازنة، حيث لا شيء يتقدم على المشاريع المرتبطة بأمور التربية والتعليم، التي تعتبر اساسا لأي نهوض اجتماعي أو اقتصادي في الطريق إلى البناء الوطني العام. من أجل ذلك نص قانون البلديات الصادر ١١٨/ ٧٧، على مساهمة المجلس بالمرسوم الاشتراعي
البلدي في نفقات المدارس الرسمية وفقا للأحكام الخاصة بهذه المدارس(الفقرة ١٤ من المادة ٤٩ )، كما نص المرسوم  ، التنظيمي لوزارة التربية رقم ٢٨٦٩/ ٥٩ على أن ''تتعاون وزارة التربية الوطنية والسلطات المحلية والاهلون في القرى على تحمل نفقات المدارس، فتؤمن الوزارة افراد الهيئة التعليمية والادارية، وتقدم السلطة المحلية أو الاهلون البناء والتجهيزات المدرسية ولوازمها، وفاقاً لشروط تحدد بمرسوم... كما يمكن للوزارة ان تأخذ على عاتقها جميع النفقات المترتبة على السلطات المحلية او الأهلين أو بعضها، وذلك في حدود . الاعتمادات المرصدة لهذه الغاية في الموازنة'' (المادة ٤٩)
وهكذا نرى ان القوانين والانظمة المرعية هدفت إلى اشراك المواطنين في تحمل تبعات المؤسسات التي تنشأ في بيئاتهم المحلية، والمساهمة في رفدها بأسباب التقدم والنجاح، وذلك من منطلق المشاركة في الاعباء العامة، والإحساس بالمواطنية لصحيحة، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات. إن السؤال البديهي الذي يطرح في هذا المجال هو: ما مدى تطبيق هذه النصوص في واقع الحال، وعلى مدى السنوات الماضية، وهل تحققت اهدافها؟
إنه من الانصاف القول إن الأهلين في العديد من القرى التي لم تنشأ فيها بلديات، أو التي توقفت مجالسها البلدية عن العمل لأسباب مختلفة، وعلى مدى سنوات الحرب وما تلاها، قاموا بإنشاء الابنية المدرسية وتجهيزها، ودفع أجور بعض المعلمين، لعجز وزارة التربية، أو عدم مبادرتها للقيام بواجباتها في هذا السبيل. كما أن العديد من البلديات كانت تتولى تأمين البناء المدرسي، أو تدفع بدلات ايجاره، بالإضافة إلى المساهمة في زويد المدارس باللوازم الضرورية، وتأمين المحروقات في مدارس القرى الجبلية. وبعد تجديد الحياة البلدية، إثر الانتخابات التي جرت في العام ١٩٩٨ ، بعد توقف وجمود طويلين، تضاعف الاهتمام البلدي بالشأن التربوي، وبادرت بلديات عديدة إلى عدم الاكتفاء بمساهماتها في النفقات المتعلقة بالبناء والتجهيزات، فعملت على تقديم المكافآت والجوائز المالية لتلامذة متفوقين، وتأمين بعض المنح الدراسية، ودعم صناديق مجالس الأهل وتوزيع الكتاب المدرسي، والاسهام في دفع اجور بعض المتعاقدين. ولأن تعزيز التعليم الرسمي ليس حاجة محلية صرف، بل هو تطلع نهضوي عام، وغاية وطنية كبرى، وحتى يتوافر
المزيد من مستلزمات العمل التربوي التي يتطلبها حسن تطبيق المناهج الجديدة، في ظروف مؤاتية، وبشروط مناسبة، كان لا بد من الدعوة باستمرار إلى انفاذ النصوص المتعلقة بالتعاون بين وزارة التربية والسلطات المحلية والأهلين، بصورة فعالة وشاملة، بحيث يصبح الاهتمام بالشأن التربوي الجزء الأهم في روزنامة العمل البلدي، وعلى مستوى جميع البلديات من دون استثناء، على قاعدة احتضان المجتمع
المحلي للمؤسسات التربوية العامة القائمة في نطاقه. إن مثل هذا التعاون من شأنه أن يشكل نقطة انطلاق لسلسلة من الدوائر التي تتوالد وتكبر، كلما تسنى لها أن تمتد على مساحة أكبر، بحيث تصل إلى كل مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية وثقافية واجتماعية ورياضية؛ الأمر الذي يجعل واقع الثانوية الرسمية موصولا بكل الأسباب التي تؤدي إلى نموها وارتقائها واتخاذها موقعا محوريا في المحيط الذي تنتمي إليه •

١- تقرير المفتشية العامة التربوية عن العام ٢٠٠٥
٢-  احصاءات المركز التربوي للبحوث والانماء

التعليم الثانوي الرسمي

التعليم الثانوي الرسمي      

واقعه وشروط تطويره

(المؤتمر الخامس لرابطة أساتذة التعليم الثانوي)

 

الثانوية الرسمية: التنظيم الداخلي، والعلاقة مع المحيط

في التنظيم الداخلي
في التاسع عشر من شهر حزيران من العام ١٩٧٤ ، صدر ، النظام الداخلي للمدارس الثانوية في لبنان، بموجب القرار ٥٩٠ لذي استند في حيثياته إلى نظام الموظفين، والمراسيم الاشتراعية والتنظيمية المتعاقبة ذات الصلة بتنظيم وزارة .٥٩/ التربية، وكان آخرها المرسوم التنظيمي رقم 59/2869
تناول النظام في فصوله الثلاثة عشرة شروط قبول التلامذة وتسجيلهم، والأعمال التحضيرية في بداية كل عام دراسي، وتنظيم السجلات والمطبوعات المدرسية، وإدارة الثانوية وأعمال النظارة، ومحضري المختبر ومنسقي الدروس، والانتظام، وواجبات  الأساتذة، والمجالس واللجان، والإجازات وشروط الحصول عليها، وانضباط التلامذة، والنتائج المدرسية، بالإضافة إلى مجموعة من الأحكام المتفرقة.... ومع أن هذا النظام تعرض لتعديلات كثيرة، على مدى سنوات العمل بموجبه، فرضتها ظروف عادية واستثنائية، فتراكمت النصوص في أرشيف الثانوية، ونسخ بعضها بعضاً، حتى كاد بعض المديرين يحارون في أمرهم، عندما تبرز الحاجة إلى الاسناد القانوني لأي تدبير أو مسألة يواجهونها، فيضطرون إلى طلب المساعدة من التفتيش أو مديرية التعليم الثانوي، فإن البنية الأساسية لهذا النظام التي تحكم توجهاته العامة تحتاج إلي رؤية جديدة تنطلق من الظروف الموضوعية المستجدة، التي رافقت التطور الواسع الذي عرفته الأوضاع الوظيفية والتربوية، حيث تغير المشهد التربوي ليكون أكثر تعبيراً عن حاجات الفرد والجماعة، وبالتالي أكثر مواءمة لمتطلبات البناء بمختلف منطلقاته الواعدة بمواطن إنسان متصالح مع ذاته والمجتمع. ومن الأمثلة على المعطيات والظروف والحاجات الناشئة في المدارس الثانوية ما يلي:
١- بلغ عدد الثانويات العاملة خلال العام الدراسي ٢٠٠٥- ٢٤٣,٢٠٠٦ ثانوية، والتلامذة ٧٤٠٧ تلميذاً، والأساتذة في الملاك ٧٤٦٩ أستاذاً، بالإضافة إلى ١٦٥١٧ حصة تعاقدية ( ١). في حين أن عدد الثانويات في العام الدم الدراسي  ٧٤/٧٣ أي العام الذي صدر فيه النظام الداخلي للثانويات الرسمية، لم يتجاوز ال ٦٩ ثانوية، والتلامذة ٢٠٦٣٧ تلميذاً، والأساتذة ٢٤٣٣ أستاذاً
٢- زيادة الأعباء الإدارية والتربوية على كاهل مدير الثانوية وسائر العاملين فيها. فبالإضافة إلى رعاية الشؤون المتصلة بالموارد البشرية والمادية، وحسن استخدامها توظيفها واستثمارها، بالشكل الذي يوفر للثانوية رفعة  الأداء وجودة النتائج،فإن الاهتمام بالجوانب الفنية والعلمية والثقافية واللوجستية لعمليات التعليم، وما يرافقها من استخدام وسائل وتنفيذ أنشطة، يبقى الشغل  لشاغل، أو هكذا يجب أن يكون، لموظفي التعليم في  لثانوية. ذلك أن المناهج الجديدة تفترض توفير الظروف المناسبة والمستلزمات الضرورية لتنفيذ الحصص التعليمية وفق طبيعة الدروس ومقتضياتها؛ الأمر الذي  ستدعي تفعيل الأطر التنظيمية الكفيلة بالإفادة من الإمكانيات المتاحة في هذا السبيل، ومواكبة تنفيذ الدروس خارج الصفوف أحياناً، وربما خارج الثانوية. وفي هذا المجال، هل يكفي أن تعهد أمانة المكتبة أو المختبرات أو الوسائل التربوية أو شؤون المعلوماتية لموظفي تعليم، من دون إلزامهم بمتابعة دورات متخصصة، وبصورة مستمرة، لزيادة ثقافتهم وقدراتهم التشغيلية، على قاعدة التوصيف الوظيفي المناسب للمهام
الموكولة اليهم، وبعد لحظ ما ليس ملحوظاً منها في ملاك الثانوية؟
٣- الحاجة إلى رعاية الأنشطة اللاصفية والنوادي المدرسية، وذلك بهدف إغناء العمل الصفي بأعمال مكملة، وتوفير السبل الآيلة إلى تفتح المواهب وتنمية الاستعدادات والميول، بحيث تتحول إلى كفايات وأنماط تقدمة من العيش والتكيف، توفر للتلميذ أسباب نموه العقلي والروحي  والجسدي، في نطاق النمو العام للجماعة، وذلك تطبيقاً للنصوص القانونية (القانون ٢٢  /٨٢ ) التي جعلت من حصص التناقص التدريجي ميادين هذه الأنشطة، من دون أي يجري تنفيذ ذلك حتى تاريخه؛ مع الإشارة إلى ضرورة الشروع في تحديد الآلية اللازمة لتطبيقها، بعد توصيفها وتصنيفها وتعيين لمناسب منها لكل مرحلة دراسية، وإطلاق نظام الأندية  المدرسية الذي أعده المركز التربوي للبحوث والإنماء، وتعميمه على المؤسسات التعليمية.
٤- اتساع رقعة الأنشطة المتعلقة بالاختبارات المدرسية، وفاقاً للمناهج الجديدة، والتي تهدف إلى أن يكتسب المتعلم مجموعة الكفايات المحددة لكل مادة دراسية، إن من خلال اختبارات السعي، وهي عملية تقييم  يوميةوأسبوعية وشهرية، ترتكز على الاختبارات المستمرة  والاختبارات الشهرية، أو من طريق الاختبارات الفصلية (ثمة فصلان دراسيان في العام الدراسي ترسل بطاقة علامات التلميذ في نهاية كل منهما إلى  الاهل).
إن تنفيذ هذه الاختبارات يتم عبر أشكال مختلفة من الأنشطة منها التسميعات الشفهية، والفروض البيتية، والتقارير والابداعات الشخصية، والمسابقات الخطية، والتمارين العملية، الأبحاث والمشاريع...
وذلك وفقاً للمقتضيات الخاصة بكل مادة. إن تضخم حجم الانشطة المطلوبة في هذا المجال، وإرسال بطاقة علامات التلميذ إلى أهله مرة واحدة خلال العام الدراسي، باعتبار أن إرسال هذه البطاقة في نهاية الفصل الثاني لا قيمة له على صعيد التقييم التكويني لهذا التلميذ، يجب أن يدعوانا إلى إعادة النظر في أحكام هذا النظام الامتحاني، بحيث يصار إلى اختصار الأنشطة المحددة في القرار ٦٦٦ /م/ ٢٠٠٠ وتعديلاته،
الذي حل مكان الفصل الحادي عشر من النظام الداخلي للمدارس الثانوية (المواد: من ٤١ إلى ٤٤ )، لأن تنفيذها كاملة غير ممكن في ضوء الحصص المخصصة أسبوعياً للمواد الدراسية، والتي لا تفي بالمطلوب في هذا المجال؛ علماً أنه بفعل كثافة هذه الانشطة وتنوعها، وتعذر تطبيقها، استسهل بعض المعلمين العودة إلى ما كان قائماً في نظام التقييم المرتبط بالمناهج القديمة، فآثروا التسميعات الشفهية والمسابقات الخطية على ماعداها، ماسخين بذلك مضمون المنهج الجديد وتقنياته وأساليب  تحقيق أهدافه. كما أنه لا بد أيضاً من إعادة الاعتبار إلى المتابعة الحثيثة للأوضاع الدراسية للتلامذة، واطلاعهم وأهليهم عليها في الاوقات المناسبة التي تسمح بتوافر أسباب النجاح لعمليةالتصحيح والتصويب لمساراتهم التعليمية، وذلك بتظهير التقييم  المدرسي المستمر للتلميذ، وابلاغه المعنيين به على مدار العام الدراسي، من خلال اختبارات السعي والاختبارات الفصلية.أن ما تقدم يشكّل عيّنات من الأوضاع الإدارية والتربوية  التي عرفت توسعاً، أو تشعباً، أو تبدلاً، أو قيمة مضافة، في لأحجام والمقاييس والأهداف والوسائل التي يرتكز عليها العمل
المدرسي. من أجل ذلك كان لا بد من الدعوة إلى استكمال الورشة التي بدأت في مديرية التعليم الثانوي ثم توقفت، وكانت غايتها صياغة  ظام داخلي جديد للمدارس الثانوية، يأخذ بعين الاعتبار
المستجدات والحاجات والتحديات الطارئة على أوضاعالثانويات الرسمية، من مختلف النواحي، ولتعود النصوص  المتفرقة لتنتظم في شكل تنظيمي موحد، على أن تعاد هذه العملية مرة كل عام، إذا ما طرأ تعديل أو إلغاء لأي مادة من مواده، أو بند من بنوده، تحاشياً لتكرار سلبية تبعثر النصوص التنظيمية المرعية الإجراء، كما هو واقع الحال اليوم. لقد أصبح من الضرورة بمكان ان يكون للنظام الداخلي الجديد اطلالة جديدة تحكم سير العمل في الثانويات الرسمية، فيضوء تطور العلم الاداري، وتلبي الحاجة إلى قراءة التوجهات التربوية الجديدة بعين الباحث عن التفاعل والفاعلية، وعلى قاعدة توسيع الصلاحيات العائدة لمجموعات العمل في الثانوية لرسمية، والشراكة في تشخيص المشكلات ووصف العلاجات  واتخاذ القرارات الاساسية فيها، وإضافة مهمات جديدة تستجيب للحاجات الادارية والتقنية والتربوية. إن توفير المناخات المؤاتية للتواصل والتفاعل بين العاملين في الثانوية، في أي حقل من الحقول، لا بد له من ان يؤتي أكله، لأن هذا الامر يفضي حتماً إلى إشاعة أجواء الثقة بالنفس وبالمؤسسة وبجدوى العمل مع الآخرين، من منطلق القرارات لإرادية التي تتقدم على القرارات الإدارية. ان تحقيق هذه الغاية لا يتم إلا بوساطة إدارة مرنة وقيادة إيجابية تعرف كيف تستنهض طاقات الأساتذة، وتستنفر قدراتهم، وتؤمن بجدوى العمل الفريقي، خصوصاً في نطاق المؤسسات المتخصصة داخل الثانوية،ومن بينها مجلس الأساتذة، ولجان المواد، ومجلس التنسيق، ومجلس النظام والتوجيه، ومجلس الاهلين...، بعد إعادة النظر في مهامها فيالوجهة التي تحقق أهداف العمل المؤسسي والإدارة الإيجابية. ومن الأمثلة على ذلك أن المادة ٢٠ من القرار ٥٩٠ ، نصت على تشكيل لجنة لأساتذة كل مادة دراسية، وحددت لها اجتماعات شهرية، لكن هذه اللجنة اختصرت بالمهام التي أسندت إلى منسقها، الذي يتولى توزيع المنهج المقرر للمادة في كل صف على اشهر العام الدراسي( بالتعاون مع أساتذة المادة)، ويحضر دروساً لدى زملائه ويدون الملاحظات المناسبة بشأنها، ويستقبلهم عند الاقتضاء لحضور دروس لديه، ويراقب الفروض والمسابقات والامتحانات، ويطلع الأساتذة على ما استحدث في حقل التعليم، ويضع أسئلة الامتحانات والاختبارات وسلم التصحيح (بعد استطلاع رأي الأساتذة)، ثم يعرضها على مدير الثانوية... فماذا بقي بعد ذلك من مهام لهذه اللجنة؟ وأين هو العمل الفريقي؟ وهل عبرت كلمة ''منسق'' عن معناها الحقيقي في كل المهام الموكلة إلى صاحبها؟
أما المادة ٣٠ من القرار ٥٩٠ ، فقد نصت على إنشاء مجلس للأساتذة، مهمته البحث في الشؤون التربوية والثقافية... وذلك من دون تحديد هويته وآلية اتخاذ القرارات فيه. فهل هو مجلس استشاري لمدير الثانوية، أم مجلس تقريري في الشؤون المعروضة عليه؟! ، والأمر عينه ينطبق على حال مجلس المنسقين ( المادة ٣١) ,حيث لا إشارة إلي طبيعة مهامه وحدود صلاحياته. تلك هي بعض المؤشرات التي تناولت واقع النظام الداخلي للمدارس الثانوية، وما يواجهه في نواح معينة من قصور في تسيير أمور الثانوية والتكيف مع حاجاتها،في ظل حركة التجديد والتحديث التي ألمت بها، في الشكل والمضمون والأداء؛ الأمر
الذي يقتضي معه إيجاد المناسبة والتناغم بين النص والحاجة، لأن واقع هذا النظام حالياً لا يعكس ما هو مطلوب من الثانويات لرسمية. وهذا ما هدفت إليه هذه القراءة السريعة لموضوع التنظيم الداخلي للثانويات الرسمية، حيث كان الغرض التركيز على بعض المتغيرات وما تقتضيه من توجهات تنظيمية جديدة، دون الخوض في الكثير من التفاصيل. ولا اعتقد أننا في هذه العجالة نستطيع تقديم اقتراحات محددة لتعديل هذا النظام، ولم نزعم ذلك على الإطلاق، لأن لهذه الغاية مكاناً و''مانا'' آخرين.


في العلاقة مع المحيط
لا يستقيم العمل التربوي، ولا يحقق اغراضه القريبة والبعيدة، التعليمية والتربوية منها، والاجتماعية والاقتصادية والوطنية، إلا اذا شكلت المدرسة عامل جذب واستقطاب لمحيطها من جهة، ومركز اشعاع وتأثير في هذا المحيط من جهة ثانية. وبكلمة أخرى، إن لم تضطلع المدرسة بدور تنموي واصلاحي وارتقائي في بيئتها، بدعم من الهيئات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني والسلطات المحلية، فليس لها لزوم
او حاجة، لأنها اذا اكتفت بأن تكون صورة عن واقع هذا المحيط تجسد كل ما فيه من عثرات ونواقص ومواطن ضعف، منعزلة عن كل ما يحيط بها من عوامل التأثر والتأثير الايجابيين، والتفاعل مع الحاجات الموضوعية، فما هي القيمة المضافة التي تقدمها إلى الواقع المشكو منه؟ تشكل مجالس الاهل والبلديات الأطر التي يتم من خلالها تقديم العون والمؤازرة للمدرسة الرسمية، في الواقع الراهن، مع وجود بعض لجان الدعم المحدودة. فما هو دور كل منها في عملية الدعم هذه، وما هي الظروف المحيطة بتنفيذ اعمالها؟


١ - العلاقة مع مجالس الاهل
لقد نص القرار ٤٤١ /م/ ٢٠٠٠ على أن ''مجلس الاهل هو الصلة الطبيعية الوثيقة بين أهالي التلامذة وإدارة المدرسة، مهمته تقديم الدعم المادي والمعنوي للمدرسة، والمساهمة في رفع مستواها بالتعاون والتنسيق مع ادارتها ...، على أن يجري الإنفاق من مالية هذه المجالس لتوفير نفقات الرعاية الصحية للتلامذة ، وتقديم الجوائز العينية والمادية للمتفوقين منهم ، والمساعدات على أنواعها لذوي الحاجة والأيتام، وتأمين
التجهيزات اللازمة التي تحتاج اليها الثانوية والوسائل التربوية الضرورية، وتغطية نفقات النشاطات اللامنهجية ...'' كما نص القرار المذكور على أن يعمل مجلس الأهل على حث البلديات والجمعيات والأندية والهيئات الأهلية، لتقديم المساعدات التي تسهل عمل المدارس الثانوية وتحسن مستواها. لقد تناول هذا النظام، في مختلف مواده، المفاصل والتفاصيل المتصلة بآلية تقديم الدعم للثانوية الرسمية، وأحكم تنظيم
العلاقة بين الادارة التربوية والأهلين لهذه الغاية. غير أن المشكلة ليست في النظرية، وإنما في التطبيق ، حيث هناك ملاحظتان اثنتان:
- في كثير من الأحوال تجري انتخابات الهيئات العامة لمجالس الأهل، في الدعوة الثالثة لهذه الانتخابات، أي بمن حضر، شرط الا ينقص عدد الحاضرين عن سبعة. وهذا إن دل على شيْء، فإنما يدل على ما يشوب العلاقة بين المدرسة والأهلين من وهن. إن استقالة هؤلاء من مسؤولياتهم تجاه اولادهم والمؤسسة التي تحتضنهم، يطرح علامة استفهام حول درجة وعيهم لواقعهم، ومستوى قناعتهم بأن طريق ابنائهم إلى المستقبل تمر بهذه المؤسسة حتما. وللمدرسة إزاء ذلك مسؤوليتان: الأولى انها لم تقم بالدور المطلوب منها بالتواصل مع هؤلاء الأهلين بشتى الطرق الممكنة، لإبراز دورهم البناء والأساسي في توفير سبل النجاح لأولادهم، والثانية أنها لا تكون قد قدمت لهؤلاء الأدلة الحسية على جهود بذلت من قبل العاملين في المدرسة لمصلحة التلامذة ومستقبلهم، أو أنها لم تحسن تسويق الانجازات المحققة في هذا السبيل. إن كسب ثقة الأهلين وتعاونهم يعتمد بصورة اساسية على صدقية العمل المدرسي وإخلاص القائمين به، وتحقيق النتائج المدرسية المرضية، وساعتئذ لا حاجة إلى توجيه دعوة ثانية أو ثالثة لانتخاب الهيئة العامة لمجلس الأهل،
لأن الأمر يقضى من الدعوة الأولى.  ثمة ازدواجية في مجالات االإنفاق المحددة للجنة المالية لصندوق الثانوية ومجلس الأهل. وحبذا لو خصص كلطرف بمجالات معينة للإنفاق من صندوقه، حتى لا تصرف نفقة على موضوع واحد من مرجعين اثنين، أو كي لا يرمي كل طرف كرة الإنفاق على موضوع معين في ملعب الطرف الآخر. وفي كل الأحوال لا بد من الطلب إلى اللجان المالية ومجالس الاهل في الثانويات
الرسمية تنسيق العمل في ما بينها، عند اعداد مشاريع الموازنات، وذلك بغية التكامل بين الطرفين.


٢- علاقة المدرسة بالبلدية
تشكل البلدية في أداء مهماتها المتصلة بقضايا المواطنين ومشاكلهم النموذج الحقيقي للامركزية الحقيقية، التي يفترض فيها تحقيق برامج التنمية بصورتها المتوازنة، حيث لا شيء يتقدم على المشاريع المرتبطة بأمور التربية والتعليم، التي تعتبر اساسا لأي نهوض اجتماعي أو اقتصادي في الطريق إلى البناء الوطني العام. من أجل ذلك نص قانون البلديات الصادر ١١٨/ ٧٧، على مساهمة المجلس بالمرسوم الاشتراعي
البلدي في نفقات المدارس الرسمية وفقا للأحكام الخاصة بهذه المدارس(الفقرة ١٤ من المادة ٤٩ )، كما نص المرسوم  ، التنظيمي لوزارة التربية رقم ٢٨٦٩/ ٥٩ على أن ''تتعاون وزارة التربية الوطنية والسلطات المحلية والاهلون في القرى على تحمل نفقات المدارس، فتؤمن الوزارة افراد الهيئة التعليمية والادارية، وتقدم السلطة المحلية أو الاهلون البناء والتجهيزات المدرسية ولوازمها، وفاقاً لشروط تحدد بمرسوم... كما يمكن للوزارة ان تأخذ على عاتقها جميع النفقات المترتبة على السلطات المحلية او الأهلين أو بعضها، وذلك في حدود . الاعتمادات المرصدة لهذه الغاية في الموازنة'' (المادة ٤٩)
وهكذا نرى ان القوانين والانظمة المرعية هدفت إلى اشراك المواطنين في تحمل تبعات المؤسسات التي تنشأ في بيئاتهم المحلية، والمساهمة في رفدها بأسباب التقدم والنجاح، وذلك من منطلق المشاركة في الاعباء العامة، والإحساس بالمواطنية لصحيحة، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات. إن السؤال البديهي الذي يطرح في هذا المجال هو: ما مدى تطبيق هذه النصوص في واقع الحال، وعلى مدى السنوات الماضية، وهل تحققت اهدافها؟
إنه من الانصاف القول إن الأهلين في العديد من القرى التي لم تنشأ فيها بلديات، أو التي توقفت مجالسها البلدية عن العمل لأسباب مختلفة، وعلى مدى سنوات الحرب وما تلاها، قاموا بإنشاء الابنية المدرسية وتجهيزها، ودفع أجور بعض المعلمين، لعجز وزارة التربية، أو عدم مبادرتها للقيام بواجباتها في هذا السبيل. كما أن العديد من البلديات كانت تتولى تأمين البناء المدرسي، أو تدفع بدلات ايجاره، بالإضافة إلى المساهمة في زويد المدارس باللوازم الضرورية، وتأمين المحروقات في مدارس القرى الجبلية. وبعد تجديد الحياة البلدية، إثر الانتخابات التي جرت في العام ١٩٩٨ ، بعد توقف وجمود طويلين، تضاعف الاهتمام البلدي بالشأن التربوي، وبادرت بلديات عديدة إلى عدم الاكتفاء بمساهماتها في النفقات المتعلقة بالبناء والتجهيزات، فعملت على تقديم المكافآت والجوائز المالية لتلامذة متفوقين، وتأمين بعض المنح الدراسية، ودعم صناديق مجالس الأهل وتوزيع الكتاب المدرسي، والاسهام في دفع اجور بعض المتعاقدين. ولأن تعزيز التعليم الرسمي ليس حاجة محلية صرف، بل هو تطلع نهضوي عام، وغاية وطنية كبرى، وحتى يتوافر
المزيد من مستلزمات العمل التربوي التي يتطلبها حسن تطبيق المناهج الجديدة، في ظروف مؤاتية، وبشروط مناسبة، كان لا بد من الدعوة باستمرار إلى انفاذ النصوص المتعلقة بالتعاون بين وزارة التربية والسلطات المحلية والأهلين، بصورة فعالة وشاملة، بحيث يصبح الاهتمام بالشأن التربوي الجزء الأهم في روزنامة العمل البلدي، وعلى مستوى جميع البلديات من دون استثناء، على قاعدة احتضان المجتمع
المحلي للمؤسسات التربوية العامة القائمة في نطاقه. إن مثل هذا التعاون من شأنه أن يشكل نقطة انطلاق لسلسلة من الدوائر التي تتوالد وتكبر، كلما تسنى لها أن تمتد على مساحة أكبر، بحيث تصل إلى كل مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية وثقافية واجتماعية ورياضية؛ الأمر الذي يجعل واقع الثانوية الرسمية موصولا بكل الأسباب التي تؤدي إلى نموها وارتقائها واتخاذها موقعا محوريا في المحيط الذي تنتمي إليه •

١- تقرير المفتشية العامة التربوية عن العام ٢٠٠٥
٢-  احصاءات المركز التربوي للبحوث والانماء

التعليم الثانوي الرسمي

التعليم الثانوي الرسمي      

واقعه وشروط تطويره

(المؤتمر الخامس لرابطة أساتذة التعليم الثانوي)

 

الثانوية الرسمية: التنظيم الداخلي، والعلاقة مع المحيط

في التنظيم الداخلي
في التاسع عشر من شهر حزيران من العام ١٩٧٤ ، صدر ، النظام الداخلي للمدارس الثانوية في لبنان، بموجب القرار ٥٩٠ لذي استند في حيثياته إلى نظام الموظفين، والمراسيم الاشتراعية والتنظيمية المتعاقبة ذات الصلة بتنظيم وزارة .٥٩/ التربية، وكان آخرها المرسوم التنظيمي رقم 59/2869
تناول النظام في فصوله الثلاثة عشرة شروط قبول التلامذة وتسجيلهم، والأعمال التحضيرية في بداية كل عام دراسي، وتنظيم السجلات والمطبوعات المدرسية، وإدارة الثانوية وأعمال النظارة، ومحضري المختبر ومنسقي الدروس، والانتظام، وواجبات  الأساتذة، والمجالس واللجان، والإجازات وشروط الحصول عليها، وانضباط التلامذة، والنتائج المدرسية، بالإضافة إلى مجموعة من الأحكام المتفرقة.... ومع أن هذا النظام تعرض لتعديلات كثيرة، على مدى سنوات العمل بموجبه، فرضتها ظروف عادية واستثنائية، فتراكمت النصوص في أرشيف الثانوية، ونسخ بعضها بعضاً، حتى كاد بعض المديرين يحارون في أمرهم، عندما تبرز الحاجة إلى الاسناد القانوني لأي تدبير أو مسألة يواجهونها، فيضطرون إلى طلب المساعدة من التفتيش أو مديرية التعليم الثانوي، فإن البنية الأساسية لهذا النظام التي تحكم توجهاته العامة تحتاج إلي رؤية جديدة تنطلق من الظروف الموضوعية المستجدة، التي رافقت التطور الواسع الذي عرفته الأوضاع الوظيفية والتربوية، حيث تغير المشهد التربوي ليكون أكثر تعبيراً عن حاجات الفرد والجماعة، وبالتالي أكثر مواءمة لمتطلبات البناء بمختلف منطلقاته الواعدة بمواطن إنسان متصالح مع ذاته والمجتمع. ومن الأمثلة على المعطيات والظروف والحاجات الناشئة في المدارس الثانوية ما يلي:
١- بلغ عدد الثانويات العاملة خلال العام الدراسي ٢٠٠٥- ٢٤٣,٢٠٠٦ ثانوية، والتلامذة ٧٤٠٧ تلميذاً، والأساتذة في الملاك ٧٤٦٩ أستاذاً، بالإضافة إلى ١٦٥١٧ حصة تعاقدية ( ١). في حين أن عدد الثانويات في العام الدم الدراسي  ٧٤/٧٣ أي العام الذي صدر فيه النظام الداخلي للثانويات الرسمية، لم يتجاوز ال ٦٩ ثانوية، والتلامذة ٢٠٦٣٧ تلميذاً، والأساتذة ٢٤٣٣ أستاذاً
٢- زيادة الأعباء الإدارية والتربوية على كاهل مدير الثانوية وسائر العاملين فيها. فبالإضافة إلى رعاية الشؤون المتصلة بالموارد البشرية والمادية، وحسن استخدامها توظيفها واستثمارها، بالشكل الذي يوفر للثانوية رفعة  الأداء وجودة النتائج،فإن الاهتمام بالجوانب الفنية والعلمية والثقافية واللوجستية لعمليات التعليم، وما يرافقها من استخدام وسائل وتنفيذ أنشطة، يبقى الشغل  لشاغل، أو هكذا يجب أن يكون، لموظفي التعليم في  لثانوية. ذلك أن المناهج الجديدة تفترض توفير الظروف المناسبة والمستلزمات الضرورية لتنفيذ الحصص التعليمية وفق طبيعة الدروس ومقتضياتها؛ الأمر الذي  ستدعي تفعيل الأطر التنظيمية الكفيلة بالإفادة من الإمكانيات المتاحة في هذا السبيل، ومواكبة تنفيذ الدروس خارج الصفوف أحياناً، وربما خارج الثانوية. وفي هذا المجال، هل يكفي أن تعهد أمانة المكتبة أو المختبرات أو الوسائل التربوية أو شؤون المعلوماتية لموظفي تعليم، من دون إلزامهم بمتابعة دورات متخصصة، وبصورة مستمرة، لزيادة ثقافتهم وقدراتهم التشغيلية، على قاعدة التوصيف الوظيفي المناسب للمهام
الموكولة اليهم، وبعد لحظ ما ليس ملحوظاً منها في ملاك الثانوية؟
٣- الحاجة إلى رعاية الأنشطة اللاصفية والنوادي المدرسية، وذلك بهدف إغناء العمل الصفي بأعمال مكملة، وتوفير السبل الآيلة إلى تفتح المواهب وتنمية الاستعدادات والميول، بحيث تتحول إلى كفايات وأنماط تقدمة من العيش والتكيف، توفر للتلميذ أسباب نموه العقلي والروحي  والجسدي، في نطاق النمو العام للجماعة، وذلك تطبيقاً للنصوص القانونية (القانون ٢٢  /٨٢ ) التي جعلت من حصص التناقص التدريجي ميادين هذه الأنشطة، من دون أي يجري تنفيذ ذلك حتى تاريخه؛ مع الإشارة إلى ضرورة الشروع في تحديد الآلية اللازمة لتطبيقها، بعد توصيفها وتصنيفها وتعيين لمناسب منها لكل مرحلة دراسية، وإطلاق نظام الأندية  المدرسية الذي أعده المركز التربوي للبحوث والإنماء، وتعميمه على المؤسسات التعليمية.
٤- اتساع رقعة الأنشطة المتعلقة بالاختبارات المدرسية، وفاقاً للمناهج الجديدة، والتي تهدف إلى أن يكتسب المتعلم مجموعة الكفايات المحددة لكل مادة دراسية، إن من خلال اختبارات السعي، وهي عملية تقييم  يوميةوأسبوعية وشهرية، ترتكز على الاختبارات المستمرة  والاختبارات الشهرية، أو من طريق الاختبارات الفصلية (ثمة فصلان دراسيان في العام الدراسي ترسل بطاقة علامات التلميذ في نهاية كل منهما إلى  الاهل).
إن تنفيذ هذه الاختبارات يتم عبر أشكال مختلفة من الأنشطة منها التسميعات الشفهية، والفروض البيتية، والتقارير والابداعات الشخصية، والمسابقات الخطية، والتمارين العملية، الأبحاث والمشاريع...
وذلك وفقاً للمقتضيات الخاصة بكل مادة. إن تضخم حجم الانشطة المطلوبة في هذا المجال، وإرسال بطاقة علامات التلميذ إلى أهله مرة واحدة خلال العام الدراسي، باعتبار أن إرسال هذه البطاقة في نهاية الفصل الثاني لا قيمة له على صعيد التقييم التكويني لهذا التلميذ، يجب أن يدعوانا إلى إعادة النظر في أحكام هذا النظام الامتحاني، بحيث يصار إلى اختصار الأنشطة المحددة في القرار ٦٦٦ /م/ ٢٠٠٠ وتعديلاته،
الذي حل مكان الفصل الحادي عشر من النظام الداخلي للمدارس الثانوية (المواد: من ٤١ إلى ٤٤ )، لأن تنفيذها كاملة غير ممكن في ضوء الحصص المخصصة أسبوعياً للمواد الدراسية، والتي لا تفي بالمطلوب في هذا المجال؛ علماً أنه بفعل كثافة هذه الانشطة وتنوعها، وتعذر تطبيقها، استسهل بعض المعلمين العودة إلى ما كان قائماً في نظام التقييم المرتبط بالمناهج القديمة، فآثروا التسميعات الشفهية والمسابقات الخطية على ماعداها، ماسخين بذلك مضمون المنهج الجديد وتقنياته وأساليب  تحقيق أهدافه. كما أنه لا بد أيضاً من إعادة الاعتبار إلى المتابعة الحثيثة للأوضاع الدراسية للتلامذة، واطلاعهم وأهليهم عليها في الاوقات المناسبة التي تسمح بتوافر أسباب النجاح لعمليةالتصحيح والتصويب لمساراتهم التعليمية، وذلك بتظهير التقييم  المدرسي المستمر للتلميذ، وابلاغه المعنيين به على مدار العام الدراسي، من خلال اختبارات السعي والاختبارات الفصلية.أن ما تقدم يشكّل عيّنات من الأوضاع الإدارية والتربوية  التي عرفت توسعاً، أو تشعباً، أو تبدلاً، أو قيمة مضافة، في لأحجام والمقاييس والأهداف والوسائل التي يرتكز عليها العمل
المدرسي. من أجل ذلك كان لا بد من الدعوة إلى استكمال الورشة التي بدأت في مديرية التعليم الثانوي ثم توقفت، وكانت غايتها صياغة  ظام داخلي جديد للمدارس الثانوية، يأخذ بعين الاعتبار
المستجدات والحاجات والتحديات الطارئة على أوضاعالثانويات الرسمية، من مختلف النواحي، ولتعود النصوص  المتفرقة لتنتظم في شكل تنظيمي موحد، على أن تعاد هذه العملية مرة كل عام، إذا ما طرأ تعديل أو إلغاء لأي مادة من مواده، أو بند من بنوده، تحاشياً لتكرار سلبية تبعثر النصوص التنظيمية المرعية الإجراء، كما هو واقع الحال اليوم. لقد أصبح من الضرورة بمكان ان يكون للنظام الداخلي الجديد اطلالة جديدة تحكم سير العمل في الثانويات الرسمية، فيضوء تطور العلم الاداري، وتلبي الحاجة إلى قراءة التوجهات التربوية الجديدة بعين الباحث عن التفاعل والفاعلية، وعلى قاعدة توسيع الصلاحيات العائدة لمجموعات العمل في الثانوية لرسمية، والشراكة في تشخيص المشكلات ووصف العلاجات  واتخاذ القرارات الاساسية فيها، وإضافة مهمات جديدة تستجيب للحاجات الادارية والتقنية والتربوية. إن توفير المناخات المؤاتية للتواصل والتفاعل بين العاملين في الثانوية، في أي حقل من الحقول، لا بد له من ان يؤتي أكله، لأن هذا الامر يفضي حتماً إلى إشاعة أجواء الثقة بالنفس وبالمؤسسة وبجدوى العمل مع الآخرين، من منطلق القرارات لإرادية التي تتقدم على القرارات الإدارية. ان تحقيق هذه الغاية لا يتم إلا بوساطة إدارة مرنة وقيادة إيجابية تعرف كيف تستنهض طاقات الأساتذة، وتستنفر قدراتهم، وتؤمن بجدوى العمل الفريقي، خصوصاً في نطاق المؤسسات المتخصصة داخل الثانوية،ومن بينها مجلس الأساتذة، ولجان المواد، ومجلس التنسيق، ومجلس النظام والتوجيه، ومجلس الاهلين...، بعد إعادة النظر في مهامها فيالوجهة التي تحقق أهداف العمل المؤسسي والإدارة الإيجابية. ومن الأمثلة على ذلك أن المادة ٢٠ من القرار ٥٩٠ ، نصت على تشكيل لجنة لأساتذة كل مادة دراسية، وحددت لها اجتماعات شهرية، لكن هذه اللجنة اختصرت بالمهام التي أسندت إلى منسقها، الذي يتولى توزيع المنهج المقرر للمادة في كل صف على اشهر العام الدراسي( بالتعاون مع أساتذة المادة)، ويحضر دروساً لدى زملائه ويدون الملاحظات المناسبة بشأنها، ويستقبلهم عند الاقتضاء لحضور دروس لديه، ويراقب الفروض والمسابقات والامتحانات، ويطلع الأساتذة على ما استحدث في حقل التعليم، ويضع أسئلة الامتحانات والاختبارات وسلم التصحيح (بعد استطلاع رأي الأساتذة)، ثم يعرضها على مدير الثانوية... فماذا بقي بعد ذلك من مهام لهذه اللجنة؟ وأين هو العمل الفريقي؟ وهل عبرت كلمة ''منسق'' عن معناها الحقيقي في كل المهام الموكلة إلى صاحبها؟
أما المادة ٣٠ من القرار ٥٩٠ ، فقد نصت على إنشاء مجلس للأساتذة، مهمته البحث في الشؤون التربوية والثقافية... وذلك من دون تحديد هويته وآلية اتخاذ القرارات فيه. فهل هو مجلس استشاري لمدير الثانوية، أم مجلس تقريري في الشؤون المعروضة عليه؟! ، والأمر عينه ينطبق على حال مجلس المنسقين ( المادة ٣١) ,حيث لا إشارة إلي طبيعة مهامه وحدود صلاحياته. تلك هي بعض المؤشرات التي تناولت واقع النظام الداخلي للمدارس الثانوية، وما يواجهه في نواح معينة من قصور في تسيير أمور الثانوية والتكيف مع حاجاتها،في ظل حركة التجديد والتحديث التي ألمت بها، في الشكل والمضمون والأداء؛ الأمر
الذي يقتضي معه إيجاد المناسبة والتناغم بين النص والحاجة، لأن واقع هذا النظام حالياً لا يعكس ما هو مطلوب من الثانويات لرسمية. وهذا ما هدفت إليه هذه القراءة السريعة لموضوع التنظيم الداخلي للثانويات الرسمية، حيث كان الغرض التركيز على بعض المتغيرات وما تقتضيه من توجهات تنظيمية جديدة، دون الخوض في الكثير من التفاصيل. ولا اعتقد أننا في هذه العجالة نستطيع تقديم اقتراحات محددة لتعديل هذا النظام، ولم نزعم ذلك على الإطلاق، لأن لهذه الغاية مكاناً و''مانا'' آخرين.


في العلاقة مع المحيط
لا يستقيم العمل التربوي، ولا يحقق اغراضه القريبة والبعيدة، التعليمية والتربوية منها، والاجتماعية والاقتصادية والوطنية، إلا اذا شكلت المدرسة عامل جذب واستقطاب لمحيطها من جهة، ومركز اشعاع وتأثير في هذا المحيط من جهة ثانية. وبكلمة أخرى، إن لم تضطلع المدرسة بدور تنموي واصلاحي وارتقائي في بيئتها، بدعم من الهيئات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني والسلطات المحلية، فليس لها لزوم
او حاجة، لأنها اذا اكتفت بأن تكون صورة عن واقع هذا المحيط تجسد كل ما فيه من عثرات ونواقص ومواطن ضعف، منعزلة عن كل ما يحيط بها من عوامل التأثر والتأثير الايجابيين، والتفاعل مع الحاجات الموضوعية، فما هي القيمة المضافة التي تقدمها إلى الواقع المشكو منه؟ تشكل مجالس الاهل والبلديات الأطر التي يتم من خلالها تقديم العون والمؤازرة للمدرسة الرسمية، في الواقع الراهن، مع وجود بعض لجان الدعم المحدودة. فما هو دور كل منها في عملية الدعم هذه، وما هي الظروف المحيطة بتنفيذ اعمالها؟


١ - العلاقة مع مجالس الاهل
لقد نص القرار ٤٤١ /م/ ٢٠٠٠ على أن ''مجلس الاهل هو الصلة الطبيعية الوثيقة بين أهالي التلامذة وإدارة المدرسة، مهمته تقديم الدعم المادي والمعنوي للمدرسة، والمساهمة في رفع مستواها بالتعاون والتنسيق مع ادارتها ...، على أن يجري الإنفاق من مالية هذه المجالس لتوفير نفقات الرعاية الصحية للتلامذة ، وتقديم الجوائز العينية والمادية للمتفوقين منهم ، والمساعدات على أنواعها لذوي الحاجة والأيتام، وتأمين
التجهيزات اللازمة التي تحتاج اليها الثانوية والوسائل التربوية الضرورية، وتغطية نفقات النشاطات اللامنهجية ...'' كما نص القرار المذكور على أن يعمل مجلس الأهل على حث البلديات والجمعيات والأندية والهيئات الأهلية، لتقديم المساعدات التي تسهل عمل المدارس الثانوية وتحسن مستواها. لقد تناول هذا النظام، في مختلف مواده، المفاصل والتفاصيل المتصلة بآلية تقديم الدعم للثانوية الرسمية، وأحكم تنظيم
العلاقة بين الادارة التربوية والأهلين لهذه الغاية. غير أن المشكلة ليست في النظرية، وإنما في التطبيق ، حيث هناك ملاحظتان اثنتان:
- في كثير من الأحوال تجري انتخابات الهيئات العامة لمجالس الأهل، في الدعوة الثالثة لهذه الانتخابات، أي بمن حضر، شرط الا ينقص عدد الحاضرين عن سبعة. وهذا إن دل على شيْء، فإنما يدل على ما يشوب العلاقة بين المدرسة والأهلين من وهن. إن استقالة هؤلاء من مسؤولياتهم تجاه اولادهم والمؤسسة التي تحتضنهم، يطرح علامة استفهام حول درجة وعيهم لواقعهم، ومستوى قناعتهم بأن طريق ابنائهم إلى المستقبل تمر بهذه المؤسسة حتما. وللمدرسة إزاء ذلك مسؤوليتان: الأولى انها لم تقم بالدور المطلوب منها بالتواصل مع هؤلاء الأهلين بشتى الطرق الممكنة، لإبراز دورهم البناء والأساسي في توفير سبل النجاح لأولادهم، والثانية أنها لا تكون قد قدمت لهؤلاء الأدلة الحسية على جهود بذلت من قبل العاملين في المدرسة لمصلحة التلامذة ومستقبلهم، أو أنها لم تحسن تسويق الانجازات المحققة في هذا السبيل. إن كسب ثقة الأهلين وتعاونهم يعتمد بصورة اساسية على صدقية العمل المدرسي وإخلاص القائمين به، وتحقيق النتائج المدرسية المرضية، وساعتئذ لا حاجة إلى توجيه دعوة ثانية أو ثالثة لانتخاب الهيئة العامة لمجلس الأهل،
لأن الأمر يقضى من الدعوة الأولى.  ثمة ازدواجية في مجالات االإنفاق المحددة للجنة المالية لصندوق الثانوية ومجلس الأهل. وحبذا لو خصص كلطرف بمجالات معينة للإنفاق من صندوقه، حتى لا تصرف نفقة على موضوع واحد من مرجعين اثنين، أو كي لا يرمي كل طرف كرة الإنفاق على موضوع معين في ملعب الطرف الآخر. وفي كل الأحوال لا بد من الطلب إلى اللجان المالية ومجالس الاهل في الثانويات
الرسمية تنسيق العمل في ما بينها، عند اعداد مشاريع الموازنات، وذلك بغية التكامل بين الطرفين.


٢- علاقة المدرسة بالبلدية
تشكل البلدية في أداء مهماتها المتصلة بقضايا المواطنين ومشاكلهم النموذج الحقيقي للامركزية الحقيقية، التي يفترض فيها تحقيق برامج التنمية بصورتها المتوازنة، حيث لا شيء يتقدم على المشاريع المرتبطة بأمور التربية والتعليم، التي تعتبر اساسا لأي نهوض اجتماعي أو اقتصادي في الطريق إلى البناء الوطني العام. من أجل ذلك نص قانون البلديات الصادر ١١٨/ ٧٧، على مساهمة المجلس بالمرسوم الاشتراعي
البلدي في نفقات المدارس الرسمية وفقا للأحكام الخاصة بهذه المدارس(الفقرة ١٤ من المادة ٤٩ )، كما نص المرسوم  ، التنظيمي لوزارة التربية رقم ٢٨٦٩/ ٥٩ على أن ''تتعاون وزارة التربية الوطنية والسلطات المحلية والاهلون في القرى على تحمل نفقات المدارس، فتؤمن الوزارة افراد الهيئة التعليمية والادارية، وتقدم السلطة المحلية أو الاهلون البناء والتجهيزات المدرسية ولوازمها، وفاقاً لشروط تحدد بمرسوم... كما يمكن للوزارة ان تأخذ على عاتقها جميع النفقات المترتبة على السلطات المحلية او الأهلين أو بعضها، وذلك في حدود . الاعتمادات المرصدة لهذه الغاية في الموازنة'' (المادة ٤٩)
وهكذا نرى ان القوانين والانظمة المرعية هدفت إلى اشراك المواطنين في تحمل تبعات المؤسسات التي تنشأ في بيئاتهم المحلية، والمساهمة في رفدها بأسباب التقدم والنجاح، وذلك من منطلق المشاركة في الاعباء العامة، والإحساس بالمواطنية لصحيحة، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات. إن السؤال البديهي الذي يطرح في هذا المجال هو: ما مدى تطبيق هذه النصوص في واقع الحال، وعلى مدى السنوات الماضية، وهل تحققت اهدافها؟
إنه من الانصاف القول إن الأهلين في العديد من القرى التي لم تنشأ فيها بلديات، أو التي توقفت مجالسها البلدية عن العمل لأسباب مختلفة، وعلى مدى سنوات الحرب وما تلاها، قاموا بإنشاء الابنية المدرسية وتجهيزها، ودفع أجور بعض المعلمين، لعجز وزارة التربية، أو عدم مبادرتها للقيام بواجباتها في هذا السبيل. كما أن العديد من البلديات كانت تتولى تأمين البناء المدرسي، أو تدفع بدلات ايجاره، بالإضافة إلى المساهمة في زويد المدارس باللوازم الضرورية، وتأمين المحروقات في مدارس القرى الجبلية. وبعد تجديد الحياة البلدية، إثر الانتخابات التي جرت في العام ١٩٩٨ ، بعد توقف وجمود طويلين، تضاعف الاهتمام البلدي بالشأن التربوي، وبادرت بلديات عديدة إلى عدم الاكتفاء بمساهماتها في النفقات المتعلقة بالبناء والتجهيزات، فعملت على تقديم المكافآت والجوائز المالية لتلامذة متفوقين، وتأمين بعض المنح الدراسية، ودعم صناديق مجالس الأهل وتوزيع الكتاب المدرسي، والاسهام في دفع اجور بعض المتعاقدين. ولأن تعزيز التعليم الرسمي ليس حاجة محلية صرف، بل هو تطلع نهضوي عام، وغاية وطنية كبرى، وحتى يتوافر
المزيد من مستلزمات العمل التربوي التي يتطلبها حسن تطبيق المناهج الجديدة، في ظروف مؤاتية، وبشروط مناسبة، كان لا بد من الدعوة باستمرار إلى انفاذ النصوص المتعلقة بالتعاون بين وزارة التربية والسلطات المحلية والأهلين، بصورة فعالة وشاملة، بحيث يصبح الاهتمام بالشأن التربوي الجزء الأهم في روزنامة العمل البلدي، وعلى مستوى جميع البلديات من دون استثناء، على قاعدة احتضان المجتمع
المحلي للمؤسسات التربوية العامة القائمة في نطاقه. إن مثل هذا التعاون من شأنه أن يشكل نقطة انطلاق لسلسلة من الدوائر التي تتوالد وتكبر، كلما تسنى لها أن تمتد على مساحة أكبر، بحيث تصل إلى كل مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية وثقافية واجتماعية ورياضية؛ الأمر الذي يجعل واقع الثانوية الرسمية موصولا بكل الأسباب التي تؤدي إلى نموها وارتقائها واتخاذها موقعا محوريا في المحيط الذي تنتمي إليه •

١- تقرير المفتشية العامة التربوية عن العام ٢٠٠٥
٢-  احصاءات المركز التربوي للبحوث والانماء