التعلم بالاكتشاف

             التعلّم بالاكتشاف           

Learning by Discovery

طريقة تعليم رائدة في تنمية مهارات التفكير وتعزيزها

 

لقد سمعنا وقرأنا كثيراً عن المفتش البريطاني المغمور ''شرلوك هولمز'' الذي ابتدعه خيال الكاتب ''آرثر دايل''، ونتذكر كيف كان هولمز يواجه باستمرار قضايا مفاجئة ومعقدة، وكيف كان يجمع الأدلة ويدرسها بتمعن
ليزن كل صغيرة في الحدث ويبني فرضيات ونظريات بديلة، ويوازن بينها، ويقرّر ما هي النقاط أو العوامل الرئيسة وما هي النقاط الأخرى التي يمكن استبعادها كي يصل إلى حل اللغز. لقد اتبع هولمز في عمله وتفكير المنطق الاستقرائي ( ١) حيث يضع الأشياء ويجمعها مثل ٢+ ٢=٤ ليصل إلى تفسير أو نتيجة منطقية.
وعلى المستوى الشخصي، فإننا غالباً ما نتعرض لمواقف تتطلب منا أن نتصور أشياء معينة مثل ما معنى
هذه الكلمة في سياق الجملة؟ أو لماذا حصلت على علامة ١٢ بدلاً من علامة ١٤ ؟ أو كيف يمكنني أن أحصل على علامة ١٤ في المرة التالية؟

يعتقد علماء النفس والتربويون أمثال جون ديوي، وبرونر، وجويس ودايل وغيرهم بأن مهارات المنطق لدينا، كما لدى هولمز والتلاميذ أيضاً، يمكنها أن تتحسن وتتطور.
ويعتقدون أيضاً بأن تطبيق طريقة الاكتشاف في الصف تفسح المجال أمام المتعلمين كي يجمعوا الحقائق ويستخدموها ويقوموا بتحليلها. كما يرى الكثير من التربويين أن هذه
الطريقة هي الأسلوب البديل أو الاختيار الأفضل للتعليم في المواد الاجتماعية والعلوم والرياضيات...
ما هو التعلّم بالاكتشاف؟
التعلّم بالاكتشاف طريقة في التعليم ترتكز على مبادئ المدرسة أو النظرية المعرفية (cognitive theory)وتعتمد على التعلّم ذي المعنى(٢). ويمكننا ان نعرّف هذا التعلم بأنه
تعلّم يطبّق عندما يطلب المعلم من تلاميذه أن يستخرجوا المعاني من النصوص بأنفسهم ويستوعبوها من خلال خبراتهم الشخصية، ويتناقض هذا النوع من التعلّم مع الطريقة الإلقائية وطريقة العرض اللتين تستخدمان في إلقاء المعلومات أو تلقينها.
وإذا أخذنا مثالاً على ذلك درس ''نمو الضفدعة'' في العلوم، ففي الطريقة الإلقائية يسرد المعلم مراحل نمو الضفدعة شفوياً، وقد يستخدم وسائل تربوية مساندة وشروحات وتوضيحات بينما في التعلم بالاكتشاف، نرى
المعلم يسأل تلاميذه كي يكتشفوا هذه المراحل بأنفسهم وربما من طريق الملاحظة، أو القراءة... وهنا، ومن خلال الأسئلة فإن المعلم يطلب درساً معمقاً واستقصاءً أشبه ما يكون بتحقيقات شرلوك هولمز.

أمثلة متنوعة

مادة العلوم، كما نعلم، غنية بالأمثلة الحسية التي تسهّل تطبيق طريقة التعلم بالاكتشاف والإفادة منها، لا سيما عندما تطرح أسئلة حول الطبيعة والمناخ والأسباب التي تدفع البراكين إلى الانفجار، ونمو النباتات، والحرارة والثياب، والطاقة وأنواعها واستخداماتها والكائنات الحية ونموها... كما أن مادة الرياضيات التي تهدف إلى تنمية كفايات معينة مثل التفكير النقدي والتفكير المنطقي الاستدلالي والاستقرائي فإنها مشبعة بالمسائل الرياضية التي تتطلب قراءة وفهماً وتوازناً وربطاً وتحليلاً واستنتاجات (مهارات  عقلية عليا)، لا سيما عندما يسال المعلم عن حاصل ضربرقم برقم آخر، وعندما يسأل عن خطأ ما حصل في هذه
العملية، وعندما يطلب من تلاميذه ان يكتشفوا الخطأ وان يدرسوا الأسباب أو العوامل التي أدت إلى هذا الخطأ. وبمعنى آخر فإنه يطلب منهم استيعاب عملية الضرب بما فيها من عمليات جمع أو طرح وأن يفهموا  مراحل هذه العملية وأن يحددوا الخطأ الذي ينتج في مسار عملية التفكير. إنها بكل بساطة خطوات أساسية في طريقة التعلم بالاكتشاف. ناهيك عن المسائل الرياضية الهندسية التي تتطلب تصورات عقلية أو صياغة فرضيات مع ما يتبعها من عمليات فكرية للتحقق  ن مدى صحة هذه الفرضية للوصول إلى الحل المطلوب. وفي المواد الاجتماعية أو الاجتماعيات مثل التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، فإن المجال فسيح  ورحب جداً  لاتباع هذه الطريقة من خلال الأسئلة وطرح المشكلاتوصياغة الفرضيات ووضع الحلول والتحقق من صحتها للوصول إلى الحل الأنسب. وفي محاور التربية الوطنية ضايا ومواضيع حول الذات والآخر والعائلة والوطن وخدمة المجتمع والقوانين والأنظمة... يمكن استغلالها بشكل مكثفومعمق بإتباع طريقة التعلم بالاكتشاف حين يطلب من المتعلم أن يقدم تصوراته أو أفكاره أو اقتراحاته أو أحكامه المسبقة ويعمل بجد وبأسلوب موضوعي للتحقق من صحتها، بعد اكتشاف العوامل (factors ) المستقلة أو المؤثرة والعوامل المعتمدة  أو (dependant) وغيرها من العوامل المثبتة أوالثانوية. كذلك في مادة التاريخ عندما يسأل المعلم عن  الأسباب التي أدت إلى حرب ما بالاستناد إلى المراجع والأدلة والوثائق والمستندات التاريخية والحضارية والاجتماعية، أوندما يطلب التأكد من صحة ارتباط عمل فني بحضارة أو  ثقافة معينة.


أهداف التعلّم بالاكتشاف
يستخدم المعلمون التعلم بالاكتشاف لتحقيق ثلاث غايات
رئيسة:
١- توفير الظروف وإفساح المجال أمام المتعلمين للقيام بالتفكير المستقل بغية الوصول إلى المعرفة بأنفسهم، وهذا يعني إبعاد المتعلمين عن محاولة الاتكال أو الاعتماد على غيرهم في تعلّم أمور معينة.
٢- مساعدة المتعلمين على أن يكتشفوا بأن المعرفة ستصبح معروفة أو مفهومة لديهم. وهذا يعني ساعدتهم على أن يدركوا بأنفسهم كيف يمكنهم أن يشكلوا أو يبنوا معرفتهم من خلال جمع المعلومات
وتنظيمها واستخدامها.
٣- تعزيز استخدام المهارات العقلية العليا لدى المتعلمين لا سيما مهارات التفكير النقدي كالتحليل والتركيب والتقييم وهذا ما سنراه بالتفصيل لاحقاً.


خصائص التعلم بالاكتشاف
سنحاول أن نعرض لخصائص التعلّم بالاكتشاف من خلال الإجابة عن أسئلة حول الأهداف الثلاثة الرئيسة التي عرضت سابقاً.
السؤال الأول:
هل تعتقد كمعلم بأن الغاية الأساسية من التعليم هي جعل لتلاميذ يفكرون بأنفسهم؟ وهل تظن بأنهم يملكون القدرة على  ذلك؟ ربما تجيب موافقاً على الجزء الأول من السؤال الأول، وتتحفظ على الجزء الثاني، وعلى أية حال، فإن بعض المعلمين يشعرون بعجزهم أو بعدم قدرتهم على التنفيذ، السبب يعود ربما إلى انه لم تفسح لهم الفرصة كي يبنوا ثقة بأنفسهم وبقدراتهم الفكرية. إن الثقة بالنفس والقدرة على التفكير تتطلبان الزرع والحصاد أو تستدعيان التجربة والخطأ. فما عليك كمعلم إلا أن تحاول وتجرب وستصل إلى النتيجة بنفسك. فالثقة بالنفس لا تأتي من الخارج بل تستدعي الجرأة على التجربة ومعرفة الخطأ والإفادة منه.
السؤال الثاني:
إن الهدف الثاني هو مساعدة التلاميذ على معرفة كيفية بناء المعرفة أو معرفة مسار بناء المعرفة الذاتية، فهل تريد كمعلم من تلاميذك أن يدركوا كيف تتشكّل المفاهيم والحقائق والتعميمات والقوانين؟
فإذا كان جوابك نعم، فانك ولا شك طموح جداً، ومؤمن بقدرات تلاميذك الفكرية،لأنك تتوقع منهم أن يدركوا مصادر المعرفة وطبيعتها وليس تذكُّر الحقائق فقط.
السؤال الثالث:
إن هدف التعلّم بالاكتشاف هو جعل المتعلمين قادرين على طوير مهاراتهم الفكرية العليا والمهارات النقدية، فهل تريد   ن تلاميذك أن يحلّلِوا ويولّفوا ويقيّموا ويحلّوا المشكلات؟ وهل يمكنك أن تثابر على تشجيعهم  للتعمق والتحقق والبحث والملاحظة والتصنيف والقياس والتعريف والتفسير والإبلاغ والتنبؤ وصوغ الفرضيات؟
إذا كان الجواب نعم، فإنك بدون شك معلم فاعل وناجح لأنك ستضع علامة فارقة ومميزة لن تمحى من عقولهم ابداً. انطلاقاً من هذه القناعات والمبادئ، فإن ممارسة هذه الطريقة تتطلب ولا شك من المعلم خصائص معينة وصفات لا يمكن الاستغناء عنها، مثل:
- أن يكون محباً للاستفسار والتساؤل
- أن يكون فضولياً وميالاً للبحث عن الحقائق وفق مقاربات فكرية ونقدية.
- أن يملك قناعات بأن المتعلمين ايضاً فضوليون ويحبون المعرفة
- أن يكون مربياً ومفكراً وصبوراً ومتقبّ لِاً للأفكار ولديه توقعات كبيرة من تلاميذه.


مراحل التعلم بالاكتشاف
لقد اقترح التربويون مجموعة من الخطوات التي يمكن أن تشكل جميعها بنية الدرس بحسب هذه الطريقة، وتلخّص هذه الخطوات بحسب الشكل الآتي:
أ- تحضير الدرس:
عندما تبدأ بالتخطيط لنشاط تعلمي ينبغي أن يكون لديك تصور واضح لأهداف الدرس، فإذا كان الهدف مثلاً أن تعلم التلاميذ عن سرعة نبضات القلب والتنفس، فإنك ستعتمد في التخطيط للدرس أن تحدّد بالضبط ماذا تريد من تلاميذك ان يعرفوا عن موضوع واحد أو عن النقطتين المذكورتين. فإذا أردت منهم أن يعرفوا ما المقصود بالنبض أو التنفس ( مفاهيم ) وكيف يمكننا أن نقيس نبضات القلب والتنفس  (إجراءات)ومعدل نبضات القلب والتنفس (حقائق) والنسب العادية لنبضات القلب والتنفس (حقائق) والعوامل التي تؤثر في زيادة عدد نبضات القلب والتنفس (تعميمات)، عند ذلك يمكنك أن تبحث عن المصادر المتوافرة لديك لجمع معلوماتومواد مناسبة وكافية حول هذا الموضوع.

الأسئلة التي تثير الاكتشاف وتعززه              شكل أو نوع المعلومات
ما هو الحيوان اللبون ؟ ●
ما هي موسيقى الجاز ؟ ●
                  من هو الشخص الديمقراطي ؟ ●
(concepts) : المفاهيم
وهي أسماء تصف مجموعة من الأفكار أو الأشياء.
ما هو معدل ضربات القلب ؟ ●
ما هو مجموع زوايا المثلث ؟ ●
ما هي مراحل نمو الضفدعة ؟ ●
(facts) : الوقائع
وهي حقائق لا يمكن تبديلها أو تغييرها.
كيف ينبغي أن نحضر درساً ما ؟ ●
كيف تتغير العائلات ؟ ●
لماذا يتوجه أهالي الشمال نحو الجنوب لقضاء عطلاتهم ●
(generalizations) : التعميمات
وهي توافقات عالمية مدعومة نظرياً لكنها ليست حقائق.
كيف نلعب كرة الطائرة ؟ ●
ماذا تعوم بعض الأجسام على المياه ؟ ●
كيف تتم قسمة الأعداد أو عملية الضرب ؟ ●
           
(principles or laws) : القوانين أو القواعد
وهي مبادئ غير متغيرة وتغطي ركناً أو حيزاً يحكم
بمجموعة من الضوابط أو الشروط

 

أنت مستعد الآن لتطبيق تعلم بالاكتشاف أو السؤال هنا هو كيف يمكنك أن تشكل وضعيات تسمح للتلاميذ بأن يحصلوا على المعرفة بأنفسهم؟ وبصورة أدق، كيف يمكنك أن تخلق الدافعية لديهم وتثير اهتمامهم؟ وماذا تريد من التلاميذ أن يلاحظوا ويكتشفوا؟ وكيف سيتم ذلك؟ وهذه الأسئلة تشكل الإطار العام للتخطيط للدرس. ولا بد من ملاحظة في هذه المرحلة حول قدرات التلاميذ واستعداداتهم لاتباع الأساليب العلمية مثل الملاحظة والتسجيل والتحليل. فإذا كانوا حديثي الخبرة في استخدام مهارات  التفكير المنطقي ولا سيما الاستنتاج والاستقراء، فما عليك إلا أن تتبع استراتيجيات التبسيط والتوجيه.

ب- إعطاء الدرس : (delivery)
من الضروري جداً أن يستخدم المعلم خبرته في معالجة المعلومات، وخصوصاً في تقنيات جذب الانتباه. فالتعليم  يتعزز من خلال مفهوم ( set induction) الذي يعني القيام بإجراءات معينة لجذب التلاميذ وشد انتباههم. ولنحاول هنا أن نفكر في إجراءات أو وسائل معينة لجذب انتباه التلاميذ إلى الموضوع المذكور آنفاً أي ''النبض والتنفس'' قد يمكننا أن نطرح سؤالاً مثل:
ما هي الأشياء الضرورية التي تساعد على بقاء جسدنا حياً؟ وتأتي الخطوة الثانية بعد إثارة التفكير وجذب الانتباه، وهي خلق وضعية ما، قد تكون حقيقية أو افتراضية، لكنها متحدية ومثيرة للتفكير. ونستطيع هنا أن نطرح مرة أخرى، أسئلة مثل:
- ماذا يفعل الأطباء ليتأكدوا من أن صحتنا جيدة؟
- كيف يمكنهم معرفة ذلك؟
- وكيف نستنتج بأن سرعة النبض والتنفس هي طبيعية؟ وماذا نقصد عندما نقول ''إنها طبيعية''؟
- وكيف يمكننا أن نتوصل إلى ذلك؟ وماذا نستخدم؟
- وما هي العوامل التي تؤثر في تغيّر سرعة النبض والتنفس؟ وكيف نكتشف ذلك؟
وبالاستناد إلى الأهداف الخاصة من الدرس، فإن المعلم يستطيع أن يطرح أسئلة تثير التلاميذ وتحثهم على اكتشاف الإجابات. والأفضل من ذلك، اذا استطاع المعلم أن يدفع تلاميذه ويشجعهم على أن يطرحوا بأنفسهم  أسئلة حول نقاط الدرس ومضامينه. وقد ورد في الصفحة السابقة قائمة لمساعدة المعلم وتحتوي على أربعة أشكال من المعلومات وأمام كل شكل أو نوع مجموعة من الأسئلة توصل إلى اكتسابها. أما  الأسئلة التي تطرح بعد هذه الخطوة فهي: ماذا يمكننا كمعلمين أن نفعل لنتوصل إلى إجابات لهذا لسؤال؟ وما هي الإجابات التي نصل إليها من دون الاستعانة  بمراجع معينة؟ وكيف يتم ذلك؟ وماذا سنفعل؟
وفي هذه المرحلة يصبح المتعلمون على استعداد للتقدم في عمليات الملاحظة وجمع المعلومات وإجراء التحليل، ويصبح دور المعلم أن يدير ويشرف ويتصرّف ضمن إطار خصائص معلم طريقة الاكتشاف وهي تشتمل على توقعات عالية من  لتلاميذ والإيمان بقدرتهم على أن يتعلموا بأنفسهم، وعلى لاهتمام بهم وتوجيههم، والتحلي بالصبر وتحمل أفكارهم  وتقبلها ودفعهم إلى التفكير والتعمق. كما أنه من الضروري داً أن  يوفر المعلم بنية آمنة وجواً تربوياً تعليمياً مستقراً بعيداً عن الأخطار. إذ إن الخوف من السخرية والفشل والانتقاد عوامل ينبغي إزالتها لأنها تقضي على التفكير الحر والمبادرة لدى المتعلمين. وهذا لا يفسر بأن البيئة التعلمية ستكون خالية من التقييم بل تعني بأن الأفكار المحصلة والأحكام والقرارات ستكون نتيجة التفكير الجدي الرصين ونتيجة تبادل واختبار جميع الآراء والأفكار.
ج- إنهاء الدرس:
لا شك بأن الخطوة المنطقية التالية بعد جمع المعلومات هي الوصول إلى استنتاجات. ويمكننا هنا طرح السؤال الآتي:  بعد البحث، ماذا نستنتج من عمليتي ضربات القلب والتنفس؟وتكون مهمة المعلم هنا مساعدة التلاميذ على تنظيم المعلومات وتحليلها وتسجيل المكتشفات. ولكي يتأكد المعلم من رسوخ المعلومات في أذهان التلاميذ ولا سيما في الذاكرة الطويلة الأمد (long-term memory)  ما عليه إلا ان يؤمن الظروف أو الوضعيات( ٣) لاستخدام هذه المعلومات، كما يمكنه الطلب من تلاميذه، وضمن موضوع ضربات القلب والتنفس أن يطبقوا قياس هذه المعدلات على أفراد عائلاتهم.
دور المعلم
إن الايجابيات العديدة لهذه الطريقة على صعيد النموالنفسي والمهني للمعلمين تجعلنا منجذبين إلى تطبيقها والإفادة من حسناتها. فطريقة التعلم بالاكتشاف تلبي حاجات المعلمين( ٤ ) ولا سيما الحاجة إلى التمايز(cognizance) والحاجة إلى التنظيم والبناء، والحاجة إلى التشجيع والتعاطف والحاجة إلى الرعاية والاهتمام من خلال مساعدة الآخرين. وبالإضافة إلى إشباع هذه الحاجات الشخصية، فإن طريقة
التعلم بالاكتشاف تساعد المعلمين على أن يعيشوا توقعات مهنية وتوقعات مرتبطة بالمهنة. فالمعلمون، ومن خلال هذه الطريقة يدمجون تلاميذهم في التعلم ذي المعنى الذي يوسًع ولا شك معارف التلاميذ ومداركهم.  وبالحقيقة، فإن التلاميذ يكتشفون المفاهيم والحقائق ومعانيها، ويستخرجون التعميمات من المعطيات، فتصبح المعرفة المحصّلة أكثر استيعاباً وأكثر قابلية للتذكر والاسترجاع. ويشير بعض التربويين(٥) إلى أن المعرفة المكتسبة بواسطة الخبرة الشخصية يكون لها معنى خاص أو متميّزِ، وتثبت لفترة أطول من المعلومات التي نحصل عليها بطريقة اخرى. كما يسهل نقل ما تعلمناه إلى وضعيات أخرى، فالمعرفة المكتسبة  لها وقع فعّال ومتميّزِ في عقولنا وتفكيرنا. يحاول المعلمون اليوم جاهدين، لجعل المتعلم منخرطاً أومندمجاً (involved ) في بناء معرفته الخاصة بنفسه. فالتعلم بالاكتشاف يقدم العربة، وباستخدامها يبني المتعلمون المفاهيم  والحقائق والتعميمات والقوانين أو انهم يدركون كيف يتشكل هذا البناء المعرفي. أضف إلى ذلك، قدرة المتعلمين علىمقارنة معلوماتهم المكتسبة بمعلومات الآخرين إن كانوا رفقاء أو خبراء أو اصدقاء لهم.
والمعلمون الذين يهدفون إلى مساعدة التلاميذ كي يتعلموا كيف يتعلمون (learning how to learn) وإلى تطوير مهارات التفكير العليا، فإنهم يوفرون للتلاميذ بناء معرفتهم بأنفسهم، ويتعلمون كيف يتعلمون من خلال العمليات الفكرية كالتحليل والتوليف والتقييم. واذا رغب المعلمون في الوصول إلى الحد الأقصى فما عليهم سوى تطبيق التعلم المتفاعل  ( Interactive learning) الذي يرتكز على تبادل المتعلمين
المعرفة مع الآخرين أي أن يعطوا الآخرين ويتقبلوا منهم، وينطبق الأمر نفسه على علاقتهم مع المعلم. فالمعلم الجيد، برأي التربويين هو الذي يسهل انخراط التلاميذ في نقاش صفي فاعل

(effective classroom discussion)
دور المتعلم
تقدم طريقة التعلّم بالاكتشاف للمتعلم ايجابيات كثيرة، فهي تتلاءم وتتناغم مع حاجاته وتعمل على تلبيتها واشباعها. ويشير التربويون إلى أن هذه الطريقة تلبي حاجة المتعلم إلى المعرفة والإدراك والتميز، وحاجته إلى التنظيم والبناء والانجاز، وحاجته إلى العرض والشرح والتوضيح، وحاجته إلى الاستقلالية والتمايز والاختلاف وحاجته إلى التعاطف والتفاعل وحاجته إلى اللعب والبحث عن التنوع. فالمتعلم ومن خلال مسار تلبية هذه الحاجات، يكون دوره مثل دور الفرد المتحفًز والمثار للبحث عن المعلومات وتنفيذ مهمات صعبة ومعقدة، ودور الشخص الباحث والمفكًر الذي يضع الفرضيات ويبحث عن الحلول، والمفتش الذي يربط العوامل والأدلة والمعلومات ويقارن بينها ويستنتج خلاصات                                                                                                                                                                     مستلزمات واحتياطات
منها، والمتفاعل الذي يحاول أن يشكل مجموعات صداقة أو عمل ليتفاعل مع أفرادها ويتبادل معهم الأفكار والخبرات، والمستقل الذي يبني معرفته من خلال تفاعله مع الآخرين
باستخدام مهاراته العقلية. الإضافة إلى تلبية هذه الحاجات الشخصية وإلى دورالمتعلمين خلالها، فإن طريقة التعلم بالاكتشاف تثير المتعلمينللبحث عن الأشياء بأنفسهم، كما تشجعهم على كتابة آرائهم وخلاصاتهم أو استنتاجاتهم الشخصية، كما أنها تشتمل على ما يراه الآخرون وما لم يتوصلوا إليه أو حتى يفكروا فيه. مستلزمات واحتياطات
متى نستخدم هذه الطريقة؟
نجيب بإيجاز كلي، تستخدم طريقة التعلّم بالاكتشاف عندما تتلاءم الأهداف التربوية للدرس مع أهداف هذه الطريقة، و يمكن تطبيقها عادة عندما يريد المعلم:
- أن يفكر التلاميذ بأنفسهم
- أن يساعدهم على اكتشاف كيفية بناء المعرفة
- أن يعزز استخدام مهارات التفكير العليا لدى التلاميذ وعندما:
- تكون هذه الطريقة هي الأفضل لتلبية حاجات المعلمين والمتعلمين على السواء
- يصبح المعلم مؤهلاً أو متمكناً بشكل جيد من تطبيق تقنيات هذه الطريقة

ما هي صعوبات هذه الطريقة؟

والسؤال الذي يطرح هنا، أليس من صعوبات يواجهها المعلم في أثناء تطبيق هذه الطريقة؟ وهل يمكننا الاعتبار بأن مجرد الاقتناع بأهمية هذه الطريقة وبالأهداف التي تحققها تصبح لدينا الكفاءة والقدرة على التنفيذ من دون أية قيود أو صعوبات؟  لقد تعرض التربويون لهذه الطريقة وأشاروا إلى وجودثغرات أو صعوبات قد تمنع تحقيق أهدافها إذا ما طبقها المعلم في صفه، وأبرزها:
١- العمر الزمني للتلميذ، إذ إن الأطفال في أعمار معينة  يواجهون صعوبة في اكتشاف معلومات أو معطياتتفوق قدراتهم العقلية مثل اكتشاف العناصر الكيميائية للأجسام والمواد، أو استنتاج أفكار بعض الكتّاب
والفنانين الكبار، أو كيف تعمل أجزاء الكومبيوتر. إن  مثل هذه المعلومات ليست سهلة على الإطلاقويصعب اكتشافها من قبل المتعلمين الصغار.
٢- الوقت المخصص للمادة: إن عدم توافر الوقت الكافي للوصول إلى اكتشاف المطلوب من الدرس أو الحصة، من خلال الاطلاع على المصادر التربوية والمراجع لمتنوعة تعتبر من أهم الصعوبات التقنية، إذ إن
الهيكلية الجديدة للتعليم حددّت ساعات وحصصاً لكل مادة لا يمكن تجاوزها أو تعديلها بسهولة.
٣- الخبرة الضرورية للتعليم، إن عدم خبرة المعلمين الكافية لحسن تطبيق هذه الطريقة يشكل عبئاً على التلاميذ وقد يشكل حاجزاً امام الإفادة من تقنيات هذه الطريقة وأهدافها.
٤- رغبات المتعلمين واهتماماتهم، إذ إن التلاميذ وبسبب  عدم ميلهم إلى التحقق والتفكير والعودة إلى المراجعوالوثائق أو بسبب عدم قدرة المعلم على تشجيعهم أو تحفيزهم لاتباع مثل هذه الطريقة، قد يتحولون إلى
رافضين لها، فتصبح حملاً ثقيلاً وعبئاً غير مجد يحول دون تحقيق الأهداف المرسومة للدرس.
٥- الأخطاء المتكررة: تفسح هذه الطريقة المجال واسعاً للوقوع في الأخطاء، لا سيما أخطاء التفسير والتنظيم والاستنتاج وإصدار الأحكام. والخطورة الكبرى تكمن في عدم تصحيح هذه الأخطاء مباشرة قبل أن  تثبت في ذهن المتعلم، لأن ثباتها قد يسبب الفوضى والاضطرابات التعلمية المختلفة.

خلاصة:
أخيراً، نشير إلى أن المتعلم قد يتعرض أحياناً للقيام بدور الشرطي حين يطلب منه ذلك أثناء تطبيق طريقة التعلم الاكتشاف، وقد يحاول إجراء استقصاء أو بحث عن موقف  أو موضوع معين وأن يتصوره ذهنياً. كما قد يواجه يومياً مشكلات أكاديمية ترتبط بمادة ما أو بمشكلات غير أكاديمية. وهكذا، فإن الخبرة الشخصية السابقة والمكتسبة حول التفكير المنطقي ولا سيما التفكير الاستقرائي قد تساعده إلى حد بعيد.
وإن المعلمين الذين اعتادوا تطبيق الطرق التقليدية، وتقديم معلومات جاهزة ومعلبًة، فإنهم بالفعل، قد اخطأوا بحق هذا المتعلم، لأنهم قدموا إليه المعرفة من دون أن يكسبوه مهارات التفكير. فالتعلم بالاكتشاف طريقة فاعلة وواعدة لا سيما في  لنظرة إلى المتعلمين الذين ينبغي عليهم أن يفكروا بأنفسهم، إذا إن الغاية التربوية لهؤلاء المتعلمين هي جعلهم قادرين على اكتشاف الأشياء بأنفسهم. ولكي نستطيع كمربين أن نطبق هذه الطريقة فما علينا إلا أن نتمتع بصفات وخصائص معينة تنسحب على معلمي التعلم بالاكتشاف مثل الفضول والتفاؤل والصبر والثقة بالنفس والثقة بإمكانيات التلاميذ وقدراتهم على التفكير والاستقصاء والتحقق، بالإضافة إلى معرفتنا بأسس هذه الطريقة ومراحلها وخطوات تنفيذها •

 

 

 

 

 

 

هامش

Inductive reasoning -1
Meaningful learning -2
3- أو ما يطلق عليها باللغة الأجنبية situations
4 - هذه الحاجات مشتقة من دراسة Murray حول الحاجات
5- أمثال Tamir, Nuthal, Snook عام 1985.

 

التعلم بالاكتشاف

             التعلّم بالاكتشاف           

Learning by Discovery

طريقة تعليم رائدة في تنمية مهارات التفكير وتعزيزها

 

لقد سمعنا وقرأنا كثيراً عن المفتش البريطاني المغمور ''شرلوك هولمز'' الذي ابتدعه خيال الكاتب ''آرثر دايل''، ونتذكر كيف كان هولمز يواجه باستمرار قضايا مفاجئة ومعقدة، وكيف كان يجمع الأدلة ويدرسها بتمعن
ليزن كل صغيرة في الحدث ويبني فرضيات ونظريات بديلة، ويوازن بينها، ويقرّر ما هي النقاط أو العوامل الرئيسة وما هي النقاط الأخرى التي يمكن استبعادها كي يصل إلى حل اللغز. لقد اتبع هولمز في عمله وتفكير المنطق الاستقرائي ( ١) حيث يضع الأشياء ويجمعها مثل ٢+ ٢=٤ ليصل إلى تفسير أو نتيجة منطقية.
وعلى المستوى الشخصي، فإننا غالباً ما نتعرض لمواقف تتطلب منا أن نتصور أشياء معينة مثل ما معنى
هذه الكلمة في سياق الجملة؟ أو لماذا حصلت على علامة ١٢ بدلاً من علامة ١٤ ؟ أو كيف يمكنني أن أحصل على علامة ١٤ في المرة التالية؟

يعتقد علماء النفس والتربويون أمثال جون ديوي، وبرونر، وجويس ودايل وغيرهم بأن مهارات المنطق لدينا، كما لدى هولمز والتلاميذ أيضاً، يمكنها أن تتحسن وتتطور.
ويعتقدون أيضاً بأن تطبيق طريقة الاكتشاف في الصف تفسح المجال أمام المتعلمين كي يجمعوا الحقائق ويستخدموها ويقوموا بتحليلها. كما يرى الكثير من التربويين أن هذه
الطريقة هي الأسلوب البديل أو الاختيار الأفضل للتعليم في المواد الاجتماعية والعلوم والرياضيات...
ما هو التعلّم بالاكتشاف؟
التعلّم بالاكتشاف طريقة في التعليم ترتكز على مبادئ المدرسة أو النظرية المعرفية (cognitive theory)وتعتمد على التعلّم ذي المعنى(٢). ويمكننا ان نعرّف هذا التعلم بأنه
تعلّم يطبّق عندما يطلب المعلم من تلاميذه أن يستخرجوا المعاني من النصوص بأنفسهم ويستوعبوها من خلال خبراتهم الشخصية، ويتناقض هذا النوع من التعلّم مع الطريقة الإلقائية وطريقة العرض اللتين تستخدمان في إلقاء المعلومات أو تلقينها.
وإذا أخذنا مثالاً على ذلك درس ''نمو الضفدعة'' في العلوم، ففي الطريقة الإلقائية يسرد المعلم مراحل نمو الضفدعة شفوياً، وقد يستخدم وسائل تربوية مساندة وشروحات وتوضيحات بينما في التعلم بالاكتشاف، نرى
المعلم يسأل تلاميذه كي يكتشفوا هذه المراحل بأنفسهم وربما من طريق الملاحظة، أو القراءة... وهنا، ومن خلال الأسئلة فإن المعلم يطلب درساً معمقاً واستقصاءً أشبه ما يكون بتحقيقات شرلوك هولمز.

أمثلة متنوعة

مادة العلوم، كما نعلم، غنية بالأمثلة الحسية التي تسهّل تطبيق طريقة التعلم بالاكتشاف والإفادة منها، لا سيما عندما تطرح أسئلة حول الطبيعة والمناخ والأسباب التي تدفع البراكين إلى الانفجار، ونمو النباتات، والحرارة والثياب، والطاقة وأنواعها واستخداماتها والكائنات الحية ونموها... كما أن مادة الرياضيات التي تهدف إلى تنمية كفايات معينة مثل التفكير النقدي والتفكير المنطقي الاستدلالي والاستقرائي فإنها مشبعة بالمسائل الرياضية التي تتطلب قراءة وفهماً وتوازناً وربطاً وتحليلاً واستنتاجات (مهارات  عقلية عليا)، لا سيما عندما يسال المعلم عن حاصل ضربرقم برقم آخر، وعندما يسأل عن خطأ ما حصل في هذه
العملية، وعندما يطلب من تلاميذه ان يكتشفوا الخطأ وان يدرسوا الأسباب أو العوامل التي أدت إلى هذا الخطأ. وبمعنى آخر فإنه يطلب منهم استيعاب عملية الضرب بما فيها من عمليات جمع أو طرح وأن يفهموا  مراحل هذه العملية وأن يحددوا الخطأ الذي ينتج في مسار عملية التفكير. إنها بكل بساطة خطوات أساسية في طريقة التعلم بالاكتشاف. ناهيك عن المسائل الرياضية الهندسية التي تتطلب تصورات عقلية أو صياغة فرضيات مع ما يتبعها من عمليات فكرية للتحقق  ن مدى صحة هذه الفرضية للوصول إلى الحل المطلوب. وفي المواد الاجتماعية أو الاجتماعيات مثل التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، فإن المجال فسيح  ورحب جداً  لاتباع هذه الطريقة من خلال الأسئلة وطرح المشكلاتوصياغة الفرضيات ووضع الحلول والتحقق من صحتها للوصول إلى الحل الأنسب. وفي محاور التربية الوطنية ضايا ومواضيع حول الذات والآخر والعائلة والوطن وخدمة المجتمع والقوانين والأنظمة... يمكن استغلالها بشكل مكثفومعمق بإتباع طريقة التعلم بالاكتشاف حين يطلب من المتعلم أن يقدم تصوراته أو أفكاره أو اقتراحاته أو أحكامه المسبقة ويعمل بجد وبأسلوب موضوعي للتحقق من صحتها، بعد اكتشاف العوامل (factors ) المستقلة أو المؤثرة والعوامل المعتمدة  أو (dependant) وغيرها من العوامل المثبتة أوالثانوية. كذلك في مادة التاريخ عندما يسأل المعلم عن  الأسباب التي أدت إلى حرب ما بالاستناد إلى المراجع والأدلة والوثائق والمستندات التاريخية والحضارية والاجتماعية، أوندما يطلب التأكد من صحة ارتباط عمل فني بحضارة أو  ثقافة معينة.


أهداف التعلّم بالاكتشاف
يستخدم المعلمون التعلم بالاكتشاف لتحقيق ثلاث غايات
رئيسة:
١- توفير الظروف وإفساح المجال أمام المتعلمين للقيام بالتفكير المستقل بغية الوصول إلى المعرفة بأنفسهم، وهذا يعني إبعاد المتعلمين عن محاولة الاتكال أو الاعتماد على غيرهم في تعلّم أمور معينة.
٢- مساعدة المتعلمين على أن يكتشفوا بأن المعرفة ستصبح معروفة أو مفهومة لديهم. وهذا يعني ساعدتهم على أن يدركوا بأنفسهم كيف يمكنهم أن يشكلوا أو يبنوا معرفتهم من خلال جمع المعلومات
وتنظيمها واستخدامها.
٣- تعزيز استخدام المهارات العقلية العليا لدى المتعلمين لا سيما مهارات التفكير النقدي كالتحليل والتركيب والتقييم وهذا ما سنراه بالتفصيل لاحقاً.


خصائص التعلم بالاكتشاف
سنحاول أن نعرض لخصائص التعلّم بالاكتشاف من خلال الإجابة عن أسئلة حول الأهداف الثلاثة الرئيسة التي عرضت سابقاً.
السؤال الأول:
هل تعتقد كمعلم بأن الغاية الأساسية من التعليم هي جعل لتلاميذ يفكرون بأنفسهم؟ وهل تظن بأنهم يملكون القدرة على  ذلك؟ ربما تجيب موافقاً على الجزء الأول من السؤال الأول، وتتحفظ على الجزء الثاني، وعلى أية حال، فإن بعض المعلمين يشعرون بعجزهم أو بعدم قدرتهم على التنفيذ، السبب يعود ربما إلى انه لم تفسح لهم الفرصة كي يبنوا ثقة بأنفسهم وبقدراتهم الفكرية. إن الثقة بالنفس والقدرة على التفكير تتطلبان الزرع والحصاد أو تستدعيان التجربة والخطأ. فما عليك كمعلم إلا أن تحاول وتجرب وستصل إلى النتيجة بنفسك. فالثقة بالنفس لا تأتي من الخارج بل تستدعي الجرأة على التجربة ومعرفة الخطأ والإفادة منه.
السؤال الثاني:
إن الهدف الثاني هو مساعدة التلاميذ على معرفة كيفية بناء المعرفة أو معرفة مسار بناء المعرفة الذاتية، فهل تريد كمعلم من تلاميذك أن يدركوا كيف تتشكّل المفاهيم والحقائق والتعميمات والقوانين؟
فإذا كان جوابك نعم، فانك ولا شك طموح جداً، ومؤمن بقدرات تلاميذك الفكرية،لأنك تتوقع منهم أن يدركوا مصادر المعرفة وطبيعتها وليس تذكُّر الحقائق فقط.
السؤال الثالث:
إن هدف التعلّم بالاكتشاف هو جعل المتعلمين قادرين على طوير مهاراتهم الفكرية العليا والمهارات النقدية، فهل تريد   ن تلاميذك أن يحلّلِوا ويولّفوا ويقيّموا ويحلّوا المشكلات؟ وهل يمكنك أن تثابر على تشجيعهم  للتعمق والتحقق والبحث والملاحظة والتصنيف والقياس والتعريف والتفسير والإبلاغ والتنبؤ وصوغ الفرضيات؟
إذا كان الجواب نعم، فإنك بدون شك معلم فاعل وناجح لأنك ستضع علامة فارقة ومميزة لن تمحى من عقولهم ابداً. انطلاقاً من هذه القناعات والمبادئ، فإن ممارسة هذه الطريقة تتطلب ولا شك من المعلم خصائص معينة وصفات لا يمكن الاستغناء عنها، مثل:
- أن يكون محباً للاستفسار والتساؤل
- أن يكون فضولياً وميالاً للبحث عن الحقائق وفق مقاربات فكرية ونقدية.
- أن يملك قناعات بأن المتعلمين ايضاً فضوليون ويحبون المعرفة
- أن يكون مربياً ومفكراً وصبوراً ومتقبّ لِاً للأفكار ولديه توقعات كبيرة من تلاميذه.


مراحل التعلم بالاكتشاف
لقد اقترح التربويون مجموعة من الخطوات التي يمكن أن تشكل جميعها بنية الدرس بحسب هذه الطريقة، وتلخّص هذه الخطوات بحسب الشكل الآتي:
أ- تحضير الدرس:
عندما تبدأ بالتخطيط لنشاط تعلمي ينبغي أن يكون لديك تصور واضح لأهداف الدرس، فإذا كان الهدف مثلاً أن تعلم التلاميذ عن سرعة نبضات القلب والتنفس، فإنك ستعتمد في التخطيط للدرس أن تحدّد بالضبط ماذا تريد من تلاميذك ان يعرفوا عن موضوع واحد أو عن النقطتين المذكورتين. فإذا أردت منهم أن يعرفوا ما المقصود بالنبض أو التنفس ( مفاهيم ) وكيف يمكننا أن نقيس نبضات القلب والتنفس  (إجراءات)ومعدل نبضات القلب والتنفس (حقائق) والنسب العادية لنبضات القلب والتنفس (حقائق) والعوامل التي تؤثر في زيادة عدد نبضات القلب والتنفس (تعميمات)، عند ذلك يمكنك أن تبحث عن المصادر المتوافرة لديك لجمع معلوماتومواد مناسبة وكافية حول هذا الموضوع.

الأسئلة التي تثير الاكتشاف وتعززه              شكل أو نوع المعلومات
ما هو الحيوان اللبون ؟ ●
ما هي موسيقى الجاز ؟ ●
                  من هو الشخص الديمقراطي ؟ ●
(concepts) : المفاهيم
وهي أسماء تصف مجموعة من الأفكار أو الأشياء.
ما هو معدل ضربات القلب ؟ ●
ما هو مجموع زوايا المثلث ؟ ●
ما هي مراحل نمو الضفدعة ؟ ●
(facts) : الوقائع
وهي حقائق لا يمكن تبديلها أو تغييرها.
كيف ينبغي أن نحضر درساً ما ؟ ●
كيف تتغير العائلات ؟ ●
لماذا يتوجه أهالي الشمال نحو الجنوب لقضاء عطلاتهم ●
(generalizations) : التعميمات
وهي توافقات عالمية مدعومة نظرياً لكنها ليست حقائق.
كيف نلعب كرة الطائرة ؟ ●
ماذا تعوم بعض الأجسام على المياه ؟ ●
كيف تتم قسمة الأعداد أو عملية الضرب ؟ ●
           
(principles or laws) : القوانين أو القواعد
وهي مبادئ غير متغيرة وتغطي ركناً أو حيزاً يحكم
بمجموعة من الضوابط أو الشروط

 

أنت مستعد الآن لتطبيق تعلم بالاكتشاف أو السؤال هنا هو كيف يمكنك أن تشكل وضعيات تسمح للتلاميذ بأن يحصلوا على المعرفة بأنفسهم؟ وبصورة أدق، كيف يمكنك أن تخلق الدافعية لديهم وتثير اهتمامهم؟ وماذا تريد من التلاميذ أن يلاحظوا ويكتشفوا؟ وكيف سيتم ذلك؟ وهذه الأسئلة تشكل الإطار العام للتخطيط للدرس. ولا بد من ملاحظة في هذه المرحلة حول قدرات التلاميذ واستعداداتهم لاتباع الأساليب العلمية مثل الملاحظة والتسجيل والتحليل. فإذا كانوا حديثي الخبرة في استخدام مهارات  التفكير المنطقي ولا سيما الاستنتاج والاستقراء، فما عليك إلا أن تتبع استراتيجيات التبسيط والتوجيه.

ب- إعطاء الدرس : (delivery)
من الضروري جداً أن يستخدم المعلم خبرته في معالجة المعلومات، وخصوصاً في تقنيات جذب الانتباه. فالتعليم  يتعزز من خلال مفهوم ( set induction) الذي يعني القيام بإجراءات معينة لجذب التلاميذ وشد انتباههم. ولنحاول هنا أن نفكر في إجراءات أو وسائل معينة لجذب انتباه التلاميذ إلى الموضوع المذكور آنفاً أي ''النبض والتنفس'' قد يمكننا أن نطرح سؤالاً مثل:
ما هي الأشياء الضرورية التي تساعد على بقاء جسدنا حياً؟ وتأتي الخطوة الثانية بعد إثارة التفكير وجذب الانتباه، وهي خلق وضعية ما، قد تكون حقيقية أو افتراضية، لكنها متحدية ومثيرة للتفكير. ونستطيع هنا أن نطرح مرة أخرى، أسئلة مثل:
- ماذا يفعل الأطباء ليتأكدوا من أن صحتنا جيدة؟
- كيف يمكنهم معرفة ذلك؟
- وكيف نستنتج بأن سرعة النبض والتنفس هي طبيعية؟ وماذا نقصد عندما نقول ''إنها طبيعية''؟
- وكيف يمكننا أن نتوصل إلى ذلك؟ وماذا نستخدم؟
- وما هي العوامل التي تؤثر في تغيّر سرعة النبض والتنفس؟ وكيف نكتشف ذلك؟
وبالاستناد إلى الأهداف الخاصة من الدرس، فإن المعلم يستطيع أن يطرح أسئلة تثير التلاميذ وتحثهم على اكتشاف الإجابات. والأفضل من ذلك، اذا استطاع المعلم أن يدفع تلاميذه ويشجعهم على أن يطرحوا بأنفسهم  أسئلة حول نقاط الدرس ومضامينه. وقد ورد في الصفحة السابقة قائمة لمساعدة المعلم وتحتوي على أربعة أشكال من المعلومات وأمام كل شكل أو نوع مجموعة من الأسئلة توصل إلى اكتسابها. أما  الأسئلة التي تطرح بعد هذه الخطوة فهي: ماذا يمكننا كمعلمين أن نفعل لنتوصل إلى إجابات لهذا لسؤال؟ وما هي الإجابات التي نصل إليها من دون الاستعانة  بمراجع معينة؟ وكيف يتم ذلك؟ وماذا سنفعل؟
وفي هذه المرحلة يصبح المتعلمون على استعداد للتقدم في عمليات الملاحظة وجمع المعلومات وإجراء التحليل، ويصبح دور المعلم أن يدير ويشرف ويتصرّف ضمن إطار خصائص معلم طريقة الاكتشاف وهي تشتمل على توقعات عالية من  لتلاميذ والإيمان بقدرتهم على أن يتعلموا بأنفسهم، وعلى لاهتمام بهم وتوجيههم، والتحلي بالصبر وتحمل أفكارهم  وتقبلها ودفعهم إلى التفكير والتعمق. كما أنه من الضروري داً أن  يوفر المعلم بنية آمنة وجواً تربوياً تعليمياً مستقراً بعيداً عن الأخطار. إذ إن الخوف من السخرية والفشل والانتقاد عوامل ينبغي إزالتها لأنها تقضي على التفكير الحر والمبادرة لدى المتعلمين. وهذا لا يفسر بأن البيئة التعلمية ستكون خالية من التقييم بل تعني بأن الأفكار المحصلة والأحكام والقرارات ستكون نتيجة التفكير الجدي الرصين ونتيجة تبادل واختبار جميع الآراء والأفكار.
ج- إنهاء الدرس:
لا شك بأن الخطوة المنطقية التالية بعد جمع المعلومات هي الوصول إلى استنتاجات. ويمكننا هنا طرح السؤال الآتي:  بعد البحث، ماذا نستنتج من عمليتي ضربات القلب والتنفس؟وتكون مهمة المعلم هنا مساعدة التلاميذ على تنظيم المعلومات وتحليلها وتسجيل المكتشفات. ولكي يتأكد المعلم من رسوخ المعلومات في أذهان التلاميذ ولا سيما في الذاكرة الطويلة الأمد (long-term memory)  ما عليه إلا ان يؤمن الظروف أو الوضعيات( ٣) لاستخدام هذه المعلومات، كما يمكنه الطلب من تلاميذه، وضمن موضوع ضربات القلب والتنفس أن يطبقوا قياس هذه المعدلات على أفراد عائلاتهم.
دور المعلم
إن الايجابيات العديدة لهذه الطريقة على صعيد النموالنفسي والمهني للمعلمين تجعلنا منجذبين إلى تطبيقها والإفادة من حسناتها. فطريقة التعلم بالاكتشاف تلبي حاجات المعلمين( ٤ ) ولا سيما الحاجة إلى التمايز(cognizance) والحاجة إلى التنظيم والبناء، والحاجة إلى التشجيع والتعاطف والحاجة إلى الرعاية والاهتمام من خلال مساعدة الآخرين. وبالإضافة إلى إشباع هذه الحاجات الشخصية، فإن طريقة
التعلم بالاكتشاف تساعد المعلمين على أن يعيشوا توقعات مهنية وتوقعات مرتبطة بالمهنة. فالمعلمون، ومن خلال هذه الطريقة يدمجون تلاميذهم في التعلم ذي المعنى الذي يوسًع ولا شك معارف التلاميذ ومداركهم.  وبالحقيقة، فإن التلاميذ يكتشفون المفاهيم والحقائق ومعانيها، ويستخرجون التعميمات من المعطيات، فتصبح المعرفة المحصّلة أكثر استيعاباً وأكثر قابلية للتذكر والاسترجاع. ويشير بعض التربويين(٥) إلى أن المعرفة المكتسبة بواسطة الخبرة الشخصية يكون لها معنى خاص أو متميّزِ، وتثبت لفترة أطول من المعلومات التي نحصل عليها بطريقة اخرى. كما يسهل نقل ما تعلمناه إلى وضعيات أخرى، فالمعرفة المكتسبة  لها وقع فعّال ومتميّزِ في عقولنا وتفكيرنا. يحاول المعلمون اليوم جاهدين، لجعل المتعلم منخرطاً أومندمجاً (involved ) في بناء معرفته الخاصة بنفسه. فالتعلم بالاكتشاف يقدم العربة، وباستخدامها يبني المتعلمون المفاهيم  والحقائق والتعميمات والقوانين أو انهم يدركون كيف يتشكل هذا البناء المعرفي. أضف إلى ذلك، قدرة المتعلمين علىمقارنة معلوماتهم المكتسبة بمعلومات الآخرين إن كانوا رفقاء أو خبراء أو اصدقاء لهم.
والمعلمون الذين يهدفون إلى مساعدة التلاميذ كي يتعلموا كيف يتعلمون (learning how to learn) وإلى تطوير مهارات التفكير العليا، فإنهم يوفرون للتلاميذ بناء معرفتهم بأنفسهم، ويتعلمون كيف يتعلمون من خلال العمليات الفكرية كالتحليل والتوليف والتقييم. واذا رغب المعلمون في الوصول إلى الحد الأقصى فما عليهم سوى تطبيق التعلم المتفاعل  ( Interactive learning) الذي يرتكز على تبادل المتعلمين
المعرفة مع الآخرين أي أن يعطوا الآخرين ويتقبلوا منهم، وينطبق الأمر نفسه على علاقتهم مع المعلم. فالمعلم الجيد، برأي التربويين هو الذي يسهل انخراط التلاميذ في نقاش صفي فاعل

(effective classroom discussion)
دور المتعلم
تقدم طريقة التعلّم بالاكتشاف للمتعلم ايجابيات كثيرة، فهي تتلاءم وتتناغم مع حاجاته وتعمل على تلبيتها واشباعها. ويشير التربويون إلى أن هذه الطريقة تلبي حاجة المتعلم إلى المعرفة والإدراك والتميز، وحاجته إلى التنظيم والبناء والانجاز، وحاجته إلى العرض والشرح والتوضيح، وحاجته إلى الاستقلالية والتمايز والاختلاف وحاجته إلى التعاطف والتفاعل وحاجته إلى اللعب والبحث عن التنوع. فالمتعلم ومن خلال مسار تلبية هذه الحاجات، يكون دوره مثل دور الفرد المتحفًز والمثار للبحث عن المعلومات وتنفيذ مهمات صعبة ومعقدة، ودور الشخص الباحث والمفكًر الذي يضع الفرضيات ويبحث عن الحلول، والمفتش الذي يربط العوامل والأدلة والمعلومات ويقارن بينها ويستنتج خلاصات                                                                                                                                                                     مستلزمات واحتياطات
منها، والمتفاعل الذي يحاول أن يشكل مجموعات صداقة أو عمل ليتفاعل مع أفرادها ويتبادل معهم الأفكار والخبرات، والمستقل الذي يبني معرفته من خلال تفاعله مع الآخرين
باستخدام مهاراته العقلية. الإضافة إلى تلبية هذه الحاجات الشخصية وإلى دورالمتعلمين خلالها، فإن طريقة التعلم بالاكتشاف تثير المتعلمينللبحث عن الأشياء بأنفسهم، كما تشجعهم على كتابة آرائهم وخلاصاتهم أو استنتاجاتهم الشخصية، كما أنها تشتمل على ما يراه الآخرون وما لم يتوصلوا إليه أو حتى يفكروا فيه. مستلزمات واحتياطات
متى نستخدم هذه الطريقة؟
نجيب بإيجاز كلي، تستخدم طريقة التعلّم بالاكتشاف عندما تتلاءم الأهداف التربوية للدرس مع أهداف هذه الطريقة، و يمكن تطبيقها عادة عندما يريد المعلم:
- أن يفكر التلاميذ بأنفسهم
- أن يساعدهم على اكتشاف كيفية بناء المعرفة
- أن يعزز استخدام مهارات التفكير العليا لدى التلاميذ وعندما:
- تكون هذه الطريقة هي الأفضل لتلبية حاجات المعلمين والمتعلمين على السواء
- يصبح المعلم مؤهلاً أو متمكناً بشكل جيد من تطبيق تقنيات هذه الطريقة

ما هي صعوبات هذه الطريقة؟

والسؤال الذي يطرح هنا، أليس من صعوبات يواجهها المعلم في أثناء تطبيق هذه الطريقة؟ وهل يمكننا الاعتبار بأن مجرد الاقتناع بأهمية هذه الطريقة وبالأهداف التي تحققها تصبح لدينا الكفاءة والقدرة على التنفيذ من دون أية قيود أو صعوبات؟  لقد تعرض التربويون لهذه الطريقة وأشاروا إلى وجودثغرات أو صعوبات قد تمنع تحقيق أهدافها إذا ما طبقها المعلم في صفه، وأبرزها:
١- العمر الزمني للتلميذ، إذ إن الأطفال في أعمار معينة  يواجهون صعوبة في اكتشاف معلومات أو معطياتتفوق قدراتهم العقلية مثل اكتشاف العناصر الكيميائية للأجسام والمواد، أو استنتاج أفكار بعض الكتّاب
والفنانين الكبار، أو كيف تعمل أجزاء الكومبيوتر. إن  مثل هذه المعلومات ليست سهلة على الإطلاقويصعب اكتشافها من قبل المتعلمين الصغار.
٢- الوقت المخصص للمادة: إن عدم توافر الوقت الكافي للوصول إلى اكتشاف المطلوب من الدرس أو الحصة، من خلال الاطلاع على المصادر التربوية والمراجع لمتنوعة تعتبر من أهم الصعوبات التقنية، إذ إن
الهيكلية الجديدة للتعليم حددّت ساعات وحصصاً لكل مادة لا يمكن تجاوزها أو تعديلها بسهولة.
٣- الخبرة الضرورية للتعليم، إن عدم خبرة المعلمين الكافية لحسن تطبيق هذه الطريقة يشكل عبئاً على التلاميذ وقد يشكل حاجزاً امام الإفادة من تقنيات هذه الطريقة وأهدافها.
٤- رغبات المتعلمين واهتماماتهم، إذ إن التلاميذ وبسبب  عدم ميلهم إلى التحقق والتفكير والعودة إلى المراجعوالوثائق أو بسبب عدم قدرة المعلم على تشجيعهم أو تحفيزهم لاتباع مثل هذه الطريقة، قد يتحولون إلى
رافضين لها، فتصبح حملاً ثقيلاً وعبئاً غير مجد يحول دون تحقيق الأهداف المرسومة للدرس.
٥- الأخطاء المتكررة: تفسح هذه الطريقة المجال واسعاً للوقوع في الأخطاء، لا سيما أخطاء التفسير والتنظيم والاستنتاج وإصدار الأحكام. والخطورة الكبرى تكمن في عدم تصحيح هذه الأخطاء مباشرة قبل أن  تثبت في ذهن المتعلم، لأن ثباتها قد يسبب الفوضى والاضطرابات التعلمية المختلفة.

خلاصة:
أخيراً، نشير إلى أن المتعلم قد يتعرض أحياناً للقيام بدور الشرطي حين يطلب منه ذلك أثناء تطبيق طريقة التعلم الاكتشاف، وقد يحاول إجراء استقصاء أو بحث عن موقف  أو موضوع معين وأن يتصوره ذهنياً. كما قد يواجه يومياً مشكلات أكاديمية ترتبط بمادة ما أو بمشكلات غير أكاديمية. وهكذا، فإن الخبرة الشخصية السابقة والمكتسبة حول التفكير المنطقي ولا سيما التفكير الاستقرائي قد تساعده إلى حد بعيد.
وإن المعلمين الذين اعتادوا تطبيق الطرق التقليدية، وتقديم معلومات جاهزة ومعلبًة، فإنهم بالفعل، قد اخطأوا بحق هذا المتعلم، لأنهم قدموا إليه المعرفة من دون أن يكسبوه مهارات التفكير. فالتعلم بالاكتشاف طريقة فاعلة وواعدة لا سيما في  لنظرة إلى المتعلمين الذين ينبغي عليهم أن يفكروا بأنفسهم، إذا إن الغاية التربوية لهؤلاء المتعلمين هي جعلهم قادرين على اكتشاف الأشياء بأنفسهم. ولكي نستطيع كمربين أن نطبق هذه الطريقة فما علينا إلا أن نتمتع بصفات وخصائص معينة تنسحب على معلمي التعلم بالاكتشاف مثل الفضول والتفاؤل والصبر والثقة بالنفس والثقة بإمكانيات التلاميذ وقدراتهم على التفكير والاستقصاء والتحقق، بالإضافة إلى معرفتنا بأسس هذه الطريقة ومراحلها وخطوات تنفيذها •

 

 

 

 

 

 

هامش

Inductive reasoning -1
Meaningful learning -2
3- أو ما يطلق عليها باللغة الأجنبية situations
4 - هذه الحاجات مشتقة من دراسة Murray حول الحاجات
5- أمثال Tamir, Nuthal, Snook عام 1985.

 

التعلم بالاكتشاف

             التعلّم بالاكتشاف           

Learning by Discovery

طريقة تعليم رائدة في تنمية مهارات التفكير وتعزيزها

 

لقد سمعنا وقرأنا كثيراً عن المفتش البريطاني المغمور ''شرلوك هولمز'' الذي ابتدعه خيال الكاتب ''آرثر دايل''، ونتذكر كيف كان هولمز يواجه باستمرار قضايا مفاجئة ومعقدة، وكيف كان يجمع الأدلة ويدرسها بتمعن
ليزن كل صغيرة في الحدث ويبني فرضيات ونظريات بديلة، ويوازن بينها، ويقرّر ما هي النقاط أو العوامل الرئيسة وما هي النقاط الأخرى التي يمكن استبعادها كي يصل إلى حل اللغز. لقد اتبع هولمز في عمله وتفكير المنطق الاستقرائي ( ١) حيث يضع الأشياء ويجمعها مثل ٢+ ٢=٤ ليصل إلى تفسير أو نتيجة منطقية.
وعلى المستوى الشخصي، فإننا غالباً ما نتعرض لمواقف تتطلب منا أن نتصور أشياء معينة مثل ما معنى
هذه الكلمة في سياق الجملة؟ أو لماذا حصلت على علامة ١٢ بدلاً من علامة ١٤ ؟ أو كيف يمكنني أن أحصل على علامة ١٤ في المرة التالية؟

يعتقد علماء النفس والتربويون أمثال جون ديوي، وبرونر، وجويس ودايل وغيرهم بأن مهارات المنطق لدينا، كما لدى هولمز والتلاميذ أيضاً، يمكنها أن تتحسن وتتطور.
ويعتقدون أيضاً بأن تطبيق طريقة الاكتشاف في الصف تفسح المجال أمام المتعلمين كي يجمعوا الحقائق ويستخدموها ويقوموا بتحليلها. كما يرى الكثير من التربويين أن هذه
الطريقة هي الأسلوب البديل أو الاختيار الأفضل للتعليم في المواد الاجتماعية والعلوم والرياضيات...
ما هو التعلّم بالاكتشاف؟
التعلّم بالاكتشاف طريقة في التعليم ترتكز على مبادئ المدرسة أو النظرية المعرفية (cognitive theory)وتعتمد على التعلّم ذي المعنى(٢). ويمكننا ان نعرّف هذا التعلم بأنه
تعلّم يطبّق عندما يطلب المعلم من تلاميذه أن يستخرجوا المعاني من النصوص بأنفسهم ويستوعبوها من خلال خبراتهم الشخصية، ويتناقض هذا النوع من التعلّم مع الطريقة الإلقائية وطريقة العرض اللتين تستخدمان في إلقاء المعلومات أو تلقينها.
وإذا أخذنا مثالاً على ذلك درس ''نمو الضفدعة'' في العلوم، ففي الطريقة الإلقائية يسرد المعلم مراحل نمو الضفدعة شفوياً، وقد يستخدم وسائل تربوية مساندة وشروحات وتوضيحات بينما في التعلم بالاكتشاف، نرى
المعلم يسأل تلاميذه كي يكتشفوا هذه المراحل بأنفسهم وربما من طريق الملاحظة، أو القراءة... وهنا، ومن خلال الأسئلة فإن المعلم يطلب درساً معمقاً واستقصاءً أشبه ما يكون بتحقيقات شرلوك هولمز.

أمثلة متنوعة

مادة العلوم، كما نعلم، غنية بالأمثلة الحسية التي تسهّل تطبيق طريقة التعلم بالاكتشاف والإفادة منها، لا سيما عندما تطرح أسئلة حول الطبيعة والمناخ والأسباب التي تدفع البراكين إلى الانفجار، ونمو النباتات، والحرارة والثياب، والطاقة وأنواعها واستخداماتها والكائنات الحية ونموها... كما أن مادة الرياضيات التي تهدف إلى تنمية كفايات معينة مثل التفكير النقدي والتفكير المنطقي الاستدلالي والاستقرائي فإنها مشبعة بالمسائل الرياضية التي تتطلب قراءة وفهماً وتوازناً وربطاً وتحليلاً واستنتاجات (مهارات  عقلية عليا)، لا سيما عندما يسال المعلم عن حاصل ضربرقم برقم آخر، وعندما يسأل عن خطأ ما حصل في هذه
العملية، وعندما يطلب من تلاميذه ان يكتشفوا الخطأ وان يدرسوا الأسباب أو العوامل التي أدت إلى هذا الخطأ. وبمعنى آخر فإنه يطلب منهم استيعاب عملية الضرب بما فيها من عمليات جمع أو طرح وأن يفهموا  مراحل هذه العملية وأن يحددوا الخطأ الذي ينتج في مسار عملية التفكير. إنها بكل بساطة خطوات أساسية في طريقة التعلم بالاكتشاف. ناهيك عن المسائل الرياضية الهندسية التي تتطلب تصورات عقلية أو صياغة فرضيات مع ما يتبعها من عمليات فكرية للتحقق  ن مدى صحة هذه الفرضية للوصول إلى الحل المطلوب. وفي المواد الاجتماعية أو الاجتماعيات مثل التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، فإن المجال فسيح  ورحب جداً  لاتباع هذه الطريقة من خلال الأسئلة وطرح المشكلاتوصياغة الفرضيات ووضع الحلول والتحقق من صحتها للوصول إلى الحل الأنسب. وفي محاور التربية الوطنية ضايا ومواضيع حول الذات والآخر والعائلة والوطن وخدمة المجتمع والقوانين والأنظمة... يمكن استغلالها بشكل مكثفومعمق بإتباع طريقة التعلم بالاكتشاف حين يطلب من المتعلم أن يقدم تصوراته أو أفكاره أو اقتراحاته أو أحكامه المسبقة ويعمل بجد وبأسلوب موضوعي للتحقق من صحتها، بعد اكتشاف العوامل (factors ) المستقلة أو المؤثرة والعوامل المعتمدة  أو (dependant) وغيرها من العوامل المثبتة أوالثانوية. كذلك في مادة التاريخ عندما يسأل المعلم عن  الأسباب التي أدت إلى حرب ما بالاستناد إلى المراجع والأدلة والوثائق والمستندات التاريخية والحضارية والاجتماعية، أوندما يطلب التأكد من صحة ارتباط عمل فني بحضارة أو  ثقافة معينة.


أهداف التعلّم بالاكتشاف
يستخدم المعلمون التعلم بالاكتشاف لتحقيق ثلاث غايات
رئيسة:
١- توفير الظروف وإفساح المجال أمام المتعلمين للقيام بالتفكير المستقل بغية الوصول إلى المعرفة بأنفسهم، وهذا يعني إبعاد المتعلمين عن محاولة الاتكال أو الاعتماد على غيرهم في تعلّم أمور معينة.
٢- مساعدة المتعلمين على أن يكتشفوا بأن المعرفة ستصبح معروفة أو مفهومة لديهم. وهذا يعني ساعدتهم على أن يدركوا بأنفسهم كيف يمكنهم أن يشكلوا أو يبنوا معرفتهم من خلال جمع المعلومات
وتنظيمها واستخدامها.
٣- تعزيز استخدام المهارات العقلية العليا لدى المتعلمين لا سيما مهارات التفكير النقدي كالتحليل والتركيب والتقييم وهذا ما سنراه بالتفصيل لاحقاً.


خصائص التعلم بالاكتشاف
سنحاول أن نعرض لخصائص التعلّم بالاكتشاف من خلال الإجابة عن أسئلة حول الأهداف الثلاثة الرئيسة التي عرضت سابقاً.
السؤال الأول:
هل تعتقد كمعلم بأن الغاية الأساسية من التعليم هي جعل لتلاميذ يفكرون بأنفسهم؟ وهل تظن بأنهم يملكون القدرة على  ذلك؟ ربما تجيب موافقاً على الجزء الأول من السؤال الأول، وتتحفظ على الجزء الثاني، وعلى أية حال، فإن بعض المعلمين يشعرون بعجزهم أو بعدم قدرتهم على التنفيذ، السبب يعود ربما إلى انه لم تفسح لهم الفرصة كي يبنوا ثقة بأنفسهم وبقدراتهم الفكرية. إن الثقة بالنفس والقدرة على التفكير تتطلبان الزرع والحصاد أو تستدعيان التجربة والخطأ. فما عليك كمعلم إلا أن تحاول وتجرب وستصل إلى النتيجة بنفسك. فالثقة بالنفس لا تأتي من الخارج بل تستدعي الجرأة على التجربة ومعرفة الخطأ والإفادة منه.
السؤال الثاني:
إن الهدف الثاني هو مساعدة التلاميذ على معرفة كيفية بناء المعرفة أو معرفة مسار بناء المعرفة الذاتية، فهل تريد كمعلم من تلاميذك أن يدركوا كيف تتشكّل المفاهيم والحقائق والتعميمات والقوانين؟
فإذا كان جوابك نعم، فانك ولا شك طموح جداً، ومؤمن بقدرات تلاميذك الفكرية،لأنك تتوقع منهم أن يدركوا مصادر المعرفة وطبيعتها وليس تذكُّر الحقائق فقط.
السؤال الثالث:
إن هدف التعلّم بالاكتشاف هو جعل المتعلمين قادرين على طوير مهاراتهم الفكرية العليا والمهارات النقدية، فهل تريد   ن تلاميذك أن يحلّلِوا ويولّفوا ويقيّموا ويحلّوا المشكلات؟ وهل يمكنك أن تثابر على تشجيعهم  للتعمق والتحقق والبحث والملاحظة والتصنيف والقياس والتعريف والتفسير والإبلاغ والتنبؤ وصوغ الفرضيات؟
إذا كان الجواب نعم، فإنك بدون شك معلم فاعل وناجح لأنك ستضع علامة فارقة ومميزة لن تمحى من عقولهم ابداً. انطلاقاً من هذه القناعات والمبادئ، فإن ممارسة هذه الطريقة تتطلب ولا شك من المعلم خصائص معينة وصفات لا يمكن الاستغناء عنها، مثل:
- أن يكون محباً للاستفسار والتساؤل
- أن يكون فضولياً وميالاً للبحث عن الحقائق وفق مقاربات فكرية ونقدية.
- أن يملك قناعات بأن المتعلمين ايضاً فضوليون ويحبون المعرفة
- أن يكون مربياً ومفكراً وصبوراً ومتقبّ لِاً للأفكار ولديه توقعات كبيرة من تلاميذه.


مراحل التعلم بالاكتشاف
لقد اقترح التربويون مجموعة من الخطوات التي يمكن أن تشكل جميعها بنية الدرس بحسب هذه الطريقة، وتلخّص هذه الخطوات بحسب الشكل الآتي:
أ- تحضير الدرس:
عندما تبدأ بالتخطيط لنشاط تعلمي ينبغي أن يكون لديك تصور واضح لأهداف الدرس، فإذا كان الهدف مثلاً أن تعلم التلاميذ عن سرعة نبضات القلب والتنفس، فإنك ستعتمد في التخطيط للدرس أن تحدّد بالضبط ماذا تريد من تلاميذك ان يعرفوا عن موضوع واحد أو عن النقطتين المذكورتين. فإذا أردت منهم أن يعرفوا ما المقصود بالنبض أو التنفس ( مفاهيم ) وكيف يمكننا أن نقيس نبضات القلب والتنفس  (إجراءات)ومعدل نبضات القلب والتنفس (حقائق) والنسب العادية لنبضات القلب والتنفس (حقائق) والعوامل التي تؤثر في زيادة عدد نبضات القلب والتنفس (تعميمات)، عند ذلك يمكنك أن تبحث عن المصادر المتوافرة لديك لجمع معلوماتومواد مناسبة وكافية حول هذا الموضوع.

الأسئلة التي تثير الاكتشاف وتعززه              شكل أو نوع المعلومات
ما هو الحيوان اللبون ؟ ●
ما هي موسيقى الجاز ؟ ●
                  من هو الشخص الديمقراطي ؟ ●
(concepts) : المفاهيم
وهي أسماء تصف مجموعة من الأفكار أو الأشياء.
ما هو معدل ضربات القلب ؟ ●
ما هو مجموع زوايا المثلث ؟ ●
ما هي مراحل نمو الضفدعة ؟ ●
(facts) : الوقائع
وهي حقائق لا يمكن تبديلها أو تغييرها.
كيف ينبغي أن نحضر درساً ما ؟ ●
كيف تتغير العائلات ؟ ●
لماذا يتوجه أهالي الشمال نحو الجنوب لقضاء عطلاتهم ●
(generalizations) : التعميمات
وهي توافقات عالمية مدعومة نظرياً لكنها ليست حقائق.
كيف نلعب كرة الطائرة ؟ ●
ماذا تعوم بعض الأجسام على المياه ؟ ●
كيف تتم قسمة الأعداد أو عملية الضرب ؟ ●
           
(principles or laws) : القوانين أو القواعد
وهي مبادئ غير متغيرة وتغطي ركناً أو حيزاً يحكم
بمجموعة من الضوابط أو الشروط

 

أنت مستعد الآن لتطبيق تعلم بالاكتشاف أو السؤال هنا هو كيف يمكنك أن تشكل وضعيات تسمح للتلاميذ بأن يحصلوا على المعرفة بأنفسهم؟ وبصورة أدق، كيف يمكنك أن تخلق الدافعية لديهم وتثير اهتمامهم؟ وماذا تريد من التلاميذ أن يلاحظوا ويكتشفوا؟ وكيف سيتم ذلك؟ وهذه الأسئلة تشكل الإطار العام للتخطيط للدرس. ولا بد من ملاحظة في هذه المرحلة حول قدرات التلاميذ واستعداداتهم لاتباع الأساليب العلمية مثل الملاحظة والتسجيل والتحليل. فإذا كانوا حديثي الخبرة في استخدام مهارات  التفكير المنطقي ولا سيما الاستنتاج والاستقراء، فما عليك إلا أن تتبع استراتيجيات التبسيط والتوجيه.

ب- إعطاء الدرس : (delivery)
من الضروري جداً أن يستخدم المعلم خبرته في معالجة المعلومات، وخصوصاً في تقنيات جذب الانتباه. فالتعليم  يتعزز من خلال مفهوم ( set induction) الذي يعني القيام بإجراءات معينة لجذب التلاميذ وشد انتباههم. ولنحاول هنا أن نفكر في إجراءات أو وسائل معينة لجذب انتباه التلاميذ إلى الموضوع المذكور آنفاً أي ''النبض والتنفس'' قد يمكننا أن نطرح سؤالاً مثل:
ما هي الأشياء الضرورية التي تساعد على بقاء جسدنا حياً؟ وتأتي الخطوة الثانية بعد إثارة التفكير وجذب الانتباه، وهي خلق وضعية ما، قد تكون حقيقية أو افتراضية، لكنها متحدية ومثيرة للتفكير. ونستطيع هنا أن نطرح مرة أخرى، أسئلة مثل:
- ماذا يفعل الأطباء ليتأكدوا من أن صحتنا جيدة؟
- كيف يمكنهم معرفة ذلك؟
- وكيف نستنتج بأن سرعة النبض والتنفس هي طبيعية؟ وماذا نقصد عندما نقول ''إنها طبيعية''؟
- وكيف يمكننا أن نتوصل إلى ذلك؟ وماذا نستخدم؟
- وما هي العوامل التي تؤثر في تغيّر سرعة النبض والتنفس؟ وكيف نكتشف ذلك؟
وبالاستناد إلى الأهداف الخاصة من الدرس، فإن المعلم يستطيع أن يطرح أسئلة تثير التلاميذ وتحثهم على اكتشاف الإجابات. والأفضل من ذلك، اذا استطاع المعلم أن يدفع تلاميذه ويشجعهم على أن يطرحوا بأنفسهم  أسئلة حول نقاط الدرس ومضامينه. وقد ورد في الصفحة السابقة قائمة لمساعدة المعلم وتحتوي على أربعة أشكال من المعلومات وأمام كل شكل أو نوع مجموعة من الأسئلة توصل إلى اكتسابها. أما  الأسئلة التي تطرح بعد هذه الخطوة فهي: ماذا يمكننا كمعلمين أن نفعل لنتوصل إلى إجابات لهذا لسؤال؟ وما هي الإجابات التي نصل إليها من دون الاستعانة  بمراجع معينة؟ وكيف يتم ذلك؟ وماذا سنفعل؟
وفي هذه المرحلة يصبح المتعلمون على استعداد للتقدم في عمليات الملاحظة وجمع المعلومات وإجراء التحليل، ويصبح دور المعلم أن يدير ويشرف ويتصرّف ضمن إطار خصائص معلم طريقة الاكتشاف وهي تشتمل على توقعات عالية من  لتلاميذ والإيمان بقدرتهم على أن يتعلموا بأنفسهم، وعلى لاهتمام بهم وتوجيههم، والتحلي بالصبر وتحمل أفكارهم  وتقبلها ودفعهم إلى التفكير والتعمق. كما أنه من الضروري داً أن  يوفر المعلم بنية آمنة وجواً تربوياً تعليمياً مستقراً بعيداً عن الأخطار. إذ إن الخوف من السخرية والفشل والانتقاد عوامل ينبغي إزالتها لأنها تقضي على التفكير الحر والمبادرة لدى المتعلمين. وهذا لا يفسر بأن البيئة التعلمية ستكون خالية من التقييم بل تعني بأن الأفكار المحصلة والأحكام والقرارات ستكون نتيجة التفكير الجدي الرصين ونتيجة تبادل واختبار جميع الآراء والأفكار.
ج- إنهاء الدرس:
لا شك بأن الخطوة المنطقية التالية بعد جمع المعلومات هي الوصول إلى استنتاجات. ويمكننا هنا طرح السؤال الآتي:  بعد البحث، ماذا نستنتج من عمليتي ضربات القلب والتنفس؟وتكون مهمة المعلم هنا مساعدة التلاميذ على تنظيم المعلومات وتحليلها وتسجيل المكتشفات. ولكي يتأكد المعلم من رسوخ المعلومات في أذهان التلاميذ ولا سيما في الذاكرة الطويلة الأمد (long-term memory)  ما عليه إلا ان يؤمن الظروف أو الوضعيات( ٣) لاستخدام هذه المعلومات، كما يمكنه الطلب من تلاميذه، وضمن موضوع ضربات القلب والتنفس أن يطبقوا قياس هذه المعدلات على أفراد عائلاتهم.
دور المعلم
إن الايجابيات العديدة لهذه الطريقة على صعيد النموالنفسي والمهني للمعلمين تجعلنا منجذبين إلى تطبيقها والإفادة من حسناتها. فطريقة التعلم بالاكتشاف تلبي حاجات المعلمين( ٤ ) ولا سيما الحاجة إلى التمايز(cognizance) والحاجة إلى التنظيم والبناء، والحاجة إلى التشجيع والتعاطف والحاجة إلى الرعاية والاهتمام من خلال مساعدة الآخرين. وبالإضافة إلى إشباع هذه الحاجات الشخصية، فإن طريقة
التعلم بالاكتشاف تساعد المعلمين على أن يعيشوا توقعات مهنية وتوقعات مرتبطة بالمهنة. فالمعلمون، ومن خلال هذه الطريقة يدمجون تلاميذهم في التعلم ذي المعنى الذي يوسًع ولا شك معارف التلاميذ ومداركهم.  وبالحقيقة، فإن التلاميذ يكتشفون المفاهيم والحقائق ومعانيها، ويستخرجون التعميمات من المعطيات، فتصبح المعرفة المحصّلة أكثر استيعاباً وأكثر قابلية للتذكر والاسترجاع. ويشير بعض التربويين(٥) إلى أن المعرفة المكتسبة بواسطة الخبرة الشخصية يكون لها معنى خاص أو متميّزِ، وتثبت لفترة أطول من المعلومات التي نحصل عليها بطريقة اخرى. كما يسهل نقل ما تعلمناه إلى وضعيات أخرى، فالمعرفة المكتسبة  لها وقع فعّال ومتميّزِ في عقولنا وتفكيرنا. يحاول المعلمون اليوم جاهدين، لجعل المتعلم منخرطاً أومندمجاً (involved ) في بناء معرفته الخاصة بنفسه. فالتعلم بالاكتشاف يقدم العربة، وباستخدامها يبني المتعلمون المفاهيم  والحقائق والتعميمات والقوانين أو انهم يدركون كيف يتشكل هذا البناء المعرفي. أضف إلى ذلك، قدرة المتعلمين علىمقارنة معلوماتهم المكتسبة بمعلومات الآخرين إن كانوا رفقاء أو خبراء أو اصدقاء لهم.
والمعلمون الذين يهدفون إلى مساعدة التلاميذ كي يتعلموا كيف يتعلمون (learning how to learn) وإلى تطوير مهارات التفكير العليا، فإنهم يوفرون للتلاميذ بناء معرفتهم بأنفسهم، ويتعلمون كيف يتعلمون من خلال العمليات الفكرية كالتحليل والتوليف والتقييم. واذا رغب المعلمون في الوصول إلى الحد الأقصى فما عليهم سوى تطبيق التعلم المتفاعل  ( Interactive learning) الذي يرتكز على تبادل المتعلمين
المعرفة مع الآخرين أي أن يعطوا الآخرين ويتقبلوا منهم، وينطبق الأمر نفسه على علاقتهم مع المعلم. فالمعلم الجيد، برأي التربويين هو الذي يسهل انخراط التلاميذ في نقاش صفي فاعل

(effective classroom discussion)
دور المتعلم
تقدم طريقة التعلّم بالاكتشاف للمتعلم ايجابيات كثيرة، فهي تتلاءم وتتناغم مع حاجاته وتعمل على تلبيتها واشباعها. ويشير التربويون إلى أن هذه الطريقة تلبي حاجة المتعلم إلى المعرفة والإدراك والتميز، وحاجته إلى التنظيم والبناء والانجاز، وحاجته إلى العرض والشرح والتوضيح، وحاجته إلى الاستقلالية والتمايز والاختلاف وحاجته إلى التعاطف والتفاعل وحاجته إلى اللعب والبحث عن التنوع. فالمتعلم ومن خلال مسار تلبية هذه الحاجات، يكون دوره مثل دور الفرد المتحفًز والمثار للبحث عن المعلومات وتنفيذ مهمات صعبة ومعقدة، ودور الشخص الباحث والمفكًر الذي يضع الفرضيات ويبحث عن الحلول، والمفتش الذي يربط العوامل والأدلة والمعلومات ويقارن بينها ويستنتج خلاصات                                                                                                                                                                     مستلزمات واحتياطات
منها، والمتفاعل الذي يحاول أن يشكل مجموعات صداقة أو عمل ليتفاعل مع أفرادها ويتبادل معهم الأفكار والخبرات، والمستقل الذي يبني معرفته من خلال تفاعله مع الآخرين
باستخدام مهاراته العقلية. الإضافة إلى تلبية هذه الحاجات الشخصية وإلى دورالمتعلمين خلالها، فإن طريقة التعلم بالاكتشاف تثير المتعلمينللبحث عن الأشياء بأنفسهم، كما تشجعهم على كتابة آرائهم وخلاصاتهم أو استنتاجاتهم الشخصية، كما أنها تشتمل على ما يراه الآخرون وما لم يتوصلوا إليه أو حتى يفكروا فيه. مستلزمات واحتياطات
متى نستخدم هذه الطريقة؟
نجيب بإيجاز كلي، تستخدم طريقة التعلّم بالاكتشاف عندما تتلاءم الأهداف التربوية للدرس مع أهداف هذه الطريقة، و يمكن تطبيقها عادة عندما يريد المعلم:
- أن يفكر التلاميذ بأنفسهم
- أن يساعدهم على اكتشاف كيفية بناء المعرفة
- أن يعزز استخدام مهارات التفكير العليا لدى التلاميذ وعندما:
- تكون هذه الطريقة هي الأفضل لتلبية حاجات المعلمين والمتعلمين على السواء
- يصبح المعلم مؤهلاً أو متمكناً بشكل جيد من تطبيق تقنيات هذه الطريقة

ما هي صعوبات هذه الطريقة؟

والسؤال الذي يطرح هنا، أليس من صعوبات يواجهها المعلم في أثناء تطبيق هذه الطريقة؟ وهل يمكننا الاعتبار بأن مجرد الاقتناع بأهمية هذه الطريقة وبالأهداف التي تحققها تصبح لدينا الكفاءة والقدرة على التنفيذ من دون أية قيود أو صعوبات؟  لقد تعرض التربويون لهذه الطريقة وأشاروا إلى وجودثغرات أو صعوبات قد تمنع تحقيق أهدافها إذا ما طبقها المعلم في صفه، وأبرزها:
١- العمر الزمني للتلميذ، إذ إن الأطفال في أعمار معينة  يواجهون صعوبة في اكتشاف معلومات أو معطياتتفوق قدراتهم العقلية مثل اكتشاف العناصر الكيميائية للأجسام والمواد، أو استنتاج أفكار بعض الكتّاب
والفنانين الكبار، أو كيف تعمل أجزاء الكومبيوتر. إن  مثل هذه المعلومات ليست سهلة على الإطلاقويصعب اكتشافها من قبل المتعلمين الصغار.
٢- الوقت المخصص للمادة: إن عدم توافر الوقت الكافي للوصول إلى اكتشاف المطلوب من الدرس أو الحصة، من خلال الاطلاع على المصادر التربوية والمراجع لمتنوعة تعتبر من أهم الصعوبات التقنية، إذ إن
الهيكلية الجديدة للتعليم حددّت ساعات وحصصاً لكل مادة لا يمكن تجاوزها أو تعديلها بسهولة.
٣- الخبرة الضرورية للتعليم، إن عدم خبرة المعلمين الكافية لحسن تطبيق هذه الطريقة يشكل عبئاً على التلاميذ وقد يشكل حاجزاً امام الإفادة من تقنيات هذه الطريقة وأهدافها.
٤- رغبات المتعلمين واهتماماتهم، إذ إن التلاميذ وبسبب  عدم ميلهم إلى التحقق والتفكير والعودة إلى المراجعوالوثائق أو بسبب عدم قدرة المعلم على تشجيعهم أو تحفيزهم لاتباع مثل هذه الطريقة، قد يتحولون إلى
رافضين لها، فتصبح حملاً ثقيلاً وعبئاً غير مجد يحول دون تحقيق الأهداف المرسومة للدرس.
٥- الأخطاء المتكررة: تفسح هذه الطريقة المجال واسعاً للوقوع في الأخطاء، لا سيما أخطاء التفسير والتنظيم والاستنتاج وإصدار الأحكام. والخطورة الكبرى تكمن في عدم تصحيح هذه الأخطاء مباشرة قبل أن  تثبت في ذهن المتعلم، لأن ثباتها قد يسبب الفوضى والاضطرابات التعلمية المختلفة.

خلاصة:
أخيراً، نشير إلى أن المتعلم قد يتعرض أحياناً للقيام بدور الشرطي حين يطلب منه ذلك أثناء تطبيق طريقة التعلم الاكتشاف، وقد يحاول إجراء استقصاء أو بحث عن موقف  أو موضوع معين وأن يتصوره ذهنياً. كما قد يواجه يومياً مشكلات أكاديمية ترتبط بمادة ما أو بمشكلات غير أكاديمية. وهكذا، فإن الخبرة الشخصية السابقة والمكتسبة حول التفكير المنطقي ولا سيما التفكير الاستقرائي قد تساعده إلى حد بعيد.
وإن المعلمين الذين اعتادوا تطبيق الطرق التقليدية، وتقديم معلومات جاهزة ومعلبًة، فإنهم بالفعل، قد اخطأوا بحق هذا المتعلم، لأنهم قدموا إليه المعرفة من دون أن يكسبوه مهارات التفكير. فالتعلم بالاكتشاف طريقة فاعلة وواعدة لا سيما في  لنظرة إلى المتعلمين الذين ينبغي عليهم أن يفكروا بأنفسهم، إذا إن الغاية التربوية لهؤلاء المتعلمين هي جعلهم قادرين على اكتشاف الأشياء بأنفسهم. ولكي نستطيع كمربين أن نطبق هذه الطريقة فما علينا إلا أن نتمتع بصفات وخصائص معينة تنسحب على معلمي التعلم بالاكتشاف مثل الفضول والتفاؤل والصبر والثقة بالنفس والثقة بإمكانيات التلاميذ وقدراتهم على التفكير والاستقصاء والتحقق، بالإضافة إلى معرفتنا بأسس هذه الطريقة ومراحلها وخطوات تنفيذها •

 

 

 

 

 

 

هامش

Inductive reasoning -1
Meaningful learning -2
3- أو ما يطلق عليها باللغة الأجنبية situations
4 - هذه الحاجات مشتقة من دراسة Murray حول الحاجات
5- أمثال Tamir, Nuthal, Snook عام 1985.