جودة الكتاب المدرسي تكامل النص مع الوسيلة المصوّرة

د. رشراش عبد الخالق مستشار رئاسة المركز التربوي للبحوث والإنماء لتكنولوجيا التعليم أستاذ جامعيجودة الكتاب المدرسي

تكامل النص مع الوسيلة المصوّرة

إعداد الكتاب المدرسي يخضع لمواصفات علمية وتربوية، نصت عليها وثائق المركز التربوي للبحوث والإنماء، وهو ذو وظيفة محددة وأهداف واضحة وموجه إلى شرائح عمرية مختلفة تتميز بخصائص نفسية وجسدية وعقلية واجتماعية متفاوتة، وتمتلك قدرات فكرية متقاربة نوعا ما، ومختلفة في الوقت ذاته بما يعرف بالفروق الفردية داخل الصف الواحد المتقارب في العمر الزمني. وتلعب الوسيلة المصورة دوراً مهماً في إعداد هذا الكتاب، لذا سنسلّط الضوء في هذا المقال على أهمية الكتاب المدرسي والوسائل المصورة فيه.

يعد الكتاب المدرسي وثيقة مهمة تعبر عن المنهاج الدراسي، وما زال يحتل موقعه المهم في العملية التعليمية/التعلمية على الرغم من تعدد مصادرها. ويبدو أن هذا الموقع سيتعزز - في المدى المنظور- لأسباب كثيرة، أهمها:

  1. مازالت الوثيقة المطبوعة تحظى بثقة الأفراد والمؤسسات الرسمية والخاصة.
  2. اعتاد الناس على التعامل مع الكلام المكتوب أو المطبوع منذ القديم، ما رسخ العلاقة بينهم وبين الوثائق والمستندات. وتبين أن الملامسة تُبقي أثرًا وديًا في الإحساس، تحتفظ به الذاكرة كأثر حميم مرغوب.
  3. أظهرت نتائج دراسة حول ''المفاضلة بين الصورة المطبوعة والصورة المعروضة ضوئيًا أو رقميًا أن ٨٠ ٪ من أفراد عينة الدراسة يفضلون الصورة المطبوعة لأنهم يستطيعون ملامستها والاحتفاظ بها للذكرى.
  4. إن الكلام المطبوع ثابت ويوحي للمتعامل معه بالثقة والاستقرار النفسي ويُبعد عنه الخوف من فقدانه نتيجة انقطاع التيار الكهربائي أو عطل طارئ قد يصيب جهاز العرض.
  5. من الملاحظ أن أكثر المتعلمين - صغارًا وكبارًا - ما زالوا يميلون للتعامل مع العالم الواقعي، ويشعرون بأنهم جزء منه، ويفضلونه على العالم الافتراضي الذي يجذبهم بسبب سرعة وسهولة التعامل معه وتنوع عروضه.
  6. على الرغم من إغراق الأطفال بألعاب الكترونية متنوعة وأفلام الصور المتحركة، ما يجعلهم يقضون جُلّ وقتهم أمام جهازي التلفزيون والكمبيوتر، إلا أن ذلك، لم يفقدهم العلاقة مع القلم والدفتر والكتاب، بل تعزز دورها، وما زال هؤلاء الأطفال يفضلونها للتعبير عن رغباتهم وهواجسهم وميولهم رسمًا وتصويرًا أو كتابة وقراءة.

ويذهب البعض إلى القول بأن الكتاب المدرسي هو المعلم الصامت، وذلك للدلالة على إبراز أهميته التي لا تقل عن دور المعلم، بل مساوية له.

إن الكتاب المدرسي مصدر مهم ومكوّن أساسي من مكوّنات الموقف التعليمي/التعلمي، فهو يُسهم بتشكيل عقليات المتعلمين، وبتزويدهم بالمفاهيم الصحيحة، وباكتشاف قدراتهم ومواهبهم وتنميتها إلى حدها الأقصى، وبزيادة معارفهم، وبإكسابهم المهارات والكفايات المختلفة، وبتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة. وكلما كان الكتاب المدرسي متوافقًا مع استعدادات المتعلمين وميولهم، كانت الفائدة منه أكبر والتأثر بمضمونه أقوى وأفضل.

تعد صناعة الكتاب المدرسي، صناعة مهمة وراقية، يشترك فيها عدد كبير من الأفراد متنوعي الاختصاص والخبرة، وتقوم على أسس عامة لتحقيق أهداف محددة. وتتوزع هذه الأسس والأهداف على مواد وسنوات وحلقات ومراحل باتت معروفة من الجميع.


وقد درج التربويون على تقييم هذا الكتاب من جوانب عدة هي:
أولاً: الجانب الأكاديمي، ويقصد به المادة العلمية ومدى صحتها ودقتها وحداثة المعلومات الواردة فيها.
ثانياً: الجانب اللغوي، ويعني اللغة المستخدمة ومفرداتها ومصطلحاتها وأسلوب التعبير ومدى ملاءمته لسن تلامذة الصف المستهدف وخبراتهم.

ثالثاً: الجانب النفسي/السلوكي، ويقصد به مناسبة الموضوعات والمعلومات لحاجات المتعلمين الانفعالية ولمستوى نضجهم العقلي والنفسي.
رابعاً:الجانب التربوي/التعليمي، الذي يعني الترتيب المنطقي للمعلومات داخل الموضوع الواحد، وللموضوعات داخل المادة الواحدة في الصف الواحد، وتسلسل الموضوعات داخل المادة الواحدة ضمن الحلقة أو المرحلة أو المراحل التي تدرس فيها، وكذلك احتواء الكتاب على التمارين والأسئلة والتطبيقات والأنشطة والخلاصات، ووسائل الإيضاح كالرسوم والصور والبيانات والجداول وغير ذلك.
خامساً: الجانب الفني، ويقصد به الإخراج الطباعي وحجم الحرف ونوع الورق وتباين الألوان وغير ذلك.

ويجدر بنا التوقف قليلاً عند الرسوم والصور المصاحبة للنص المكتوب في الكتاب المدرسي نظرًا لأهمية دورها في التعليم.

القاعدة التربوية تقول إن "أفضل أنواع التعلّم، ذاك الذي يكون نتيجة لخبرة مباشرة" ولكن هذه القاعدة غير قابلة دائمًا للتطبيق لأسباب أصبحت معروفة من أهل الاختصاص نوجزها كالآتي: خطورة بعض الظواهر المراد تعليمها على حياة المتعلمين، وصغر أو كبر حجم الظاهرة أو الظواهر، وبعدها زمانيًا ومكانيًا عن المتعلمين، فيلجأ المعلم إلى استخدام الوسائل التعليمية المتنوعة -كبدائل عن الخبرة- وأبرزها الصور والرسوم التعليمية.

توجّهُ السندباد وقوسه يناقض توجّهُ السهم الذي أصاب الغزال

توجّهُ السندباد وقوسه يناقض توجّهُ السهم الذي أصاب الغزال

وتعد الصورة مصدراً أولياً من مصادر التوثيق العلمي والقانوني والتاريخي، إلى جانب النصوص الكتابية التي باتت أكثر دلالة عندما تكون بجانب صورة او كرسم توضيحي.

ويعتمد الكتاب المدرسي على الوسيلة المصورة بثقة واطمئنان للإحاطة بمظاهر الحياة في المجالات العمرانية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والعلمية البحتة، والتربوية، والنفسية، وحتى في إمكانيات التنبؤ المناخي والبيئي والفلكي بخاصة إذا كانت صورة طبيعية (أي غير خاضعة لتعديل أو تغيير في بعض عناصرها من خلال المعالجة ببرامج  الكمبيوتر)،وهي بلا شك تكون ذات مواصفات ومعايير جيدة يعرفها أهل الاختصاص.


معايير الصورة الفوتوغرافية الجيدة في الكتاب المدرسي:
اتخذ التعامل الطباعي مع الصورة الفوتوغرافية خطوات تقنية متدرجة من الحفر اليدوي على الخشب والحجر والنحاس حتى مطلع القرن العشرين، إذ ترافق انتشار الصورة الفوتوغرافية مع تطور التقنيات الطباعية المتعلقة بتظهير الصور والرسوم على صفائح معدنية (كليشهات) بمواد كيماوية داخل ورش فنية عرفت بمعامل الزنكوغراف  (السيميلوغرافور)، التي أنجزت تظهير الصورة بشبكة من النقاط المتقاربة والمتجاورة وفق كثافة اللون الأسود، وأتاح هذا الابتكار الطباعي استخدامات متعددة للصورة الفوتوغرافية في مجالات تطبيقية متعددة منها: أعمال المساحة، الهندسة العسكرية، الهندسة المدنية، الأثرية، طباعة خرائط الأطالس، المعاجم، الموسوعات، الكتب، الأوراق المالية، طوابع البريد، السندات والأسهم.

تتجلّى قيمة الصورة الفوتوغرافية في أربعة عناصر هي:

  1. المصور ومستوى احترافه التقني والمهني.
  2. جودة الصورة الفنية من نواحي الاستنساخ، الطباعة، السحب والحفاظ على خاصيات لونيها الأبيض والأسود، أو الصورة الملونة.
  3. موضوع الصورة وقيمته التوثيقية.
  4. مقاس الصورة ومدى بعدها المكاني.

ويصح للكاتب أن يضيف معياراً ذا قيمة أخرى هو حالة الرائي المتبحر في أبعاد وأعماق الصورة، وقدرته على استيعاب مضامينها الفكرية والفنية والإنسانية، وكذلك معاينة المكان المخصوص الذي تم فيه التقاط الصورة وما يجاوره من أمكنة قد لا تكون موجودة ضمن إطار الصورة، ولكن يمكن استشرافها وإدراك دلالاتها من خلال النتاج الابتكاري والإبداعي الذي وعاه المصور على نحو ما وفي مكان ما.

ييبدو الولد أكبر من عمره

صورة لولد ييبدو أكبر من عمره
 

وقد اقتضت عملية تجويد العمل الطباعي تطابقه مع نقاء أصول الصور الفوتوغرافية ووضوحها إلى ضرورة ظهور تقنيات حديثة، منها طباعة (التيپو) من حفر أو بروز والطباعة الملساء (الأوفست) التي تم فيها استخدام ألواح مسطحة من الألمنيوم المعالج (بلاكات) لتظهير الأفلام، ودخل قاموس طباعة الصور مصطلحات فنية، منها فرز الصور الملونة إلكترونياً، وهي الحالة التي اعتمدتها معظم المجلات الدورية وبعض الصحف اليومية وكذلك شاع استخدامها في الملصقات الإعلامية والدعائية من خلال استعمال الـ (CP) في تنفيذ معظم ما يعرف بالإخراج الطباعي وغيره، ما أدى إلى الاستغناء عن العديد من التجهيزات اليدوية، وأيضاً الاستغناء عن الكثير من اليد العاملة، فكانت حالة بما يشبه (ثورة صناعية طباعية).

وتلعب الرسوم والصور دورًا مهما في التفاعل التربوي بين مكونات الموقف التعليمي/التعلمي سواء من ناحية استخدام المعلم للشرح والتفسير والتوضيح، أم من ناحية المتعلم للفهم والاستيعاب والتحليل والمقارنة. ووجودها بات مؤشرًا على جودة الكتاب المدرسي وإقبال المتعلمين عليه. ويمتاز كتاب عن آخر، تبعاً لحسن اختيار المؤلف أو المؤلفين للصور والرسوم المرافقة للنص ولجودة طباعته وتناسق ألوانه.

إن الشعور بهذه الأهمية لدى رئاسة المركز التربوي للبحوث والإنماء جعلها تقوم بتكليف فريق بحثي من أصحاب الاختصاص في المركز لإجراء دراسة تقويمية للرسوم والصور الواردة في الكتاب الرسمي الصادر عنه.

التربية الوطنية والتنشئة المدنية - سنة أولى أساسي

تغيير الهوية في الصفحة ٨ كما في الصفحة ١٠

ولد يحمل هوية   هوية لبنانية
 

هدفت هذه الدراسة إلى ما يأتي:

تمرين في الرياضيات عن الطول

  • التعرف إلى الثغرات أو السلبيات التي تتضمنها الكتب المدرسية الصادرة عن المركز التربوي للبحوث والإنماء من جهة الصور والرسوم.
  • مدى مساعدة الصور والرسوم المرافقة للنص أطراف العملية التعليمية/التعلّمية في عمليتي التعلّم والتعليم.
  • معرفة أهمية الرسوم والصور ودورها من خلال التفاعل داخل الصف الدراسي.
  • مدى إدراك المعلمين أهمية وجود الصور والرسوم واستخدامها على الوجه الأفضل.

وبعد التداول والمناقشة قرر الفريق البحثي المكلف، بإجراء دراستين لتحقيق الأهداف المذكورة سابقًا، هدفت الأولى إلى تعرّف واقع الوسيلة المصورة في عينة من كتب صفوف الحلقة الأولى مستخدمة منهجاً تحليلياً/وصفياً، وذلك في ضوء معايير محددة وللإجابة على الأسئلة الآتية:

  • هل الوسيلة المصورة مناسبة من ناحية وضوح مكوناتها؟
  • هل الوسيلة المصورة متوافقة مع النص؟
  • هل الوسيلة في مكانها المناسب؟
  • هل عدد الوسائل أكثر أو أقل مما يحتمل النص؟
  • هل الوسائل الموجودة تعرف المتعلّم بمحيطه وبيئته؟
  • هل محتويات الوسيلة المستخدمة تسهم في تحقيق أهداف الدرس؟

وغير ذلك من أسئلة تفصيلية أخرى١.
أما الدراسة الثانية فقد هدفت إلى معرفة آراء المعلمين والمعلمات الذين يمارسون التعليم خلال العام ٢٠٠٤-٢٠٠٥ ، وهو عام إجراء الدراسة، سواء من ناحية مدى اعتمادهم على الصور والرسوم خلال شرح الدروس، أم من ناحية مدى تفاعل المتعلمين معهم ورأيهم كذلك في الأسئلة السابقة. وكان ذلك من خلال استبيان تم اعداده لهذه الغاية ووزع على عينة عشوائية تمثل كل المعلمين والمعلمات الذين يدرسون فعليًا الصفوف المستهدفة٢.
واستُنتج من الدراستين السابقتين ما يأتي:

  • وجود عدد من الصور والرسوم في الكتب المستهدفة في هاتين الدراستين تتطلب إعادة نظر.
  • توزيع الصور والرسوم يخالف نتائج الدراسات النفس /جمالية التي تتحدث عن التفضيل الجمالي للمتعلمين وفق خصائصهم العمرية.
  • وجود تباين بين نتائج الدراستين، بين آراء المعلمين أفراد العينة، وآراء اللجان الفنية التي درست الصور والرسوم في كتب العينة، والأمر بحاجة إلى مزيد من التعمق في البحث لمعرفة أسباب ذلك.
  • وأوصت الدراستان بضرورة استكمال البحث في كتب الحلقات الأخرى وبإقامة ورش عمل للمعلمين والمعلمات تهدف إلى تطوير قدراتهم في طرائق النشاط في التعليم وتزويدهم بمهارات قراءة الصور والرسوم.

الخلاصة، مازال الكتاب من أهم الوثائق المعتمدة في التعليم بخاصة في صفوف حلقات التعليم الأساسي، والوسائط الأخرى مكملة له وليست بديلا عنه، وبالتالي فالوسيلة المصوّرة (الصور والرسوم الخطية والرسوم البيانية) تلعب دورًا تربويًا مهمًا في تحقيق الأهداف التربوية/التعليمية. وهي لا تقل أهمية عن النص.


هوامش:
١- للمزيد راجع دراسة "الصور والرسوم في الكتاب المدرسي الوطني" مكتب التجهيزات والوسائل التربوية، المركز التربوي للبحوث والإنماء بيروت، لبنان.
٢- م. س.

جودة الكتاب المدرسي تكامل النص مع الوسيلة المصوّرة

د. رشراش عبد الخالق مستشار رئاسة المركز التربوي للبحوث والإنماء لتكنولوجيا التعليم أستاذ جامعيجودة الكتاب المدرسي

تكامل النص مع الوسيلة المصوّرة

إعداد الكتاب المدرسي يخضع لمواصفات علمية وتربوية، نصت عليها وثائق المركز التربوي للبحوث والإنماء، وهو ذو وظيفة محددة وأهداف واضحة وموجه إلى شرائح عمرية مختلفة تتميز بخصائص نفسية وجسدية وعقلية واجتماعية متفاوتة، وتمتلك قدرات فكرية متقاربة نوعا ما، ومختلفة في الوقت ذاته بما يعرف بالفروق الفردية داخل الصف الواحد المتقارب في العمر الزمني. وتلعب الوسيلة المصورة دوراً مهماً في إعداد هذا الكتاب، لذا سنسلّط الضوء في هذا المقال على أهمية الكتاب المدرسي والوسائل المصورة فيه.

يعد الكتاب المدرسي وثيقة مهمة تعبر عن المنهاج الدراسي، وما زال يحتل موقعه المهم في العملية التعليمية/التعلمية على الرغم من تعدد مصادرها. ويبدو أن هذا الموقع سيتعزز - في المدى المنظور- لأسباب كثيرة، أهمها:

  1. مازالت الوثيقة المطبوعة تحظى بثقة الأفراد والمؤسسات الرسمية والخاصة.
  2. اعتاد الناس على التعامل مع الكلام المكتوب أو المطبوع منذ القديم، ما رسخ العلاقة بينهم وبين الوثائق والمستندات. وتبين أن الملامسة تُبقي أثرًا وديًا في الإحساس، تحتفظ به الذاكرة كأثر حميم مرغوب.
  3. أظهرت نتائج دراسة حول ''المفاضلة بين الصورة المطبوعة والصورة المعروضة ضوئيًا أو رقميًا أن ٨٠ ٪ من أفراد عينة الدراسة يفضلون الصورة المطبوعة لأنهم يستطيعون ملامستها والاحتفاظ بها للذكرى.
  4. إن الكلام المطبوع ثابت ويوحي للمتعامل معه بالثقة والاستقرار النفسي ويُبعد عنه الخوف من فقدانه نتيجة انقطاع التيار الكهربائي أو عطل طارئ قد يصيب جهاز العرض.
  5. من الملاحظ أن أكثر المتعلمين - صغارًا وكبارًا - ما زالوا يميلون للتعامل مع العالم الواقعي، ويشعرون بأنهم جزء منه، ويفضلونه على العالم الافتراضي الذي يجذبهم بسبب سرعة وسهولة التعامل معه وتنوع عروضه.
  6. على الرغم من إغراق الأطفال بألعاب الكترونية متنوعة وأفلام الصور المتحركة، ما يجعلهم يقضون جُلّ وقتهم أمام جهازي التلفزيون والكمبيوتر، إلا أن ذلك، لم يفقدهم العلاقة مع القلم والدفتر والكتاب، بل تعزز دورها، وما زال هؤلاء الأطفال يفضلونها للتعبير عن رغباتهم وهواجسهم وميولهم رسمًا وتصويرًا أو كتابة وقراءة.

ويذهب البعض إلى القول بأن الكتاب المدرسي هو المعلم الصامت، وذلك للدلالة على إبراز أهميته التي لا تقل عن دور المعلم، بل مساوية له.

إن الكتاب المدرسي مصدر مهم ومكوّن أساسي من مكوّنات الموقف التعليمي/التعلمي، فهو يُسهم بتشكيل عقليات المتعلمين، وبتزويدهم بالمفاهيم الصحيحة، وباكتشاف قدراتهم ومواهبهم وتنميتها إلى حدها الأقصى، وبزيادة معارفهم، وبإكسابهم المهارات والكفايات المختلفة، وبتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة. وكلما كان الكتاب المدرسي متوافقًا مع استعدادات المتعلمين وميولهم، كانت الفائدة منه أكبر والتأثر بمضمونه أقوى وأفضل.

تعد صناعة الكتاب المدرسي، صناعة مهمة وراقية، يشترك فيها عدد كبير من الأفراد متنوعي الاختصاص والخبرة، وتقوم على أسس عامة لتحقيق أهداف محددة. وتتوزع هذه الأسس والأهداف على مواد وسنوات وحلقات ومراحل باتت معروفة من الجميع.


وقد درج التربويون على تقييم هذا الكتاب من جوانب عدة هي:
أولاً: الجانب الأكاديمي، ويقصد به المادة العلمية ومدى صحتها ودقتها وحداثة المعلومات الواردة فيها.
ثانياً: الجانب اللغوي، ويعني اللغة المستخدمة ومفرداتها ومصطلحاتها وأسلوب التعبير ومدى ملاءمته لسن تلامذة الصف المستهدف وخبراتهم.

ثالثاً: الجانب النفسي/السلوكي، ويقصد به مناسبة الموضوعات والمعلومات لحاجات المتعلمين الانفعالية ولمستوى نضجهم العقلي والنفسي.
رابعاً:الجانب التربوي/التعليمي، الذي يعني الترتيب المنطقي للمعلومات داخل الموضوع الواحد، وللموضوعات داخل المادة الواحدة في الصف الواحد، وتسلسل الموضوعات داخل المادة الواحدة ضمن الحلقة أو المرحلة أو المراحل التي تدرس فيها، وكذلك احتواء الكتاب على التمارين والأسئلة والتطبيقات والأنشطة والخلاصات، ووسائل الإيضاح كالرسوم والصور والبيانات والجداول وغير ذلك.
خامساً: الجانب الفني، ويقصد به الإخراج الطباعي وحجم الحرف ونوع الورق وتباين الألوان وغير ذلك.

ويجدر بنا التوقف قليلاً عند الرسوم والصور المصاحبة للنص المكتوب في الكتاب المدرسي نظرًا لأهمية دورها في التعليم.

القاعدة التربوية تقول إن "أفضل أنواع التعلّم، ذاك الذي يكون نتيجة لخبرة مباشرة" ولكن هذه القاعدة غير قابلة دائمًا للتطبيق لأسباب أصبحت معروفة من أهل الاختصاص نوجزها كالآتي: خطورة بعض الظواهر المراد تعليمها على حياة المتعلمين، وصغر أو كبر حجم الظاهرة أو الظواهر، وبعدها زمانيًا ومكانيًا عن المتعلمين، فيلجأ المعلم إلى استخدام الوسائل التعليمية المتنوعة -كبدائل عن الخبرة- وأبرزها الصور والرسوم التعليمية.

توجّهُ السندباد وقوسه يناقض توجّهُ السهم الذي أصاب الغزال

توجّهُ السندباد وقوسه يناقض توجّهُ السهم الذي أصاب الغزال

وتعد الصورة مصدراً أولياً من مصادر التوثيق العلمي والقانوني والتاريخي، إلى جانب النصوص الكتابية التي باتت أكثر دلالة عندما تكون بجانب صورة او كرسم توضيحي.

ويعتمد الكتاب المدرسي على الوسيلة المصورة بثقة واطمئنان للإحاطة بمظاهر الحياة في المجالات العمرانية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والعلمية البحتة، والتربوية، والنفسية، وحتى في إمكانيات التنبؤ المناخي والبيئي والفلكي بخاصة إذا كانت صورة طبيعية (أي غير خاضعة لتعديل أو تغيير في بعض عناصرها من خلال المعالجة ببرامج  الكمبيوتر)،وهي بلا شك تكون ذات مواصفات ومعايير جيدة يعرفها أهل الاختصاص.


معايير الصورة الفوتوغرافية الجيدة في الكتاب المدرسي:
اتخذ التعامل الطباعي مع الصورة الفوتوغرافية خطوات تقنية متدرجة من الحفر اليدوي على الخشب والحجر والنحاس حتى مطلع القرن العشرين، إذ ترافق انتشار الصورة الفوتوغرافية مع تطور التقنيات الطباعية المتعلقة بتظهير الصور والرسوم على صفائح معدنية (كليشهات) بمواد كيماوية داخل ورش فنية عرفت بمعامل الزنكوغراف  (السيميلوغرافور)، التي أنجزت تظهير الصورة بشبكة من النقاط المتقاربة والمتجاورة وفق كثافة اللون الأسود، وأتاح هذا الابتكار الطباعي استخدامات متعددة للصورة الفوتوغرافية في مجالات تطبيقية متعددة منها: أعمال المساحة، الهندسة العسكرية، الهندسة المدنية، الأثرية، طباعة خرائط الأطالس، المعاجم، الموسوعات، الكتب، الأوراق المالية، طوابع البريد، السندات والأسهم.

تتجلّى قيمة الصورة الفوتوغرافية في أربعة عناصر هي:

  1. المصور ومستوى احترافه التقني والمهني.
  2. جودة الصورة الفنية من نواحي الاستنساخ، الطباعة، السحب والحفاظ على خاصيات لونيها الأبيض والأسود، أو الصورة الملونة.
  3. موضوع الصورة وقيمته التوثيقية.
  4. مقاس الصورة ومدى بعدها المكاني.

ويصح للكاتب أن يضيف معياراً ذا قيمة أخرى هو حالة الرائي المتبحر في أبعاد وأعماق الصورة، وقدرته على استيعاب مضامينها الفكرية والفنية والإنسانية، وكذلك معاينة المكان المخصوص الذي تم فيه التقاط الصورة وما يجاوره من أمكنة قد لا تكون موجودة ضمن إطار الصورة، ولكن يمكن استشرافها وإدراك دلالاتها من خلال النتاج الابتكاري والإبداعي الذي وعاه المصور على نحو ما وفي مكان ما.

ييبدو الولد أكبر من عمره

صورة لولد ييبدو أكبر من عمره
 

وقد اقتضت عملية تجويد العمل الطباعي تطابقه مع نقاء أصول الصور الفوتوغرافية ووضوحها إلى ضرورة ظهور تقنيات حديثة، منها طباعة (التيپو) من حفر أو بروز والطباعة الملساء (الأوفست) التي تم فيها استخدام ألواح مسطحة من الألمنيوم المعالج (بلاكات) لتظهير الأفلام، ودخل قاموس طباعة الصور مصطلحات فنية، منها فرز الصور الملونة إلكترونياً، وهي الحالة التي اعتمدتها معظم المجلات الدورية وبعض الصحف اليومية وكذلك شاع استخدامها في الملصقات الإعلامية والدعائية من خلال استعمال الـ (CP) في تنفيذ معظم ما يعرف بالإخراج الطباعي وغيره، ما أدى إلى الاستغناء عن العديد من التجهيزات اليدوية، وأيضاً الاستغناء عن الكثير من اليد العاملة، فكانت حالة بما يشبه (ثورة صناعية طباعية).

وتلعب الرسوم والصور دورًا مهما في التفاعل التربوي بين مكونات الموقف التعليمي/التعلمي سواء من ناحية استخدام المعلم للشرح والتفسير والتوضيح، أم من ناحية المتعلم للفهم والاستيعاب والتحليل والمقارنة. ووجودها بات مؤشرًا على جودة الكتاب المدرسي وإقبال المتعلمين عليه. ويمتاز كتاب عن آخر، تبعاً لحسن اختيار المؤلف أو المؤلفين للصور والرسوم المرافقة للنص ولجودة طباعته وتناسق ألوانه.

إن الشعور بهذه الأهمية لدى رئاسة المركز التربوي للبحوث والإنماء جعلها تقوم بتكليف فريق بحثي من أصحاب الاختصاص في المركز لإجراء دراسة تقويمية للرسوم والصور الواردة في الكتاب الرسمي الصادر عنه.

التربية الوطنية والتنشئة المدنية - سنة أولى أساسي

تغيير الهوية في الصفحة ٨ كما في الصفحة ١٠

ولد يحمل هوية   هوية لبنانية
 

هدفت هذه الدراسة إلى ما يأتي:

تمرين في الرياضيات عن الطول

  • التعرف إلى الثغرات أو السلبيات التي تتضمنها الكتب المدرسية الصادرة عن المركز التربوي للبحوث والإنماء من جهة الصور والرسوم.
  • مدى مساعدة الصور والرسوم المرافقة للنص أطراف العملية التعليمية/التعلّمية في عمليتي التعلّم والتعليم.
  • معرفة أهمية الرسوم والصور ودورها من خلال التفاعل داخل الصف الدراسي.
  • مدى إدراك المعلمين أهمية وجود الصور والرسوم واستخدامها على الوجه الأفضل.

وبعد التداول والمناقشة قرر الفريق البحثي المكلف، بإجراء دراستين لتحقيق الأهداف المذكورة سابقًا، هدفت الأولى إلى تعرّف واقع الوسيلة المصورة في عينة من كتب صفوف الحلقة الأولى مستخدمة منهجاً تحليلياً/وصفياً، وذلك في ضوء معايير محددة وللإجابة على الأسئلة الآتية:

  • هل الوسيلة المصورة مناسبة من ناحية وضوح مكوناتها؟
  • هل الوسيلة المصورة متوافقة مع النص؟
  • هل الوسيلة في مكانها المناسب؟
  • هل عدد الوسائل أكثر أو أقل مما يحتمل النص؟
  • هل الوسائل الموجودة تعرف المتعلّم بمحيطه وبيئته؟
  • هل محتويات الوسيلة المستخدمة تسهم في تحقيق أهداف الدرس؟

وغير ذلك من أسئلة تفصيلية أخرى١.
أما الدراسة الثانية فقد هدفت إلى معرفة آراء المعلمين والمعلمات الذين يمارسون التعليم خلال العام ٢٠٠٤-٢٠٠٥ ، وهو عام إجراء الدراسة، سواء من ناحية مدى اعتمادهم على الصور والرسوم خلال شرح الدروس، أم من ناحية مدى تفاعل المتعلمين معهم ورأيهم كذلك في الأسئلة السابقة. وكان ذلك من خلال استبيان تم اعداده لهذه الغاية ووزع على عينة عشوائية تمثل كل المعلمين والمعلمات الذين يدرسون فعليًا الصفوف المستهدفة٢.
واستُنتج من الدراستين السابقتين ما يأتي:

  • وجود عدد من الصور والرسوم في الكتب المستهدفة في هاتين الدراستين تتطلب إعادة نظر.
  • توزيع الصور والرسوم يخالف نتائج الدراسات النفس /جمالية التي تتحدث عن التفضيل الجمالي للمتعلمين وفق خصائصهم العمرية.
  • وجود تباين بين نتائج الدراستين، بين آراء المعلمين أفراد العينة، وآراء اللجان الفنية التي درست الصور والرسوم في كتب العينة، والأمر بحاجة إلى مزيد من التعمق في البحث لمعرفة أسباب ذلك.
  • وأوصت الدراستان بضرورة استكمال البحث في كتب الحلقات الأخرى وبإقامة ورش عمل للمعلمين والمعلمات تهدف إلى تطوير قدراتهم في طرائق النشاط في التعليم وتزويدهم بمهارات قراءة الصور والرسوم.

الخلاصة، مازال الكتاب من أهم الوثائق المعتمدة في التعليم بخاصة في صفوف حلقات التعليم الأساسي، والوسائط الأخرى مكملة له وليست بديلا عنه، وبالتالي فالوسيلة المصوّرة (الصور والرسوم الخطية والرسوم البيانية) تلعب دورًا تربويًا مهمًا في تحقيق الأهداف التربوية/التعليمية. وهي لا تقل أهمية عن النص.


هوامش:
١- للمزيد راجع دراسة "الصور والرسوم في الكتاب المدرسي الوطني" مكتب التجهيزات والوسائل التربوية، المركز التربوي للبحوث والإنماء بيروت، لبنان.
٢- م. س.

جودة الكتاب المدرسي تكامل النص مع الوسيلة المصوّرة

د. رشراش عبد الخالق مستشار رئاسة المركز التربوي للبحوث والإنماء لتكنولوجيا التعليم أستاذ جامعيجودة الكتاب المدرسي

تكامل النص مع الوسيلة المصوّرة

إعداد الكتاب المدرسي يخضع لمواصفات علمية وتربوية، نصت عليها وثائق المركز التربوي للبحوث والإنماء، وهو ذو وظيفة محددة وأهداف واضحة وموجه إلى شرائح عمرية مختلفة تتميز بخصائص نفسية وجسدية وعقلية واجتماعية متفاوتة، وتمتلك قدرات فكرية متقاربة نوعا ما، ومختلفة في الوقت ذاته بما يعرف بالفروق الفردية داخل الصف الواحد المتقارب في العمر الزمني. وتلعب الوسيلة المصورة دوراً مهماً في إعداد هذا الكتاب، لذا سنسلّط الضوء في هذا المقال على أهمية الكتاب المدرسي والوسائل المصورة فيه.

يعد الكتاب المدرسي وثيقة مهمة تعبر عن المنهاج الدراسي، وما زال يحتل موقعه المهم في العملية التعليمية/التعلمية على الرغم من تعدد مصادرها. ويبدو أن هذا الموقع سيتعزز - في المدى المنظور- لأسباب كثيرة، أهمها:

  1. مازالت الوثيقة المطبوعة تحظى بثقة الأفراد والمؤسسات الرسمية والخاصة.
  2. اعتاد الناس على التعامل مع الكلام المكتوب أو المطبوع منذ القديم، ما رسخ العلاقة بينهم وبين الوثائق والمستندات. وتبين أن الملامسة تُبقي أثرًا وديًا في الإحساس، تحتفظ به الذاكرة كأثر حميم مرغوب.
  3. أظهرت نتائج دراسة حول ''المفاضلة بين الصورة المطبوعة والصورة المعروضة ضوئيًا أو رقميًا أن ٨٠ ٪ من أفراد عينة الدراسة يفضلون الصورة المطبوعة لأنهم يستطيعون ملامستها والاحتفاظ بها للذكرى.
  4. إن الكلام المطبوع ثابت ويوحي للمتعامل معه بالثقة والاستقرار النفسي ويُبعد عنه الخوف من فقدانه نتيجة انقطاع التيار الكهربائي أو عطل طارئ قد يصيب جهاز العرض.
  5. من الملاحظ أن أكثر المتعلمين - صغارًا وكبارًا - ما زالوا يميلون للتعامل مع العالم الواقعي، ويشعرون بأنهم جزء منه، ويفضلونه على العالم الافتراضي الذي يجذبهم بسبب سرعة وسهولة التعامل معه وتنوع عروضه.
  6. على الرغم من إغراق الأطفال بألعاب الكترونية متنوعة وأفلام الصور المتحركة، ما يجعلهم يقضون جُلّ وقتهم أمام جهازي التلفزيون والكمبيوتر، إلا أن ذلك، لم يفقدهم العلاقة مع القلم والدفتر والكتاب، بل تعزز دورها، وما زال هؤلاء الأطفال يفضلونها للتعبير عن رغباتهم وهواجسهم وميولهم رسمًا وتصويرًا أو كتابة وقراءة.

ويذهب البعض إلى القول بأن الكتاب المدرسي هو المعلم الصامت، وذلك للدلالة على إبراز أهميته التي لا تقل عن دور المعلم، بل مساوية له.

إن الكتاب المدرسي مصدر مهم ومكوّن أساسي من مكوّنات الموقف التعليمي/التعلمي، فهو يُسهم بتشكيل عقليات المتعلمين، وبتزويدهم بالمفاهيم الصحيحة، وباكتشاف قدراتهم ومواهبهم وتنميتها إلى حدها الأقصى، وبزيادة معارفهم، وبإكسابهم المهارات والكفايات المختلفة، وبتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة. وكلما كان الكتاب المدرسي متوافقًا مع استعدادات المتعلمين وميولهم، كانت الفائدة منه أكبر والتأثر بمضمونه أقوى وأفضل.

تعد صناعة الكتاب المدرسي، صناعة مهمة وراقية، يشترك فيها عدد كبير من الأفراد متنوعي الاختصاص والخبرة، وتقوم على أسس عامة لتحقيق أهداف محددة. وتتوزع هذه الأسس والأهداف على مواد وسنوات وحلقات ومراحل باتت معروفة من الجميع.


وقد درج التربويون على تقييم هذا الكتاب من جوانب عدة هي:
أولاً: الجانب الأكاديمي، ويقصد به المادة العلمية ومدى صحتها ودقتها وحداثة المعلومات الواردة فيها.
ثانياً: الجانب اللغوي، ويعني اللغة المستخدمة ومفرداتها ومصطلحاتها وأسلوب التعبير ومدى ملاءمته لسن تلامذة الصف المستهدف وخبراتهم.

ثالثاً: الجانب النفسي/السلوكي، ويقصد به مناسبة الموضوعات والمعلومات لحاجات المتعلمين الانفعالية ولمستوى نضجهم العقلي والنفسي.
رابعاً:الجانب التربوي/التعليمي، الذي يعني الترتيب المنطقي للمعلومات داخل الموضوع الواحد، وللموضوعات داخل المادة الواحدة في الصف الواحد، وتسلسل الموضوعات داخل المادة الواحدة ضمن الحلقة أو المرحلة أو المراحل التي تدرس فيها، وكذلك احتواء الكتاب على التمارين والأسئلة والتطبيقات والأنشطة والخلاصات، ووسائل الإيضاح كالرسوم والصور والبيانات والجداول وغير ذلك.
خامساً: الجانب الفني، ويقصد به الإخراج الطباعي وحجم الحرف ونوع الورق وتباين الألوان وغير ذلك.

ويجدر بنا التوقف قليلاً عند الرسوم والصور المصاحبة للنص المكتوب في الكتاب المدرسي نظرًا لأهمية دورها في التعليم.

القاعدة التربوية تقول إن "أفضل أنواع التعلّم، ذاك الذي يكون نتيجة لخبرة مباشرة" ولكن هذه القاعدة غير قابلة دائمًا للتطبيق لأسباب أصبحت معروفة من أهل الاختصاص نوجزها كالآتي: خطورة بعض الظواهر المراد تعليمها على حياة المتعلمين، وصغر أو كبر حجم الظاهرة أو الظواهر، وبعدها زمانيًا ومكانيًا عن المتعلمين، فيلجأ المعلم إلى استخدام الوسائل التعليمية المتنوعة -كبدائل عن الخبرة- وأبرزها الصور والرسوم التعليمية.

توجّهُ السندباد وقوسه يناقض توجّهُ السهم الذي أصاب الغزال

توجّهُ السندباد وقوسه يناقض توجّهُ السهم الذي أصاب الغزال

وتعد الصورة مصدراً أولياً من مصادر التوثيق العلمي والقانوني والتاريخي، إلى جانب النصوص الكتابية التي باتت أكثر دلالة عندما تكون بجانب صورة او كرسم توضيحي.

ويعتمد الكتاب المدرسي على الوسيلة المصورة بثقة واطمئنان للإحاطة بمظاهر الحياة في المجالات العمرانية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والعلمية البحتة، والتربوية، والنفسية، وحتى في إمكانيات التنبؤ المناخي والبيئي والفلكي بخاصة إذا كانت صورة طبيعية (أي غير خاضعة لتعديل أو تغيير في بعض عناصرها من خلال المعالجة ببرامج  الكمبيوتر)،وهي بلا شك تكون ذات مواصفات ومعايير جيدة يعرفها أهل الاختصاص.


معايير الصورة الفوتوغرافية الجيدة في الكتاب المدرسي:
اتخذ التعامل الطباعي مع الصورة الفوتوغرافية خطوات تقنية متدرجة من الحفر اليدوي على الخشب والحجر والنحاس حتى مطلع القرن العشرين، إذ ترافق انتشار الصورة الفوتوغرافية مع تطور التقنيات الطباعية المتعلقة بتظهير الصور والرسوم على صفائح معدنية (كليشهات) بمواد كيماوية داخل ورش فنية عرفت بمعامل الزنكوغراف  (السيميلوغرافور)، التي أنجزت تظهير الصورة بشبكة من النقاط المتقاربة والمتجاورة وفق كثافة اللون الأسود، وأتاح هذا الابتكار الطباعي استخدامات متعددة للصورة الفوتوغرافية في مجالات تطبيقية متعددة منها: أعمال المساحة، الهندسة العسكرية، الهندسة المدنية، الأثرية، طباعة خرائط الأطالس، المعاجم، الموسوعات، الكتب، الأوراق المالية، طوابع البريد، السندات والأسهم.

تتجلّى قيمة الصورة الفوتوغرافية في أربعة عناصر هي:

  1. المصور ومستوى احترافه التقني والمهني.
  2. جودة الصورة الفنية من نواحي الاستنساخ، الطباعة، السحب والحفاظ على خاصيات لونيها الأبيض والأسود، أو الصورة الملونة.
  3. موضوع الصورة وقيمته التوثيقية.
  4. مقاس الصورة ومدى بعدها المكاني.

ويصح للكاتب أن يضيف معياراً ذا قيمة أخرى هو حالة الرائي المتبحر في أبعاد وأعماق الصورة، وقدرته على استيعاب مضامينها الفكرية والفنية والإنسانية، وكذلك معاينة المكان المخصوص الذي تم فيه التقاط الصورة وما يجاوره من أمكنة قد لا تكون موجودة ضمن إطار الصورة، ولكن يمكن استشرافها وإدراك دلالاتها من خلال النتاج الابتكاري والإبداعي الذي وعاه المصور على نحو ما وفي مكان ما.

ييبدو الولد أكبر من عمره

صورة لولد ييبدو أكبر من عمره
 

وقد اقتضت عملية تجويد العمل الطباعي تطابقه مع نقاء أصول الصور الفوتوغرافية ووضوحها إلى ضرورة ظهور تقنيات حديثة، منها طباعة (التيپو) من حفر أو بروز والطباعة الملساء (الأوفست) التي تم فيها استخدام ألواح مسطحة من الألمنيوم المعالج (بلاكات) لتظهير الأفلام، ودخل قاموس طباعة الصور مصطلحات فنية، منها فرز الصور الملونة إلكترونياً، وهي الحالة التي اعتمدتها معظم المجلات الدورية وبعض الصحف اليومية وكذلك شاع استخدامها في الملصقات الإعلامية والدعائية من خلال استعمال الـ (CP) في تنفيذ معظم ما يعرف بالإخراج الطباعي وغيره، ما أدى إلى الاستغناء عن العديد من التجهيزات اليدوية، وأيضاً الاستغناء عن الكثير من اليد العاملة، فكانت حالة بما يشبه (ثورة صناعية طباعية).

وتلعب الرسوم والصور دورًا مهما في التفاعل التربوي بين مكونات الموقف التعليمي/التعلمي سواء من ناحية استخدام المعلم للشرح والتفسير والتوضيح، أم من ناحية المتعلم للفهم والاستيعاب والتحليل والمقارنة. ووجودها بات مؤشرًا على جودة الكتاب المدرسي وإقبال المتعلمين عليه. ويمتاز كتاب عن آخر، تبعاً لحسن اختيار المؤلف أو المؤلفين للصور والرسوم المرافقة للنص ولجودة طباعته وتناسق ألوانه.

إن الشعور بهذه الأهمية لدى رئاسة المركز التربوي للبحوث والإنماء جعلها تقوم بتكليف فريق بحثي من أصحاب الاختصاص في المركز لإجراء دراسة تقويمية للرسوم والصور الواردة في الكتاب الرسمي الصادر عنه.

التربية الوطنية والتنشئة المدنية - سنة أولى أساسي

تغيير الهوية في الصفحة ٨ كما في الصفحة ١٠

ولد يحمل هوية   هوية لبنانية
 

هدفت هذه الدراسة إلى ما يأتي:

تمرين في الرياضيات عن الطول

  • التعرف إلى الثغرات أو السلبيات التي تتضمنها الكتب المدرسية الصادرة عن المركز التربوي للبحوث والإنماء من جهة الصور والرسوم.
  • مدى مساعدة الصور والرسوم المرافقة للنص أطراف العملية التعليمية/التعلّمية في عمليتي التعلّم والتعليم.
  • معرفة أهمية الرسوم والصور ودورها من خلال التفاعل داخل الصف الدراسي.
  • مدى إدراك المعلمين أهمية وجود الصور والرسوم واستخدامها على الوجه الأفضل.

وبعد التداول والمناقشة قرر الفريق البحثي المكلف، بإجراء دراستين لتحقيق الأهداف المذكورة سابقًا، هدفت الأولى إلى تعرّف واقع الوسيلة المصورة في عينة من كتب صفوف الحلقة الأولى مستخدمة منهجاً تحليلياً/وصفياً، وذلك في ضوء معايير محددة وللإجابة على الأسئلة الآتية:

  • هل الوسيلة المصورة مناسبة من ناحية وضوح مكوناتها؟
  • هل الوسيلة المصورة متوافقة مع النص؟
  • هل الوسيلة في مكانها المناسب؟
  • هل عدد الوسائل أكثر أو أقل مما يحتمل النص؟
  • هل الوسائل الموجودة تعرف المتعلّم بمحيطه وبيئته؟
  • هل محتويات الوسيلة المستخدمة تسهم في تحقيق أهداف الدرس؟

وغير ذلك من أسئلة تفصيلية أخرى١.
أما الدراسة الثانية فقد هدفت إلى معرفة آراء المعلمين والمعلمات الذين يمارسون التعليم خلال العام ٢٠٠٤-٢٠٠٥ ، وهو عام إجراء الدراسة، سواء من ناحية مدى اعتمادهم على الصور والرسوم خلال شرح الدروس، أم من ناحية مدى تفاعل المتعلمين معهم ورأيهم كذلك في الأسئلة السابقة. وكان ذلك من خلال استبيان تم اعداده لهذه الغاية ووزع على عينة عشوائية تمثل كل المعلمين والمعلمات الذين يدرسون فعليًا الصفوف المستهدفة٢.
واستُنتج من الدراستين السابقتين ما يأتي:

  • وجود عدد من الصور والرسوم في الكتب المستهدفة في هاتين الدراستين تتطلب إعادة نظر.
  • توزيع الصور والرسوم يخالف نتائج الدراسات النفس /جمالية التي تتحدث عن التفضيل الجمالي للمتعلمين وفق خصائصهم العمرية.
  • وجود تباين بين نتائج الدراستين، بين آراء المعلمين أفراد العينة، وآراء اللجان الفنية التي درست الصور والرسوم في كتب العينة، والأمر بحاجة إلى مزيد من التعمق في البحث لمعرفة أسباب ذلك.
  • وأوصت الدراستان بضرورة استكمال البحث في كتب الحلقات الأخرى وبإقامة ورش عمل للمعلمين والمعلمات تهدف إلى تطوير قدراتهم في طرائق النشاط في التعليم وتزويدهم بمهارات قراءة الصور والرسوم.

الخلاصة، مازال الكتاب من أهم الوثائق المعتمدة في التعليم بخاصة في صفوف حلقات التعليم الأساسي، والوسائط الأخرى مكملة له وليست بديلا عنه، وبالتالي فالوسيلة المصوّرة (الصور والرسوم الخطية والرسوم البيانية) تلعب دورًا تربويًا مهمًا في تحقيق الأهداف التربوية/التعليمية. وهي لا تقل أهمية عن النص.


هوامش:
١- للمزيد راجع دراسة "الصور والرسوم في الكتاب المدرسي الوطني" مكتب التجهيزات والوسائل التربوية، المركز التربوي للبحوث والإنماء بيروت، لبنان.
٢- م. س.