السيراميك
السيراميك
قصدنا الكلام عن السيراميك في هذا المقال، ليس كحرفة يدوية وفنية فحسب، ولكن كفرع من عديد فروع الأشغال اليدوية، فالوسائل التعليمية، فالتكنولوجيا التربوية.
والمعروف أن الخامات عموماً تؤسس لإنجاز أعمال يدوية باستعمال الأدوات المختلفة واستخدام اليدين والاستعانة بسائر الحواس التي هي منافذ العقل. هذه الأعمال هي المنتوج التطبيقي لسائر مواد التعليم في شتى مراحل الدراسة، وهي التي تحتم، استكمالا للفائدة، وتتعدى جدران المدرسة بفتح أبوابها
على الحياة، إنشاء المختبرات والمشاغل والقاعات المتخصصة، كما القيام بالزيارات والرحلات والتحقيقات والمقابلات وسواها.
والخامة في حديثنا هنا، هي تراب الصلصال وبالتالي ماهية صنع السيراميك ومراكز صنعه الحرفية التراثية في لبنان.
السيراميك
تطلق كلمة سيراميك حالياً على مواد صخرية وترابية معدنية، مضاف إليها مقدار نسبي من الماء، مخلوطة ومطحونة ومصنعة بطرق مختلفة، يدوية وآلية، حرفية وصناعية، ثم مجففة حسب نظام، وبعدها منضجة في أفران خاصة على حرارة مرتفعة.
الكَوْلَن
إن الصخور الأمات للمواد المعدنية المذكورة أعلاه هي الصخور البركانية الفلسباتية، أي التي تحوي في تركيبتها على البوتاسيوم والصوديوم إلى جانب مركبات أخرى أساسية هي الالومين وسواها، وأهمها ما يعرف بالصخور الغرانيتية.
هذه الصخور نضجت وتحللت في مقالعها الأساسية بفعل ملايين السنين، فأعطت من جملة مواد أخرى، تراباً طحينياً أبيض يعرف بالكَوْلَن. وهو التراب الصلصالي الأبيض البالغ الحرارية والمعروف كيميائياً بسيليكات الالومين المتحدة بالماء.
الصلصال
تجوّل الكَوْلَن (Kaolin) وسائر فتات وحتيت الصخور البركانية في تضاريس الطبيعة بفعل جرف الأمطار والسيول، وتنعّم وانخلط مع الاكاسيد المعدنية الطبيعية المختلفة
ولا سيما أوكسيد الحديد، ومع المواد العضوية للنبات ، ثم ترقّد في الوهاد وتخوت الأنهار وقعر المستنقعات وقاع البحار والمحيطات وقد ظهر الكثير منه في ما بعد في مقالع تقع على المرتفعات أو في الوديان، سطحية أو تحت سطح الأرض وذلك بفعل تحرك قشرة الأرض وزحف القارات (Isostasie)، فشكّل أنواعاً عديدة من الصخور والأتربة الرسوبية هي الصلصال.
وفي المساحة الممتدة من مقالع الكَوْلَن حتى الصخور والأتربة الصلصالية الرسوبية تقع معظم المواد الأولية المستخدمة في صناعات السيراميك المختلفة.
وتجدر الإشارة إلى أن أهم مواصفات الصلصال هي قدرته على احتواء الماء حتى نصف وزنه وأحياناً اكثر من ذلك، مما يزيد في حجمه ويحوله إلى عجينة طيعة لينة وصابونية، يسهل تشكيلها بشتى الطرق اليدوية والحرفية والآلية والصناعية. كما أن حجم القطعة المشكّلة يعود لينكمش على مرحلتين:
١- مرحلة التجفيف وتبخر الماء المخلوط مع الصلصال، حيث يمكن للقطعة في نهاية هذه المرحلة الانحلال في الماء والتحول إلى صلصال من جديد.
٢- مرحلة التنضيج، وتبخر سائر الماء المتحد بعناصر هذه المادة، وهنا تتحول القطعة إلى جسم حجري، غير قابل للانحلال في الماء ثانية.
انواع السيراميك
هي متعددة حتى ان بعضها يخدم الصناعات البالغة الدقة والتطور.وما يهمنا منها نوعان:
١- العجائن المسامية الماصة بعد النضج في الأفران وهي فئتان:
أ - العجائن التي تعطي القطع القرميدية اللون بعد الشيّ وتعرف بالفخار.
ومن هذه الفئة ما هي كلسية تتخللها المواد الطبشورية إلى جانب الصلصال والمواد المعدنية والعضوية. تظهر بعد التنضيج على حرارة تتراوح بين ٩٥٠ و ١١٠٠ درجة مئوية بلون مصفر أو مزهر أو قرميدي أو داكن وذلك بحسب نسبة الاكاسيد المعدنية الممزوجة بها ودرجة الحرارة المشوية عليها. وقطع هذه الفئة تتكيف مع الميناء تكيفاً تاماً فلا يصيبها التفسخ والتقشر، وذلك لتقارب معدل الانكماش بين العجينة والطلاء أثناء الشّي وهي تزيينية أو صالحة للاستعمال. إلا أنها لا تستخدم على النار بفعل وجود المواد الطبشورية في تركيبتها مما لا يعطيها هامش أمان يتيح لها تحمل فوارق الحرارة والبرودة المفاجئة.
ومنها ما هي غير كلسية لا تحتوي على المواد الطبشورية ولها مواصفات الأولى بخلاف إنها تحتمل حرارة أعلى في التنضيج قد تصل إلى ١٤٠٠ درجة مئوية أو اكثر. تستخدم قطعها المنزلية على النار ، إذ إن خلوها من المواد الطبشورية يتيح لها تحمل فوارق الحرارة والبرودة المفاجئة. وهي لا تتكيف تماماً مع طلائها حيث يبان على برنيشها (Vernis) التفسخ والتقشر بفعل عدم التقارب في نسبة الانكماش بين العجينة والطلاء أثناء الشّي.
ونلاحظ هنا أن عجائن هذه الطائفة، بشقيها: الكلسي وغير الكلسي هي السائدة الاستعمال في المشاغل اللبنانية، حرفية وفنية وصناعية.
كما نشير إلى أنه من النادر أن تعطي الطبيعة صلصالاً يكتفى به وحده في صنع العجينة المثالية.
ولهذا تستعمل في محترفاتنا وفي كل مكان، أنواع عدة من الصخور الصلصالية، يضاف إليها الرمل الناعم أو المواد الطبشورية أو الاثنان معاً وغير ذلك من المواد الطبيعية أو المصنعة للحصول على العجينة المقبولة والمتكيفة مع طريقة التصنيع ونوعية الإنتاج.
ب- العجائن التي تعطي القطع البيضاء اللون بعد الشيّ وتعرف بالخزف.
وهي في الغالب كلسية بهدف الحصول على التكيف التام بين العجينة والميناء. تنضج على حرارة أقصاها ١٠٥٠ إلى ١١٠٠ درجة مئوية.
تتركب عجينتها من الصلصال الأبيض، الخالي تقريباً من المواد المعدنية، ومن الكَوْلَن والمواد الطبشورية. وتستعمل هذه العجينة في المصانع اللبنانية لصنع بلاط الجدران كما تستوردها بعض المحترفات، حرفية وفنية، والتي تنتج أنماطاً جديدة في صنع الخزف وتشكيله مستندة إلى تقنيات حديثة ومواد غير تقليدية ومستأنسة بفن الزخرف اللبناني والعربي وما طبعهما.
٢- العجائن غير المسامية أو غير الماصة بعد التنضيج على حرارة تتراوح ما بين ١٢٠٠ و ١٥٠٠ درجة مئوية وهي فئتان:
أ- العجائن الملونة
وقطعها غير بيضاء بعد الشيّ، وتعرف بالفخار الحجري. وتتركب عجينتها من الصلصال الناري غير الطبشوري المتخلّل بعض الاكاسيد المعدنية. وقد تدخل في تركيبتها في الطبيعة بعض المواد القاعدية الذوبانية كالصوديوم والبوتاسيوم أو تضاف إليها عند تركيبها، وذلك بواسطة الصخور الفلسباتية التي تتخلل المواد المذكورة. وهذا ما يساعد على تزجيج مسامها أثناء الشيّ، على حرارة تتراوح ما بين ١٢٨٠ و ١٣٥٠ درجة مئوية وإعطائها قساوة بالغة تفوق بأضعاف قساوة فئة العجائن المسامية.
وتستعمل هذه العجائن في لبنان في محترفات بعض الفنانين ولا سيما في المصانع الكبرى لصنع الأدوات الصحية وبلاط الأرضيات.
ب- العجائن البيضاء
وتنضج على حرارة ١٤٠٠ درجة مئوية تقريباً. قطعها بيضاء، صفيقة أو شبه شفافة وتعرف بالبورسلان. تتركب عجينتها من الكَوْلَن الأبيض الخالي إلى ابعد الحدود من الاكاسيد المعدنية ومن المواد القاعدية الذوبانية المذكورة أعلاه. وهذا النوع لا يصنع في لبنان. وهو منتشر في بعض أقطار العالم التي لها تقليد تاريخي في اكتشاف الكَوْلَن ووجوده على أرضها وممارسة التقنيات المرافقة لذلك.
السيراميك في المدرسة
يمكن تجهيز زاوية في المشغل المتعدد التقنيات في المدرسة لممارسة عمل السيراميك وبصورة خاصة : الفخار المطلي والمبرنش. ومتطلبات ذلك:
١- وجود مدرس متخصص أو من متخرجي دار الفنون مارس عمل الفخار، يستفاد من خبرته في مدارس عدة مجاورة.
٢- وجود فرن كهربائي صغير، أوتوماتيكي التنضيج تجهز به مدرسة مركزية ويمكن أن يخدم مدارس عدة في منطقة معينة.
٣- استحضار الخامة الأساسية وهي تراب الصلصال الموجود في شتى المناطق، ثم تجربته وتعديل تركيبته بإشراف المدرس حين تدعو الحاجة إلى ذلك.
٤- تحويل الصلصال إلى عجينة قابلة للتشكيل، ومراحل ذلك :
- تجفيف الصلصال بتعريضه للهواء أو لأشعة الشمس ومراعاة الوقت الكافي لذلك.
- نقعه في الماء، حيث يساعده جفافه في امتصاص السائل بسرعة والتحول إلى وحل.
- نخل الوحل الصلصالي بعد تحريكه بمنخل عادي ناعم لإزالة الأجسام الكبيرة والغريبة التي تعيق التشكيل.
- ترقيده وإزالة الماء الزائد عنه كلما ترقد.
- وضع الوحل في قصعة ماصة من الجص حيث يفقد الماء الزائد شيئاً فشيئاً ويتحول إلى العجينة المطلوبة.
٥- صنع النماذج، وطريقة ذلك:
- عرك العجينة باليدين مراراً وتكراراً حتى تتوزع الرطوبة فيها توزُعاً متناسباً مما يبرز ليونتها ويجعلها صالحه للتشكيل بسهولة.
- تشكيل القطعة المطلوبة، انطلاقاً من كتلة واحدة من الطين أو من قطع عدة متلاصقة، وذلك بواسطة اليدين والأدوات البالغة البساطة، من دون أن يترك في سماكاتها فراغات هوائية. وهذا ابسط طرق التشكيل.
- كبس العجينة في قوالب من الجص يمكن تحضيرها في المدرسة، لصنع بعض القطع البسيطة.
- تشكيل قطع على الدولاب، وهو ممكن أيضاً على صعيد المدرسة، إذا توافرت هذه الأداة.
٦- التجفيف، تترك القطعة بعد التشكيل لتجف ببطء بمعزل عن أشعة الشمس وعن التيارات الهوائية.
٧- التنضيج الأول، بعد الجفاف التام، توضع القطع في فرن الفخار وتشوى على نار بطيئة ثم على نار مرتفعة حتى ٩٨٠ درجة مئوية تقريبا.
٨- طلي الفخار، بعد انخفاض حرارة الفرن إلى ما دون المئة درجة، يمكن البدء باستخراج القطع حيث تطلى بطبقة رقيقة من البرنيش أو الميناء، بواسطة الفرشاة أو بالتغطيس في وعاء مملوء بخليط الطلاء مع الماء.
٩- التنضيج الثاني، يستحسن أن تجف القطع ساعات عدة بعد الطلي، ثم تعاد إلى الفرن من جديد لتنضج على حرارة التنضيج الأول نفسها تقريباً حتى تذوب الاطلية النارية. وبعد تبريد الفرن، تستخرج القطع وقد اكتست قميصاً من البلور الشفاف أو الملون بحسب نوع الميناء الذي طليت به.
هذا مختصر سريع لماهية السيراميك ومراحل صنع الفخار في المدرسة. ولا بد للمدرس من أن يتوسع في ذلك عند التطبيق. كما يمكن الرجوع في هذا الأمر إلى مقررات دور المعلمين والمعلمات المتعلقة بالنشاطات المختلفة ولا سيما مقرر مشغل الفخار.
وزيارات الفواخير التراثية ضرورية لتوضيح صورة هذه الحرفة الفنية. وهي منتشرة في معظم المناطق اللبنانية من راشيا الفخار إلى عيتا الفخار الى الشوف وعاليه، إلى فواخير الساحل من المينا حتى الغازية، إلى بيت شباب واصيا في قضاء البترون. وبعض هذه المراكز قلّت معامله والبعض الآخر اقفل نهائياً كعيتا الفخار وبيت شباب.
وبعد، فهذا النموذج من العمل اليدوي ليس فقط ترفيهياً يحقق فيه المتعلم ميولاً فنية قد تبشر بعطاءات غنية ومتفوقة فحسب، بل هو مركز فائدة واهتمام شامل، ينمي معارف جمّة ويتصل بالمدرسة بسلسلة من المواد المنهجية المقررة.
فالفخار هو كيمياء تطبيقية، وهو تاريخ يقارن بين الماضي والحاضر، ويتناغم مع علم الآثار، ويأخذ مساحة في الجغرافيا حيث تتواجد الصخور الصلصالية ويهتم بالجيولوجيا ومركبات الصخور. وهو يلج علم الاقتصاد حيث يسلط الضوء على مسألة إنماء المهن التراثية والتفتيش عن الموارد السياحية، ويتعمق في اللغة من خلال إحصائه مفردات المهنة وألفاظها العامية وأصولها الفصحى.
والعمل في هكذا مجال وفي كل مجالات الأشغال اليدوية، حرفية وفنية، هو حافز في شتى المراحل الدراسية للاهتمام بالإنسان المنتج وتقدير العامل والعمل اليدوي، والتعرف إلى المهن ومشاكلها وأحوال أصحابها الاجتماعية ومساعدتهم على التطور والنمو.
المراجع
١- (G.Bieler, Vingt ans de progrés céramique ( paris 1952 , leroux
٢- (V.Bodin, Technologie des produits de terre cuite ( paris 1956 , Gauthier - Villars
٣- ( M.HAUSSONNE, Technologie céramique générale(paris 1954,J.B.Baillère et fils
٤- ( P.MUNIER, Technologie des faïences ( paris 1957,Gautier - Villars
٥ - دائرة المعارف اللبنانية ( فؤاد افرام البستاني ١٩٥٦ ) . مفردة '' آجر''، إعداد نقولا نقاش.