الإدارة المدرسية-تجربة خاصة
الإدارة المدرسية - تجربة خاصة
لا بد بادئ ذي بدء من توضيح مفهوم العمل المؤسساتي حيث تنظمه وتحكمه قوانين وأنظمة تضعها الدولة وترتكز على مبادئ الكفاءة والثواب والعقاب ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.
فالإدارة وان كانت أداة تنفيذية من أدوات العمل المؤسساتي، إلا أنها تعتبر أهم هذه الأدوات، كونها تشكل حلقة الوصل الأساسية بين مراكز اتخاذ القرار وسائر الهيئات التنفيذية المعنية. من هنا تبرز أهمية دور مدير المؤسسة، حيث بإمكانه تحويل الإدارة الى شخصية معنوية لها طابعها الخاص فإما يطبعها بأفكاره وطريقة عمله مما يفعّل آليات العمل التي تضمن نجاح المؤسسة واستمراريتها بغض النظر عن وجوده شخصياً في إدارة تلك المؤسسة واما ان يجنح بها الى التحجر والتقهقر والضعف.
من هنا يتبين مدى اهمية الكفاءة الذاتية للقيادي في العمل الإداري وما يجب ان تتحلى به شخصيته من صفات القدرة والإلمام بشتى الأمور وسعة المعرفة وغيرها من الصفات الاخرى.
وعليه فان الإدارة الناجحة ترتكز على أسس ثلاثة : الأول ذاتي يتعلق بصفات المدير الشخصية والثاني خارجي يتعلق بمجموعة العلاقات التي يفرضها العمل الإداري والثالث يتعلق بأسلوب المدير في تفعيل العمل وتحريك العاملين معه. فبالرغم من الروتين الإداري وضآلة الإمكانيات المادية يمكن للمدير الناجح ان يحجز لمدرسته مكاناً متميزاً ومتقدماً في عالم التعليم والتربية ويعود هذا إلى الإرادة والتصميم.
وتستند الإدارة الناجحة على مجموعة أسس هي آلاتية :
اولاً: على الصعيد الذاتي
ترتكز الادارة الناجحة في هذا المجال على صفات عديدة من أهمها :
١- الأمانة والصدق في كل المعاملات مهما كان حجمها وشأنها، وان يكون الضمير الإنساني والمهني هما الوسيلة والغاية معاً في إنجاز تلك المعاملات.
٢- التمتع بروح المبادرة الفردية وتلازمها مع التنفيذ، الامر الذي من شأنه توسيع هامش الخلق والابتكار، والارتقاء بالعمل من المستوى التنفيذي المستند الى انتظار القرارات من المراكز العليا الى المستوى الابداعي بمشاريع واقتراحات تساهم في تصحيح الشوائب وتعزيز الايجابيات.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، اعتمدنا في ''ثانوية فخر الدين المعني'' مبدأ النشاطات اللاصفية (مسرح- معرض- تدبير منزلي ...) منذ العام ١٩٩١ انطلاقاً من مفهوم مبدئي بعدم فصل التربية عن التعليم، واعتبارهما متلازمين لا يجوز الفصل بينهما، بل واعتبار التربية اولاً هي المدخل الصحيح للتعليم السليم، بما يساعد على صقل شخصية المتعلم واعداده ليواجه المستقبل متسلحاً بالثقافة والخبرة والعلم. لقد اعتمدنا هذه النشاطات بالرغم من الصعوبات والمشقات التي واجهتنا وليس أولها عدم التجاوب من قبل المعنيين (على الأقل بادئ الأمر) وليس آخرها ضعف الامكانات المادية. وقد أثمرت تجربتنا في هذا المجال نتائج باهرة وأسهمت في ما نحققه من نسب عالية في النجاح في الامتحانات الرسمية مما اسهم بدوره في إقرار هذه النشاطات وإدراجها ضمن المناهج التعليمية الجديدة. وهنا لا بد من الإشارة الى دور مجلس الأهل المتعاون مع الإدارة والذي يسهم اسهاماً كبيراً في تحقيق برامج الإدارة ومخططاتها مما يؤدي في النهاية إلى إفادة التلاميذ الذين هم الهدف المشترك الذي تجنّد لخدمته كل الإمكانات في المدرسة والبيت.
وفي مجال المبادرة الذاتية يمكن الاشارة الى ما قمنا به على صعيد التحضير لتنفيذ المناهج التعليمية الجديدة قبل البدء بتطبيقها العملي من قبل الجهات المعنية فاقمنا دورات تدريبية للهيئة التعليمية مستندة الى تطوع المعلمين انفسهم ومعتمدين فقط على قدراتنا الذاتية.
٣- الحزم والمرونة في الوقت نفسه منطلقين من المبدأ القائل :
''لا تكن قاسياً فتُكسر، ولا تكن ليناً فتُعصر'' على ان يكون الحزم في تطبيق الأنظمة والقوانين حتى ولو كان القانون مخالفاً للواقع في بعض الأحيان، وكذلك الحزم في عملية الضبط والربط، والالتزام بتنفيذ الواجبات. فالمدير الناجح يبدأ بنفسه اولاً فيكون القدوة الحسنة للآخرين، ويقرن القول بالممارسة. أما المرونة فتتعدى كل ما ذكر آنفاً، خصوصاً أنها تنطلق لجهة تعزيز المبادرة الفردية عند الآخرين.
٤- التحلي بالصبر والثبات والإنسانية، خصوصاً وإننا نتعامل مع شرائح اجتماعية متنوعة، وفي ظل ظروف اجتماعية واقتصادية ضاغطة على الناس.
٥- التمتع بالقدرة على الإشراف المباشر والمتابعة المستمرة لكل الأمور، مهما بدا هذا الأمر او ذاك بسيطاً، بدءاً من نظافة البناء المدرسي ووصولاً الى توزيع المهام. ولا يخفى على احد بأن مثل هذه الصفات تتمحور حول مفهوم واحد وهو انكار الذات بكل معنى الكلمة بما ينطوي عليه من جهد وعرق وتضحية بل وتفانٍ في سبيل المصلحة العامة.
ثانياً: على صعيد العلاقة مع الآخر
يمكن ادراج هذه العلاقة تحت عناوين عدة، منها:
١- العلاقة مع وزارة التربية بحيث ترتكز تلك العلاقة على:
أ- الالتزام التام بالقوانين والانظمة المرعية الاجراء، وتنفيذ القرارات.
ب- التقيد بتوجيهات الوزارة وابداء الرأي الشخصي بما نراه مناقضاً لمصلحة المتعلم.
ج- عدم تخطي التسلسل الاداري، والالتزام بالاجتماعات ودقة المواعيد.
د - تزويد الوزارة بمقترحات وآراء وافكار ومشاريع وكل ما من شأنه الاسهام في المصلحة العامة.
٢- العلاقة مع الهيئات الرقابية (التفتيش التربوي) بحيث تستند تلك العلاقة الى تقديم كل التسهيلات التي من شأنها انجاح عمل المفتشين.
٣- العلاقة مع المنسقين: المحافظة على الاجتماع الدوري مع المنسقين حيث توضع خطط التعليم وتوزّع البرامج السنوية، و يتم الاعداد للنشاطات اللاصفية، ودراسة أوضاع المعلمين لجهة التحضير وخلافه. وكذلك أمر حضور الحصص مع المنسقين، والاطلاع على آرائهم
حول تقييم عمل المعلمين.
٤- العلاقة مع المعلمين: استهلال العام الدراسي باجتماع عام، تعرض خلاله التعاميم والمستجدات التربوية، والإطار العام للسنة الدراسية وعقد اجتماعات دورية لعرض نتائج الامتحانات وتقييمها، والتداول في الشؤون التربوية، وتوزيع المهمات.
وهنا لا بد من الإشارة الى ان تلك العلاقة يجب الاّ تقتصر فقط على الروتين الإداري، بحيث لا بد من نسج علاقات أسرية بكل معنى الكلمة، قائمة على الاحترام والمحبة والثقة المتبادلة.
٥- العلاقة مع المتعلم: وهي بمثابة حجر الرحى، لانه المعني المباشر في العملية التربوية والتعليمية وهذه العلاقة تستند الى كل ما ذكرناه سابقاً من صفات : محبة ، حزم مرونة، صبر، تحمل، انسانية، اطلاق المبادرة الفردية، الضبط والربط، الالتزام بالقوانين والانظمة. وبكلمة واحدة، اشعار المتعلم انه الغاية والوسيلة معاً. فإلى الاهتمام الذي توليه للشق التعليمي، تعطي الإدارة حيزاً واسعاً للاهتمام بالشق التربوي الذي كان مهملاً في القطاع الرسمي التعليمي، حيث اكتفت المدرسة الرسمية بإعطاء الدروس فقط من دون الاهتمام بالشق التربوي الذي يلعب دوراً اساسياً في بناء شخصية التلميذ ويساعده على اكتشاف ذاته وطاقاته، لذلك اعتمدت سلسلة من التدابير أولها تنمية شعور التلميذات بالولاء للوطن خصوصاً إنني لم اكن المس لدى العديد منهن ولاءً وطنياً لاعتبارات عدة وهذا الشعور كان يؤذيني، وبدأت اعمل على زرع محبة الوطن في نفوسهن عبر تأدية التحية والنشيد الوطني كل يوم صباحاً. إضافة الى العمل بنظام النشاطات اللاصفية عبر تفعيل عمل نوادٍ متخصصة في المجالات كافة لترسيخ انتمائهن الى مدرستهن والوطن.
٦- العلاقة مع الأهل: وهي تنطلق عموماً من العلاقة مع مجلس الأهل، والتي ترتكز على مفهوم الوصاية والرعاية معاً فالمسؤولية هنا مشتركة بين الأهل والإدارة وكلاهما يشكل روافد لمجرى واحد يصب في مصب واحد .
٧- تمتين العلاقات مع الهيئات والجمعيات والروابط الاجتماعية والثقافية والأهلية، لما لها من دور وتأثير مباشرين في سياق عمليتي النهوض الاجتماعي والتربوي وخصوصاً في إطار التعاون بما ينسجم مع المناهج التعليمية الجديدة .
ثالثاً: على صعيد اسلوب المدير في تفعيل العمل وتحريك العاملين معه
١- استخدام الصلاحيات بمحبة ووفقاً للقانون.
٢- عدم احتكار العمل بشخصه بل إعطاء الفرصة للجميع ليظهر كل انسان مواهبه وافكاره بدون أي تعقيد او اشكالات.
٣- تطبيق مبدأ الثواب والعقاب وعدم الكيل بمكيالين.
٤- اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
ان العمل الإداري أوسع واكثر تعقيداً من ان نحيط به ببعض المبادئ والمفاهيم، فهو يقوم على منظومة مترابطة متداخلة تبدو ظاهرياً بسيطة في حين انها عميقة عمق النفس البشرية، لانها ببساطة ترتبط بالإنسان مفهوماً وأسلوب عمل من خلال أدائه، فكيف الحال والأمر يتعلق بإدارة صرح تربوي من اولى مسؤولياته التصدي لبناء جيل المستقبل، وهو جيل متعدد المشارب، متنوع الأطياف، ومختلف العقائد مما يجعل المسؤولية اكبر واخطر كما ذكرنا سابقا، ومما يحتم على المتصدي للعمل الإداري في هذا المجال ان يكون التسامح الوطني والديني سلاحه الامضى وشعاره المبدئي، ليحفظ بذلك ميزة لبنان التراثية القائمة على التنوع ضمن الوحدة، فعندها فقط يتسلح المتعلم بالمواطنية الحقة وينشأ مواطناً صالحاً.