بطارية الاختبارات النمائية تجربة تربوية حديثة في الكشف عن ذوي الاحتياجات الخاصة والموهوبين
بطارية الاختبارات النمائية
تجربة تربوية حديثة في الكشف عن ذوي
الاحتياجات الخاصة والموهوبين
يعد الإنسان أرقى المخلوقات عامة، لما ميزه لله به من عقل وإرادة وحرية اختيار، وقدرات غير محدودة على التعلم والفهم والاستيعاب والإنتاج والعمل والبناء. فالإنسان بفطرته قادر على اكتساب العلم والمعرفة والتدرّب على المهارات المختلفة، مما يؤهله لأن يحمل الأمانة ويبلغ الرسالة، مستخدما نعمة الإدراك الحسي والتفكير العقلي المنطقي السليم. ويقع على عاتقنا كوننا مسؤولين في حقول التربية والتعليم الاعتناء بهذه النعمة، وتنميتها، ودراسة أسس تطويرها، ووضع مقاييس علمية لدراستها. وهنا نجد من الضروري الإشارة إلى محدودية المقاييس المعاصرة التي تركز على أهلية تلميذ ما للاستفادة من برنامج التربية الخاصة. فهي لا تسعى للإجابة عن السؤال كيف يتعلم؟ ولا حتى إلى تقديم توصيات وتعليمات بهدف مراجعة أو تكييف المنهج الدراسي.
لقد أظهرت نتائج الأبحاث الحديثة في علم النفس التربوي، أن بعض التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة، غير قادرين على حل مشاكلهم الفردية، وهم الى ذلك يواجهون صعوبة في اتخاذ استراتيجيات مناسبة لتوجيه سلوكياتهم وتصرفاتهم. لذا تم إعداد بطارية الاختبارات النمائية، التي تعد نوعا من المقاييس الأكثر ديناميكية، فهي ليست ثابتة، إذ ترى أن العملية التشخيصية عملية مستمرة، طالما كان هناك مداخلة إرشادية، فالعمليتان تسيران جنبا إلى جنب. وبما أن العملية القياسية هذه مستمرة، فإنها تقلل من الضغط على الطفل وتجنبه الوصف بالسلبية، كما أنها تساعده وترشده إلى حل مشكلته. إضافة إلى أن القياس النمائي منبثق من علم نفس النمو، الذي يعد النمو عملية ينتقل فيها الفرد صعودا من الأسهل إلى الأصعب في كثير من الأوقات والممارسات، مثل: العلاقات، والانفعالات، والقدرات.
بطارية الاختبارات النمائية هي
أداة قياس معتمدة للكشف عن الموهوبين
تبين أن أكثر من ثلثي الأدوات المستخدمة في التشخيص والتصنيف لا تتوافر فيها المحدودات السيكومترية للقياس الملائم، من حيث الصدق والثبات والمعايير. فالمقاييس المعدة للتشخيص والتصنيف لا يمكن استخدامها مع التطورات أو التغيرات التي تحدث للأطفال غير العاديين أثناء علاجهم. ومن ثم فهي تميل إلى المقاييس القصيرة المدى من حيث المدى العمري الذي تعطيه معاييرها. ولذا يحتاج الأمر إلى استخدام مقاييس أخرى تلائم مجتمعاتنا العربية بما تتميز به من خصائص اجتماعية وثقافية تختلف طبيعتها عن غيرها من المجتمعات.
وقد وصلت الفروق الفردية في عالمنا العربي إلى مرحلة أصبح من الضروري معها التحول لإعداد مقاييس عملية تقيّمِ الاستراتيجيات والمهارات التي يستخدمها التلاميذ في تعلمهم وحل مشكلاتهم. وعند تطبيق برنامج متكامل كلي في التقويم، يمكننا تحسين قدرات ومهارات التلميذ، وبالتالي تغيير سلوكياته بعد توضيح احتياجاته، مما يمكنه من التفاعل الإيجابي مع مقررات المنهج المدرسي، مع الأخذ بالاعتبار البيئة التي يعيش فيها التلميذ من جميع نواحيها. ليس ذلك فحسب، بل التركيز على المنهج المدرسي، فيراجع محتواه ومستواه، والنظر بدقة إلى أساليب التعليم واستراتيجياته التي يمارسها المعلم في الصف. عندها يصبح التعليم مناسبا ومتوافقا مع خصائص المتعلم وحاجاته الفردية.
وخلال العقدين الأخيرين، تم استخدام مقاييس الذكاء ومقاييس التحصيل المقننة بهدف التشخيص فقط، إذ ركزت على حاصل التعلم وأهملت العمليات والاستراتيجيات التي مارسها التلميذ خلال تعلمه وفي حله للمشكلات التي تواجهه. وكانت النتيجة عدم معرفة الإجابة عن الأسئلة الآتية: ماذا تعلّمَ فلان؟ كيف يتعلم ؟ ولماذا لم يتعلم؟ وقد فسرت نتائج هذه الاختبارات بشكل خاطئ. فكان تحليلها وصفيا أكثر مما كان إيضاحيا، تقوم بشرح الحالة من جميع نواحيها. فكان من المستحسن عدم استخدام مقاييس مقننة لقياس الصعوبات التعلمية، لأن قيمة قياسها محدودة لاختلاف هذه الصعوبات كماً وكيفاً. وينصح الكثيرون بعدم استخدام مقاييس الذكاء المقننة بهدف اتخاذ قرارات. إذ إن من المستحسن استخدام مقاييس متعددة الأوجه لتشخيص الصعوبات التعلمية مما يساعد على تكوين أحكام علمية معترف بها. على أن تتضمن هذه المقاييس اختبارات تقيس الاستعدادات والقدرات، والصحة النفسية، والتحصيل المدرسي. ويمكننا القول بأن أساليب التقييم المطلوبة هي التي تجيب عن الأسئلة الثلاثة الآتية: ماذا؟ وكيف؟ ولماذا لم يتعلم التلميذ؟ لذا تم إعداد بطارية الاختبارات النمائية:
اولاً، لتشخيص وقياس نمو الطفل: ويتم فيها التعرف على استراتيجيات التعليم، ومدى انسجامها مع شخصية التلميذ من حيث نقاط القوة ونقاط الضعف. وبناء عليه يتم وضع برنامج المداخلة العلاجية الفردية المناسبة.
ثانياً، لتحديد نوع المساعدة اللازمة: ويستخدمها المعلمون والمرشدون والمربون للتعرف الى طبيعة المشكلة النمائية، ولتعلم طرق عملية تقييم المشكلة، واختيار برامج مناسبة لمساعدة الطفل على النمو السليم، وبالتالي الوصول إلى الحل المناسب للمشكلة التي يعاني منها.
تركز البطارية على تطبيق النظرية النمائية في كل من التشخيص والمداخلة التأهيلية الإرشادية الفردية.بالرغم من أن معظم الاختصاصيين يعدون التشخيص هو الأساس في وضع خطة المداخلة، فإن هذه الخطوة تعد قصيرة المدى عند الأطفال ما بين ٦ و ١٢ سنة. وقد يعرف التشخيص بشكل ضيق، وقد يتطلب وقتا طويلا. وقد لا تكون الأدوات مناسبة لعمر الطفل، وقد تكون النتائج غير قابلة للترجمة على أرض الواقع، أو للتطبيق عند المداخلة. أو قد يكون المساعد غير مؤهل للتشخيص الصحيح، فتكون النتيجة إهمال أهم مرحلة في العملية الإرشادية، مما يؤدي إلى الفشل في الوصول إلى حل للمشكلة.
- من يمكنه استخدام بطارية الاختبارات النمائية ؟
إن أهم الفئات التي يمكنها استخدام هذه البطارية:
١- المعلم المرشد أو المربي: فهو يحتاج إلى مورد أو مرجع يستطيع من خلاله مساعدة جميع تلامذته على التعلم والنجاح في الصف، ليس ذلك فحسب بل النمو إلى أقصى حدود إمكانياته.
٢- طلبة التربية الخاصة وعلم النفس التربوي: فهي بمثابة أداة تشخيص عملية لتدريبهم وإكسابهم الخبرة العلمية لتطبيقها على تلامذة المدارس في وطنهم.
٣- المختصون في حقول التربية الخاصة وعلم النفس التربوي: فهي أداة قياس يمكن استخدامها في مختبرات التعلم ومراكز التأهيل والإرشاد المدرسي.
- ما أهمية استخدام هذا النموذج النمائي في التشخيص؟
إن مبدأ التشخيص النمائي هو أسلوب حديث وفعال يجب الأخذ به عند تقويم الأطفال، طالما هم في طور النمو. وبما أن هنالك فروقا فردية بين الأطفال فإنه من الضروري إعداد أدوات تشخيص مناسبة، تعكس استعداداتهم النمائية، وتساعدنا على فهم تأثير كل من النمو الذهني والانفعالي والسلوكي على عملية التشخيص والتقويم. فمعرفة السلوك المقبول في هذه الفترة هو مهم جدا في الوصول إلى تصور واضح، واستبصار المشاكل التي تتميز بها مرحلة الطفولة بشكل عام، ومرحلة الطفولة الوسطى بشكل خاص.
وبما أن النمو السريع هو من أهم خصائص مرحلة الطفولة، فإن معرفة خصائص النمو في كل مرحلة هو الأساس والمطلوب عند تحديد المشاكل الكثيرة خلال هذه المرحلة.
- أهداف بطارية الاختبارات النمائية هي:
١- شغل الفراغ الموجود في علم القياس والتقويم في البلدان العربية.
٢- تحديد العملية التشخيصية للأطفال العاديين وغير العاديين في حدود عمرهم الزمني.
٣- إيجاد المعلومات الضرورية عن مبادئ النظرية النمائية، لوضعها موضع التنفيذ وتطبيقها في العملية التشخيصية والمداخلة التأهيلية الإرشادية لتلاميذ المدارس.
٤- تحديد الإيجابيات التي يتمتع بها الأفراد، كنقاط القوة، وكيف يمكن توسيع نطاقها بشكل يضمن نمواً سليماً وصحيحاً.
٥- تحديد الحاجات والأولويات، وإصدار توصيات تساعد في عملية الإصلاح واتخاذ القرارات المناسبة.
٦- توضيح المشكلة والوصول إلى حلها.
٧- اختصار مدة التعرف الى الطفل.
٨- استخراج المعلومات الكثيرة والمتعددة، وتحديد المطلوب منها للتعرف اليها، وترتيبها في سلم الأولويات.
٩- فهم العمليات النمائية والانحرافات في المعايير الطبيعية للنمو، وكيف يتصرف الطفل خلال العملية التشخيصية.
١٠- تقويم مستوى النضج عند الطفل خلال مراحل النمو كافة، وليس التركيز عليه فقط خلال فترة زمنية محددة.
- خصائص بطارية الاختبارات النمائية:
١- اعتمادها على الأسلوب الكيفي وليس الكمي، لذا فهي وصفية وليست عددية، ولا تعتمد مصداقيتها على النقاط الخام. فالمقاييس الكيفية هي مقاييس وصفية تركز على معرفة الذات وفهمها ضمن إطار نمائي شامل، بعيدا كل البعد عن المقاييس الثابتة الضيقة التي تحدد بعض
الجوانب من القدرات والاستعدادات.
٢- احتواؤها على مقاييس كيفية. وبما إن القياس الكيفي هو نموذج وصفي، فهو ليس دقيقا كالمقاييس المقننة، ولكن أساليبه أكثر تنوعاً. لذا فإنه سهل الاستعمال، ويمكن تكييفه وتطبيقه على مجتمعات ومجموعات عربية ذات انتماءات وبيئات وثقافات اجتماعية متنوعة.
٣- إعطاؤها المفحوص وقتا أطول، ليتاح له فرصة المشاركة الفعالة، كالتعبير عن النفس مثلا. وهذه المشاركة تؤكد وجود أو عدم وجود مشكلة ما، وتجعل المفحوص شريكا ليس في العملية التشخيصية فحسب ، بل في العملية الإرشادية أيضا. وهذا يؤدي إلى نتائج إيجابية على المدى القريب والبعيد.
٤- صهرها لعمليتي التشخيص والإرشاد معا، فهي تسير على نمط معين وتعمل على إيجاد علاقة متكاملة تجمع ما بين هذا النمط والعملية النمائية بجميع جوانبها.
٥- تحديدها للإيجابيات والسلبيات عند الطفل. فهي تتصف بالشمولية. إذ يتم تشخيص وتقويم المشكلة بشكل كلي.
٦- ربطها بين التشخيص والتعليم، فهي تتعدى إطار التشخيص المبدئي لتساهم مباشرة في العملية التعليمية ، وهنا لا بد من أن تأخذ العملية الإرشادية التعليمية شكلا لولبياً مستمراً ومن دون أي توقف.
- من هم الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة؟
ينحرف هؤلاء الأطفال انحرافاً ملحوظاً عن التلاميذ العاديين، في نموهم العقلي والحسي والانفعالي والحركي واللغوي. وهذا يستدعي اهتماماً خاصاً من قبل الاختصاصيين في حقل علم النفس التربوي، من حيث طرق تشخيصهم، وإعداد البرامج التربوية، وطرق التدريس الخاصة بهم، وذلك بهدف تنمية استعداداتهم إلى أقصى حد ممكن ومساعدتهم على التكيف. فالفئات التي تنطوي تحت مظلة التربية الخاصة هي: الموهبة، التفوق، صعوبات التعلم، الإعاقات الذهنية والحركية، والبصرية، والسمعية، اضطرابات في النطق واللغة، اضطرابات انفعالية.
اهتمت بعض الدول العربية ببرنامج التربية الخاصة في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. وما يدل على اهتمامها:
١- فتح المدارس والمراكز والمؤسسات التي تعنى بهم.
٢- تدريب الكوادر العاملة في ميدان التربية الخاصة، بهدف تحسين أداء تلك الكوادر.
٣- إعداد الكوادر في ميدان التربية الخاصة، من خلال البرامج التربوية، التي تمنح درجات البكالوريوس والدبلوم والماجستير.
٤- إشراف عدد من الجهات الرسمية وغير الرسمية مثل: وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة التربية، وزارة الصحة، المؤسسات الأهلية والدولية.
- علام تحوي بطارية الاختبارات النمائية؟
تركز معظم برامج التربية الخاصة اهتمامها على الأطفال في سن المدرسة. أما من حيث عدد المراكز، وإعداد الكوادر البشرية وتأهيلها، فيمكننا القول بأنها ما تزال في مراحلها الأولى.
وبناء على المعلومات المتوافرة في واقع التربية الخاصة للأطفال غير العاديين، وعلى تحليل ذلك الواقع وتقييمه، وتوصيات العديد من العلماء في حقل التربية الخاصة وعلم النفس التربوي ، كان من الضروري إعداد أداة تشخيص كبطارية الاختبارات النمائية لتتوجه إلى هذه الفئة من الأطفال، إذ إنها تحتوي على:
١- اختبارات الاستعدادات والقدرات، التي تتكون من اختبارات فرعية تقيس القدرات العامة: التفكير، والمنطق، والمعلومات العامة، والقدرات الحركية والحسية: كالإدراك السمعي، والإدراك البصري، والإدراك اللغوي. وهنا لا بد من التركيز في عرضنا هذا على مؤشرات الملكات عند المتفوق الموهوب (م م م م)، التي هي كناية عن قائمة مؤشرات تحوي ٦٦ عبارة وصفية ومقسمة إلى ٦ أقسام، تظهر وجود ملكات التفوق والموهبة كما وكيفا. ويقوم الفاحص بتحديد المؤشرات خلال مقابلة المربي. وسوف نتطرق إليها بشكل مفصل خلال عرضنا للدراسة الميدانية: من عينة، ونتائج الاختبارات المدرسية، ومدى توافقها مع البطارية، ومدى صدق وثبات معاييرها.
٢- اختبارات الحاجات النمائية لقياس الصحة النفسية عند الأطفال العاديين وغير العاديين.
٣- اختبارات مهارات التحصيل المدرسي، لقياس المهارات اللغوية، ومهارات القراءة والكتابة، والمهارات الحسابية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الاختبارات تتوافر فيها: دلالات وصدق وثبات ومعايير مقننة محلياً، يمكن الوثوق بها، وبالتالي تطبيقها في جدة، وبيروت، كمرحلة أولى، وفي مدن وبلدان عربية أخرى كمرحلة لاحقة.
ويجب عدم إغفال الإشارة إلى أهمية التركيز على إعداد الكفاءات البشرية المؤهلة للعمل في تأهيل وإرشاد الأطفال العاديين وغير العاديين على مستويات البكالوريوس، والدبلوم، والماجستير في التربية الخاصة، وذلك بهدف توفير الفئات الوظيفية المناسبة لأغراض التشخيص والتدريب.
وتعد البطارية نتاج لقاح مجموعة من المقاييس والاختبارات في حقول علم النفس التربوي، إذ تتكون من مجموعة من اختبارات ديناميكية، تأخذ بعين الاعتبار استراتيجيات التعلم، والاستدلالات العملية الواجب اعتمادها في التعليم والإرشاد والتأهيل. إن الاستعدادات والقدرات الذهنية ليست ثابتة، بل متغيرة، نتيجة تحضير البيئة المناسبة ليحصل التعلم، وإعطاء الفرص الكفيلة للتعلم.
إن الفائدة المرجوة من بطارية الاختبارات النمائية هذه، هي التعرف الى المهارات المحددة التي تعلمها التلميذ والمهارات الأخرى التي لم يتعلمها ليتعلمها. ولقد تم اعتماد هذا النموذج من الاختبارات لما يقدمه من نتائج إيجابية في إعطاء الفرصة لجميع التلاميذ للارتقاء إلى أعلى مستوى ممكن بالنسبة لهم.
ومن الضروري التأكيد مرة أخرى على أهمية تطبيق البطارية بهدف التشخيص كمرحلة أولى، وبهدف المداخلة الإرشادية كمرحلة ثانية. ونتمنى أن تقدم البطارية المطروحة من قبلنا، الأسس والمعلومات المطلوبة للمعلم والمرشد والمربي، لتساعدهم على اكتساب المهارات والتقنيات الجديدة اللازمة، للتعاطي الفاعل مع التلاميذ تشخيصاً وعلاجاً.