دور الكمبيوتر في التربية : مادّة أم أداة

د. حسين منيف ياغي أستاذ المعلوماتية في التعليم الجامعة الأميركية - بيروت

دور الكمبيوتر في التربية : مادّة أم أداة

التعريف الوظيفي للكمبيوتر هو انه الأداة العصرية لمعالجة المعلومات (Modern Information Processing Tool)، والمفهوم الحديث للمعلومات هي أنها كل ما ينتجه او يستوعبه العقل البشري، ويشمل ذلك اللغة بأشكالها المكتوبة والمسموعة والأرقام والصور الجامدة والمتحركة والأفلام إضافة إلى الأصوات والإيقاعات وغيرها. والبعض يضيف الروائح وردود الفعل الصادرة عن اللمس إلى مفهوم المعلومات. وبذلك يصبح المفهوم الشمولي للمعلومات هي كل ما يصل الى العقل البشري أو يولده العقل من أفكار وأحاسيس ويعبّر عنه الإنسان بواسطة أجزاء مختلفة من الجسم.

 

 

لا تقتصر تقنيات نقل المعلومات وتخزينها والتداول بها على الكمبيوتر، فالكتاب وكل أشكال الطباعة والكتابة والرسم والتصوير هي تقنيات لتخزين المعلومات ونقلها من مكان الى آخر والتداول بها. حتى الألواح الحجرية او الطينية التي استعملها القدماء هي وسائل لحفظ المعلومات والتداول بها. والميزة الأساسية لهذه التقنيات التقليدية هي أنها تتعامل مع المعلومات بشكل جامد، أما الكمبيوتر فإن لديه القدرة على التعامل مع المعلومات بشكل أسرع واشمل واكثر ليونة. فمقارنة بسيطة بين الكمبيوتر والكتاب تظهر أنه يلزمنا وقت طويل لإنتاج كتاب ثم نقله وتوزيعه إضافة إلى أننا لا نستطيع ان نضع في الكتاب إلا نصوصاً وعدداً محدوداً من الصور الجامدة. بينما يمكننا إنتاج النصوص وتوزيعها عن طريق الكمبيوتر وشبكات الاتصال بشكل أسرع بما لا يقاس، إضافة الى إمكانية عرض عددٍ اكبر من الصور والتي تشمل صوراً متحركة وأفلاماً
وأصواتاً للنص المنتج على الكمبيوتر. واذا ما شئنا التعديل في النص فيمكننا فعل ذلك بوقت وجيز على الكمبيوتر بينما يتطلب التعديل في نص الكتاب إعادة إنتاج الكتاب بكامله. ولكن للكتاب عناصر قوة لا يملكها الكمبيوتر من جهة ثانية. فالكتاب أقل ثمناً وأكثر ملاءمة للقراءة وهو أخف
وزناً ولا يتطلب كهرباء. وبالتالي فإن الدعوة إلى استبدال الكتاب بالكمبيوتر بشكل كلّي هي دعوة غير عملية، كما ان الدعوة إلى عدم استخدام الكمبيوتر بشكل كلّي في التربية هي نظرة قاصرة وبعيدة عن روح العصر. فالحل العملي هو دراسة الوضع وتحديد الأماكن التي يمكننا فيها الاكتفاء بالكتاب والأماكن التي تتطلب استعمال الكمبيوتر في مختلف مواد المناهج.

الكمبيوتر - الدماغ الالكتروني

 

 

 


بما أن الكمبيوتر هو أداة معالجة المعلومات فإنه يصبح بالضرورة أداة تربوية لان المعلومات هي جزء أساسي في العملية التربوية. هي من ناحية الجسر الذي نصل بواسطته الى عقل المتعلم، وهي هدف بحد ذاتها من ناحية ثانية. ولذلك فإن اختيار الوسيط الذي ينقل المعلومات بالشكل الأمثل يشكل محوراً اساسياً في التربية. فلو أنه أصبح بإمكاننا تحديد المواضيع التي يجب ان يستخدم فيها الكمبيوتر في المنهج فتبرز حينئذ مجموعة من التساؤلات حول توافر الأجهزة والشبكات وخبرة المعلمين وقدرة التلامذة على استخدام الكمبيوتر ونوعية البرامج ومستوى الدعم اللازم من قبل الادارة المركزية.
لذلك نشأت استراتيجيتان للتعامل مع الكمبيوتر في التربية، الاولى هي اعتبار المهارات الحاسوبية المتوجب تملكها من قبل المتعلمين مادة بحد ذاتها، أي انه يجب على النظام التعليمي إتاحة الفرصة أمام المتعلمين كي يكتسبوا المهارات الأساسية في معالجة المعلومات من خلال تكريس وقت معين ومادة وأجهزة لهذا الغرض. من هنا نشأ منهج مادة المعلوماتية والتي بادر المركز التربوي للبحوث والإنماء الى استحداثها كمادة في المناهج الجديدة، ولكن ولاسباب كثيرة انطلقت هذه المادة بشكل متعثّر بالرغم من وجود منهج محدد وكتب تمّ تأليفها لهذا الغرض.

أما الاستراتيجية الثانية فهي استخدام تكنولوجيا معالجة المعلومات كوسيط لتوصيل المعلومات للمتعلمين والتعامل معها بشكل إبداعي يناسب مساحة المناهج في مختلف المواد. وبما انه لا يمكن للتلاميذ ان يستخدموا الكمبيوتر في مختلف المواد الا اذا كانوا على إلمام بمهارات معالجة المعلومات فإنه يصبح من الضروري الالتزام بمنهج لتدريس مهارات المعلوماتية اولاً. وهناك نظرة تقول بأن هذا الجدل يؤدي إلى افتراض ان مادة المعلوماتية هي مادة مؤقتة إذ انه ماذا نفعل بها بعد ان يصبح التلامذة ممتلكين للمهارات الأساسية بدءاً من السنوات الأولى للدراسة او ما بعدها بقليل. هناك الكثير من الأنظمة التعليمية في العالم التي خاضت تجربة استخدام الكمبيوتر ببعديها كمادة وكأداة، حتى انه بالكاد يوجد اليوم بلد في العالم لا يستخدم الكمبيوتر في التعليم بصورة من الصور.
والمعلوماتية كمادة تختلف بالطبع عن بقية مواد المناهج اذ ان محتواها عرضة للتغيير السريع. فهي مثلاً ليست كالرياضيات او اللغات او التاريخ الخ، حيث تبقى المعلومات صالحة في مثل هذه المواد لفترة أطول . فالمعلومات في مادة المعلوماتية تتغّير بشكل عميق كل ثلاث سنوات. لذلك فمن الضروري اعتماد آلية متحركة عند إعداد محتوى مادة المعلوماتية بحيث يمكن تغييرها بشكل متواصل. ان محتوى مادة المعلوماتية الذي تم اعداده خلال العام ١٩٩٦ ونشر عام ١٩٩٧ من قبل المركز التربوي للبحوث والانماء في لبنان لم يعد صالحاً اليوم وهناك حاجة ملحة لتعديله وتحضير مواد جديدة تنشر عبر الإنترنت والأقراص المكثفة (cd-roms) بدل الكتب لاتاحة تبديل المحتوى بشكل مستمر.

مكتبة في قرص مكثّف

 

 

 

وتبقى القضية الأهم هي تأمين أجهزة كمبيوتر مناسبة في المدارس مع شبكات لتوصيل المعلومات ضمن المدرسة واتصال خارجي على الأقل عبر خطوط الهاتف. وهناك حلول فعاّلة يمكن بواسطتها اتاحة الفرصة لكل تلميذ في المدارس الرسمية او غيرها بل وحتى إجراء امتحانات وتمارين وتنفيذ مشاريع من قبل التلامذة والمعلمين وبكلفة معقولة جداً، فإن كلفة نظام للمعلوماتية يتيح إجراء امتحانات في مختلف المواد والتعليم واتمام المشاريع التعليمية في ٢٠٠ مدرسة لن تزيد عن كلفة بناء جسر واحد على خط سريع على سبيل المثال . هناك مصلحة قصوى للبنان وبشكل عام للتركيز على استنهاض صناعة معلوماتية متقدمة والمكان المناسب للبدء بذلك هو المدارس لتهيئة الأجيال الصاعدة للانخراط بهكذا صناعة.

دور الكمبيوتر في التربية : مادّة أم أداة

د. حسين منيف ياغي أستاذ المعلوماتية في التعليم الجامعة الأميركية - بيروت

دور الكمبيوتر في التربية : مادّة أم أداة

التعريف الوظيفي للكمبيوتر هو انه الأداة العصرية لمعالجة المعلومات (Modern Information Processing Tool)، والمفهوم الحديث للمعلومات هي أنها كل ما ينتجه او يستوعبه العقل البشري، ويشمل ذلك اللغة بأشكالها المكتوبة والمسموعة والأرقام والصور الجامدة والمتحركة والأفلام إضافة إلى الأصوات والإيقاعات وغيرها. والبعض يضيف الروائح وردود الفعل الصادرة عن اللمس إلى مفهوم المعلومات. وبذلك يصبح المفهوم الشمولي للمعلومات هي كل ما يصل الى العقل البشري أو يولده العقل من أفكار وأحاسيس ويعبّر عنه الإنسان بواسطة أجزاء مختلفة من الجسم.

 

 

لا تقتصر تقنيات نقل المعلومات وتخزينها والتداول بها على الكمبيوتر، فالكتاب وكل أشكال الطباعة والكتابة والرسم والتصوير هي تقنيات لتخزين المعلومات ونقلها من مكان الى آخر والتداول بها. حتى الألواح الحجرية او الطينية التي استعملها القدماء هي وسائل لحفظ المعلومات والتداول بها. والميزة الأساسية لهذه التقنيات التقليدية هي أنها تتعامل مع المعلومات بشكل جامد، أما الكمبيوتر فإن لديه القدرة على التعامل مع المعلومات بشكل أسرع واشمل واكثر ليونة. فمقارنة بسيطة بين الكمبيوتر والكتاب تظهر أنه يلزمنا وقت طويل لإنتاج كتاب ثم نقله وتوزيعه إضافة إلى أننا لا نستطيع ان نضع في الكتاب إلا نصوصاً وعدداً محدوداً من الصور الجامدة. بينما يمكننا إنتاج النصوص وتوزيعها عن طريق الكمبيوتر وشبكات الاتصال بشكل أسرع بما لا يقاس، إضافة الى إمكانية عرض عددٍ اكبر من الصور والتي تشمل صوراً متحركة وأفلاماً
وأصواتاً للنص المنتج على الكمبيوتر. واذا ما شئنا التعديل في النص فيمكننا فعل ذلك بوقت وجيز على الكمبيوتر بينما يتطلب التعديل في نص الكتاب إعادة إنتاج الكتاب بكامله. ولكن للكتاب عناصر قوة لا يملكها الكمبيوتر من جهة ثانية. فالكتاب أقل ثمناً وأكثر ملاءمة للقراءة وهو أخف
وزناً ولا يتطلب كهرباء. وبالتالي فإن الدعوة إلى استبدال الكتاب بالكمبيوتر بشكل كلّي هي دعوة غير عملية، كما ان الدعوة إلى عدم استخدام الكمبيوتر بشكل كلّي في التربية هي نظرة قاصرة وبعيدة عن روح العصر. فالحل العملي هو دراسة الوضع وتحديد الأماكن التي يمكننا فيها الاكتفاء بالكتاب والأماكن التي تتطلب استعمال الكمبيوتر في مختلف مواد المناهج.

الكمبيوتر - الدماغ الالكتروني

 

 

 


بما أن الكمبيوتر هو أداة معالجة المعلومات فإنه يصبح بالضرورة أداة تربوية لان المعلومات هي جزء أساسي في العملية التربوية. هي من ناحية الجسر الذي نصل بواسطته الى عقل المتعلم، وهي هدف بحد ذاتها من ناحية ثانية. ولذلك فإن اختيار الوسيط الذي ينقل المعلومات بالشكل الأمثل يشكل محوراً اساسياً في التربية. فلو أنه أصبح بإمكاننا تحديد المواضيع التي يجب ان يستخدم فيها الكمبيوتر في المنهج فتبرز حينئذ مجموعة من التساؤلات حول توافر الأجهزة والشبكات وخبرة المعلمين وقدرة التلامذة على استخدام الكمبيوتر ونوعية البرامج ومستوى الدعم اللازم من قبل الادارة المركزية.
لذلك نشأت استراتيجيتان للتعامل مع الكمبيوتر في التربية، الاولى هي اعتبار المهارات الحاسوبية المتوجب تملكها من قبل المتعلمين مادة بحد ذاتها، أي انه يجب على النظام التعليمي إتاحة الفرصة أمام المتعلمين كي يكتسبوا المهارات الأساسية في معالجة المعلومات من خلال تكريس وقت معين ومادة وأجهزة لهذا الغرض. من هنا نشأ منهج مادة المعلوماتية والتي بادر المركز التربوي للبحوث والإنماء الى استحداثها كمادة في المناهج الجديدة، ولكن ولاسباب كثيرة انطلقت هذه المادة بشكل متعثّر بالرغم من وجود منهج محدد وكتب تمّ تأليفها لهذا الغرض.

أما الاستراتيجية الثانية فهي استخدام تكنولوجيا معالجة المعلومات كوسيط لتوصيل المعلومات للمتعلمين والتعامل معها بشكل إبداعي يناسب مساحة المناهج في مختلف المواد. وبما انه لا يمكن للتلاميذ ان يستخدموا الكمبيوتر في مختلف المواد الا اذا كانوا على إلمام بمهارات معالجة المعلومات فإنه يصبح من الضروري الالتزام بمنهج لتدريس مهارات المعلوماتية اولاً. وهناك نظرة تقول بأن هذا الجدل يؤدي إلى افتراض ان مادة المعلوماتية هي مادة مؤقتة إذ انه ماذا نفعل بها بعد ان يصبح التلامذة ممتلكين للمهارات الأساسية بدءاً من السنوات الأولى للدراسة او ما بعدها بقليل. هناك الكثير من الأنظمة التعليمية في العالم التي خاضت تجربة استخدام الكمبيوتر ببعديها كمادة وكأداة، حتى انه بالكاد يوجد اليوم بلد في العالم لا يستخدم الكمبيوتر في التعليم بصورة من الصور.
والمعلوماتية كمادة تختلف بالطبع عن بقية مواد المناهج اذ ان محتواها عرضة للتغيير السريع. فهي مثلاً ليست كالرياضيات او اللغات او التاريخ الخ، حيث تبقى المعلومات صالحة في مثل هذه المواد لفترة أطول . فالمعلومات في مادة المعلوماتية تتغّير بشكل عميق كل ثلاث سنوات. لذلك فمن الضروري اعتماد آلية متحركة عند إعداد محتوى مادة المعلوماتية بحيث يمكن تغييرها بشكل متواصل. ان محتوى مادة المعلوماتية الذي تم اعداده خلال العام ١٩٩٦ ونشر عام ١٩٩٧ من قبل المركز التربوي للبحوث والانماء في لبنان لم يعد صالحاً اليوم وهناك حاجة ملحة لتعديله وتحضير مواد جديدة تنشر عبر الإنترنت والأقراص المكثفة (cd-roms) بدل الكتب لاتاحة تبديل المحتوى بشكل مستمر.

مكتبة في قرص مكثّف

 

 

 

وتبقى القضية الأهم هي تأمين أجهزة كمبيوتر مناسبة في المدارس مع شبكات لتوصيل المعلومات ضمن المدرسة واتصال خارجي على الأقل عبر خطوط الهاتف. وهناك حلول فعاّلة يمكن بواسطتها اتاحة الفرصة لكل تلميذ في المدارس الرسمية او غيرها بل وحتى إجراء امتحانات وتمارين وتنفيذ مشاريع من قبل التلامذة والمعلمين وبكلفة معقولة جداً، فإن كلفة نظام للمعلوماتية يتيح إجراء امتحانات في مختلف المواد والتعليم واتمام المشاريع التعليمية في ٢٠٠ مدرسة لن تزيد عن كلفة بناء جسر واحد على خط سريع على سبيل المثال . هناك مصلحة قصوى للبنان وبشكل عام للتركيز على استنهاض صناعة معلوماتية متقدمة والمكان المناسب للبدء بذلك هو المدارس لتهيئة الأجيال الصاعدة للانخراط بهكذا صناعة.

دور الكمبيوتر في التربية : مادّة أم أداة

د. حسين منيف ياغي أستاذ المعلوماتية في التعليم الجامعة الأميركية - بيروت

دور الكمبيوتر في التربية : مادّة أم أداة

التعريف الوظيفي للكمبيوتر هو انه الأداة العصرية لمعالجة المعلومات (Modern Information Processing Tool)، والمفهوم الحديث للمعلومات هي أنها كل ما ينتجه او يستوعبه العقل البشري، ويشمل ذلك اللغة بأشكالها المكتوبة والمسموعة والأرقام والصور الجامدة والمتحركة والأفلام إضافة إلى الأصوات والإيقاعات وغيرها. والبعض يضيف الروائح وردود الفعل الصادرة عن اللمس إلى مفهوم المعلومات. وبذلك يصبح المفهوم الشمولي للمعلومات هي كل ما يصل الى العقل البشري أو يولده العقل من أفكار وأحاسيس ويعبّر عنه الإنسان بواسطة أجزاء مختلفة من الجسم.

 

 

لا تقتصر تقنيات نقل المعلومات وتخزينها والتداول بها على الكمبيوتر، فالكتاب وكل أشكال الطباعة والكتابة والرسم والتصوير هي تقنيات لتخزين المعلومات ونقلها من مكان الى آخر والتداول بها. حتى الألواح الحجرية او الطينية التي استعملها القدماء هي وسائل لحفظ المعلومات والتداول بها. والميزة الأساسية لهذه التقنيات التقليدية هي أنها تتعامل مع المعلومات بشكل جامد، أما الكمبيوتر فإن لديه القدرة على التعامل مع المعلومات بشكل أسرع واشمل واكثر ليونة. فمقارنة بسيطة بين الكمبيوتر والكتاب تظهر أنه يلزمنا وقت طويل لإنتاج كتاب ثم نقله وتوزيعه إضافة إلى أننا لا نستطيع ان نضع في الكتاب إلا نصوصاً وعدداً محدوداً من الصور الجامدة. بينما يمكننا إنتاج النصوص وتوزيعها عن طريق الكمبيوتر وشبكات الاتصال بشكل أسرع بما لا يقاس، إضافة الى إمكانية عرض عددٍ اكبر من الصور والتي تشمل صوراً متحركة وأفلاماً
وأصواتاً للنص المنتج على الكمبيوتر. واذا ما شئنا التعديل في النص فيمكننا فعل ذلك بوقت وجيز على الكمبيوتر بينما يتطلب التعديل في نص الكتاب إعادة إنتاج الكتاب بكامله. ولكن للكتاب عناصر قوة لا يملكها الكمبيوتر من جهة ثانية. فالكتاب أقل ثمناً وأكثر ملاءمة للقراءة وهو أخف
وزناً ولا يتطلب كهرباء. وبالتالي فإن الدعوة إلى استبدال الكتاب بالكمبيوتر بشكل كلّي هي دعوة غير عملية، كما ان الدعوة إلى عدم استخدام الكمبيوتر بشكل كلّي في التربية هي نظرة قاصرة وبعيدة عن روح العصر. فالحل العملي هو دراسة الوضع وتحديد الأماكن التي يمكننا فيها الاكتفاء بالكتاب والأماكن التي تتطلب استعمال الكمبيوتر في مختلف مواد المناهج.

الكمبيوتر - الدماغ الالكتروني

 

 

 


بما أن الكمبيوتر هو أداة معالجة المعلومات فإنه يصبح بالضرورة أداة تربوية لان المعلومات هي جزء أساسي في العملية التربوية. هي من ناحية الجسر الذي نصل بواسطته الى عقل المتعلم، وهي هدف بحد ذاتها من ناحية ثانية. ولذلك فإن اختيار الوسيط الذي ينقل المعلومات بالشكل الأمثل يشكل محوراً اساسياً في التربية. فلو أنه أصبح بإمكاننا تحديد المواضيع التي يجب ان يستخدم فيها الكمبيوتر في المنهج فتبرز حينئذ مجموعة من التساؤلات حول توافر الأجهزة والشبكات وخبرة المعلمين وقدرة التلامذة على استخدام الكمبيوتر ونوعية البرامج ومستوى الدعم اللازم من قبل الادارة المركزية.
لذلك نشأت استراتيجيتان للتعامل مع الكمبيوتر في التربية، الاولى هي اعتبار المهارات الحاسوبية المتوجب تملكها من قبل المتعلمين مادة بحد ذاتها، أي انه يجب على النظام التعليمي إتاحة الفرصة أمام المتعلمين كي يكتسبوا المهارات الأساسية في معالجة المعلومات من خلال تكريس وقت معين ومادة وأجهزة لهذا الغرض. من هنا نشأ منهج مادة المعلوماتية والتي بادر المركز التربوي للبحوث والإنماء الى استحداثها كمادة في المناهج الجديدة، ولكن ولاسباب كثيرة انطلقت هذه المادة بشكل متعثّر بالرغم من وجود منهج محدد وكتب تمّ تأليفها لهذا الغرض.

أما الاستراتيجية الثانية فهي استخدام تكنولوجيا معالجة المعلومات كوسيط لتوصيل المعلومات للمتعلمين والتعامل معها بشكل إبداعي يناسب مساحة المناهج في مختلف المواد. وبما انه لا يمكن للتلاميذ ان يستخدموا الكمبيوتر في مختلف المواد الا اذا كانوا على إلمام بمهارات معالجة المعلومات فإنه يصبح من الضروري الالتزام بمنهج لتدريس مهارات المعلوماتية اولاً. وهناك نظرة تقول بأن هذا الجدل يؤدي إلى افتراض ان مادة المعلوماتية هي مادة مؤقتة إذ انه ماذا نفعل بها بعد ان يصبح التلامذة ممتلكين للمهارات الأساسية بدءاً من السنوات الأولى للدراسة او ما بعدها بقليل. هناك الكثير من الأنظمة التعليمية في العالم التي خاضت تجربة استخدام الكمبيوتر ببعديها كمادة وكأداة، حتى انه بالكاد يوجد اليوم بلد في العالم لا يستخدم الكمبيوتر في التعليم بصورة من الصور.
والمعلوماتية كمادة تختلف بالطبع عن بقية مواد المناهج اذ ان محتواها عرضة للتغيير السريع. فهي مثلاً ليست كالرياضيات او اللغات او التاريخ الخ، حيث تبقى المعلومات صالحة في مثل هذه المواد لفترة أطول . فالمعلومات في مادة المعلوماتية تتغّير بشكل عميق كل ثلاث سنوات. لذلك فمن الضروري اعتماد آلية متحركة عند إعداد محتوى مادة المعلوماتية بحيث يمكن تغييرها بشكل متواصل. ان محتوى مادة المعلوماتية الذي تم اعداده خلال العام ١٩٩٦ ونشر عام ١٩٩٧ من قبل المركز التربوي للبحوث والانماء في لبنان لم يعد صالحاً اليوم وهناك حاجة ملحة لتعديله وتحضير مواد جديدة تنشر عبر الإنترنت والأقراص المكثفة (cd-roms) بدل الكتب لاتاحة تبديل المحتوى بشكل مستمر.

مكتبة في قرص مكثّف

 

 

 

وتبقى القضية الأهم هي تأمين أجهزة كمبيوتر مناسبة في المدارس مع شبكات لتوصيل المعلومات ضمن المدرسة واتصال خارجي على الأقل عبر خطوط الهاتف. وهناك حلول فعاّلة يمكن بواسطتها اتاحة الفرصة لكل تلميذ في المدارس الرسمية او غيرها بل وحتى إجراء امتحانات وتمارين وتنفيذ مشاريع من قبل التلامذة والمعلمين وبكلفة معقولة جداً، فإن كلفة نظام للمعلوماتية يتيح إجراء امتحانات في مختلف المواد والتعليم واتمام المشاريع التعليمية في ٢٠٠ مدرسة لن تزيد عن كلفة بناء جسر واحد على خط سريع على سبيل المثال . هناك مصلحة قصوى للبنان وبشكل عام للتركيز على استنهاض صناعة معلوماتية متقدمة والمكان المناسب للبدء بذلك هو المدارس لتهيئة الأجيال الصاعدة للانخراط بهكذا صناعة.