الافتتاحية

بقلم معالي وزير التربية والتعليم العالي العميد الدكتور احمد سامي منقاره

 

 

 

 

تعددت الآراء والمواقف من التربية حول دورها والمناهج المعتمدة فيها ومدى علاقة كل ذلك بالثقافة والحضارة وبالاصلاح الاجتماعي بشكل عام وببناء الإنسان بشكل خاص.
لقد رأى عدد من الباحثين أن التربية ''ظاهرة طبيعية في الجنس البشري، بمقتضاها يصبح المرء وريثاً لما كونته الإنسانية من تراث ثقافي، وأنها تتم بطريقة لا شعورية بحكم معيشة الفرد في المجتمع، وبما أنها تبدأ منذ الطفولة فإنها تتطلب دراية بنفسية الطفل من جهة وبحاجات المجتمع من جهة ثانية''.
من هنا نرى ان التربية ذات بعدين نفساني واجتماعي، وأي مجهود تربوي يغفل هذا الأمر يجعل التربية عنصر ضغط على الطفل نفسياً وعقلياً فتتسم العملية التربوية بالتعسفية، وهكذا تفقد الرابط بينها وبين المجتمع الذي يعيش فيه الطفل من جهة وببناء شخصيته من جهة ثانية. ومن المعلوم ان المجتمع يعتمد على التربية كوسيلة لاستمرار كيانه ووجوده عن طريق نقل عادات العمل والتفكير والشعور والثقافة من الكبار إلى الصغار مع كل ما يطرأ عليها من تطور وتقدم.
ولعل هذا ما يبرز الدور الطليعي الذي تقوم به التربية لخدمة المجتمع، ولكي تؤدي التربية هذا الدور على الوجه الأمثل عليها أن تجعل من الحياة الاجتماعية المحور الأساس الذي تقوم عليه العملية التربوية.
من هنا تأتي الصورة التي يجب ان تكون عليها المدرسة باعتبارها الأداة التي تعين التربية على تحقيق أهدافها وغايتها، بحيث لا تعود مكاناً معداً لصب المعلومات وحشرها في عقول التلاميذ وأدمغتهم، بل ان تكون نموذجاً تتمثل فيه الحياة الحاضرة التي تشبه في واقعيتها وأهميتها للطفل حياته في البيت والمجتمع الذي يعيش فيه.
فالمدرسة التي تكون صورة للحياة الاجتماعية تمكن التربية من ان تكون بطريقة مباشرة العنصر الأساسي في عملية الإصلاح الاجتماعي والتقدم الإنساني وبناء الإنسان، ذلك ان أي إصلاح يعتمد على الرهبة من العقوبات او يرتكز على التغيير في الشكل دون الجوهر، هو إصلاح عارض ليس له اية قيمة وسرعان ما ينهار عند اول مناسبة تضعف فيها القوى الضاغطة التي حققته.
ان اعتماد هذا النموذج للمدرسة يجعلها قادرة على تحقيق ما هو مطلوب منها في الحياة، في واقع المجتمع بمشاكله وتطلعاته نحو المستقبل، ذلك ان تدريب كل طفل على ان يكون عضواً داخل جماعته الصغيرة يعمل مع اقرانه مشبعاً بروح المحبة والتعاون والخدمة العامة، يجعل المجتمع مطمئناً الى انه سيحصل على المواطن الذي يحتاج اليه لتحقيق نموه وازدهاره وتقدمه.
ان هذا المنحى لن يُبقي المدرسة في مفهومها التقليدي القديم وسيلة للمحافظة على التراث، بل سيجعل منها الأداة التي تحقق وظيفتها التجديدية والإبداعية بما يكفل للمجتمع تطوره وللحضارة استمرار مسيرتها في خدمة الإنسانية.
من هنا تأتي أهمية المناهج التربوية لأنها تمثل جوهر العملية التربوية بحيث لا يكون محتواها مجرد مقرر يحتويه كتاب مدرسي، بل ان تكون المناهج مجموعة خبرات يعيشها الطالب داخل المدرسة وخارجها تحت إشراف وتوجيه المدرسة.
وتجديد المناهج بصورة دائمة هو شرط أساسي لاعتماد هذا المفهوم للمدرسة، ذلك ان المعارف القديمة تواجه دائماً الظروف الجديدة فتتفاعل معها فيتولد عن ذلك معارف جديدة، وهكذا تتراكم الثقافة في عملية تكريرية تتكون من خلالها أساليب جديدة يجري إتقانها، فتزداد الكفاية وينمو الذكاء الاجتماعي وبالتالي ينمو ذكاء الفرد عن طريق مشاركته في اكتساب المحصول الثقافي الجديد.
من هذا المنطلق تبدو لنا أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق المركز التربوي للبحوث والإنماء في اعتماده للمفاهيم الحديثة في وضع المناهج التربوية، والتي تعلق عليها الآمال في بناء جيل لبنان المستقبل القادر على مواجهة التحديات التي يزداد حجمها يوماً بعد يوم في ظل العولمة والتقدم التكنولوجي في عصرنا الحاضر، فهل هو مدرك لدوره؟ وهل يكون على مستوى التحدي؟ هذا ما سيجيب عنه عند انتهائه من تطوير المناهج الجديدة التي يجب ان تعكس دور التربية على الشكل الذي عرضناه
.

الافتتاحية

بقلم معالي وزير التربية والتعليم العالي العميد الدكتور احمد سامي منقاره

 

 

 

 

تعددت الآراء والمواقف من التربية حول دورها والمناهج المعتمدة فيها ومدى علاقة كل ذلك بالثقافة والحضارة وبالاصلاح الاجتماعي بشكل عام وببناء الإنسان بشكل خاص.
لقد رأى عدد من الباحثين أن التربية ''ظاهرة طبيعية في الجنس البشري، بمقتضاها يصبح المرء وريثاً لما كونته الإنسانية من تراث ثقافي، وأنها تتم بطريقة لا شعورية بحكم معيشة الفرد في المجتمع، وبما أنها تبدأ منذ الطفولة فإنها تتطلب دراية بنفسية الطفل من جهة وبحاجات المجتمع من جهة ثانية''.
من هنا نرى ان التربية ذات بعدين نفساني واجتماعي، وأي مجهود تربوي يغفل هذا الأمر يجعل التربية عنصر ضغط على الطفل نفسياً وعقلياً فتتسم العملية التربوية بالتعسفية، وهكذا تفقد الرابط بينها وبين المجتمع الذي يعيش فيه الطفل من جهة وببناء شخصيته من جهة ثانية. ومن المعلوم ان المجتمع يعتمد على التربية كوسيلة لاستمرار كيانه ووجوده عن طريق نقل عادات العمل والتفكير والشعور والثقافة من الكبار إلى الصغار مع كل ما يطرأ عليها من تطور وتقدم.
ولعل هذا ما يبرز الدور الطليعي الذي تقوم به التربية لخدمة المجتمع، ولكي تؤدي التربية هذا الدور على الوجه الأمثل عليها أن تجعل من الحياة الاجتماعية المحور الأساس الذي تقوم عليه العملية التربوية.
من هنا تأتي الصورة التي يجب ان تكون عليها المدرسة باعتبارها الأداة التي تعين التربية على تحقيق أهدافها وغايتها، بحيث لا تعود مكاناً معداً لصب المعلومات وحشرها في عقول التلاميذ وأدمغتهم، بل ان تكون نموذجاً تتمثل فيه الحياة الحاضرة التي تشبه في واقعيتها وأهميتها للطفل حياته في البيت والمجتمع الذي يعيش فيه.
فالمدرسة التي تكون صورة للحياة الاجتماعية تمكن التربية من ان تكون بطريقة مباشرة العنصر الأساسي في عملية الإصلاح الاجتماعي والتقدم الإنساني وبناء الإنسان، ذلك ان أي إصلاح يعتمد على الرهبة من العقوبات او يرتكز على التغيير في الشكل دون الجوهر، هو إصلاح عارض ليس له اية قيمة وسرعان ما ينهار عند اول مناسبة تضعف فيها القوى الضاغطة التي حققته.
ان اعتماد هذا النموذج للمدرسة يجعلها قادرة على تحقيق ما هو مطلوب منها في الحياة، في واقع المجتمع بمشاكله وتطلعاته نحو المستقبل، ذلك ان تدريب كل طفل على ان يكون عضواً داخل جماعته الصغيرة يعمل مع اقرانه مشبعاً بروح المحبة والتعاون والخدمة العامة، يجعل المجتمع مطمئناً الى انه سيحصل على المواطن الذي يحتاج اليه لتحقيق نموه وازدهاره وتقدمه.
ان هذا المنحى لن يُبقي المدرسة في مفهومها التقليدي القديم وسيلة للمحافظة على التراث، بل سيجعل منها الأداة التي تحقق وظيفتها التجديدية والإبداعية بما يكفل للمجتمع تطوره وللحضارة استمرار مسيرتها في خدمة الإنسانية.
من هنا تأتي أهمية المناهج التربوية لأنها تمثل جوهر العملية التربوية بحيث لا يكون محتواها مجرد مقرر يحتويه كتاب مدرسي، بل ان تكون المناهج مجموعة خبرات يعيشها الطالب داخل المدرسة وخارجها تحت إشراف وتوجيه المدرسة.
وتجديد المناهج بصورة دائمة هو شرط أساسي لاعتماد هذا المفهوم للمدرسة، ذلك ان المعارف القديمة تواجه دائماً الظروف الجديدة فتتفاعل معها فيتولد عن ذلك معارف جديدة، وهكذا تتراكم الثقافة في عملية تكريرية تتكون من خلالها أساليب جديدة يجري إتقانها، فتزداد الكفاية وينمو الذكاء الاجتماعي وبالتالي ينمو ذكاء الفرد عن طريق مشاركته في اكتساب المحصول الثقافي الجديد.
من هذا المنطلق تبدو لنا أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق المركز التربوي للبحوث والإنماء في اعتماده للمفاهيم الحديثة في وضع المناهج التربوية، والتي تعلق عليها الآمال في بناء جيل لبنان المستقبل القادر على مواجهة التحديات التي يزداد حجمها يوماً بعد يوم في ظل العولمة والتقدم التكنولوجي في عصرنا الحاضر، فهل هو مدرك لدوره؟ وهل يكون على مستوى التحدي؟ هذا ما سيجيب عنه عند انتهائه من تطوير المناهج الجديدة التي يجب ان تعكس دور التربية على الشكل الذي عرضناه
.

الافتتاحية

بقلم معالي وزير التربية والتعليم العالي العميد الدكتور احمد سامي منقاره

 

 

 

 

تعددت الآراء والمواقف من التربية حول دورها والمناهج المعتمدة فيها ومدى علاقة كل ذلك بالثقافة والحضارة وبالاصلاح الاجتماعي بشكل عام وببناء الإنسان بشكل خاص.
لقد رأى عدد من الباحثين أن التربية ''ظاهرة طبيعية في الجنس البشري، بمقتضاها يصبح المرء وريثاً لما كونته الإنسانية من تراث ثقافي، وأنها تتم بطريقة لا شعورية بحكم معيشة الفرد في المجتمع، وبما أنها تبدأ منذ الطفولة فإنها تتطلب دراية بنفسية الطفل من جهة وبحاجات المجتمع من جهة ثانية''.
من هنا نرى ان التربية ذات بعدين نفساني واجتماعي، وأي مجهود تربوي يغفل هذا الأمر يجعل التربية عنصر ضغط على الطفل نفسياً وعقلياً فتتسم العملية التربوية بالتعسفية، وهكذا تفقد الرابط بينها وبين المجتمع الذي يعيش فيه الطفل من جهة وببناء شخصيته من جهة ثانية. ومن المعلوم ان المجتمع يعتمد على التربية كوسيلة لاستمرار كيانه ووجوده عن طريق نقل عادات العمل والتفكير والشعور والثقافة من الكبار إلى الصغار مع كل ما يطرأ عليها من تطور وتقدم.
ولعل هذا ما يبرز الدور الطليعي الذي تقوم به التربية لخدمة المجتمع، ولكي تؤدي التربية هذا الدور على الوجه الأمثل عليها أن تجعل من الحياة الاجتماعية المحور الأساس الذي تقوم عليه العملية التربوية.
من هنا تأتي الصورة التي يجب ان تكون عليها المدرسة باعتبارها الأداة التي تعين التربية على تحقيق أهدافها وغايتها، بحيث لا تعود مكاناً معداً لصب المعلومات وحشرها في عقول التلاميذ وأدمغتهم، بل ان تكون نموذجاً تتمثل فيه الحياة الحاضرة التي تشبه في واقعيتها وأهميتها للطفل حياته في البيت والمجتمع الذي يعيش فيه.
فالمدرسة التي تكون صورة للحياة الاجتماعية تمكن التربية من ان تكون بطريقة مباشرة العنصر الأساسي في عملية الإصلاح الاجتماعي والتقدم الإنساني وبناء الإنسان، ذلك ان أي إصلاح يعتمد على الرهبة من العقوبات او يرتكز على التغيير في الشكل دون الجوهر، هو إصلاح عارض ليس له اية قيمة وسرعان ما ينهار عند اول مناسبة تضعف فيها القوى الضاغطة التي حققته.
ان اعتماد هذا النموذج للمدرسة يجعلها قادرة على تحقيق ما هو مطلوب منها في الحياة، في واقع المجتمع بمشاكله وتطلعاته نحو المستقبل، ذلك ان تدريب كل طفل على ان يكون عضواً داخل جماعته الصغيرة يعمل مع اقرانه مشبعاً بروح المحبة والتعاون والخدمة العامة، يجعل المجتمع مطمئناً الى انه سيحصل على المواطن الذي يحتاج اليه لتحقيق نموه وازدهاره وتقدمه.
ان هذا المنحى لن يُبقي المدرسة في مفهومها التقليدي القديم وسيلة للمحافظة على التراث، بل سيجعل منها الأداة التي تحقق وظيفتها التجديدية والإبداعية بما يكفل للمجتمع تطوره وللحضارة استمرار مسيرتها في خدمة الإنسانية.
من هنا تأتي أهمية المناهج التربوية لأنها تمثل جوهر العملية التربوية بحيث لا يكون محتواها مجرد مقرر يحتويه كتاب مدرسي، بل ان تكون المناهج مجموعة خبرات يعيشها الطالب داخل المدرسة وخارجها تحت إشراف وتوجيه المدرسة.
وتجديد المناهج بصورة دائمة هو شرط أساسي لاعتماد هذا المفهوم للمدرسة، ذلك ان المعارف القديمة تواجه دائماً الظروف الجديدة فتتفاعل معها فيتولد عن ذلك معارف جديدة، وهكذا تتراكم الثقافة في عملية تكريرية تتكون من خلالها أساليب جديدة يجري إتقانها، فتزداد الكفاية وينمو الذكاء الاجتماعي وبالتالي ينمو ذكاء الفرد عن طريق مشاركته في اكتساب المحصول الثقافي الجديد.
من هذا المنطلق تبدو لنا أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق المركز التربوي للبحوث والإنماء في اعتماده للمفاهيم الحديثة في وضع المناهج التربوية، والتي تعلق عليها الآمال في بناء جيل لبنان المستقبل القادر على مواجهة التحديات التي يزداد حجمها يوماً بعد يوم في ظل العولمة والتقدم التكنولوجي في عصرنا الحاضر، فهل هو مدرك لدوره؟ وهل يكون على مستوى التحدي؟ هذا ما سيجيب عنه عند انتهائه من تطوير المناهج الجديدة التي يجب ان تعكس دور التربية على الشكل الذي عرضناه
.