مفهوم المواطنية* في أعمال الأخوين رحباني

مفهوم المواطنية في أعمال الأخوين رحبانيمشهد من المسرح الرحبانيّ

الفرد عضو يشارك في الجماعة
إحدى غايات التربية هي فردَنة الاجتماعي

 

كلمات بسيطة ومختصرة للكاتب والصحافي عقل العويط اختصرت إشكاليات الرحابنة الثلاثة:

1ـ إشكالية الفرد والثنائي والجماعة.

2ـ إشكالية المدرسة اللبنانية الحديثة والمواطنية والتنشئة الإنسانية.

3ـ إشكالية "الحالة" في المناخ الإبداعي ليس في الموسيقى والأغنية والشعر فحسب وإنما في ما يتعدى هذا ... إلى كيفية كينونة الحياة نفسها وأسرارها...

 من يعرف أين يبدأ عاصي وأين ينتهي، وأين يبدأ منصور وأين ينتهي؟

العمل الإبداعي عند الأخوين رحباني يتميز بأنه عمل جماعي فالرحابنة "جماعة" بمفهوم علم الإجتماع. وهذا ما يضيف إلى العمل الخلاّق صفة "الحالة" التي تتعالى عن الأنانية والفردية وتدوم لأنها مدرسة لبنانية حديثة لها رسالة مقدسة...

شجرة الأرزيعترف منصور الرحباني: "أنا وعاصي اثنان في واحد: عشنا معاً، وعملنا معاً، وسنموت معاً، ومعاً سنسكن مع ساكن العالي"

 لقد تأثر الرحابنة بتربية شعبية فريدة كانت ذات توجيه نحو دراسة الفولكلور اللبناني وتطويره بمضمونه  التراثي الشامل...

فقد تربيا على خبريات الجدة والأساطير الشعبية ومغامرات القبضايات فانغمسا باكراً في خبايا التراث وكنوزه وأبيا إلا أن يحوِّلاه رسالة و"حالة"...

ففي "سهرة حب" يغني وديع الصافي اعتزازه بهويته "أنا من بلد الحكايات المحكية عالمجد، المبنية عالإلفه"...

     وفي "عودة العسكر" يظهر جلياً الاعتذار بلبنان  الوطن:

"ويا لبنان بحبك                    ت تخلص الدنيي

تلجك المحبة                       وشمسك الحريه

وطني يا حكايه                    بالعز مضوايه.."

 

كما يظهر الفخر بالمواسم والنتاج الوطني:

"حرير من الذوق      مشالح عكارية

عسل من ميفوق       خناجر جزينيه

تفاح الجرد العالي     وخوابي زحلاويه

من صور لصيدا      لحد القلمون

حكايات الشواطي      وزهر الليمون

من بيروت العظيمه   كتب مجد القديمه"

أما في "رحيل الآلهة" فيأتي المدح بمدينة الآلهة  كالآتي:

"بعلبك  ...                        يا قصة عزّ عليانه

 بالبال حليانه                  يا معمرّه بقلوب وغناني"...

وطن مواسم مدن وعادات وتقاليد والعاب وأعياد تسترجع الذاكرة الجماعية وتقوّي الرباط الاجتماعي لذا فالرحابنة يستذكرون الألعاب التراثية في "دواليب لهوا":

                           "القصة وما فيها

إنو كل ضيعه لها عيد                         بدنا لهالضيعه نعمل عيد

ونسمي شي اسم جديد                        ما بيسوى ضيعه بلا عيد

عيد دواليب الهوا                             ويصير لنا يوم

ع القليله يوم                                 نرجع فيه ولادْ                       

نرجع للطفوله                               ونفرح بالأعياد..."

 

لقد عرفت المدرسة الرحبانية أن التربية الوطنية تدور حول حب الأرض والتشبّث بها والاعتزاز بالوطن إلى حد العبادة.

وعلى سبيل المثال ففي "الربيع السابع" وعلى لسان الجوقة التي تمثل عند الرحابنة الضمير الجماعيLa conscience collective   وتنطق باسم الفئات المحروقة:

"لا الكلمة انزاحت                 ولا الصخر انزاح

 ونحنا رح نبقى هون             مش راح نترك من هون

البداية والنهاية                     والعمر كله هون ..."

إن الوطن الرحباني ليس الأرض فقط بل الإنسان هو المحور فرداً كان أم جماعة. فالمفاضلة بين الشعب والأرض جلية في حوار "ناطورة المفاتيح ":

" صار بدك البيوت والأرض،          

   تركولك ياهن وراحو

       شو نفع البيوت بلا ناس؟

                     هلق عرفت قيمة الناس؟،     

                                  كانوا يروحو رخاص عندك..."

 

''التربية المواطنية هي تشكيل المواطن وتنميته انطلاقاً
من تصور فلسفيّ لماهية المواطن ومن واقع التجربة في
حياة الجماعة الوطنية، ووجودها السياسي،'' وفلسفة
التربية المواطنية ''تدور حول مفهوم المواطن أي
الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة ينتسب إليها،
يتفاعل معها، يرتبط بها بجملة مصالح مادية ومعنوية
بطريقة استمرارية وتفاعل ديناميكي.''

لقد وعت مدرسة الرحابنة أن الوطنية ظاهرة نفسية اجتماعية، قوامها حب الوطن أرضاً وشعباً، تدور على التعلق بالجماعة الوطنية وأرضها ومصلحتها وتراثها والاندماج في مصيرها...

وإذ بها تعنى بتنمية الشعور الوطني وتغذية الولاء الوطني في نفوس أفراد الجماعة وتتفاعل مع ظروف وحاجاته وتراثه وأنظمته وتطلعاته...                                       

يقول معالي الوزير زياد إنه جميل أن نتغنّى بوطننا، بأرزه وتراثه وتقاليده وعاداته التي نحبها... لكنها ليست المواطنية... فالمواطنية طريقة حياة وممارسة يومية لحقوق يقابلها واجبات...

ان المدرسة الرحبانية بأساليبها الفعّالة التي تلج إلى الأذهان والقلوب تتناول مفاهيم حقوقية متعلقة بالمواطنة الحقة، والتي هي ظاهرة محورها الفرد من حيث هو عضو مشارك في الجماعة وخاضع لنظام محدد من الحقوق والواجبات.

وكأن الرحابنة تبنوا تحديد ناصيف نصّار للتربية المواطنية على "أنها تشكيل المواطن وتنميته انطلاقاً من تصور فلسفيّ لماهية المواطن ومن واقع التجربة في حياة الجماعة الوطنية، ووجودها السياسي،" وفلسفة التربية المواطنية التي "تدور حول مفهوم المواطن أي الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة ينتسب إليها، يتفاعل معها، يرتبط بها بجملة مصالح مادية ومعنوية بطريقة استمرارية وتفاعل ديناميكي".

فالبطل كالمواطن كائن معنوي ينبغي صنعه إنه يولد مواطناً بالقوة (En puisance)، أما التربية المواطنية فتحوله إلى مواطن بالفعل (De fait). إن مفهوم المواطنية في المدرسة الرحبانية ذو أبعاد لا تطال بالزمان والمكان، والشريط التاريخي الذي عرض فيها تطوري بدءًا بأليسار أو ديدون (المسرحية التي لم تنشر) التي رفضت الطغيان وآمنت بالحرية مروراً بسقراط (لمنصور الرحباني) شهيد الحقيقة وحرية الرأي وبزنوبيا (لمنصور الرحباني)، الحالمة بالتحرر مهما كان الثمن إلى بترا الرافضة للاحتلال إلى فخر الدين باني لبنان الكبير.

 فهذه الحوادث التي تمثل مراحل بطولية في تاريخنا هي التي صنعت ثقافتنا التراكمية الدينامية  المتفاعلة لا تبغي إلا تحقيق حلم الإنسانية الأكبر...

ولتحقيق الحلم تقوم معركة الحريات ضد مصادرة الحقوق بالتعبير وبالاحتفال في "ناس من ورق" وضد مصادرة الحقوق العامة في "لولو":

"العدالة كرتون الحرية كذبه. صار الحبس كبير وكل حكم بالأرض باطل"

ضد مصادرة السيادة والحرية في "زنوبيا":

"ويا أهالي تدمر                               خمس سنين من العمر

  عشتوها أحرار                                الكن سما وهويه

 واللي سكن الحريه                             يوم نهار...

ما بقى تقدر روما                             تسلب منه الحريه..."

 

  ضد العبودية في "بترا"

      يا ريت فيّي دور                          حرَّر هالعبيد

      ضوي الفرح بقلوبهن                     جبلن العيد...

أبطال المسرح الرحباني  يريدون رفع الجور والعنف  والظلم والاستبداد  والحد من الهجرة والتخفيف من السخرة وإبعاد أبطال  الرشوة والمحسوبية.

مواطن لبناني في زيّه التقليدي فالمشاركة الفعّالة في التعبير عن الاختيارات هي من أسس تقويم الأداء الديمقراطي عند الأخوين رحباني وما عملهم إلاّ مدرسة للقيم الديمقراطية: تحرير الفرد والجماعة، المشاركة والمساواة، الحرية العدالة... وإلاّ كان الانحراف نتيجة الآثار السلبية المرتبطة بالحكم الفاسد.

يتمثل القمع في "ناطورة المفاتيح" بطرق مختلفة كالحكم بالسجن والتعذيب والتهديد وكل ما يهدد الحريات وحقوق الشخصية...

إضافة إلى هذه الحقوق تطرَّق مسرح الأخوين رحباني، إضافة إلى هذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ففي "المحطة" تقتصر المطالب من رئيس البلدية على :

"أحسن شغله توعدهن              بشي خطه انمائية...

  بمدارس بالكهربا                  وبالميه توعدهن

   من عبكره                          وبتنسى من عشية"

إن بطلة "المحطة" ورده تواجه رمز النظام وتظهر ضعفه وما يعتريه من شوائب كالمحسوبية لصالح الأفراد على حساب المواطنين.

 إن الشيم والأخلاق والمسامحة لا تغيب عن "فخر الدين" بعد انتصاره على الباشا في معركة عنجر الشهيرة:

 

"ما بسألك عن موقفك منّا        لو كنا انكسرنامواطن لبناني يحمل ميزان من الحقوق والواجبات

بس منعرف شو رح              نعمل نحنا ما زال انتصرنا"

   

لقد التفَّ حول القائد الشجاع جماعة الشيوخ مصرِّحين:

"منحلف بشرفنا                                بالأرز العتيق

 بمجدنا الجايي                                بالعز اللي كان

 بكل حبة تراب                               من أرض لبنان

وبحق الإنسان                                 يتمتّع بالكرامه

                        ويعيش بأمان"

إن محور مسرح الأخوين رحباني الشخص الإنسان (La personne humaine) وهو صاحب حقوق ومسؤوليات فالحقوق هي الأساس القانوني والأخلاقي لكل إعداد مدني.

ولأن الإنسان كائن واجتماعي فإحدى غايات التربية هي، فردنة الاجتماعي (Individualiser le social  ) والتعبير لسيمون عبد المسيح،   وبناء الوجهين: الفردي والجماعي للمواطن الصالح.

 فالمواطنية هي من مركبات هوية كل فرد من خلال انتمائه (Appartenance) أو تبعيته (allégeance) وترتبط بمفهومي المساواة والعدالة اللذين يؤسسان لمجتمع ديمقراطي يضمن احترام كل فرد لحقوق الآخرين فجميع الأشخاص متساوون في الحقوق أمام القانون. والعدالة قريبة من المساواة لأنها تعني إعطاء  كل فرد ما له .

وهي غير منفصلة عن القانون والقيم وبالتالي عن الشخص الإنسانيّ.

هذه المدرسة في المواطنية لا تقف عند حد عرض هموم المواطن وصراعه مع السلطة. إنما ينبغي حلّ النزاعات بالمحبة والوفاق وانتصار قيّم التآلف والوحدة...

 إن الدعوة إلى المشاركة في تفعيل الصراع من أجل التغيير وشهر سلاح الكلمة واضح في "آخر أيام سقراط" (لمنصور الرحباني):

     "يا عالمنا القديم

     ندر علينا نتغير

     لا الحقيقة بتتخبى

     ولا الحرية بتتأخر

     ما بيوقف بوج الكلمة

     لا خيل

     ولا سيوف

     ولا عسكر "

صورة ل جبل عليه أرزة تصافح مواطن ، مكتوب على الصورة مواطن تابع سيرك     وعن "المتنبي" لمنصور الرحباني:

"الآن أعرف كم أن الكلمة قاتلة. لأجل أن يبقى هذا الشعر حياً ومتألقاً، عليّ أن أذهب إليهم وأقاتلهم، فإن قصائدي رسمت مصيري".

ولأنّ العدالة قلّت في الأرض حان وقت التغيير فزنوبيا سوف تقاوم أكبر امبراطورية:

 

"أنا أوّل صرخة حريه

من هذي الأرض العربية

إنا أقول "لا" في وجه الظلم

وهبت دمي للحريه!!!

إن حلم الأخوين رحباني بالديمقراطية، ليس بعيداً عن المنال فهو يحكي:

"عن مدينة ببالي                   بتلمع مثل الحرية

مبنية ع العداله                      مكتوبه ع الضمير

لا حروب ولا رشوة              لا غني ولا فقير...

من مسرحية "آخر ايام سقراط" لمنصور الرحباني

  

والبطل الرحباني يحقق ذاته ويصل الى مبتغاه في الحقيقة وليس بالحلم.

 إن هذه "الحالة" الرحبانية الإبداعية ستظل في الذاكرة الجماعية وستتم تنشئة أجيال وأجيال على فلسفة مواطنيتها فالتربية المواطنية أوسع من أن تنحصر في البيئات المدرسية وترى في تكنولوجيا الإعلام والتواصل سبيلاً لتحقيق أهدافها.

فتى يحمل بين يديه كيس مكتوب عليه واجبات وآخر حقوق

المراجع:
١- التربية المدنية والتدريب القانوني - إعداد سيمون عبد المسيح ٢٠٠٤ - ترجمة عن المركز الوطني للبحث التربوي.Education civique et initiation jurdique dans les collèges ،
 ٢- سوسيولوجيا الفن المسرحي الرحبانيّ، ميساء عبد لله درويش قرعان، دار بشاريا للنشر ٢٠٠٢
 ٣- دليل المواطنية، مركز التنمية والتخطيط، زياد بارود ٢٠٠٣
٤- ناصيف نصّار '' في التربية والسياسة''، دار الطليعة ٢٠٠٠

٥- أعمال الأخوين الرحباني.

                                                                                                       

     نينا حريز مرعي

                                                                                                                                                                                                            باحثة تربوية

 

مفهوم المواطنية* في أعمال الأخوين رحباني

مفهوم المواطنية في أعمال الأخوين رحبانيمشهد من المسرح الرحبانيّ

الفرد عضو يشارك في الجماعة
إحدى غايات التربية هي فردَنة الاجتماعي

 

كلمات بسيطة ومختصرة للكاتب والصحافي عقل العويط اختصرت إشكاليات الرحابنة الثلاثة:

1ـ إشكالية الفرد والثنائي والجماعة.

2ـ إشكالية المدرسة اللبنانية الحديثة والمواطنية والتنشئة الإنسانية.

3ـ إشكالية "الحالة" في المناخ الإبداعي ليس في الموسيقى والأغنية والشعر فحسب وإنما في ما يتعدى هذا ... إلى كيفية كينونة الحياة نفسها وأسرارها...

 من يعرف أين يبدأ عاصي وأين ينتهي، وأين يبدأ منصور وأين ينتهي؟

العمل الإبداعي عند الأخوين رحباني يتميز بأنه عمل جماعي فالرحابنة "جماعة" بمفهوم علم الإجتماع. وهذا ما يضيف إلى العمل الخلاّق صفة "الحالة" التي تتعالى عن الأنانية والفردية وتدوم لأنها مدرسة لبنانية حديثة لها رسالة مقدسة...

شجرة الأرزيعترف منصور الرحباني: "أنا وعاصي اثنان في واحد: عشنا معاً، وعملنا معاً، وسنموت معاً، ومعاً سنسكن مع ساكن العالي"

 لقد تأثر الرحابنة بتربية شعبية فريدة كانت ذات توجيه نحو دراسة الفولكلور اللبناني وتطويره بمضمونه  التراثي الشامل...

فقد تربيا على خبريات الجدة والأساطير الشعبية ومغامرات القبضايات فانغمسا باكراً في خبايا التراث وكنوزه وأبيا إلا أن يحوِّلاه رسالة و"حالة"...

ففي "سهرة حب" يغني وديع الصافي اعتزازه بهويته "أنا من بلد الحكايات المحكية عالمجد، المبنية عالإلفه"...

     وفي "عودة العسكر" يظهر جلياً الاعتذار بلبنان  الوطن:

"ويا لبنان بحبك                    ت تخلص الدنيي

تلجك المحبة                       وشمسك الحريه

وطني يا حكايه                    بالعز مضوايه.."

 

كما يظهر الفخر بالمواسم والنتاج الوطني:

"حرير من الذوق      مشالح عكارية

عسل من ميفوق       خناجر جزينيه

تفاح الجرد العالي     وخوابي زحلاويه

من صور لصيدا      لحد القلمون

حكايات الشواطي      وزهر الليمون

من بيروت العظيمه   كتب مجد القديمه"

أما في "رحيل الآلهة" فيأتي المدح بمدينة الآلهة  كالآتي:

"بعلبك  ...                        يا قصة عزّ عليانه

 بالبال حليانه                  يا معمرّه بقلوب وغناني"...

وطن مواسم مدن وعادات وتقاليد والعاب وأعياد تسترجع الذاكرة الجماعية وتقوّي الرباط الاجتماعي لذا فالرحابنة يستذكرون الألعاب التراثية في "دواليب لهوا":

                           "القصة وما فيها

إنو كل ضيعه لها عيد                         بدنا لهالضيعه نعمل عيد

ونسمي شي اسم جديد                        ما بيسوى ضيعه بلا عيد

عيد دواليب الهوا                             ويصير لنا يوم

ع القليله يوم                                 نرجع فيه ولادْ                       

نرجع للطفوله                               ونفرح بالأعياد..."

 

لقد عرفت المدرسة الرحبانية أن التربية الوطنية تدور حول حب الأرض والتشبّث بها والاعتزاز بالوطن إلى حد العبادة.

وعلى سبيل المثال ففي "الربيع السابع" وعلى لسان الجوقة التي تمثل عند الرحابنة الضمير الجماعيLa conscience collective   وتنطق باسم الفئات المحروقة:

"لا الكلمة انزاحت                 ولا الصخر انزاح

 ونحنا رح نبقى هون             مش راح نترك من هون

البداية والنهاية                     والعمر كله هون ..."

إن الوطن الرحباني ليس الأرض فقط بل الإنسان هو المحور فرداً كان أم جماعة. فالمفاضلة بين الشعب والأرض جلية في حوار "ناطورة المفاتيح ":

" صار بدك البيوت والأرض،          

   تركولك ياهن وراحو

       شو نفع البيوت بلا ناس؟

                     هلق عرفت قيمة الناس؟،     

                                  كانوا يروحو رخاص عندك..."

 

''التربية المواطنية هي تشكيل المواطن وتنميته انطلاقاً
من تصور فلسفيّ لماهية المواطن ومن واقع التجربة في
حياة الجماعة الوطنية، ووجودها السياسي،'' وفلسفة
التربية المواطنية ''تدور حول مفهوم المواطن أي
الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة ينتسب إليها،
يتفاعل معها، يرتبط بها بجملة مصالح مادية ومعنوية
بطريقة استمرارية وتفاعل ديناميكي.''

لقد وعت مدرسة الرحابنة أن الوطنية ظاهرة نفسية اجتماعية، قوامها حب الوطن أرضاً وشعباً، تدور على التعلق بالجماعة الوطنية وأرضها ومصلحتها وتراثها والاندماج في مصيرها...

وإذ بها تعنى بتنمية الشعور الوطني وتغذية الولاء الوطني في نفوس أفراد الجماعة وتتفاعل مع ظروف وحاجاته وتراثه وأنظمته وتطلعاته...                                       

يقول معالي الوزير زياد إنه جميل أن نتغنّى بوطننا، بأرزه وتراثه وتقاليده وعاداته التي نحبها... لكنها ليست المواطنية... فالمواطنية طريقة حياة وممارسة يومية لحقوق يقابلها واجبات...

ان المدرسة الرحبانية بأساليبها الفعّالة التي تلج إلى الأذهان والقلوب تتناول مفاهيم حقوقية متعلقة بالمواطنة الحقة، والتي هي ظاهرة محورها الفرد من حيث هو عضو مشارك في الجماعة وخاضع لنظام محدد من الحقوق والواجبات.

وكأن الرحابنة تبنوا تحديد ناصيف نصّار للتربية المواطنية على "أنها تشكيل المواطن وتنميته انطلاقاً من تصور فلسفيّ لماهية المواطن ومن واقع التجربة في حياة الجماعة الوطنية، ووجودها السياسي،" وفلسفة التربية المواطنية التي "تدور حول مفهوم المواطن أي الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة ينتسب إليها، يتفاعل معها، يرتبط بها بجملة مصالح مادية ومعنوية بطريقة استمرارية وتفاعل ديناميكي".

فالبطل كالمواطن كائن معنوي ينبغي صنعه إنه يولد مواطناً بالقوة (En puisance)، أما التربية المواطنية فتحوله إلى مواطن بالفعل (De fait). إن مفهوم المواطنية في المدرسة الرحبانية ذو أبعاد لا تطال بالزمان والمكان، والشريط التاريخي الذي عرض فيها تطوري بدءًا بأليسار أو ديدون (المسرحية التي لم تنشر) التي رفضت الطغيان وآمنت بالحرية مروراً بسقراط (لمنصور الرحباني) شهيد الحقيقة وحرية الرأي وبزنوبيا (لمنصور الرحباني)، الحالمة بالتحرر مهما كان الثمن إلى بترا الرافضة للاحتلال إلى فخر الدين باني لبنان الكبير.

 فهذه الحوادث التي تمثل مراحل بطولية في تاريخنا هي التي صنعت ثقافتنا التراكمية الدينامية  المتفاعلة لا تبغي إلا تحقيق حلم الإنسانية الأكبر...

ولتحقيق الحلم تقوم معركة الحريات ضد مصادرة الحقوق بالتعبير وبالاحتفال في "ناس من ورق" وضد مصادرة الحقوق العامة في "لولو":

"العدالة كرتون الحرية كذبه. صار الحبس كبير وكل حكم بالأرض باطل"

ضد مصادرة السيادة والحرية في "زنوبيا":

"ويا أهالي تدمر                               خمس سنين من العمر

  عشتوها أحرار                                الكن سما وهويه

 واللي سكن الحريه                             يوم نهار...

ما بقى تقدر روما                             تسلب منه الحريه..."

 

  ضد العبودية في "بترا"

      يا ريت فيّي دور                          حرَّر هالعبيد

      ضوي الفرح بقلوبهن                     جبلن العيد...

أبطال المسرح الرحباني  يريدون رفع الجور والعنف  والظلم والاستبداد  والحد من الهجرة والتخفيف من السخرة وإبعاد أبطال  الرشوة والمحسوبية.

مواطن لبناني في زيّه التقليدي فالمشاركة الفعّالة في التعبير عن الاختيارات هي من أسس تقويم الأداء الديمقراطي عند الأخوين رحباني وما عملهم إلاّ مدرسة للقيم الديمقراطية: تحرير الفرد والجماعة، المشاركة والمساواة، الحرية العدالة... وإلاّ كان الانحراف نتيجة الآثار السلبية المرتبطة بالحكم الفاسد.

يتمثل القمع في "ناطورة المفاتيح" بطرق مختلفة كالحكم بالسجن والتعذيب والتهديد وكل ما يهدد الحريات وحقوق الشخصية...

إضافة إلى هذه الحقوق تطرَّق مسرح الأخوين رحباني، إضافة إلى هذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ففي "المحطة" تقتصر المطالب من رئيس البلدية على :

"أحسن شغله توعدهن              بشي خطه انمائية...

  بمدارس بالكهربا                  وبالميه توعدهن

   من عبكره                          وبتنسى من عشية"

إن بطلة "المحطة" ورده تواجه رمز النظام وتظهر ضعفه وما يعتريه من شوائب كالمحسوبية لصالح الأفراد على حساب المواطنين.

 إن الشيم والأخلاق والمسامحة لا تغيب عن "فخر الدين" بعد انتصاره على الباشا في معركة عنجر الشهيرة:

 

"ما بسألك عن موقفك منّا        لو كنا انكسرنامواطن لبناني يحمل ميزان من الحقوق والواجبات

بس منعرف شو رح              نعمل نحنا ما زال انتصرنا"

   

لقد التفَّ حول القائد الشجاع جماعة الشيوخ مصرِّحين:

"منحلف بشرفنا                                بالأرز العتيق

 بمجدنا الجايي                                بالعز اللي كان

 بكل حبة تراب                               من أرض لبنان

وبحق الإنسان                                 يتمتّع بالكرامه

                        ويعيش بأمان"

إن محور مسرح الأخوين رحباني الشخص الإنسان (La personne humaine) وهو صاحب حقوق ومسؤوليات فالحقوق هي الأساس القانوني والأخلاقي لكل إعداد مدني.

ولأن الإنسان كائن واجتماعي فإحدى غايات التربية هي، فردنة الاجتماعي (Individualiser le social  ) والتعبير لسيمون عبد المسيح،   وبناء الوجهين: الفردي والجماعي للمواطن الصالح.

 فالمواطنية هي من مركبات هوية كل فرد من خلال انتمائه (Appartenance) أو تبعيته (allégeance) وترتبط بمفهومي المساواة والعدالة اللذين يؤسسان لمجتمع ديمقراطي يضمن احترام كل فرد لحقوق الآخرين فجميع الأشخاص متساوون في الحقوق أمام القانون. والعدالة قريبة من المساواة لأنها تعني إعطاء  كل فرد ما له .

وهي غير منفصلة عن القانون والقيم وبالتالي عن الشخص الإنسانيّ.

هذه المدرسة في المواطنية لا تقف عند حد عرض هموم المواطن وصراعه مع السلطة. إنما ينبغي حلّ النزاعات بالمحبة والوفاق وانتصار قيّم التآلف والوحدة...

 إن الدعوة إلى المشاركة في تفعيل الصراع من أجل التغيير وشهر سلاح الكلمة واضح في "آخر أيام سقراط" (لمنصور الرحباني):

     "يا عالمنا القديم

     ندر علينا نتغير

     لا الحقيقة بتتخبى

     ولا الحرية بتتأخر

     ما بيوقف بوج الكلمة

     لا خيل

     ولا سيوف

     ولا عسكر "

صورة ل جبل عليه أرزة تصافح مواطن ، مكتوب على الصورة مواطن تابع سيرك     وعن "المتنبي" لمنصور الرحباني:

"الآن أعرف كم أن الكلمة قاتلة. لأجل أن يبقى هذا الشعر حياً ومتألقاً، عليّ أن أذهب إليهم وأقاتلهم، فإن قصائدي رسمت مصيري".

ولأنّ العدالة قلّت في الأرض حان وقت التغيير فزنوبيا سوف تقاوم أكبر امبراطورية:

 

"أنا أوّل صرخة حريه

من هذي الأرض العربية

إنا أقول "لا" في وجه الظلم

وهبت دمي للحريه!!!

إن حلم الأخوين رحباني بالديمقراطية، ليس بعيداً عن المنال فهو يحكي:

"عن مدينة ببالي                   بتلمع مثل الحرية

مبنية ع العداله                      مكتوبه ع الضمير

لا حروب ولا رشوة              لا غني ولا فقير...

من مسرحية "آخر ايام سقراط" لمنصور الرحباني

  

والبطل الرحباني يحقق ذاته ويصل الى مبتغاه في الحقيقة وليس بالحلم.

 إن هذه "الحالة" الرحبانية الإبداعية ستظل في الذاكرة الجماعية وستتم تنشئة أجيال وأجيال على فلسفة مواطنيتها فالتربية المواطنية أوسع من أن تنحصر في البيئات المدرسية وترى في تكنولوجيا الإعلام والتواصل سبيلاً لتحقيق أهدافها.

فتى يحمل بين يديه كيس مكتوب عليه واجبات وآخر حقوق

المراجع:
١- التربية المدنية والتدريب القانوني - إعداد سيمون عبد المسيح ٢٠٠٤ - ترجمة عن المركز الوطني للبحث التربوي.Education civique et initiation jurdique dans les collèges ،
 ٢- سوسيولوجيا الفن المسرحي الرحبانيّ، ميساء عبد لله درويش قرعان، دار بشاريا للنشر ٢٠٠٢
 ٣- دليل المواطنية، مركز التنمية والتخطيط، زياد بارود ٢٠٠٣
٤- ناصيف نصّار '' في التربية والسياسة''، دار الطليعة ٢٠٠٠

٥- أعمال الأخوين الرحباني.

                                                                                                       

     نينا حريز مرعي

                                                                                                                                                                                                            باحثة تربوية

 

مفهوم المواطنية* في أعمال الأخوين رحباني

مفهوم المواطنية في أعمال الأخوين رحبانيمشهد من المسرح الرحبانيّ

الفرد عضو يشارك في الجماعة
إحدى غايات التربية هي فردَنة الاجتماعي

 

كلمات بسيطة ومختصرة للكاتب والصحافي عقل العويط اختصرت إشكاليات الرحابنة الثلاثة:

1ـ إشكالية الفرد والثنائي والجماعة.

2ـ إشكالية المدرسة اللبنانية الحديثة والمواطنية والتنشئة الإنسانية.

3ـ إشكالية "الحالة" في المناخ الإبداعي ليس في الموسيقى والأغنية والشعر فحسب وإنما في ما يتعدى هذا ... إلى كيفية كينونة الحياة نفسها وأسرارها...

 من يعرف أين يبدأ عاصي وأين ينتهي، وأين يبدأ منصور وأين ينتهي؟

العمل الإبداعي عند الأخوين رحباني يتميز بأنه عمل جماعي فالرحابنة "جماعة" بمفهوم علم الإجتماع. وهذا ما يضيف إلى العمل الخلاّق صفة "الحالة" التي تتعالى عن الأنانية والفردية وتدوم لأنها مدرسة لبنانية حديثة لها رسالة مقدسة...

شجرة الأرزيعترف منصور الرحباني: "أنا وعاصي اثنان في واحد: عشنا معاً، وعملنا معاً، وسنموت معاً، ومعاً سنسكن مع ساكن العالي"

 لقد تأثر الرحابنة بتربية شعبية فريدة كانت ذات توجيه نحو دراسة الفولكلور اللبناني وتطويره بمضمونه  التراثي الشامل...

فقد تربيا على خبريات الجدة والأساطير الشعبية ومغامرات القبضايات فانغمسا باكراً في خبايا التراث وكنوزه وأبيا إلا أن يحوِّلاه رسالة و"حالة"...

ففي "سهرة حب" يغني وديع الصافي اعتزازه بهويته "أنا من بلد الحكايات المحكية عالمجد، المبنية عالإلفه"...

     وفي "عودة العسكر" يظهر جلياً الاعتذار بلبنان  الوطن:

"ويا لبنان بحبك                    ت تخلص الدنيي

تلجك المحبة                       وشمسك الحريه

وطني يا حكايه                    بالعز مضوايه.."

 

كما يظهر الفخر بالمواسم والنتاج الوطني:

"حرير من الذوق      مشالح عكارية

عسل من ميفوق       خناجر جزينيه

تفاح الجرد العالي     وخوابي زحلاويه

من صور لصيدا      لحد القلمون

حكايات الشواطي      وزهر الليمون

من بيروت العظيمه   كتب مجد القديمه"

أما في "رحيل الآلهة" فيأتي المدح بمدينة الآلهة  كالآتي:

"بعلبك  ...                        يا قصة عزّ عليانه

 بالبال حليانه                  يا معمرّه بقلوب وغناني"...

وطن مواسم مدن وعادات وتقاليد والعاب وأعياد تسترجع الذاكرة الجماعية وتقوّي الرباط الاجتماعي لذا فالرحابنة يستذكرون الألعاب التراثية في "دواليب لهوا":

                           "القصة وما فيها

إنو كل ضيعه لها عيد                         بدنا لهالضيعه نعمل عيد

ونسمي شي اسم جديد                        ما بيسوى ضيعه بلا عيد

عيد دواليب الهوا                             ويصير لنا يوم

ع القليله يوم                                 نرجع فيه ولادْ                       

نرجع للطفوله                               ونفرح بالأعياد..."

 

لقد عرفت المدرسة الرحبانية أن التربية الوطنية تدور حول حب الأرض والتشبّث بها والاعتزاز بالوطن إلى حد العبادة.

وعلى سبيل المثال ففي "الربيع السابع" وعلى لسان الجوقة التي تمثل عند الرحابنة الضمير الجماعيLa conscience collective   وتنطق باسم الفئات المحروقة:

"لا الكلمة انزاحت                 ولا الصخر انزاح

 ونحنا رح نبقى هون             مش راح نترك من هون

البداية والنهاية                     والعمر كله هون ..."

إن الوطن الرحباني ليس الأرض فقط بل الإنسان هو المحور فرداً كان أم جماعة. فالمفاضلة بين الشعب والأرض جلية في حوار "ناطورة المفاتيح ":

" صار بدك البيوت والأرض،          

   تركولك ياهن وراحو

       شو نفع البيوت بلا ناس؟

                     هلق عرفت قيمة الناس؟،     

                                  كانوا يروحو رخاص عندك..."

 

''التربية المواطنية هي تشكيل المواطن وتنميته انطلاقاً
من تصور فلسفيّ لماهية المواطن ومن واقع التجربة في
حياة الجماعة الوطنية، ووجودها السياسي،'' وفلسفة
التربية المواطنية ''تدور حول مفهوم المواطن أي
الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة ينتسب إليها،
يتفاعل معها، يرتبط بها بجملة مصالح مادية ومعنوية
بطريقة استمرارية وتفاعل ديناميكي.''

لقد وعت مدرسة الرحابنة أن الوطنية ظاهرة نفسية اجتماعية، قوامها حب الوطن أرضاً وشعباً، تدور على التعلق بالجماعة الوطنية وأرضها ومصلحتها وتراثها والاندماج في مصيرها...

وإذ بها تعنى بتنمية الشعور الوطني وتغذية الولاء الوطني في نفوس أفراد الجماعة وتتفاعل مع ظروف وحاجاته وتراثه وأنظمته وتطلعاته...                                       

يقول معالي الوزير زياد إنه جميل أن نتغنّى بوطننا، بأرزه وتراثه وتقاليده وعاداته التي نحبها... لكنها ليست المواطنية... فالمواطنية طريقة حياة وممارسة يومية لحقوق يقابلها واجبات...

ان المدرسة الرحبانية بأساليبها الفعّالة التي تلج إلى الأذهان والقلوب تتناول مفاهيم حقوقية متعلقة بالمواطنة الحقة، والتي هي ظاهرة محورها الفرد من حيث هو عضو مشارك في الجماعة وخاضع لنظام محدد من الحقوق والواجبات.

وكأن الرحابنة تبنوا تحديد ناصيف نصّار للتربية المواطنية على "أنها تشكيل المواطن وتنميته انطلاقاً من تصور فلسفيّ لماهية المواطن ومن واقع التجربة في حياة الجماعة الوطنية، ووجودها السياسي،" وفلسفة التربية المواطنية التي "تدور حول مفهوم المواطن أي الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة ينتسب إليها، يتفاعل معها، يرتبط بها بجملة مصالح مادية ومعنوية بطريقة استمرارية وتفاعل ديناميكي".

فالبطل كالمواطن كائن معنوي ينبغي صنعه إنه يولد مواطناً بالقوة (En puisance)، أما التربية المواطنية فتحوله إلى مواطن بالفعل (De fait). إن مفهوم المواطنية في المدرسة الرحبانية ذو أبعاد لا تطال بالزمان والمكان، والشريط التاريخي الذي عرض فيها تطوري بدءًا بأليسار أو ديدون (المسرحية التي لم تنشر) التي رفضت الطغيان وآمنت بالحرية مروراً بسقراط (لمنصور الرحباني) شهيد الحقيقة وحرية الرأي وبزنوبيا (لمنصور الرحباني)، الحالمة بالتحرر مهما كان الثمن إلى بترا الرافضة للاحتلال إلى فخر الدين باني لبنان الكبير.

 فهذه الحوادث التي تمثل مراحل بطولية في تاريخنا هي التي صنعت ثقافتنا التراكمية الدينامية  المتفاعلة لا تبغي إلا تحقيق حلم الإنسانية الأكبر...

ولتحقيق الحلم تقوم معركة الحريات ضد مصادرة الحقوق بالتعبير وبالاحتفال في "ناس من ورق" وضد مصادرة الحقوق العامة في "لولو":

"العدالة كرتون الحرية كذبه. صار الحبس كبير وكل حكم بالأرض باطل"

ضد مصادرة السيادة والحرية في "زنوبيا":

"ويا أهالي تدمر                               خمس سنين من العمر

  عشتوها أحرار                                الكن سما وهويه

 واللي سكن الحريه                             يوم نهار...

ما بقى تقدر روما                             تسلب منه الحريه..."

 

  ضد العبودية في "بترا"

      يا ريت فيّي دور                          حرَّر هالعبيد

      ضوي الفرح بقلوبهن                     جبلن العيد...

أبطال المسرح الرحباني  يريدون رفع الجور والعنف  والظلم والاستبداد  والحد من الهجرة والتخفيف من السخرة وإبعاد أبطال  الرشوة والمحسوبية.

مواطن لبناني في زيّه التقليدي فالمشاركة الفعّالة في التعبير عن الاختيارات هي من أسس تقويم الأداء الديمقراطي عند الأخوين رحباني وما عملهم إلاّ مدرسة للقيم الديمقراطية: تحرير الفرد والجماعة، المشاركة والمساواة، الحرية العدالة... وإلاّ كان الانحراف نتيجة الآثار السلبية المرتبطة بالحكم الفاسد.

يتمثل القمع في "ناطورة المفاتيح" بطرق مختلفة كالحكم بالسجن والتعذيب والتهديد وكل ما يهدد الحريات وحقوق الشخصية...

إضافة إلى هذه الحقوق تطرَّق مسرح الأخوين رحباني، إضافة إلى هذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ففي "المحطة" تقتصر المطالب من رئيس البلدية على :

"أحسن شغله توعدهن              بشي خطه انمائية...

  بمدارس بالكهربا                  وبالميه توعدهن

   من عبكره                          وبتنسى من عشية"

إن بطلة "المحطة" ورده تواجه رمز النظام وتظهر ضعفه وما يعتريه من شوائب كالمحسوبية لصالح الأفراد على حساب المواطنين.

 إن الشيم والأخلاق والمسامحة لا تغيب عن "فخر الدين" بعد انتصاره على الباشا في معركة عنجر الشهيرة:

 

"ما بسألك عن موقفك منّا        لو كنا انكسرنامواطن لبناني يحمل ميزان من الحقوق والواجبات

بس منعرف شو رح              نعمل نحنا ما زال انتصرنا"

   

لقد التفَّ حول القائد الشجاع جماعة الشيوخ مصرِّحين:

"منحلف بشرفنا                                بالأرز العتيق

 بمجدنا الجايي                                بالعز اللي كان

 بكل حبة تراب                               من أرض لبنان

وبحق الإنسان                                 يتمتّع بالكرامه

                        ويعيش بأمان"

إن محور مسرح الأخوين رحباني الشخص الإنسان (La personne humaine) وهو صاحب حقوق ومسؤوليات فالحقوق هي الأساس القانوني والأخلاقي لكل إعداد مدني.

ولأن الإنسان كائن واجتماعي فإحدى غايات التربية هي، فردنة الاجتماعي (Individualiser le social  ) والتعبير لسيمون عبد المسيح،   وبناء الوجهين: الفردي والجماعي للمواطن الصالح.

 فالمواطنية هي من مركبات هوية كل فرد من خلال انتمائه (Appartenance) أو تبعيته (allégeance) وترتبط بمفهومي المساواة والعدالة اللذين يؤسسان لمجتمع ديمقراطي يضمن احترام كل فرد لحقوق الآخرين فجميع الأشخاص متساوون في الحقوق أمام القانون. والعدالة قريبة من المساواة لأنها تعني إعطاء  كل فرد ما له .

وهي غير منفصلة عن القانون والقيم وبالتالي عن الشخص الإنسانيّ.

هذه المدرسة في المواطنية لا تقف عند حد عرض هموم المواطن وصراعه مع السلطة. إنما ينبغي حلّ النزاعات بالمحبة والوفاق وانتصار قيّم التآلف والوحدة...

 إن الدعوة إلى المشاركة في تفعيل الصراع من أجل التغيير وشهر سلاح الكلمة واضح في "آخر أيام سقراط" (لمنصور الرحباني):

     "يا عالمنا القديم

     ندر علينا نتغير

     لا الحقيقة بتتخبى

     ولا الحرية بتتأخر

     ما بيوقف بوج الكلمة

     لا خيل

     ولا سيوف

     ولا عسكر "

صورة ل جبل عليه أرزة تصافح مواطن ، مكتوب على الصورة مواطن تابع سيرك     وعن "المتنبي" لمنصور الرحباني:

"الآن أعرف كم أن الكلمة قاتلة. لأجل أن يبقى هذا الشعر حياً ومتألقاً، عليّ أن أذهب إليهم وأقاتلهم، فإن قصائدي رسمت مصيري".

ولأنّ العدالة قلّت في الأرض حان وقت التغيير فزنوبيا سوف تقاوم أكبر امبراطورية:

 

"أنا أوّل صرخة حريه

من هذي الأرض العربية

إنا أقول "لا" في وجه الظلم

وهبت دمي للحريه!!!

إن حلم الأخوين رحباني بالديمقراطية، ليس بعيداً عن المنال فهو يحكي:

"عن مدينة ببالي                   بتلمع مثل الحرية

مبنية ع العداله                      مكتوبه ع الضمير

لا حروب ولا رشوة              لا غني ولا فقير...

من مسرحية "آخر ايام سقراط" لمنصور الرحباني

  

والبطل الرحباني يحقق ذاته ويصل الى مبتغاه في الحقيقة وليس بالحلم.

 إن هذه "الحالة" الرحبانية الإبداعية ستظل في الذاكرة الجماعية وستتم تنشئة أجيال وأجيال على فلسفة مواطنيتها فالتربية المواطنية أوسع من أن تنحصر في البيئات المدرسية وترى في تكنولوجيا الإعلام والتواصل سبيلاً لتحقيق أهدافها.

فتى يحمل بين يديه كيس مكتوب عليه واجبات وآخر حقوق

المراجع:
١- التربية المدنية والتدريب القانوني - إعداد سيمون عبد المسيح ٢٠٠٤ - ترجمة عن المركز الوطني للبحث التربوي.Education civique et initiation jurdique dans les collèges ،
 ٢- سوسيولوجيا الفن المسرحي الرحبانيّ، ميساء عبد لله درويش قرعان، دار بشاريا للنشر ٢٠٠٢
 ٣- دليل المواطنية، مركز التنمية والتخطيط، زياد بارود ٢٠٠٣
٤- ناصيف نصّار '' في التربية والسياسة''، دار الطليعة ٢٠٠٠

٥- أعمال الأخوين الرحباني.

                                                                                                       

     نينا حريز مرعي

                                                                                                                                                                                                            باحثة تربوية