مقابلة مع نقيب الموسيقيين أنطوان فرح

 

مقابلة مع نقيب الموسيقيين أنطوان فرح

 

زياد عاصي الرحبانيعمِل نقيب الموسيقيين الأستاذ أنطوان فرح طويلاً مع الأخوين رحباني. وهو يعلم الكثير عن الإبداع الموسيقي في تلك الحقبة ويعلم كيف تمّ التغيير. النقيب من محبّي موسيقى عاصي ومنصور وقد لبّى دعوتنا من دون تردد وأجاب عن كل الأسئلة والتساؤلات حول التغيير الذي أحدثه الأخوان في عالم الموسيقى.
 

المجلة التربوية

النقيب أنطوان فرح للمجلة التربوية: ''بدأ التغيير الفعلي مع استعمال التخت الشرقي الموسّع والارتقاء بالموسيقى إلى الروح!

 

المجلة: ما هي الآلة الموسيقية التي تعلّم عليها العزف عاصي ومنصور الرحباني؟

النقيب أنطوان فرح: عملت طويلاً مع عاصي ومنصور من سنة 1962 حتى 1998 وكنت أتنقل معهما في الرحلات والاستديوهات والمهرجانات. كان عاصي الرحباني يعزف على البزق. ابتدأ مع البزق. أما الأستاذ منصور فأعرف أنه يعزف على البيانو والبزق ولكنني لا أعلم ما هي الآلة التي ابتدأ بالعزف عليها.

المجلة: ما هي الآلات التي استعملاها في ما بعد؟ وعلى يد من تتلمذا في الموسيقى؟

النقيب: تعلّما مع الأب بولس الأشقر ومع برتران روبيار وغيرهما من الأساتذة الهارموني l’harmonie  والتوزيع والموسيقى الغربية والكونتروبوان Contrepoint والـ Fugue   كما  درسا الموسيقى الشرقية. كان لديهما معلومات كثيرة عن الموسيقى. ولديهما أبحاث ودراسات ومتابعة للموسيقى البيزنطية والسريانية والتجويد القرآني.

مقطوعة موسيقيةالنايآلة العود

المجلة: يقال أنهما أحدثا تغييراً كبيراً على صعيد الموسيقى في الشرق. فهل لك أن تشرح لنا ذلك؟

النقيب: بالتأكيد. لقد أسّسا المسرح الغنائي. قبل الأخوين الرحباني لم يكن هنالك مسرحٌ غنائيٌّ في لبنان أو Musical Play، المسرح الغنائي كان موجوداً في القاهرة في عهد سيَّد درويش وجورج أبيض بين سنة 1800 و 1900.

أسّس الأخوان رحباني هذا المسرح الغنائي وبرعا في هذا المجال. هذا هو التغيير الذي أحدثاه في الشرق. في القاهرة كانت الأعمال في مجال المسرح الغنائي محدودة جداً واقتصرت على بعض المحاولات. لكن الأخوين رحباني طوَّرا هذا النوع من المسرح بالمفهوم الحديث وبالمفهوم اللبناني: الكلمة أو اللهجة اللبنانية وهذا هو الأهم. لقد ابتكرا لحناً جديداً يمزج بين الحضارة الشرقية والحضارة الغربية. كانت لديهما الموهبة والمثابرة والبحث عن كل ما يؤدي إلى المعرفة. وهذا هو سرّ البراعة.

المجلة:  ماذا كان يجري على صعيد الموسيقى في مصر في عهد الأخوين رحباني؟ وما الذي يميِّز أعمال الأخوين رحباني عن الأعمال في مصر في ذلك الوقت؟

النقيب: في زمن عاصي ومنصور كان في مصر عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وغيرهم، والطرب المصري الذي بدأ سنة 1800 مع الشيخ سلامه الحجازي، وبين 1800 وأوائل 1900 مع محمد عثمان وعبدو الحمولي وغيرهم (لا أذكر كل الأسماء). هؤلاء جميعهم كانوا يعملون في مجال "التخت الشرقي" الذي يتألف من آلة "الناي" و"العود" و"القانون" و"الدف" للإيقاع. وقد استطاع الأخوان الرحباني أن يؤلِّفا مزيجاً من الثقافة الشرقية والثقافة الغربية.

آلة الفيولونوأودّ أن أذكر أن سيِّد درويش وكل معاصريه كانوا يعملون في مسارح صغيرة ويتعاطون  المسرح الشعبي، أو الغنائي الشعبي. ثمَ استعمل الأخوان رحباني الأوركسترا Orchestre  (وقد استعملها أيضاً عبد الوهاب وفريد الأطرش) وقد أدخلا الآلات الموسيقية الكبيرة مثل الكمنجا Violon  والتشيللو (Cello= Violoncelle )  و الـ Contrebasse. انتشرت هذه الآلات في الشرق مع دخول الحضارة الغربية والثقافة الموسيقية الأوروبية، وذلك بعد خروج الحكم العثماني من بلادنا. ولا نزال حتى اليوم نتأثر بالموسيقى الغربية. هذا هو أثر اندماج الحضارات ببعضها. ولكن في زمن عاصي ومنصور الرحباني كانت هنالك رهجة لاستعمال هذه الآلات عند الشعوب العربية. وكان الناس يندهشون عند استعمال "الكمنجات" الكبيرة وآلات النفخ. لقد أدخل الأخوان الرحباني هذه الآلات مع الـ Hautbois  والأكورديون Accordéon   الذي كان له أهمية كبيرة. كما استعملا البيانو Piano ، والـ Contrebasse  وآلات النفخ في المسرحيات والأغاني والكثير من التقنيات الغربية التي لا تزال تستعمل حتى اليوم.

المجلة: ولكن قبل الأوركسترا Orchestre  وعندما بدأت فيروز بالغناء ما هو التغيير الذي حصل على صعيد الموسيقى؟فتاة تعزف على آلة التشللو cello

النقيب: استعملا التخت الشرقي الموسَّع. أدخلا الكمنجا Violon والكونتروباس Contrebasse والشيللو Cello. بدءا مع الاسكتشات Sketches في إذاعة الشرق الأدنى. فتطور السكتش الإذاعي Sketche  معهما  إلى مسرح وما زال بتطور حتى مع الجيل الرحباني الجديد. فالمسرح مع  مروان وغدي وأسامة الرحباني يتقدّم تقنياً ومشهدياً وهذا شيء مهم.

المجلة: متى بدآ إذاً "استعمال الأوركسترا"؟

النقيب: في الخمسينيّات وخصوصاً في المهرجانات.

المجلة: التغيير لم يحصل إذاً على صعيد الآلات في مصر وعند الأخوين رحباني. بل حصل التغيير على صعيد اللحن فقط. ما الفرق بين اللحن المصري واللحن الرحباني في ذلك الزمن؟

النقيب: في ذلك الزمن كان الفرق كبير جداً. فالملحَّنون المصريون الكبار كانوا يحاولون ملامسة الأحاسيس الإنسانية المادية بواسطة اللحن أو إثارة الغرائز فلا يدخل اللحن إلى الروح.  

آلة التشللو cello(وأنا هنا لا أحاول أن أقلِّل من أهمية الطرب المصري فهو جميل جداً) إنّما أقول أن هذا الطرب يبقى في إطار المادة والغريزة الجسدية، أما الأخوان رحباني، فقد استطاعا أن يدخلا إلى الروح والقلب بواسطة  جملة لحنية بسيطة، استطاعا أن يدخلا إلى الروح والقلب. وهذه هي أهمية مدرسة عاصي ومنصور الموسيقية: الارتقاء بالموسيقى إلى الروح، إلى عمق الإنسان ونفسه، إلى ملامسة المشاعر والعواطف.

المجلة: يمكننا إذاً أن نتكلّم عن الصوفية في اللحن ؟ أو الروحانية؟

النقيب: طبعاً. روحانية الموسيقى واللحن. فلا يجب أن ننسى أن الموسيقى بدأت في العالم مع الأديان. بدأت مع الطقوس الوثنية قبل السيّد المسيح والنبي محمد. كان الوثنيون يستعملون آلات موسيقية خلال ممارسة طقوسهم الدينية. ثم إن شِعر الأخوين رحباني والكلمة التي لامست عواطف الإنسان هما اللذان أسهما في نجاح الأغنية. فلا يمكننا أن نفصل الكلمة عن الموسيقى. لقد ألبسا الكلمة الحلوة لحناًَ ناعماً، وهذا ما جعل الناس تحب وتعشق الأغنية الرحبانية. كان الناس يستمعون إلى الأغاني المصرية الطربية الطويلة. وكان اللبنانيون يلحَّنون على الطريقة المصرية. مع الأخوين رحباني أصبحت الأغنية قصيرة والصورة الشعرية تُدخِل المستمع في حالة نشوة وسُمّو روحانيّ.

 المجلة: لا يمكننا إذاً أن نفصل بين الكلمة واللحن فهما توآمان؟

النقيب: طبعاً الكلمة تلبس اللحن. وهنا أود أن أذكر بعض الذين كانوا يعملون على إدخال اللهجة اللبنانية في الأغنية، أمثال جورج فرح وسامي الصيداوي وجورج متى؟ بدأ جورج  فرح بدأ سنة 1930، وألّف أغاني كلاسيكية أوبرالية ولديه مجموعة من 74 أغنية. وكتب هؤلاء "ألحاناً" شعبية جميلة. النهضة اللبنانية بدأت سنة 1930 وبدأ إعطاء اللهجة اللبنانية أهمية كبرى وذلك بعد خروج العثمانيين من لبنان. وهؤلاء كتبوا أغاني للإذاعات فلم تنتشر أغانيهم كما انتشرت أغاني الأخوين رحباني لأنهما عملا في المسرح الذي ساعد على انتشار الأغنية الرحبانية. كما تأثّر الأخوان رحباني في بدايتهما بالأغاني الغربية كالتنغو Tango   مثلاً.

hg]tالقانون

المجلة: ما هو دور الزجل في المسرح الرحبانيّ، وما دور الأخوين رحبانيّ في الحفاظ على هذا التراث؟

النقيب: الزجل قديم جداً في هذه المنطقة وقد استعان الأخوان رحباني بالألحان الزجلية الجميلة بذوق فريد، وخصوصاً في الأغاني المشهدية في المسرحيات ومع رقص الدبكة اللبنانية وقد أسهما في الحفاظ على هذا التراث. ونحن نلاحظ أن المسؤولين لا يهتمون بالزجل ونحن متخوِّفون من اضمحلال وانقراض هذا الفن الجميل  والعريق. يجب أن تهتم المدارس بهذا الشأن.

المجلة: هل تعتبرون أن موسيقى الأخوين رحباني كلاسيكية، ولماذا؟

النقيب: مفهوم كلمة كلاسيكية يتفاوت بين الناس. كلاسيكي يعني ما انتشر واستطاع أن يحافظ على أهميته وديمومته. كلمة كلاسيك تعني: ما يُحفَظ. الأعمال الكلاسيكية بالمفهوم العالمي هي الأعمال الكبيرة كالسانفونيات Symphonies والكونسرتو Concertos  ولكن هناك الكلاسيك الخفيف أو ما يُسمى في الغربLight Classics  والقريب من الشعبي. موسيقى الأخوين رحباني تُصنََّف بين الكلاسيك والـ Light Classics .ألحان الأخوين رحباني شعبية لأنها انتشرت ودخلت قلوب الجميع ولكنها أيضاً مرتفعة بقيمتها عن اللحن الشعبي العادي. فهي ألحان شعبية مرتفعة وراقية جداً لهذا السبب أصنفها Light Classics . لا تُعتبر ألحانهما موسيقى خفيفة بمعنى الـ Musique légère  لكنها ليست أيضاً كلاسيكية بحيث يصعب على الجميع الإستماع إليها وتذوّقها. إنه الكلاسيكي بمتناول الجمهور الكبير. إنها الألحان الشعبية الراقية !

المجلة: ما هو الفرق بين الموسيقى التي يكتبها الياس الرحباني والتي يكتبها عاصي ومنصور؟

النقيب: عمل الياس الرحباني منفرداً. كتب في البداية ألحاناً جميلة ثمّ اتجه نحو الإعلان التجاري واشترك مع أخويه في المسرحيات. ثمّ كتب ثلاث أو أربع مسرحيات. من ناحية الموسيقى هو قريب من أخَوَيه في ما يعود للجملة الموسيقية. ألحان الياس الرحباني قريبة جداً من الألحان الغربية.

المجلة: ما هي الموسيقى التي تأثّر بها الأخوين رحباني؟

النقيب: كل من يعمل في الحقل الموسيقي يجب عليه أن يسمع وأن يكون مستمعاً جيداً وذلك إلى جانب الدراسة الموسيقية. لقد تأثر عاصي ومنصور بالموسيقى البيزنطية. كونهما من الطائفة الأورثوذكسية فكان من الطبيعي أن يهتمّا بالقداديس وصلوات الطقس البيزنطي. كما تأثّرا بالموسيقى السريانية وقد كتب منصور الرحباني ألحاناً للقدّاس الماروني. كما تأثرا أيضاً بموسيقى الكلاسيكيين الكبار les grands maîtres، واستمعا إلى الموسيقى الروسية والفرنسية والألمانية الكلاسيكية والموسيقى الشرقية وخصوصاً المصرية: سيّد درويش، محمد عثمان، عبدو الحمولي، عبد الوهاب، أم كلثوم، رياض السنباطي. كما تعاونا مع عبد الوهاب الذي لحّن أغنية "سَكنَ الليل" للسيدة فيروز. كانا منفتحين على كل الحضارات وعلى كل المصادر الموسيقية غربية كانت أم شرقية. ونستطيع القول إن أسلوب عاصي ومنصور هو "السهل الممتنع" في الموسيقى.

صورة للآت موسيقية

المجلة: ماذا عن الجيل الثاني؟ مروان، وغدي، وأسامة، أولاد منصور؟ وزياد بن عاصي؟

النقيب: أصبح لدى الرحابنة مؤسسة تعمل في مجال الفن. وستنتقل أيضاً إلى الجيل الثالث.

المجلة: ما الفرق بين الجيلين الأول والثاني؟

النقيب: الحياة تتقدَّم، التغيير والتطوير أمران طبيعيّان. الجيل الثاني طوَّر الموسيقى ولكن للأسف على حساب الموسيقى اللبنانية والشرقية. نزح الجيل الثاني نحو الغرب بالألحان والتقنيات. وهذا ليس مستحَب. ليت هذا التطور حصل ضمن النمط اللبناني، لديّ تخوف من أن يفقد اللحن الرحباني والكلمة والشعر الرحبانيّان الطابعين اللبناني والشرقي.

المجلة: وماذا عن زياد الرحباني؟

النقيب: زياد الرحباني بدأ بالتلحين قبل الآخرين من الجيل الثاني. وكانت بداياته جميلة جداً وألحانه قيّمة. وقد طوّرها ضمن المفهوم اللبناني والشرقي. ولكنه جَنَحَ في ما بعد نحو الجاز JAZZ  .زياد كان يحب الجاز وأنا أيضاً احببته. وكان لديّ فرقة جاز  JAZZ. ولكنني أدركت لاحقاً أننا لا نستطيع أن نكمل في هذا المجال. موسيقى الجاز JAZZ  ليست من تراثنا. وقد نصحت زياد الرحباني أن لا يكمل في هذا الطريق، فالجاز JAZZ عمره مئات السنين في اميركا. نحن لا نستطيع أن نضيف شيئاً على هذا النوع من الموسيقى التي ليست من حضاراتنا. ليس لدينا خبرة في هذا المجال.

المجلة: وغسان الرحباني؟

النقيب: هو ايضاً جنَحَ نحو الـ Pop   والموسيقى الغربية وقد بدأ مع الهاردروك Hard rock.

 المجلة: في أية مرحلة من مراحل التدريس يمكن للطالب أن يعزف موسيقى الأخوين رحباني؟

النقيب: بين عمر 8 و12 سنة . هنالك بعض الميلوديات Mélodies  السهلة والأغاني السهلة. وأنصح معلّمي الموسيقى التركيز على أغاني فيروز القديمة.كما يمكن اعتماد موسيقى الأخوين الرحباني ليعتاد الطلاب على التذوق الموسيقي.

 

المجلة التربوية

مقابلة مع نقيب الموسيقيين أنطوان فرح

 

مقابلة مع نقيب الموسيقيين أنطوان فرح

 

زياد عاصي الرحبانيعمِل نقيب الموسيقيين الأستاذ أنطوان فرح طويلاً مع الأخوين رحباني. وهو يعلم الكثير عن الإبداع الموسيقي في تلك الحقبة ويعلم كيف تمّ التغيير. النقيب من محبّي موسيقى عاصي ومنصور وقد لبّى دعوتنا من دون تردد وأجاب عن كل الأسئلة والتساؤلات حول التغيير الذي أحدثه الأخوان في عالم الموسيقى.
 

المجلة التربوية

النقيب أنطوان فرح للمجلة التربوية: ''بدأ التغيير الفعلي مع استعمال التخت الشرقي الموسّع والارتقاء بالموسيقى إلى الروح!

 

المجلة: ما هي الآلة الموسيقية التي تعلّم عليها العزف عاصي ومنصور الرحباني؟

النقيب أنطوان فرح: عملت طويلاً مع عاصي ومنصور من سنة 1962 حتى 1998 وكنت أتنقل معهما في الرحلات والاستديوهات والمهرجانات. كان عاصي الرحباني يعزف على البزق. ابتدأ مع البزق. أما الأستاذ منصور فأعرف أنه يعزف على البيانو والبزق ولكنني لا أعلم ما هي الآلة التي ابتدأ بالعزف عليها.

المجلة: ما هي الآلات التي استعملاها في ما بعد؟ وعلى يد من تتلمذا في الموسيقى؟

النقيب: تعلّما مع الأب بولس الأشقر ومع برتران روبيار وغيرهما من الأساتذة الهارموني l’harmonie  والتوزيع والموسيقى الغربية والكونتروبوان Contrepoint والـ Fugue   كما  درسا الموسيقى الشرقية. كان لديهما معلومات كثيرة عن الموسيقى. ولديهما أبحاث ودراسات ومتابعة للموسيقى البيزنطية والسريانية والتجويد القرآني.

مقطوعة موسيقيةالنايآلة العود

المجلة: يقال أنهما أحدثا تغييراً كبيراً على صعيد الموسيقى في الشرق. فهل لك أن تشرح لنا ذلك؟

النقيب: بالتأكيد. لقد أسّسا المسرح الغنائي. قبل الأخوين الرحباني لم يكن هنالك مسرحٌ غنائيٌّ في لبنان أو Musical Play، المسرح الغنائي كان موجوداً في القاهرة في عهد سيَّد درويش وجورج أبيض بين سنة 1800 و 1900.

أسّس الأخوان رحباني هذا المسرح الغنائي وبرعا في هذا المجال. هذا هو التغيير الذي أحدثاه في الشرق. في القاهرة كانت الأعمال في مجال المسرح الغنائي محدودة جداً واقتصرت على بعض المحاولات. لكن الأخوين رحباني طوَّرا هذا النوع من المسرح بالمفهوم الحديث وبالمفهوم اللبناني: الكلمة أو اللهجة اللبنانية وهذا هو الأهم. لقد ابتكرا لحناً جديداً يمزج بين الحضارة الشرقية والحضارة الغربية. كانت لديهما الموهبة والمثابرة والبحث عن كل ما يؤدي إلى المعرفة. وهذا هو سرّ البراعة.

المجلة:  ماذا كان يجري على صعيد الموسيقى في مصر في عهد الأخوين رحباني؟ وما الذي يميِّز أعمال الأخوين رحباني عن الأعمال في مصر في ذلك الوقت؟

النقيب: في زمن عاصي ومنصور كان في مصر عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وغيرهم، والطرب المصري الذي بدأ سنة 1800 مع الشيخ سلامه الحجازي، وبين 1800 وأوائل 1900 مع محمد عثمان وعبدو الحمولي وغيرهم (لا أذكر كل الأسماء). هؤلاء جميعهم كانوا يعملون في مجال "التخت الشرقي" الذي يتألف من آلة "الناي" و"العود" و"القانون" و"الدف" للإيقاع. وقد استطاع الأخوان الرحباني أن يؤلِّفا مزيجاً من الثقافة الشرقية والثقافة الغربية.

آلة الفيولونوأودّ أن أذكر أن سيِّد درويش وكل معاصريه كانوا يعملون في مسارح صغيرة ويتعاطون  المسرح الشعبي، أو الغنائي الشعبي. ثمَ استعمل الأخوان رحباني الأوركسترا Orchestre  (وقد استعملها أيضاً عبد الوهاب وفريد الأطرش) وقد أدخلا الآلات الموسيقية الكبيرة مثل الكمنجا Violon  والتشيللو (Cello= Violoncelle )  و الـ Contrebasse. انتشرت هذه الآلات في الشرق مع دخول الحضارة الغربية والثقافة الموسيقية الأوروبية، وذلك بعد خروج الحكم العثماني من بلادنا. ولا نزال حتى اليوم نتأثر بالموسيقى الغربية. هذا هو أثر اندماج الحضارات ببعضها. ولكن في زمن عاصي ومنصور الرحباني كانت هنالك رهجة لاستعمال هذه الآلات عند الشعوب العربية. وكان الناس يندهشون عند استعمال "الكمنجات" الكبيرة وآلات النفخ. لقد أدخل الأخوان الرحباني هذه الآلات مع الـ Hautbois  والأكورديون Accordéon   الذي كان له أهمية كبيرة. كما استعملا البيانو Piano ، والـ Contrebasse  وآلات النفخ في المسرحيات والأغاني والكثير من التقنيات الغربية التي لا تزال تستعمل حتى اليوم.

المجلة: ولكن قبل الأوركسترا Orchestre  وعندما بدأت فيروز بالغناء ما هو التغيير الذي حصل على صعيد الموسيقى؟فتاة تعزف على آلة التشللو cello

النقيب: استعملا التخت الشرقي الموسَّع. أدخلا الكمنجا Violon والكونتروباس Contrebasse والشيللو Cello. بدءا مع الاسكتشات Sketches في إذاعة الشرق الأدنى. فتطور السكتش الإذاعي Sketche  معهما  إلى مسرح وما زال بتطور حتى مع الجيل الرحباني الجديد. فالمسرح مع  مروان وغدي وأسامة الرحباني يتقدّم تقنياً ومشهدياً وهذا شيء مهم.

المجلة: متى بدآ إذاً "استعمال الأوركسترا"؟

النقيب: في الخمسينيّات وخصوصاً في المهرجانات.

المجلة: التغيير لم يحصل إذاً على صعيد الآلات في مصر وعند الأخوين رحباني. بل حصل التغيير على صعيد اللحن فقط. ما الفرق بين اللحن المصري واللحن الرحباني في ذلك الزمن؟

النقيب: في ذلك الزمن كان الفرق كبير جداً. فالملحَّنون المصريون الكبار كانوا يحاولون ملامسة الأحاسيس الإنسانية المادية بواسطة اللحن أو إثارة الغرائز فلا يدخل اللحن إلى الروح.  

آلة التشللو cello(وأنا هنا لا أحاول أن أقلِّل من أهمية الطرب المصري فهو جميل جداً) إنّما أقول أن هذا الطرب يبقى في إطار المادة والغريزة الجسدية، أما الأخوان رحباني، فقد استطاعا أن يدخلا إلى الروح والقلب بواسطة  جملة لحنية بسيطة، استطاعا أن يدخلا إلى الروح والقلب. وهذه هي أهمية مدرسة عاصي ومنصور الموسيقية: الارتقاء بالموسيقى إلى الروح، إلى عمق الإنسان ونفسه، إلى ملامسة المشاعر والعواطف.

المجلة: يمكننا إذاً أن نتكلّم عن الصوفية في اللحن ؟ أو الروحانية؟

النقيب: طبعاً. روحانية الموسيقى واللحن. فلا يجب أن ننسى أن الموسيقى بدأت في العالم مع الأديان. بدأت مع الطقوس الوثنية قبل السيّد المسيح والنبي محمد. كان الوثنيون يستعملون آلات موسيقية خلال ممارسة طقوسهم الدينية. ثم إن شِعر الأخوين رحباني والكلمة التي لامست عواطف الإنسان هما اللذان أسهما في نجاح الأغنية. فلا يمكننا أن نفصل الكلمة عن الموسيقى. لقد ألبسا الكلمة الحلوة لحناًَ ناعماً، وهذا ما جعل الناس تحب وتعشق الأغنية الرحبانية. كان الناس يستمعون إلى الأغاني المصرية الطربية الطويلة. وكان اللبنانيون يلحَّنون على الطريقة المصرية. مع الأخوين رحباني أصبحت الأغنية قصيرة والصورة الشعرية تُدخِل المستمع في حالة نشوة وسُمّو روحانيّ.

 المجلة: لا يمكننا إذاً أن نفصل بين الكلمة واللحن فهما توآمان؟

النقيب: طبعاً الكلمة تلبس اللحن. وهنا أود أن أذكر بعض الذين كانوا يعملون على إدخال اللهجة اللبنانية في الأغنية، أمثال جورج فرح وسامي الصيداوي وجورج متى؟ بدأ جورج  فرح بدأ سنة 1930، وألّف أغاني كلاسيكية أوبرالية ولديه مجموعة من 74 أغنية. وكتب هؤلاء "ألحاناً" شعبية جميلة. النهضة اللبنانية بدأت سنة 1930 وبدأ إعطاء اللهجة اللبنانية أهمية كبرى وذلك بعد خروج العثمانيين من لبنان. وهؤلاء كتبوا أغاني للإذاعات فلم تنتشر أغانيهم كما انتشرت أغاني الأخوين رحباني لأنهما عملا في المسرح الذي ساعد على انتشار الأغنية الرحبانية. كما تأثّر الأخوان رحباني في بدايتهما بالأغاني الغربية كالتنغو Tango   مثلاً.

hg]tالقانون

المجلة: ما هو دور الزجل في المسرح الرحبانيّ، وما دور الأخوين رحبانيّ في الحفاظ على هذا التراث؟

النقيب: الزجل قديم جداً في هذه المنطقة وقد استعان الأخوان رحباني بالألحان الزجلية الجميلة بذوق فريد، وخصوصاً في الأغاني المشهدية في المسرحيات ومع رقص الدبكة اللبنانية وقد أسهما في الحفاظ على هذا التراث. ونحن نلاحظ أن المسؤولين لا يهتمون بالزجل ونحن متخوِّفون من اضمحلال وانقراض هذا الفن الجميل  والعريق. يجب أن تهتم المدارس بهذا الشأن.

المجلة: هل تعتبرون أن موسيقى الأخوين رحباني كلاسيكية، ولماذا؟

النقيب: مفهوم كلمة كلاسيكية يتفاوت بين الناس. كلاسيكي يعني ما انتشر واستطاع أن يحافظ على أهميته وديمومته. كلمة كلاسيك تعني: ما يُحفَظ. الأعمال الكلاسيكية بالمفهوم العالمي هي الأعمال الكبيرة كالسانفونيات Symphonies والكونسرتو Concertos  ولكن هناك الكلاسيك الخفيف أو ما يُسمى في الغربLight Classics  والقريب من الشعبي. موسيقى الأخوين رحباني تُصنََّف بين الكلاسيك والـ Light Classics .ألحان الأخوين رحباني شعبية لأنها انتشرت ودخلت قلوب الجميع ولكنها أيضاً مرتفعة بقيمتها عن اللحن الشعبي العادي. فهي ألحان شعبية مرتفعة وراقية جداً لهذا السبب أصنفها Light Classics . لا تُعتبر ألحانهما موسيقى خفيفة بمعنى الـ Musique légère  لكنها ليست أيضاً كلاسيكية بحيث يصعب على الجميع الإستماع إليها وتذوّقها. إنه الكلاسيكي بمتناول الجمهور الكبير. إنها الألحان الشعبية الراقية !

المجلة: ما هو الفرق بين الموسيقى التي يكتبها الياس الرحباني والتي يكتبها عاصي ومنصور؟

النقيب: عمل الياس الرحباني منفرداً. كتب في البداية ألحاناً جميلة ثمّ اتجه نحو الإعلان التجاري واشترك مع أخويه في المسرحيات. ثمّ كتب ثلاث أو أربع مسرحيات. من ناحية الموسيقى هو قريب من أخَوَيه في ما يعود للجملة الموسيقية. ألحان الياس الرحباني قريبة جداً من الألحان الغربية.

المجلة: ما هي الموسيقى التي تأثّر بها الأخوين رحباني؟

النقيب: كل من يعمل في الحقل الموسيقي يجب عليه أن يسمع وأن يكون مستمعاً جيداً وذلك إلى جانب الدراسة الموسيقية. لقد تأثر عاصي ومنصور بالموسيقى البيزنطية. كونهما من الطائفة الأورثوذكسية فكان من الطبيعي أن يهتمّا بالقداديس وصلوات الطقس البيزنطي. كما تأثّرا بالموسيقى السريانية وقد كتب منصور الرحباني ألحاناً للقدّاس الماروني. كما تأثرا أيضاً بموسيقى الكلاسيكيين الكبار les grands maîtres، واستمعا إلى الموسيقى الروسية والفرنسية والألمانية الكلاسيكية والموسيقى الشرقية وخصوصاً المصرية: سيّد درويش، محمد عثمان، عبدو الحمولي، عبد الوهاب، أم كلثوم، رياض السنباطي. كما تعاونا مع عبد الوهاب الذي لحّن أغنية "سَكنَ الليل" للسيدة فيروز. كانا منفتحين على كل الحضارات وعلى كل المصادر الموسيقية غربية كانت أم شرقية. ونستطيع القول إن أسلوب عاصي ومنصور هو "السهل الممتنع" في الموسيقى.

صورة للآت موسيقية

المجلة: ماذا عن الجيل الثاني؟ مروان، وغدي، وأسامة، أولاد منصور؟ وزياد بن عاصي؟

النقيب: أصبح لدى الرحابنة مؤسسة تعمل في مجال الفن. وستنتقل أيضاً إلى الجيل الثالث.

المجلة: ما الفرق بين الجيلين الأول والثاني؟

النقيب: الحياة تتقدَّم، التغيير والتطوير أمران طبيعيّان. الجيل الثاني طوَّر الموسيقى ولكن للأسف على حساب الموسيقى اللبنانية والشرقية. نزح الجيل الثاني نحو الغرب بالألحان والتقنيات. وهذا ليس مستحَب. ليت هذا التطور حصل ضمن النمط اللبناني، لديّ تخوف من أن يفقد اللحن الرحباني والكلمة والشعر الرحبانيّان الطابعين اللبناني والشرقي.

المجلة: وماذا عن زياد الرحباني؟

النقيب: زياد الرحباني بدأ بالتلحين قبل الآخرين من الجيل الثاني. وكانت بداياته جميلة جداً وألحانه قيّمة. وقد طوّرها ضمن المفهوم اللبناني والشرقي. ولكنه جَنَحَ في ما بعد نحو الجاز JAZZ  .زياد كان يحب الجاز وأنا أيضاً احببته. وكان لديّ فرقة جاز  JAZZ. ولكنني أدركت لاحقاً أننا لا نستطيع أن نكمل في هذا المجال. موسيقى الجاز JAZZ  ليست من تراثنا. وقد نصحت زياد الرحباني أن لا يكمل في هذا الطريق، فالجاز JAZZ عمره مئات السنين في اميركا. نحن لا نستطيع أن نضيف شيئاً على هذا النوع من الموسيقى التي ليست من حضاراتنا. ليس لدينا خبرة في هذا المجال.

المجلة: وغسان الرحباني؟

النقيب: هو ايضاً جنَحَ نحو الـ Pop   والموسيقى الغربية وقد بدأ مع الهاردروك Hard rock.

 المجلة: في أية مرحلة من مراحل التدريس يمكن للطالب أن يعزف موسيقى الأخوين رحباني؟

النقيب: بين عمر 8 و12 سنة . هنالك بعض الميلوديات Mélodies  السهلة والأغاني السهلة. وأنصح معلّمي الموسيقى التركيز على أغاني فيروز القديمة.كما يمكن اعتماد موسيقى الأخوين الرحباني ليعتاد الطلاب على التذوق الموسيقي.

 

المجلة التربوية

مقابلة مع نقيب الموسيقيين أنطوان فرح

 

مقابلة مع نقيب الموسيقيين أنطوان فرح

 

زياد عاصي الرحبانيعمِل نقيب الموسيقيين الأستاذ أنطوان فرح طويلاً مع الأخوين رحباني. وهو يعلم الكثير عن الإبداع الموسيقي في تلك الحقبة ويعلم كيف تمّ التغيير. النقيب من محبّي موسيقى عاصي ومنصور وقد لبّى دعوتنا من دون تردد وأجاب عن كل الأسئلة والتساؤلات حول التغيير الذي أحدثه الأخوان في عالم الموسيقى.
 

المجلة التربوية

النقيب أنطوان فرح للمجلة التربوية: ''بدأ التغيير الفعلي مع استعمال التخت الشرقي الموسّع والارتقاء بالموسيقى إلى الروح!

 

المجلة: ما هي الآلة الموسيقية التي تعلّم عليها العزف عاصي ومنصور الرحباني؟

النقيب أنطوان فرح: عملت طويلاً مع عاصي ومنصور من سنة 1962 حتى 1998 وكنت أتنقل معهما في الرحلات والاستديوهات والمهرجانات. كان عاصي الرحباني يعزف على البزق. ابتدأ مع البزق. أما الأستاذ منصور فأعرف أنه يعزف على البيانو والبزق ولكنني لا أعلم ما هي الآلة التي ابتدأ بالعزف عليها.

المجلة: ما هي الآلات التي استعملاها في ما بعد؟ وعلى يد من تتلمذا في الموسيقى؟

النقيب: تعلّما مع الأب بولس الأشقر ومع برتران روبيار وغيرهما من الأساتذة الهارموني l’harmonie  والتوزيع والموسيقى الغربية والكونتروبوان Contrepoint والـ Fugue   كما  درسا الموسيقى الشرقية. كان لديهما معلومات كثيرة عن الموسيقى. ولديهما أبحاث ودراسات ومتابعة للموسيقى البيزنطية والسريانية والتجويد القرآني.

مقطوعة موسيقيةالنايآلة العود

المجلة: يقال أنهما أحدثا تغييراً كبيراً على صعيد الموسيقى في الشرق. فهل لك أن تشرح لنا ذلك؟

النقيب: بالتأكيد. لقد أسّسا المسرح الغنائي. قبل الأخوين الرحباني لم يكن هنالك مسرحٌ غنائيٌّ في لبنان أو Musical Play، المسرح الغنائي كان موجوداً في القاهرة في عهد سيَّد درويش وجورج أبيض بين سنة 1800 و 1900.

أسّس الأخوان رحباني هذا المسرح الغنائي وبرعا في هذا المجال. هذا هو التغيير الذي أحدثاه في الشرق. في القاهرة كانت الأعمال في مجال المسرح الغنائي محدودة جداً واقتصرت على بعض المحاولات. لكن الأخوين رحباني طوَّرا هذا النوع من المسرح بالمفهوم الحديث وبالمفهوم اللبناني: الكلمة أو اللهجة اللبنانية وهذا هو الأهم. لقد ابتكرا لحناً جديداً يمزج بين الحضارة الشرقية والحضارة الغربية. كانت لديهما الموهبة والمثابرة والبحث عن كل ما يؤدي إلى المعرفة. وهذا هو سرّ البراعة.

المجلة:  ماذا كان يجري على صعيد الموسيقى في مصر في عهد الأخوين رحباني؟ وما الذي يميِّز أعمال الأخوين رحباني عن الأعمال في مصر في ذلك الوقت؟

النقيب: في زمن عاصي ومنصور كان في مصر عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وغيرهم، والطرب المصري الذي بدأ سنة 1800 مع الشيخ سلامه الحجازي، وبين 1800 وأوائل 1900 مع محمد عثمان وعبدو الحمولي وغيرهم (لا أذكر كل الأسماء). هؤلاء جميعهم كانوا يعملون في مجال "التخت الشرقي" الذي يتألف من آلة "الناي" و"العود" و"القانون" و"الدف" للإيقاع. وقد استطاع الأخوان الرحباني أن يؤلِّفا مزيجاً من الثقافة الشرقية والثقافة الغربية.

آلة الفيولونوأودّ أن أذكر أن سيِّد درويش وكل معاصريه كانوا يعملون في مسارح صغيرة ويتعاطون  المسرح الشعبي، أو الغنائي الشعبي. ثمَ استعمل الأخوان رحباني الأوركسترا Orchestre  (وقد استعملها أيضاً عبد الوهاب وفريد الأطرش) وقد أدخلا الآلات الموسيقية الكبيرة مثل الكمنجا Violon  والتشيللو (Cello= Violoncelle )  و الـ Contrebasse. انتشرت هذه الآلات في الشرق مع دخول الحضارة الغربية والثقافة الموسيقية الأوروبية، وذلك بعد خروج الحكم العثماني من بلادنا. ولا نزال حتى اليوم نتأثر بالموسيقى الغربية. هذا هو أثر اندماج الحضارات ببعضها. ولكن في زمن عاصي ومنصور الرحباني كانت هنالك رهجة لاستعمال هذه الآلات عند الشعوب العربية. وكان الناس يندهشون عند استعمال "الكمنجات" الكبيرة وآلات النفخ. لقد أدخل الأخوان الرحباني هذه الآلات مع الـ Hautbois  والأكورديون Accordéon   الذي كان له أهمية كبيرة. كما استعملا البيانو Piano ، والـ Contrebasse  وآلات النفخ في المسرحيات والأغاني والكثير من التقنيات الغربية التي لا تزال تستعمل حتى اليوم.

المجلة: ولكن قبل الأوركسترا Orchestre  وعندما بدأت فيروز بالغناء ما هو التغيير الذي حصل على صعيد الموسيقى؟فتاة تعزف على آلة التشللو cello

النقيب: استعملا التخت الشرقي الموسَّع. أدخلا الكمنجا Violon والكونتروباس Contrebasse والشيللو Cello. بدءا مع الاسكتشات Sketches في إذاعة الشرق الأدنى. فتطور السكتش الإذاعي Sketche  معهما  إلى مسرح وما زال بتطور حتى مع الجيل الرحباني الجديد. فالمسرح مع  مروان وغدي وأسامة الرحباني يتقدّم تقنياً ومشهدياً وهذا شيء مهم.

المجلة: متى بدآ إذاً "استعمال الأوركسترا"؟

النقيب: في الخمسينيّات وخصوصاً في المهرجانات.

المجلة: التغيير لم يحصل إذاً على صعيد الآلات في مصر وعند الأخوين رحباني. بل حصل التغيير على صعيد اللحن فقط. ما الفرق بين اللحن المصري واللحن الرحباني في ذلك الزمن؟

النقيب: في ذلك الزمن كان الفرق كبير جداً. فالملحَّنون المصريون الكبار كانوا يحاولون ملامسة الأحاسيس الإنسانية المادية بواسطة اللحن أو إثارة الغرائز فلا يدخل اللحن إلى الروح.  

آلة التشللو cello(وأنا هنا لا أحاول أن أقلِّل من أهمية الطرب المصري فهو جميل جداً) إنّما أقول أن هذا الطرب يبقى في إطار المادة والغريزة الجسدية، أما الأخوان رحباني، فقد استطاعا أن يدخلا إلى الروح والقلب بواسطة  جملة لحنية بسيطة، استطاعا أن يدخلا إلى الروح والقلب. وهذه هي أهمية مدرسة عاصي ومنصور الموسيقية: الارتقاء بالموسيقى إلى الروح، إلى عمق الإنسان ونفسه، إلى ملامسة المشاعر والعواطف.

المجلة: يمكننا إذاً أن نتكلّم عن الصوفية في اللحن ؟ أو الروحانية؟

النقيب: طبعاً. روحانية الموسيقى واللحن. فلا يجب أن ننسى أن الموسيقى بدأت في العالم مع الأديان. بدأت مع الطقوس الوثنية قبل السيّد المسيح والنبي محمد. كان الوثنيون يستعملون آلات موسيقية خلال ممارسة طقوسهم الدينية. ثم إن شِعر الأخوين رحباني والكلمة التي لامست عواطف الإنسان هما اللذان أسهما في نجاح الأغنية. فلا يمكننا أن نفصل الكلمة عن الموسيقى. لقد ألبسا الكلمة الحلوة لحناًَ ناعماً، وهذا ما جعل الناس تحب وتعشق الأغنية الرحبانية. كان الناس يستمعون إلى الأغاني المصرية الطربية الطويلة. وكان اللبنانيون يلحَّنون على الطريقة المصرية. مع الأخوين رحباني أصبحت الأغنية قصيرة والصورة الشعرية تُدخِل المستمع في حالة نشوة وسُمّو روحانيّ.

 المجلة: لا يمكننا إذاً أن نفصل بين الكلمة واللحن فهما توآمان؟

النقيب: طبعاً الكلمة تلبس اللحن. وهنا أود أن أذكر بعض الذين كانوا يعملون على إدخال اللهجة اللبنانية في الأغنية، أمثال جورج فرح وسامي الصيداوي وجورج متى؟ بدأ جورج  فرح بدأ سنة 1930، وألّف أغاني كلاسيكية أوبرالية ولديه مجموعة من 74 أغنية. وكتب هؤلاء "ألحاناً" شعبية جميلة. النهضة اللبنانية بدأت سنة 1930 وبدأ إعطاء اللهجة اللبنانية أهمية كبرى وذلك بعد خروج العثمانيين من لبنان. وهؤلاء كتبوا أغاني للإذاعات فلم تنتشر أغانيهم كما انتشرت أغاني الأخوين رحباني لأنهما عملا في المسرح الذي ساعد على انتشار الأغنية الرحبانية. كما تأثّر الأخوان رحباني في بدايتهما بالأغاني الغربية كالتنغو Tango   مثلاً.

hg]tالقانون

المجلة: ما هو دور الزجل في المسرح الرحبانيّ، وما دور الأخوين رحبانيّ في الحفاظ على هذا التراث؟

النقيب: الزجل قديم جداً في هذه المنطقة وقد استعان الأخوان رحباني بالألحان الزجلية الجميلة بذوق فريد، وخصوصاً في الأغاني المشهدية في المسرحيات ومع رقص الدبكة اللبنانية وقد أسهما في الحفاظ على هذا التراث. ونحن نلاحظ أن المسؤولين لا يهتمون بالزجل ونحن متخوِّفون من اضمحلال وانقراض هذا الفن الجميل  والعريق. يجب أن تهتم المدارس بهذا الشأن.

المجلة: هل تعتبرون أن موسيقى الأخوين رحباني كلاسيكية، ولماذا؟

النقيب: مفهوم كلمة كلاسيكية يتفاوت بين الناس. كلاسيكي يعني ما انتشر واستطاع أن يحافظ على أهميته وديمومته. كلمة كلاسيك تعني: ما يُحفَظ. الأعمال الكلاسيكية بالمفهوم العالمي هي الأعمال الكبيرة كالسانفونيات Symphonies والكونسرتو Concertos  ولكن هناك الكلاسيك الخفيف أو ما يُسمى في الغربLight Classics  والقريب من الشعبي. موسيقى الأخوين رحباني تُصنََّف بين الكلاسيك والـ Light Classics .ألحان الأخوين رحباني شعبية لأنها انتشرت ودخلت قلوب الجميع ولكنها أيضاً مرتفعة بقيمتها عن اللحن الشعبي العادي. فهي ألحان شعبية مرتفعة وراقية جداً لهذا السبب أصنفها Light Classics . لا تُعتبر ألحانهما موسيقى خفيفة بمعنى الـ Musique légère  لكنها ليست أيضاً كلاسيكية بحيث يصعب على الجميع الإستماع إليها وتذوّقها. إنه الكلاسيكي بمتناول الجمهور الكبير. إنها الألحان الشعبية الراقية !

المجلة: ما هو الفرق بين الموسيقى التي يكتبها الياس الرحباني والتي يكتبها عاصي ومنصور؟

النقيب: عمل الياس الرحباني منفرداً. كتب في البداية ألحاناً جميلة ثمّ اتجه نحو الإعلان التجاري واشترك مع أخويه في المسرحيات. ثمّ كتب ثلاث أو أربع مسرحيات. من ناحية الموسيقى هو قريب من أخَوَيه في ما يعود للجملة الموسيقية. ألحان الياس الرحباني قريبة جداً من الألحان الغربية.

المجلة: ما هي الموسيقى التي تأثّر بها الأخوين رحباني؟

النقيب: كل من يعمل في الحقل الموسيقي يجب عليه أن يسمع وأن يكون مستمعاً جيداً وذلك إلى جانب الدراسة الموسيقية. لقد تأثر عاصي ومنصور بالموسيقى البيزنطية. كونهما من الطائفة الأورثوذكسية فكان من الطبيعي أن يهتمّا بالقداديس وصلوات الطقس البيزنطي. كما تأثّرا بالموسيقى السريانية وقد كتب منصور الرحباني ألحاناً للقدّاس الماروني. كما تأثرا أيضاً بموسيقى الكلاسيكيين الكبار les grands maîtres، واستمعا إلى الموسيقى الروسية والفرنسية والألمانية الكلاسيكية والموسيقى الشرقية وخصوصاً المصرية: سيّد درويش، محمد عثمان، عبدو الحمولي، عبد الوهاب، أم كلثوم، رياض السنباطي. كما تعاونا مع عبد الوهاب الذي لحّن أغنية "سَكنَ الليل" للسيدة فيروز. كانا منفتحين على كل الحضارات وعلى كل المصادر الموسيقية غربية كانت أم شرقية. ونستطيع القول إن أسلوب عاصي ومنصور هو "السهل الممتنع" في الموسيقى.

صورة للآت موسيقية

المجلة: ماذا عن الجيل الثاني؟ مروان، وغدي، وأسامة، أولاد منصور؟ وزياد بن عاصي؟

النقيب: أصبح لدى الرحابنة مؤسسة تعمل في مجال الفن. وستنتقل أيضاً إلى الجيل الثالث.

المجلة: ما الفرق بين الجيلين الأول والثاني؟

النقيب: الحياة تتقدَّم، التغيير والتطوير أمران طبيعيّان. الجيل الثاني طوَّر الموسيقى ولكن للأسف على حساب الموسيقى اللبنانية والشرقية. نزح الجيل الثاني نحو الغرب بالألحان والتقنيات. وهذا ليس مستحَب. ليت هذا التطور حصل ضمن النمط اللبناني، لديّ تخوف من أن يفقد اللحن الرحباني والكلمة والشعر الرحبانيّان الطابعين اللبناني والشرقي.

المجلة: وماذا عن زياد الرحباني؟

النقيب: زياد الرحباني بدأ بالتلحين قبل الآخرين من الجيل الثاني. وكانت بداياته جميلة جداً وألحانه قيّمة. وقد طوّرها ضمن المفهوم اللبناني والشرقي. ولكنه جَنَحَ في ما بعد نحو الجاز JAZZ  .زياد كان يحب الجاز وأنا أيضاً احببته. وكان لديّ فرقة جاز  JAZZ. ولكنني أدركت لاحقاً أننا لا نستطيع أن نكمل في هذا المجال. موسيقى الجاز JAZZ  ليست من تراثنا. وقد نصحت زياد الرحباني أن لا يكمل في هذا الطريق، فالجاز JAZZ عمره مئات السنين في اميركا. نحن لا نستطيع أن نضيف شيئاً على هذا النوع من الموسيقى التي ليست من حضاراتنا. ليس لدينا خبرة في هذا المجال.

المجلة: وغسان الرحباني؟

النقيب: هو ايضاً جنَحَ نحو الـ Pop   والموسيقى الغربية وقد بدأ مع الهاردروك Hard rock.

 المجلة: في أية مرحلة من مراحل التدريس يمكن للطالب أن يعزف موسيقى الأخوين رحباني؟

النقيب: بين عمر 8 و12 سنة . هنالك بعض الميلوديات Mélodies  السهلة والأغاني السهلة. وأنصح معلّمي الموسيقى التركيز على أغاني فيروز القديمة.كما يمكن اعتماد موسيقى الأخوين الرحباني ليعتاد الطلاب على التذوق الموسيقي.

 

المجلة التربوية