التربية المتخصصة بالمعوقين
التربية المتخصصة بالمعوقين
''لا يولد الإنسان متخلّفاً بل يصبح كذلك''
مع المعوّقين: فالطفل، أيّ طفل، يولد بحالة (Éducation spécialisée) ذلك هو العنوان الأساسي لأيّة تربية متخصّصة عدم الاكتمال إذ لا يكتمل نموّه النيروفسيولوجي (الدماغ، أساساً سوى بشكل تدريجي بعد الولادة)، ومعه تكتمل مختلف مظاهر النمو الأخرى (الحس-حركي، العاطفي، النفسي، الاجتماعي، .. إلخ)؛ وقد يترافق ذلك مع وجود إعاقات معيّنة، مع استعدادات شخصيّة للعطب، وبالتالي، يبقى مصيره بين أيدينا ونبقى نحن (أي البيئة) مسؤولين أساساً عن توجيه هذا حين ،(Rééducation) المصير بالاتّجاه السوي. هذا ما أكّدت عليه معظم التطبيقات العمليّة، على مستوى إعادة التربية أشارت لواقع كون التدخّل التربوي يأتي بنتيجة أفضل كلّما كان أبكر (قبل الثلاث سنوات كحد أقصى، وليس بعد ذلك).
تقول شوليه (Chaulet)، المتخصّصة على مدار عقود، ''لم يُصَب أي طفل تمّ علاجه خلال هذه المرحلة المبكرة بالتأخّر، كما لم يظهر عنده أيّة .( مشاكل سلوكيّة'') ١ يُفهَم، بالتالي، تأكيد هؤلاء العاملين في مضمار التربية المتخصّصة على وجوب عدم اليأس من مساعدة المعوّق، مهما كانت درجة إعاقته، بل المحاولة معه دائماً وبذهن مرِن على مستوى التمارين والتطبيقات المستخدمة معه في هذا الإطار (سنتكلّم فيما بعد على نوع هذه التمارين وأهدافها التنمويّة) والمتوجّب عدم تطبيقها بحذافيرها لأنّ لكل شخص فرادته وشخصيّته المميّزِة له.
تربية واحدة للجميع
هناك، في الحقيقة، تربية واحدة للجميع: تربية وظائفيّة Educatio fonctionnelle بالمعنى البياجي من ( بياجيه) للكلمة، أي بمعنى النشاط المؤسّسِ لأولى التصورّات الوسطيّة (Schèmes) بين المعنى المجرّد والإدراك؛ وهذه التصوّرات تتكوّن من مجموعة العناصر الرئيسة الحسنة البناء لنشاط معيّن: عناصر لم تتكوّن مسبقاً بل تتبلور عبر النشاط، قيد التكوين، بفعل اتّصالها بالأشياء التي يُطبّقَ عليها هذا النشاط. وما يمهّدِ لحدوث ذلك إنّما يكمن في أنّ الإنسان (والمعوّق هو انسان) يولد مزوّداً بطاقات كامنة بالقوّة وتتبلور بفضل تفاعله الداخلي مع العالم الخارجي، وبخاصّة مع الأهل.
لكن، لتكون هذه التربية فعّالة مع أي طفل، ومع المعوّق بوجه خاص، ينبغي عدم البحث عن النجاح أو الفشل بل عن مساعدته على تكوين رصيد أساسي من المخطّطات (Schémas) المنظّمة في مجالات نموّه الشديدة التنوّع: الحركي والحس-حركي، الذهني، الإجرائي، الانفعالي-النفسي، الاجتماعي، القرائي والخطّي، .. إلخ. في الواقع، يعي الطفل المعوّق طاقاته وتناغم شخصيّته وقوّة دينامكيّته، لكن ليس بشكل عفوي، كما هي الحال مع الطفل العادي الذي يستكمل نموّه حتّى بالرغم من أنف الأهل في أحيان كثيرة، بل بفضل استثارة البيئة المحيطة به لطاقاته ودينامكيّته؛ لا بل تُفرَض التربية عليه من قِبَل المربّي الذي يلجأ لاستخدام مختلف التقنيّات التربويّة وذلك، انطلاقاً من مميّزات النمو السوي.
التربية المتخصّصة
والمعروف أنّ التربية المتخصّصة لا تعني التخصّص بنمو هذا الفرد أو ذاك بل التعرّف الى مميّزات النمو السوي وبالتالي، اكتشاف ما هي المهارات التي لم يكتسبها هذا المعوّق أو ذاك لمساعدته على اكتسابها فيكتمل ما ينقصه ويتمكّن، من ثمّ، من توظيفها لتشكّل عنده ركيزة لمرحلة النمو التي تليها ، وهكذا دواليك.
بتعبير آخر نقول، يستحيل اعتبار الطفل معوّقاً انطلاقاً ممّا ينقصه من مهارات (بمعنى انطلاقاً من اضطراباته) فحسب إذ من المتوجّب الانطلاق من القدرات الدفينة والمختزنة عنده، أي الانطلاق بالتربية التخصّصيّة (العلاجيّة الطابع) الممارسة معه كمعوّق من دينامكيّته ككائن بشري. من هنا التربية المتخصصة بالمعوقين التشديد على ما سبقت الإشارة إليه في أنّه ''كلّما كان التدخّل مبكراً كانت المهارات الناقصة عند الطفل أقل وبالتالي، تكون إمكانيّة تعويضها أسرع فتشكّل ركيزة للإكتسابات اللاحقة عنده''.
الأمل، عنوان التربية المتخصّصة
فضلاً عن ذلك، لا يحق لنا القول في التربية المتخصّصة، ومهما كانت الإعاقة، ''يستحيل مساعدة الطفل'' إذ ينبغي أن يكون هناك دائماً أمل وبالتالي، ينبغي عدم الاستسلام لليأس: فمنذ الولادة يتأثّر نمو الذكاء بنمو الطفل ككل؛ لذا، فإنّ أيّة إعاقة قد تصيب أي مظهر من مظاهر نموّه قد تصيب الذكاء عنده، أي قدرته على التكيّف. من هنا، وجوب مساعدة هذا الطفل المعوّق على استكمال مسيرة نموّه بشكل متكامل وعلى كافة المستويات (أي على مستوى كافة المهارات المتوجّب بلورتها عنده) وبما أنّ الذكاء هو أوّل ما يتأثّر عنده ينبغي، إذاً، تقديم الإمكانيّات كافة لتنميته؛ لكن، لهذا الذكاء حظ واحد يتعلّق بارتباطه بعضو محدّد هو الدماغ الذي، كما هو معروف، يكتمل بعد الولادة وهو حسّاس جدّاً لكافة المثيرات (الداخليّة والخارجيّة) التي تشكّل مصادر غير محدّدة يستقي منها المنابع المحفّزِة لنموّه: من هذا المنطلق بالذات يكتسب تأثير البيئة المحيطة بالطفل أهميّته، تأثيراً يرتبط باستخدامها لوسائل متواضعة إنّما فعّالة لأنّها تعمل على إنماء الذكاء على مستوى الشخصيّة ككل. والأهم، أنّها تميّزِ المعوقّين من الناحية المرضيّة.
يعتبر الذكاء، باختصار، خاصّية مميّ زِة للإنسان؛ وبالتالي، فمن الضروري أن تتوجّه جهودنا إلى شخصيّة المعوّق ككل إذ يستحيل تنمية ذكائه إن عزلناه عن النمو العاطفي- الانفعالي، العلائقي-الاجتماعي، العقلي-الفكري، .. إلخ. والشيء الوحيد الذي نحاول القيام به يكمن بفصله عمّا هو مَرَضي لإنقاذه من حالة التبعيّة (هذه هي حالة كل معوّق، المتوحّد بوجه خاص).
ثمّ إنّ الذكاء يولد مبكراً، كما سبقت الإشارة، ولا يملك سوى وقت محدود جدّاً لينمو ويتطوّر: تقريباً، عشر سنوات تتلاءم مع زمن النضوج العصبي للجهاز العصبي؛ وهذه السنوات العشر تتميّز بكونها مراحل تحسيس خاص لخصائص النمو التي تميّزِ كلاً منها والتي تتناقص مع تزايد العمر. بمعنى آخر نقول، يبقى تلاؤم كلٍّ من هذه المراحل مع خصوصيّاته من حيث الاكتساب، على مستوى تعلّم مختلف عمليّات النضوج المختلفة والمتنوّعة، مرتبطاً بمبدأ النمو الأساسي: ''كلٌّ من مراحل النمو ترتكز على المرحلة السابقة وتشكّل ركيزة للمرحلة اللاحقة''؛ من هنا اعتبار المرحلة الأولى من النمو مرحلة أساسيّة وتكوينيّة يصعب تعويضها إن لم يتسنّ للطفل عيشها وتحقيق عمليّات التعلّم والاكتساب المميّزِة لها، وصعوبة التعويض هذه تصبح أكبر مع تزايد عمر الطفل نظراً لتراكم أوجه القصور عنده. لكنّ السنوات اللاحقة تبقى مهمة من الناحية التربويّة، إنّما تصبح كل سنة أقل فأقل حساسيّة، وبالتالي أكثر صعوبة على استعادة المكتسبات السابقة. يُفهَم من كل ما سبق، أنّ هناك سنوات قليلة للعمل على إنضاج الدماغ البشري بهدف إنقاذ الذكاء.
تجدر الإشارة هنا إلى الواقع الآتي: قد تحصل اضطرابات السلوك عند الراشد في أي وقت لكنّها تختلف، من حيث الدلالة العياديّة والعلاج التربوي، عن تلك الحاصلة عند الطفل، منذ الولادة بشكل خاص، لأنّ اضطرابات السلوك عند الطفل تأخذ المكان الفارغ الذي تركه الذكاء فارغاً خلال الفترة المناسبة لنموّه وتبعاً لمتطلّبات المرحلة العمريّة التي يجتازها.
أكثر من ذلك، يمكننا القول بأنّ عدم تكوّن الذكاء بشكل نهائي وكونه مجزّأ إنّما يشكّل حسنة تستفيد التربية منها: فالذكاء، كما قلنا، يُصاب تقريباً بشكل دائم؛ لكنّ هذه الإصابة لا تكون كلّية إذ هناك دائماً بعض المناطق الصغيرة (îlots) التي تبقى غير مصابة وبالتالي، قابلة لتأثير النشاط التربوي. وهذا ما يدفعنا للاعتقاد بأنّه، في حال تعرّضت الوظائف الذهنيّة لإصابات خطيرة، يبقى الذكاء معرّضاً للصدّ، أي لمنع التعبير والتبلور، أكثر منه للإصابة الحادّة.
وطاقات المناطق الصغيرة في الذكاء (أي مجموعة الوظائف الذهنيّة المتلائمة معها) هي التي تشكّل الركيزة لعمل المربّي-المعالِج الهادف لتنميتها وجعلها قوّة حيّة،سليمة، بنّاءة وقادرة علىالحؤول دون استتباب ما يسمّى ب ''الإضطرابات السلوكيّة الخطيرة'' التي، وإن كانت موجودة عند الطفل، فهو (أي المربّي) يعمل على ما هو مخفي وكامن لتأسيس تلك القوة الداخلية البنّاءة عنده .
التشخيص الجيّد: نقطة انطلاق لأي عمل تربوي علاجي
ندخل هنا في صلب العمل التربوي-العلاجي حيث، انطلاقاً من كل ما تقدّم ذكره، نشدّد على وجوب العمل على المهارات التي كان على المعوّق اكتسابها لكنّه لم يكتسبها: فالنمو المتكامل والطاقات المكتسبة في هذه المرحلة أو تلك تشكّل ركيزة لما بعدها؛ لذا، لا بد من بدء أي عمل تربوي- علاجي بتشخيص دقيق من شأنه تقييم مواضع الخلل الذي أصاب طاقات معيّنة عند المعوّق فتتم مساعدته على إعادة بلورتها، اكتسابها واستعادتها. ثمّ إنّ التشخيص الجيّد يعتمد على تقييم المهارات المكتسبة عند المعوّق وتلك التي لم يكتسبها وذلك، عن طريق استخدام أدوات تقييم موضوعي تمّ وضعها لهذا الهدف انطلاقاً من ملاحظة مميّزات نمو الطفل السوي؛ يشكّل هذا التقييم، في الواقع، أداة مهمة جدّاً للمربّي إنّما شرط أن يستكملها بملاحظته الشخصيّة للطفل وشرط ألا يعطي لكلٍّ منهما (أي الملاحظة والتقييم الموضوعي) سوى القيمة الصحيحة والنسبيّة التي تستحقّها.
وانطلاقاً من ذلك، يبدأ المربّي مسيرة العمل مع الطفل، وإن أمكن مع أهله: عملاً فردياً، دقيقاً، منظّمَاً، غير محدّدَ بالوقت وتحت مسؤوليّته الكاملة. وعمله التربوي-العلاجي يجب أن يشتمل على مجموعات متنوّعة من التمارين: بدءاً بمجموعة التمارين المسمّاة أساسيّة، مروراً بالتمارين المعدّة لإرساء دينامكيّة ذاتيّة وبالتالي، إمكانيّات تكيّف مع ضرورات الحياة اليوميّة (تمارين تركّز على حركة الجسد: على الحركات الآليّة الأساسيّة، ومن ثمّ على الجسد المحرّر: تمارين حركيّة) وبالتمارين المركِّزة على اليد كأداة للذكاء نظراً لترابط نشاطها مع النشاط الذهني (يد تطيع ويد تثير وتفرض) وصولاً للتمارين الإرشادية-المعرفيّة التي تستكمل مسيرة الذكاء. أمّا المبدأ الأساسي لأي عمل تربوي فيبقى: مساعدة المصاب بإعاقة أو باضطراب معيّن على استعادة مسيرة حياته الطبيعيّة (أي تأمين حياته بنفسه ودون تِبعيّة للآخرين).
لكنّ استفادة الطفل المعوّق من هذه التمارين تبقى على ارتباط وثيق بمميّزات النمو السوي، كما سبقت الإشارة لذلك؛ لذا، من شأن اللوحة التالية المرتكِزة على ملاحظة الأطفال بشكل موضوعي-حياتي والمستقاة من عدد من المراجع المحقّقة حول النمو ٢ تأمين أفضل إيضاح لذلك:
ها هو الجنين يصبح، بفضل الولادة، مولوداً جديداً خرج من الرحم إلى العالم الخارجي: إنّه معرّض، ومنذ الأيّام الأولى من حياته للمثيرات الخارجيّة التي تضطرّه للإنصات والنظر، وتبعاً لخصائص هذه المثيرات حيث تثير القويّة منها انزعاجه وبكاءه ومحاولة ابتعاده بينما تؤدّي المثيرات الهادئة المتكرّرة والرتيبة بالطفل إلى فقدان الانتباه ومن ثم النوم.
وهذا الطفل الحديث الولادة الذي لم تكتمل بعد وظائف جهازه العصبي المركزي الأعلى يمتلك مراكز بصريّة وعصبيّة خاصّة بالاستجابة لعمليّة التغيير(هو قادر مثلاً على التركيز على بقعة متحرّكة من الضوء ومتابعتها، كما متابعة كل شيء متحرّك يقع في مجاله البصري). من هنا افتراض كل مثير جديداً بالنسبة الى الرضيع، وتكراره يجعله معتاداً عليه فلا يعود يثير خوفه؛ لكن، ليتفاعل مع المثيرات الخارجيّة، لا بد أن يكون هذا الرضيع مرتاحاً، نظيفاً، مغذّى ومسترخياً كي تُحدِث عنده هذه المثيرات ما يمكن تسميته بمحاولة إدراك كنه الشيء الذي ينظر إليه.
ولنراقب الرضيع المرتاح! نجده متنبّهاً ويمضي بعض الوقت في المشاهدة والإنصات والاستجابة بطريقة تدعو للاعتقاد بأنّه يبحث عن المثيرات ويشتاق للتعرّض إليها. يزداد هذا الأمر وضوحاً كلّما تقدّم بالعمر: ففي الأشهر الأولى، يصعب عليه الاستمرار في تناول طعامه إذا كان محاطاً بمثيرات مشوّقة تجري حوله؛ واللّعَُب (ج. لعبة)، المعلّقة في مهده بحيث يتيسّر له رؤيتها وسماع الأصوات الصادرة عنها، تسمح بإلهائه وإبعاد الملل عنه.
ثمّ إنّ مظاهر اهتمام الرضيع باكتشاف ما حوله من أشياء لهي متعدّدة ومتنوّعة؛ وهو لا يكتفي بالنظر والإصغاء بل يحاول التحرك للتوجّه نحوها (نحو الأشياء) أو للمسها أو للإمساك بها: فالإفلات، العطاء، الإمساك، التعرّف الى الشبيه، .. إلخ تشكّل، في الحقيقة، عناوين فرعيّة للتمارين الأساسيّة المطبّقة مع المعوّق. إنّما تعدّد هذه المظاهر لا يحدث قبل حصول التآزر بين العين واليد (في الشهرين الثالث والرابع من العمر) الذي (أي التآزر) يحتاج، إجمالاً، للخبرة والمران بعد حصوله، في البداية، بشكل عشوائي: الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، نكتفي بذكر حادث وقوع ملعقة التمارين لعلاج المعوقين. أُعطيت للطفل منه بشكل عفوي فيعيد إيقاعها عن قصد نتيجة الصدى المُفرِح الذي يتركه وقوع هذا الشيء بداخله، أو محاولته إمساك أذرع الأفراد المحيطين به، .. إلخ؛ يمكن تسمية هذه الرغبة ''أولى مظاهر اللعب الاستكشافي للمحيط'' ذات الدور الهام جدّاً ببلورة مهارات الطفل وطاقاته الكامنة. لكن، لا بد من التذكير هنا بواقع كون الطفل المعوّق يعجز، بعكس ما هي الحال مع الطفل العادي، عن متابعة نموّه بشكل عفوي ويحتاج لتدخّل البيئة كي تساعده على بلورة هذه الطاقات.
باختصار نقول، يتّخذ النمو مساراً متدرّجاً ينبغي احترامه لدى تحديد المربّي-المعالِج للمهارات التي تنقص عند هذا المعوّق أو ذاك وبالتالي، للتمارين اللازمة له، في ضوء التشخيص الذي قام به. وتطبيق التمارين معه إنّما يبدأ بما يسمّى ''التمارين الأساسيّة''، خلال أولى جلسات إعادة التربية ثمّ، بشكل موازٍ للتمارين الأخرى (على مستوى الجسم، على المستوى النفس-حركي، على مستوى اليد، على مستوى الذكاء)، في الجلسات التالية، لتأمين إمكانيّة أن يجد الطفل، بنفسه ولنفسه، المسيرة الطبيعيّة لدينامكيّته (يجد القارىء الكريم عرضاً مسهباً لكافة هذه التمارين في كتاب (Chaulet) المذكور آنفاً).
الكلام المرمّمِ: أساس لأي تعلّم عند الطفل المعوقّ عبر التمارين التطبيقيّة
لكن، تجدر الإشارة لأهميّة وجود الراشد وإصغائه، كما ولدوره الفعّال ومساعدته للطفل المعوّق بتمارين تنشّط طاقاته: عليه، كراشد، أن يقترح ويقود الطفل تدريجيّاً، عبر مختلف التمارين التطبيقيّة التي يستخدمها معه، لتحقيق تواصل ووعي إرادي لهذه الطاقات؛ لذا، فإنّه يلجأ لعمليّة تكرار اللعب حيث لكلماته وقوّة صوته التأثير الأوّلي الفعّال لأنّ أيّة عمليّة لعب جوهريّة لا تتم إن لم تُرافَق دائماً بصوت الراشد (المربّي-المعالِج بوجه خاص) وكلماته. فللكلام، كما تقول ماريّا مونتيسّوري ٣، دور ترميمي بغاية الأهميّة إذ تعتقد بأنّ صوتها هو الذي نادى الأطفال، أيقظهم ودفعهم لاستخدام التمارين، لا المواد.
وبالعودة إلى التمارين التطبيقيّة، يمكن القول(Chaulet) مع انّ تطبيق التمارين الأساسيّة على مجموعة من الأطفال المصابين بإعاقات متنوّعة قد كشف، في الحقيقة، عن وجود دورين رئيسيّين لها يطاولان مظهرين أو قطبين في تنظيم النمو عند الطفل: - دورها الوظائفي بالمعنى النفسي التربوي للكلمة (ويتلاقى مع ما أشار إليه مختلف الروّاد في مضمار التربية المتخصّصة أمثال كلاباريد، راي، مونتسّوري، بياجيه وغيرهم بخصوص انبناء شخصيّة الطفل خلال الثلاث سنوات الأولى من عمره)؛ - وعلاقتها المباشرة بمرحلة المرآة التي تمتد، حسب لاكان، ما بين ٦ إلى ٣٠ شهراً.
الدور الوظائفي": (Role fonctionnel)
تعتبر التمارين الخاصّة ب "العطاء" (Le donner) و ''الإفلات" (Le lâcher) (بمعنى العلاقة مع الآخر) بمثابة أولى الأنشطة التمهيديّة للاستقلاليّة مع محاولة البقاء على مسافة ما بين ''الأنا'' (le je) والآخر (شيء، أم، أب، أخوة .. إلخ): ف ''العطاء'' (يظهر حوالي الشهر السادس وأحياناً قبل) هو أن يكون الطفل قادراً على أخذ غرض ما براحة يده أو بأطراف أصابعه، أن يحتفظ به (فلا يرميه أو يوقعه) وأن يمدّ ذراعه نحو الراشد؛ و''الإفلات'' (يظهر ما بين ٦ و ١٢ شهراً) يعتبر بمثابة أول فعل إرادي للتحرّر: فهو يتطلّب عمليّة نضوج حركي بالتأكيد لكن، أيضاً، عمليّة نضوج عاطفي وعقلي لأنّه مزوّد بوظيفة رمزيّة مهمّة إذ، على الطفل، ليس فقط معرفة كيف يقود يده (نضوج حركي) بل أن يتمكّن أيضاً من الانفصال إراديّاً عن الشيء من دون أن يكون متورّطاً بهذا الانفصال؛ فالطفل يختبر بنفسه أنّ للشيء حقيقته الخاصّة به وأنّه لا يشكّل امتداداً له بل هو مستقل عنه؛ ما يعني استقلالية الشيء، بالإضافة لقدرة الطفل على السيطرة عليه (نضج عقلي وعاطفي).
والتمارين الخاصّة ب ''مفهوم الشبيه'' أو المطابقة (La notion d'identité) تشكّل أوّل خطوة لتعلّم الطفل أن يتعلّم وسيلة لاكتساب مهارات ومعلومات جديدة: فقبل تمكينه من جمع المعلومات، ينبغي إعطاء الطفل المعوّق وسائل تمكّنه من اكتسابها بنفسه؛ ومعرفة استخدام مفهوم المطابقة (أو الشبيه) تشكّل المرحلة الأولى التي لا مفر منها إذ إنّ اختيار عمليّة التطابق هذه (العمل مثل) هي التي تحدّد القدرات المستقبليّة للتعلّم: فهناك عمليّات ذهنيّة متعدّدة ينبغي تمرين علاجي على النطق. أن يحقّقها الطفل ليتمكّن من إعطاء شيء معروف تبعاً لمحكّات معيّنة يحدّدها المربّي (ك: النظر للشيء أو للحركة الأساسيّة، استنتاج المحكّات الأساسيّة لهذا الشيء، تسجيل المعلومات في الذاكرة، النظر إلى مجموعة الأشياء الموجودة معاً أمامه، التشبّع بمحكّاتها المختلفة، الاحتفاظ في الذاكرة بالمعلومات المسجّلة لكن من دون ترك التشبّع بالمحكّات يشوّش ذهنه أي تحقيق الحياد بخصوص هذه المحكّات، اختيار الشيء الجيّد المتلائم مع الشيء المطلوب من قِبَل المربّي، ترجمة هذا الاختيار بحركة يقوم بها أي إعطاء الطفل للمربّي الشيء الذي طلبه منه من بين مختلف الأشياء الموجودة أمامه: هناك، إذن، نشاط ذهني معقّد).
أمّا التمارين الحاصة بـ "أسم الشيء" (Le nom de l'objet) فتسهّل عليه (أي الطفل) عمليّة الحصول على حركيّة ذهنيّة تتناقض مع الأنماط الجامدة في التعلّم إذ كلّما توصّل لمعرفة الشيء باسمه، كلّما تمكّن من التعامل معه بدون خوف، من إقامة علاقة سلطة بينه وبين هذا الشيء، من سماع اسمه ومن بدء انخراطه بنمط ناشط وإيجابي على مستوى العلاقات الاجتماعيّة والدخول إلى عالم الرمزيّة والوظيفة التخيّليّة مع عمليّة إسقاط في تفكير الآخر اسم مُضمر مذكور، اسم يُذكر بدون تبصّر (A l'aveugle)
ثمّ إنّ التمارين الخاصّة ب ''الفرز(Le tri) تعتبر بمثابة أوّل مرحلة تمكّن الطفل من الخروج من حالة الفوضى والغموض نظراً لكون الفرز عمليّة أساسيّة لا وجود لأي تنظيم ذهني أو عمل عقلي نافع بدونها؛ يكفي ملاحظة العالم الحيواني (النمل، الطيور ..) لإدراك أنّها عمليّة ضروريّة ١٨ شهراً( يحب جمع أحجار أو - للحياة؛ والطفل الصغير ) ١٥ أوراق .. ؛ وبإمكانه فرزها عن بعضها: وهنا يبدأ بعمليّة التنظيم العقلي العفويّة التي ستغتني لاحقاً إذ، بعد فترة، '' سيضيف: ''لنقُل إن الحجارة هي حبّات ملبّس (Bonbons) أو، أيضاً، ''لنقُل أنّ الحجارة هي لك..''؛ ما يعني أنّه بدأ بالدخول إلى عالم الخيال بفضل هذا النشاط البدائي الذي سيجعل نشاطه العقلي أكثر فأكثر تعقيداً وتنظيماً؛ وهذا النشاط سيثير الوظيفة التخيّليّة عنده مع ضبطها تبعاً للقوانين التي وضعها لنفسه وسيؤسّس لأوّل لعبة علائقيّة بمشاركة شريك. تجدر الإشارة، هنا، إلى أنّ عمليّة الفرز هذه موجودة دائماً عند الطفل الصغير ومنفتحة على هواماته أو على ما يقوله الراشد له وستظل موجودة عنده لحين تحقيقه عمليّات أعلى وأكثر أهميّة؛ لكنّ ظهورها قد يتأخّر عند الطفل المعوّق ذهنيّاً وتكون أفقر (كما في حالة الأطفال المونغوليّين مثلاً) وقد لا تظهر فطريّاً (كما في حالة الأطفال المصابين بالتوحّد مثلاً). لذا، ينبغي أخذ عمليّة الفرز هذه بالاعتبار واستخدامها كتمرين أساسي في تربية الأطفال للأسباب الاتية: لأنّها تظهر بشكل عفوي عند الطفل العادي؛ لأنّ هذا التمرين يزيد الدينامكيّة الحركيّة والتنظيم الذهني عند الطفل العادي؛ ولأنّ تأخّر ظهورها يشكّل بمثابة أوّل مؤشّر على وجود تأخّر في النمو(أي على وجود إعاقة)، وهو انعكاس لوجود فقر ذهني عند الطفل.
والتمارين الخاصّة ب ''العدوانيّة" (L'agressivité) على أنواعها أي: تجاه الذات (إلحاق الطفل الأذى بنفسه: ضرب رأسه بالحائط، عض نفسه في نفس الموضع ما يؤدّي لجروح عميقة، .. مثلاً)، تجاه الآخر (إيذاء الأولاد الآخرين أو الحيوانات مثلاً ..( أو غياب العدوانيّة )عجز الطفل عن الدفاع عن نفسه حين يكون موضع اعتداء مثلاً ..) تمكِّن المربّي من مساعدة الطفل: على تحرير العدوانيّة غير المعبّرَ عنها عنده من خلال السماح لها بالظهور عبر اللغة والجسد عن طريق اللعب، على السيطرة عليها عن طريق توجيه العدوانيّة الفوضويّة الموجودة عنده من خلال تعليمه على وعيها، على ضبط جسمه وحركاته وعلى قبول القواعد أو القوانين أو الحقوق، على تعزيز مواجهته لها، على مساعدته على حماية ذاته وعلى التنفيس عنها، وأخيراً، على توجيهها في قناة معيّنة يتمكّن من ضبطها. وكل ذلك، بفضل تقيّد المربّي بالمبادىء مختلفون ولكن....الأساسيّة التالية: فصل الحركة والكلمة عن نبرة الصوت (أن يقول المربّي للطفل، مثلاً، ''سأضربك'' بلهجة محايدة وهادئة حيث تكون الحركة رمزيّة؛ أو حين يكمن التمرين بضربة شديدة على يد الطفل مثلاً، يجب أن تُرفق الضربة بكلمة مطمئنة ''إسمع، سأضربك ضربة قويّة على يدك .. ستشعر بالألم لكن ليس كثيراً، هذه مجرّد لعبة'')؛ تطهير العدوانيّة (تعريف الولد أنّه يقوم بتمارين العدوانيّة بحريّة مطلقة وأنّها ليست سوى مجرّد لعبة وليست قصاصاً أو تأنيباً على أخطاء ارتكبها)؛ ممارسة العدوانيّة وتقبّلها؛ تشجيع الطفل على تلقّي العداء وعلى ردّه، أي أن يكون ناشطاً)؛ استخدام الضمائر الشخصيّة في التواصل اللفظي (وضع العدوانيّة في نظام العلاقات مع النفس والآخرين). ولتأمين كل هذه الفوائد، لا بد أن تكون التمارين المخصّصة لها شديدة التنوّع: ألعاب هجوميّة، وقوع-نهوض، حركات عدائيّة، اجتياز الحواجز، لعبة الذئب الذي يأكل الآخرين ويدعهم يأكلونه، ...
وأخيراً، تعتبر التمارين الخاصّة ب ''الحرمان-الانفصال'' ( ك: لعبة الكوكو (أي الاختفاء )Frustration-séparation) والظهور من جديد)، الشيء المخبّأ (خسارة الشيء الجيّد)، الشيء المحجوب (عقبة لتحقيق الإشباع)، اختباء خلف الباب (انفصال-انقطاع) ولعبة الغمّيضة، ضروريّة للأطفال المعوّقين ذهنيّاً إذ يُظهِرون بأشكال مختلفة، وأحياناً متناقضة، ردّات فعل سلبيّة وحادّة تجاه الرفض، المنع، الانفصال، الانتظار، .. إلخ. والأهم إنما يكمن في عجزهم عن تجاوز ردّات الفعل هذه بمفردهم لكن، بشكل خاص، عن استخدام الحرمان لبلوغ مرحلة لاحقة كما هي الحال عند الطفل الطبيعي، وذلك بسبب إشباع الأهل حاجاتهم من دون انتظار تعبيرهم عنها. ثمّ، إن لهذه التمارين أهدافاً متعدّدة، يبقى أهمّها: وعي الطفل للحاجة (الفيزيقيّة، العاطفيّة، ..)؛ وعيه لإحساس الألم بالنقص؛ وعيه لخبرة الإشباع المؤمّن باستعادة الشيء ''إيجاده من جديد''؛ تقبّله حالة الانتظار؛ وعيه إمكانيّة استمرار وجود الشيء المختفي؛ تمكينه من تخيّل احتمال الحصول على إشباع؛ صياغة طلب (والمفضّل أن تكون لفظيّة)؛ تدجين (تعوّد) القلق ذي الاحتمال المرتفع من حيث الإحساس به ومعايشته. ولتحقيق هذه الأهداف، يجب الانطلاق من ملاحظة الطفل وإصغاء المربّي إليه بانتباه تام (أي من التمرين نفسه) بحيث يُترَك هذا الطفل يستقي العناصر اللازمة له على المستوى العاطفي والعلائقي والعقلي و... من تنوّع الوسائل المستخدمة معه ك: حرمانه أو فصله مؤقّتاً عمّا يعتبر شيئاً جيّداً بالنسبة اليه؛ إثارة رد فعل معيّن عنده، رد فعل غاضب بشكل خاص؛ إدخال فترات تفصل بين الإشباع والحاجة، تكون أكثر فأكثر طولاً؛ تنويع خبرات الانفصال وتعدادها ليتمكّن الطفل من لمس واقع كونها غير خطيرة، وبشكل خاص غير نهائيّة؛ تعلّم ''الشكر''؛ .. إلخ.
''إدراك الذات" Perception de soi
يمكن القول، على مستوى هذا الدور المهم للتمارين التطبيقيّة، إنّ مختلف التجارب المعيشة من قِبَل الطفل، بفضل الألعاب (أو التمارين) الأساسيّة المذكورة أعلاه، تشكّل الركيزة الجوهريّة الكفيلة بنقله من حالة الذوبان الكلّي مع الأم ( ٦ أشهر) إلى حالة إدراك الذات ك''أنا متمايزة'' أي ككائن متمايز، مستقل وفاعل(٣ سنوات). حتماً، لم يكتمل المسار العميق للنمو بعد في هذا العمر، إنّما أرسيَت ركائزه بشكل متين إذ، بفضل تجارب القلق والحرمان والانفصال وحركات العدائيّة المتنوّعة .. إلخ وعبرها، يخرج الطفل تدريجيّاً من الغموض الذهني الحقيقي: العقلي، العاطفي، العلائقي لكن، أيضاً، الحركي ليكتسب أولى العناصر الأساسيّة والضروريّة لإدراك ذاته كبنية مستقلّة عن جسد الأم؛ فهو، سيعي صورة جسده في المرآة مع جسد الآخر(ليس جسد الأم فحسب إنّما، أيضاً، أجساد من يحيط به من أفراد ومن يقترح عليه نمطاً علائقيّاً مميّزاً)؛ كما أنّ المسافة التي اختبرها تدريجيّاً وتقبّلها ستقوده باتّجاه إنتاج بُعد تخيّلي معيّن (ربّما كتعويض أو كعزاء عن ألم الانفصال).
يمكن اعتبار هذا الوعي بمثابة ولادة جديدة وبمثابة الاختبار الأهم في حياة الطفل الذي عليه مواجهته كفرد والذي يمكّنه، من ثمّ، من التأثير عليه بنفسه وبشكلٍ، إلى حدّ ما،واعٍ: إن بخصوص إمكانيّاته أم بخصوص البيئة التي تستقبل تأثيره وتؤثّر عليه.
لكن، مهما تكن البيئة المحيطة بالطفل جيّدة، فإنّ إمكانيّاته الخاصّة به تبقى محدودة؛ لذا، ستأخذ هذه المرحلة، في مصير المعوّق الصغير، أهميّة خاصّة جدّاً بمقدار ما عليه مواجهة اختبار الحرمانات )العقليّة كما الحركيّة(، العجز عن النشاط، .. إلخ لأنّه معرّض، أكثر من غيره من الأطفال، لمخاطر العجز كافة عن مواجهتها بشكل سليم. هناك، بالتالي، تآزر كامل، على مستوى الوقت، بين هذين القطبين أو مظهري التنظيم في بناء شخصيّة الطفل: - إرساء مختلف أنماط الوظائفيّة )وأساليبها(؛ - اختبار تجربة الانقطاع عمّن يحبّهم وهويّته الخاصّة به.
خطورة تعامل أكثر من مربّي-معالِج في آن معاً مع الطفل المعوّق
لتحقيق التآزر الكامل عند المعوّق ينبغي متابعته من قِبَل مربّي-معالِج واحد، بمعنى عدم التدخّل المزدوج معه إذ، من المتوجّب التعامل معه كوحدة متكاملة وشاملة يستحيل تجزيئها لأنّه لا يتمكّن من وعي وحدته إلاّ بمساعدة معالِج واحد إلى جانبه، معالِج يفهم الرمزيّة الكامنة وراء التمارين المطبّقة معه والمرحلة التي تُطبّقَ خلالها. يكمن الأهم، بتعبير آخر، في وجوب تحمّل شخص واحد مهمّة التدخّل إلى جانب الطفل المعوّق وإيجاد التربية التي تلائمه، في مرحلة النمو التي يمر بها ومن ثمّ، تطبيق تمارين دقيقة، محسوسة ومحفّزِة، إنّما ترتبط ببناء شخصيّته: بركائز ذكائه، انفعاله العاطفي، عمليّات التواصل عنده، ..؛ وباختصار: إرساء دينامكيّة داخليّة خاصّة به كمعوّق.
وجوب استكمال التمارين الأساسيّة بتربية الحركات الآليّة عند المعوّق
لإرساء هذه الدينامكيّة الداخليّة عند المعوّق، ينبغي أن يتم العمل معه على تعلّم الأوليّات الأساسيّة التي تمنحه القدرة على ضبط الوسائل الآليّة والضروريّة له كي يواجه عالم اللعب التربوي التعليمي من دون خوف ومع بعض الفائدة، وليواجه عالم الحياة اليوميّة الأكثر تعقيداً (ليتكيّف معه): هذا ما تؤمّنه التمارين الآليّة الأساسيّة المركّزة على حركة الجسد(نقل شيء معيّن، ترك شيء يقع في حفرة، اللف حول جذع، وضع شكل معيّن في الحفرة الملائمة له، الصف، الرص، السحب، نقل الشيء من يد إلى أخرى، القرص ما بين الإبهام والسبّابة، ..) التي تتضمّن، تفرض وتهيّىء ل: دقّة التآزر بين اليد والعين، توسيع الحقل البصري، التسلسل غير المتواصل للحركة .. إلخ وبالتالي، لأوّل مرحلة نحو الدينامكيّة الذاتيّة.
وتربية الحركات الآليّة هذه تستدعي، في الحقيقة، القليل من الذكاء أو لا تحتاج له، القليل من الإرادة والقليل من الإدراك الواعي؛ لذا، فهي قابلة للتطبيق مع أشكال الإعاقة كافة. إنّها أوّل تربية يتم اعتمادها، في الحقيقة، مع العميان الذين بفضلها يتوصّلون للتفكير، للتجريد، للمنطق لكن، أيضاً، العالم العلاقة الموضوعيّة وللموضوع نفسه، وهذه التربية يجب أن تبدأ بأبكر وقت ممكن. لكن، في حالات التدخّل المتأخّر، يجب أن تشكّل مرحلة يبدأ المهني بها، بوجود الأهل الذين يفسّر لهم تعلّم الحركات الآليّة، تمهيداً للانتقال إلى مرحلة أخرى أكثر تعقيداً. لكن، في كل الحالات، من المتوجّب احترام حدود الطفل والدينامكيّة الخاصّة به ككائن بشري لدى اقتراح أي مثير خارجي عليه إذ من المتوجّب إثارة الطفل وليس اغتصاب حميميّته، وطمأنته لا جعله بمثابة آلة.
لكنّ الجسد ليس وسيلة للتعبير فحسب بل هو، أوّلاً، جهاز من المهارات التي عليه امتلاكها. ونضوجه يتحقّق أوّلاً بفضل إخراجه من وضعيّة الأسر المتواجد ضمن إطاره، عند المعوّق بوجه خاص، عبر إعطائه نشاطاً خاصّاً به (شخصي)، نشاطاً ينطلق من الجسد ويبقى على مستواه، في البداية على الأقل ومن ثمّ، يساعد على تطهيره إذ لا يكون محمّلاً بأي تضمين عاطفي لأنّ وظائفيّة الجسد يجب أن تقتصر عليه وله (لاستخدامه ولتحقيق نضوجه النيروفسيولوجي: هكذا يعمل جسد الرضيع خلال الأسابيع والأشهر الأولى، وكذلك القول بالنسبة الى الحيوان الصغير). وعبر اكتمال الوظيفة ينبثق الهدف (إرساء علاقة معيّنة) وليس العكس: هذا هو دور التمارين الحركيّة الهادفة لإنضاج الحركيّة العصبيّة (Neuromotricité) (تحريك الجسم مكانيّاً: جلوس-وقوف، سقوط-نهوض، قرفصة-وقوف، مرور فوق بنك وتحته، ..؛ تحسين المشي: صعود- نزول عن الرصيف، اجتياز عائق، ..؛ تقوية الأطراف السفلى: رَكل برِجل واحدة عشر مرّات على الأقل، القفز والرجلان مربوطتان، ..؛ تقوية الأطراف العليا: تصفيق باليدين مع إبعاد الذراعين قدر الإمكان، ..؛ تجاوز الرأس: وضعيّة تمدّد، ..؛ البالون: ركله، رميه، ضربه على الحائط، ركل برجل وتصفيق باليدين، حركات منسّقة من اليدين كالضرب على الفخذين بقوّة، التصفيق باليدين، .. إلخ.
لكن على هذه التمارين الحركيّة الهادفة لتحرير الجسم أن تنمّي، وبنفس الوقت: - سهولة حركة الجسم بشكل عام (مساعدة الطفل على مواجهة الآخر، مواجهة المكان)؛ - سهولة الحركات الدقيقة والمستقلّة (الانطلاق من كافة الحركات التي يقوم بها الطفل العادي في نموّه وتطوّره اي مستقبل ينتظرهم؟ كركيزة لتمارين الحركة عند المعوّق).
تجدر الملاحظة، في هذا المضمار، إلى أنّه من الأسلم للمربّي بدء عمله بالحركات التي تركِّز، في البداية، على الأعضاء السفلى؛ وخلال مرحلة ثانية تتلاءم عموماً مع بلوغ الطفل مرحلة التآزر الحركي والتناسقي، يتم العمل على الأعضاء العليا. والعمل على وضع الجسم يتم كمرحلة أخيرة.
لكن لليد، في نضوج الحركيّة العصبيّة، دوراً مستقلاً عن حركيّة الجسد إذ تتمتّع بحياة، بقدرات وبلغة خاصّة بها وتعتبر، عن حق، أداة الذكاء: فالطفل يكتشف يده حوالي ٣ أو ٤ أشهر بشكل عشوائي؛ وهو، كما يبدو، يلاحظها مطوّلاً، يحرّكها، يلعب بها ..؛ وبالتالي، يبدو نشاط اليد غير مرتبط بإرادة الدماغ، كما يبدو بمثابة قدرة حركيّة ستثير، بفضل نضوج الحواس وتقبّل الذات من قِبَل الطفل، نشاطاً عقليّاً عنده، إرادة جديدة، تجارب، لعب .. إلخ. لنراقب الطفل وهو ''يلعب'' بيديه نلاحظ أنّ نشاطها يصبح، مع مرور الأسابيع، أكثر فأكثر تعقيداً وأكثر توجّهاً، وبشكل خاص أكثر إرادةً؛ بتعبير آخر نقول، يبدو نشاط اليد مرتبطاً، وبشكل وثيق، بالنشاط الذهني الذي يصبح، فيما بعد، أداة لنشاط اليد-الدماغ: يد تطيع ويد تثير وتفرض. والنشاط اليدوي هذا يندمج، تدريجيّاً، في النشاط الحركي العام بشكل أكثر تناغماً، حيث تبقى اليد محتفظةً، بالرغم من ذلك، باستقلاليّتها بالنسبة الى مجموع الجسد.
والعلاقة القائمة بين اليد والجسد من جهة واليد والدماغ من جهة أخرى هي الأكثر تأثّراً بالاضطراب عند الطفل المعوّق؛ من هنا وجوب العمل على طاقة اليد، من حيث استقلاليّتها بالنسبة الى الجسد الشامل الى النشاط العقلي، وذلك عن طريق تطبيق تمارين ك: العجن-الدعك، تجعيد الورق وتمزيقه، الخياطة، الخط والكتابة، الرسم، التلوين، .. إلخ.
لليد، باختصار، دور هامّ في تنظيم صورة الجسد. لذا، تفرض التربية الخاصّة باليد نفسها منذ بدء التدخّل التربوي-العلاجي لأنّها تشكّل الأداة المفضّلة التي ستمكّن الاختصاصي من إثارة دماغ المعوّق وإحداث التفكير عنده: فالثنائي ''يد- دماغ'' يعمل تحت شكل علاقة دائمة ومتبادلة (اليدان وسيلة وأداة، ''أداة الأدوات'' حسب تعبير أفلاطون).
وهكذا، تُدخَل اليد في التناغم الشامل: في وحدة منسجمة وفاعِلة، وحدة مثيرة وحاضّة على إحداث تفكير جديد؛ ومن هذا المنطلق تتم تربية اليد التي تساعد الطفل على وعي جسده بشكل عام، على إثارة التفكير والتأمّل عنده بشكل خاص. وبما أنّ الثنائي ''دماغ-يد'' هو عصبي فإنّ العمل عليه أسهل من العمل على الثنائي ''دماغ-جسد'' (بمقدار ما يتواجد هذا الأخير كثنائي)؛ وبالتالي، من الممكن استخدام الأول لتفعيل الثاني أو، على الأقل، لإرساء علاقة أكثر اتّزاناً وانسجاماً. هذا ما تمّ غالباً وبنجاح ضمن إطار التطبيق العملي.
فضلاً عن ذلك، تساعد اليد على تذهين (Mentaliser)الجسد وعلى استدخاله: فبفضل الخط، لكن أيضاً بفضل مختلف التمارين اليدويّة البسيطة، يمكن أن تشكّل اليد ذلك الوسيط المفضّل بين النشاط الحركي والتفكير ثم، بين التفكير والنشاط الحركي. لكنّ الفارق بين ما فهمته اليد وما يمكن للجسد القيام به، وبخاصّة بين ما فهمه الذهن وما يمكن للجسد القيام به يبقى كبيراً (قد يفهم الطفل مفاهيم: يمين، شمال، أعلى، أدنى، أمام، وراء، ..؛ لكنّه، مع ذلك، قد لا يتمكّن من تطبيقها في الوضعيّات الواقعيّة بالرغم من فهمه لها: ينطبق ذلك على الطفل المعوّق بشكل خاص).
التمارين الإرشاديّة: استكمال مسيرة الذكاء باتّجاه النمو الطبيعي
أخيراً، ل ''التمارين الإرشاديّة والمعرفيّة'' ( Exercices didactiques) دور بغاية الأهميّة ضمن إطار العمل الهادف ل ''إعادة تربية'' المعوّق إذ تترك له مساحة من الحرّية تكون أوسع ما يمكن لمنحه مكاناً وزماناً يمكنه القيام بتعبير حقيقي عن شخصيّته وطاقاته ضمن إطارهما، تعبير يثمر وظيفة لعب عنده بالمعنى الحصري للكلمة إذ يجب أن يكون اللعب عفويّاً إن أردنا للطفل المعوّق ذهنيّا الدخول، يوماً، في دينامكيّة الطفل العادي: والطفل المعوّق يفتقر لهذه العفويّة بعكس ما هي عليه الحال مع الطفل العادي. لذا على المربّي إرساؤها عنده؛ لكن، وحده المربّي المطّلع على وظائف اللعب عند الطفل العادي والمميّزات التي يقدّمها للطفل المعوّق، قبل بدء عمله معه، يمكنه إفادة هذا الطفل من التمارين الإرشاديّة (حيث للألعاب التثقيفيّة مكانة رئيسيّة نشاط اليد مرتبط بالنشاط الذهني ضمن إطارها).
على المربّي-المعالِج، إذا، وضع الأسس السليمة لطريق منظّمة (استراتيجيّة عمل) تسمح للطفل المعوّق بتحقيق قدرة اللعب هذه مع وظائفها المختلفة ونعني، بشكل خاص، وظيفة التقليد (L'imitation) ووظيفة التلمّس أو التردّد: ( Le tâtonnement)
وظيفة التقليد
هي وظيفة عفويّة عند الطفل العادي، لكنّها ليست كذلك عند الطفل المعوّق؛ لذا، من المفضّل التساؤل عمّا إذا كان هذا الطفل يمتلك الوسائل (الفيزيقيّة، الحاسّية أي المرتبطة بالحواس، العقليّة، العاطفيّة، ..) اللازمة لتحقيقها وتزويده بالتقنيات التي تسمح له بالتعويض عن هذا القصور كي يجد، بشكل عفوي وداخل نفسه، هذه القابلية للتقليد، إن تبيّن أنّه لا يمتلكها. لا يتعلّق الأمر هنا ب ''تعلّم التقليد'' بل بتزويد المعوّق بالوسائل الضروريّة له لاستخدام وظيفة موجودة عنده لكنّها مُنِعَت من التبلور.
وظائف التلمّس الموجّه
يُنصَح، مع الطفل المعوّق، بإلغاء أي تلمّس أو بترك أي مجال لمحاولات الخطأ عند البدء بالتمرين؛ ولا يُعطى التمرين إلا بعد بضعة أسابيع حيث تكون التقنيّة قد نُسيَت؛ ويتم تعلّمها من جديد لكن مع ترك المجال، هنا، لاحتمال استخدام الطفل ''المحاولة والخطا'' أي طريقة التلمّس التي تؤدّي، الآن، لتكوين تصوّر وسطي (Schème)قد يؤدّي، بفعل النقل والتعميم، لعمليّة التمثّل(Assimilation) لأنّ التلمّس يملأ الآن وظائف محدّدة:
يشكّل مصدراً للتكرار وليس للحركات ''الستيريوتيبيّة'' المؤذية (كما كانت عليه الحال سابقاً)؛ يقع بمرحلة سابقة للبحث الذكي وليس نتاجاً لإخفاق في الذكاء؛ يعمل كميل بدائي يسمح للطفل بالاستفادة من التجربة ويتكوّن كتصوّر وسطي أي قابل للتعميم والنقل على وضعيّات أخرى مشابهة (لذا، ينبغي، لدى البدء بتطبيق التمارين، إعطاء الأفضليّة للتمرين وليس للنجاح وعدم السماح بالخطأ في التعلّم: إعطاء تقنيّة التطبيق بشكل جد توجيهي يسمح للطفل بالنجاح في التمرين)؛ عدم إغلاق باب التعلّم (إيقاف التمرين، ما إن يتحقق مع حد معيّن من النجاح وفي جو من الاستقلاليّة والارتياح، تجنّباً لإمكانيّة إرساء آليات( Automatismes) معيّنة)؛ البدء بمستويات اكتساب عليا ( إن بدأ التدخّل مع الطفل المعوّق منذ ولادته، فمن الممكن، عندئذ، مساعدته على اجتياز المراحل بشكل تدريجي؛ لكنّ التدخّل التربوي، بعد الثالثة أو الرابعة من العمر، لا يؤدّي لنفس النتائج. لذا، من شأن تعليم الطفل وظائفيّة معيّنة ضمن إطار نشاط أعلى وأكثر تعقيداً، أن يؤدّي لظهور عفوي لتصوّرات وسطيّة أساسيّة سابقة او مكوّنِة لهذا النشاط)؛ وجوب تحقيق الطفل للنشاط (دون إدخاله حركات غير نافعة أو طفيليّة مع احترامه لنسق اللعب فلا يعمل بسرعة كبيرة أو ببطء كبير حيث لتوجيه المربّي له بالصوت أو الحركة دور أساسي وحيث تعمل كل يد بشكل مميّز وإن مترابط وذلك، بدون غموض أو التباس)؛ إحداث الخسارة (بمعنى ترك الاكتساب المحقّق جزئيّاً إنّما بشكل صحيح طي النسيان خلال بضعة جلسات، لضمان عدم إرساء نظام تدجيني) Système de dressage)؛التوصّل ل ''التلمّس'' الموجّه (فقط حين يكون الطفل قد اكتسب عدداً معيّناً من أنماط العمل المنظّم، من النجاحات ومن الدقّة الوظائفيّة يمكنه تنشيط الخسارة كنسق تعلّمي إذ، حين يُسمَح بنسيان نمط الاستخدام المكتسب في تمرين سابق ثمّ يُستعاد من قِبَل الطفل فإنّ ذلك يعتبر بمثابة ''بحث موجّه'' أي تلمّس موجّه وليس تلمّساً عرضياً وغير مجدٍ ..)؛ تنويع التماري بأقصى حد ممكن على نفس المستوى التعلّمي (أي يجب أن تشتمل جلسة تربويّة-علاجيّة معيّنة على: تمارين أساسيّة أي جوهريّة كالعطاء والإفلات و..، تمارين حركيّة، خطّية، يدويّة، حركات آليّة، .. وتمارين إرشاديّة، دون نسيان القراءة والحساب لأنّ كلاً منها لا يتطلّب سوى خاصّية أو اثنتين لنجاحه وأنّ كلاً منها يمهّد للتمرين اللاحق الذي يكمل السابق ويريحه تبعًا لنسق التمثّل و/أو المطابقة) processus d'accommodation et/ou d'assimilation، إثارة الحس النقدي عند الطفل وإقامة ؛ المسافة (ارتكاب المربّي خطأ كبيراً وقابلاً للكشف من قِبَل الطفل فيتعلّم المعارضة والانتقاد اللذين لا يتخيلهما ويُدفَع لإدراك المسافة المتوجّب إرساؤها بينه وبين الراشد بفضل الأخطاء المتكرّرة التي يقوم بها هذا الأخير عن عمد)؛ تطهي الحقل التربوي الإرشادي (عدم استخدام تعابير مثل ''هذا ليس لطيفاً''، ''أنا مسرور'' .. أي عدم ابتزاز الطفل عاطفيّاً؛ فالبعد العاطفي موجود حتماً، إنّما كنتاج عفوي للمواد التربويّة التي تثيره ..)؛ أخيراً، استخدام كلمات محرّرة ورمزيّة )ففي البداية، بخاصّة مع الأطفال الأكثر إصابة، من المفضّل استخدام المربّي لتعابير تقنيّة توجّهِ سلوكات الطفل: دُر، خذ الافضلية للتمرين وليس للنجاح الأكبر، .. إلخ. لكن، ما إن يدرك أنّ علاقة معيّنة بين الطفل والتمرين أو اللعب قد أُرسيَت يُدخِل، عندئذ، لغة رمزيّة، وأحياناً تأويليّة، فيساهم هكذا بإدخال علاقة ثلاثيّة ''طفل-لعب- معالِج'' من شأنها، وحدها، حماية الطفل من التأثير الهدّام للعلاقة الثنائيّة).
التمارين الإرشاديّة
هذه التمارين لا تختلف بطبيعتها عن تلك المقترحة في المدارس لكنّها تتدرّج بشكل أكثر دقّة وأكثر بطئاً على المستوى الهرمي؛ واستخدامها يتميّز بالدقّة لكن انطلاقاً من هدف معيّن يحدّده المربّي. ثمّ إنّها شديدة التنوّع لتتلاءم مع هدفها الأساسي: إثارة النمو الذهني بكلّيته مع محاولة عدم نسيان شيء، إذ من غير الممكن الإتّكال على الدينامكيّة الذاتيّة عند المعوّق لسد الفجوات التربويّة، كما هي الحال مع الطفل العادي. أمّا المواد المستخدمة فهي، أيضاً، متنوّعة ومتعدّدة:
مواد حس-حركيّة تشتمل على مختلف الألعاب المثيرة للوظائف الحس-حركيّة عند الطفل (اللمس، السمع، البص) وبالتالي، لنشاط حركي ك: لعبة برج بابل (عُلَب موضوعة بعضها داخل بعض..؛ إخراجها، إدخالها؛ .. إلخ)؛ دوائر متناقضة الحجم حول ساق معيّن؛ الألعاب المُعضِلة( Puzzels) إلخ؛ تمارين لبناء الحيّز المكاني والزماني، وهي تمارين إنتاجيّة تتم بمساعدة: مكعّبات ذات ألوان (رسوم هندسيّة، ..)؛ عيدان؛ رسوم هندسيّة على مكعّبات، قريبة من مكعّبات كوهس؛ .. إلخ؛ منطق واستدلال(نماذج موجودة، كراتين، مكعّبات، عيدان، ملاقط، حجارة، .. إلخ، على الطفل وضع الأشياء كما في النموذج المعروض .. والتدرّج في التمرين؛ الأشياء الناقصة؛ في المرآة: يضع الطفل الشيء المشابه لذلك الموجود في مجموعة المربّي لكنّه ناقص عنده. وكلّها تمارين متعدّدة ومتنوّعة تصبح أكثر تعقيداّ بشكل تصاعدي) ؛ لوحة منطقيّة: 24بطاقة (Cartes) تمثّل ٦ رسوممن ٤ ألوان مختلفة (أحمر، أخضر، أصفر، أزرق)، كافة الاحتمالات الحسابيّة المزدوجة المدخل ( A double entrée)وعلى مراحل، المرحلة الأولى: مفاهيم العواميد والصفوف؛ المرحلة الثانية: البطاقات الناقصة؛ المرحلة الثالثة: جدول يجب إنهاؤه.
خلاصة
لقد كشفت الممارسة التطبيقيّة عن وقائع عديدة وبغاية الأهميّة لا بد من التوقّف عندها:
أوّلاً، ينبغي اقتراح ألعاب جماعيّة واجتماعيّة على الطفل المعوّق في أبكر وقت ممكن؛ الأمر الذي يتم إهماله ويُحرَم منه غالباً فلا تُعطى القيمة التربويّة (الفرديّة والتدامجيّة الاجتماعيّة) حقّها وأهميّتها بالنسبة الى دفعه، قدر الإمكان، في مسيرة نموّه وتطوّره الطبيعيين.
ثانياً، لقد تمّ اقتراح عدد من التمارين التي تبدو أساسيّة لبناء ذكاء الطفل (المعوّق بشكل خاص)؛ وقد أظهرت الممارسة التطبيقيّة أنّها كلّها ضروريّة ولا يمكن الاقتصاد باستخدامها: فما على المربّي-المعالِج القيام به، إنّما يكمن في وجوب تنظيم هذا الاستخدام ضمن إطار عمل منهجي يؤسّس لنشاطات أعلى.
ثالثاً، ترتبط قيمة هذه التمارين بخاصّيتين رئيسيّتين:
- إمكانيّة تعامل الطفل معها (la manipulation)، خصوصاً وأنّه لا يزال، بالعمر )الحقيقي أو عمر النمو( الذي نطبّق هذه التمارين خلاله ومعه، عاجزاً عن ضبط الكتابة أو الخط بشكل عام؛ لذا، من المهم تمكينه من ممارسة ذكائه: من أدنى درجاته وصولاً لأعلى مستوى ممكن له من دون استخدام الخط البياني (Graphisme) الذي قد يُستخدَم فيما بعد على مستوى تمارين الحيّز المكاني.
- التجريد (L'abstraction) إذ تكمن أهميّة المواد المستخدمة في كونها مجرّدة من أي طابع عاطفي وتعتمد على مفاهيم مجرّدة فحسب (شكل، لون، حجم، ..)؛ وهذا ما يجعل منها مواد تفتح المجال لخبرات متعدّدة عند الطفل بعيداً عن واقعه المعيش، إنّما قد تشكّل امتداداً لها بخاصّة وأنّ هذه المواد تمكّنه من اختبار قدراته ضمن إطار تنفيسي (تطهيري) لا يشكّل أي خطر له لأنّه لا يعود للماضي (الذي قد يشتمل على ما قد يخيفه) وحيث يبقى الطفل سيّد الموقف وقادراً على استخدام القدرات التي حققها في مسيرة حياته اليوميّة.
رابعًا، ينبغي مرافقة عمل المربّي بالكلام (L'accompagnement parlé) يسمّيه فرانسوا داغونييه ''الاجترار'' (La rumination) حيث تُرافِق حركات المربّي كلمات تتوّجها، تشجّعها أو تسبقها: فالتفكير يرتبط بالكلام، بمعنى عدم فصل الجسم عن النفس بأيّة مسافة إذ انّ الكلام يكثّف التفكير ويمهّد له. وهذا الاجترار ضروري للطفل المعوّق الذي يعجز، بعكس ما هي عليه الحال مع الطفل العادي، عن القيام به (على الأقل، بشكل عفوي) إذ يعاني، كما في كل شيء، صعوبات الاستبطان وتحقيق التبادلات. لذا، ما إن يتم اكتساب هذا الطفل لمفهوم الشبيه (يجب أن يتم التحقّق من ذلك باستمرار)، على الراشد التعليق على كل حركة يقوم بها الطفل (حركيّة كانت هذه الحركة أو ذهنيّة أو ..) فيشجّعها. الأمر الذي يفرض عليه، كمربّ،ٍ الكثير من التنبهّ، من الخبرة، من الحَدس ومن المعرفة الصحيحة لقدرات الطفل إذ من المتوجّب عدم منعه من التفكير بأي حال من الأحوال.
خامساً، يجب إضافة صفة التبادل (L'échange) على الصفات الرئيسة(إمكانيّة تعامل الطفل مع التمارين التجريد والاجترار): كلام المربّي يوقظ الطفل، ولعب الطفل يستدعي إصغاء المربّي؛ فالكثير من الأشياء تُقال وتُسمَع في أثناء القيام بالتمارين حيث يعمل الطفل في جو يسوده عموماً الأمان والطمأنينة، وحيث يُترَك له المجال واسعاً للتعبير الأكثر عمقاً، هذا بالإضافة للتدخّل الملائم وغير العدائي من قِبَل المربّي-المعالِج.
سادساً، تندرج التمارين ضمن إطار دينامكيّة اللعب، حتّى وإن تمّ تقديمها للطفل على أنّها عمل يتطلّب منه الجهد والتطبيق. وكلعِب، فإنّها تسمح بالتعبير عن كل ما يرافقها من جرأة، تخيّل هوامي، عدوانيّة، تأويل، .. إلخ. وباختصار، فإن للأهل دورهم في مساعدة المربّي-المعالِج إذ يستكملون العمل ضمن الإطار المنزلي؛ لكن لا بد من الإشارة الى عجزهم عن تأمين المسافة المتوجّب إبقاؤها بينهم وبين الطفل كي يكون اللعب (بخاصّة على مستوى العدوانيّة، الإحباط، ..) قابلاً للتطوّر؛ لذا، يتم إبعادهم عن الجلسة حين يتعلّق الأمر بتمارين تستدعي استبعادهم.
هوامش:
- Chaulet Eliane, 1998, “Manuel de pédagogie spécialisée”, Dunod, Paris, p8.
- نصّار ( كريستين)، ١99٥ ،''رفيقي: تعال نكتشف العالم معاً''، الجزء التاسع من سلسلة الأقارب والطفل في المجتمع الشرقي المعاصر، جرّوس برس، لبنان، ص ٢٤ - ميلر (سوزان)، ١9٨٧ ، ''سيكولوجيّة اللعب''، ترجمة حسن عيسى، عالم المعرفة، الكويت، ص ١٢٣
مراجع أجنبية
- Robinson (R), Tizard (J.M.P.), 1966, “The central nervous system in the New-born”, Br. Med. Bull, 22, 49-60
- L’Univers de la psychologie, Tome III, 1981, “Le développement de l’enfant”, Ed. Lidis, Paris, p29-46 Montessori M., 1958, “Pédagogie scientifique”, Desclée de Brower -3
- Brauner A. et F., 1960, “Conseils aux familles pour élever un enfant déficient mental”, SABRI
- Bruner J., 1983, “Le développement de l’enfant: savoir faire, savoir dire”, Ed. PUF
- Chaulet E., 1998, “Manuel de Pédagogie spécialisée” (Exercices rééducatifs pour l’enfant handicapé mental),Ed Dunob,Paris
- Decroly O., Montchamp, 1950, “L’initiation l’activité intellectuelle et motrice par les jeux éducatifs”, Ed. Delachaux et Niestlé
- Della-Courtiade C., 1988, “Elever un enfant handicapé de la naissance aux acquis scolaires”, Ed. ESF
- De Meur A., Staes L., 1985, “psychomotricité: Education et reeducation”, Ed. Belin
- Descoeudres A., 1948, “L’éducation des enfants arriérés”, Ed. Delachaux et Niestlé
- Montessori M., 1958, “Pédagogie scientifique”, Desclée de Brower
- Piaget J., 1936, “La naissance de l’intelligence chez l’enfant”, Ed. Delachaux et Niestlé
- Piaget J., 1945, “ La formation du symbole”, Ed. Delachaux et Niestlé
- Piaget J., 1963, “La construction du reel chez l’enfant”, Ed. Delachaux et Niestlé
- Rey A., “Arriération mentale et premiers exercices éducatifs”, Ed. Delachaux et Niestlé
- Robinson (R), Tizard (J.M.P.), 1966, “The central nervous system in the New-born”, Br. Med. Bull, 22, 49-60
- L’Univers de la psychologie, Tome III, 1981, “Le développement de l’enfant”, Ed. Lidis, Pa ris, p29-46
- Vygotsky, 1985, “Pensée et langage”, Ed. ESF،