الصعوبات التعلّمية في المدارس الرسمية مقاربة وحلول
الصعوبات التعلّمية في المدارس الرسمية
مقاربة وحلول
في اطار مشروع التّدريب المستمرّ على الصعوبات التعلمية، قمنا بزيارة المدارس الرسمية لتقصي هذه الصعوبات في صفوف الروضة والحلقتين الأولى والثانية ومتابعة المتدربين في تعاملهم مع تلامذة ذوي الصعوبات التعلّمية.
نقدم لكم في هذا المقال مشاهداتنا على الأرض بهدف إلقاء الضوء على واقع الصعوبات التعلميّة في المدارس الرسميّة وعلى المساعدة التي يمكن ان يقدّمها الاختصاصيون في هذا المجال.
قمنا بزيارة إحدى عشرة مدرسة في منطقة بيروت خلال العام الدراسي ٢٠٠٧- ٢٠٠٨ . وقد تبين لنا أنه في كل مدرسة هنالك ما يقارب ثمانية تلامذة يعانون من صعوبات في التعلّم تنوعت أسبابها بين اجتماعية ونفسية وتربوية. لذلك سنفصّل هذه الأسباب تحت عناوين محدّدة (بنية المدرسة، الهيئة الإدارية، الهيئة التعليمية، البيئة الاجتماعية، الصعوبات التعلمية) وسنضع اقتراحات لمعالجة هذه المشاكل. مع التشديد على أننا لا نعمّم هذه المشاكل على مجموع المدارس التي زرناها، فهناك استثناءات عديدة. ولا نقصد بمجموع المشاكل الإيحاء بأنها موجودة ومجتمعة في مدرسة واحدة، بل إننا قد نجد مشكلة أو أكثر في كلّ من هذه المدارس. وقبل عرض المشاكل، نريد أن ننوّه بالجهود المبذولة من قبل عدد من المديرين والمعلمين للاهتمام بصحة الأطفال التربوية والنفسية رغم العقبات الكثيرة التي تعترضهم.
البنية المدرسيّة
إن هناك بعض الأبنية متردّية إلى درجة كبيرة في الكثير من المدارس الرّسمية، وهي لا تلتزم بالشروط الصحّية والتّربوية المفروض توافرها في الأبنية المدرسيّة وتجهيزاتها. إن هذه المدارس تفتقر إلى:
- البنى التحتيّة التي تتوافر فيها الوسائل التثقيفيّة والجهاز البشريّ المدرّب على منهجيّات التثقيف والمكان (قاعات-ملاعب).
- مساحة لمزاولة اللّعب والأنشطة الرياضية.
- شروط صحيّة وبيئيّة ملائمة، وخدمات صحيّة واجتماعية ونفسية.
- التجهيزات التربوية بكل ما تحتويه من مفروشات مدرسية وأدوات داخل الصف والمختبر والمشغل والمكتبة، وكل الوسائل التعليمية وما تحتاجه الأنشطة الصفّية واللاصفّية.
الهيئة الإدارية
لاحظنا أن المدير يشكل ركناً أساسياً وله تأثير كبير في سير عمليّة التعلّم في المدرسة. فإن كان مديراً نشيطاً حريصاً على الصحّة النفسية للمعلّم والتلميذ، يتأثّر الكادر التعليمي بأكمله إيجابياً والعكس صحيح. كما لاحظنا وجود بعض المديرين والنظّار والأساتذة الذين يفتقرون إلى الطرائق التربوية السليمة للتعامل مع التلامذة في مختلف المواقف. هناك أيضاً غياب تخصّص بعض الأساتذة في المواد التي يعلّمونها، وسوء توزيعهم على مختلف الحلقات. لكنّ المشكلة الكبرى تكمن في المنهج، وقد سمعنا شكاوى عديدة من قبل أفراد الهيئة التعليمية، تتعلّق بغياب الصف التمهيدي وتطبيق الترفيع الميسّر من دون إيجاد صفوف دعم للتلامذة المتأخرين.
الهيئة التعليمية
تبيّن لنا أن المدارس تحتوي على وسائل تربوية عدة من آلات موسيقية وكتب وألعاب تربوية، ولكنها غير موظفة في العملية التعلّمية لأسباب عدة، منها غياب الحوافز لدى المعلم أو غياب المعرفة في كيفية استعمالها لخدمة الأهداف التربوية. يذكر المنهج ضرورة وجود حصص للموسيقى والرياضة والفنون التشكيلية والمسرح، ولكننا لاحظنا أن هذه الحصص غائبة عن البرنامج الصفي أو على الأقل غير مستثمرة بطريقة فعالة. من المشاكل الأخرى التي صادفناها العنف الكلامي والجسدي الذي يتعرض له التلامذة من قبل الأساتذة والهيئة الإدارية. نضيف إلى ذلك أن الأساتذة غير متمكّنين من الطرائق الحديثة، وهنا تأتي أهمية التّدريب المستمرّ في تزويد الأساتذة بأحدث تقنيات وطرائق التدريس الناشطة.
البيئة الاجتماعية
من المسلّمات تأثير البيئة التي ينتمي إليها الطفل في نموّه الجسدي والنفسي والعقلي. ومن ذلك:
- انتماء الأطفال إلى مؤسسات خيرية.
- ترعرع بعض الأطفال في نمط عائلي يعتمد على العنف في التربية.
- فقر الأهل وجهلهم.
- انتماء الأطفال إلى جنسيات مختلفة بحيث تشكّل لغتهم الأم عائقاً أمام اكتسابهم المهارات الأكاديمية.
الصعوبات التعلّمية
أبرز الصعوبات التي يواجهها التلامذة لا تندرج تحت إطار الصعوبات التعلّمية، لكنها تعود إلى وجود كفايات أساسية غير مكتسبة عند التلامذة في الصفوف الأساسية، وقد أدت إلى تفاقمها الظروف التي ذكرناها آنفاً. لذلك نجد أن بعض التلامذة في الصفوف المتقدمة كالثالث والرابع، لا يتمتعون بالمستوى المطلوب. وهنا نعود لمسألة الترفيع الميسّر الذي يقوم به المديرون في المدارس من دون وجود اي من صفوف الدعم. لذلك فإن وجود هكذا نوع من الترفيع لا يؤدي إلى اي نتيجة سوى نتيجة واحدة، هي خلق شريحة كبيرة من أطفال لبنان يعانون من عدم القدرة على الكتابة والقراءة.
من خلال تدريبنا المستمرّ وزياراتنا للمدارس، لاحظنا أن بعض المعلمين يعتبرون أن الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلّمية عليهم ارتياد مدارس متخصّصة بحالاتهم وليس مدارس عادية. ومن هنا تأتي رغبتنا بتوضيح مفهوم الصعوبات التعلّمية كما تمّ تحديدها بأنها: ''اضطراب في واحدة أو أكثر من العمليات الأساسية المرتبطة بالاستماع والتحدّث واللغة أو القراءة أو الكتابة أو الحساب أو التهجّي. وتنشأ هذه الصعوبات نتيجة احتمال وجود اضطرابات وظيفية أو خلل وظيفي في المخّ أو اضطرابات سلوكية أو انفعالية، وليس نتيجة لأي من التأخرّ العقلي أو الحرمان الحسّي أو العوامل البيئية أو . الثقافية'' (كيرك، ١٩٦٢)
فوجود الأطفال في المدارس العامة ممكن ومحبّذ شرط توافر فريق مختصّ يهتمّ بدمج هؤلاء التلاميذ ومرافقتهم. على أن يتألّف هذا الفريق المختصّ من:
- اختصاصي في علم النفس يهتم بـ : ملاحظة الأولاد ذوي الصعوبات، تقييم القدرات الذهنية والنفسية للطفل عبر روائز محدّدة (WISC, K-ABC, CAT, PATTE NOIRE…)، توجيه الطفل إلى مختصين بحسب حاجته.
- معالج اللغة والنطق: يقوم بتشخيص صعوبات القراءة والكتابة والكلام والحساب ويضع الخطط العلاجية وينفّذها. - معالج نفسي-حركي: يقيّم المهارات النفسية الحركية الخريطة الجسدية، المساحة، المكان، الزمان، الخط وتناسق الحركات الكبيرة والصغيرة( ويضع خططاً علاجية وينفذها).
- معالج نفسي حركي : يقيّم المهارات النفسية الحركية (الخريطة الجسدية، المساحة، المكان، الزمان، الخط وتناسق الحركات الكبيرة والصغيرة) ويضع خططاً علاجية وينفذها.
- مربّ مختص: يعدّل الدروس لتتلاءم مع حاجات الطفل، مستعملاً تقنيات خاصة للتدريس.
نحن على يقين أن الخطة التربوية في لبنان لم تشمل بعد تواجد هذا الفريق المختصّ في المدارس الرسمية، من هنا تأتي أهميّة التّدريب المستمرّ على الصعوبات التعلّمية لتزويد المعلّم بمخزون من الطرائق المناسبة للتواصل مع الطفل الذي لديه صعوبات تعلميّة من الناحيتين الأكاديمية والنفسية.
الصعوبات الشائعة
إن غالبية الصعوبات التي اشتكى منها المعلمون في زياراتنا تختصر بالآتي:
- كلام بذيء.
- عنف وعدائية.
- عدم احترام القوانين.
- الإهمال في الدروس.
- عدم الرغبة في التعلّم.
- الترفيع الميسّر.
- التعاطي مع تلامذة من جنسيات مختلفة.
- انزواء وخجل.
- تفاوت أعمار التلامذة في الصف الواحد.
- التأخر في النمو النفسي- الحركي.
- مشاكل صحية.
- صعوبات أكاديمية: بطء الاستيعاب، الحركة الزائدة وصعوبة في التركيز، صعوبات في القراءة والكتابة والكلام والخط والحساب، تأخّر في اكتساب اللغة الاجنبية.
وقد زوّدْنا المعلمين ببعض الطرائق المختصة، كمعالجة اوّلية لهذه الصعوبات، إذ إن علاجها الجذري لا يتم الاّ بتدخّل الاختصاصيين.
اقتراحات
في إطار طرائق التدخّل
في إطار البحث عن طرائق ملائمة للتدخل مع ذوي الصعوبات التعلمية، قام المختصون بوضع آلية عمل هدفها تأمين حق الطفل بالتعلم مهما كانت الصعوبات التي يواجهها. هذه الآلية تتضمن مرحلتين اثنتين:
الأولى: توفر مراكز تستقبل التلاميذ ذوي الصعوبات، تكون مجانية ويمكن ارسال التلاميذ اليها ليتم تشخيص حالة الاطفال ومتابعتهم من قبل: طبيب عصبي أطفال(neuropédiatre) ، طبيب نفسي للأطفال، معالج نفسي، معالج نطق ولغة، معالج نفسي-حركي، مربي مختص
الثانية:يهتم الفريق المختص بالصعوبات التعلّمية داخل المدرسة على مدار السنة ويقوم بالأمور الآتية:
١- مراقبة جميع الأولاد في المدرسة لتبيان من يمكن أن يكون لديه صعوبات (سلوكية، نفسية، اجتماعية، تعلّمية).
٢- تشخيص الحالة.
٣- وضع خطة التدخّل التربوية والعلاجية، والحرص على تنفيذها من قبل جميع الأفرقاء (الأهل، المدرسة، المختصين، التلميذ).
٤- متابعة العمل مع مربية الصف وتعديل الخطة بحسب تطور التلميذ وتطور حاجاته.
اقتراحات تتعلق بالمنهج
اما في ما يتعلق بالمنهج، فنقدم الاقتراحات الآتية:
- إعادة الصف التمهيدي إلى المنهج الرسمي، إذ بإلغائه تم خلق مشكلة إضافية لدى المتعلّم.
- إلغاء الترفيع الميسّر وايجاد صفوف دعم للتلامذة لمعالجة نقاط الضعف لديهم.
- تنسيق العمل بين المفتشين التربويين بعضهم مع بعض من جهة، ومع الاختصاصيين والمعلمة من جهة أخرى.
- تدريب المعلمين على الطرائق التربوية الحديثة.
- تدريب المديرين على مفهوم الصعوبات التعلّمية.
إن معالجة الصعوبات التعلّمية لا تحدّدها جدران المدارس، إنما أفقها يشمل المجتمع، ونواتها الأساسية هي العائلة. لذلك فإنه من الضروري التخاطب مع الأهل لتوعيتهم على كيفية معالجة الصعوبات التعلّمية ونبذ العنف المنزلي وضرورة التواصل السليم مع أطفالهم ومسألة الثواب والعقاب، ويمكن تحقيق ذلك عبر محاضرات أو حلقات إذاعية.