نظرة على مشروع التّدريب المستمرّ
نظرة على مشروع التّدريب المستمرّ
التطورات العلمية التربوية والثقافية هي مقياس تقدم الأمم في التاريخ، والتّدريب هو المثال الشرعي لهذه العمليات المتداخلة بهدف الارتقاء الى مستويات عليا بالوظيفة الإدراكية للمعلم والوصول الى التلميذ الذي هو سرّ هذه العملية التربوية. وإذا نظرنا الى العلوم العصرية وتحديداً المرتبطة بالمدرسة والمعلم والتلميذ، نجد أن التّدريب الذي يطلق عليه عنوان التّدريب المستمرّ للمعلمين والذي يقوم بنيانه التكويني على التّدريب الذاتي لكي تتم عملية المواءمة بين المعلم والتلميذ وكذلك المدير والناظر والمنسق والمشرف والمرشد، فجميع هذه العمليات هي التي تحفّز التطّور وتحدّ من نسب التسرّب المدرسي وتحدّد الوظيفة الطبيعية للمدرسة التي تطلق عليها "ابنة المجتمع"
من هذا المنطلق، نشأت خطة النهوض التربوي التي أعدها المركز التربوي للبحوث والإنماء ووافق عليها مجلس الوزراء بموجب القرار رقم / 94/15 تاريخ 17/8/1994كما تمّ إعداد الهيكلية الجديدة للتعليم في لبنان سنة ١٩٩٥ ثمّ صدرت المناهج الجديدة للتعليم العام ما قبل الجامعي بموجب المرسوم رقم ١٠٢٢٧تاريخ 5/8/ 1997 ، مع ما رافق ذلك من دورات تدريبية للأساتذة والمعلمين على المناهج الجديدة وإصدار كتب مدرسية لكل المراحل والحلقات والصفوف، ولمواكبة هذا التطور التربوي كان لا بد من تطور في مفاهيم وأساليب تدريب المعلمين، لأنه لا يمكن القيام بإصلاح تربوي من دون المعلمين، ولا يقوم النظام التربوي بوظيفته إلا من خلال المعلمين، وبالتالي لا يمكن أن يتطور إلا بفضلهم وبهم، وبتعبير آخر إن أي تجديد أو إصلاح تربويين لا يمكن أن يتحققا إلا بتوافر شرطين أساسيين: أن يدرك كل معلم أهداف التجديد والإصلاح التربويين إدراكاً عميقاً، وأن يتبناهما ويلتزم بهما في عمله اليومي.
وتأميناً للغاية المرجوة، وبناءً على الاتفاقية الموقعة بين حكومة الجمهورية اللبنانية وحكومة الجمهورية الفرنسية ''للمساعدة في إنشاء جهاز دائم للتدّريب المستمرّ''، انطلق العمل الفعلي في مشروع التّدريب المستمرّ من العام الدراسي 2003-2004 وغايته استمرار تنمية القدرات التربوية والثقافية للمعلم والانتقال من التّدريب المتقطع المحصور بطرائق التدريس والمواد الأكاديمية الى آفاق جديدة تطول مختلف النواحي التربوية والثقافية والتكنولوجيا الحديثة والوسائل التعليمية التي تواكب عملية التعلّم والتعليم .
إن السبب الذي دفع المركز التربوي إلى التركيز على أهمية هذا المشروع في أنه يتيح للمعلمين أثناء الخدمة الإفادة من التّدريب بصورة مستمرة، كما يوفر لهم وسائل التأهيل الذاتي من خلال إنشاء مراكز تدريب ومكتبات متطورة وحديثة في المناطق اللبنانية كافة، مجهزة بالكتب والوسائل الحديثة إضافة إلى الوسائل السمعية - البصرية والإلكترونية وخدمات الإنترنت المحلية والعالمية.
كانت بداية المرحلة الأولى من خلال شبكة مؤلفة من ستة مراكز موارد (تدريب) أساسية مركزها دور المعلمين والمعلمات في مراكز المحافظات في بيروت - بئر حسن وجونيه وطرابلس وزحلة وصيدا والنبطية، وبسبب الحاجة الوطنية، أتبعت هذه المراكز بتسعة مراكز مساندة أخرى في دور المعلمين والمعلمات في: بعقلين - المختارة والبترون وكوسبا وحلبا والقبيات وصور ومرجعيون وبعلبك والهرمل.
وبناءً على القانون رقم ٢٤٥ المتعلق بمشروع التعليم العام ''الإنماء التربوي'' الممول من البنك الدولي (الهبة الفرنسية) تمّ تشكيل لجنة تقنية للتدّريب المستمرّ FTC برئاسة رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء وعضوية مندوبين عن المديرية العامة للتربية والمفتشية العامة التربوية والمديرية العامة للتعليم المهني والمركز التربوي للبحوث والإنماء ومشروع التعليم العام وممثل عن اتفاقية لتعاون اللبناني الفرنسي وممثل عن نقابة المعلمين، وعقدت هذه اللجنة جلسات عمل متواصلة. ومن نتائج أعمالها أنها وضعت بياناً يتضمن العدد النهائي المطلوب من المدربين في مشروع التّدريب المستمرّ للمعلمين وهو بمعدل ٣٦٠ مدرباً في مختلف الاختصاصات ومراحل التعليم وحلقاته، وقد حدّدت اللجنة المعايير والشروط لقبول المدرّبين، وصدر عن إدارة مشروع التعليم العام إعلان عن قبول طلبات الترشيح للمدربين وجرى قبول العدد المطلوب منهم في المرحلة الأولى سنة ٢٠٠٣ وهو ٨٧ مدرباً بعد أن نجحوا في الاختبارات والامتحانات المقررة.
وبناءً على الاتفاقية المبرمة بين الحكومة اللبنانية والحكومة الفرنسية، تمّ تأمين سفر المدرّبين المقبولين والمسؤولين عن مراكز الموارد إلى فرنسا لمتابعة دورة إعداد مدربين في ال (CIEP (Sévres خلال الفترة الواقعة بين ٢٣ آب و ١٢ أيلول ٢٠٠٤ ورافقهم مسؤولون من مكتب الإعداد والتّدريب وتناولت هذه الدورة هندسة إدارة التّدريب والفرق بين التعليم والتّدريب وكيفية صياغة دفتر الشروط ووضع خطط عمل. ولاستكمال عدد المدرّبين في مشروع التّدريب المستمرّ، تمّ الإعلان خلال سنتي ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦ عن قبول طلبات ترشيح لمهام مدرب لاختيار مدربين لمرحلتي الروضة والتعليم الأساسي (الحلقتان الأولى والثانية) ومرحلة التعليم الثانوي على أن يخضع المرشحون لامتحان خطي ينظمه مكتب الإعداد والتّدريب بمشاركة الهيئة الأكاديمية في المركز التربوي وفي ضوء النتائج، يخضع الناجحون إلى مقابلة شخصية لاختبار الأهلية بحيث يتم اختيار المرشحين المقبولين بحسب كفاءاتهم والحاجة اليهم في كل مرحلة، وقد بلغ عدد المدرّبين المقبولين حالياً في جميع الاختصاصات والمراحل ٢٠٣ مدربين موزعين على مراكز الموارد في دور المعلمين والمعلمات بينما الحاجة النهائية هي بحدود ٣٦٠ مدرباً. وبالإضافة إلى المواد الأكاديمية فقد تمّ اعتماد مادة الصعوبات التعلمية بحيث جرى قبول سبع عشرة مدربة اختصاصية لتدريب هذه المادة، مع الإشارة الى أن جميع المدرّبين شاركوا في دورات تدريبية لإعداد مدربين (الجامعة الصيفية) قبل مباشرتهم مهام التّدريب بموجب عقود اتفاق بالتراضي يقوم المركز التربوي للبحوث والإنماء بإبرامها مع المسؤولين الفنيين عن مراكز الموارد ومع المدرّبين في بداية كل عام دراسي ابتداءً من أول تشرين الأول ولغاية نهاية شهر تموز بمعدل ٦ جلسات (١٢ ساعة) أسبوعياً لكل من المسؤولين عن مراكز الموارد و ٣ جلسات( ٦ساعات) أسبوعياً لكل من المدرّبين في مختلف المواد، وقد تعهد كل مسؤول فنّي ومدرب في العقد بأن يستمرّ في العمل لمدة خمس سنوات، أما المسؤولية الفنية عن مراكز الموارد الأساسية الستة فقد تمّ اختيار ستة مسؤولين فنيين بمعدل واحد لكل مركز موارد، وذلك بعد نجاحهم في اختبارات تمّ تنظيمها لهذه الغاية.
تنفذ أعمال التّدريب في دور المعلمين والمعلمات بإشراف مدير الدار، في ما تقوم بالإشراف على تنفيذ مشروع التّدريب المستمرّ لجنة متابعة وإشراف للأعمال الميدانية وقد تمّ تشكيلها من كل من: رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء منسقة، والمدير العام للتربية، والمفتش العام التربوي، ومندوبين عن المديرية العامة للتربية وهم: مدير التعليم الثانوي، مدير التعليم الابتدائي، مدير الإرشاد والتوجيه ورؤساء المناطق التربوية، ومندوب عن التفتيش التربوي، ومندوبين عن المركز التربوي وهم: المدير الإداري، رئيس مكتب الإعداد والتّدريب، رئيس دائرة التّدريب ورئيس وحدة المعلوماتية التربوية، ومديرة مشروع الإنماء التربوي.
كما تمّ إنشاء لجان للعمل في نطاق مكتب الإعداد والتّدريب وهي:
- لجنة التواصل التي أعدت منشورة ( dépliant) للتعريف بمشروع التّدريب المستمرّ.
- لجنة لإنشاء جهاز لتقييم عناصر المشروع وأعمال التّدريب.
- لجنة وضع الأسس والآليات وتحديد الحاجات لجميع أعمال التّدريب.
- لجنة تربوية فنّية لوضع وحدات نمطية للتدريب.
وقد أنجز المركز التربوي للبحوث والإنماء وضع دفتر الشروط الوطني الخاص بالتدريب المستمرّ للمعلمين وهو يتضمن ثلاثة أنواع من المعلومات التي تحدد بنيته:
١. الإطار العام الذي يحدد الظروف التي تمّ فيها وضع الدفتر.
٢. محاور الأولويات التي تشكل نظاماً مرجعياً سيستند إليه المدرّبون في تحضير الدورات.
٣. طرائق التنفيذ وهي تحدد الشروط والإجراءات التي تُنَظّمَ بموجبها عملية التّدريب.
وبغية تأمين حاجة كل منطقة تربوية تمّ إنشاء ست لجان مناطقية بمعدل لجنة واحدة في كل منطقة، وتتألف كل لجنة من رئيس المنطقة التربوية منسقاً، ومندوب عن المفتشية العامة التربوية، ومدير دار المعلمين والمعلمات مقرراً للجنة، ومندوب عن مديرية التعليم الثانوي ومندوب عن الإرشاد والتوجيه والمسؤول الفني عن مركز الموارد.
ومن مهام هذه اللجان المساهمة في دراسة الحاجات الأساسية للتدريب في المنطقة، واقتراح دفتر الشروط المناطقي بالاستناد إلى دفتر الشروط الوطني الذي يشكل الأساس لوضع خطط التّدريب المناطقية.
وقد تجلّتَ النتائج الإيجابية لنجاح أعمال التّدريب في إطار مشروع التّدريب المستمرّ بتوسعه وعدم حصريته بمراكز الموارد فقط، بحيث شمل جميع دور المعلمين والمعلمات بالتنسيق مع مراكز الموارد الأساسية فأصبح التّدريب يسعى إلى المعلمين في مناطقهم توفيراً للانتقال وللوقت، وقد تمّ تدريب حوالى ( ١٤٢٤١ ) أستاذاً ومعلماً في جميع الحلقات والمراحل والاختصاصات خلال العام الدراسي ٢٠٠٧- ٢٠٠٨ ، وبلغ العدد الإجمالي للمتدّربين من سنة ٢٠٠٤ لغاية سنة ٢٠٠٨( ٤٣٧٦٦ ) متدرباً، ومن المتوقع زيادة هذا العدد في السنوات المقبلة، وخصوصاً بعد صدور التعميم ذات الرقم 108تاريخ 2007/12/22 عن المدير العام للتربية حول التزام كل أستاذ ومعلم بمتابعة دورة تدريبية واحدة على الأقل خلال السنة الدراسية.
وفي إطار مشروع التّدريب المستمرّ، واستكمالاً لتطوير مكتب الإعداد والتّدريب، أضيفت إلى مسؤوليات المكتب مهمة الإدارة الفنية للمعلومات وقواعد المعطيات التي تنقل على شبكة المعلومات والوثائق والمهارات RIDS من إنشاء هذه الشبكة فهي وضع الإمكانيات البشرية والتقنية والتوثيقية التي تؤدي إلى مساعدة المدرّبين على تكييف أنشطتهم المهنية بحسب تطور الحاجات، كما توفر للمعلم الوسائل التي تساعده على تغيير سلوكه لكي يتقبل ثقافة التّدريب على أسس تكنولوجية وعلمية حديثة.