تحية للّغة العربية وقصيدة لغة الضاد
فضيلة الشيخ سامي أبو المنى هو امين عام مدارس العرفان التوحيديّة وعضو في هيئة تخطيط مناهج الحلقة الأولى من التعليم الأساسيّ (المركز التربوي للبحوث والإنماء).
قرأ العدد 45 من المجلة التربويّة وأثنى على عمل المركز التربويّ وتمنى نشر قصيدة "لغة الضاد" التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الّلغة العربيّة أمام تحدّيِات العولمة بتاريخ 15 و 16 نيسان 2003 ، في معهد الدعوة الجامعيّ للدراسات الإسلاميّة في بيروت.
تحية للّغة العربية
اليوم الوطني للّغة الأم، هذا ما أعلنت عنه الأمم المتّحدة، يقيناً منها بأن العديد من أمهات اللغة تضمحلّ وتتلاشى أمام سيطرة لغاتٍ عالمية أو لغات العولمة، واللغة العربية هي إحدى تلك اللغات التي بات يُخشى عليها في ظلّ تركيز المناهج التربوية على اللغات الأجنبية والعلوم الحديثة، ومواكبتها للثورة التكنولوجية وثورة المعلوماتية، وفي مناخٍ متغيّرٍ يعيشه أبناؤنا، لم يعد فيه للأدب معنى وللشعر قيمة وللفنون الأدبية وزنٌ، وحيث بات الكثيرون من أبناء العروبة يتجاهلون لغتهم ويتباهون باستبدالها في يومياتهم ويتنكّرون لأصلهم أو يتهربون من الانتساب إليه.
في غمرة هذا الأسى، بل هذا التحدّي تطلُّ علينا المجلة التربوية الصادرة عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، لتفتح أفقاً جديداً ولتزرع أملاً عتيداً، تُحدّث عنه رئيسة المركز بفكرها المتنوّر، وتحيّي اللغةَ من خلاله رئيسةُ التحرير المندفعة الواثقة، وتُضيء فيه صفحاتِها المشعّةَ حياةً وأنسًا بياناتُ المنظمات العربية المهتمّة ونشاطاتُ المؤسسات التربوية وصورُ وملامحُ السادة الأعلام في اللغة والشعر والأدب والفقه، أمثال الشيخين ابراهيم المنذر وعبد لله العلايلي والمبدعين كسعيد عقل، وقصائد الشعراء ورؤى الباحثين، وأسماء اللّغُويين، لتحدّثك في السياق ذاته عن واقع وضعيتها وهمومها، محلّلِة بعض نصوصها، مؤكّدة على أهمية اللغة القومية في مجتمع المعرفة، وبالتالي على ضرورة تعريب التعليم العلمي وتوحيد المصطلحات العلمية المعرّبة، وخالصةً الى أن للمركز التربوي دورًا أساسيًا في مواجهة التحديات التعليمية والحضارية كما يرى رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في المركز.
إنّ ما قدّمه المركز التربوي من خلال المجلة التربوية (العدد 45 - آذار 2010)، يُعتبر فاتحة خيرٍ، بل معبرًا تربويًا ومنبراً ثقافياً يلفت الأنظار و''يحرّكِ الضمائر ويطلق النداء للقيام بعمل مشترك وجدّيِ''، كما أشارت رئيسة المركز، كي لا نفوّتِ الفرصة، وكي نؤكِّد معاً بالقولِ والفعل، كأمّةٍ عربية وكمنظمات ثقافية ومؤسساتٍ تربوية، وكمجتمع لبناني، أننا أهلٌ للحفاظ على التراث والإفادة من مضامينه الغنيّة أدباً وفنّاً وعلماً واجتماعاً وأخلاقاً.
الضادُ لغتُنا وهويّتَنا، تراثنا وكنزُنا، بل إنّها كرامتُنا وعرَّتُنا وبيتُنا الذي نأوي إليه، إنها عنوانُ حياتِنا وسرُّ وجودِنا، تستحقّ منّا كلَّ العناية والمتابعة، وإذا كان لها يومٌ محدّدٌ في الأمم المتحدة، إلاّ أنّ لها عندنا كلَّ الأيام وكلّ الأقلام والصفحات، في مركز أبحاث تربوي، له منّا جزيل التقدير والاحترام، وفي مجلة تربوية ثقافية، لنا منها العهدُ والوعدُ بأن تُبقي الباب مُشرّعاً والصوت عالياَ لإيقاظِ الهمم ومواكبة الجِدّ والسعي لإثارة الاهتمام لدى أولي الشأن والمسؤولية في مواقع السلطة ولدى التربويين والأدباء واللغويين والمبدعين، من أجل النهوض باللغة العربية، كما بالتربية عمومًا، مع ما يتطلبه ذلك من تخطيط وتنسيق ومنهجَةٍ وتدريب ومتابعة دؤوبة.
تلك هي رسالتُنا ورسالة المركز التربوي ورسالة الوطن الذي يعيش كريمًا إذا عاشت لغته الأمّ ولم تَمُتْ... عاش الوطن.
السمقانية في 2 /10 /2010
"لغة الضاد"
الضَّادُ يا لغتي الأولى وقرآني هُويَّتي وانتمائي أنتِ يا لغتي وأنتِ أولُ لفظٍ سالَ من لَدُني وأنتِ أولُ شعرٍ بالشعورِ شدا:
الضّادُ أمّي وتاريخي ومنطلَقي أغنيتِني لغةً، علماً و معرفةً أغنيتِ روحي بآياتٍ مُكرَّمةٍ وفِقهِ علمٍ، وتأويلٍ، وفلسفةٍ فالروحُ معتقدي، والجسمُ ذا لغتي،
تحدياتٌ تُبارينا وتدفعُنا تحدياتٌ أتتنا عبرَ عولمةٍ وأسرعت في الخُطى، والغربُ مصدرُها هي انفتاحٌ وآفاقٌ ومعرفةٌ هي اتّصالٌ، ليحيا الكونُ مجتمِعاً، حريةٌ، ثورةٌ، فكرٌ، منافسةٌ ، لكنَّها عندنا وجهٌ تقلِّبُه كأنَّها ظلمةٌ والنورُ مصطَنعٌ، كأنها الغابُ مَيداناً وفلسفةً، تُحيي التطرفَ كي تلقى لها سبباً، بالخبث، بالمكرِ ، بالإرهابِ تزرعُهُ ويُسحَقُ الأضعفُ المكسورُ جانحُه وتُستباحُ بلادٌ باسمِ عولمةٍ يا أمةَ الخيرِ، لا تُرهبْكِ عولمة فالباطلُ الهشُّ لو يعلو بقوّته
ويا أخي العربيّ الحرَّ كنْ رجلاً فالضادُ في عالمِ الأخلاقِ موطنُها ونحنُ من تُربةِ التوحيدِ مَنبعُنا، عقلٌ تسامى، وفكرٌ في تحقّقِه إن كنتَ آمنتَ بالقرآنِ مرتقياً لا تنسَ ربَّكَ، فالإيمانُ منطلَقٌ
وجُدّ في وحدةٍ بالله تجمعُناِ وأصلحِ الحالَ إنماءً وأنسنةً وادفع نظامَك كي يَرقى بأمّتناِ وَخُضْ غِمارَ التحدي عالِماً حَذِقاً فالبِدْعُ ليسَ احتكاراً دونه لغةٌ وقوَّةُ الخيرِ روحٌ فيكَ خالدةٌ
أيا أخي العربيّ الحرَّ، خُذْ عِبراً دُمْ في صلاتِك، واستلهم حقيقتَها، لكَ العروبةُ أصلاً، موئلاً، لغةً، ثقافةً تغتني من فكرها، قيماً، كنوزَ نورٍ وأخلاقٍ ومعرفةٍ وليستِ اليومَ نفطاً أسوداً، عبثاً إن العروبةَ آفاقٌ مشرّعةِ والضادُ في عمقنا الروحيّ حاضرةٌ من الحجازِ وأرضِ الشامِ، من عَدَن ومن فلسطينَ، من مصرٍ وحكمتِها، الضادُ سيفٌ، وسيفُ العزمِ في يدِنا نَحيا، نُقاومُ، نأبى، نَرتجي أَمَلاً ونَنَشُدُ العيشَ حرّاً والسلامَ هُدىً ونَنطِقُ الحقّ بالفصحى، ونَحفظُهُ |
يا نبضَ قلبي ويا حبِّي وعُنواني وأنتِ فخري على الدنيا وسلطاني وصرخةُ الروحِ في أعماق إنساني الضادُ أُمِّي وأهلُ الضّادِ أُخواني.
منكِ ابتديتُ وهذا الكونُ مَيداني أغنيتني أدباً، أغنيتِ وُجداني وسُنَّةٍ من رسولِ لله تغشاني تفيضُ نوراً و بالتوحيد تلقاني لا روحَ تحيا بلا جسمٍ وأوطانِ.
الى التَّصدي بلا خوفٍ وخِذلانِ قد اشرأبتْ بأعناقٍ وآذانِ يقولُ: هذي يدي مُدّتَ لأقراني وبحرُ فنّ وتطويرٍ وعمرانِ كقريةٍ ليس فيها يُفصَلُ اثنانِ غدٌ يضجّ بإبداعٍ وإتقانِ ريحُ المصالحِ، إنّ الوجهَ وجهانِ كأنها السيفُ، بل للسيفِ حدّاَنِ ذئابُها قد بدتْ في ثوبِ حُملانِ فتُشعلُ الحربَ أرواحٌ من الجانِ أيدي الكبارِ، فيشقى الزارعُ الجاني ويُرفَعُ الغاصبُ المستكبرُ الجاني وتُستغلُّ شعوبٌ باسم أديانِ فُحولُها تلهَمُ الدنيا كحيتانِ إرادةُ الحقّ تُنهيها بطوفانِ
واقبِضْ على الدين، واستعصمْ بإيمانِ ولا تعيشُ على رملٍ وشطآنِ وَقُدسُنا واحدٌ في كلِّ أزمانِ لطافةُ النورِ لا أهواءُ نيرانِ أو بالمسيحِ، وأنتَ اليومَ نصراني والمؤمنُ الحقّ يعلو ألفَ شيطان.
وفي حوارِ حضاراتٍ و بلدانِ وحرّرِ الناس من قهرٍ وحرمانِ فلا تقادُ بأسيافٍ وتيجانِ وانهَلْ تجارِبَ مَن أَعطَوا ببرهانِ أو أيّ دينٍ، وأهلُ العلمِ صِنوانِ ومنطقُ الشرّ وهم زائلٌ فانِ.
من الزمانِ، وشدّد عزمَكَ الواني وحطّمِ القيدَ، لا تحفِلْ بسجَّانِ حضارةً، أدباً، آثارَ بُنيان تاريخَ علمٍ وأمجادٍ وعرفان ليست سراباً ولا أحلامَ صِبيان عليه نرقصُ في الصحرا كعُميانِ على التحدي، وليست خلفَ قضبانِ رُغمَ احتلالٍ وتهويدٍ ونكرانِ من سحرِ أندلسٍ، من وَحيِ عمَّانِ ومن عراقِ الفدى، من قلبِ لبنانِ. كذي الفَقارِ، لنا للنصرِ سيفانِ بالفكرِ دوماً، وحيناً بالدمِ القاني في الشرقِ، حيثُ الهُدى سمحٌ كبستانِ فوقَ اللغاتِ بتوحيدٍ وإحسانِ.
فضيلة الشيخ سامي أبو المنى |