وأنين الناي يبقى "بطاقة تقنية" في الموسيقى
أعطني النَاّيَ وغنِّ
أعطني النّايَ وغنِّ فالغنا سرُّ الخلودْ
وأنينُ النّايِ يَبقىّ بَعدَ أن يَفنى الوجُودْ
هل تخِذتَ الغاب مثلي منزلاً دونَ القصورْ
فتتبّعتَ السّواقي وتَسَلّقتَ الصّخورْ؟
أعطني النّايَ وغنِّ فالغنا سرُّ الخلودْ
وأنينُ النّاي يَبقى بَعدَ أن يَفنى الوجُودْ
هل تحمّمتَ بعطْرٍ وتنشّفتَ بنُورْ
وشربتَ الفجرَ خمراً في كؤوسٍ من أثيرْ؟
أعطني النّايَ وغنِّ فالغنا سرُّ الخلودْ
وأنينُ النّاي يَبقى بَعدَ أن يَفنى الوجُودْ
هل جلستَ العصرَ مثلي بينَ جفناتِ العنَبْ
والعنَاقيدُ تدَلّتْ كثرَيّاتِ الذهَبْ
أعطني النّايَ وغن فالغنا سرُّ الخلودْ
وأنينُ النّاي يَبقى بَعدَ أن يَفنى الوجُودْ
هل فرشتَ العشبَ لَيلاً وتَلحفّتَ الفَضا
زاهداً في ما سيأتي ناسياً ما قد مضَى؟
أعطني النّايَ وغنِّ فالغنا سرُّ الخلودْ
وأنينُ النّاي يَبقى بَعدَ أن يَفنى الوجُودْ
أعطني النّايَ وغنِّ وانسىَ داءً ودواءْ
إنّما الناسُ سُطورٌ كُتِبَتْ لكِنْ بماءْ
من كتاب جبران خليل جبران/ المواكب/ غير معرَّب
وأنين النّاَي يبقى ...
المادة: موسيقى
المستوى: الثانوي الثالث
الاغنية: اعطني الناي وغنِّ
الوقت: نصف ساعة
الهدف: تعويد الطلاب على سماع الاغنية اللبنانية وتذوّق الشِعر اللبناني
لمحة تاريخية
حملت الحقبة الممتدة من أواخر الخمسينيَّات إلى أواسط السبعينيّاَت تطورًا نوعيًا على مختلف المستويات الفنية كافة انطلاقاً من النهضة الموسيقية والمسرحية وصولاً الى انتشار معارض الفن التشكيلي والندوات الأدبية والشعرية، فزخرت المسارح والمنابر بالعديد من الإطلالات المميزة التي تعدت إبداعاتها الآفاق اللبنانية لتدخل قلب السامع والمشاهد، على حدٍ سواء، في العالم العربي كما في بلاد الاغتراب البعيدة من دون استثناء.
وهنا لا بدّ من التوقّفُ عند ظاهرة فنية فريدة جمعت بين موسيقى نجيب حنكش الذي حمل لقب "ظريف لبنان"، وهو "ابن البردوني" وابن مدينة زحلة و"جارة الوادي" التي أعطت لبنان الكثير من المواهب الملفتة، وشعر جبران خليل جبران ابن مدينة بشري موطن الأدباء وملتقى الشعراء، الذي ذاع اسمه في عالم الإغتراب كما في وطنه لبنان والبلدان المجاورة، واخيراً وليس آخراً، الأخوان رحباني والسيدة فيروز الذين نثروا الفرح وزرعوا التلال حباً وسعادةً ولوّنوا السماء وجعلوا من محبيهم ومتذوقي فنهم الراقي "جيران القمر".
ولقد أثمر هذا التلاقي وهذا التعاون اغنيةً جميلةً ملؤها الدفء والحنان تميزت بالتنوع والنقاوة وكانّك تسترق السمع الى جدولٍ ينساب بين المروج الخضراء تحت سماء لبنان الصافية ، فاطلت علينا اغنية "أعطني الناي وغنّ" بكل ما تحمله من معانٍ وموسيقى وأداءٍ وتوزيعٍ أوركسترالي من المقام الأول.
1- نوع الموسيقى Genre de musique
هي مزيج من الموسيقى الهادئة والحالمة (soft music) ( musique douce) والموسيقى ذات الحركية الإيقاعية rythmic movement التي تتناغم مع كلمات الأغنية ومعانيها.
2- النغم:
يتطابق لحن الأغنية مع سلم لا الصغير الهارمونية Gamme mineure والجدير ذكره هنا أن سلم المينور (Mineur) هو لحني بامتياز في أكثر الأحيان ويغلب عليه الطابع العاطفي الرومانسي، لذا كان هذا الانسجام والتناغم بين موسيقى الأغنية والمعاني التي تميّز بها النصّ الشعريّ.
3- الإيقاع:
تميزت التركيبة الإيقاعية Structure rythmique لهذه الأغنية بالتنوع وفاقًا لاتجاهين مختلفين:
- بروز الإيقاع حينًا واختفائه حينًا آخر، ففي بداية الأغنية نلاحظ غيابًا كليًا للإيقاع مترافقًا مع جملة موسيقية حرّة ما يسمى بالتعبير الموسيقي (Adlib) ثم تتبعها جملة موسيقية آخرى وفاقًا لإيقاع غير ظاهر (Discret) يعبر عنه باصطلاح a tempo أي أن هناك بداية لتعداد المقاييس Mesure les وفاقًا لميزان الأغنية من دون أن تظهر أي آله إيقاعية مرافقة. ثم يلي ذلك جملة موسيقية إيقاعية تتوقف بعدها تمهيدًا لبدء غناء المذهب Refrain وأيضًا وفاقًا لإيقاع غير ظاهر ثم الكوبليه الأول الذي يتوقف تعداد المقاييس في آخره عند جملة "شربتُ الفجر خمرًا في كؤوس من أثير" حيث تنتقل المطربة فيروز إلى غناء نهاية هذا المقطع وفاقًا لنمط ال Adlib مرة أخرى، ثم تنتقل إلى إعادة غناء المذهب وفاقًا لإيقاع غير ظاهر ثم يتبعها الكورال الذي يعيد غناء المذهب بالأسلوب ذاته، ويتبع ذلك غناء الكوبليه Couplet الثاني "هل جلست العصر....الخ" على طريقة ال a tempo وفي نهايتها تعتمد السيدة فيروز أيضًا على أسلوب ال adlib ثم تنتقل إلى غناء المذهب بمرافقة الكورال ثم غناء الكوبليه أو المقطع الأخير وفي نهايته أيضًا تعتمد أسلوب ال adlib وذلك لمرتين متتاليتين وتنتهي الأغنية على موسيقى المقدمة وفاقًا لنمط ال a tempo .
- اعتماد إيقاع ال Polka وهنا يستخدم الأخوان رحباني الالات الوترية مجتمعة، من كمان (Violon) وكمان جهير(Violoncelle) وكمان أجهر (Contrebasse) في أداء هذا النوع من الإيقاع ويترافق ذلك مع الآلات الإيقاعية (طبلة، رق) إنما في المرتبة الثانية من حيث ارتفاع الصوت (Volume). وهذا الأسلوب عُرف به الأخوان رحباني في معظم أغانيهم باعتمادهم على الآلات الموسيقية تنغيميًاّ وإيقاعيًاّ.
٤- الآلات الموسيقية المستخدمة:
بداية تطالعنا آلة الفلوت (Flûte) بعزفها المقطع الأول فتتبعها آلة الأكورديون ال accordéon بعزف منفرد مع اعتماد اسلوب السؤال والجواب مع مجموعة الآلات الوترية، ويتلو ذلك جملة لحنية وإيقاعية لهذه الالات لتعود آلة الأكورديون من جديد ثم الوتريات وكل ذلك طبعًا مع مرافقة مستمرة لغناء السيدة فيروز والكورال وفي النهاية تُطلب الآلات الموسيقية مجتمعة لتؤدي الجملة التي عُرفت في البداية مع توزيع لافت لدور كل منها.
وفي النهاية لا بد من التنويه بهذا الجهد المتكامل من حيث الكلمة واللحن والأداء والتوزيع الأوركسترالي إضافة إلى دور العزف الموسيقي المميّز وقد اجتمعت هذه العناصر متكاملة لتعطينا هذا العمل الذي سيدوم لأجيال وأجيال.