المواطنيّة والتربية على التنمية المستدامة
المواطنة تعريفاً هي الانتماء إلى وطن، أرضاً وشعباً ومؤسسات، مع ما يرتّبه هذا الانتماء من حقوق وواجبات. إلا ان المواطنية تعني تمتّع المواطنين بحقوقهم وتقيّدهم بواجباتهم، وتعني أيضاً إشراكهم في عملية بناء المجتمع والتفاعل مع مكوّناته على أساس من القيم المدنية والاجتماعية يجعل الحياة المجتمعية مجالاً مناسباً لتحقيق الذات والإغناء والاغتناء بما يمثّله المجتمع بمختلف مكوّناته من غنى وتنوّع.
وتُعتبر المواطنية كذلك شكلاً من أشكال الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لا بما توفّره الدولة من تقديمات فقط، بل بما يسهم به المواطن في حياته العملية وتطلعاته التنموية (أنا مواطن، أنا مشارك، أنا مسؤول). فالمواطنية ليست مفهوماً مجرداً أو كلمة جامدة بل هي في صيرورة وتطوّر دائمين مرتبطين بوعي الإنسان لحاجاته وتنوّع متطلبات حياته. هذا الواقع يجعلها على تماس مباشر مع التنمية المستدامة التي تطوّر مفهومها تحديداً ومقاربة، ليتجاوز حاجات الإنسان المادية، والتي تمثّل بعداً واحداً من أبعاد التنمية، إلى شمولية تتقاطع مع حاجات الإنسان وتطلّعاته المتصلة بأبعاد الحياة على اختلافها. فالتنمية المستدامة تشكّل البعد العملي لهذا الانتماء اجتماعياً وبيئياً واقتصادياً. على هذا الأساس ولهذا الهدف تكتسب عملية تربية التلامذة وإعدادهم للحياة أهمية بارزة، ما يستدعي توعيتهم وتبصيرهم بتكامل هذين المفهومين، ببعديهما المعرفي والسلوكي، بهدف صون الكرامة الإنسانية والحق في الحياة بمختلف أوجهها.
والأسئلة المفترضة في هذا المجال هي:
- ما هي المواطنية وما مدى علاقتها بالتنمية المستدامة؟
- ما مدى مراعاة مناهج مادة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة وكتبها لهذين المفهومين على المستويين المعرفي والتطبيقي؟
● أبعاد المواطنية:
المواطنية في المجتمعات الديمقراطية لها أبعاد ثلاثة هي: البعد السياسي والبعد المدني/ الاجتماعي والبعد الاقتصادي. هذه الأبعاد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى تمتّع المواطنين بحقوقهم وتقيّدهم بواجباتهم على مستويات ثلاثة:
- المواطنية المدنية، وتشمل حقوق المواطن وواجباته على مستوى التعبير، والمساواة بين المواطنين، والحق في التملّك وتأسيس الجمعيات والانتساب إليها والالتزام بالقيم المدنية، وتولّي الوظائف العامة...
- المواطنية الاجتماعية، وتقوم على احترام حقوق الإنسان على الصعيد الاجتماعي وتطول مجالات الصحة والرعاية الاجتماعية والحق بتقاضي الأجر العادل والراحة، وتوفير متطلّبات الحياة اليومية، والتحلّي بالقيم الاجتماعية، بما يسهّل عليه العيش مع الآخرين، أيّاً كانوا، على أساس من الودّ واللطف والتسامح والتعاون...
- المواطنية السياسية، وتشمل حق المشاركة في الحياة السياسية بمختلف أوجهها وعناوينها، وفق ما تحدده الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء والتي يشارك المواطن في وضعها، من خلال ممثلين عنه يختارهم اختياراً حراً واعياً ومسؤولاً.
هذه الأبعاد الثلاثة للمواطنية تجعلها على تقاطع وتكامل مع التنمية المستدامة بما تمثله من بُعد عملي وتطبيقي لهذا الانتماء. فما هي التنمية المستدامة؟
● التنمية المستدامة:
"التنمية المستدامة"، كما يحدّدها المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (جيمس سميث)، هي التنمية التي لا تكتفي بتوليد النمو فحسب بل هي:
- تجدّد البيئة بدلاً من ان تدمّرها.
- تمكّن الناس بدلاً من ان تهمّشهم.
- توسّع خيارات الناس وفرصهم وتؤهلهم للمشاركة في القرارات التي تؤثّر في حياتهم.
كما انها:
- تنمية لصالح الفقراء والبيئة.
- تنمية تؤازر المرأة.
- تنمية تحافظ على البيئة.
- تنمية تزيد من تمكين الناس وتحقّق العدالة في ما بينهم.
ويمكن القول في هذا السياق إن حقل الانطباق الواسع لمفهوم التنمية المستدامة يتحدّد في ما يتجاوز:
- تلبية الاحتياجات الأساسية للاستمرار البيولوجي للإنسان المعاصر إلى حاجاته الاجتماعية والثقافية وسواها.
- التدخل التنموي وإدماجه في سياق صيرورة تراكمية تؤدي إلى معالجة الأسباب المولّدة للمشاكل، وتحقق الأهداف البعيدة للعملية التنموية.
- التدخل المباشر والهادف إلى معالجة نتائج المشكلات.
❈أبعادها:
للتنمية المستدامة أبعاد ثلاثة هي:
- البعد البيئي.
- البعد الاجتماعي.
- البعد الاقتصادي.
❈ متطلباتها:
التنمية المستدامة فعل مشاركة فعليّة تهدف إلى التطوير باستخدام الموارد والأدوات والوسائل والطرائق الملائمة لبلوغ الأهداف، لذلك فمن المفترض الأخذ في الاعتبار المكان المستهدف وخصوصيته لجهة:
- مراعاة الإيقاعات الخاصة بالأوضاع المحلية المتفاوتة.
- التقصّي الدقيق عن جدوى المشاريع والأنشطة المقررة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
- إيجاد البيئة المساعدة والمساندة في عملية التنمية.
- بناء هيكليات المشاركة المحلية.
- تعزيز دور التعليم وتفعيله بشكل عام والتربية المدنية بشكل خاص وحسن استثمارهما.
- تعزيز القدرات المجتمعية من خلال العمل النقابي.
- الإفادة من وسائل الإعلام والاتصال للتوعية وكسب التأييد.
- بناء المشاركات الاجتماعيّة وتوزيع العمل والأدوار بين مختلف المكوّنات.
والسؤال الذي يُطرح، هل راعت مناهج التعليم العام ما قبل الجامعي بوجه عام، ومناهج مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية تحديداً، خصوصيات البيئة الوطنية للطفل بمختلف مكوّناتها لتشكّل وبحق رافداً للفعل التوعوي والتنموي للمواطن اللبناني؟
❈ التنمية المستدامة في المناهج اللبنانية:
يقول جورج بورديو "ليس المواطن هو الفرد الحقيقي بضعفه، بأنانيته، بعدم وضوح رؤيته، انما هو الرجل المستنير بنور العقل"؛ لذلك تكتسب عملية توعية المواطن وتبصيره وتوجيهه التوجيه الصحيح أهمية لافتة لتوفير التكامل بين مدركاته وسلوكياته، لأن اي سلوك غير مبني على المعرفة هو استبداد وتهوّر. وبما ان المدرسة هي مجتمع مصغّر ومن أوّل أدوارها إعداد الطفل للحياة من خلال وضعيات تعليمية/تعلميّة تحاكي المجتمع الأوسع الذي سينخرط فيه كطفل لاحقاً؛ فقد أولت مناهج التعليم العام ما قبل الجامعي في لبنان الصادرة في العام 1997 عمليتي التوعية والتوجيه الأهمية اللازمة، بحيث تتعزّز روح الانفتاح والوعي والتعاون لدى الطفل مع ذاته ومع ما ومن يحيط به. فركّزت من جملة ما ركّزت عليه في اهدافها العامة، كما من خلال محاور مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنيّة وتفاصيلها المتصلة بالمواطنية والتربية على التنمية المستدامة على الآتي:
الأهداف العامة للمناهج التعليمية.
هدفت المناهج التعليمية من جُملة ما هدفت إليه:
- تزويد المتعلّم بالقدر الكافي من المعارف عن بيئاته الاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيئية، ليتعرّف إلى واقع هذه البيئات ومُشكلاتها وطرائق التعاطي والتفاعل معها على أساس علمي وعقلاني وموضوعي.
- تزويد المتعلّم بالمعارف التي تمكّنه من القيام بدوره في مجتمعه على خلفية وعيه حقوقه وواجباته.
- تمثّله تراثه الروحي النابع من الرسالات السمويّة والتمسّك بالقيم والأخلاق الإنسانيّة.
- محافظته على موارد لبنان وعلى بيئته الطبيعية والعمل على وقايتها وتحسينها بشكل مستمر.
- سعيه إلى توطيد روح السلام في الذات وفي العلاقات بين الأفراد وفي العلاقات الاجتماعيّة والوطنيّة.
- ممارسته القواعد الصحيّة المؤدية إلى النمو السوي جسديّا ونفسيّا وخلقيّا.
- تطوير قُدرته على التحليل والربط والتوليف والتقييم، ليكون مواطناً يملك ولاءً واعياً وعميقاً لوطنه ما يُعزز انتماءه الوطني والإنساني.
محاور مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية
تضمّنت مناهج مادة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة وتفاصيلها العناوين الآتية المتصلة بمفهومي المواطنية والتنمية المستدامة وقد شملت:
المرحلة والحلقات الدراسية
الأبعاد ومواضيعها |
التعليم الأســــاسي |
التعليم الثانوي |
||
---|---|---|---|---|
المرحلــة الابتدائية |
المرحلة المتوسطة |
|||
الحلقة الأولى |
الحلقة الثانية |
الحلقة الثالثة |
||
البعد البيئي:
|
|
|
|
|
البعد الاجتماعي:
|
|
|
|
(التعاون القطاعي التكاملي)
|
البعد الاقتصادي:
|
|
|
|
|
هذه المحاور والأبعاد تشكّل كلاً متكاملاً تتداخل فيه المواطنية والتنمية المستدامة بمختلف أبعادهما، فالكل مرتبط بالكل. لذلك وبهدف تحقيق المواءمة بين التربية المدرسية والتربية على التنمية المستدامة بما يعزّز المواطنية من خلال الاستثمار الصحيح والهادف لهذه المحاور بمختلف مكوناتها، لا بد من إعادة توجيه عمليتي التعليم والتعلّم في مدارسنا بحيث يتم استثمار المعارف بشكل تراكمي ومتواصل بعيداً عن التلقين والتكرار والببغائية، والالتزام بأن المتعلم هو محور العملية التعليمية/التعلميّة يتولاها معلم/ة يستطيع إكساب تلامذته المعلومات والمهارات والاتجاهات والقيم الخاصة بالمواطنية وارتباطها بالتنمية المستدامة، مستخدماً الطرائق والأساليب الناشطة في عمليتي التعليم والتعلم بحيث يبني المعلم/ة في عملية التدريس على معارف تلامذته وخبراتهم، ويعمل على تكاملها مع المعلومات التي يقدمها عن هذين المفهومين بهدف تمكينهم من توظيفها في حلّ المشكلات التي تواجههم اليوم أو قد تواجههم مستقبلاً على أساس علمي وموضوعي وتشاركي مراعياً المعادلة المعروفة:
قُل لي فأنسىَ........
علّمِني فأتذكَّر.........
أشركني فأتعلّمَ .....
والسؤال المحوري المطروح هو هل إن المشاركة المشار إليها تتم بالشكل الصحيح والمطلوب؟ إذا كان الجواب سلبياً، فما الخطوات الواجب اتخاذها والآليات الواجب اعتمادها لتفعيل هذه المشاركة وتعزيزها بما يخدم المواطنية والتنمية المستدامة فهماً والتزاما ومشاركة، بحيث تصبحان ثقافة حياة وفعل ممارسة يحكمهما الوعي والإدراك لحقوقنا وواجباتنا كما لحقوق الآخرين وواجباتهم، أيًا كانوا.
المصادر والمراجع ـ المرسوم رقم 10227 /97 تاريخ 8 أيار 1997( مناهج التعليم العام وأهدافها) ـ التعميم رقم 33 /م/ 97 تاريخ 1 آب 1997 (وزارة التربية والتعليم العالي) - التعميم رقم 36 /م/ 98 تاريخ 1 تموز 1998 (وزارة التربية والتعليم العالي) - التعميم رقم ٢٤ /م/ 99 تاريخ 30 نيسان 1997(وزارة التربية والتعليم العالي) - مجلة العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية/ معهد العلوم الاجتماعية - العدد الخامس - كانون الأول 1998 - مجلة العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية/ معهد العلوم الاجتماعية- العدد السابع- أيار 2001 - اطار العمل الاسترشادي للتربية من أجل التنمية المستدامة في المنطقة العربية/ مكتب الاونيسكو الاقليمي للتربية في الدول العربية بيروت/ حزيران 2008 - مدخل الى الدمج التربوي والاجتماعي/ مكتب الاونيسكو |
توضيح الفرق بين كلمتي المواطَنَة والمواطِنيّةِ
من أجل توضيح الفرق بين كلمة المواطَنَة والمواطِنيّةِ لُغوِيًا وإزالة اللغط والجَدَلْ القائِمينْ حَوْلَ معنى هاتين الكَلِمتين، إنْ في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئِيَة والمسموعة أو في الكتب وخصوصًا في أذهان المعلّمِين والطلاب والتلامذة.
يستعمل المركز التربوي للبحوث والإنماء كلمة مُواطَنة ويعني بها: Citoyenneté
المواطَنَةْ: مأخوذَة من وَطَنْ. يُقال في اللغة وَطَن، يواطِنُ مُواطَنَةً أيْ عاشَ مع قَوْمٍ في وَطَنٍ واحد، والعلاقة الإنسانِية الوطنيّةَ بين أفرادِ القَوْم تُسَمّىَ مُواطَنَةْ.
أما لفظة المواطِنيّةَ فهيَ كَلَفظة وَطَنِيّةَ وتَعْني حُبّ الوطَنْ والإخْلاص لَهُ والتَضْحِية في سَبيلِهِ. ولُغَوِيّاً هي مَصْدَر صِناعي مِثْل ديمقراطِية.
المواطَنَة: Citoyenneté
الوَطَنِيّةَ: Patriotisme
ونقول بالفرنسية: مُواطِن = Citoyen ومُواطًنَة =Citoyennté بينما الوَطَنَيةْ هي =Patriotisme
المجلة التربوية
ملاحظة: راجِع البروفسور مُنيف موسى.
لُغَوي= Linguiste : وَرَدَ اسمُه في ''مُعْجَم أسماء العَلَمْ في لبنان للدكتور جميل جَبْرْ (الطبعة الثانية - 2004)