أوجه الشمول في التربية الكلية (تابع) 3 /4

جورج فرج خبير تربوي المدرسة الوطنية الأرثوذكسية- الميناءكفايات تكوينية نفسية (انفعالية  عاطفية  سلوكية)
وتأثيرها على توازن الشخصية، وعلى التحصيل المعرفي.

 

 

ذكرنا في المقال السابق أن التربية بأوسع معانيها عملية ''سيكولوجية'' تهدف الى إحداث أكثر ما يمكن من التغيير في طبيعة المتعلم الأولية. فالمتعلم عن طريق التربية يكتسب الكثير من المهارات: العقلية والنفسية: الانفعالية والعاطفية والسلوكية، والجسدية، إذ يصبح باستطاعته أن يسيطر على عضلاته، ويتحكم بانفعالاته، ويهذب عواطفه، ويكتسب سلوكاً انسانياً محموداً، أو يتجنب آخر منكراً. بالإضافة الى أن "السيكولوجية" قادرة على أن تجد حلولاً فعلية لمشاكل الاكتساب المعرفي، لأن الطفل يتمتع بليونة في قدراته الاكتسابية وقابليتها للتربية والإنماء عبر التدخل والمساعدة عن طريق علم النفس، الا انه لا يكفي أن يتمتع المتعلم بكفاءات معرفية وقدرات ذهنية وتوازن نفسي في شخصيته عاطفياً وانفعالياً، لكي ينجح في مختلف المهمات والاكتسابات بسهولة، بل المفروض أن نجعله ينجح ايضاً في التوظيف الجيد لهذه الكفاءات والقدرات في شتى مجالات الحياة، من هنا يفهم دور المعلم المربي في التربية الشاملة الذي لم

 

1- تعريف الانفعال
"حالة نفسية خاصة بالمنفعل لا يمكن وصفها، ولا يستطيع أحد منا ان يصف انفعال غيره. لكي يعرف الشخص معنى الغضب بدقة لا بد أن يجربه. والانفعال فطري وراثي آني،  يزول، ويهذب، ويوجه، ويحوّل من السيئ إلى الحسن". (1)
والانفعالات كثيرة نذكر أهمها وهي التي تظهر على الأطفال، ويستطيع المربي أن يلاحظها: العدوانية، الغضب، الخوف، والرعب، الفرح والحزن، الكآبة، الندم الشديد، الحقد والحسد، والخجل ... قد تتحول هذه الانفعالات إلى اضطرابات نفسية، وحالات مزاجية، وهذه بدورها تؤثر في السلوك، كما تؤثر في الجسد فيمرض صاحبها، أو يصاب بالخمول، فينعكس ذلك على التحصيل المعرفي، وعلى الانتباه والمواظبة، وعلى أي عمل يقوم به، وقد تبين أن المشكلات النفسية المنعكسة سلباً على التحصيل المعرفي قد تنتج عند الأطفال خاصة عن أبسط حادثة يتعرض لها الطفل في محيطه القريب، كأن يفقد واحداً ممن يحبهم أباً أو أماً أو صديقاً، أو أن يحصل طلاق بين والديه، أو يتعرض هو لتجربة شخصية: اعتداء، أو حادث سيارة، الخ...

يخطئ من يعتقد أن المعلمة قادرة على أن تعالج هذه المشكلات جذريّاً، إنما يطلب منها أن تكتشف هذه الحالات عبر تصرفات الأطفال المصابين بهذه الإمراض النفسية أو عبر تأخرهم المدرسي، وأن تفهمها وتحاول أن تعوّض على الطفل المصاب بما ينقصه، ثم تحيله إلى المعالج النفسي.

ولكن دور المربي يبقى كبيراً وحساساً من خلال مراعاته الفروق الفردية، فيصبّ اهتمامه العلائقي بتواصل خاص مع الطفل المصاب، من دون ان يشعر الآخرون بذلك، فيسعى إلى أن يلطّف تأثير الانفعال ويخفف من سلبياته، وذلك بتوجيهه الى النواحي المستحسنة. فالخوف مثلاً قد يصير هاجساً، ثم يتحول الى مرض عقلي وهو التشاؤم من كل شيء، وقد يتحول الى تطيّر من كل أمر وهذا ما يدفع الى الانطواء على الذات، ولكن قد يهذب ويتحول الى خوف من لله مثلاً، أو خوف من القانون، فلا يقع في خطأ لا يرضى عنه لله، ولا يخالف الأنظمة التي يعاقب عليها القانون، هذا التخفيف من المرض النفسي، ليس معالجة له، فهذه لها اختصاصيون كما ذكرنا سابقاً بل وقاية من استفحال سيئاته.

إنما نريد أن نركز على دور المربي في انفعال يقوى كثيراً عند الأطفال، ويضعف في الكبر خوفاً من الآخر، ألا وهو "العدوانية" (l'agressivité)  التي قد تكون وراثية أو متولدة من الأنانية الحادة، وهي غريزة موجودة في الأطفال عموماً ولكن وجودها نسبي بينهم، وأكثر ما تظهر في الحب الشديد للتملك، وبالاعتداء على الأطفال الضعفاء ومن هم أصغر سناً، واكتشافها سهل جداً وضروري تقوم به المربية في الملعب خاصة حين تراقب عن بُعد تصرفات الأطفال، فتكتشف فوراً "العدواني" (l'agressif) من تصرفاته العنيفة، إذ يركض بعنف ويضرب كل من يراه أمامه. إن معالجة هذه المشكلة النفسية ممكنة، وتقضي بضرورة إخضاع العدواني لمراقبة دائمة في الصف والملعب، و بالحد منها تدريجاً، وتحويل هذه النزعة إلى التعاون والمحبة والاخوة، من خلال تشجيع العدواني وحثه على الاشتراك في العاب جماعية. لكن لا بد من القول بأنه لا يجوز أن تلجأ المربية إلى أي نوع من أنواع العقوبات الجسدية، حتى ولو نالها شيء من نتائج هذه الانفعالات وخصوصاً الغضب، لأنه بفرض العقوبات تخسر ثقة هؤلاء الأطفال فلا يتجاوبون معها، غير انها بالمحبة والتسامح قد تصل إلى نتيجة مرضية.


2- تعريف العواطف
هي صفات نفسية مكتسبة مثل طرائق التفكير ومثل أي عادة أخرى يكتسبها الطفل من محيطه المنزلي أو المدرسي أو الاجتماعي، عبر ممارستها أمامه وتشجيعه على أن يمارسها شخصياً، نذكر من هذه العواطف: المحبة والصدق والإيمان وعمل الخير، والإحسان إلى المحتاجين، والرفق بالضعفاء والحيوان، وحب المجتمع والوطن، والحق والعدل، الكراهية للعنف، ولكل ما هو قبيح كالظلم والاستبداد، والاعتداء من أي نوع كان، والتعاطف مع المصابين والمنكوبين، مبتدئين بالبيئة القريبة ثم البعيدة حتى نصل إلى العالم أجمع، فيصبح التعاطف انسانياً. كيف نكسب الناشئين منذ الطفولة هذه العواطف النبيلة الشخصية والإنسانية؟

  •  بالتمثل بالأهل في البيت... فالطفل الذي يتربى في منزل يطبق أهله فيه ما ذكرنا سابقاً، يكتسب منهم هذه الصفات وخصوصاً حين يشجعونه على ممارستها في علاقاته المحصورة في إطار البيت والمدرسة، لكنه سيحملها معه لتصبح جزءًا من حياته الاجتماعية عندما يكبر، لا سيما ما له ارتباط بمساعدة الآخر إذ تتحول إلى خدمة المجتمع، فينخرط في المؤسسات الخيرية والاجتماعية، وهي متوافرة في المجتمعات.
  •  نضّمنها النصوص المقروءة في الكتب وفي القصص التي يطالعها الأطفال، حتى اننا نسعى الى تضمينها قصداً طالبين من الكتّاب ومؤلفي الكتب كي يثبتوها، فيكتشفها المتعلمون من بين السطور، ونفردها ونكسبهم إياها على أنها مهارات سلوكية.
  •  بالتواصل العلائقي القائم بين المعلم والتلاميذ والمحبة التي تنشأ بينهم فيدعو المعلم هؤلاء الناشئين بالإرشاد والتوجيه، وبالكلمة الطيبة الناصحة، إلى التمسك بهذه العواطف على أنها فضائل تجعل الإنسان مثاليًا أمام الرفاق والناس في المجتمع.
  •  بالاقتداء بالمعلم وجعله مثالاً يحتذى: بالنسبة الى الانضباط واحترام النظام، والتقيد بالقانون.
  •  قد نرتقي بالتلاميذ إلى المستوى المثالي، فنحثهم على تغليب العواطف الاجتماعية والمعنوية والإنسانية على العواطف الذاتية المقتصرة على المعلم والأهل والاقربين، وتسمى هذه المرحلة بالغيْرّية إذ تبلغ حدّ الإيثار والتضحية بالنفس من أجل الوطن أو العقيدة أو المجتمع...

ومن أرقى العواطف، العاطفة الخُلُقية، أو ما يسميه بعضهم الضمير، وإيقاظه في نفوس الناشئة فمن أهم أهداف التربية الشاملة عموماً والكفايات الإنمائية خصوصاً، إنماء هذه العاطفة لتصبح عنصراً من عناصر شخصية الناشئ، إذ تحمل صاحبها على إصدار أحكام أخلاقية نابعة من ضميره الحيّ، من دون النظر لمصلحة من يصدر حكمه، أو على من يصدره، ومدى علاقته به أو قربه منه أو بعده عنه. وهذه الأحكام تتضمن استحسان عمل أو استقباحه، اعتماداً على عاطفته الخلقية دون غيرها، فهو قادر على أن يحكم على ذاته، اذا أحسّ أنه مذنب، فيؤنبه ضميره، وهذا ما يعرف "بتأنيب الضمير الذي يصبح عند بعضهم سوطاً يلسع".

كل عاطفة من العواطف التي أشرنا اليها سابقاً اذا استجاب لها الناشئة استجابة كلية، وترسّخت في نفوسهم، فتتحول تدريجاً بعامل الاستمرار في تطبيقها، الى مسلك عملي، يسلكونه فيصبح جزءًا لا يتجزأ من شخصياتهم. ولتحقيق ما تقدم ينبغي أن تتعاون المدرسة مع البيت تعاوناً وثيقاً، من أجل تثبيت دعائم قواعد وقوانين وقيم أخلاقية تتلاءم مع البيئة، والمعتقدات الدينية والخلقية.

ومن الأهداف التي يسعى المربي الى إكسابها الناشئة من ضمن الكفايات التكوينية الإنمائية، وتقتضيها التربية الكلية الشاملة، الالتزام بقضايا الإنسان، ومنها:

  •  تنمية طاقات الفرد وتعزيزها والتركيز على المهارات الحياتية فبالإضافة إلى ما ذكرنا يتم تنمية الوعي على البيئة المحلية المحيطة به إحاطة مباشرة، لينطلق منها إلى بيئة أوسع ثم الأوسع لتصل إلى البيئة العالمية. فالفرد الشمولي حين يحافظ على بيئته القريبة يدرك أنه بعمله هذا إنما يمنع اتساع رقعة الأوزون، فهو بذلك يخدم البشرية كلها.
  •  تنمية الوعي على حقوق الإنسان: الأفراد والجماعات وخصوصاً الأطفال، فيتوجب عليه أن يطالب بحرية المقهورين، والشعوب المحتلة أراضيها أينما كانوا وان يشعر معهم ويؤازرهم ولو بعواطفه.
  •  إكساب الناشئ المواقف التي يحترم فيها الآخر وخصوصاً أصحاب المهن وتقبل الآخر، وتقدير التنوع بين الناس، واحترام آراء الآخرين ومعتقداتهم مهما اختلفت عن آرائه الشخصية، ونبذ الفروق العرقية والدينية والعنصرية وغيرها.

ونختصر فنقول: إن الطريقة التي ينظر فيها الفرد الشمولي إلى نفسه بعد تربيته بالصورة السابقة تنعكس حتماً على الطريقة التي ينظر فيها إلى العالم الخارجي، ولو بَعُدَ عنه، فيسعى إلى تكوين وعي شامل للمعاني السابقة، فلا يتمناها أو يطالب بها لنفسه فقط، بل يفعل ذلك من أجل غيره، سواء أكان قريباً منه أم بعيداً عنه.

إن الكفايات التكوينية لشخصية الناشئ، سواء أكانت نفسية أم اجتماعية كما مرّ معنا، أم فكرية كما سيلي، هذه الكفايات ليس لها مكونات، وبالتالي فلا تتجزأ إلى أهداف ولا تقيّم اختبارياً، بل يتم تقييمها تنفيذياً رقابياً.

فالكفاية التكوينية إما أن تطبق أو لا تطبق، وإما أن تعالج أو لا تعالج، وإما أن تكتسب ويتحقق الهدف منها أو لا يتم ذلك، وقد يحصل ما سبق بتحسن، والمعلمة وحدها هي القادرة على مراقبة هذا الأمر واعطاء حكمها بالتقدير والتقييم .

رابعاً: كفاية التربية الجسدية أو البدنية
أما عن كفاية التربية الجسدية فنلفت الانتباه الى ما يأتي: متمنّين أن توضع التربية الجسدية المنشودة هنا في إطارها الهادف الى إنماء الشخصية بكاملها ، فلا تقتصر على الألعاب التقليدية المعروفة  مع التركيز على أهميتها  كالقفز والركض والتمارين الجسدية البحتة، أو الألعاب المنظمة كالكرة الطائرة وكرة السلة وكرة القدم ، بل تشمل الألعاب الهادفة الى ترسيخ التعاون الاجتماعي، والتواصل الذي يتم مع فرق غريبة في مباريات مختلفة، والألعاب الهادفة جسدياً وفكرياً وعصبياً، والتي تتم بحركات إيقاعية تعبيرية تشترك في تنفيذها الحركة الجسدية والجهاز العصبي والفكر: رسم أشكال بالأجساد، أو كتابة كلمات وجمل، أو الرقص الإيقاعي التعبيري على الحان وأناشيد ينشدها المشاركون وهم يعبّرون عنها بحركات الجسد. ومتمنين أيضاً أن يوضع منهج خاص لما أسلفنا تتولى أمر اعداده وزارة الشباب والرياضة وتعممه على المدارس والأندية لتطبقه على المنتسبين اليها في العطل المدرسية والصيفية، فتتحول هذه الأندية الى رديف للمدرسة مكملة برامجها الرياضية الإنمائية.

بتضافر هذه الكفايات وما سيتلوها تتحقق التربية الكلية الشاملة المتكاملة.


هامش:
(1)علم النفس التربوي : الابراشي  حامد

أوجه الشمول في التربية الكلية (تابع) 3 /4

جورج فرج خبير تربوي المدرسة الوطنية الأرثوذكسية- الميناءكفايات تكوينية نفسية (انفعالية  عاطفية  سلوكية)
وتأثيرها على توازن الشخصية، وعلى التحصيل المعرفي.

 

 

ذكرنا في المقال السابق أن التربية بأوسع معانيها عملية ''سيكولوجية'' تهدف الى إحداث أكثر ما يمكن من التغيير في طبيعة المتعلم الأولية. فالمتعلم عن طريق التربية يكتسب الكثير من المهارات: العقلية والنفسية: الانفعالية والعاطفية والسلوكية، والجسدية، إذ يصبح باستطاعته أن يسيطر على عضلاته، ويتحكم بانفعالاته، ويهذب عواطفه، ويكتسب سلوكاً انسانياً محموداً، أو يتجنب آخر منكراً. بالإضافة الى أن "السيكولوجية" قادرة على أن تجد حلولاً فعلية لمشاكل الاكتساب المعرفي، لأن الطفل يتمتع بليونة في قدراته الاكتسابية وقابليتها للتربية والإنماء عبر التدخل والمساعدة عن طريق علم النفس، الا انه لا يكفي أن يتمتع المتعلم بكفاءات معرفية وقدرات ذهنية وتوازن نفسي في شخصيته عاطفياً وانفعالياً، لكي ينجح في مختلف المهمات والاكتسابات بسهولة، بل المفروض أن نجعله ينجح ايضاً في التوظيف الجيد لهذه الكفاءات والقدرات في شتى مجالات الحياة، من هنا يفهم دور المعلم المربي في التربية الشاملة الذي لم

 

1- تعريف الانفعال
"حالة نفسية خاصة بالمنفعل لا يمكن وصفها، ولا يستطيع أحد منا ان يصف انفعال غيره. لكي يعرف الشخص معنى الغضب بدقة لا بد أن يجربه. والانفعال فطري وراثي آني،  يزول، ويهذب، ويوجه، ويحوّل من السيئ إلى الحسن". (1)
والانفعالات كثيرة نذكر أهمها وهي التي تظهر على الأطفال، ويستطيع المربي أن يلاحظها: العدوانية، الغضب، الخوف، والرعب، الفرح والحزن، الكآبة، الندم الشديد، الحقد والحسد، والخجل ... قد تتحول هذه الانفعالات إلى اضطرابات نفسية، وحالات مزاجية، وهذه بدورها تؤثر في السلوك، كما تؤثر في الجسد فيمرض صاحبها، أو يصاب بالخمول، فينعكس ذلك على التحصيل المعرفي، وعلى الانتباه والمواظبة، وعلى أي عمل يقوم به، وقد تبين أن المشكلات النفسية المنعكسة سلباً على التحصيل المعرفي قد تنتج عند الأطفال خاصة عن أبسط حادثة يتعرض لها الطفل في محيطه القريب، كأن يفقد واحداً ممن يحبهم أباً أو أماً أو صديقاً، أو أن يحصل طلاق بين والديه، أو يتعرض هو لتجربة شخصية: اعتداء، أو حادث سيارة، الخ...

يخطئ من يعتقد أن المعلمة قادرة على أن تعالج هذه المشكلات جذريّاً، إنما يطلب منها أن تكتشف هذه الحالات عبر تصرفات الأطفال المصابين بهذه الإمراض النفسية أو عبر تأخرهم المدرسي، وأن تفهمها وتحاول أن تعوّض على الطفل المصاب بما ينقصه، ثم تحيله إلى المعالج النفسي.

ولكن دور المربي يبقى كبيراً وحساساً من خلال مراعاته الفروق الفردية، فيصبّ اهتمامه العلائقي بتواصل خاص مع الطفل المصاب، من دون ان يشعر الآخرون بذلك، فيسعى إلى أن يلطّف تأثير الانفعال ويخفف من سلبياته، وذلك بتوجيهه الى النواحي المستحسنة. فالخوف مثلاً قد يصير هاجساً، ثم يتحول الى مرض عقلي وهو التشاؤم من كل شيء، وقد يتحول الى تطيّر من كل أمر وهذا ما يدفع الى الانطواء على الذات، ولكن قد يهذب ويتحول الى خوف من لله مثلاً، أو خوف من القانون، فلا يقع في خطأ لا يرضى عنه لله، ولا يخالف الأنظمة التي يعاقب عليها القانون، هذا التخفيف من المرض النفسي، ليس معالجة له، فهذه لها اختصاصيون كما ذكرنا سابقاً بل وقاية من استفحال سيئاته.

إنما نريد أن نركز على دور المربي في انفعال يقوى كثيراً عند الأطفال، ويضعف في الكبر خوفاً من الآخر، ألا وهو "العدوانية" (l'agressivité)  التي قد تكون وراثية أو متولدة من الأنانية الحادة، وهي غريزة موجودة في الأطفال عموماً ولكن وجودها نسبي بينهم، وأكثر ما تظهر في الحب الشديد للتملك، وبالاعتداء على الأطفال الضعفاء ومن هم أصغر سناً، واكتشافها سهل جداً وضروري تقوم به المربية في الملعب خاصة حين تراقب عن بُعد تصرفات الأطفال، فتكتشف فوراً "العدواني" (l'agressif) من تصرفاته العنيفة، إذ يركض بعنف ويضرب كل من يراه أمامه. إن معالجة هذه المشكلة النفسية ممكنة، وتقضي بضرورة إخضاع العدواني لمراقبة دائمة في الصف والملعب، و بالحد منها تدريجاً، وتحويل هذه النزعة إلى التعاون والمحبة والاخوة، من خلال تشجيع العدواني وحثه على الاشتراك في العاب جماعية. لكن لا بد من القول بأنه لا يجوز أن تلجأ المربية إلى أي نوع من أنواع العقوبات الجسدية، حتى ولو نالها شيء من نتائج هذه الانفعالات وخصوصاً الغضب، لأنه بفرض العقوبات تخسر ثقة هؤلاء الأطفال فلا يتجاوبون معها، غير انها بالمحبة والتسامح قد تصل إلى نتيجة مرضية.


2- تعريف العواطف
هي صفات نفسية مكتسبة مثل طرائق التفكير ومثل أي عادة أخرى يكتسبها الطفل من محيطه المنزلي أو المدرسي أو الاجتماعي، عبر ممارستها أمامه وتشجيعه على أن يمارسها شخصياً، نذكر من هذه العواطف: المحبة والصدق والإيمان وعمل الخير، والإحسان إلى المحتاجين، والرفق بالضعفاء والحيوان، وحب المجتمع والوطن، والحق والعدل، الكراهية للعنف، ولكل ما هو قبيح كالظلم والاستبداد، والاعتداء من أي نوع كان، والتعاطف مع المصابين والمنكوبين، مبتدئين بالبيئة القريبة ثم البعيدة حتى نصل إلى العالم أجمع، فيصبح التعاطف انسانياً. كيف نكسب الناشئين منذ الطفولة هذه العواطف النبيلة الشخصية والإنسانية؟

  •  بالتمثل بالأهل في البيت... فالطفل الذي يتربى في منزل يطبق أهله فيه ما ذكرنا سابقاً، يكتسب منهم هذه الصفات وخصوصاً حين يشجعونه على ممارستها في علاقاته المحصورة في إطار البيت والمدرسة، لكنه سيحملها معه لتصبح جزءًا من حياته الاجتماعية عندما يكبر، لا سيما ما له ارتباط بمساعدة الآخر إذ تتحول إلى خدمة المجتمع، فينخرط في المؤسسات الخيرية والاجتماعية، وهي متوافرة في المجتمعات.
  •  نضّمنها النصوص المقروءة في الكتب وفي القصص التي يطالعها الأطفال، حتى اننا نسعى الى تضمينها قصداً طالبين من الكتّاب ومؤلفي الكتب كي يثبتوها، فيكتشفها المتعلمون من بين السطور، ونفردها ونكسبهم إياها على أنها مهارات سلوكية.
  •  بالتواصل العلائقي القائم بين المعلم والتلاميذ والمحبة التي تنشأ بينهم فيدعو المعلم هؤلاء الناشئين بالإرشاد والتوجيه، وبالكلمة الطيبة الناصحة، إلى التمسك بهذه العواطف على أنها فضائل تجعل الإنسان مثاليًا أمام الرفاق والناس في المجتمع.
  •  بالاقتداء بالمعلم وجعله مثالاً يحتذى: بالنسبة الى الانضباط واحترام النظام، والتقيد بالقانون.
  •  قد نرتقي بالتلاميذ إلى المستوى المثالي، فنحثهم على تغليب العواطف الاجتماعية والمعنوية والإنسانية على العواطف الذاتية المقتصرة على المعلم والأهل والاقربين، وتسمى هذه المرحلة بالغيْرّية إذ تبلغ حدّ الإيثار والتضحية بالنفس من أجل الوطن أو العقيدة أو المجتمع...

ومن أرقى العواطف، العاطفة الخُلُقية، أو ما يسميه بعضهم الضمير، وإيقاظه في نفوس الناشئة فمن أهم أهداف التربية الشاملة عموماً والكفايات الإنمائية خصوصاً، إنماء هذه العاطفة لتصبح عنصراً من عناصر شخصية الناشئ، إذ تحمل صاحبها على إصدار أحكام أخلاقية نابعة من ضميره الحيّ، من دون النظر لمصلحة من يصدر حكمه، أو على من يصدره، ومدى علاقته به أو قربه منه أو بعده عنه. وهذه الأحكام تتضمن استحسان عمل أو استقباحه، اعتماداً على عاطفته الخلقية دون غيرها، فهو قادر على أن يحكم على ذاته، اذا أحسّ أنه مذنب، فيؤنبه ضميره، وهذا ما يعرف "بتأنيب الضمير الذي يصبح عند بعضهم سوطاً يلسع".

كل عاطفة من العواطف التي أشرنا اليها سابقاً اذا استجاب لها الناشئة استجابة كلية، وترسّخت في نفوسهم، فتتحول تدريجاً بعامل الاستمرار في تطبيقها، الى مسلك عملي، يسلكونه فيصبح جزءًا لا يتجزأ من شخصياتهم. ولتحقيق ما تقدم ينبغي أن تتعاون المدرسة مع البيت تعاوناً وثيقاً، من أجل تثبيت دعائم قواعد وقوانين وقيم أخلاقية تتلاءم مع البيئة، والمعتقدات الدينية والخلقية.

ومن الأهداف التي يسعى المربي الى إكسابها الناشئة من ضمن الكفايات التكوينية الإنمائية، وتقتضيها التربية الكلية الشاملة، الالتزام بقضايا الإنسان، ومنها:

  •  تنمية طاقات الفرد وتعزيزها والتركيز على المهارات الحياتية فبالإضافة إلى ما ذكرنا يتم تنمية الوعي على البيئة المحلية المحيطة به إحاطة مباشرة، لينطلق منها إلى بيئة أوسع ثم الأوسع لتصل إلى البيئة العالمية. فالفرد الشمولي حين يحافظ على بيئته القريبة يدرك أنه بعمله هذا إنما يمنع اتساع رقعة الأوزون، فهو بذلك يخدم البشرية كلها.
  •  تنمية الوعي على حقوق الإنسان: الأفراد والجماعات وخصوصاً الأطفال، فيتوجب عليه أن يطالب بحرية المقهورين، والشعوب المحتلة أراضيها أينما كانوا وان يشعر معهم ويؤازرهم ولو بعواطفه.
  •  إكساب الناشئ المواقف التي يحترم فيها الآخر وخصوصاً أصحاب المهن وتقبل الآخر، وتقدير التنوع بين الناس، واحترام آراء الآخرين ومعتقداتهم مهما اختلفت عن آرائه الشخصية، ونبذ الفروق العرقية والدينية والعنصرية وغيرها.

ونختصر فنقول: إن الطريقة التي ينظر فيها الفرد الشمولي إلى نفسه بعد تربيته بالصورة السابقة تنعكس حتماً على الطريقة التي ينظر فيها إلى العالم الخارجي، ولو بَعُدَ عنه، فيسعى إلى تكوين وعي شامل للمعاني السابقة، فلا يتمناها أو يطالب بها لنفسه فقط، بل يفعل ذلك من أجل غيره، سواء أكان قريباً منه أم بعيداً عنه.

إن الكفايات التكوينية لشخصية الناشئ، سواء أكانت نفسية أم اجتماعية كما مرّ معنا، أم فكرية كما سيلي، هذه الكفايات ليس لها مكونات، وبالتالي فلا تتجزأ إلى أهداف ولا تقيّم اختبارياً، بل يتم تقييمها تنفيذياً رقابياً.

فالكفاية التكوينية إما أن تطبق أو لا تطبق، وإما أن تعالج أو لا تعالج، وإما أن تكتسب ويتحقق الهدف منها أو لا يتم ذلك، وقد يحصل ما سبق بتحسن، والمعلمة وحدها هي القادرة على مراقبة هذا الأمر واعطاء حكمها بالتقدير والتقييم .

رابعاً: كفاية التربية الجسدية أو البدنية
أما عن كفاية التربية الجسدية فنلفت الانتباه الى ما يأتي: متمنّين أن توضع التربية الجسدية المنشودة هنا في إطارها الهادف الى إنماء الشخصية بكاملها ، فلا تقتصر على الألعاب التقليدية المعروفة  مع التركيز على أهميتها  كالقفز والركض والتمارين الجسدية البحتة، أو الألعاب المنظمة كالكرة الطائرة وكرة السلة وكرة القدم ، بل تشمل الألعاب الهادفة الى ترسيخ التعاون الاجتماعي، والتواصل الذي يتم مع فرق غريبة في مباريات مختلفة، والألعاب الهادفة جسدياً وفكرياً وعصبياً، والتي تتم بحركات إيقاعية تعبيرية تشترك في تنفيذها الحركة الجسدية والجهاز العصبي والفكر: رسم أشكال بالأجساد، أو كتابة كلمات وجمل، أو الرقص الإيقاعي التعبيري على الحان وأناشيد ينشدها المشاركون وهم يعبّرون عنها بحركات الجسد. ومتمنين أيضاً أن يوضع منهج خاص لما أسلفنا تتولى أمر اعداده وزارة الشباب والرياضة وتعممه على المدارس والأندية لتطبقه على المنتسبين اليها في العطل المدرسية والصيفية، فتتحول هذه الأندية الى رديف للمدرسة مكملة برامجها الرياضية الإنمائية.

بتضافر هذه الكفايات وما سيتلوها تتحقق التربية الكلية الشاملة المتكاملة.


هامش:
(1)علم النفس التربوي : الابراشي  حامد

أوجه الشمول في التربية الكلية (تابع) 3 /4

جورج فرج خبير تربوي المدرسة الوطنية الأرثوذكسية- الميناءكفايات تكوينية نفسية (انفعالية  عاطفية  سلوكية)
وتأثيرها على توازن الشخصية، وعلى التحصيل المعرفي.

 

 

ذكرنا في المقال السابق أن التربية بأوسع معانيها عملية ''سيكولوجية'' تهدف الى إحداث أكثر ما يمكن من التغيير في طبيعة المتعلم الأولية. فالمتعلم عن طريق التربية يكتسب الكثير من المهارات: العقلية والنفسية: الانفعالية والعاطفية والسلوكية، والجسدية، إذ يصبح باستطاعته أن يسيطر على عضلاته، ويتحكم بانفعالاته، ويهذب عواطفه، ويكتسب سلوكاً انسانياً محموداً، أو يتجنب آخر منكراً. بالإضافة الى أن "السيكولوجية" قادرة على أن تجد حلولاً فعلية لمشاكل الاكتساب المعرفي، لأن الطفل يتمتع بليونة في قدراته الاكتسابية وقابليتها للتربية والإنماء عبر التدخل والمساعدة عن طريق علم النفس، الا انه لا يكفي أن يتمتع المتعلم بكفاءات معرفية وقدرات ذهنية وتوازن نفسي في شخصيته عاطفياً وانفعالياً، لكي ينجح في مختلف المهمات والاكتسابات بسهولة، بل المفروض أن نجعله ينجح ايضاً في التوظيف الجيد لهذه الكفاءات والقدرات في شتى مجالات الحياة، من هنا يفهم دور المعلم المربي في التربية الشاملة الذي لم

 

1- تعريف الانفعال
"حالة نفسية خاصة بالمنفعل لا يمكن وصفها، ولا يستطيع أحد منا ان يصف انفعال غيره. لكي يعرف الشخص معنى الغضب بدقة لا بد أن يجربه. والانفعال فطري وراثي آني،  يزول، ويهذب، ويوجه، ويحوّل من السيئ إلى الحسن". (1)
والانفعالات كثيرة نذكر أهمها وهي التي تظهر على الأطفال، ويستطيع المربي أن يلاحظها: العدوانية، الغضب، الخوف، والرعب، الفرح والحزن، الكآبة، الندم الشديد، الحقد والحسد، والخجل ... قد تتحول هذه الانفعالات إلى اضطرابات نفسية، وحالات مزاجية، وهذه بدورها تؤثر في السلوك، كما تؤثر في الجسد فيمرض صاحبها، أو يصاب بالخمول، فينعكس ذلك على التحصيل المعرفي، وعلى الانتباه والمواظبة، وعلى أي عمل يقوم به، وقد تبين أن المشكلات النفسية المنعكسة سلباً على التحصيل المعرفي قد تنتج عند الأطفال خاصة عن أبسط حادثة يتعرض لها الطفل في محيطه القريب، كأن يفقد واحداً ممن يحبهم أباً أو أماً أو صديقاً، أو أن يحصل طلاق بين والديه، أو يتعرض هو لتجربة شخصية: اعتداء، أو حادث سيارة، الخ...

يخطئ من يعتقد أن المعلمة قادرة على أن تعالج هذه المشكلات جذريّاً، إنما يطلب منها أن تكتشف هذه الحالات عبر تصرفات الأطفال المصابين بهذه الإمراض النفسية أو عبر تأخرهم المدرسي، وأن تفهمها وتحاول أن تعوّض على الطفل المصاب بما ينقصه، ثم تحيله إلى المعالج النفسي.

ولكن دور المربي يبقى كبيراً وحساساً من خلال مراعاته الفروق الفردية، فيصبّ اهتمامه العلائقي بتواصل خاص مع الطفل المصاب، من دون ان يشعر الآخرون بذلك، فيسعى إلى أن يلطّف تأثير الانفعال ويخفف من سلبياته، وذلك بتوجيهه الى النواحي المستحسنة. فالخوف مثلاً قد يصير هاجساً، ثم يتحول الى مرض عقلي وهو التشاؤم من كل شيء، وقد يتحول الى تطيّر من كل أمر وهذا ما يدفع الى الانطواء على الذات، ولكن قد يهذب ويتحول الى خوف من لله مثلاً، أو خوف من القانون، فلا يقع في خطأ لا يرضى عنه لله، ولا يخالف الأنظمة التي يعاقب عليها القانون، هذا التخفيف من المرض النفسي، ليس معالجة له، فهذه لها اختصاصيون كما ذكرنا سابقاً بل وقاية من استفحال سيئاته.

إنما نريد أن نركز على دور المربي في انفعال يقوى كثيراً عند الأطفال، ويضعف في الكبر خوفاً من الآخر، ألا وهو "العدوانية" (l'agressivité)  التي قد تكون وراثية أو متولدة من الأنانية الحادة، وهي غريزة موجودة في الأطفال عموماً ولكن وجودها نسبي بينهم، وأكثر ما تظهر في الحب الشديد للتملك، وبالاعتداء على الأطفال الضعفاء ومن هم أصغر سناً، واكتشافها سهل جداً وضروري تقوم به المربية في الملعب خاصة حين تراقب عن بُعد تصرفات الأطفال، فتكتشف فوراً "العدواني" (l'agressif) من تصرفاته العنيفة، إذ يركض بعنف ويضرب كل من يراه أمامه. إن معالجة هذه المشكلة النفسية ممكنة، وتقضي بضرورة إخضاع العدواني لمراقبة دائمة في الصف والملعب، و بالحد منها تدريجاً، وتحويل هذه النزعة إلى التعاون والمحبة والاخوة، من خلال تشجيع العدواني وحثه على الاشتراك في العاب جماعية. لكن لا بد من القول بأنه لا يجوز أن تلجأ المربية إلى أي نوع من أنواع العقوبات الجسدية، حتى ولو نالها شيء من نتائج هذه الانفعالات وخصوصاً الغضب، لأنه بفرض العقوبات تخسر ثقة هؤلاء الأطفال فلا يتجاوبون معها، غير انها بالمحبة والتسامح قد تصل إلى نتيجة مرضية.


2- تعريف العواطف
هي صفات نفسية مكتسبة مثل طرائق التفكير ومثل أي عادة أخرى يكتسبها الطفل من محيطه المنزلي أو المدرسي أو الاجتماعي، عبر ممارستها أمامه وتشجيعه على أن يمارسها شخصياً، نذكر من هذه العواطف: المحبة والصدق والإيمان وعمل الخير، والإحسان إلى المحتاجين، والرفق بالضعفاء والحيوان، وحب المجتمع والوطن، والحق والعدل، الكراهية للعنف، ولكل ما هو قبيح كالظلم والاستبداد، والاعتداء من أي نوع كان، والتعاطف مع المصابين والمنكوبين، مبتدئين بالبيئة القريبة ثم البعيدة حتى نصل إلى العالم أجمع، فيصبح التعاطف انسانياً. كيف نكسب الناشئين منذ الطفولة هذه العواطف النبيلة الشخصية والإنسانية؟

  •  بالتمثل بالأهل في البيت... فالطفل الذي يتربى في منزل يطبق أهله فيه ما ذكرنا سابقاً، يكتسب منهم هذه الصفات وخصوصاً حين يشجعونه على ممارستها في علاقاته المحصورة في إطار البيت والمدرسة، لكنه سيحملها معه لتصبح جزءًا من حياته الاجتماعية عندما يكبر، لا سيما ما له ارتباط بمساعدة الآخر إذ تتحول إلى خدمة المجتمع، فينخرط في المؤسسات الخيرية والاجتماعية، وهي متوافرة في المجتمعات.
  •  نضّمنها النصوص المقروءة في الكتب وفي القصص التي يطالعها الأطفال، حتى اننا نسعى الى تضمينها قصداً طالبين من الكتّاب ومؤلفي الكتب كي يثبتوها، فيكتشفها المتعلمون من بين السطور، ونفردها ونكسبهم إياها على أنها مهارات سلوكية.
  •  بالتواصل العلائقي القائم بين المعلم والتلاميذ والمحبة التي تنشأ بينهم فيدعو المعلم هؤلاء الناشئين بالإرشاد والتوجيه، وبالكلمة الطيبة الناصحة، إلى التمسك بهذه العواطف على أنها فضائل تجعل الإنسان مثاليًا أمام الرفاق والناس في المجتمع.
  •  بالاقتداء بالمعلم وجعله مثالاً يحتذى: بالنسبة الى الانضباط واحترام النظام، والتقيد بالقانون.
  •  قد نرتقي بالتلاميذ إلى المستوى المثالي، فنحثهم على تغليب العواطف الاجتماعية والمعنوية والإنسانية على العواطف الذاتية المقتصرة على المعلم والأهل والاقربين، وتسمى هذه المرحلة بالغيْرّية إذ تبلغ حدّ الإيثار والتضحية بالنفس من أجل الوطن أو العقيدة أو المجتمع...

ومن أرقى العواطف، العاطفة الخُلُقية، أو ما يسميه بعضهم الضمير، وإيقاظه في نفوس الناشئة فمن أهم أهداف التربية الشاملة عموماً والكفايات الإنمائية خصوصاً، إنماء هذه العاطفة لتصبح عنصراً من عناصر شخصية الناشئ، إذ تحمل صاحبها على إصدار أحكام أخلاقية نابعة من ضميره الحيّ، من دون النظر لمصلحة من يصدر حكمه، أو على من يصدره، ومدى علاقته به أو قربه منه أو بعده عنه. وهذه الأحكام تتضمن استحسان عمل أو استقباحه، اعتماداً على عاطفته الخلقية دون غيرها، فهو قادر على أن يحكم على ذاته، اذا أحسّ أنه مذنب، فيؤنبه ضميره، وهذا ما يعرف "بتأنيب الضمير الذي يصبح عند بعضهم سوطاً يلسع".

كل عاطفة من العواطف التي أشرنا اليها سابقاً اذا استجاب لها الناشئة استجابة كلية، وترسّخت في نفوسهم، فتتحول تدريجاً بعامل الاستمرار في تطبيقها، الى مسلك عملي، يسلكونه فيصبح جزءًا لا يتجزأ من شخصياتهم. ولتحقيق ما تقدم ينبغي أن تتعاون المدرسة مع البيت تعاوناً وثيقاً، من أجل تثبيت دعائم قواعد وقوانين وقيم أخلاقية تتلاءم مع البيئة، والمعتقدات الدينية والخلقية.

ومن الأهداف التي يسعى المربي الى إكسابها الناشئة من ضمن الكفايات التكوينية الإنمائية، وتقتضيها التربية الكلية الشاملة، الالتزام بقضايا الإنسان، ومنها:

  •  تنمية طاقات الفرد وتعزيزها والتركيز على المهارات الحياتية فبالإضافة إلى ما ذكرنا يتم تنمية الوعي على البيئة المحلية المحيطة به إحاطة مباشرة، لينطلق منها إلى بيئة أوسع ثم الأوسع لتصل إلى البيئة العالمية. فالفرد الشمولي حين يحافظ على بيئته القريبة يدرك أنه بعمله هذا إنما يمنع اتساع رقعة الأوزون، فهو بذلك يخدم البشرية كلها.
  •  تنمية الوعي على حقوق الإنسان: الأفراد والجماعات وخصوصاً الأطفال، فيتوجب عليه أن يطالب بحرية المقهورين، والشعوب المحتلة أراضيها أينما كانوا وان يشعر معهم ويؤازرهم ولو بعواطفه.
  •  إكساب الناشئ المواقف التي يحترم فيها الآخر وخصوصاً أصحاب المهن وتقبل الآخر، وتقدير التنوع بين الناس، واحترام آراء الآخرين ومعتقداتهم مهما اختلفت عن آرائه الشخصية، ونبذ الفروق العرقية والدينية والعنصرية وغيرها.

ونختصر فنقول: إن الطريقة التي ينظر فيها الفرد الشمولي إلى نفسه بعد تربيته بالصورة السابقة تنعكس حتماً على الطريقة التي ينظر فيها إلى العالم الخارجي، ولو بَعُدَ عنه، فيسعى إلى تكوين وعي شامل للمعاني السابقة، فلا يتمناها أو يطالب بها لنفسه فقط، بل يفعل ذلك من أجل غيره، سواء أكان قريباً منه أم بعيداً عنه.

إن الكفايات التكوينية لشخصية الناشئ، سواء أكانت نفسية أم اجتماعية كما مرّ معنا، أم فكرية كما سيلي، هذه الكفايات ليس لها مكونات، وبالتالي فلا تتجزأ إلى أهداف ولا تقيّم اختبارياً، بل يتم تقييمها تنفيذياً رقابياً.

فالكفاية التكوينية إما أن تطبق أو لا تطبق، وإما أن تعالج أو لا تعالج، وإما أن تكتسب ويتحقق الهدف منها أو لا يتم ذلك، وقد يحصل ما سبق بتحسن، والمعلمة وحدها هي القادرة على مراقبة هذا الأمر واعطاء حكمها بالتقدير والتقييم .

رابعاً: كفاية التربية الجسدية أو البدنية
أما عن كفاية التربية الجسدية فنلفت الانتباه الى ما يأتي: متمنّين أن توضع التربية الجسدية المنشودة هنا في إطارها الهادف الى إنماء الشخصية بكاملها ، فلا تقتصر على الألعاب التقليدية المعروفة  مع التركيز على أهميتها  كالقفز والركض والتمارين الجسدية البحتة، أو الألعاب المنظمة كالكرة الطائرة وكرة السلة وكرة القدم ، بل تشمل الألعاب الهادفة الى ترسيخ التعاون الاجتماعي، والتواصل الذي يتم مع فرق غريبة في مباريات مختلفة، والألعاب الهادفة جسدياً وفكرياً وعصبياً، والتي تتم بحركات إيقاعية تعبيرية تشترك في تنفيذها الحركة الجسدية والجهاز العصبي والفكر: رسم أشكال بالأجساد، أو كتابة كلمات وجمل، أو الرقص الإيقاعي التعبيري على الحان وأناشيد ينشدها المشاركون وهم يعبّرون عنها بحركات الجسد. ومتمنين أيضاً أن يوضع منهج خاص لما أسلفنا تتولى أمر اعداده وزارة الشباب والرياضة وتعممه على المدارس والأندية لتطبقه على المنتسبين اليها في العطل المدرسية والصيفية، فتتحول هذه الأندية الى رديف للمدرسة مكملة برامجها الرياضية الإنمائية.

بتضافر هذه الكفايات وما سيتلوها تتحقق التربية الكلية الشاملة المتكاملة.


هامش:
(1)علم النفس التربوي : الابراشي  حامد