الخط العربي فن ودراسة
الخط فن:
يُعتبر الخط العربي فناً من الفنون الجميلة يربي الذوق ويرهف الحس، وللكتابة العربية وحروفها ميزة جمالية تعود إلى طبيعة هذه الكتابة، فلكل حرف من الحروف العربية هندسته الخاصة، بحسب أعلام كبار في فن الخط العربي نذكر أشهرهم في العصر العباسي الوزير ابن مقلة، فتشريح الحروف حسب ابن مقلة ينطلق من النقطة إلى الخط إلى الدائرة، فالشكل الهندسي المثالي. فالنقطة في فلسفة الفنون العربية هي بدء الطواف، والنقطة هي بداية كل تشكيل فني، هي اصل المحور الكوني، هي قطب المعرفة ومركز الدائرة، فالبداية نقطة والنهاية نقطة، النقطة هي النور الأول هي الحرف والرقم والشكل، هي القياس الجمالي والأبعاد الموسيقية للحرف في طوله وامتداده وانحنائه وانكساره. والمربع هو مظهر السكون والثبات في المكان، والدائرة هي مظهر الحركة في الزمان.
لقد دُرِس الخط المجرد في جميع أشكاله، المستقيم والمنكسر والمنحني، من خلال الرياضيات الاقليدية (من إقليدوس) والفيتاغورية (من فيتاغورس) في الغرب، وكانت أبعاده عقلانية تعتمد على العلم لا سيّما علم البصريات وعلم المنظور.
أما في الفكر العربي فان الخط ينشأ عن نقطة أزلية، وتتواصل النقاط لكي تشكل مسار الوجود ضمن نطاق منكفئ ليعود إلى النقطة الأزلية، راسماً دوائر لا حصر لها تشكل كرة الكون التي صدرت عن نقطة بداية الوجود. ومن مرتسم الكون كانت الدائرة التي استوعبت بدورها انماط الخطوط العربية، فبدا المثلث اطاراً للثلث والنسخي. والمربع اطاراً للرقعي، والدائرة سمة الديواني، والبيضاوي طابع خط التعليق (الفارسي). ان دراسة ميزان الخط التي قدمها ابن مقلة، توضح بجلاء علاقة كل حرف من الأبجدية العربية بأحد الأشكال الكونية الأولى، فالدائرة أساس تكوين الأحرف.
للإيقاع في الفنون العربية سمة خاصة وبارزة، نسمعها ونلحظها في اكثر فنونهم، فالإيقاع موجود في الشعر والأذن العربية تستسيغ الشعر المقفّى اكثر من الشعر الحر والمرسل، والإيقاع في صميم الموسيقى، وتكرار النغمة مألوف لدى المستمعين، والزخرفة العربية قامت على الإيقاع في اللون والحركة، وتكرارها جميل ورائع لا تملّه العين بل يمتعها ويفتنها، لذلك عمد كثير من الخطاطين إلى اعتماد الإيقاع، انطلاقاً من إحساسهم الحضاري ومفهومهم الفني. فالخط العربي حروف زخرفية ومطواعة تساعد على التشكيل وعلى خلق مساحات متفاوتة ومتناظرة، استغلها الخطاطون بتكرارها وتعاكسها وتناظرها بقصد الزخرفة والتأليف، فجاءت روائعهم تجمع بين جمالية الحرف، والمساحات المتناغمة والمتآلفة والمنسجمة. كل ذلك يعود إلى أسباب حضارية (ايمانية وفلسفية).
فالعربي الذي عاش في الحواضر على تخوم الصحراء، أو مرتحلاً يجوبها بحثاً وراء الماء والكلأ والمرعى، تتكرّر أمامه الصحارى وتتشابه، فتزداد غموضاً وسحراً وجمالاً، من دون ان يعرف الملل والاستقرار. ان الإيقاع اللوني والشكلي في الطبيعة الصحراوية، وفي الزخرفة والخط والموسيقى والغناء والشعر، تخلق نشوة في النفس ومتعة للعقل لتستقر في الوجدان، ولتخلق حالة فلسفية تتخطى اللون والشكل إلى التجريد.
ويبقى الحرف العربي من اجمل الصيغ المجرّدة، خاصة بالنسبة لانسان لا يفقه دلالة هذا الحرف، او ينسى هذه الدلالة لكي يستفيد من الشكل الجمالي للحرف.
وهكذا ظهر من الفنانين التجريديين المعاصرين في أوروبا من استعمل الحرف العربي، فكان مدرسة مستقلة ذات إطار مستقل متميّز. ولقد تجلى هذا الاتجاه قوياً واضحاً عند العديد من الفنانين الغربيين، فمنهم: بول كلي وهوفر وتروكس ومانوسيه وغيرهم ...