الشراكة التربوية
يتفق معظم العاملين في الحقل التربوي على أهمية الشراكة ودورها في تفعيل العمل التربوي وتسريع تطوره للوصول به إلى النتائج المرجوة. والعمل التربوي محكوم بمبدأ الشراكة، كونه يشكل نقطة التقاء بين كل العناصر التي تمثل مظاهر حياة الانسان، خصوصاً وأنه لا يمكن لأي طرف أو جهة احتكار ما هو عام بطبيعته. من هنا يجب التأكيد على ضرورة القيام بمشاريع تربوية مشتركة بين القطاعين الرسمي والخاص، وبين المدرسة والمحيط الاجتماعي وبين المؤسسات التربوية والمؤسسات الاجتماعية والتنموية والرياضية والثقافية. فالشراكة في الجهود وفي تنسيق المشاريع التربوية وتنفيذها، تؤدي إلى تحقيق الأهداف الخاصة بكل فريق وبالتالي تحقيق الهدف الأعلى والأسمى وهو ارتقاء المواطن - الانسان نحو الأفضل.
انسجاماً مع مبدأ الشراكة، لا بد لنا أن ننطلق جميعاً أفراداً ومؤسسات لترجمة هذا المفهوم إلى لغة الواقع، ولعل الخطوة الأهم في هذا المجال تبدأ من تحويل المدرسة من مؤسسة تعليمية فقط إلى مركز تتفاعل فيه مختلف الأفكار والطروحات التربوية والاجتماعية والتنموية، وتقام فيه الأنشطة التربوية خارج الأوقات المخصصة للتعليم وخلال العطل الأسبوعية وعطلة الصيف، ما يحوّلِ المدرسة إلى حاجة اجتماعية وأداة تنموية، ويمنحها دوراً حضارياً بإمكانها أن تؤديه وبنجاح في حال وُجدت التشريعات الرسمية لذلك.
نطرح هذه الأفكار ونحن في المركز التربوي للبحوث والانماء، نحاول العمل على تحقيق ما يمكن تحقيقه منها كونها تشكل جزءاً من دورنا الذي نؤمن به، ولأننا في قلب التجربة، ولأننا نتعاطى مع أطراف متعددة التوجهات التربوية ومع شخصيات ومؤسسات تربوية متنوعة، ندرك مدى الحاجة إلى هذه الشراكة وهذا الانفتاح على الآخر، لتتضافر جهودنا جميعاً لما فيه مصلحة الجميع. فكم من تلميذ يهدر وقته ومجهوده الفكري والجسدي سدى خلال العطل وأوقات الفراغ، وكم من متسرّب من المدرسة أو متعثّر دراسياً قُضِيَ على مستقبله بسبب عدم قدرته على التفاعل مع مدرسته أو معلميه أو محيطه الاجتماعي، وكم من القدرات والكفايات يمكن إكسابها لأولادنا، إن نحن أحسنّا تخطيط المشاريع الهادفة وتنظيمها لتفعيل قدراتهم وكشف مواهبهم وإخراج مكنوناتهم وبناء شخصياتهم على أسس صحيحة ومتوازنة.
كلنا ندرك حجم المشكلة ونعاني منها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وربما غالبيتنا تدرك أيضاً أن انفتاح المدرسة على النشاطات المتمّمة للعملية التربوية، العلمية منها والفنية والرياضية والثقافية، تخدم كلها مصلحة التلميذ ومستقبله. خصوصاً وأننا نشهد في السنوات الأخيرة اهتماماً ملحوظاً بالنشاطات اللاصفية في مختلف المدارس الخاصة، وبنسبة أقل في المدارس الرسمية التي تعاني من نقص كبير في هذا المجال بسبب غياب التشريعات اللازمة لذلك من جهة، وتجميد تطبيق ما يتعلق بالمواد الإجرائية التي أضيفت إلى المناهج الجديدة إلى أجل غير مسمى من جهة أخرى. وبالرغم من أننا ندرك أهمية هذا الجانب في حياتنا التربوية، فنحن لا نتحرك الا بمبادرات فردية وخجولة تبقى محصورة في الأطر الضيقة. فلماذا لا نعمّم اذاً هذه التجربة، ونضع لها التشريعات المناسبة لكي تتحول المدرسة الى واحة حياة تنبض بالعلم كما بالفرح والأمل ونؤسّس لمستقبل واعد لأطفالنا.