مناهج مرحلة الروضة المطورَّة
نهى أبي حبيب
رئيسة قسم الروضة
في المركز التربوي
للبحوث والإنماء
مناهج مرحلة الروضة
من البديهي، أن يُطلع المركز التربوي للبحوث والإنماء المؤسسات التربوية كافة على عملية تطوير مناهج مرحلة الروضة على أساس المقاربة بالكفايات التي تأخذ في الاعتبار حاجات المجتمع وحاجات الأفراد والتطوّر المعرفي والتكنولوجي ونظريات بناء المعرفة حيث برز توجّه لدى الكثير من النظم التربوية للتركيز على استعمال المعرفة التي يكتسبها التلميذ في المدرسة في مواقف من الحياة اليومية.
تُعتبر مرحلة الروضة محطة تأسيسيّة لعمليّة نموّ الطفل، وهي مرحلة قائمة بذاتها لها خصائصها وطرائقها وبرامجها الخاصة وتشكل في الوقت عينه اللبنة الأولى في بناء شخصيّة الطفل وتنشئته وتهيئته لدخول المدرسة الابتدائية بحيث تؤدّي دورًا كبيرًا في إكسابه الخبرات التربوية التي تسهم في تنميته جسديًا وذهنيًا واجتماعيًا ونفسيًا.
وإيمانًا بالدور الذي تؤديه الروضات وانطلاقًا من الواقع الميداني خلال تطبيق المناهج الجديدة الصادرة بموجب المرسوم رقم 10227 تاريخ 8 أيار 1997 (مناهج التعليم العام وأهدافها) وحيث إن هذه المناهج تعتبر قيد الدراسة المستمرة من قبل المركز التربوي للبحوث والإنماء، كان من البديهي إعادة النظر بمناهج مرحلة الروضة وتطويرها واتخاذ القرار المناسب بشأن اختيار المقاربة الأكثر ملاءمة.
مراحل بناء مناهج التعليم
إن مناهج التعليم بمختلف مكوّناتها ومستوياتها تتطلّب تطويرًا دائمًا ومستمرًا تفرضه ظروف الحداثة والممارسات المجتمعية.
لقد مرّت عملية بناء المناهج بثلاث مراحل أساسية هي:
أ- بناء المناهج على أساس المحتوى ومحورها الأساسي " ماذا نعلم؟ " حيث يُركِّز الاهتمام على المعلم والأنشطة التي يقوم بها، وإن عملية التقييم تهدف إلى قياس قدرات التلميذ في استذكار المعارف وتطبيقها في وضعيات قريبة من تلك التي تمّت معالجتها في الصفّ خلال عملية التعلّم.
ب- بناء المناهج على أساس الأهداف التربوية وهي التي تعتمد على المقاربة السلوكية حيث يبدأ واضعو المناهج باختيار محور معيّن انطلاقًا من ثقافتهم التربوّية ثم يتمّ بعد ذلك انتقاء الأهداف التربوية بالنظر إلى المميزات الافرادية للمتعلمين: الاستعداد للتعلّم، طرائق التفكير، إيقاع التعلّم...
ومن إيجابيات هذه المقاربة:
- إعتبار التلميذ محورًا لعملية التعلُّم.
- الانتقال من استراتيجية " ماذا نعلِّم" إلى إستراتيجية " ماذا نعلِّم؟ " وكيف نعلِّم؟.
ج- بناء المناهج على أساس المقاربة بالكفايات.
وجدت الأنظمة التربوية أن قيادة عملية تطوير بلد ما يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حاجات المجتمع وحاجات الأفراد والتطُّور المعرفي والتكنولوجي ونظريات بناء المعرفة، من دون أن يتركَّز الاهتمام فحسب على المحاور المتعلقّة بالمحتوى المعرفي بحد ذاته. ومن هذا الواقع، برز توجّه لدى الكثير من النظم التربوية للتركيز على استعمال المعرفة التي يكتسبها التلميذ في المدرسة في مواقف من الحياة اليومية.
لهذا السبب أخذ مسؤولو النظام التربوي قرارًا باعتماد المقاربة بالكفايات التي تجعل المتعلِّم قادرًا على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
وتعتمد هذه المقاربة على:
- استراتيجية ثلاثية الأبعاد: " ماذا نعلِّم؟ " " كيف نعلِّم ؟ " لماذا نعلِّم؟ "
- نظرة جديدة إلى المعارف مستقاة من النظريات البنائية والاجتماعية.
- إعتبار الممارسات المجتمعية السليمة والرؤية التربوية وطبيعة المواد الأكاديمية مرجعًا أساسيًا للكفايات المطلوب تنميتها عند التلاميذة.
- عدم تجزئة مهمات التلميذ إلى وحدات صغيرة منفصلة عن الإنتاج النهائي المنتظر.
الجديد في منهج الروضة
أ - تحديد سن الدخول:
جاءت التعديلات بناءً على المرسوم رقم 2494 تاريخ 19 شباط 2000 الذي يقضي بتعديل المادة الثانية من المرسوم 10227 (تُحدّد مرحلة الروضة بسنتين، يدخلها من أتمّ الرابعة من عمره) ويزيد بندًا واحدًا وهو " يمكن قبول الطفل في المدرسة قبل السن المحددة لدخول مرحلة الروضة لسنة تحضيرَّية واحدة " (حضانة).
فهذه المراسيم تكون قد:
- حددّت مرحلة الروضة بثلاث سنوات.
- أخذت بعين الاعتبار متطلّبات النمو عند الطفل من جوانبه كافة (الجسدية-الحركية، الاجتماعية، العاطفية، الذهنية واللغويَّة).
- وحّدت مسار هذه المرحلة بين القطاعين الرسمي والخاص.
(تعتمد المدارس الخاصة سن الثلاث سنوات لدخول الطفل إلى مرحلة الروضة).
ب- الموارد الأساسية التي ارتكزت عليها مناهج مرحلة الروضة.
- المبادئ التربوية العامة المعتمدة على الدراسات الحديثة المعنية بحاجات الأطفال وخصائص نموّهم وكيفية تعلُّمهم في هذه المرحلة.
- واقع المجتمع اللبناني وثقافته.
- مواكبة العصر والتطلُّع نحو المستقبل.
ج- المبادئ الأساسية لمنهج مرحلة الروضة.
- إنماء الطفل إنماءً شاملاً من النواحي: الجسدية والعاطفية والاجتماعية والذهنية.
- الطفل محور العملية التربوية.
- الحواس هي المدخل الأساسي لعملية التعلُّم في مرحلة الروضة، وذلك من خلال تفاعل الطفل الحسِّي مع عناصر البيئة المحيطة به.
- الاعتماد على الترابط الوثيق في مختلف الميادين وتداخل اللغة عبر الأنشطة كافة.
- الانطلاق من بيئة الطفل ومكوّناتها المادية والثقافية.
- مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال عمومًا ولا سيّما ذوي الاحتياجات الخاصَّة.
- مراعاة التطُّور التربوي العلمي والتقني.
- استخدام الوسائل والطرائق والأساليب الناشطة والتكنولوجيا.
- اعتبار اللعب المبدأ الأكثر فاعلية في عملية النماء سواء أكان حرًّا أم موجّهًا.
- التقييم عملية مستمرة تقيس مدى تحقُّق الكفايات من خلال الأدوات المتعِّددة في هذه المرحلة.
- الكفايات والأهداف التعلميَّة تبقى كما هي في السنوات الثلاث وتختلف درجة التركيب فيها من سنة إلى أخرى على مستوى الأهداف الخاصة.
د- الأهداف الأساسية لمنهج مرحلة الروضة:
أولاً: توفير جو من الآمان والطمأنينة تساعد الطفل على التكيّف وأجواء المدرسة والتآلف مع محيطه الجديد فيتحضّر للمرحلة اللاّحقة، مع مراعاة خصائص طفولته وحاجاته.
ثانياً: تنمية الطفل ليصبح كائنًا اجتماعيًّا، حيث يكتسب ثقافة وعادات تعزز لديه روح الانفتاح والتعاون والاندماج والمشاركة الفاعلة مع الآخرين.
ثالثاً: تعزيز عملية التعلُّم لتنمية مهارات الطفل الحسيَّة والجسدَّية والعاطفيّة والاجتماعيَّة والذهنيّة فيعبّر عن ذاته وحاجاته ومكتشفاته المحسوسة ويفكّر ويتخيَّل، فتتوسَّع خبرته ويكتشف العالم ويكوّن معلوماته.
انطلاقًا من المبادئ والأهداف العامة الوارد ذكرهَا أنفًا، تمَّ تحديد:
- الهدف الاندماجي النهائي لكلِّ مجال. (المجالات: التعبير اللُّغوي، التطُّور العلمي، النموُّ الاجتماعي، النّمو الحس حركي والتربية الفنية).
- اشتقاق الكفايات التعلمُّية من الهدف الاندماجي النهائي التي ينبغي على الطفل اكتسابها خلال السنة الدراسية.
- تحديد الأهداف التعُّلمية لكل كفاية، أي مراحل تدرُّج الكفاية.
- تحديد الأهداف الخاصَّة بكلِّ هدف تعلمي.
- تحديد المحتوى المعرفي لكلِّ هدف خاص.
- اقتراح بعض الأنشطة التعلُّميَّة.
- معايير الحد الأدنى لاعتبار الكفاية مكتسبة أم لا إلى جانب معايير التمايز والإتقان.
- انجاز نماذج لبعض الأنشطة التقويمية المقترحة.
كيف تتمُّ عملية اكتساب الكفاية؟
إذا كان الهدف إتاحة الفرصة أمام كل طفل لتوظيف معارفه وقدراته ومواقفه ( Savoirs,Savoir-faire, Savoir-être) ودمجها بغية حل الوضعيَّة المركَّبة فلا بدّ من إعداده لذلك:
- تبدأ المعلمة عملية تعلُّم محدَّدة للأهداف الخاصة لفترة أسابيع عدة يتمُّ خلالها تعلُّم الموارد التي تشكِّل عناصر الهدف التعلُّمي المعني (درجة كفاية) وتقويمها شفهيًّا وكتابيًّا للتأكُّد من اكتسابها.
- خلال الأسبوع الذي يلي الفترة المخصَّصة لتعلُّم الموارد، تقوم المعلّمة بإعداد التلامذة على الإدماج من خلال العمل على وضعَّيات مرَّكبة يستدعي حلُّها توظيف ما تمَّ تعلُّمه في الأسابيع الأولى من دون التطُّرق الى معارف جديدة، عندئذ تقترح المعلمة على الطفل وضعيتين مركبتين على الأقلِّ تسمحان له بأن يتدرَّب على كيفية إدماج مكتسباته.
- وعندما يكتمل اكتساب الأهداف التعلُّميةّ لكفاية ما بشكل منفصل، تقترح المعلمة على الأطفال وضعيَّات مركَّبة يستدعي حلّها دمج هذه الأهداف التعلُّميةّ وهذا ما يؤدّي إلى اكتساب الكفاية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّه يجب عدم إهمال مقاربة التربية بالأهداف لأنها هي التي تضع الطفل في صلب عملية التعلُّم ولذلك سوف تتابع المعلِّمات العمل على الأهداف الخاصّة بحسب استراتيجيّاتهم السابقة، لأسابيع عدّة (4 – 5 أسابيع) قبل الشروع بتطبيق المقاربة بالكفايات أو تربية الإدماج في الأسبوع السَّادس.
التقويم التربوي
لم يعد التقويم التربوي مقتصرًا على تقويم المعارف وحسب، بل أصبحت له وظيفة أساسية أولية وهي الوظيفة البنائية بمعنى أنه أصبح منِّظمًا لعملية التعلُّم ومصحِّحًا لمسارها، من دون إهمال الوظيفية التشخيصية والوظيفة التقويميِّة والوظيفة التقريرَّية.
وإن الأبحاث الحديثة حول التقويم بالكفايات أظهرت أهميّة ملاحظة نقاط القوة لتثمينها ونقاط الضعف والثّغرات والصعوبات التعلميَّة ووضع واقتراحات لمعالجتها.
ويتمُّ تقويم الكفاية من خلال وضعية مركبة لها:
أ- مكوِّناتها:
- السياق ويتحدَّد من خلال:
- المعلومات: مجموعة المعطيات التي تقدَّم للطفل من أجل حلّ الوضعيَّة.
- المستند: النصّ المكتوب، الصور، الجداول، المخطَّطات الأغاني المسموعة...
- الوظيفة: تُبيّن الهدف الذي من أجله يُحقَّق الإنجاز.
- التَّعلمية: السؤال المطروح بشكل مباشر.
- المهمَّة: جملة التعليمات الواردة في الوضعيّة.
ب - خصائصها:
- من خصائص الوضعية المركَّبة بكفاية معيَّنة.
- توظف مجموعة من المعارف والقدرات والمهارات ودمجها وتنسيقها.
- تثير الرغبة لدى الطفل في التعلم وهذا ما يحتم أن تكون قريبة من اهتماماته وذات معنى.
- تهدف إلى تنمية الاستقلالية عند الطفل.
- تستدعي أن يكون الطفل ناشطًا فاعلاً ومشاركًا وباحثًا.
- تيتح للطفل فرصة المنافسة والحوار ومقارنة فهمه للوضعيَّة.
- تكون جديدة بالنسبة إلى الطفل.
معايير التقويم
إنَّ التقويم التربوي الذي يتوافق والمقاربة بالكفايات هو تقويم مبني على معايير محدَّدة بدقَّة ومستقلّة بعضها عن بعض، كي لا يدفع الطفل ثمن الخطأ الواحد مرَّتين.
وإن هذه المعايير هي صفات نتاج الطفل (ملاءمة هذا النتاج، تماسك الأفكار أو البرهان، اكتمال الإجابة، سلامة اللغة...) وتصنّف هذه المعايير من منظور المقاربة بالكفايات في فئتين:
أ- معايير الحد الأدنى.
إنّها المعايير التي يمثّل اكتسابها شرطًا ضروريًا لاعتبار الكفاية مكتسبة وغالبًا ما يكون عدد هذه المعايير ثلاثة:
- الملائمة أي ملاءمة نتاج التلميذ مع ما هو مطلوب منه ومع مستندات الوضعيّة.
- الاستعمال الصحيح لأدوات المادة أي الاستعمال الصحيح للمعارف (مفاهيم، مصطلحات، قواعد...) والقدرات الضرورية لحل الوضعيَّة المشكلة.
- تماسك الإجابة أو ترابط الأفكار فيها (الإجابات الواقعية المتميّزة بتسلسل منطقي للأفكار والنتائج، عدم وجود تناقض في الإجابات...).
ب- معايير التّمايز أو الإتقان.
أي المعايير التي لا يُشترط اكتسابها اعتبار الكفاية مكتسبة ومن معايير التّمايز والإتقان:
- النظافة، نظافة المسابقة.
- الابتكار.
- غياب الأخطاء...
ج- مستويات اكتساب المعيار
تخضع درجة امتلاك الطفل معيار ما إلى ثلاثة مستويات انطلاقًا من عدد المؤشرات الأكثر أهمية:
- التملُّك الأقصى، في حال وجود كلِّ المؤشِّرات.
- التملُّك الأدنى، في حال وجود ثلثي المؤشِّرات.
- التملُّك الجزئي، في حال وجود أقلّ من ثلثي المؤشِّرات.
د- اكتساب الكفاية
لا تعتبر الكفاية مكتسبة من منظور المقاربة بالكفايات إلاّ في حال تملّك الطفل معايير الحدّ الأدنى بأحد مستوييها الأعليين، أمّا في حالة التملُّك الجزئي، فإنَّه من الضروري اعتماد برنامج دعم للوصول إلى التملُّك الأدنى.
والجدير بالذكر أن المركز التربوي للبحوث والإنماء وبالتعاون مع عدد من المدارس الرسميَّة والخاصَّة يقوم خلال العام الدراسي 2009 - 2010 بتطبيق المناهج الجديدة المطوَّرة بغية التحقُّق من مدى فعاليّتها، وذلك بعد إقامة دورات تدريبيَّة للمعلِّمين الذين سيقومون بتجربة هذه المناهج في مدارسهم
- المراجع: مقدِّمة المناهج الجديدة الصادرة عن المركز التربوي.
- مناهج مرحلة الروضة.