اللّغُة القوميّةَ في مجتمع المعرفة

         بقلم
د. أحمد شفيق الخطيب

اللّغُة القوميّةَ في مجتمع المعرفة

الدكتور احمد شفيق الخطيب هو عضو مجامع اللّغُة العربيّةَ في القاهرة وعمّان ودمشق والقدس وهو أيضًا رئيس دائرة المعاجم في مكتبة لبنان في بيروت. شارك في مؤتمر قضايا المصطلح العلمي في دمشق سنة ٢٠٠٤ وألقى الضوء على أهميّة مصطلحات اللّغُة القوميّةَ. الدكتور أحمد الخطيب مؤمن بأنّ ''علم المصطلح أضحى اليوم، كما سائر المهارات ذات المسؤوليّة، دراسةً تخصّصيّة تتطلّب، حتى فوق ما أسلفتُ، قابليّةً شخصيّةً ومرونةً لغويّةً، وسعةَ أفقٍ وصبرًا وأناةً، وحبّاً عميقًا للّغُة التي يُصطلح فيها''. المجلّة التربوية تشاطره الرأي وتقدّم ملخّصًا للمقترحات التي قدّمها لمجمع اللّغُة العربيّةَ في دمشق حول موضوع التنمية في مجتمع المعرفة والتي اعتبر فيها أنّ التنمية لا يمكن أن تكون إلاّ من خلال تعزيز اللّغُة القوميّةَ وأنه من أجل تعزيز اللّغُة يجب التركيز على مسألتَي التعريب ووضع المصطلحات وتوحيدها.

                                         أسرة التحرير

لا أتصوّرُ تنميةً حقيقيّةً في المجتمع العربيّ من دون تعريب التعليم تعريبًا شاملاً في مختلف القطاعات، بحيث تغدو اللّغُةُ العلميّةُ العربيّةَُ جُزءًا من حياتنا اليومية في البيتِ والمدرسةِ والحقلِ والمصنعِ والمصرفِ والدواوين. وتَغدو الثقافةُ العلميّةُ العربيّةَُ جُزءًا من ثقافةِ الصانعِ والطالبِ والصحافيّ والأديب، كما صاحبِ الاختصاصِ الفنيّ إنّ ديمقراطية العلم ِ وديمقراطيّةَ المعرفةِ وتكافؤ الفرصِ لن تتحقّقَ بغير اللّغُةِ القوميّةَ.
 

التعريب
التعريبُ، بخاصّةٍ تعريبُ التّعليم العلمي، ضرورةٌ علميّة. وهو أيضًا ضرورةٌ حيويّةٌ حضاريّةٌ تنمَويّةٌ للإنسان العربيّ وتفكيره.
وهذه الضرورةُ تقتضي عَضْوَنَةَ العِلم وتأصيلهِ باللّغُةِ القوميّة في الوطنِ العربي. لدينا أجيالٌ كاملةٌ من العُمّال والصُّنّاع وعامّة الناس، نجّارينَ وبنّاَئينَ وحدّادينَ عاجزون عن فهمِ أيّ لُغةٍ أجنبيةَّ. هؤلاء سيبقَون بعيدين عن الثقافة العالميّة، عِلميّةٍ وغير علمية. وعن الإنجازات الحضاريّةِ التِّقَنيَّةِ والصّحِية والزراعية وسواها، ما لم تُتَحْ لهُم هذه المعلومات باللُّغة القوميّةَ.
هؤلاء لهم نافذةٌ وحيدةٌ، للإطلال على العالم المُعاصر والعِلمِ المُعاصِر، هي عبْرَ التعريب. وقد أجْمَلَ الأديبُ الكبيرُ أحمد حَسن الزيّات هذه الوضعيّة وعِلاجَها بمقولته الشهيرة: ''من المُحالِ أن تَنقُلَ الأُمّةَُ كلّها إلى العِلمِ، لكنْ من الممكن أن تَنْقُلَ العِلمَ كلّه إلى الأُمّةِ بإتاحتِهِ لهم باللّغُةِ القوميّةَِ''.
مقولتُنا بالتعريب ليست ضدّ تعزيز اللّغُة الأجنبيّة فالحاجةُ إلى إتقانِ لُغةٍ أجنبيّةٍ عالميّةٍ معاصرة هي اليومَ ضرورةٌ ثقافيّةٌ ومطلبٌ حضاريّ أساسيّ لكلِّ مثقّفٍ عربيّ أو غير عربي، مهندساً كان أو طبيبًا أو خبيرًا زراعيّاً أو صناعيّاً، ليبقى على اتّصال بمنجزات الرّكْب العلميّ في مجالِ اختصاصِه والوقوف على آخِر ما توصّل إليه نُظراؤه في العالم من حوله. إنّما الاعتراضُ هو على إحلالِ اللّغةِ الأجنبيّةِ محلَّ العربيّةَِ كلغة التّعليمِ الأساسيّة وبالتالي جعْلُها، خُضوعًا لقانون السّوقِ، لُغةُ القطاعات الاقتصادية والحيويّة في المجتمع بدلَ أن تكون اللّغُةُ القوميّةَُ هي لغةَ كلِّ هذه القطاعات.
والقائلون بضرورة تعريب العلوم لا يُنكرون أنّ ما لدينا من كتبٍ ودوريّاتٍ ومراجعَ علميّةٍ ومراكز أبحاثٍ قليلٌ ومحدودٌ، كما لا يُنكرونَ أنّ المكتبةَ العربيّةَ بمجملها تشكو من نقصٍ في نِتاجات الفِكر العالميّ والبحوثِ التطبيقيةِّ المستمرّة والمتجدّ دِة، لا في العلوم فقط، بل في شتّى مجالات الثقافة.
لكنّهم يتساءلون أليس تقاعُسُنا، وأحيانا تفرُّدُنا، في شتّى أنحاءِ الوطن العربي، عن عمليّة التعريب ومواكبة التطوّر العالميِّ المستمرّ وإنماء لغتنا بالترجمة والتأليف، هو المسؤولَ عن هذا النقص؟

 

المصطلحات
المصطلحاتُ اليوم جزءٌ مهمّ من اللّغُة، أيّ لُغَة، باعتبارها مفاتيحَ للمعرفةِ في شتّى فروعها. وتقدّرُ بعض الدراسات أنّ قرابةَ
50٪ من مفردات لغاتِ البُلدانِ المتقدّمةِ هي مصطلحاتٌ مستجدّةٌ. والكثيرُ من هذه المصطلحات غدا عالميّ النّطاق ويوميَّ الاستخدام.

لقد غدا المصطلحُ بحدّ ذاته ليسَ غايةً. الغايةُ هي امتلاكُ المعارفِ العلميّةِ والتقانيّة، والمعاصرةُ الفعليّةُ اللاسطحيّةُ للرَّكْبِ الحضاري المنطلق حوالَيْنا بزخمٍ متزايد. والمصطلحُ السَّليمُ هو بعضُ وسائلِنا لامتلاكِ تلك المعارفَ والتقانات.
البعضُ يلومون العربيَّةَ كلغةٍ غير قادرةٍ على استيعابِ المُسمّيات العلميّة على اختلافها بصورةٍ مؤدّيةٍ. ويتناسَونَ أنّ اللّغُةَ إنّما تعكِس أوضاعَ الأمّةِ وحيويّتها وإنجازاتها وسلطانَها. هكذا كان شأنُ اليونانيّةِ أيّام الإغريق، واللاتينيّةِ في عهد قيصر، والعربيّةَِ في زمن بني العبّاس، والإنكليزيّةِ الأميركيّةِ اليوم.
وينظّر البعضُ أنّ المشكلةِ في وضع المصطلحات هي في غياب المنهجيّةِ العلميّةِ. والواقع خلاف ذلك. فالمِنهجيّةُ تحقّقت، بشكلٍ شبه متكاملِ، في توالي الرُّبع الأوّل من القرن الماضي. وتوضّحت معالِمُها في أعمالِ ومحاضر مجامع اللّغُة العربيّةَِ والعديدِ من النّدواتِ والمؤتمرات، كان لي شرفُ حضورِ حوالى عشرةٍ منها.
العلّةُ، في الواقع، شخّصها الأميرُ مصطفى الشهابي في منشوره الجريء منذ ما يزيد على نصف قرنٍ، حيث يقول: ''الذين يتحلّونَ بمعرفةِ دقائقِ العلوم الحديثة وأسرار اللّغُة التي يترجمون عنها (لُغة الأصل) والتي ينقلون إليها (لغةِ الهدف) هم قليلونَ جدّاٍ في بلادنا العربيّةَ، وللأسف، فإنّ مقولةَ الأميرِ لم تتغيّر كثيرًا خلال نصف القرن الأخير.
إنّ وضع المصطلحات مسؤوليّةٌ خطيرةٌ، علميٍّا وتعليميًّا وثقافيّاً وقوميّاً. وإنّي لأستغرب كيف يتجرّأُ بعضُ المصطلحيّين، مِمّن يحملون درجاتٍ علميّةً رفيعةً، وفي اختصاصاتٍ يُدرّسونها على مستوياتٍ رفيعة، أمام هكذا مسؤوليّة، أن يقدّموا للنّشر مصطلحاتٍ مُعرَّبةً، كمفرداتٍ لمصطلحاتٍ أجنبيّةٍ، بعيدةً عن الهدف، بل بعيدةٌ عن الصحّةِ، مضلّلِةً أحيانًا وركيكةَ المبنى والمعنى والصّيغة أحيانًا أخرى. وأعرضُ في ما يأتي بعضَ الأمثلةِ من معاجمَ عُرِضت علينا (وأحيانا عبر مكتب تنسيق  التعريب) للمراجعة أو بقصد النشر:

المصطلح الأجنبيّ  اُلمصطلح المُعرَّب  التّصَويب
corrosive قابلٌ للتأكُّل  أكّال
mudport مرفأ طينِ الحفر كُوَّة (خروج) طين الحفر
water hardness قَساوة الماء  عُسر الماء
nuclear fusion انصهار نووي  اندماج نووي
setting of cement وضعُ الأسمنت  شكّ (أو تصلّبُُ) الأسمنت
pipe wrench لَوي الأنبوب مفتاح رَبط (أو فكّ) الأنابيب
botryoidal كُلْويّ عُنقودي
analytical balance توازن تحليلي ميزان تحاليل (مختبري)
geological conditions شُروط جيولوجية  ظروفٌ جيولوجية
investment casting صَبٌّ استثماري صَبٌّ إحداقي (يُحدِقُ فيه بالنموذج الشمعيّ قالب ٌطيني)


إنّ مهنة المصطلحيّ، كما تعلمون، لمّ تتحدّد معالمها في العالم العربي. فليس هناك برامجُ متعارفةٌ، ولا طرائق تأهيل محدّدةٌ ومرسومةٌ لإعداد المتخصّصين في المصطلح والشؤون المصطلحيّةَ.
لكن مهما يختلف المنظّرون في تقنيّات المصطلحيّة ومنهجياتها ومناهجها ومساقاتها فهناك أساسيّاتٌ، لا خلاف فيها، لما يمكن اعتباره بعضَ مؤهّلاتِ المصطلحيّ قبل الورق والقلم وقنّينة الحبر حتى وبِضعة القواميس. هي في جوهرها لا تختلف كثيرًا عن المتطلّبات الأساسيّة لأعمال الترجمة العلميّة والتّقانيّة الناجحة. هذه المتطلّبات لخّصها منذ اثني عشر قرنًا أبو عثمان الجاحظ في
الشيخ العلايلي مناحيَ ثلاثةٍ ينبغي أن تتوافر في المترجم. أوّلها أن يكون بيانه في التّرَجمة نفسها في وزن علمه بالمعرفة نفسها، أي معرفةٌ كاملةٌ بالموضوع الذي يقوم بترجمة مادّته، ودرايةٌ كافيةٌ بالشائع من مصطلحاته. ثمّ ثانيًا وثالثًا أن يكون أعلم الناس باللّغُة المنقول عنها (لغة الأصل) والمنقول إليها (لغة الهدف) حتى يكون فيها سواءً وغاية.

ويضيف خبراء المصطلحيَّة إلى هذا الثالوث موهبةً عمادها ذكاءٌ مدرّبٌ يمكّن من ملء الثّغرات في النصّ الأصليّ وخيالٌ واسعٌ يمكّن من تصوّر العُدّة أو الشيء أو المسمّى الموصوف.

إضافةً إلى خبرةٍ عمليّةٍ توجّه اختيار المصطلح إلى انتقاء المرادف المصطلحيّ الأنسب من التّراث أو من المعاجم ذات العلاقة، أو الكتابات المنشورة حول موضوع البحث.
إنّ ما قامت به بعض الجامعات في العالم العربي من استحداث مساقاتٍ للترجمة لم يعد كافيًا اليوم. وأذكر أنّ أحد الزملاء في مجمع اللّغُة العربيّةَ في القاهرة اقترح اكثر من مرّةٍ أن تقوم المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بإنشاء جامعةٍ للمصطلحات يؤمّهُا حاملو الدّبلومات العرب من مختلف أقطار العالم العربيّ في مختلف الاختصاصات. وفيها يتثقّفون بالاطّلاع والممارسة في مجال المصطلح عمومًا، ثمّ كلّ فريقٍ في متطلّبات وتراث اختصاصه.

ويتخرّج واحدهم خبيرًا مصطلحيًّا يظلّ على اتّصالٍ بجامعته والزّملاء الآخرين في مجال اختصاصه، وتتبادله جامعته مع زملائه في الجامعات الأخرى، فنضمن بذلك لهم وبهم الخبرة والتواصل والمصطلح الجيّد الموحّدَ

اللّغُة القوميّةَ في مجتمع المعرفة

         بقلم
د. أحمد شفيق الخطيب

اللّغُة القوميّةَ في مجتمع المعرفة

الدكتور احمد شفيق الخطيب هو عضو مجامع اللّغُة العربيّةَ في القاهرة وعمّان ودمشق والقدس وهو أيضًا رئيس دائرة المعاجم في مكتبة لبنان في بيروت. شارك في مؤتمر قضايا المصطلح العلمي في دمشق سنة ٢٠٠٤ وألقى الضوء على أهميّة مصطلحات اللّغُة القوميّةَ. الدكتور أحمد الخطيب مؤمن بأنّ ''علم المصطلح أضحى اليوم، كما سائر المهارات ذات المسؤوليّة، دراسةً تخصّصيّة تتطلّب، حتى فوق ما أسلفتُ، قابليّةً شخصيّةً ومرونةً لغويّةً، وسعةَ أفقٍ وصبرًا وأناةً، وحبّاً عميقًا للّغُة التي يُصطلح فيها''. المجلّة التربوية تشاطره الرأي وتقدّم ملخّصًا للمقترحات التي قدّمها لمجمع اللّغُة العربيّةَ في دمشق حول موضوع التنمية في مجتمع المعرفة والتي اعتبر فيها أنّ التنمية لا يمكن أن تكون إلاّ من خلال تعزيز اللّغُة القوميّةَ وأنه من أجل تعزيز اللّغُة يجب التركيز على مسألتَي التعريب ووضع المصطلحات وتوحيدها.

                                         أسرة التحرير

لا أتصوّرُ تنميةً حقيقيّةً في المجتمع العربيّ من دون تعريب التعليم تعريبًا شاملاً في مختلف القطاعات، بحيث تغدو اللّغُةُ العلميّةُ العربيّةَُ جُزءًا من حياتنا اليومية في البيتِ والمدرسةِ والحقلِ والمصنعِ والمصرفِ والدواوين. وتَغدو الثقافةُ العلميّةُ العربيّةَُ جُزءًا من ثقافةِ الصانعِ والطالبِ والصحافيّ والأديب، كما صاحبِ الاختصاصِ الفنيّ إنّ ديمقراطية العلم ِ وديمقراطيّةَ المعرفةِ وتكافؤ الفرصِ لن تتحقّقَ بغير اللّغُةِ القوميّةَ.
 

التعريب
التعريبُ، بخاصّةٍ تعريبُ التّعليم العلمي، ضرورةٌ علميّة. وهو أيضًا ضرورةٌ حيويّةٌ حضاريّةٌ تنمَويّةٌ للإنسان العربيّ وتفكيره.
وهذه الضرورةُ تقتضي عَضْوَنَةَ العِلم وتأصيلهِ باللّغُةِ القوميّة في الوطنِ العربي. لدينا أجيالٌ كاملةٌ من العُمّال والصُّنّاع وعامّة الناس، نجّارينَ وبنّاَئينَ وحدّادينَ عاجزون عن فهمِ أيّ لُغةٍ أجنبيةَّ. هؤلاء سيبقَون بعيدين عن الثقافة العالميّة، عِلميّةٍ وغير علمية. وعن الإنجازات الحضاريّةِ التِّقَنيَّةِ والصّحِية والزراعية وسواها، ما لم تُتَحْ لهُم هذه المعلومات باللُّغة القوميّةَ.
هؤلاء لهم نافذةٌ وحيدةٌ، للإطلال على العالم المُعاصر والعِلمِ المُعاصِر، هي عبْرَ التعريب. وقد أجْمَلَ الأديبُ الكبيرُ أحمد حَسن الزيّات هذه الوضعيّة وعِلاجَها بمقولته الشهيرة: ''من المُحالِ أن تَنقُلَ الأُمّةَُ كلّها إلى العِلمِ، لكنْ من الممكن أن تَنْقُلَ العِلمَ كلّه إلى الأُمّةِ بإتاحتِهِ لهم باللّغُةِ القوميّةَِ''.
مقولتُنا بالتعريب ليست ضدّ تعزيز اللّغُة الأجنبيّة فالحاجةُ إلى إتقانِ لُغةٍ أجنبيّةٍ عالميّةٍ معاصرة هي اليومَ ضرورةٌ ثقافيّةٌ ومطلبٌ حضاريّ أساسيّ لكلِّ مثقّفٍ عربيّ أو غير عربي، مهندساً كان أو طبيبًا أو خبيرًا زراعيّاً أو صناعيّاً، ليبقى على اتّصال بمنجزات الرّكْب العلميّ في مجالِ اختصاصِه والوقوف على آخِر ما توصّل إليه نُظراؤه في العالم من حوله. إنّما الاعتراضُ هو على إحلالِ اللّغةِ الأجنبيّةِ محلَّ العربيّةَِ كلغة التّعليمِ الأساسيّة وبالتالي جعْلُها، خُضوعًا لقانون السّوقِ، لُغةُ القطاعات الاقتصادية والحيويّة في المجتمع بدلَ أن تكون اللّغُةُ القوميّةَُ هي لغةَ كلِّ هذه القطاعات.
والقائلون بضرورة تعريب العلوم لا يُنكرون أنّ ما لدينا من كتبٍ ودوريّاتٍ ومراجعَ علميّةٍ ومراكز أبحاثٍ قليلٌ ومحدودٌ، كما لا يُنكرونَ أنّ المكتبةَ العربيّةَ بمجملها تشكو من نقصٍ في نِتاجات الفِكر العالميّ والبحوثِ التطبيقيةِّ المستمرّة والمتجدّ دِة، لا في العلوم فقط، بل في شتّى مجالات الثقافة.
لكنّهم يتساءلون أليس تقاعُسُنا، وأحيانا تفرُّدُنا، في شتّى أنحاءِ الوطن العربي، عن عمليّة التعريب ومواكبة التطوّر العالميِّ المستمرّ وإنماء لغتنا بالترجمة والتأليف، هو المسؤولَ عن هذا النقص؟

 

المصطلحات
المصطلحاتُ اليوم جزءٌ مهمّ من اللّغُة، أيّ لُغَة، باعتبارها مفاتيحَ للمعرفةِ في شتّى فروعها. وتقدّرُ بعض الدراسات أنّ قرابةَ
50٪ من مفردات لغاتِ البُلدانِ المتقدّمةِ هي مصطلحاتٌ مستجدّةٌ. والكثيرُ من هذه المصطلحات غدا عالميّ النّطاق ويوميَّ الاستخدام.

لقد غدا المصطلحُ بحدّ ذاته ليسَ غايةً. الغايةُ هي امتلاكُ المعارفِ العلميّةِ والتقانيّة، والمعاصرةُ الفعليّةُ اللاسطحيّةُ للرَّكْبِ الحضاري المنطلق حوالَيْنا بزخمٍ متزايد. والمصطلحُ السَّليمُ هو بعضُ وسائلِنا لامتلاكِ تلك المعارفَ والتقانات.
البعضُ يلومون العربيَّةَ كلغةٍ غير قادرةٍ على استيعابِ المُسمّيات العلميّة على اختلافها بصورةٍ مؤدّيةٍ. ويتناسَونَ أنّ اللّغُةَ إنّما تعكِس أوضاعَ الأمّةِ وحيويّتها وإنجازاتها وسلطانَها. هكذا كان شأنُ اليونانيّةِ أيّام الإغريق، واللاتينيّةِ في عهد قيصر، والعربيّةَِ في زمن بني العبّاس، والإنكليزيّةِ الأميركيّةِ اليوم.
وينظّر البعضُ أنّ المشكلةِ في وضع المصطلحات هي في غياب المنهجيّةِ العلميّةِ. والواقع خلاف ذلك. فالمِنهجيّةُ تحقّقت، بشكلٍ شبه متكاملِ، في توالي الرُّبع الأوّل من القرن الماضي. وتوضّحت معالِمُها في أعمالِ ومحاضر مجامع اللّغُة العربيّةَِ والعديدِ من النّدواتِ والمؤتمرات، كان لي شرفُ حضورِ حوالى عشرةٍ منها.
العلّةُ، في الواقع، شخّصها الأميرُ مصطفى الشهابي في منشوره الجريء منذ ما يزيد على نصف قرنٍ، حيث يقول: ''الذين يتحلّونَ بمعرفةِ دقائقِ العلوم الحديثة وأسرار اللّغُة التي يترجمون عنها (لُغة الأصل) والتي ينقلون إليها (لغةِ الهدف) هم قليلونَ جدّاٍ في بلادنا العربيّةَ، وللأسف، فإنّ مقولةَ الأميرِ لم تتغيّر كثيرًا خلال نصف القرن الأخير.
إنّ وضع المصطلحات مسؤوليّةٌ خطيرةٌ، علميٍّا وتعليميًّا وثقافيّاً وقوميّاً. وإنّي لأستغرب كيف يتجرّأُ بعضُ المصطلحيّين، مِمّن يحملون درجاتٍ علميّةً رفيعةً، وفي اختصاصاتٍ يُدرّسونها على مستوياتٍ رفيعة، أمام هكذا مسؤوليّة، أن يقدّموا للنّشر مصطلحاتٍ مُعرَّبةً، كمفرداتٍ لمصطلحاتٍ أجنبيّةٍ، بعيدةً عن الهدف، بل بعيدةٌ عن الصحّةِ، مضلّلِةً أحيانًا وركيكةَ المبنى والمعنى والصّيغة أحيانًا أخرى. وأعرضُ في ما يأتي بعضَ الأمثلةِ من معاجمَ عُرِضت علينا (وأحيانا عبر مكتب تنسيق  التعريب) للمراجعة أو بقصد النشر:

المصطلح الأجنبيّ  اُلمصطلح المُعرَّب  التّصَويب
corrosive قابلٌ للتأكُّل  أكّال
mudport مرفأ طينِ الحفر كُوَّة (خروج) طين الحفر
water hardness قَساوة الماء  عُسر الماء
nuclear fusion انصهار نووي  اندماج نووي
setting of cement وضعُ الأسمنت  شكّ (أو تصلّبُُ) الأسمنت
pipe wrench لَوي الأنبوب مفتاح رَبط (أو فكّ) الأنابيب
botryoidal كُلْويّ عُنقودي
analytical balance توازن تحليلي ميزان تحاليل (مختبري)
geological conditions شُروط جيولوجية  ظروفٌ جيولوجية
investment casting صَبٌّ استثماري صَبٌّ إحداقي (يُحدِقُ فيه بالنموذج الشمعيّ قالب ٌطيني)


إنّ مهنة المصطلحيّ، كما تعلمون، لمّ تتحدّد معالمها في العالم العربي. فليس هناك برامجُ متعارفةٌ، ولا طرائق تأهيل محدّدةٌ ومرسومةٌ لإعداد المتخصّصين في المصطلح والشؤون المصطلحيّةَ.
لكن مهما يختلف المنظّرون في تقنيّات المصطلحيّة ومنهجياتها ومناهجها ومساقاتها فهناك أساسيّاتٌ، لا خلاف فيها، لما يمكن اعتباره بعضَ مؤهّلاتِ المصطلحيّ قبل الورق والقلم وقنّينة الحبر حتى وبِضعة القواميس. هي في جوهرها لا تختلف كثيرًا عن المتطلّبات الأساسيّة لأعمال الترجمة العلميّة والتّقانيّة الناجحة. هذه المتطلّبات لخّصها منذ اثني عشر قرنًا أبو عثمان الجاحظ في
الشيخ العلايلي مناحيَ ثلاثةٍ ينبغي أن تتوافر في المترجم. أوّلها أن يكون بيانه في التّرَجمة نفسها في وزن علمه بالمعرفة نفسها، أي معرفةٌ كاملةٌ بالموضوع الذي يقوم بترجمة مادّته، ودرايةٌ كافيةٌ بالشائع من مصطلحاته. ثمّ ثانيًا وثالثًا أن يكون أعلم الناس باللّغُة المنقول عنها (لغة الأصل) والمنقول إليها (لغة الهدف) حتى يكون فيها سواءً وغاية.

ويضيف خبراء المصطلحيَّة إلى هذا الثالوث موهبةً عمادها ذكاءٌ مدرّبٌ يمكّن من ملء الثّغرات في النصّ الأصليّ وخيالٌ واسعٌ يمكّن من تصوّر العُدّة أو الشيء أو المسمّى الموصوف.

إضافةً إلى خبرةٍ عمليّةٍ توجّه اختيار المصطلح إلى انتقاء المرادف المصطلحيّ الأنسب من التّراث أو من المعاجم ذات العلاقة، أو الكتابات المنشورة حول موضوع البحث.
إنّ ما قامت به بعض الجامعات في العالم العربي من استحداث مساقاتٍ للترجمة لم يعد كافيًا اليوم. وأذكر أنّ أحد الزملاء في مجمع اللّغُة العربيّةَ في القاهرة اقترح اكثر من مرّةٍ أن تقوم المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بإنشاء جامعةٍ للمصطلحات يؤمّهُا حاملو الدّبلومات العرب من مختلف أقطار العالم العربيّ في مختلف الاختصاصات. وفيها يتثقّفون بالاطّلاع والممارسة في مجال المصطلح عمومًا، ثمّ كلّ فريقٍ في متطلّبات وتراث اختصاصه.

ويتخرّج واحدهم خبيرًا مصطلحيًّا يظلّ على اتّصالٍ بجامعته والزّملاء الآخرين في مجال اختصاصه، وتتبادله جامعته مع زملائه في الجامعات الأخرى، فنضمن بذلك لهم وبهم الخبرة والتواصل والمصطلح الجيّد الموحّدَ

اللّغُة القوميّةَ في مجتمع المعرفة

         بقلم
د. أحمد شفيق الخطيب

اللّغُة القوميّةَ في مجتمع المعرفة

الدكتور احمد شفيق الخطيب هو عضو مجامع اللّغُة العربيّةَ في القاهرة وعمّان ودمشق والقدس وهو أيضًا رئيس دائرة المعاجم في مكتبة لبنان في بيروت. شارك في مؤتمر قضايا المصطلح العلمي في دمشق سنة ٢٠٠٤ وألقى الضوء على أهميّة مصطلحات اللّغُة القوميّةَ. الدكتور أحمد الخطيب مؤمن بأنّ ''علم المصطلح أضحى اليوم، كما سائر المهارات ذات المسؤوليّة، دراسةً تخصّصيّة تتطلّب، حتى فوق ما أسلفتُ، قابليّةً شخصيّةً ومرونةً لغويّةً، وسعةَ أفقٍ وصبرًا وأناةً، وحبّاً عميقًا للّغُة التي يُصطلح فيها''. المجلّة التربوية تشاطره الرأي وتقدّم ملخّصًا للمقترحات التي قدّمها لمجمع اللّغُة العربيّةَ في دمشق حول موضوع التنمية في مجتمع المعرفة والتي اعتبر فيها أنّ التنمية لا يمكن أن تكون إلاّ من خلال تعزيز اللّغُة القوميّةَ وأنه من أجل تعزيز اللّغُة يجب التركيز على مسألتَي التعريب ووضع المصطلحات وتوحيدها.

                                         أسرة التحرير

لا أتصوّرُ تنميةً حقيقيّةً في المجتمع العربيّ من دون تعريب التعليم تعريبًا شاملاً في مختلف القطاعات، بحيث تغدو اللّغُةُ العلميّةُ العربيّةَُ جُزءًا من حياتنا اليومية في البيتِ والمدرسةِ والحقلِ والمصنعِ والمصرفِ والدواوين. وتَغدو الثقافةُ العلميّةُ العربيّةَُ جُزءًا من ثقافةِ الصانعِ والطالبِ والصحافيّ والأديب، كما صاحبِ الاختصاصِ الفنيّ إنّ ديمقراطية العلم ِ وديمقراطيّةَ المعرفةِ وتكافؤ الفرصِ لن تتحقّقَ بغير اللّغُةِ القوميّةَ.
 

التعريب
التعريبُ، بخاصّةٍ تعريبُ التّعليم العلمي، ضرورةٌ علميّة. وهو أيضًا ضرورةٌ حيويّةٌ حضاريّةٌ تنمَويّةٌ للإنسان العربيّ وتفكيره.
وهذه الضرورةُ تقتضي عَضْوَنَةَ العِلم وتأصيلهِ باللّغُةِ القوميّة في الوطنِ العربي. لدينا أجيالٌ كاملةٌ من العُمّال والصُّنّاع وعامّة الناس، نجّارينَ وبنّاَئينَ وحدّادينَ عاجزون عن فهمِ أيّ لُغةٍ أجنبيةَّ. هؤلاء سيبقَون بعيدين عن الثقافة العالميّة، عِلميّةٍ وغير علمية. وعن الإنجازات الحضاريّةِ التِّقَنيَّةِ والصّحِية والزراعية وسواها، ما لم تُتَحْ لهُم هذه المعلومات باللُّغة القوميّةَ.
هؤلاء لهم نافذةٌ وحيدةٌ، للإطلال على العالم المُعاصر والعِلمِ المُعاصِر، هي عبْرَ التعريب. وقد أجْمَلَ الأديبُ الكبيرُ أحمد حَسن الزيّات هذه الوضعيّة وعِلاجَها بمقولته الشهيرة: ''من المُحالِ أن تَنقُلَ الأُمّةَُ كلّها إلى العِلمِ، لكنْ من الممكن أن تَنْقُلَ العِلمَ كلّه إلى الأُمّةِ بإتاحتِهِ لهم باللّغُةِ القوميّةَِ''.
مقولتُنا بالتعريب ليست ضدّ تعزيز اللّغُة الأجنبيّة فالحاجةُ إلى إتقانِ لُغةٍ أجنبيّةٍ عالميّةٍ معاصرة هي اليومَ ضرورةٌ ثقافيّةٌ ومطلبٌ حضاريّ أساسيّ لكلِّ مثقّفٍ عربيّ أو غير عربي، مهندساً كان أو طبيبًا أو خبيرًا زراعيّاً أو صناعيّاً، ليبقى على اتّصال بمنجزات الرّكْب العلميّ في مجالِ اختصاصِه والوقوف على آخِر ما توصّل إليه نُظراؤه في العالم من حوله. إنّما الاعتراضُ هو على إحلالِ اللّغةِ الأجنبيّةِ محلَّ العربيّةَِ كلغة التّعليمِ الأساسيّة وبالتالي جعْلُها، خُضوعًا لقانون السّوقِ، لُغةُ القطاعات الاقتصادية والحيويّة في المجتمع بدلَ أن تكون اللّغُةُ القوميّةَُ هي لغةَ كلِّ هذه القطاعات.
والقائلون بضرورة تعريب العلوم لا يُنكرون أنّ ما لدينا من كتبٍ ودوريّاتٍ ومراجعَ علميّةٍ ومراكز أبحاثٍ قليلٌ ومحدودٌ، كما لا يُنكرونَ أنّ المكتبةَ العربيّةَ بمجملها تشكو من نقصٍ في نِتاجات الفِكر العالميّ والبحوثِ التطبيقيةِّ المستمرّة والمتجدّ دِة، لا في العلوم فقط، بل في شتّى مجالات الثقافة.
لكنّهم يتساءلون أليس تقاعُسُنا، وأحيانا تفرُّدُنا، في شتّى أنحاءِ الوطن العربي، عن عمليّة التعريب ومواكبة التطوّر العالميِّ المستمرّ وإنماء لغتنا بالترجمة والتأليف، هو المسؤولَ عن هذا النقص؟

 

المصطلحات
المصطلحاتُ اليوم جزءٌ مهمّ من اللّغُة، أيّ لُغَة، باعتبارها مفاتيحَ للمعرفةِ في شتّى فروعها. وتقدّرُ بعض الدراسات أنّ قرابةَ
50٪ من مفردات لغاتِ البُلدانِ المتقدّمةِ هي مصطلحاتٌ مستجدّةٌ. والكثيرُ من هذه المصطلحات غدا عالميّ النّطاق ويوميَّ الاستخدام.

لقد غدا المصطلحُ بحدّ ذاته ليسَ غايةً. الغايةُ هي امتلاكُ المعارفِ العلميّةِ والتقانيّة، والمعاصرةُ الفعليّةُ اللاسطحيّةُ للرَّكْبِ الحضاري المنطلق حوالَيْنا بزخمٍ متزايد. والمصطلحُ السَّليمُ هو بعضُ وسائلِنا لامتلاكِ تلك المعارفَ والتقانات.
البعضُ يلومون العربيَّةَ كلغةٍ غير قادرةٍ على استيعابِ المُسمّيات العلميّة على اختلافها بصورةٍ مؤدّيةٍ. ويتناسَونَ أنّ اللّغُةَ إنّما تعكِس أوضاعَ الأمّةِ وحيويّتها وإنجازاتها وسلطانَها. هكذا كان شأنُ اليونانيّةِ أيّام الإغريق، واللاتينيّةِ في عهد قيصر، والعربيّةَِ في زمن بني العبّاس، والإنكليزيّةِ الأميركيّةِ اليوم.
وينظّر البعضُ أنّ المشكلةِ في وضع المصطلحات هي في غياب المنهجيّةِ العلميّةِ. والواقع خلاف ذلك. فالمِنهجيّةُ تحقّقت، بشكلٍ شبه متكاملِ، في توالي الرُّبع الأوّل من القرن الماضي. وتوضّحت معالِمُها في أعمالِ ومحاضر مجامع اللّغُة العربيّةَِ والعديدِ من النّدواتِ والمؤتمرات، كان لي شرفُ حضورِ حوالى عشرةٍ منها.
العلّةُ، في الواقع، شخّصها الأميرُ مصطفى الشهابي في منشوره الجريء منذ ما يزيد على نصف قرنٍ، حيث يقول: ''الذين يتحلّونَ بمعرفةِ دقائقِ العلوم الحديثة وأسرار اللّغُة التي يترجمون عنها (لُغة الأصل) والتي ينقلون إليها (لغةِ الهدف) هم قليلونَ جدّاٍ في بلادنا العربيّةَ، وللأسف، فإنّ مقولةَ الأميرِ لم تتغيّر كثيرًا خلال نصف القرن الأخير.
إنّ وضع المصطلحات مسؤوليّةٌ خطيرةٌ، علميٍّا وتعليميًّا وثقافيّاً وقوميّاً. وإنّي لأستغرب كيف يتجرّأُ بعضُ المصطلحيّين، مِمّن يحملون درجاتٍ علميّةً رفيعةً، وفي اختصاصاتٍ يُدرّسونها على مستوياتٍ رفيعة، أمام هكذا مسؤوليّة، أن يقدّموا للنّشر مصطلحاتٍ مُعرَّبةً، كمفرداتٍ لمصطلحاتٍ أجنبيّةٍ، بعيدةً عن الهدف، بل بعيدةٌ عن الصحّةِ، مضلّلِةً أحيانًا وركيكةَ المبنى والمعنى والصّيغة أحيانًا أخرى. وأعرضُ في ما يأتي بعضَ الأمثلةِ من معاجمَ عُرِضت علينا (وأحيانا عبر مكتب تنسيق  التعريب) للمراجعة أو بقصد النشر:

المصطلح الأجنبيّ  اُلمصطلح المُعرَّب  التّصَويب
corrosive قابلٌ للتأكُّل  أكّال
mudport مرفأ طينِ الحفر كُوَّة (خروج) طين الحفر
water hardness قَساوة الماء  عُسر الماء
nuclear fusion انصهار نووي  اندماج نووي
setting of cement وضعُ الأسمنت  شكّ (أو تصلّبُُ) الأسمنت
pipe wrench لَوي الأنبوب مفتاح رَبط (أو فكّ) الأنابيب
botryoidal كُلْويّ عُنقودي
analytical balance توازن تحليلي ميزان تحاليل (مختبري)
geological conditions شُروط جيولوجية  ظروفٌ جيولوجية
investment casting صَبٌّ استثماري صَبٌّ إحداقي (يُحدِقُ فيه بالنموذج الشمعيّ قالب ٌطيني)


إنّ مهنة المصطلحيّ، كما تعلمون، لمّ تتحدّد معالمها في العالم العربي. فليس هناك برامجُ متعارفةٌ، ولا طرائق تأهيل محدّدةٌ ومرسومةٌ لإعداد المتخصّصين في المصطلح والشؤون المصطلحيّةَ.
لكن مهما يختلف المنظّرون في تقنيّات المصطلحيّة ومنهجياتها ومناهجها ومساقاتها فهناك أساسيّاتٌ، لا خلاف فيها، لما يمكن اعتباره بعضَ مؤهّلاتِ المصطلحيّ قبل الورق والقلم وقنّينة الحبر حتى وبِضعة القواميس. هي في جوهرها لا تختلف كثيرًا عن المتطلّبات الأساسيّة لأعمال الترجمة العلميّة والتّقانيّة الناجحة. هذه المتطلّبات لخّصها منذ اثني عشر قرنًا أبو عثمان الجاحظ في
الشيخ العلايلي مناحيَ ثلاثةٍ ينبغي أن تتوافر في المترجم. أوّلها أن يكون بيانه في التّرَجمة نفسها في وزن علمه بالمعرفة نفسها، أي معرفةٌ كاملةٌ بالموضوع الذي يقوم بترجمة مادّته، ودرايةٌ كافيةٌ بالشائع من مصطلحاته. ثمّ ثانيًا وثالثًا أن يكون أعلم الناس باللّغُة المنقول عنها (لغة الأصل) والمنقول إليها (لغة الهدف) حتى يكون فيها سواءً وغاية.

ويضيف خبراء المصطلحيَّة إلى هذا الثالوث موهبةً عمادها ذكاءٌ مدرّبٌ يمكّن من ملء الثّغرات في النصّ الأصليّ وخيالٌ واسعٌ يمكّن من تصوّر العُدّة أو الشيء أو المسمّى الموصوف.

إضافةً إلى خبرةٍ عمليّةٍ توجّه اختيار المصطلح إلى انتقاء المرادف المصطلحيّ الأنسب من التّراث أو من المعاجم ذات العلاقة، أو الكتابات المنشورة حول موضوع البحث.
إنّ ما قامت به بعض الجامعات في العالم العربي من استحداث مساقاتٍ للترجمة لم يعد كافيًا اليوم. وأذكر أنّ أحد الزملاء في مجمع اللّغُة العربيّةَ في القاهرة اقترح اكثر من مرّةٍ أن تقوم المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بإنشاء جامعةٍ للمصطلحات يؤمّهُا حاملو الدّبلومات العرب من مختلف أقطار العالم العربيّ في مختلف الاختصاصات. وفيها يتثقّفون بالاطّلاع والممارسة في مجال المصطلح عمومًا، ثمّ كلّ فريقٍ في متطلّبات وتراث اختصاصه.

ويتخرّج واحدهم خبيرًا مصطلحيًّا يظلّ على اتّصالٍ بجامعته والزّملاء الآخرين في مجال اختصاصه، وتتبادله جامعته مع زملائه في الجامعات الأخرى، فنضمن بذلك لهم وبهم الخبرة والتواصل والمصطلح الجيّد الموحّدَ