ملاحظات حول وضعيّةَ اللّغُة العربيّةَ

     بقلم د.صادق مكّي
أستاذ اللّغُة العربية وآدابها
   في الجامعة اللبنانية
        (سابقًا)

ملاحظات حول وضعيّةَ اللّغُة العربيّةَ

يؤيّد الدكتور صادق مكّي النهج الذي سلكه ابراهيم المنذر في النّقد والتّصحيح ولكنّه يتحفّظ على رأيه بالنسبة إلى تطوير المعاجم العامّة. تقدّم المجلّة التربويّة لقرّائها ملاحظات د. صادق مكّي حول كتاب المنذر ''عثرات الأقلام ومفردات اللّغُة العربيّةَ'' وحول وضعيّة اللّغُة العربيّةَ وما يمكن فعله لحلّ مشكلة تعليمها. أمّا بالنسبة إلى معاني بعض المفردات التي وجدها في الكتاب وبخطّ المنذر تحديدًا فنحن نشكر لفتته الكريمة ونأمل من كلّ القيّمين على لغتنا الأمّ المشاركة في الحفاظ عليها والتوجّه بها نحو الأفضل. كما تدعو المجلّة قرّاءها إلى مطالعة الملاحظة الواردة في نهاية المقال.

 أسرة التحرير

استوقفني عند مراجعتي لما كتبه الشَّيخ ابراهيم المنذر في ''عثرات الأقلام ومفردات اللّغُة العربيّةَ'' قوله: ''فَوَردت عليَّ رسائل عديدة أيّدَ بها أربابها المنهج الذي سلكتُهُ في النّقد والتّصحيح، وأشاروا إلى المغامز التي رأوها في الكتاب؛ فنزلتُ عند رأيهم في بعضها وخالفتهم في البعض  الآخر''... (1)
ونحن أيضًا نؤيّدِ المنهج الذي سلكه الشَّيخ ابراهيم في النقد والتصحيح، ونتحفّظ على ما ورد في كتاباته في موضعين:

 

الموضع الأول:
عند مراجعتي ل ''نموذج من خطّ المنذر'' في الصفحة الرابعة من كتاب الشعر، وجدت في البيت الخامس: ''الأُولى''، ووجدت في البيت السادس ''صُفَوة''. وراجعت قاعدة الاسم الموصول في كتب اللّغة، كما راجعت ''لسان العرب'' في ''صُفوة''. فلو أنكم تراجعون معي هذين الأمرين.
ووجدت في الصفحة ٦٥ ، البيت قبل الأخير: من طوارق ''الحِدْثانِ''، وفي ''المعجم الوسيط'' صفحة ١٦٠ : الحِدْثان: يقال حِدْثان الشباب، وحِدْثان الأمر أوَّله وابتداؤه، والحَدَثان: الّليل والنّهار. فما الذي أراده الشاعر بالحِدْثان؟ ومثله في لسان العرب (حدث) (2) ومثل (حَرقة) في الصفحة ٧٦ من ديوان الشعر. ولا أزيد، فلعلّ غير المنذر هو الذي حرّكَها بهذه الحركات.

 

أمّا في الموضع الثاني:
وعند قراءتنا للتّمهيد الذي في الصفحة الحادية والعشرين من كتاب ''عثرات الأقلام ومفردات اللّغُة العربيّةَ''، وجدت فيه منهجًا للعمل لا يمكن أن نأخذ به، في جميع ما ورد فيه. فالمعاجم التي تُعَدّ لطلاّب المدارس والمبتدئين يمكن أن نلجأ فيها إلى الاختيار، والتركيز على ما يحتاجه المتعلّم. أما المعاجم العامّة فإننا لا نرى رأي الشَّيخ ابراهيم في ما ذهب إليه، لأن هذه المعاجم صورة للتطوّر اللّغوي والحضاري، ولا يمكن للصّورة أن تكون ناقصة، لأن ما يرسخ في الذهن بعد رؤية صورة ناقصة لا يمكن أن يمثّل الحقيقة، ولا يخدم التطوّر الحضاريّ واللّغُويّ.
وقد لجأ ''المعجم الوسيط''، وهو المعجم الذي تبنّاه مجمع اللّغُة العربيّةَ، لجأ إلى هذه الفكرة، وطبّقها. غير أنّ هذا المعجم لا يلغي دور ''لسان العرب''، ولا يغني عنه، بل نجد ''لسان العرب'' وأمثاله من المعاجم ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها للباحثين والدارسين المتعمّقِين في اللّغُة. وما أظنّ أن اللّغُة العربيّةَ صارت وقفًا على المتعلّمين من دون الباحثين والأساتذة، وبخاصّة بعد أن اهتمّ المتعلّمون باللّغُات الأجنبية المختلفة، لحاجتهم إليها، في دراسات متنوّعة بدأت، ونشأت، وقويت وتطوّرت في بلاد أخرى، وما عاد من السهل اللّحاق بها في أجوائنا العربيّةَ البائسة، على نحو ما حصل يوم نقل العرب في أوّل نهضتهم العلمية جميع العلوم إلى لغتهم، واضطرّ الآخرون-جميع الآخرين، ولعصور عديدة، إلى الانصياع لهذه الإرادة. ولا أظنّ اليوم غيرالأمس.
أمّا حلّ هذه المشكلة التي قامت في عصرنا الحديث، مشكلة اللّغُة العربيّةَ وأهلها، فأظنّها مشكلة شبيهة بالمرض الذي يعرفه الأطباء، ولا يجدون له دواءً، ويتيه الجميع في التجارب السطحيّة، والبسيطة، التي تختلط فيها الحقيقة بالخرافة والأهواء. وفي هذه الحالة لا يمكن الوصول إلى
حلّ.

فلا يمكن أن يكون هناك حلّ لمشكلة اللّغُة العربيّةَ وهوى أبنائها في غيرها، وكذلك مصلحتهم أيضًا.
كما لا يمكن للتلميذ في المدارس الابتدائية أن يتقن لغته ولا تخصّصِ لها المناهج غير سبع ساعات أو خمس، ويتعلّمَ جميع المواد-ما عدا اللّغُة-باللّغُة الأجنبية.
ولا يمكن للتلميذ أن يتقن لغته وأستاذه أو معلّمِته أعجميّ أو أعجميّة.
كما لا يمكن له أن يتعلّم اللُّغة في المدرسة، ولا يتكلّمها في البيت.
ولا يمكن أن يتعلّمَها من نصوص كتبها أناس لم تكتمل خبرتهم في اللّغُة العربيّةَ، إذ لا يمكن للّغُة أن تُؤخذ إلاّ من أصولها، فكيف إذا كانت الفروع شوهاء.
ولا يمكن أن نتعلَّم اللُّغة العربيَّة بأساليب اللُّغات الأجنبية كلّها وإن كان بعض هذه الأساليب مفيدًا-لأن لكلّ لغة خصوصيّتها التي بدونها تفقد قيمتها.
كما نشير إلى أنه قد عُقدت مؤتمرات تربوية متعدّدة في لبنان حول موضوع التعليم بصورة عامة، وتعليم اللّغُة العربيّةَ بصورة خاصّة، وكُتِبت مجلّدات في هذا الموضوع.

على أننا نشير في نهاية حديثنا إلى أنه برغم كل مشكلاتنا مع اللّغُة العربيّةَ، فإننا نرى أن ذلك ما هو إلاّ كبوة سرعان ما نستفيق بعدها لنعود إلى الأصول والجذور، وهي ثابتة في الأرض، ومورقة في السماء، تستقي من تربة خصبة وماء سلسبيل، وقد حملت كثيرًا من الثمار اليافعة التي لا تفنى، وعندما نجوع، فإننا لن نجد بُدّاً من العودة إلى خزائننا وتراثنا.
وهي خزائن ملأى، كما أنّه تراث عظيم لا ينفد، وعندما نعود، فإنه يجب أن يكون لنا مسلك جديد، وأن نخلع أزياء الغرب أوّلاً، ونطلّق التّفرنج، ونشرب من الينابيع الصافية

من أعمال الفنّان سمير الصايغ

ملاحظة:
عند رجوعنا إلى المصادر والمراجع التي حدّدها لنا صاحب المقال تبيّنَ لنا أن الملاحظات التي أبداها الدكتور صادق مكّي حول المفردات التي وردت في النموذج بخط المنذر نفسه هي ملاحظات قابلة للنقاش والجدل وذلك استنادًا إلى معاجم اللّغُة وبعد الأخذ برأي بعض أساتذة اللّغُة العربيّةَ:

  • الصَّفْوة والصُّوفة: من كل شيء، خالصه وخِياره.
  • حِدْثان الدهر وحَدَثانه: نوائبه.
  • أُولى: اسم إشارة للقريب، ويقال أُلى بمعنى الذين، وقد  وردت عوضًا عن أُولى جمعًا للذي من غير لفظه.

والأُلى، معناها الأقدمون.
                                                                                       أسرة التحرير

 

ملاحظات حول وضعيّةَ اللّغُة العربيّةَ

     بقلم د.صادق مكّي
أستاذ اللّغُة العربية وآدابها
   في الجامعة اللبنانية
        (سابقًا)

ملاحظات حول وضعيّةَ اللّغُة العربيّةَ

يؤيّد الدكتور صادق مكّي النهج الذي سلكه ابراهيم المنذر في النّقد والتّصحيح ولكنّه يتحفّظ على رأيه بالنسبة إلى تطوير المعاجم العامّة. تقدّم المجلّة التربويّة لقرّائها ملاحظات د. صادق مكّي حول كتاب المنذر ''عثرات الأقلام ومفردات اللّغُة العربيّةَ'' وحول وضعيّة اللّغُة العربيّةَ وما يمكن فعله لحلّ مشكلة تعليمها. أمّا بالنسبة إلى معاني بعض المفردات التي وجدها في الكتاب وبخطّ المنذر تحديدًا فنحن نشكر لفتته الكريمة ونأمل من كلّ القيّمين على لغتنا الأمّ المشاركة في الحفاظ عليها والتوجّه بها نحو الأفضل. كما تدعو المجلّة قرّاءها إلى مطالعة الملاحظة الواردة في نهاية المقال.

 أسرة التحرير

استوقفني عند مراجعتي لما كتبه الشَّيخ ابراهيم المنذر في ''عثرات الأقلام ومفردات اللّغُة العربيّةَ'' قوله: ''فَوَردت عليَّ رسائل عديدة أيّدَ بها أربابها المنهج الذي سلكتُهُ في النّقد والتّصحيح، وأشاروا إلى المغامز التي رأوها في الكتاب؛ فنزلتُ عند رأيهم في بعضها وخالفتهم في البعض  الآخر''... (1)
ونحن أيضًا نؤيّدِ المنهج الذي سلكه الشَّيخ ابراهيم في النقد والتصحيح، ونتحفّظ على ما ورد في كتاباته في موضعين:

 

الموضع الأول:
عند مراجعتي ل ''نموذج من خطّ المنذر'' في الصفحة الرابعة من كتاب الشعر، وجدت في البيت الخامس: ''الأُولى''، ووجدت في البيت السادس ''صُفَوة''. وراجعت قاعدة الاسم الموصول في كتب اللّغة، كما راجعت ''لسان العرب'' في ''صُفوة''. فلو أنكم تراجعون معي هذين الأمرين.
ووجدت في الصفحة ٦٥ ، البيت قبل الأخير: من طوارق ''الحِدْثانِ''، وفي ''المعجم الوسيط'' صفحة ١٦٠ : الحِدْثان: يقال حِدْثان الشباب، وحِدْثان الأمر أوَّله وابتداؤه، والحَدَثان: الّليل والنّهار. فما الذي أراده الشاعر بالحِدْثان؟ ومثله في لسان العرب (حدث) (2) ومثل (حَرقة) في الصفحة ٧٦ من ديوان الشعر. ولا أزيد، فلعلّ غير المنذر هو الذي حرّكَها بهذه الحركات.

 

أمّا في الموضع الثاني:
وعند قراءتنا للتّمهيد الذي في الصفحة الحادية والعشرين من كتاب ''عثرات الأقلام ومفردات اللّغُة العربيّةَ''، وجدت فيه منهجًا للعمل لا يمكن أن نأخذ به، في جميع ما ورد فيه. فالمعاجم التي تُعَدّ لطلاّب المدارس والمبتدئين يمكن أن نلجأ فيها إلى الاختيار، والتركيز على ما يحتاجه المتعلّم. أما المعاجم العامّة فإننا لا نرى رأي الشَّيخ ابراهيم في ما ذهب إليه، لأن هذه المعاجم صورة للتطوّر اللّغوي والحضاري، ولا يمكن للصّورة أن تكون ناقصة، لأن ما يرسخ في الذهن بعد رؤية صورة ناقصة لا يمكن أن يمثّل الحقيقة، ولا يخدم التطوّر الحضاريّ واللّغُويّ.
وقد لجأ ''المعجم الوسيط''، وهو المعجم الذي تبنّاه مجمع اللّغُة العربيّةَ، لجأ إلى هذه الفكرة، وطبّقها. غير أنّ هذا المعجم لا يلغي دور ''لسان العرب''، ولا يغني عنه، بل نجد ''لسان العرب'' وأمثاله من المعاجم ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها للباحثين والدارسين المتعمّقِين في اللّغُة. وما أظنّ أن اللّغُة العربيّةَ صارت وقفًا على المتعلّمين من دون الباحثين والأساتذة، وبخاصّة بعد أن اهتمّ المتعلّمون باللّغُات الأجنبية المختلفة، لحاجتهم إليها، في دراسات متنوّعة بدأت، ونشأت، وقويت وتطوّرت في بلاد أخرى، وما عاد من السهل اللّحاق بها في أجوائنا العربيّةَ البائسة، على نحو ما حصل يوم نقل العرب في أوّل نهضتهم العلمية جميع العلوم إلى لغتهم، واضطرّ الآخرون-جميع الآخرين، ولعصور عديدة، إلى الانصياع لهذه الإرادة. ولا أظنّ اليوم غيرالأمس.
أمّا حلّ هذه المشكلة التي قامت في عصرنا الحديث، مشكلة اللّغُة العربيّةَ وأهلها، فأظنّها مشكلة شبيهة بالمرض الذي يعرفه الأطباء، ولا يجدون له دواءً، ويتيه الجميع في التجارب السطحيّة، والبسيطة، التي تختلط فيها الحقيقة بالخرافة والأهواء. وفي هذه الحالة لا يمكن الوصول إلى
حلّ.

فلا يمكن أن يكون هناك حلّ لمشكلة اللّغُة العربيّةَ وهوى أبنائها في غيرها، وكذلك مصلحتهم أيضًا.
كما لا يمكن للتلميذ في المدارس الابتدائية أن يتقن لغته ولا تخصّصِ لها المناهج غير سبع ساعات أو خمس، ويتعلّمَ جميع المواد-ما عدا اللّغُة-باللّغُة الأجنبية.
ولا يمكن للتلميذ أن يتقن لغته وأستاذه أو معلّمِته أعجميّ أو أعجميّة.
كما لا يمكن له أن يتعلّم اللُّغة في المدرسة، ولا يتكلّمها في البيت.
ولا يمكن أن يتعلّمَها من نصوص كتبها أناس لم تكتمل خبرتهم في اللّغُة العربيّةَ، إذ لا يمكن للّغُة أن تُؤخذ إلاّ من أصولها، فكيف إذا كانت الفروع شوهاء.
ولا يمكن أن نتعلَّم اللُّغة العربيَّة بأساليب اللُّغات الأجنبية كلّها وإن كان بعض هذه الأساليب مفيدًا-لأن لكلّ لغة خصوصيّتها التي بدونها تفقد قيمتها.
كما نشير إلى أنه قد عُقدت مؤتمرات تربوية متعدّدة في لبنان حول موضوع التعليم بصورة عامة، وتعليم اللّغُة العربيّةَ بصورة خاصّة، وكُتِبت مجلّدات في هذا الموضوع.

على أننا نشير في نهاية حديثنا إلى أنه برغم كل مشكلاتنا مع اللّغُة العربيّةَ، فإننا نرى أن ذلك ما هو إلاّ كبوة سرعان ما نستفيق بعدها لنعود إلى الأصول والجذور، وهي ثابتة في الأرض، ومورقة في السماء، تستقي من تربة خصبة وماء سلسبيل، وقد حملت كثيرًا من الثمار اليافعة التي لا تفنى، وعندما نجوع، فإننا لن نجد بُدّاً من العودة إلى خزائننا وتراثنا.
وهي خزائن ملأى، كما أنّه تراث عظيم لا ينفد، وعندما نعود، فإنه يجب أن يكون لنا مسلك جديد، وأن نخلع أزياء الغرب أوّلاً، ونطلّق التّفرنج، ونشرب من الينابيع الصافية

من أعمال الفنّان سمير الصايغ

ملاحظة:
عند رجوعنا إلى المصادر والمراجع التي حدّدها لنا صاحب المقال تبيّنَ لنا أن الملاحظات التي أبداها الدكتور صادق مكّي حول المفردات التي وردت في النموذج بخط المنذر نفسه هي ملاحظات قابلة للنقاش والجدل وذلك استنادًا إلى معاجم اللّغُة وبعد الأخذ برأي بعض أساتذة اللّغُة العربيّةَ:

  • الصَّفْوة والصُّوفة: من كل شيء، خالصه وخِياره.
  • حِدْثان الدهر وحَدَثانه: نوائبه.
  • أُولى: اسم إشارة للقريب، ويقال أُلى بمعنى الذين، وقد  وردت عوضًا عن أُولى جمعًا للذي من غير لفظه.

والأُلى، معناها الأقدمون.
                                                                                       أسرة التحرير

 

ملاحظات حول وضعيّةَ اللّغُة العربيّةَ

     بقلم د.صادق مكّي
أستاذ اللّغُة العربية وآدابها
   في الجامعة اللبنانية
        (سابقًا)

ملاحظات حول وضعيّةَ اللّغُة العربيّةَ

يؤيّد الدكتور صادق مكّي النهج الذي سلكه ابراهيم المنذر في النّقد والتّصحيح ولكنّه يتحفّظ على رأيه بالنسبة إلى تطوير المعاجم العامّة. تقدّم المجلّة التربويّة لقرّائها ملاحظات د. صادق مكّي حول كتاب المنذر ''عثرات الأقلام ومفردات اللّغُة العربيّةَ'' وحول وضعيّة اللّغُة العربيّةَ وما يمكن فعله لحلّ مشكلة تعليمها. أمّا بالنسبة إلى معاني بعض المفردات التي وجدها في الكتاب وبخطّ المنذر تحديدًا فنحن نشكر لفتته الكريمة ونأمل من كلّ القيّمين على لغتنا الأمّ المشاركة في الحفاظ عليها والتوجّه بها نحو الأفضل. كما تدعو المجلّة قرّاءها إلى مطالعة الملاحظة الواردة في نهاية المقال.

 أسرة التحرير

استوقفني عند مراجعتي لما كتبه الشَّيخ ابراهيم المنذر في ''عثرات الأقلام ومفردات اللّغُة العربيّةَ'' قوله: ''فَوَردت عليَّ رسائل عديدة أيّدَ بها أربابها المنهج الذي سلكتُهُ في النّقد والتّصحيح، وأشاروا إلى المغامز التي رأوها في الكتاب؛ فنزلتُ عند رأيهم في بعضها وخالفتهم في البعض  الآخر''... (1)
ونحن أيضًا نؤيّدِ المنهج الذي سلكه الشَّيخ ابراهيم في النقد والتصحيح، ونتحفّظ على ما ورد في كتاباته في موضعين:

 

الموضع الأول:
عند مراجعتي ل ''نموذج من خطّ المنذر'' في الصفحة الرابعة من كتاب الشعر، وجدت في البيت الخامس: ''الأُولى''، ووجدت في البيت السادس ''صُفَوة''. وراجعت قاعدة الاسم الموصول في كتب اللّغة، كما راجعت ''لسان العرب'' في ''صُفوة''. فلو أنكم تراجعون معي هذين الأمرين.
ووجدت في الصفحة ٦٥ ، البيت قبل الأخير: من طوارق ''الحِدْثانِ''، وفي ''المعجم الوسيط'' صفحة ١٦٠ : الحِدْثان: يقال حِدْثان الشباب، وحِدْثان الأمر أوَّله وابتداؤه، والحَدَثان: الّليل والنّهار. فما الذي أراده الشاعر بالحِدْثان؟ ومثله في لسان العرب (حدث) (2) ومثل (حَرقة) في الصفحة ٧٦ من ديوان الشعر. ولا أزيد، فلعلّ غير المنذر هو الذي حرّكَها بهذه الحركات.

 

أمّا في الموضع الثاني:
وعند قراءتنا للتّمهيد الذي في الصفحة الحادية والعشرين من كتاب ''عثرات الأقلام ومفردات اللّغُة العربيّةَ''، وجدت فيه منهجًا للعمل لا يمكن أن نأخذ به، في جميع ما ورد فيه. فالمعاجم التي تُعَدّ لطلاّب المدارس والمبتدئين يمكن أن نلجأ فيها إلى الاختيار، والتركيز على ما يحتاجه المتعلّم. أما المعاجم العامّة فإننا لا نرى رأي الشَّيخ ابراهيم في ما ذهب إليه، لأن هذه المعاجم صورة للتطوّر اللّغوي والحضاري، ولا يمكن للصّورة أن تكون ناقصة، لأن ما يرسخ في الذهن بعد رؤية صورة ناقصة لا يمكن أن يمثّل الحقيقة، ولا يخدم التطوّر الحضاريّ واللّغُويّ.
وقد لجأ ''المعجم الوسيط''، وهو المعجم الذي تبنّاه مجمع اللّغُة العربيّةَ، لجأ إلى هذه الفكرة، وطبّقها. غير أنّ هذا المعجم لا يلغي دور ''لسان العرب''، ولا يغني عنه، بل نجد ''لسان العرب'' وأمثاله من المعاجم ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها للباحثين والدارسين المتعمّقِين في اللّغُة. وما أظنّ أن اللّغُة العربيّةَ صارت وقفًا على المتعلّمين من دون الباحثين والأساتذة، وبخاصّة بعد أن اهتمّ المتعلّمون باللّغُات الأجنبية المختلفة، لحاجتهم إليها، في دراسات متنوّعة بدأت، ونشأت، وقويت وتطوّرت في بلاد أخرى، وما عاد من السهل اللّحاق بها في أجوائنا العربيّةَ البائسة، على نحو ما حصل يوم نقل العرب في أوّل نهضتهم العلمية جميع العلوم إلى لغتهم، واضطرّ الآخرون-جميع الآخرين، ولعصور عديدة، إلى الانصياع لهذه الإرادة. ولا أظنّ اليوم غيرالأمس.
أمّا حلّ هذه المشكلة التي قامت في عصرنا الحديث، مشكلة اللّغُة العربيّةَ وأهلها، فأظنّها مشكلة شبيهة بالمرض الذي يعرفه الأطباء، ولا يجدون له دواءً، ويتيه الجميع في التجارب السطحيّة، والبسيطة، التي تختلط فيها الحقيقة بالخرافة والأهواء. وفي هذه الحالة لا يمكن الوصول إلى
حلّ.

فلا يمكن أن يكون هناك حلّ لمشكلة اللّغُة العربيّةَ وهوى أبنائها في غيرها، وكذلك مصلحتهم أيضًا.
كما لا يمكن للتلميذ في المدارس الابتدائية أن يتقن لغته ولا تخصّصِ لها المناهج غير سبع ساعات أو خمس، ويتعلّمَ جميع المواد-ما عدا اللّغُة-باللّغُة الأجنبية.
ولا يمكن للتلميذ أن يتقن لغته وأستاذه أو معلّمِته أعجميّ أو أعجميّة.
كما لا يمكن له أن يتعلّم اللُّغة في المدرسة، ولا يتكلّمها في البيت.
ولا يمكن أن يتعلّمَها من نصوص كتبها أناس لم تكتمل خبرتهم في اللّغُة العربيّةَ، إذ لا يمكن للّغُة أن تُؤخذ إلاّ من أصولها، فكيف إذا كانت الفروع شوهاء.
ولا يمكن أن نتعلَّم اللُّغة العربيَّة بأساليب اللُّغات الأجنبية كلّها وإن كان بعض هذه الأساليب مفيدًا-لأن لكلّ لغة خصوصيّتها التي بدونها تفقد قيمتها.
كما نشير إلى أنه قد عُقدت مؤتمرات تربوية متعدّدة في لبنان حول موضوع التعليم بصورة عامة، وتعليم اللّغُة العربيّةَ بصورة خاصّة، وكُتِبت مجلّدات في هذا الموضوع.

على أننا نشير في نهاية حديثنا إلى أنه برغم كل مشكلاتنا مع اللّغُة العربيّةَ، فإننا نرى أن ذلك ما هو إلاّ كبوة سرعان ما نستفيق بعدها لنعود إلى الأصول والجذور، وهي ثابتة في الأرض، ومورقة في السماء، تستقي من تربة خصبة وماء سلسبيل، وقد حملت كثيرًا من الثمار اليافعة التي لا تفنى، وعندما نجوع، فإننا لن نجد بُدّاً من العودة إلى خزائننا وتراثنا.
وهي خزائن ملأى، كما أنّه تراث عظيم لا ينفد، وعندما نعود، فإنه يجب أن يكون لنا مسلك جديد، وأن نخلع أزياء الغرب أوّلاً، ونطلّق التّفرنج، ونشرب من الينابيع الصافية

من أعمال الفنّان سمير الصايغ

ملاحظة:
عند رجوعنا إلى المصادر والمراجع التي حدّدها لنا صاحب المقال تبيّنَ لنا أن الملاحظات التي أبداها الدكتور صادق مكّي حول المفردات التي وردت في النموذج بخط المنذر نفسه هي ملاحظات قابلة للنقاش والجدل وذلك استنادًا إلى معاجم اللّغُة وبعد الأخذ برأي بعض أساتذة اللّغُة العربيّةَ:

  • الصَّفْوة والصُّوفة: من كل شيء، خالصه وخِياره.
  • حِدْثان الدهر وحَدَثانه: نوائبه.
  • أُولى: اسم إشارة للقريب، ويقال أُلى بمعنى الذين، وقد  وردت عوضًا عن أُولى جمعًا للذي من غير لفظه.

والأُلى، معناها الأقدمون.
                                                                                       أسرة التحرير