إطلالة على قصيدة "أُخْتَ الرَّيَاحِينِ"
إعداد الأستاذ إيلي ضاهر
منسّق اللّغة العربيَّة
في مدرسة جبل الكرمل
إطلالة على نصّ في مادة اللّغُة العربيّةَ وأسئلة حوله
المستوى: التّعَليم الأساسيّ (السَّنتان الثّاَمنة والتّاَسعة)
النصّ: قصيدة للشاعر ابراهيم المنذر
أُخْتَ الرَّيَاحِينِ1
مَاذا تُريدِينَ، يَا أُخْتَ الرَّيَاحِينِ مِنِ امرِىءٍ بِجَمَالِ الْنَّفْسِ مَفْتُونِ
مَاذَا تُريدِينَ مِنِّي، وَالْهَوَى عَرَضٌ قَدْ زَالَ، وَالْجوْهَرُ الْمَكْنُونُ يَكْفِينِي
مَاذَا تُريدِينَ مِنِّي، وَالْزَّمَانُ طَوى عَهْدَ الشَّبَابِ، وَجَاءَ الشَّيبُ يَطْويِني
مَرَّتْ لِحَاظُكِ لَمْ يَشْعُرْ بِوَطْأَتِهَا قَلْبي، وَكَانَتْ بِذَاكَ الْعَهْدِ تُصْمِيني
وَمَاسَ قَدّكُِ مِثْلَ الْخَيْزُرَانِ، فَلَمْ أَعْبَأْ كَأنّ الْتَّثَنِّي لَيْسَ يَعنِينِي
الْفَرقُ فِي الْعُمْرِ لاَ تَخْفَى دَلاَئِلُهُ وَمَا ابْنُ سِتّينَ عَامًا كابْنِ عِشْرِينِ...
أيَّامَ كُنْتُ إِذَا أَلْقَيْتِ فِي أُذُنِي لَحْنًا تَذُوبُ لَهُ نَفْسِي وَيُحِيينِي
أيَّامَ كُنْتُ إِذَا نَادَيْتِنِي سَبَحَتْ رُوحِي وَطِرْتُ إلَى نَادِيكِ فِي الْحِينِ
كُنَّا، وَكَانَ الْهَوَى، يَا هِنْدُ، يَجْمَعُنَا بَيْنَ الرّيَِاضِ عَلَى زَهْرِ الْبَسَاتِينِ
أَسْقِيكِ كَأْسًا مِنَ الإخْلاَصِ صَافِيَةً وَمِثْلَهَا مِنْ رُضَابِ الْحُبّ تَسقِْينِي
وَالْيَوْمَ، أَصْبَحْتُ فِي حُزْنِي بِلاَ أَمَلٍ لاَ الْقَوْلُ يُجدِي وَلاَ الدّنُْيَا تُؤَاسِينِي
وَزَادَ هَمِّيَ مَا أَلْقَاهُ فِي وَطَنِي مِنْ شِدّةَِ الْبُؤْسِ وَالإرْهَاقِ وَالْهُونِ
مَوَارِدُ الرّزِْق ِجَفَّتْ فِي الْبِلاَدِ عَلَى مَا كَانَ فِي الأَرْضِ مِنْ خِصْبٍ وَتَمْوينِ
وَأَقْفَرَتْ مِنْ بَنِيها المُخْلِصِينَ، وَقَد كَانَتْ تَعِجّ قَديِمًا بِالْمَلاَيِينِ
وَكَيْفَمَا جُلْتُ فِي الْقُطْرَيْنِ لَسْتُ أَرَى إِلاّ وُجُوهًا عَنِ الْبَأْسَاءِ تُنْبِينِي
أَمّا الْنِّيَابَةُ عَنْ شَعْبٍ يَسيرُ إلَى قَبْرٍ فَمَلْهَاةُ تَخْدِيرٍ وَتَسْكِينِ
لَوْلاَ بَقِيَّةُ آمَالٍ مُعَلَّقَةٍ عَلَى بَنِي وَطَنِي الْغُرّ الْمَيَامِينِ
الضَّارِيِينَ بآفَاقِ الْعَوَالِمِ لاَ يَأْلُونَ جُهْدًا بِتَدرِيبٍ وَتَمْرِينِ
أَلنَّافِرينَ مِنَ الْقَيْدِ الْوَطيدِ مِنَ الظّلُْم الشَّدِيدِ عَلَى عَهْدِ السَّلاَطِينِ
أَلنَّاهِضِينَ إلَى الْعَلْيَاءِ عَنْ شَمَمٍ وَاْلنَّارُ فِي اْلصَّدْرِ تَغْلِي كَالْبَرَاكِينِ
مِنْ كُلِّ ذِي هِمَّةٍ كَالْبَرْقِ أَو كَرَمٍ كَالبَحْرِ أَو مَنْطِقٍ بالْسّحِْرِ مَقْرُونِ
أُسْدٌ وَأَشْبالُ آسادٍ، غَطَارِفَةٌ فِي كُلِّ قُطْرٍ كَفُرْسَانِ الْمَيَادِينِ2...
1- كان من حقّ هذه القصيدة أن تُدرجَ في باب الوطنيّات، إنّما إيحاء العنوان أنزلها في هذا الباب.
2- والحقيقة أنّ تقسيم أبواب الكتاب جاءَت مصطنعة، لأنّ شِعر المنذر بمجمله ولعٌ بوطنه وتحرّقٌ على بنيه. تؤلمه هجرة شبابه إنّمَا في الوَقت عينه يَشُدّ عزيمة هؤلاء ''الأشبال الغطارفة، في كل قطرٍ، كفُرسان الميادين''.
إطار النصّ:
إنّ المُرسِلَ في النّص الشعريّ هو الشاعر نفسه (ابراهيم المنذر) الذي يتوجّه إلى امرأة هي في الغالب حبيبته (واسمها هند)، مشبّهًا إيّاها ب''أخت الرَّياحين'' وهو العنوان الذي اختاره للقصيدة. ويدور محور كلام الشاعر حول الفارق في العمر بين شبابه وكهولته. ''فابن الستين غير ابن العشرين''، مشيرًا إلى أنّ استجابته لحبيبته في صباه تختلف عن استجابته لها في سنّ الكهولة. ويعرّج الشاعر على ذكر بلاده رابطًا أيضًا بين نضوب عاطفته ونضوب موارد الرّزق فيها. ويتمّ ذلك ضمن عمل إبداعي ذي وظيفة تعبيريّة وجماليّة.
أقسام النصّ وبنيته:
يتوزّع النّص على أربعة أقسام.
- القسم الأوّل (الأبيات الستّة الأولى) وتدور حول:
أنتِ وأنا (تأتي بصيغة التساؤل) بتكرار ''ماذا تريدين''. (وظيفة الكلام ذاتيّة وجماليّة).
- القسم الثاني : (الأبيات ٧-١٠) وتدور حول:
تعبير الشاعر عن تصرّفاته أيّام الصبا. وتظلّ مرتكزةً على أنا وأنتِ. (وظيفة الكلام ذاتيّة وإخباريّة).
- القسم الثالث (11-16) وتدور حول:
التحوّل الذي أصاب الشاعر في كهولته، وأصاب وطنه وأبناء وطنه ( اندثار الآمال وتراكم الهموم والإرهاق وشحّ موارد الرزق ) (وظيفة الكلام مرجعيّة وإبلاغيّة).
- القسم الرابع (17-22) وتدول حول:
بقيّة أمل لا تزال في قلب الشاعر تشدّه نحو التمسّك بالمستقبل أما الضميران الغالبان فهما (أنا وهم). (وظيفة الكلام مرجعيّة إبلاغيّة).
لا يعني هذا التقسيم وجود أي خلل بندي فيه، بل هو يؤلّف كليّة متماسكة، وقد تمّ التطوّر في المعنى في سياق متدرّج ومترابط.
حركة النصّ:
يتوزّع النصّ على حركات أربع تنطلق من أقسامه الأربعة.
فهو ينفتح على خطاب بصيغة سؤال يوجّهه الشاعر إلى حبيبته متسائلاً عمّا تريد منه بعدما زالت كلّ مقوّمات شبابه. ثم يعرض بشيء من الأسف مرحلة الشباب الماضي وكيف كان يتصرّف عندما كان في عشرينيّات عمره ويتحوّل في القسم الثالث إلى اليوم الذي أصبح فيه أسير الإرهاق والهموم والتّعب والمشاكل وخصوصًا عندما يربط همومه بهموم وطنه. أمّا القسم الرابع فيخصّصه للأمل المتبقّي لأبناء وطنه الذين تأصّلوا في الوطنية وعليهم يعقد الآمال الكبيرة لتفسير الحالة التي آلت إليها بلاده.
الوظيفة الجماليّةَ:
لقد استفاض الشاعر في ذكر معظم المعاني التي أراد ذكرها حول ماضيه والأيام التي قضاها مع حبيبته وذلك بصورة جماليّة رائعة. عبر تشكيلات إيقاعيّة وصور أوحت بها.
- التّشكيلات الإيقاعيّة: لقد تعاونت جملة من العناصر على توليد الإيقاع، منها ما هو خارجي ومنها ما هو داخلي.
- إيقاع خارجي: الوزن: (البحر البسيط) والقافية المنتهية بنون مكسورة مسبوقة بمصوّت مكسور أيضًا ما يتوافق مع بنية النّص الدلاليّة عبر ترجيع بعض المفردات: ''ماذا تريدين''، لتتلاقى مع مقاطع صوتيّة تتمثّل بالآتي: ''والهوى عَرَضٌ'' ''والزمان طوى''.
- التّضمينات: تقدّم التّضمينات في النّص دلالات تؤكّد بنيته الدلاليّة. فالعنوان بحدّ ذاته يرمز إلى رهافة الحسّ وربيع العمر. اللّحاظ التي مرّت كلحظات، تشير إلى سرعة الزمن في عهد الشباب الممتع.
- التّشبيهات: ك (في البيتين الخامس والحادي والعشرين)
- الاستعارات: ك(في البيتين الثالث والرابع)
كلّ هذا يجعل من النصّ وحدة متكاملة ويوفّر له بالإضافة إلى الخصائص الجماليّة الرسالة الوطنية.
خصائص وقيم:
تنتمي هذه القصيدة إلى الشّعر الغزلي وتتّسم بالوجدانية إلاّ أن الفقرة الأخيرة من النصّ تمزج الغزل بما هو قريب من الشعر الوطني وهي عادة درج عليها الشعراء. والشاعر ابراهيم المنذر حشد لهذا الخصوص الكثير من القيم الأخلاقيّة مستعرضًا المشاكل آملاً في حلّهِا. كما أن عنفوان الشباب ولهوه والمعاناة التي يقاسيها الشاعر من جرّاء مضيّ عهد الشباب اجتمعت أيضًا لتؤالف بين أقسام القصيدة وتجمع في ما بينها.
الوظيفة الجماليّة:
تحقّقت في هذا النصّ الوظيفة الجماليّة متجلّية بأوضح صورة كما بينّا، وأبرز مؤشّراتها التشكيلات الإيقاعيّة والتّضمينات وكثافة الصّور. تعبّر هذه القصيدة عن شخصيّة صاحبها الشاعر المبدع وهي تبرز بعض ملامح شخصيّته. كيف كان في صباه وكيف أصبح ''اليوم'' حين نظم القصيدة. كما تشير إلى تطلّعاته نحو أمّته ووطنه.
أسئلة حول النصّ
- من المُرسِل في النصّ؟ من المُرسَل إليه؟ وما موضوع المُرسَلَة؟
- ما المقصود (باختصار) في قول الشاعر في القسم الأوّل من القصيدة؟
- ارصد في النصّ حقلاً معجميّاً: سمّه، حدّد مفرداته، أشر إلى وظيفته.
- استخرج من الفقرة الأولى: استعارة. حدّد أركانها ووظيفتها.
- ما وظيفة تكرار الفعل الماضي ''كان'' في النصّ؟
- استخرج من النّص ظاهرة أسلوبيّة وأشر إلى وظيفتها.
- ما النمط المَهيمن على النصّ؟ سوّغ إجابتك استنادًا إلى ثلاثة من مؤشّراته.
- قسّم النصّ وضع عنوانًا لكلّ قسمٍ.
- ما النوع الأدبي الذي تنتمي إليه المُرسَلَة؟
في التعبير الكتابي
اختر أحد الموضوعين الآتيين:
١- قال المنذر:
مَاذَا تُريدِينَ مِنّيِ، وَاْلْزَّمَانُ طَوَى عَهْدَ اْلشَّبَابِ، وَجَاءَ اْلشَّيبُ يَطْويِني.
اشرح هذا البيت مبيّنًا نظرة الشاعر إلى ارتباط عهد الحبّ بالشباب.
٢- شعر المنذر بمجمله ولعٌ بوطنه لبنان. وقد عبّر مرارًا عن أسفه لهجرة بنيه. حدّد مفهوم الوطن وما هي سلبيّات هجرة الشباب منه