آلية الدمج المدرسي دَور المركز التربوي للبحوث والإنماء وسائر الجهات المعنية

مرتا تابت رئيسة وحدة البرمجة والتخطيط المركز التربوي للبحوث والإنماءآلية الدمج المدرسي

دَور المركز التربوي للبحوث والإنماء وسائر الجهات المعنية

 

"إن أطفال العالم وجميع مراهقيه هم الذين لهم الحق في التعلّم، وليست أنظمتنا التربوية هي التي بحاجة إلى نوع معين من الأطفال. إن النظام التعليمي في بلد ما هو الذي يجب ملاءمته مع احتياجات جميع الأطفال وليس العكس".

"على التربية أن تسمح للأطفال بتحقيق كامل استعداداتهم للتعلّم أي كامل قدراتهم المعرفية  والعاطفية والإبداعية".

                                                                    السيد لندفيست (مقرر الأمم المتحدو : 1994)

* إشكالية الدمج في لبنان.

هل لدى لبنان، الموقّع على جميع الاتفاقيات الدولية التي تعترف “بحق التعليم لجميع الأولاد والمراهقين، سياسة خاصة لتعزيز الدمج؟ ما هي، على مستوى السياسة التربوية، وعلى مستوى العوائق التي تحدّ من تطبيق الدمج وكيف نواجهها؟ هل لُحِظت، في استراتيجيات وخطط الإصلاح، آلية للدمج؟

إن اعتماد مبدأ التربية الدامجة ليس مسألة هامشية، فهو يقضي بالبحث عن كيفية تحويل الأنظمة التربوية وجميع الأطر التعليمية لمواءمتها مع تنوع المتعلّمين، مع العلم بأن الدمج تحديدًا هو مسار يأخذ بالاعتبار حاجات جميع المتعلّمين من طريق الإشراك المتنامي في التعلّم لجميع المجموعات الثقافية، وتقضي أهدافه بالآتي:

  • تقليص الإبعاد عن المدرسة والتسرّب والرسوب المدرسِيّيَن.
  • تلبية الاحتياجات التعلّمية، ليس في التعليم النظامي فقط وإنما أيضًا في التعليم غير النظامي في إشارة إلى تنّوع الأولاد الذين يتركون المدرسة أو أولئك الذين لم يُلحقوا بها أبداً (أطفال الشوارع- الأطفال العاملون والمهمّشون).

ويفترض هذا المسار إذًا:

  • إجراء تعديلات وتكييفات على مستوى المناهج التعليمية والمقاربات التربوية لعملية التعليم/التعلّم  إلى جانب التغييرات المطلوبة في المؤسسات التعليمية وفي بناها التحتية وأدوار مواردها البشرية وتنوع اختصاصاتهم بما يمكٍّنهم من تقديم “تعلّم جيد للجميع” لا سيما لأولئك الأكثر تهميشًا.

ما هي الصعوبات التي يتعرض لها أي مشروع دمج ؟

يمكن اختصار هذه الصعوبات بالآتي:

  • ضعف بنية المؤسسة التعليمية ودورها وتنظيمها بشكل لا يراعي متطلّبات الدمج.
  • تأخير في عملية تطبيق المناهج بشكل يتلاءم مع مستلزمات الدمج.
  • نقص في التجهيزات اللوجستية والترتيبات في البيئة المدرسية التي تسهّل وصول المعوّقين لاسيما الحركيّين منهم .Handicapés moteurs
  • نقص في الموارد البشرية المؤهلة وذات الكفاءة المهنية وخصوصًا في ظل غياب البيئة أو الموارد الخاصة لمساعدة المعلّمين في مهمتهم الصعبة لاسيما غير المهيئين منهم مهنيًا للتعاطي مع فئة المتعلّمين الذين يرتادون المدرسة الرسمية.
  • وأخيراً تعليق عملية إعداد المعلّمين منذ العام 2001 في دور المعلّمين والمعلّمات وفي الجامعة اللبنانية – كلية التربية، والتعاقد مع معلّمين لم يتلقوا إعدادًا تربويًا ومهنيًا رغم حصولهم على إجازات تعليمية.

إلا أن كل ذلك لم يمنع وزارة التربية والتعليم العالي لاسيما المركز التربوي للبحوث والإنماء من بذل الجهود لإطلاق الحوار حول موضوع الدمج.

إطلاق الحوار والنقاش حول الدمج من قبل المركز التربوي.

منذ مطلع العام 199٣ ، قام المركز التربوي للبحوث والإنماء بتنظيم مؤتمرات عديدة بالتعاون مع المنظمة العالمية للتربية (اليونسكو)  حيث أُطلِق الحوار حول مفاهيم حقوق الإنسان وحول كيفية ترجمة هذه الحقوق في مناهج تعليمية تؤمن "التعليم للجميع Education pour tous: EPT"

  • إن النقاش الجَماعي الذي أُطلِق خلال هذه المؤتمرات من قبل المؤسسات التربوية المشاركة، عزّز عملية نشرفكرة الدمج وحماية الأطفال المهمّشَين.
  • حُدّدت في خلال هذه المؤتمرات آليات تعاون بين مجموعات وجمعيات من المجتمع الأهلي والمدارس لتحديد هوية الأولاد غير الملتحقين بالمدارس ووضع آليات وخطط خاصة لتأمين تسجيلهم وإلحاقهم بالمؤسسات التعليمية.

* الإشكالية الوطنيّة.

عند مناقشة الموضوع على المستوى الوطني واجه المسؤولون المعنيون صعوبات على صعيد السياسة التربوية التي يجب اتباعها وطُرحت أسئلة عديدة حول المواضيع الآتية:

  • أيّ نوعٍ من الإعاقات يمكن دمج أصحابها في النظام التربوي الرسمي العام؟ وما هي المشاكل التي يمكن أن تقف عائقاً دون ذلك؟
  • من يقّرَر ؟ ماذا نقّرَر؟ “تعليم للجميع؟” أم ماذا؟ نعم ولكن أين؟ أفي مؤسسات التعليم النظامي أم لا؟
  • هل يجب إنشاء مؤسسات تعليمية مختصة على غرار ما فعله التعليم الخاص؟ أو هل يجب إيجاد صفوف في المدرسة تسمّىَ "الصفوف الموازية" أو "غرف الموارد" حيث يُفصَل إليها التلميذ جزئياً ويلقى الاهتمام اللازم والعلاج لبعض الوقت بحسب صعوباته التعلّمية؟.
  • من يعلّم هؤلاء التلامذة؟ أي معلّمِ وأي إعداد لهذا المعلّمِ؟ وهل المعلّمِ الموجود في المدرسة الرسمية مؤهّل لتعليم التلامذة الذين يعانون إما من صعوبات تعلّمية وإما من إعاقات عقلية أو جسدية وإما من اضطرابات سلوكية وعقلية ونفسية تتطلب خبرات متخصّصة وبنًى ووسائل تعجز المدرسة الرسمية بواقعها الحالي عن تأمينها؟

* خطة النهوض التربوي.

في العام 1994، قام المركز التربوي للبحوث والإنماء بوضع خطة شاملة لإصلاح وإعادة بناء النظام التعليمي في لبنان.ارتكزت هذه الخطة على الحقوق الآتية:

  • تأمين تعليم إلزامي ومجاني للجميع لاسيما في مرحلة التعليم الأساسي (مشروع قانون بإلزامية التعليم حتى عمر 15 سنة).

تكافؤ الفرص للجميع، دمج وعدم تمييز.

  • تعليم جيّدِ للجميع، مضامين ذات جودة عالية ومسارات تعليمية منفتحة.

هذه الحقوق ترجمت إلى مناهج مطواعة وذات مقاربات سهلة توفر إمكانية تكييفها بحسب الحاجات الخاصة، وتسمح للمعلّمين بالتفتيش عن الحلول المناسبة لقدرات جميع التلامذة بمن فيهم التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة.

لكن عملية تطبيق المناهج لم تعطِ المعلّمين والمعلّمات إمكانية دعم خاص لمعالجة المشاكل الواقعية، ولم تؤمن الوقت الكافي لدعم إضافي لعمل الصف. إلا أن ذلك لم يحل دون اتخاذ بعض الإجراءات العملية لكي تضفي على هذه المناهج الطابع الدمجي اللازم.

في هذه الورشة الوطنية كان من المهم، أن يستدرك المسؤولون وأصحاب القرار التربوي معالجة نقاط الضعف التي رافقت تطبيق المناهج، والتي هي جدّ طبيعية، من طريق تدريب وإعادة تأهيل المعلّمين والمعلّمات.

* مشروع التدريب المستمر.

هو أحد المكوّنِات الداعمة لمشروع المناهج الجديدة وتقضي أهدافه بالآتي:

  • تعزيز أداء المعلّمين والمعلّمات في القطاع الرسمي وتطويره.
  • رفع مستوى تحصيل جميع التلامذة من طريق توفير تعليم ذي جودة عالية.

وتحقيقاً لتأمين "التعليم للجميع" قرر المركز التربوي للبحوث والإنماء تعزيز جهاز التدريب المستمر بعدد من المدرّبين في: العلاج النفسي التربوي وفي العلاج الانشغالي وعلاج النطق والتربية المختصة وقد توزعوا العمل في مراكز الموارد الستة داعمين لزملائهم من المدربين الآخرين. وقد قام الخبراء الفرنسيون من كبار أساتذة الجامعات الفرنسية بتدريب مدرّبي الصعوبات التعلّمية لكي يصبح بإمكانهم تأمين المهام المبينة أدناه في مراكز الموارد الستة:

  • وضع وقيادة أعمال تدريبية تسمح للمعلّمين والمعلّمات باعتماد مواقف واستراتيجيات بنائية للتلامذة من ذوي الصعوبات التعلّمية.
  • تطوير أدوات أولية بسيطة في التشخيص تسمح للمعلّمين والمعلّمات تحديد الحالات التي تستوجب تدخل الاختصاصيين وإحالتها عليهم، وفي الحالات الأخرى تدريب المعلّمين على طرائق علاجية بسيطة يمكن تحقيقها في الصف .
  •  مواكبة المعلّمين والمعلّمات الذين يعانون من صعوبات في تعليم التلامذة من ذوي الصعوبات التعلّمية بشكل إفرادي لوضع خطة تعلّمية إفرادية وفقاً لحاجة أو صعوبة التلميذ صاحب الحالة.
  • القيام بأعمال تدريبية لمساعدة الأهالي على الاكتشاف المبكّر لصعوبات أولادهم وتوجيههم إلى الاختصاصيين للتفتيش عن العلاجات الممكنة.

وبعد خمس سنوات من التجربة يمكن التأكيد على أن الدورات التدريبية الخاصة بالصعوبات التعلّمية التي كانت في سنواتها الثلاث الأولى إلزامية، نجحت في تحسيس المعلّمين بمفهوم الصعوبات وتأثيره على تحصيل التلامذة وحتى على تسرُّبهم أو رسوبهم. وبهذا يكون مكتب الإعداد والتدريب في المركز التربوي للبحوث والإنماء قد خلق ثقافة جديدة معزِّزًا الحقوق والقيم التي بدورها تهيئ البيئة الدامجة.

وهذه الخطوة التي حقّقها المركز التربوي وبالرغم من أهميّتها فهي لا تكفي، لأننا نطمح إلى توسيع عمل الاختصاصيين ليطول الكشف المبكر للصعوبات لدى التلامذة في صفوفهم والقيام بتأمين المعالجة بالتنسيق مع المعلّمين.

ولمواكبة عملية التدريب هذه، نحن اليوم بصدد إنهاء العمل على دليل تربوي للصعوبات التعلّمية سوف يكون مصدرًا ومرجعًا للهيئة التعليمية، موّجهًا وداعمًا لها للتعرّف إلى الصعوبات وكيفية مقاربتها تعليميّاً، وذلك بعد تدريب “معلّم مرجعي” في كل مدرسة على كيفية الإفادة من هذا الدليل وتحضيره لمساعدة زملائه على طريقة استخدامه.

هذا فضلاً عن المشاريع التي نعمل عليها للمساعدة على تهيئة بيئة مدرسية دامجة، وفقًا لاستراتيجية مدروسة وذات أكلاف معقولة تنطلق من المعطيات المتوافرة لتطوير واقع المدرسة الرسمية وتعزيز نتائجها.

* دور وزارة الشؤون الاجتماعية المجلس الأعلى للطفولة.

تقوم المراكز الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية حاليّا وبالتعاون مع المدرسة ولجان الأهل بتلبية العشرات من الطلبات سنويّاً للكشف على حالة الصعوبات من طريق اختبارات يجريها الاختصاصيون محدّدين طبيعة الصعوبة لدى كل تلميذ كما يخضعونه لعدد من الجلسات العلاجية، تتولى وزارة الشؤون الاجتماعية تغطية تكاليفها. كما يقوم المجلس الأعلى للطفولة بتشكيل لجان منها "لجنة تلامذة ذوي الاحتياجات الخاصة" التي تضم عناصر واختصاصيين من الهيئات والجمعيات إلى جانب الوزارات والمؤسسات الرسمية والخاصة المعنيّة حيث يتم حاليّاً وضع استراتيجية تربوية وطنية لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدرسة الرسمية بعد توقف العمل في المشروع الوطني للدمج.

* المشروع الوطني للدمج.

في هذا الإطار وُقّعِ بروتوكول تفاهم بين حكومة الدولة الإيطالية والحكومة اللبنانية من خلال وزارتَي التربية والتعليم العالي  والشؤون الاجتماعية. وذلك في 19/11/2007. وقد كلفت الجامعة اليسوعية المادة 3 - 1 بإدارة هذا المشروع الذي يهدف إلى:

  •  تعميم سياسة تربوية وطنية دامجة مبنية على الشرعات الإنسانية العالمية المتعلقة بالحقوق.
  • تعزيز احترام الاختلافات بين الناس.
  • تأمين حق التعلّم للجميع.

وحدّدت الفئة المستهدفة من هذا المشروع بجميع التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة بين 4 و 14 سنة المتمدرسين منهم أو الذين يجب إلحاقهم في المدرسة في إطار التعليم النظامي. وبعد العمل في إطار هذا المشروع لفترة عام جرى تقييمه ثمّ تمّ توقيفه لأسباب ما زلنا نجهلها. وأنيط العمل من جديد بوزارة الشؤون الاجتماعية- المجلس الأعلى للطفولة كما ذكر سابقًا لوضع الإستراتيجية الوطنية للدمج.

* القانون 220/2000

أبصر القانون  220/2000 النور بفضل العمل الذي بدأه المركزالتربوي للبحوث والإنماء في مطلع التسعينّيات بالتعاون مع منظمة اليونسكو إلى جانب المنظمات العالمية الأخرى، بالإضافة إلى الجهود التي بذلتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية والخاصة التي شكلت ضغطًا باتجاه الفعاليات السياسية لاسيما لجنة الإدارة والعدل النيابية.

يشكل هذا القانون تغيّرًا نوعيّاً في مقاربة الدولة لموضوع الإعاقة، إذ إنه يشمل مختلف جوانب حياة المعوّقين على المستوى الاجتماعي والتربوي والصحي وقد منحهم الحقوق والواجبات نفسها كما لسائر المواطنين. ومما لا شك فيه أن هذا التغيير كان إيجابيًا ورغم هذه الايجابية بات من الضروري إعادة النظر في هذا القانون لأسباب ثلاثة:

  1. أنه لم يترجم إلى قرارات تنفيذية، بل بقي تنفيذ مضامينه اختياريّاً غير ملزم ما يجعل المدارس والمسؤولين وسائر المعنيين غير مهتمين بتطبيقه ولا يعنيهم احترام الحقوق المعطاة بموجبه.
  2. إن تشكيل اللجنة الوطنيّة، بموجب القرار رقم 11853، لتنفيذ مفاعيل هذا القانون. إلا أن العديد من الجمعيات التي تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة (لاسيما المكفوفين والحركيّين) ما زالت تعقد المؤتمرات والمطالبة بوضع استراتيجية وطنية لتعديل هذا القانون وتوسيع مضامينه لتشمل آليات ومضامين أكثر شمولية.
  3. كون القانون لا يزال يفتقر إلى رؤية بعيدة، موضوعية ومتماسكة، وكونه لا يتبنى استراتجيات على مستوى المحتوى والآليات الخاصة بكل أنواع الإعاقة وميادينها. وهو بالتالي لا يحدّد احتياجات مختلف الأولاد حتى أن بعضها غير مذكور في الأساس (المتفوقون، المتسربون والمهمشون، أطفال الشوارع، المعوّقون عقلّيًا وغيرهم ) باعتبار أن المعوقين الحركيين هم المعنيّون به فقط.

* المرسومان: 16417 /2004 و 16614 /2006

1- يحدد المرسوم رقم 16417 /2004 (الصادر في 24/شباط) الحالات التي يعفى فيها التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة من تقديم الامتحانات الرسمية، وبالأخص أولئك الذين يعانون من اضطرابات النقص في الانتباه والتركيز، Attention and deficit disorder - ADD من اضطرابات النقص والتركيز مع حركة زائدة  Attention deficit and hyperactivity disorder - ADHD   والذين يعانون من الديسلكسيا (اضطرابات في الكتابة والقراءة...) والتلامذة الذين يعانون من اضطرابات نفسية متوسطة وقوية ومن التوحّد وذلك بعد أن يخضع هؤلاء إلى اختبار ذكاء Intelligence quotient - IQ من قبل الاختصاصيين، وبعد خضوعهم إلى اختبارات التحصيل التعلّمي لتحديد مستوياتهم التعلّمية والنفسية. فيحصلون بعدها على إفادة مدرسية في نهاية المرحلة التكميلية أو البكالوريا. وهم بالتالي لا يستطيعون الوصول إلى الجامعة لأنهم لا يملكون شهادة البكالوريا الرسمية.

2- يُعفي المرسوم رقم 16614 /2006 (الصادر في 18/آذار) التلامذة المتفوقين من صف على الأكثر في الحلقتين الثانية والثالثة من التعليم الأساسي وفي مرحلة التعليم الثانوي. وقد شكّلت بناء على هذا المرسوم لجنة بموجب القرار رقم 1267 /م/ 2006 لتحديد المعايير الواجب اعتمادها لوضع المرسوم المذكور موضع التنفيذ. كما نصّ القرارعلى تشكيل لجنة لإجراء الامتحانات في الحلقات المذكورة أعلاه، وذلك في المواد الآتية: اللغة العربية – (اللغة الفرنسية – الرياضيات- العلوم الاجتماعية - العلوم والفلسفة) للتلامذة الذين يرفع مدير المدرسة أسماءهم على أنهم نالوا معدّل (18/20)   خلال عامين متتاليين على أن ترفع النتيجة إلى وزير التربية والتعليم العالي الذي يحق له اتخاذ القرار المناسب وتسمية التلامذة المتفوقين الذين يحق لهم تجاوز صفّ واحد.

لذلك يجب إعادة النظر بهذه التدابير المجحفة بحق المعفيين من الامتحانات الرسمية أولاً لأنها تحرمهم من الحق في متابعة التحصيل الجامعي. والأمر الأخطر في هذا الموضوع هو تجاوز المتعلّم لصف واحد، ما يحرمه من اكتساب بعض الكفايات وهذا ما قد يعرّضه للتراجع في تحصيله لاحقًا.

بعض الاقتراحات للمستقبل

1-  على مستوى دراسة الواقع.

  • إعداد أبحاث ودراسات لتحديد احتياجات ومشاكل الأولاد المهمّشين الذين هم داخل النظام التربوي والأولاد الذين تعرّضوا للتسرّب وأصبحوا خارج النظام.
  • اتخاذ التدابير اللازمة لجمع المعلومات ووضع المؤشرات والإحصائيات بهدف تحديد عدد الأولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة المهددين بالإبعاد والتهميش.
  • إيجاد تدابير في إطار التعليم النظامي لتأمين إعادة تمدرس الأقلية المهمّشة من الأولاد.
  • التفتيش عن موارد لتأمين مشاركة هيئات المجتمع المدني ودعم دورهم في المدرسة وفي المؤسسات المختصة.

2- على مستوى السياسات التربوية التي يجب إتباعها:

  • تحديد سياسة تربوية واستراتيجيات وبرامج لتنفيذ تدابير خاصة تعزز التربية الدامجة.
  • إيجاد دوائر ووحدات في وزارة التربية والتعليم العالي من جهة والمركز التربوي للبحوث والإنماء من جهة أخرى، تُعنى بشؤون مختلف فئات ذوي الاحتياجات الخاصة (مناهج- توفير الموارد- تهيئة البيئة- تنظيم الامتحانات – تأمين الخدمات التربوية ...).
  • إعادة النظر في بنية النظام التعليمي وتفريعه إلى تعليم نظامي، وتعليم غير نظامي، وإيجاد مسارات تسهل الإدماج في داخل المدرسة وتساعد أيضًا على الانتقال من مسار إلى آخر بمرونة.
  • وضع إستراتيجية وطنية دامجة تكون مرجعيتها شرعات الأمم المتحدة كإعلان سلامنكا، ومنتدى داكار وشرعة حقوق الإنسان وغيرها...
  • السعي لتحقيق أهداف "التربية للجميع" (EPT) والأهداف التي رُسمت للألفية الثالثة.

٣-  على مستوى التنفيذ.

تقاسم مسؤولية "التعليم للجميع" (EPT) مع سائر الوزارات المعنية.

تخصيص ميزانيات إضافية لتغطية أكلاف تعليم الأولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة.

جعل المناهج أكثر طواعية بما يسمح بتكييفها لتلائم مختلف أنواع الإعاقات.

تكييف نظام التقويم وإعادة النظر في القانون 220 /2000 وسائر المراسيم والقرارات التنفيذية الناتجة منه.

 

4- على مستوى دعم الشركاء المعنيين وتعزيز قدراتهم.

  • وضع آليات تسمح بإشراك الأهل وهيئات المجتمع المحلي.
  •  إيجاد استراتجيات للتواصل والتعبئة الاجتماعية التي تسمح بتعزيز ثقافة الدمج لدى الرأي العام.
  • تحديد الحاجات إلى التجهيزات والوسائل والأدوات التي تساعد المعلّمين على العمل مع جميع التلامذة.
  • إدخال عناصر متخصصة وذات كفاءات عالية إلى المدرسة الرسمية تسمح لكل تلميذ مهما كان أو من أين أتى أن يحصل على تعليم ذي جودة عالية.

 

آلية الدمج المدرسي دَور المركز التربوي للبحوث والإنماء وسائر الجهات المعنية

مرتا تابت رئيسة وحدة البرمجة والتخطيط المركز التربوي للبحوث والإنماءآلية الدمج المدرسي

دَور المركز التربوي للبحوث والإنماء وسائر الجهات المعنية

 

"إن أطفال العالم وجميع مراهقيه هم الذين لهم الحق في التعلّم، وليست أنظمتنا التربوية هي التي بحاجة إلى نوع معين من الأطفال. إن النظام التعليمي في بلد ما هو الذي يجب ملاءمته مع احتياجات جميع الأطفال وليس العكس".

"على التربية أن تسمح للأطفال بتحقيق كامل استعداداتهم للتعلّم أي كامل قدراتهم المعرفية  والعاطفية والإبداعية".

                                                                    السيد لندفيست (مقرر الأمم المتحدو : 1994)

* إشكالية الدمج في لبنان.

هل لدى لبنان، الموقّع على جميع الاتفاقيات الدولية التي تعترف “بحق التعليم لجميع الأولاد والمراهقين، سياسة خاصة لتعزيز الدمج؟ ما هي، على مستوى السياسة التربوية، وعلى مستوى العوائق التي تحدّ من تطبيق الدمج وكيف نواجهها؟ هل لُحِظت، في استراتيجيات وخطط الإصلاح، آلية للدمج؟

إن اعتماد مبدأ التربية الدامجة ليس مسألة هامشية، فهو يقضي بالبحث عن كيفية تحويل الأنظمة التربوية وجميع الأطر التعليمية لمواءمتها مع تنوع المتعلّمين، مع العلم بأن الدمج تحديدًا هو مسار يأخذ بالاعتبار حاجات جميع المتعلّمين من طريق الإشراك المتنامي في التعلّم لجميع المجموعات الثقافية، وتقضي أهدافه بالآتي:

  • تقليص الإبعاد عن المدرسة والتسرّب والرسوب المدرسِيّيَن.
  • تلبية الاحتياجات التعلّمية، ليس في التعليم النظامي فقط وإنما أيضًا في التعليم غير النظامي في إشارة إلى تنّوع الأولاد الذين يتركون المدرسة أو أولئك الذين لم يُلحقوا بها أبداً (أطفال الشوارع- الأطفال العاملون والمهمّشون).

ويفترض هذا المسار إذًا:

  • إجراء تعديلات وتكييفات على مستوى المناهج التعليمية والمقاربات التربوية لعملية التعليم/التعلّم  إلى جانب التغييرات المطلوبة في المؤسسات التعليمية وفي بناها التحتية وأدوار مواردها البشرية وتنوع اختصاصاتهم بما يمكٍّنهم من تقديم “تعلّم جيد للجميع” لا سيما لأولئك الأكثر تهميشًا.

ما هي الصعوبات التي يتعرض لها أي مشروع دمج ؟

يمكن اختصار هذه الصعوبات بالآتي:

  • ضعف بنية المؤسسة التعليمية ودورها وتنظيمها بشكل لا يراعي متطلّبات الدمج.
  • تأخير في عملية تطبيق المناهج بشكل يتلاءم مع مستلزمات الدمج.
  • نقص في التجهيزات اللوجستية والترتيبات في البيئة المدرسية التي تسهّل وصول المعوّقين لاسيما الحركيّين منهم .Handicapés moteurs
  • نقص في الموارد البشرية المؤهلة وذات الكفاءة المهنية وخصوصًا في ظل غياب البيئة أو الموارد الخاصة لمساعدة المعلّمين في مهمتهم الصعبة لاسيما غير المهيئين منهم مهنيًا للتعاطي مع فئة المتعلّمين الذين يرتادون المدرسة الرسمية.
  • وأخيراً تعليق عملية إعداد المعلّمين منذ العام 2001 في دور المعلّمين والمعلّمات وفي الجامعة اللبنانية – كلية التربية، والتعاقد مع معلّمين لم يتلقوا إعدادًا تربويًا ومهنيًا رغم حصولهم على إجازات تعليمية.

إلا أن كل ذلك لم يمنع وزارة التربية والتعليم العالي لاسيما المركز التربوي للبحوث والإنماء من بذل الجهود لإطلاق الحوار حول موضوع الدمج.

إطلاق الحوار والنقاش حول الدمج من قبل المركز التربوي.

منذ مطلع العام 199٣ ، قام المركز التربوي للبحوث والإنماء بتنظيم مؤتمرات عديدة بالتعاون مع المنظمة العالمية للتربية (اليونسكو)  حيث أُطلِق الحوار حول مفاهيم حقوق الإنسان وحول كيفية ترجمة هذه الحقوق في مناهج تعليمية تؤمن "التعليم للجميع Education pour tous: EPT"

  • إن النقاش الجَماعي الذي أُطلِق خلال هذه المؤتمرات من قبل المؤسسات التربوية المشاركة، عزّز عملية نشرفكرة الدمج وحماية الأطفال المهمّشَين.
  • حُدّدت في خلال هذه المؤتمرات آليات تعاون بين مجموعات وجمعيات من المجتمع الأهلي والمدارس لتحديد هوية الأولاد غير الملتحقين بالمدارس ووضع آليات وخطط خاصة لتأمين تسجيلهم وإلحاقهم بالمؤسسات التعليمية.

* الإشكالية الوطنيّة.

عند مناقشة الموضوع على المستوى الوطني واجه المسؤولون المعنيون صعوبات على صعيد السياسة التربوية التي يجب اتباعها وطُرحت أسئلة عديدة حول المواضيع الآتية:

  • أيّ نوعٍ من الإعاقات يمكن دمج أصحابها في النظام التربوي الرسمي العام؟ وما هي المشاكل التي يمكن أن تقف عائقاً دون ذلك؟
  • من يقّرَر ؟ ماذا نقّرَر؟ “تعليم للجميع؟” أم ماذا؟ نعم ولكن أين؟ أفي مؤسسات التعليم النظامي أم لا؟
  • هل يجب إنشاء مؤسسات تعليمية مختصة على غرار ما فعله التعليم الخاص؟ أو هل يجب إيجاد صفوف في المدرسة تسمّىَ "الصفوف الموازية" أو "غرف الموارد" حيث يُفصَل إليها التلميذ جزئياً ويلقى الاهتمام اللازم والعلاج لبعض الوقت بحسب صعوباته التعلّمية؟.
  • من يعلّم هؤلاء التلامذة؟ أي معلّمِ وأي إعداد لهذا المعلّمِ؟ وهل المعلّمِ الموجود في المدرسة الرسمية مؤهّل لتعليم التلامذة الذين يعانون إما من صعوبات تعلّمية وإما من إعاقات عقلية أو جسدية وإما من اضطرابات سلوكية وعقلية ونفسية تتطلب خبرات متخصّصة وبنًى ووسائل تعجز المدرسة الرسمية بواقعها الحالي عن تأمينها؟

* خطة النهوض التربوي.

في العام 1994، قام المركز التربوي للبحوث والإنماء بوضع خطة شاملة لإصلاح وإعادة بناء النظام التعليمي في لبنان.ارتكزت هذه الخطة على الحقوق الآتية:

  • تأمين تعليم إلزامي ومجاني للجميع لاسيما في مرحلة التعليم الأساسي (مشروع قانون بإلزامية التعليم حتى عمر 15 سنة).

تكافؤ الفرص للجميع، دمج وعدم تمييز.

  • تعليم جيّدِ للجميع، مضامين ذات جودة عالية ومسارات تعليمية منفتحة.

هذه الحقوق ترجمت إلى مناهج مطواعة وذات مقاربات سهلة توفر إمكانية تكييفها بحسب الحاجات الخاصة، وتسمح للمعلّمين بالتفتيش عن الحلول المناسبة لقدرات جميع التلامذة بمن فيهم التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة.

لكن عملية تطبيق المناهج لم تعطِ المعلّمين والمعلّمات إمكانية دعم خاص لمعالجة المشاكل الواقعية، ولم تؤمن الوقت الكافي لدعم إضافي لعمل الصف. إلا أن ذلك لم يحل دون اتخاذ بعض الإجراءات العملية لكي تضفي على هذه المناهج الطابع الدمجي اللازم.

في هذه الورشة الوطنية كان من المهم، أن يستدرك المسؤولون وأصحاب القرار التربوي معالجة نقاط الضعف التي رافقت تطبيق المناهج، والتي هي جدّ طبيعية، من طريق تدريب وإعادة تأهيل المعلّمين والمعلّمات.

* مشروع التدريب المستمر.

هو أحد المكوّنِات الداعمة لمشروع المناهج الجديدة وتقضي أهدافه بالآتي:

  • تعزيز أداء المعلّمين والمعلّمات في القطاع الرسمي وتطويره.
  • رفع مستوى تحصيل جميع التلامذة من طريق توفير تعليم ذي جودة عالية.

وتحقيقاً لتأمين "التعليم للجميع" قرر المركز التربوي للبحوث والإنماء تعزيز جهاز التدريب المستمر بعدد من المدرّبين في: العلاج النفسي التربوي وفي العلاج الانشغالي وعلاج النطق والتربية المختصة وقد توزعوا العمل في مراكز الموارد الستة داعمين لزملائهم من المدربين الآخرين. وقد قام الخبراء الفرنسيون من كبار أساتذة الجامعات الفرنسية بتدريب مدرّبي الصعوبات التعلّمية لكي يصبح بإمكانهم تأمين المهام المبينة أدناه في مراكز الموارد الستة:

  • وضع وقيادة أعمال تدريبية تسمح للمعلّمين والمعلّمات باعتماد مواقف واستراتيجيات بنائية للتلامذة من ذوي الصعوبات التعلّمية.
  • تطوير أدوات أولية بسيطة في التشخيص تسمح للمعلّمين والمعلّمات تحديد الحالات التي تستوجب تدخل الاختصاصيين وإحالتها عليهم، وفي الحالات الأخرى تدريب المعلّمين على طرائق علاجية بسيطة يمكن تحقيقها في الصف .
  •  مواكبة المعلّمين والمعلّمات الذين يعانون من صعوبات في تعليم التلامذة من ذوي الصعوبات التعلّمية بشكل إفرادي لوضع خطة تعلّمية إفرادية وفقاً لحاجة أو صعوبة التلميذ صاحب الحالة.
  • القيام بأعمال تدريبية لمساعدة الأهالي على الاكتشاف المبكّر لصعوبات أولادهم وتوجيههم إلى الاختصاصيين للتفتيش عن العلاجات الممكنة.

وبعد خمس سنوات من التجربة يمكن التأكيد على أن الدورات التدريبية الخاصة بالصعوبات التعلّمية التي كانت في سنواتها الثلاث الأولى إلزامية، نجحت في تحسيس المعلّمين بمفهوم الصعوبات وتأثيره على تحصيل التلامذة وحتى على تسرُّبهم أو رسوبهم. وبهذا يكون مكتب الإعداد والتدريب في المركز التربوي للبحوث والإنماء قد خلق ثقافة جديدة معزِّزًا الحقوق والقيم التي بدورها تهيئ البيئة الدامجة.

وهذه الخطوة التي حقّقها المركز التربوي وبالرغم من أهميّتها فهي لا تكفي، لأننا نطمح إلى توسيع عمل الاختصاصيين ليطول الكشف المبكر للصعوبات لدى التلامذة في صفوفهم والقيام بتأمين المعالجة بالتنسيق مع المعلّمين.

ولمواكبة عملية التدريب هذه، نحن اليوم بصدد إنهاء العمل على دليل تربوي للصعوبات التعلّمية سوف يكون مصدرًا ومرجعًا للهيئة التعليمية، موّجهًا وداعمًا لها للتعرّف إلى الصعوبات وكيفية مقاربتها تعليميّاً، وذلك بعد تدريب “معلّم مرجعي” في كل مدرسة على كيفية الإفادة من هذا الدليل وتحضيره لمساعدة زملائه على طريقة استخدامه.

هذا فضلاً عن المشاريع التي نعمل عليها للمساعدة على تهيئة بيئة مدرسية دامجة، وفقًا لاستراتيجية مدروسة وذات أكلاف معقولة تنطلق من المعطيات المتوافرة لتطوير واقع المدرسة الرسمية وتعزيز نتائجها.

* دور وزارة الشؤون الاجتماعية المجلس الأعلى للطفولة.

تقوم المراكز الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية حاليّا وبالتعاون مع المدرسة ولجان الأهل بتلبية العشرات من الطلبات سنويّاً للكشف على حالة الصعوبات من طريق اختبارات يجريها الاختصاصيون محدّدين طبيعة الصعوبة لدى كل تلميذ كما يخضعونه لعدد من الجلسات العلاجية، تتولى وزارة الشؤون الاجتماعية تغطية تكاليفها. كما يقوم المجلس الأعلى للطفولة بتشكيل لجان منها "لجنة تلامذة ذوي الاحتياجات الخاصة" التي تضم عناصر واختصاصيين من الهيئات والجمعيات إلى جانب الوزارات والمؤسسات الرسمية والخاصة المعنيّة حيث يتم حاليّاً وضع استراتيجية تربوية وطنية لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدرسة الرسمية بعد توقف العمل في المشروع الوطني للدمج.

* المشروع الوطني للدمج.

في هذا الإطار وُقّعِ بروتوكول تفاهم بين حكومة الدولة الإيطالية والحكومة اللبنانية من خلال وزارتَي التربية والتعليم العالي  والشؤون الاجتماعية. وذلك في 19/11/2007. وقد كلفت الجامعة اليسوعية المادة 3 - 1 بإدارة هذا المشروع الذي يهدف إلى:

  •  تعميم سياسة تربوية وطنية دامجة مبنية على الشرعات الإنسانية العالمية المتعلقة بالحقوق.
  • تعزيز احترام الاختلافات بين الناس.
  • تأمين حق التعلّم للجميع.

وحدّدت الفئة المستهدفة من هذا المشروع بجميع التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة بين 4 و 14 سنة المتمدرسين منهم أو الذين يجب إلحاقهم في المدرسة في إطار التعليم النظامي. وبعد العمل في إطار هذا المشروع لفترة عام جرى تقييمه ثمّ تمّ توقيفه لأسباب ما زلنا نجهلها. وأنيط العمل من جديد بوزارة الشؤون الاجتماعية- المجلس الأعلى للطفولة كما ذكر سابقًا لوضع الإستراتيجية الوطنية للدمج.

* القانون 220/2000

أبصر القانون  220/2000 النور بفضل العمل الذي بدأه المركزالتربوي للبحوث والإنماء في مطلع التسعينّيات بالتعاون مع منظمة اليونسكو إلى جانب المنظمات العالمية الأخرى، بالإضافة إلى الجهود التي بذلتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية والخاصة التي شكلت ضغطًا باتجاه الفعاليات السياسية لاسيما لجنة الإدارة والعدل النيابية.

يشكل هذا القانون تغيّرًا نوعيّاً في مقاربة الدولة لموضوع الإعاقة، إذ إنه يشمل مختلف جوانب حياة المعوّقين على المستوى الاجتماعي والتربوي والصحي وقد منحهم الحقوق والواجبات نفسها كما لسائر المواطنين. ومما لا شك فيه أن هذا التغيير كان إيجابيًا ورغم هذه الايجابية بات من الضروري إعادة النظر في هذا القانون لأسباب ثلاثة:

  1. أنه لم يترجم إلى قرارات تنفيذية، بل بقي تنفيذ مضامينه اختياريّاً غير ملزم ما يجعل المدارس والمسؤولين وسائر المعنيين غير مهتمين بتطبيقه ولا يعنيهم احترام الحقوق المعطاة بموجبه.
  2. إن تشكيل اللجنة الوطنيّة، بموجب القرار رقم 11853، لتنفيذ مفاعيل هذا القانون. إلا أن العديد من الجمعيات التي تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة (لاسيما المكفوفين والحركيّين) ما زالت تعقد المؤتمرات والمطالبة بوضع استراتيجية وطنية لتعديل هذا القانون وتوسيع مضامينه لتشمل آليات ومضامين أكثر شمولية.
  3. كون القانون لا يزال يفتقر إلى رؤية بعيدة، موضوعية ومتماسكة، وكونه لا يتبنى استراتجيات على مستوى المحتوى والآليات الخاصة بكل أنواع الإعاقة وميادينها. وهو بالتالي لا يحدّد احتياجات مختلف الأولاد حتى أن بعضها غير مذكور في الأساس (المتفوقون، المتسربون والمهمشون، أطفال الشوارع، المعوّقون عقلّيًا وغيرهم ) باعتبار أن المعوقين الحركيين هم المعنيّون به فقط.

* المرسومان: 16417 /2004 و 16614 /2006

1- يحدد المرسوم رقم 16417 /2004 (الصادر في 24/شباط) الحالات التي يعفى فيها التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة من تقديم الامتحانات الرسمية، وبالأخص أولئك الذين يعانون من اضطرابات النقص في الانتباه والتركيز، Attention and deficit disorder - ADD من اضطرابات النقص والتركيز مع حركة زائدة  Attention deficit and hyperactivity disorder - ADHD   والذين يعانون من الديسلكسيا (اضطرابات في الكتابة والقراءة...) والتلامذة الذين يعانون من اضطرابات نفسية متوسطة وقوية ومن التوحّد وذلك بعد أن يخضع هؤلاء إلى اختبار ذكاء Intelligence quotient - IQ من قبل الاختصاصيين، وبعد خضوعهم إلى اختبارات التحصيل التعلّمي لتحديد مستوياتهم التعلّمية والنفسية. فيحصلون بعدها على إفادة مدرسية في نهاية المرحلة التكميلية أو البكالوريا. وهم بالتالي لا يستطيعون الوصول إلى الجامعة لأنهم لا يملكون شهادة البكالوريا الرسمية.

2- يُعفي المرسوم رقم 16614 /2006 (الصادر في 18/آذار) التلامذة المتفوقين من صف على الأكثر في الحلقتين الثانية والثالثة من التعليم الأساسي وفي مرحلة التعليم الثانوي. وقد شكّلت بناء على هذا المرسوم لجنة بموجب القرار رقم 1267 /م/ 2006 لتحديد المعايير الواجب اعتمادها لوضع المرسوم المذكور موضع التنفيذ. كما نصّ القرارعلى تشكيل لجنة لإجراء الامتحانات في الحلقات المذكورة أعلاه، وذلك في المواد الآتية: اللغة العربية – (اللغة الفرنسية – الرياضيات- العلوم الاجتماعية - العلوم والفلسفة) للتلامذة الذين يرفع مدير المدرسة أسماءهم على أنهم نالوا معدّل (18/20)   خلال عامين متتاليين على أن ترفع النتيجة إلى وزير التربية والتعليم العالي الذي يحق له اتخاذ القرار المناسب وتسمية التلامذة المتفوقين الذين يحق لهم تجاوز صفّ واحد.

لذلك يجب إعادة النظر بهذه التدابير المجحفة بحق المعفيين من الامتحانات الرسمية أولاً لأنها تحرمهم من الحق في متابعة التحصيل الجامعي. والأمر الأخطر في هذا الموضوع هو تجاوز المتعلّم لصف واحد، ما يحرمه من اكتساب بعض الكفايات وهذا ما قد يعرّضه للتراجع في تحصيله لاحقًا.

بعض الاقتراحات للمستقبل

1-  على مستوى دراسة الواقع.

  • إعداد أبحاث ودراسات لتحديد احتياجات ومشاكل الأولاد المهمّشين الذين هم داخل النظام التربوي والأولاد الذين تعرّضوا للتسرّب وأصبحوا خارج النظام.
  • اتخاذ التدابير اللازمة لجمع المعلومات ووضع المؤشرات والإحصائيات بهدف تحديد عدد الأولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة المهددين بالإبعاد والتهميش.
  • إيجاد تدابير في إطار التعليم النظامي لتأمين إعادة تمدرس الأقلية المهمّشة من الأولاد.
  • التفتيش عن موارد لتأمين مشاركة هيئات المجتمع المدني ودعم دورهم في المدرسة وفي المؤسسات المختصة.

2- على مستوى السياسات التربوية التي يجب إتباعها:

  • تحديد سياسة تربوية واستراتيجيات وبرامج لتنفيذ تدابير خاصة تعزز التربية الدامجة.
  • إيجاد دوائر ووحدات في وزارة التربية والتعليم العالي من جهة والمركز التربوي للبحوث والإنماء من جهة أخرى، تُعنى بشؤون مختلف فئات ذوي الاحتياجات الخاصة (مناهج- توفير الموارد- تهيئة البيئة- تنظيم الامتحانات – تأمين الخدمات التربوية ...).
  • إعادة النظر في بنية النظام التعليمي وتفريعه إلى تعليم نظامي، وتعليم غير نظامي، وإيجاد مسارات تسهل الإدماج في داخل المدرسة وتساعد أيضًا على الانتقال من مسار إلى آخر بمرونة.
  • وضع إستراتيجية وطنية دامجة تكون مرجعيتها شرعات الأمم المتحدة كإعلان سلامنكا، ومنتدى داكار وشرعة حقوق الإنسان وغيرها...
  • السعي لتحقيق أهداف "التربية للجميع" (EPT) والأهداف التي رُسمت للألفية الثالثة.

٣-  على مستوى التنفيذ.

تقاسم مسؤولية "التعليم للجميع" (EPT) مع سائر الوزارات المعنية.

تخصيص ميزانيات إضافية لتغطية أكلاف تعليم الأولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة.

جعل المناهج أكثر طواعية بما يسمح بتكييفها لتلائم مختلف أنواع الإعاقات.

تكييف نظام التقويم وإعادة النظر في القانون 220 /2000 وسائر المراسيم والقرارات التنفيذية الناتجة منه.

 

4- على مستوى دعم الشركاء المعنيين وتعزيز قدراتهم.

  • وضع آليات تسمح بإشراك الأهل وهيئات المجتمع المحلي.
  •  إيجاد استراتجيات للتواصل والتعبئة الاجتماعية التي تسمح بتعزيز ثقافة الدمج لدى الرأي العام.
  • تحديد الحاجات إلى التجهيزات والوسائل والأدوات التي تساعد المعلّمين على العمل مع جميع التلامذة.
  • إدخال عناصر متخصصة وذات كفاءات عالية إلى المدرسة الرسمية تسمح لكل تلميذ مهما كان أو من أين أتى أن يحصل على تعليم ذي جودة عالية.

 

آلية الدمج المدرسي دَور المركز التربوي للبحوث والإنماء وسائر الجهات المعنية

مرتا تابت رئيسة وحدة البرمجة والتخطيط المركز التربوي للبحوث والإنماءآلية الدمج المدرسي

دَور المركز التربوي للبحوث والإنماء وسائر الجهات المعنية

 

"إن أطفال العالم وجميع مراهقيه هم الذين لهم الحق في التعلّم، وليست أنظمتنا التربوية هي التي بحاجة إلى نوع معين من الأطفال. إن النظام التعليمي في بلد ما هو الذي يجب ملاءمته مع احتياجات جميع الأطفال وليس العكس".

"على التربية أن تسمح للأطفال بتحقيق كامل استعداداتهم للتعلّم أي كامل قدراتهم المعرفية  والعاطفية والإبداعية".

                                                                    السيد لندفيست (مقرر الأمم المتحدو : 1994)

* إشكالية الدمج في لبنان.

هل لدى لبنان، الموقّع على جميع الاتفاقيات الدولية التي تعترف “بحق التعليم لجميع الأولاد والمراهقين، سياسة خاصة لتعزيز الدمج؟ ما هي، على مستوى السياسة التربوية، وعلى مستوى العوائق التي تحدّ من تطبيق الدمج وكيف نواجهها؟ هل لُحِظت، في استراتيجيات وخطط الإصلاح، آلية للدمج؟

إن اعتماد مبدأ التربية الدامجة ليس مسألة هامشية، فهو يقضي بالبحث عن كيفية تحويل الأنظمة التربوية وجميع الأطر التعليمية لمواءمتها مع تنوع المتعلّمين، مع العلم بأن الدمج تحديدًا هو مسار يأخذ بالاعتبار حاجات جميع المتعلّمين من طريق الإشراك المتنامي في التعلّم لجميع المجموعات الثقافية، وتقضي أهدافه بالآتي:

  • تقليص الإبعاد عن المدرسة والتسرّب والرسوب المدرسِيّيَن.
  • تلبية الاحتياجات التعلّمية، ليس في التعليم النظامي فقط وإنما أيضًا في التعليم غير النظامي في إشارة إلى تنّوع الأولاد الذين يتركون المدرسة أو أولئك الذين لم يُلحقوا بها أبداً (أطفال الشوارع- الأطفال العاملون والمهمّشون).

ويفترض هذا المسار إذًا:

  • إجراء تعديلات وتكييفات على مستوى المناهج التعليمية والمقاربات التربوية لعملية التعليم/التعلّم  إلى جانب التغييرات المطلوبة في المؤسسات التعليمية وفي بناها التحتية وأدوار مواردها البشرية وتنوع اختصاصاتهم بما يمكٍّنهم من تقديم “تعلّم جيد للجميع” لا سيما لأولئك الأكثر تهميشًا.

ما هي الصعوبات التي يتعرض لها أي مشروع دمج ؟

يمكن اختصار هذه الصعوبات بالآتي:

  • ضعف بنية المؤسسة التعليمية ودورها وتنظيمها بشكل لا يراعي متطلّبات الدمج.
  • تأخير في عملية تطبيق المناهج بشكل يتلاءم مع مستلزمات الدمج.
  • نقص في التجهيزات اللوجستية والترتيبات في البيئة المدرسية التي تسهّل وصول المعوّقين لاسيما الحركيّين منهم .Handicapés moteurs
  • نقص في الموارد البشرية المؤهلة وذات الكفاءة المهنية وخصوصًا في ظل غياب البيئة أو الموارد الخاصة لمساعدة المعلّمين في مهمتهم الصعبة لاسيما غير المهيئين منهم مهنيًا للتعاطي مع فئة المتعلّمين الذين يرتادون المدرسة الرسمية.
  • وأخيراً تعليق عملية إعداد المعلّمين منذ العام 2001 في دور المعلّمين والمعلّمات وفي الجامعة اللبنانية – كلية التربية، والتعاقد مع معلّمين لم يتلقوا إعدادًا تربويًا ومهنيًا رغم حصولهم على إجازات تعليمية.

إلا أن كل ذلك لم يمنع وزارة التربية والتعليم العالي لاسيما المركز التربوي للبحوث والإنماء من بذل الجهود لإطلاق الحوار حول موضوع الدمج.

إطلاق الحوار والنقاش حول الدمج من قبل المركز التربوي.

منذ مطلع العام 199٣ ، قام المركز التربوي للبحوث والإنماء بتنظيم مؤتمرات عديدة بالتعاون مع المنظمة العالمية للتربية (اليونسكو)  حيث أُطلِق الحوار حول مفاهيم حقوق الإنسان وحول كيفية ترجمة هذه الحقوق في مناهج تعليمية تؤمن "التعليم للجميع Education pour tous: EPT"

  • إن النقاش الجَماعي الذي أُطلِق خلال هذه المؤتمرات من قبل المؤسسات التربوية المشاركة، عزّز عملية نشرفكرة الدمج وحماية الأطفال المهمّشَين.
  • حُدّدت في خلال هذه المؤتمرات آليات تعاون بين مجموعات وجمعيات من المجتمع الأهلي والمدارس لتحديد هوية الأولاد غير الملتحقين بالمدارس ووضع آليات وخطط خاصة لتأمين تسجيلهم وإلحاقهم بالمؤسسات التعليمية.

* الإشكالية الوطنيّة.

عند مناقشة الموضوع على المستوى الوطني واجه المسؤولون المعنيون صعوبات على صعيد السياسة التربوية التي يجب اتباعها وطُرحت أسئلة عديدة حول المواضيع الآتية:

  • أيّ نوعٍ من الإعاقات يمكن دمج أصحابها في النظام التربوي الرسمي العام؟ وما هي المشاكل التي يمكن أن تقف عائقاً دون ذلك؟
  • من يقّرَر ؟ ماذا نقّرَر؟ “تعليم للجميع؟” أم ماذا؟ نعم ولكن أين؟ أفي مؤسسات التعليم النظامي أم لا؟
  • هل يجب إنشاء مؤسسات تعليمية مختصة على غرار ما فعله التعليم الخاص؟ أو هل يجب إيجاد صفوف في المدرسة تسمّىَ "الصفوف الموازية" أو "غرف الموارد" حيث يُفصَل إليها التلميذ جزئياً ويلقى الاهتمام اللازم والعلاج لبعض الوقت بحسب صعوباته التعلّمية؟.
  • من يعلّم هؤلاء التلامذة؟ أي معلّمِ وأي إعداد لهذا المعلّمِ؟ وهل المعلّمِ الموجود في المدرسة الرسمية مؤهّل لتعليم التلامذة الذين يعانون إما من صعوبات تعلّمية وإما من إعاقات عقلية أو جسدية وإما من اضطرابات سلوكية وعقلية ونفسية تتطلب خبرات متخصّصة وبنًى ووسائل تعجز المدرسة الرسمية بواقعها الحالي عن تأمينها؟

* خطة النهوض التربوي.

في العام 1994، قام المركز التربوي للبحوث والإنماء بوضع خطة شاملة لإصلاح وإعادة بناء النظام التعليمي في لبنان.ارتكزت هذه الخطة على الحقوق الآتية:

  • تأمين تعليم إلزامي ومجاني للجميع لاسيما في مرحلة التعليم الأساسي (مشروع قانون بإلزامية التعليم حتى عمر 15 سنة).

تكافؤ الفرص للجميع، دمج وعدم تمييز.

  • تعليم جيّدِ للجميع، مضامين ذات جودة عالية ومسارات تعليمية منفتحة.

هذه الحقوق ترجمت إلى مناهج مطواعة وذات مقاربات سهلة توفر إمكانية تكييفها بحسب الحاجات الخاصة، وتسمح للمعلّمين بالتفتيش عن الحلول المناسبة لقدرات جميع التلامذة بمن فيهم التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة.

لكن عملية تطبيق المناهج لم تعطِ المعلّمين والمعلّمات إمكانية دعم خاص لمعالجة المشاكل الواقعية، ولم تؤمن الوقت الكافي لدعم إضافي لعمل الصف. إلا أن ذلك لم يحل دون اتخاذ بعض الإجراءات العملية لكي تضفي على هذه المناهج الطابع الدمجي اللازم.

في هذه الورشة الوطنية كان من المهم، أن يستدرك المسؤولون وأصحاب القرار التربوي معالجة نقاط الضعف التي رافقت تطبيق المناهج، والتي هي جدّ طبيعية، من طريق تدريب وإعادة تأهيل المعلّمين والمعلّمات.

* مشروع التدريب المستمر.

هو أحد المكوّنِات الداعمة لمشروع المناهج الجديدة وتقضي أهدافه بالآتي:

  • تعزيز أداء المعلّمين والمعلّمات في القطاع الرسمي وتطويره.
  • رفع مستوى تحصيل جميع التلامذة من طريق توفير تعليم ذي جودة عالية.

وتحقيقاً لتأمين "التعليم للجميع" قرر المركز التربوي للبحوث والإنماء تعزيز جهاز التدريب المستمر بعدد من المدرّبين في: العلاج النفسي التربوي وفي العلاج الانشغالي وعلاج النطق والتربية المختصة وقد توزعوا العمل في مراكز الموارد الستة داعمين لزملائهم من المدربين الآخرين. وقد قام الخبراء الفرنسيون من كبار أساتذة الجامعات الفرنسية بتدريب مدرّبي الصعوبات التعلّمية لكي يصبح بإمكانهم تأمين المهام المبينة أدناه في مراكز الموارد الستة:

  • وضع وقيادة أعمال تدريبية تسمح للمعلّمين والمعلّمات باعتماد مواقف واستراتيجيات بنائية للتلامذة من ذوي الصعوبات التعلّمية.
  • تطوير أدوات أولية بسيطة في التشخيص تسمح للمعلّمين والمعلّمات تحديد الحالات التي تستوجب تدخل الاختصاصيين وإحالتها عليهم، وفي الحالات الأخرى تدريب المعلّمين على طرائق علاجية بسيطة يمكن تحقيقها في الصف .
  •  مواكبة المعلّمين والمعلّمات الذين يعانون من صعوبات في تعليم التلامذة من ذوي الصعوبات التعلّمية بشكل إفرادي لوضع خطة تعلّمية إفرادية وفقاً لحاجة أو صعوبة التلميذ صاحب الحالة.
  • القيام بأعمال تدريبية لمساعدة الأهالي على الاكتشاف المبكّر لصعوبات أولادهم وتوجيههم إلى الاختصاصيين للتفتيش عن العلاجات الممكنة.

وبعد خمس سنوات من التجربة يمكن التأكيد على أن الدورات التدريبية الخاصة بالصعوبات التعلّمية التي كانت في سنواتها الثلاث الأولى إلزامية، نجحت في تحسيس المعلّمين بمفهوم الصعوبات وتأثيره على تحصيل التلامذة وحتى على تسرُّبهم أو رسوبهم. وبهذا يكون مكتب الإعداد والتدريب في المركز التربوي للبحوث والإنماء قد خلق ثقافة جديدة معزِّزًا الحقوق والقيم التي بدورها تهيئ البيئة الدامجة.

وهذه الخطوة التي حقّقها المركز التربوي وبالرغم من أهميّتها فهي لا تكفي، لأننا نطمح إلى توسيع عمل الاختصاصيين ليطول الكشف المبكر للصعوبات لدى التلامذة في صفوفهم والقيام بتأمين المعالجة بالتنسيق مع المعلّمين.

ولمواكبة عملية التدريب هذه، نحن اليوم بصدد إنهاء العمل على دليل تربوي للصعوبات التعلّمية سوف يكون مصدرًا ومرجعًا للهيئة التعليمية، موّجهًا وداعمًا لها للتعرّف إلى الصعوبات وكيفية مقاربتها تعليميّاً، وذلك بعد تدريب “معلّم مرجعي” في كل مدرسة على كيفية الإفادة من هذا الدليل وتحضيره لمساعدة زملائه على طريقة استخدامه.

هذا فضلاً عن المشاريع التي نعمل عليها للمساعدة على تهيئة بيئة مدرسية دامجة، وفقًا لاستراتيجية مدروسة وذات أكلاف معقولة تنطلق من المعطيات المتوافرة لتطوير واقع المدرسة الرسمية وتعزيز نتائجها.

* دور وزارة الشؤون الاجتماعية المجلس الأعلى للطفولة.

تقوم المراكز الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية حاليّا وبالتعاون مع المدرسة ولجان الأهل بتلبية العشرات من الطلبات سنويّاً للكشف على حالة الصعوبات من طريق اختبارات يجريها الاختصاصيون محدّدين طبيعة الصعوبة لدى كل تلميذ كما يخضعونه لعدد من الجلسات العلاجية، تتولى وزارة الشؤون الاجتماعية تغطية تكاليفها. كما يقوم المجلس الأعلى للطفولة بتشكيل لجان منها "لجنة تلامذة ذوي الاحتياجات الخاصة" التي تضم عناصر واختصاصيين من الهيئات والجمعيات إلى جانب الوزارات والمؤسسات الرسمية والخاصة المعنيّة حيث يتم حاليّاً وضع استراتيجية تربوية وطنية لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدرسة الرسمية بعد توقف العمل في المشروع الوطني للدمج.

* المشروع الوطني للدمج.

في هذا الإطار وُقّعِ بروتوكول تفاهم بين حكومة الدولة الإيطالية والحكومة اللبنانية من خلال وزارتَي التربية والتعليم العالي  والشؤون الاجتماعية. وذلك في 19/11/2007. وقد كلفت الجامعة اليسوعية المادة 3 - 1 بإدارة هذا المشروع الذي يهدف إلى:

  •  تعميم سياسة تربوية وطنية دامجة مبنية على الشرعات الإنسانية العالمية المتعلقة بالحقوق.
  • تعزيز احترام الاختلافات بين الناس.
  • تأمين حق التعلّم للجميع.

وحدّدت الفئة المستهدفة من هذا المشروع بجميع التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة بين 4 و 14 سنة المتمدرسين منهم أو الذين يجب إلحاقهم في المدرسة في إطار التعليم النظامي. وبعد العمل في إطار هذا المشروع لفترة عام جرى تقييمه ثمّ تمّ توقيفه لأسباب ما زلنا نجهلها. وأنيط العمل من جديد بوزارة الشؤون الاجتماعية- المجلس الأعلى للطفولة كما ذكر سابقًا لوضع الإستراتيجية الوطنية للدمج.

* القانون 220/2000

أبصر القانون  220/2000 النور بفضل العمل الذي بدأه المركزالتربوي للبحوث والإنماء في مطلع التسعينّيات بالتعاون مع منظمة اليونسكو إلى جانب المنظمات العالمية الأخرى، بالإضافة إلى الجهود التي بذلتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية والخاصة التي شكلت ضغطًا باتجاه الفعاليات السياسية لاسيما لجنة الإدارة والعدل النيابية.

يشكل هذا القانون تغيّرًا نوعيّاً في مقاربة الدولة لموضوع الإعاقة، إذ إنه يشمل مختلف جوانب حياة المعوّقين على المستوى الاجتماعي والتربوي والصحي وقد منحهم الحقوق والواجبات نفسها كما لسائر المواطنين. ومما لا شك فيه أن هذا التغيير كان إيجابيًا ورغم هذه الايجابية بات من الضروري إعادة النظر في هذا القانون لأسباب ثلاثة:

  1. أنه لم يترجم إلى قرارات تنفيذية، بل بقي تنفيذ مضامينه اختياريّاً غير ملزم ما يجعل المدارس والمسؤولين وسائر المعنيين غير مهتمين بتطبيقه ولا يعنيهم احترام الحقوق المعطاة بموجبه.
  2. إن تشكيل اللجنة الوطنيّة، بموجب القرار رقم 11853، لتنفيذ مفاعيل هذا القانون. إلا أن العديد من الجمعيات التي تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة (لاسيما المكفوفين والحركيّين) ما زالت تعقد المؤتمرات والمطالبة بوضع استراتيجية وطنية لتعديل هذا القانون وتوسيع مضامينه لتشمل آليات ومضامين أكثر شمولية.
  3. كون القانون لا يزال يفتقر إلى رؤية بعيدة، موضوعية ومتماسكة، وكونه لا يتبنى استراتجيات على مستوى المحتوى والآليات الخاصة بكل أنواع الإعاقة وميادينها. وهو بالتالي لا يحدّد احتياجات مختلف الأولاد حتى أن بعضها غير مذكور في الأساس (المتفوقون، المتسربون والمهمشون، أطفال الشوارع، المعوّقون عقلّيًا وغيرهم ) باعتبار أن المعوقين الحركيين هم المعنيّون به فقط.

* المرسومان: 16417 /2004 و 16614 /2006

1- يحدد المرسوم رقم 16417 /2004 (الصادر في 24/شباط) الحالات التي يعفى فيها التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة من تقديم الامتحانات الرسمية، وبالأخص أولئك الذين يعانون من اضطرابات النقص في الانتباه والتركيز، Attention and deficit disorder - ADD من اضطرابات النقص والتركيز مع حركة زائدة  Attention deficit and hyperactivity disorder - ADHD   والذين يعانون من الديسلكسيا (اضطرابات في الكتابة والقراءة...) والتلامذة الذين يعانون من اضطرابات نفسية متوسطة وقوية ومن التوحّد وذلك بعد أن يخضع هؤلاء إلى اختبار ذكاء Intelligence quotient - IQ من قبل الاختصاصيين، وبعد خضوعهم إلى اختبارات التحصيل التعلّمي لتحديد مستوياتهم التعلّمية والنفسية. فيحصلون بعدها على إفادة مدرسية في نهاية المرحلة التكميلية أو البكالوريا. وهم بالتالي لا يستطيعون الوصول إلى الجامعة لأنهم لا يملكون شهادة البكالوريا الرسمية.

2- يُعفي المرسوم رقم 16614 /2006 (الصادر في 18/آذار) التلامذة المتفوقين من صف على الأكثر في الحلقتين الثانية والثالثة من التعليم الأساسي وفي مرحلة التعليم الثانوي. وقد شكّلت بناء على هذا المرسوم لجنة بموجب القرار رقم 1267 /م/ 2006 لتحديد المعايير الواجب اعتمادها لوضع المرسوم المذكور موضع التنفيذ. كما نصّ القرارعلى تشكيل لجنة لإجراء الامتحانات في الحلقات المذكورة أعلاه، وذلك في المواد الآتية: اللغة العربية – (اللغة الفرنسية – الرياضيات- العلوم الاجتماعية - العلوم والفلسفة) للتلامذة الذين يرفع مدير المدرسة أسماءهم على أنهم نالوا معدّل (18/20)   خلال عامين متتاليين على أن ترفع النتيجة إلى وزير التربية والتعليم العالي الذي يحق له اتخاذ القرار المناسب وتسمية التلامذة المتفوقين الذين يحق لهم تجاوز صفّ واحد.

لذلك يجب إعادة النظر بهذه التدابير المجحفة بحق المعفيين من الامتحانات الرسمية أولاً لأنها تحرمهم من الحق في متابعة التحصيل الجامعي. والأمر الأخطر في هذا الموضوع هو تجاوز المتعلّم لصف واحد، ما يحرمه من اكتساب بعض الكفايات وهذا ما قد يعرّضه للتراجع في تحصيله لاحقًا.

بعض الاقتراحات للمستقبل

1-  على مستوى دراسة الواقع.

  • إعداد أبحاث ودراسات لتحديد احتياجات ومشاكل الأولاد المهمّشين الذين هم داخل النظام التربوي والأولاد الذين تعرّضوا للتسرّب وأصبحوا خارج النظام.
  • اتخاذ التدابير اللازمة لجمع المعلومات ووضع المؤشرات والإحصائيات بهدف تحديد عدد الأولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة المهددين بالإبعاد والتهميش.
  • إيجاد تدابير في إطار التعليم النظامي لتأمين إعادة تمدرس الأقلية المهمّشة من الأولاد.
  • التفتيش عن موارد لتأمين مشاركة هيئات المجتمع المدني ودعم دورهم في المدرسة وفي المؤسسات المختصة.

2- على مستوى السياسات التربوية التي يجب إتباعها:

  • تحديد سياسة تربوية واستراتيجيات وبرامج لتنفيذ تدابير خاصة تعزز التربية الدامجة.
  • إيجاد دوائر ووحدات في وزارة التربية والتعليم العالي من جهة والمركز التربوي للبحوث والإنماء من جهة أخرى، تُعنى بشؤون مختلف فئات ذوي الاحتياجات الخاصة (مناهج- توفير الموارد- تهيئة البيئة- تنظيم الامتحانات – تأمين الخدمات التربوية ...).
  • إعادة النظر في بنية النظام التعليمي وتفريعه إلى تعليم نظامي، وتعليم غير نظامي، وإيجاد مسارات تسهل الإدماج في داخل المدرسة وتساعد أيضًا على الانتقال من مسار إلى آخر بمرونة.
  • وضع إستراتيجية وطنية دامجة تكون مرجعيتها شرعات الأمم المتحدة كإعلان سلامنكا، ومنتدى داكار وشرعة حقوق الإنسان وغيرها...
  • السعي لتحقيق أهداف "التربية للجميع" (EPT) والأهداف التي رُسمت للألفية الثالثة.

٣-  على مستوى التنفيذ.

تقاسم مسؤولية "التعليم للجميع" (EPT) مع سائر الوزارات المعنية.

تخصيص ميزانيات إضافية لتغطية أكلاف تعليم الأولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة.

جعل المناهج أكثر طواعية بما يسمح بتكييفها لتلائم مختلف أنواع الإعاقات.

تكييف نظام التقويم وإعادة النظر في القانون 220 /2000 وسائر المراسيم والقرارات التنفيذية الناتجة منه.

 

4- على مستوى دعم الشركاء المعنيين وتعزيز قدراتهم.

  • وضع آليات تسمح بإشراك الأهل وهيئات المجتمع المحلي.
  •  إيجاد استراتجيات للتواصل والتعبئة الاجتماعية التي تسمح بتعزيز ثقافة الدمج لدى الرأي العام.
  • تحديد الحاجات إلى التجهيزات والوسائل والأدوات التي تساعد المعلّمين على العمل مع جميع التلامذة.
  • إدخال عناصر متخصصة وذات كفاءات عالية إلى المدرسة الرسمية تسمح لكل تلميذ مهما كان أو من أين أتى أن يحصل على تعليم ذي جودة عالية.