ادب وشعر

صورة أ. توفيق يوسف عوادتوفيق يوسف عوّاد
( نبذة عن حياته )

بقلم الأديب الدكتور ميخائيل مسعود

ولد في “بحرصاف”، في أواخر العام 1911.

والده يوسف ضاهر عوّاد، معلّم عمار، وخبير في الشؤون العقاريّة.

والدته مريم سمعان بطرس، من “ساقية المسك”، عمل أهلها في حياكة النسيج.

عرف قسوة الحرب العالميّة الأولى، وذاق المجاعة والحرمان، فتأثّر بها. 

عمل مدرّسًا في مدرسة مار مارون الخيريّة، ومدرسة الأخوة المريميّين (الفرير).

مارس مهنة الصحافة. فكتب في “البرق” و “النداء”، و”البيرق”...

نال إجازة في الحقوق، من العاصمة السوريّة (دمشق).

عمل رئيس تحرير جريدة “الراصد”، وسكرتير تحرير جريدة “النهار”.

نشر “الصبيّ الأعرج”، في سلسلة منشورات “المكشوف”. فحيّاه ميخائيل نعيمة، في رسالة نقديّة توَّجَهُ فيها أمير القصّة العربيّة.

توفيق عوّاد: القاصّ والروائيّ:

من المعروف أنّ أعمال توفيق عوّاد أكثر ما كانت في الصحافة، والسلك الديبلوماسيّ، والسياسة، والمطالبة بالاستقلال...

لكنّه، بالنسبة إلى تلامذة المدارس، وطلاّب الجامعات، يبقى في المرتبة الأولى، على امتداد العالم العربيّ، قاصًّا وروائيّاً وصحافيّاً...

وأقول: إنّ توفيق عوّاد يفضلنا جميعًا: أديبًا، وقاصًّا، وروائيًّا، وصحافيًّا، على هذه الأصعدة... ويبقى المعلّم الأوّل، في هذا المجال.

من أشهر أقاصيصه:

“الصبيّ الأعرج”؛ “قميص الصوف”؛ “الرغيف”؛ “العذارى”؛ حواريّة: “السائح والترجمان”؛ نظرات في الأدب: “فرسان الكلام”؛ مجموعة خواطر من الحياة اليوميّة: “غبار الأيّام”... إلى أن كتب، وهو في طوكيو، روايته: “طواحين بيروت”... وقد ذاع صيتها ذيوعًا لا مثيل له.

وهذه الكتب القصصيّة والروائيّة، جديرة بالمطالعة والدرس والاقتناء... لأنّها مفيدة لتلامذة المرحلتين: المتوسّطة، والثانويّة؛ ولكونها تثري أفكار وعقول طلاّب الجامعات، على كلّ المستويات.

 

توفيق يوسف عواد بريشة يونس الابن

 

 توفيق يوسف عوّاد                                                                                

               
( شاعرًا )  !
                                                                                          

لقد عرف الناس توفيق يوسف عوّاد، أكثر ما عرفوه، طالبًا، ومترجمًا، ومدرّسًا، وصحافيّاً، ومحرّرًا،ومحاضرًا، وناقدًا.... ثمّ قاصًّا وروائيّاً لافتًا الأنظار... ويوم ظهرت الحلقة الأولى من “الصبيّ الأعرج”، في مجلّة “المكشوف”، دخل توفيق عوّاد هيكل القصّة العربيّة، من بابه الواسع، وتربّع على عرشها ولمّا يزل. لكنّني، وبعد معرفتي المتواضعة بنتاجه القصصّي والروائيّ، واطّلاعي على نتاجه العام المميّز، من جوانب متعدّدة، أقول: إنّ توفيق يوسف عوّاد، كان شاعرًا، في كلّ ما كتب. وإليك حكايته مع الشعر: يبدو أنّ الفتى “توفيق“ قد تأثّر، منذ طفولته الأولى، بكلّ ما يمتّ إلى الشعر من صلات وروابط، على أصعدة تقطيع الكلام ، ورصفه في تفاعيل وشطور ...تشبه عمل المعلّم . “يوسف ( 1)“ في تقطيعه الحجارة ورصفها في مداميك( 2) والعائلة التي تعمل في حياكة النسيج( ٣)، قد تركت أثرًا في الفتى الذي تعلّم حوك القصائد ونسج أبياتها. والمعلّم المهتمّ بتلميذه، في مدرسة القدّيس يوسف( 4)،أحاطه بألحان سريانيّة نُظِمَ عليها الشعرُ اللبنانيُّ (الزجل) الذي أثار اهتمام التلميذ البالغ، فكانت محاضرته الأولى بموضوعه، وغدا المرجع الأوّل  والأخير لهذا النوع من الشعر... وعندما صار توفيق عوّاد أديبًا، وأتقن كلّ فنون الأدب، استفاقت ذاكرته على ما طبع في خفاياها، منذ أزمان، فكانت “قوافل الزمان”( 5). وكان توفيق عوّاد شيخ قافلة القوافل.
اهتمامه بالشعر
أوّل محاضرة ألقاها توفيق عوّاد، كانت بموضوع “الشعر العامّيّ” المعروف بالزجل اللبنانيّ. وقد عرض في محاضرته لتاريخ الزجل، ونظامه، ، وأنواعه، ومزاياه، وأساليبه... وكان ذلك في العام 1928 . علمًا  أنّ توفيق عوّاد من مواليد 1911
♦ عندما بدأ ممارسته الصحافة، في جريدة “البرق”، ركّز اهتمامه على نتاج صاحبها”بشارة الخوري”. فكان أن جمع له القصائد المبعثرة، ورتّبها على نمط معيّن، ونسخها بخطّ يده... وقد يكون من المشاركين بوضع لقب “ الأخطل الصغير”، للشاعر الكبير “بشارة الخوري”.
♦ في جريدة “البرق”،
صورة لمنزل توفيق يوسف عواد في بحر صاف أبدى اهتمامًا بالغًا بكبار شعراء تلك  المرحلة، من أمثال: الأخطل الصغير، خليل مطران، الياس أبو شبكة، إبراهيم طوقان... وقد عرفهم، عن قرب، معرفة وثيقة، وتأثّر بشعرهم الإبداعيّ. فأبدع.
  قوافل الزمان

في قمّة نضوجه الفكريّ، أصدر ديوانه الشعريّ: “قوافل الزمان” (1973 )، وأهداه إلى رفيقة عمره في . رحلة العمر. واعتمد فيه نظام “الدوبيت” (6 ) وقد لاحظنا أنّه افتتح الديوان بعنوان عامّ: مع الشعر. وفي  القصيدة الأولى، قال: 

 « ولي دفترٌ رثٌّ يضمّ فراشة

                            تعشّقتُ ألوانًا لها ابنَ ثماني

فِدًى لكِ، يا أختَ الطفولةِ، شاعرٌ

                          بياني، وما أملاهُ شيبُ زماني ».

فهل تكون الفراشة المفدّاة التي عشقها في عمره المبكر، والتي يفتديها بنفسه... غير  قصيدته الأولى التي ضمّها دفتر شعره القديم؟.. وتوفيق عوّاد شاعر في سلوكه وأحاسيسه وجنونه، يتململ الشعر خلف أقواله، وفي حنايا ضلوعه. فيسلك في ضلوع قارئيه وعارفيه وسامعيه؛ إن نحت من صخر، أو غَرفَ من بحر. وقد قال في هذا:

« يُسائلني: ما الشعرُ؟ قلتُ: هوَ الذي

                                تململَ خلفَ القولِ، في مُغلَقِ الصَدرِ.

وما أنا إلاّ في ضلوعكَ سالكٌ 

                                 نحتّ بصخرٍ، أو غَرفْتُ من البحر ».

وتوفيق عوّاد الشاعر، غير توفيق عوّاد الروائيّ  والصحافيّ... فهو في النثر طليق الجناحين، غير مقيّد بقيود الأوزان والقوافي. وقد اعترف أنّه وضع نفسه في قفص الشعر الذي شبكه من قوافيه، وعلّقه في فضاء الرعود والرياح...

قال:

« ومِن قوافيَ قّد شبّكَتُ لي قَفَصًا 

                         علَقّتُهُ بسماءِ الرعْدِ والريحِ » ...

وهذا العصفور الحزين المقفّص، قد استبدّ به القلق على  الغصن، فكيف يشعر وهو بين القضبان؟... قال:

“يقولُ الغصنُ للعصفورِ         بينَ الكَرّ ِ والفَرّ :ِ

علامَ الحلُّ  والترحالُ؟.          ما أدري، فهل  دري؟” 

 وشاعرنا توفيق عوّاد، جوهرجيّ مجرّب وخبير. يقتلع معانيه من مقالع الماس، ويأتي بها من مغاور الزمرّد واليواقيت... ويجمع المحيط الصاخب بصدفة من أصداف الشاطئ.وما عرفت شاعرًا، غير”أبو شبكة” يغوص في عمق  الكتاب المقدّس. العهد القديم، ليأتينا بروائع الشعر. إلى أن أتى توفيق عوّاد، فغاص في خضمّ العهد الجديد، ليختصر المسافة، “من المسيح إلى توما”، ببيتين اثنين؛ مرورًا بالصلب وفعلة يهوذا، ونكران بطرس لسيّده، وصياح الديك ثلاثًا؛ وشكوك توما والآلام المبّرحة إلى يوم القيامة. قال:

« أنسى الصليبَ، ويوضاسٌ(7)غَفَرْتُ لهُ

                       وبطرسٌ(8) ديكُهُ الداوِي يسلّيني

وإصبعُ الشكّ،ِ يا توما( 9 )، ملازمني

                        غَرْزَ القَتَاد، ليومِ الحَشْرِ( 10 )، يدميني ».

ولشدّة اهتمام توفيق عوّاد بالِشعر وأصحابه، خصّص القسم الأخير من ديوانه للشعراء. فكتب إلى امرئ القيس، وإلى المتنبّي، وأبي العلاء، وأبي  نؤاس، وعمر، وجبران، ونعيمة، وصلاح لبكي، وشكسبير.
وعليه أقول:
كان توفيق يوسف عوّاد أديبًا كبيرًا، في طليعة أدباء عصره. ونتاج الأديب، عادة، لا يقتصر على نوع واحد من الأنواع الأدبيّة. فإن كان أديبنا قد تمّيز بالفنّ القصصيّ والروائيّ... فهذا التميّز لا ينزع عنه صفات الشاعر الكبير الذي ضمّن شعره الكثير من المعاني الفلسفيّة، والفكريّة، واللاهوتيّة، والأدبيّة المعروفة في شعرنا العربيّ، على نسقٍ جديد كان قد نشأ في عصره، وتبارى فيه شعراء كبار.
وجملة القول:
إنّ شيخ الرواية العربيّة، بلا منازع؛ كان أمير شعر “الدوبيت”؛ ولا منافسة ♦


الحواشي
1- المعلّم يوسف: هو والد توفيق عوّاد. كان معلّم عمار، أي بنّاء.
2- المداميك: صفوف الحجارة المرتّبة على الحائط، في نسق معيّن.
٣- كان أهل أمّه يعملون في حياكة النسيج.
4- هو ملّعمه الأب روفائيل نخلة، مدير القسم العربيّ. وقد تولىّ تنشئته الأدبية.
5- قوافل الزمان: ديوان شِعر، جمع فيه شعره المعبّر على نظام “الدوبيت” .
 6- “الدوبيت” نظم شعريّ محدث، يورده صاحبه بيتين، بيتين. وهو من أثر الشعر الفارسيّ في أدبنا. واللفظة من كلمتين: دو(اثنان)، وبيت(بيت شعر).
7- يوضاس: هو يهوذا الإسخريوطيّ الذي باع المسيح بثلاثين من الفضّة.
8- بطرس: أحد تلاميذ المسيح، أنكره ثلاثًا قبل صياح الديك، يوم إلقاء القبض عليه.
9- توما: التلميذ المشكّك الذي كان غائبًا حين ظهر المسيح على التلاميذ، بعد القيامة،ولم يصدق توما ما حدث، بل طلب إثباتًا حسّيّاً.

 

ادب وشعر

صورة أ. توفيق يوسف عوادتوفيق يوسف عوّاد
( نبذة عن حياته )

بقلم الأديب الدكتور ميخائيل مسعود

ولد في “بحرصاف”، في أواخر العام 1911.

والده يوسف ضاهر عوّاد، معلّم عمار، وخبير في الشؤون العقاريّة.

والدته مريم سمعان بطرس، من “ساقية المسك”، عمل أهلها في حياكة النسيج.

عرف قسوة الحرب العالميّة الأولى، وذاق المجاعة والحرمان، فتأثّر بها. 

عمل مدرّسًا في مدرسة مار مارون الخيريّة، ومدرسة الأخوة المريميّين (الفرير).

مارس مهنة الصحافة. فكتب في “البرق” و “النداء”، و”البيرق”...

نال إجازة في الحقوق، من العاصمة السوريّة (دمشق).

عمل رئيس تحرير جريدة “الراصد”، وسكرتير تحرير جريدة “النهار”.

نشر “الصبيّ الأعرج”، في سلسلة منشورات “المكشوف”. فحيّاه ميخائيل نعيمة، في رسالة نقديّة توَّجَهُ فيها أمير القصّة العربيّة.

توفيق عوّاد: القاصّ والروائيّ:

من المعروف أنّ أعمال توفيق عوّاد أكثر ما كانت في الصحافة، والسلك الديبلوماسيّ، والسياسة، والمطالبة بالاستقلال...

لكنّه، بالنسبة إلى تلامذة المدارس، وطلاّب الجامعات، يبقى في المرتبة الأولى، على امتداد العالم العربيّ، قاصًّا وروائيّاً وصحافيّاً...

وأقول: إنّ توفيق عوّاد يفضلنا جميعًا: أديبًا، وقاصًّا، وروائيًّا، وصحافيًّا، على هذه الأصعدة... ويبقى المعلّم الأوّل، في هذا المجال.

من أشهر أقاصيصه:

“الصبيّ الأعرج”؛ “قميص الصوف”؛ “الرغيف”؛ “العذارى”؛ حواريّة: “السائح والترجمان”؛ نظرات في الأدب: “فرسان الكلام”؛ مجموعة خواطر من الحياة اليوميّة: “غبار الأيّام”... إلى أن كتب، وهو في طوكيو، روايته: “طواحين بيروت”... وقد ذاع صيتها ذيوعًا لا مثيل له.

وهذه الكتب القصصيّة والروائيّة، جديرة بالمطالعة والدرس والاقتناء... لأنّها مفيدة لتلامذة المرحلتين: المتوسّطة، والثانويّة؛ ولكونها تثري أفكار وعقول طلاّب الجامعات، على كلّ المستويات.

 

توفيق يوسف عواد بريشة يونس الابن

 

 توفيق يوسف عوّاد                                                                                

               
( شاعرًا )  !
                                                                                          

لقد عرف الناس توفيق يوسف عوّاد، أكثر ما عرفوه، طالبًا، ومترجمًا، ومدرّسًا، وصحافيّاً، ومحرّرًا،ومحاضرًا، وناقدًا.... ثمّ قاصًّا وروائيّاً لافتًا الأنظار... ويوم ظهرت الحلقة الأولى من “الصبيّ الأعرج”، في مجلّة “المكشوف”، دخل توفيق عوّاد هيكل القصّة العربيّة، من بابه الواسع، وتربّع على عرشها ولمّا يزل. لكنّني، وبعد معرفتي المتواضعة بنتاجه القصصّي والروائيّ، واطّلاعي على نتاجه العام المميّز، من جوانب متعدّدة، أقول: إنّ توفيق يوسف عوّاد، كان شاعرًا، في كلّ ما كتب. وإليك حكايته مع الشعر: يبدو أنّ الفتى “توفيق“ قد تأثّر، منذ طفولته الأولى، بكلّ ما يمتّ إلى الشعر من صلات وروابط، على أصعدة تقطيع الكلام ، ورصفه في تفاعيل وشطور ...تشبه عمل المعلّم . “يوسف ( 1)“ في تقطيعه الحجارة ورصفها في مداميك( 2) والعائلة التي تعمل في حياكة النسيج( ٣)، قد تركت أثرًا في الفتى الذي تعلّم حوك القصائد ونسج أبياتها. والمعلّم المهتمّ بتلميذه، في مدرسة القدّيس يوسف( 4)،أحاطه بألحان سريانيّة نُظِمَ عليها الشعرُ اللبنانيُّ (الزجل) الذي أثار اهتمام التلميذ البالغ، فكانت محاضرته الأولى بموضوعه، وغدا المرجع الأوّل  والأخير لهذا النوع من الشعر... وعندما صار توفيق عوّاد أديبًا، وأتقن كلّ فنون الأدب، استفاقت ذاكرته على ما طبع في خفاياها، منذ أزمان، فكانت “قوافل الزمان”( 5). وكان توفيق عوّاد شيخ قافلة القوافل.
اهتمامه بالشعر
أوّل محاضرة ألقاها توفيق عوّاد، كانت بموضوع “الشعر العامّيّ” المعروف بالزجل اللبنانيّ. وقد عرض في محاضرته لتاريخ الزجل، ونظامه، ، وأنواعه، ومزاياه، وأساليبه... وكان ذلك في العام 1928 . علمًا  أنّ توفيق عوّاد من مواليد 1911
♦ عندما بدأ ممارسته الصحافة، في جريدة “البرق”، ركّز اهتمامه على نتاج صاحبها”بشارة الخوري”. فكان أن جمع له القصائد المبعثرة، ورتّبها على نمط معيّن، ونسخها بخطّ يده... وقد يكون من المشاركين بوضع لقب “ الأخطل الصغير”، للشاعر الكبير “بشارة الخوري”.
♦ في جريدة “البرق”،
صورة لمنزل توفيق يوسف عواد في بحر صاف أبدى اهتمامًا بالغًا بكبار شعراء تلك  المرحلة، من أمثال: الأخطل الصغير، خليل مطران، الياس أبو شبكة، إبراهيم طوقان... وقد عرفهم، عن قرب، معرفة وثيقة، وتأثّر بشعرهم الإبداعيّ. فأبدع.
  قوافل الزمان

في قمّة نضوجه الفكريّ، أصدر ديوانه الشعريّ: “قوافل الزمان” (1973 )، وأهداه إلى رفيقة عمره في . رحلة العمر. واعتمد فيه نظام “الدوبيت” (6 ) وقد لاحظنا أنّه افتتح الديوان بعنوان عامّ: مع الشعر. وفي  القصيدة الأولى، قال: 

 « ولي دفترٌ رثٌّ يضمّ فراشة

                            تعشّقتُ ألوانًا لها ابنَ ثماني

فِدًى لكِ، يا أختَ الطفولةِ، شاعرٌ

                          بياني، وما أملاهُ شيبُ زماني ».

فهل تكون الفراشة المفدّاة التي عشقها في عمره المبكر، والتي يفتديها بنفسه... غير  قصيدته الأولى التي ضمّها دفتر شعره القديم؟.. وتوفيق عوّاد شاعر في سلوكه وأحاسيسه وجنونه، يتململ الشعر خلف أقواله، وفي حنايا ضلوعه. فيسلك في ضلوع قارئيه وعارفيه وسامعيه؛ إن نحت من صخر، أو غَرفَ من بحر. وقد قال في هذا:

« يُسائلني: ما الشعرُ؟ قلتُ: هوَ الذي

                                تململَ خلفَ القولِ، في مُغلَقِ الصَدرِ.

وما أنا إلاّ في ضلوعكَ سالكٌ 

                                 نحتّ بصخرٍ، أو غَرفْتُ من البحر ».

وتوفيق عوّاد الشاعر، غير توفيق عوّاد الروائيّ  والصحافيّ... فهو في النثر طليق الجناحين، غير مقيّد بقيود الأوزان والقوافي. وقد اعترف أنّه وضع نفسه في قفص الشعر الذي شبكه من قوافيه، وعلّقه في فضاء الرعود والرياح...

قال:

« ومِن قوافيَ قّد شبّكَتُ لي قَفَصًا 

                         علَقّتُهُ بسماءِ الرعْدِ والريحِ » ...

وهذا العصفور الحزين المقفّص، قد استبدّ به القلق على  الغصن، فكيف يشعر وهو بين القضبان؟... قال:

“يقولُ الغصنُ للعصفورِ         بينَ الكَرّ ِ والفَرّ :ِ

علامَ الحلُّ  والترحالُ؟.          ما أدري، فهل  دري؟” 

 وشاعرنا توفيق عوّاد، جوهرجيّ مجرّب وخبير. يقتلع معانيه من مقالع الماس، ويأتي بها من مغاور الزمرّد واليواقيت... ويجمع المحيط الصاخب بصدفة من أصداف الشاطئ.وما عرفت شاعرًا، غير”أبو شبكة” يغوص في عمق  الكتاب المقدّس. العهد القديم، ليأتينا بروائع الشعر. إلى أن أتى توفيق عوّاد، فغاص في خضمّ العهد الجديد، ليختصر المسافة، “من المسيح إلى توما”، ببيتين اثنين؛ مرورًا بالصلب وفعلة يهوذا، ونكران بطرس لسيّده، وصياح الديك ثلاثًا؛ وشكوك توما والآلام المبّرحة إلى يوم القيامة. قال:

« أنسى الصليبَ، ويوضاسٌ(7)غَفَرْتُ لهُ

                       وبطرسٌ(8) ديكُهُ الداوِي يسلّيني

وإصبعُ الشكّ،ِ يا توما( 9 )، ملازمني

                        غَرْزَ القَتَاد، ليومِ الحَشْرِ( 10 )، يدميني ».

ولشدّة اهتمام توفيق عوّاد بالِشعر وأصحابه، خصّص القسم الأخير من ديوانه للشعراء. فكتب إلى امرئ القيس، وإلى المتنبّي، وأبي العلاء، وأبي  نؤاس، وعمر، وجبران، ونعيمة، وصلاح لبكي، وشكسبير.
وعليه أقول:
كان توفيق يوسف عوّاد أديبًا كبيرًا، في طليعة أدباء عصره. ونتاج الأديب، عادة، لا يقتصر على نوع واحد من الأنواع الأدبيّة. فإن كان أديبنا قد تمّيز بالفنّ القصصيّ والروائيّ... فهذا التميّز لا ينزع عنه صفات الشاعر الكبير الذي ضمّن شعره الكثير من المعاني الفلسفيّة، والفكريّة، واللاهوتيّة، والأدبيّة المعروفة في شعرنا العربيّ، على نسقٍ جديد كان قد نشأ في عصره، وتبارى فيه شعراء كبار.
وجملة القول:
إنّ شيخ الرواية العربيّة، بلا منازع؛ كان أمير شعر “الدوبيت”؛ ولا منافسة ♦


الحواشي
1- المعلّم يوسف: هو والد توفيق عوّاد. كان معلّم عمار، أي بنّاء.
2- المداميك: صفوف الحجارة المرتّبة على الحائط، في نسق معيّن.
٣- كان أهل أمّه يعملون في حياكة النسيج.
4- هو ملّعمه الأب روفائيل نخلة، مدير القسم العربيّ. وقد تولىّ تنشئته الأدبية.
5- قوافل الزمان: ديوان شِعر، جمع فيه شعره المعبّر على نظام “الدوبيت” .
 6- “الدوبيت” نظم شعريّ محدث، يورده صاحبه بيتين، بيتين. وهو من أثر الشعر الفارسيّ في أدبنا. واللفظة من كلمتين: دو(اثنان)، وبيت(بيت شعر).
7- يوضاس: هو يهوذا الإسخريوطيّ الذي باع المسيح بثلاثين من الفضّة.
8- بطرس: أحد تلاميذ المسيح، أنكره ثلاثًا قبل صياح الديك، يوم إلقاء القبض عليه.
9- توما: التلميذ المشكّك الذي كان غائبًا حين ظهر المسيح على التلاميذ، بعد القيامة،ولم يصدق توما ما حدث، بل طلب إثباتًا حسّيّاً.

 

ادب وشعر

صورة أ. توفيق يوسف عوادتوفيق يوسف عوّاد
( نبذة عن حياته )

بقلم الأديب الدكتور ميخائيل مسعود

ولد في “بحرصاف”، في أواخر العام 1911.

والده يوسف ضاهر عوّاد، معلّم عمار، وخبير في الشؤون العقاريّة.

والدته مريم سمعان بطرس، من “ساقية المسك”، عمل أهلها في حياكة النسيج.

عرف قسوة الحرب العالميّة الأولى، وذاق المجاعة والحرمان، فتأثّر بها. 

عمل مدرّسًا في مدرسة مار مارون الخيريّة، ومدرسة الأخوة المريميّين (الفرير).

مارس مهنة الصحافة. فكتب في “البرق” و “النداء”، و”البيرق”...

نال إجازة في الحقوق، من العاصمة السوريّة (دمشق).

عمل رئيس تحرير جريدة “الراصد”، وسكرتير تحرير جريدة “النهار”.

نشر “الصبيّ الأعرج”، في سلسلة منشورات “المكشوف”. فحيّاه ميخائيل نعيمة، في رسالة نقديّة توَّجَهُ فيها أمير القصّة العربيّة.

توفيق عوّاد: القاصّ والروائيّ:

من المعروف أنّ أعمال توفيق عوّاد أكثر ما كانت في الصحافة، والسلك الديبلوماسيّ، والسياسة، والمطالبة بالاستقلال...

لكنّه، بالنسبة إلى تلامذة المدارس، وطلاّب الجامعات، يبقى في المرتبة الأولى، على امتداد العالم العربيّ، قاصًّا وروائيّاً وصحافيّاً...

وأقول: إنّ توفيق عوّاد يفضلنا جميعًا: أديبًا، وقاصًّا، وروائيًّا، وصحافيًّا، على هذه الأصعدة... ويبقى المعلّم الأوّل، في هذا المجال.

من أشهر أقاصيصه:

“الصبيّ الأعرج”؛ “قميص الصوف”؛ “الرغيف”؛ “العذارى”؛ حواريّة: “السائح والترجمان”؛ نظرات في الأدب: “فرسان الكلام”؛ مجموعة خواطر من الحياة اليوميّة: “غبار الأيّام”... إلى أن كتب، وهو في طوكيو، روايته: “طواحين بيروت”... وقد ذاع صيتها ذيوعًا لا مثيل له.

وهذه الكتب القصصيّة والروائيّة، جديرة بالمطالعة والدرس والاقتناء... لأنّها مفيدة لتلامذة المرحلتين: المتوسّطة، والثانويّة؛ ولكونها تثري أفكار وعقول طلاّب الجامعات، على كلّ المستويات.

 

توفيق يوسف عواد بريشة يونس الابن

 

 توفيق يوسف عوّاد                                                                                

               
( شاعرًا )  !
                                                                                          

لقد عرف الناس توفيق يوسف عوّاد، أكثر ما عرفوه، طالبًا، ومترجمًا، ومدرّسًا، وصحافيّاً، ومحرّرًا،ومحاضرًا، وناقدًا.... ثمّ قاصًّا وروائيّاً لافتًا الأنظار... ويوم ظهرت الحلقة الأولى من “الصبيّ الأعرج”، في مجلّة “المكشوف”، دخل توفيق عوّاد هيكل القصّة العربيّة، من بابه الواسع، وتربّع على عرشها ولمّا يزل. لكنّني، وبعد معرفتي المتواضعة بنتاجه القصصّي والروائيّ، واطّلاعي على نتاجه العام المميّز، من جوانب متعدّدة، أقول: إنّ توفيق يوسف عوّاد، كان شاعرًا، في كلّ ما كتب. وإليك حكايته مع الشعر: يبدو أنّ الفتى “توفيق“ قد تأثّر، منذ طفولته الأولى، بكلّ ما يمتّ إلى الشعر من صلات وروابط، على أصعدة تقطيع الكلام ، ورصفه في تفاعيل وشطور ...تشبه عمل المعلّم . “يوسف ( 1)“ في تقطيعه الحجارة ورصفها في مداميك( 2) والعائلة التي تعمل في حياكة النسيج( ٣)، قد تركت أثرًا في الفتى الذي تعلّم حوك القصائد ونسج أبياتها. والمعلّم المهتمّ بتلميذه، في مدرسة القدّيس يوسف( 4)،أحاطه بألحان سريانيّة نُظِمَ عليها الشعرُ اللبنانيُّ (الزجل) الذي أثار اهتمام التلميذ البالغ، فكانت محاضرته الأولى بموضوعه، وغدا المرجع الأوّل  والأخير لهذا النوع من الشعر... وعندما صار توفيق عوّاد أديبًا، وأتقن كلّ فنون الأدب، استفاقت ذاكرته على ما طبع في خفاياها، منذ أزمان، فكانت “قوافل الزمان”( 5). وكان توفيق عوّاد شيخ قافلة القوافل.
اهتمامه بالشعر
أوّل محاضرة ألقاها توفيق عوّاد، كانت بموضوع “الشعر العامّيّ” المعروف بالزجل اللبنانيّ. وقد عرض في محاضرته لتاريخ الزجل، ونظامه، ، وأنواعه، ومزاياه، وأساليبه... وكان ذلك في العام 1928 . علمًا  أنّ توفيق عوّاد من مواليد 1911
♦ عندما بدأ ممارسته الصحافة، في جريدة “البرق”، ركّز اهتمامه على نتاج صاحبها”بشارة الخوري”. فكان أن جمع له القصائد المبعثرة، ورتّبها على نمط معيّن، ونسخها بخطّ يده... وقد يكون من المشاركين بوضع لقب “ الأخطل الصغير”، للشاعر الكبير “بشارة الخوري”.
♦ في جريدة “البرق”،
صورة لمنزل توفيق يوسف عواد في بحر صاف أبدى اهتمامًا بالغًا بكبار شعراء تلك  المرحلة، من أمثال: الأخطل الصغير، خليل مطران، الياس أبو شبكة، إبراهيم طوقان... وقد عرفهم، عن قرب، معرفة وثيقة، وتأثّر بشعرهم الإبداعيّ. فأبدع.
  قوافل الزمان

في قمّة نضوجه الفكريّ، أصدر ديوانه الشعريّ: “قوافل الزمان” (1973 )، وأهداه إلى رفيقة عمره في . رحلة العمر. واعتمد فيه نظام “الدوبيت” (6 ) وقد لاحظنا أنّه افتتح الديوان بعنوان عامّ: مع الشعر. وفي  القصيدة الأولى، قال: 

 « ولي دفترٌ رثٌّ يضمّ فراشة

                            تعشّقتُ ألوانًا لها ابنَ ثماني

فِدًى لكِ، يا أختَ الطفولةِ، شاعرٌ

                          بياني، وما أملاهُ شيبُ زماني ».

فهل تكون الفراشة المفدّاة التي عشقها في عمره المبكر، والتي يفتديها بنفسه... غير  قصيدته الأولى التي ضمّها دفتر شعره القديم؟.. وتوفيق عوّاد شاعر في سلوكه وأحاسيسه وجنونه، يتململ الشعر خلف أقواله، وفي حنايا ضلوعه. فيسلك في ضلوع قارئيه وعارفيه وسامعيه؛ إن نحت من صخر، أو غَرفَ من بحر. وقد قال في هذا:

« يُسائلني: ما الشعرُ؟ قلتُ: هوَ الذي

                                تململَ خلفَ القولِ، في مُغلَقِ الصَدرِ.

وما أنا إلاّ في ضلوعكَ سالكٌ 

                                 نحتّ بصخرٍ، أو غَرفْتُ من البحر ».

وتوفيق عوّاد الشاعر، غير توفيق عوّاد الروائيّ  والصحافيّ... فهو في النثر طليق الجناحين، غير مقيّد بقيود الأوزان والقوافي. وقد اعترف أنّه وضع نفسه في قفص الشعر الذي شبكه من قوافيه، وعلّقه في فضاء الرعود والرياح...

قال:

« ومِن قوافيَ قّد شبّكَتُ لي قَفَصًا 

                         علَقّتُهُ بسماءِ الرعْدِ والريحِ » ...

وهذا العصفور الحزين المقفّص، قد استبدّ به القلق على  الغصن، فكيف يشعر وهو بين القضبان؟... قال:

“يقولُ الغصنُ للعصفورِ         بينَ الكَرّ ِ والفَرّ :ِ

علامَ الحلُّ  والترحالُ؟.          ما أدري، فهل  دري؟” 

 وشاعرنا توفيق عوّاد، جوهرجيّ مجرّب وخبير. يقتلع معانيه من مقالع الماس، ويأتي بها من مغاور الزمرّد واليواقيت... ويجمع المحيط الصاخب بصدفة من أصداف الشاطئ.وما عرفت شاعرًا، غير”أبو شبكة” يغوص في عمق  الكتاب المقدّس. العهد القديم، ليأتينا بروائع الشعر. إلى أن أتى توفيق عوّاد، فغاص في خضمّ العهد الجديد، ليختصر المسافة، “من المسيح إلى توما”، ببيتين اثنين؛ مرورًا بالصلب وفعلة يهوذا، ونكران بطرس لسيّده، وصياح الديك ثلاثًا؛ وشكوك توما والآلام المبّرحة إلى يوم القيامة. قال:

« أنسى الصليبَ، ويوضاسٌ(7)غَفَرْتُ لهُ

                       وبطرسٌ(8) ديكُهُ الداوِي يسلّيني

وإصبعُ الشكّ،ِ يا توما( 9 )، ملازمني

                        غَرْزَ القَتَاد، ليومِ الحَشْرِ( 10 )، يدميني ».

ولشدّة اهتمام توفيق عوّاد بالِشعر وأصحابه، خصّص القسم الأخير من ديوانه للشعراء. فكتب إلى امرئ القيس، وإلى المتنبّي، وأبي العلاء، وأبي  نؤاس، وعمر، وجبران، ونعيمة، وصلاح لبكي، وشكسبير.
وعليه أقول:
كان توفيق يوسف عوّاد أديبًا كبيرًا، في طليعة أدباء عصره. ونتاج الأديب، عادة، لا يقتصر على نوع واحد من الأنواع الأدبيّة. فإن كان أديبنا قد تمّيز بالفنّ القصصيّ والروائيّ... فهذا التميّز لا ينزع عنه صفات الشاعر الكبير الذي ضمّن شعره الكثير من المعاني الفلسفيّة، والفكريّة، واللاهوتيّة، والأدبيّة المعروفة في شعرنا العربيّ، على نسقٍ جديد كان قد نشأ في عصره، وتبارى فيه شعراء كبار.
وجملة القول:
إنّ شيخ الرواية العربيّة، بلا منازع؛ كان أمير شعر “الدوبيت”؛ ولا منافسة ♦


الحواشي
1- المعلّم يوسف: هو والد توفيق عوّاد. كان معلّم عمار، أي بنّاء.
2- المداميك: صفوف الحجارة المرتّبة على الحائط، في نسق معيّن.
٣- كان أهل أمّه يعملون في حياكة النسيج.
4- هو ملّعمه الأب روفائيل نخلة، مدير القسم العربيّ. وقد تولىّ تنشئته الأدبية.
5- قوافل الزمان: ديوان شِعر، جمع فيه شعره المعبّر على نظام “الدوبيت” .
 6- “الدوبيت” نظم شعريّ محدث، يورده صاحبه بيتين، بيتين. وهو من أثر الشعر الفارسيّ في أدبنا. واللفظة من كلمتين: دو(اثنان)، وبيت(بيت شعر).
7- يوضاس: هو يهوذا الإسخريوطيّ الذي باع المسيح بثلاثين من الفضّة.
8- بطرس: أحد تلاميذ المسيح، أنكره ثلاثًا قبل صياح الديك، يوم إلقاء القبض عليه.
9- توما: التلميذ المشكّك الذي كان غائبًا حين ظهر المسيح على التلاميذ، بعد القيامة،ولم يصدق توما ما حدث، بل طلب إثباتًا حسّيّاً.