اللغة العربية وآدابها
اللغة العربية وآدابها
السنة : الثالثة الثانوية (فرع الآداب والإنسانيَّات).
الأهداف التعلُّمية :
- التعمُّق في فهم النص فهمًا مجملاً ومفصلاً وتذوق جمال المعنى.
- اكتشاف خصوصية الأدباء العرب في نتاجهم الرومنطيقي، من جهة وتأثرهم بالتيارات الأدبية العالمية من جهة ثانية.
المدَّة : حصتان
الوسائل :
- نص قصيدة " قلب خافق " لبشارة الخوري ( الأخطل الصغير)
- نص يتناول سيرة الشاعر (مستند 1)
- نص حول المدرسة الرومانسية في الشعر العربي (مستند 2).
قلب خافق
أنا ساهرٌ والكون نا مَ، وكلُّ ما في الكون نام
نام الجميع ، ومقلتي يقظى تجول مع الظلام
حتى نجوم الأفق نا مت فوق طيَّات الغمام
أنا ساهرٌ وجبال لبـ ـنان عليها الصمت حام
خلع الجلال على مناكبها مواهبه الجسام
أنا ساهرٌ والسهل في حضن الطبيعة كالغلام
يغفو ويحرس ثغره روحُ البنفسج والخُزام
أنا ساهرٌ والبحر أخرس لا هدير، ولا احتدام
كالمارد الجبار منـ ـ طرح على صدر الرَّغام
فكأنه والرملُ إلـفـا صبوة منذ الفِطام
فتعانقا عند المنام وملء ثغرهما ابتسام
لا حسّ حتى خِلتُ أن ساد الحِمامُ على الأنام
في ذلك الصمتِ الرهيب وذلك الليل الجَهام
ما كان يخفق غير قلبٍ كاد يُتلفه السّقام
ما أعظم الضوضاء يُحدثها فؤادُ المستهام
إذ راح يخفق وحده خفقان أجنحة الحِمام
بشارة الخوري (الأخطل الصغير)
الخطوات والأنشطة
1- تمهيد (10 دقائق )
يطلب المعلم مسبقًا إلى التلامذة قراءة سيرة حياة الشاعر، وإعداد ما يلزم من وثائق وصور لتقديم عرض شفوي، أو لإجراء محادثة ومناقشة حول حياة الأخطل الصغير.
(يقدم المتعلم عرضًا شفويًّا مدعّمًا بالصور والوثائق أو يشارك في مناقشة حول حياة الشاعر وأعماله وشخصيته).
2- في الفهم المجمل (10 دقائق )
يعطي المعلم التعليمات لإنجاز نشاط في القراءة الصامتة المتأنية، واستخراج الحقول المعجمية للطبيعة ومعاناة الحب .
ثم يدير النقاش إثر عرض عمل المجموعات لتوحيد الإجابة وتوظيفها في تقسيم النص ووضع عناوين ملائمة .
(يقرأ المتعلم القصيدة ويتشارك مع زميله في تنظيم مفردات الحقلين المعجميين ثم عرضها ومناقشتها) .
3- نشاط في القراءة الجهرية السليمة والمعبرة (15 دقيقة )
يطلب المعلم قراءة النص قراءة جهرية مع ضبط الحركات وتلوين الأداء الصوتي بما يلائممن النَّبر والتنغيم .
(يقرأ المتعلمون القصيدة ملتزمين بمؤشرات القراءةالسليمة والمعبرة (ضبط الحركات – مخارج الحروف –علامات الوقف – النَّبر والتنغيم ).
4- في الفهم المفصَّل (10 دقائق )
طرح أسئلة حول معاني الأبيات ومعاني بعض المفردات.
(يبحث المتعلم في المعجم عن معاني المفردات : الخزام - الرغام – الأنام – صبوة – الحِمام).
5- في التحليل اللغوي (10 دقائق )
يسأل المعلم عن وظيفة التكرار على مستوى المفردات والصياغة .
أنا ساهرٌ والكون ..../ أنا ساهرٌ وجبال لبنان ..
أنا ساهرٌ والسهل..../ أنا ساهرٌ والبحر....
الكون نام ../نام الجميع.../نجوم الأفق نامت...
(يحضر المتعلم الإجابات لتُعرض وتُناقش )
تُوحَّد الإجابات مع التركيز على :
تكرار الضمير المتكلم وحضور الذات
تكرار المفردات والتأكيد على المعاني .
تكرار الصياغة وإبراز الثنائية الضدية بين السهر والنوم وبين الأنا والكون والطبيعة.
الحصة الثانية :
6- في التحليل واكتشاف ملامح الرومانسية وخصوصيتها في الشعر العربي.
يطلب المعلم قراءة المستند 2 ويقوم بإجراء مناقشة سريعة حوله.
ثم يطلب المقارنة بين ملامح الرومانسية وقصيدة الأخطل الصغير لاكتشاف المتشابه والمتغاير.
يستمع إلى الإجابات ويوجّه ويصوّب ثم يوحّد الإجابات بالتركيز على النقاط الآتية :
1- ملامح الرومانسية في القصيدة هي :
الذاتية (الأنا ) – خفقان القلب(العاطفة )- الطبيعة بعناصرها المتنوعة – الليل – السهر – الصمت – قضية الشاعر الأولى والأخيرة هي قضية ذاته عاشها بصدق فاستوعب قضية الإنسان بعامة.
2- ملامح الخصوصية في رومانسية الأخطل الصغيرتتجلَّى:
أولاً في نوم الكون وعناصر الطبيعة إزاء "أنا " الشاعر الساهرة الأرقة بفعل خفقان القلب وعذابات الحب. فالشاعر وسط صمت الكون النائم والطبيعة الغافية قلب يخفق وعقل يبصر ويفكر ولسان ينطق.
ثانياً تجلِّي الخصوصية في ملامح القوة إزاء الضعف والهشاشة السائدين لدى الرومانسيين، فالشاعر يظهر وكأنه الأقوى، يتحدى ويواجه بدل أن يشكو ويئن. وكأن الإنسان الضعيف المحدود يواجه الكون الجبار اللا محدود. صوت الشاعر نقيض الصمت، النوم والموت، ففي سهره حياة وحركة، وفي خفقان القلب حركة أيضًا. فما دام القلب يخفق بالحب فإن شوكة الموت مغلوبة، وتغدو رعشة الحب نقيضًا للعدم والموت والانمحاء. فالطبيعة الغافية الصامتة فيها علامات الموت (ساد الحِمام على الأنام). وحدها الكلمة حين يتناولها الشعراء تصوغ وجودًا يفعل ويغير ويتحدى الجمود والموات.
ثم إن دلالات الليل المرتبطة بالسواد والعتمة تتعدى معناها الشائع وتتجه نحو الظلمة التي تبتلع كل شيء وتؤجج الألم شوقًا وحبًا، ولكن الليل هنا، وببعد فلسفي، جزء من زمن يحتضن أمكنة الطبيعة ليميتها. أليس النوم مقترنًا بالليل؟ وكلاهما مقترن بالسكون ومن ثم بالموت؟ لذلك يرتجف الشاعر أمام الصمت ويصيبه قلق الوحشة فتدب في دمه حرارة الحياة وضوضاء خفقان القلب فيصرخ أنا ساهرٌ، معلنًا رغبته في اختراق الموت الليلي وسواده، وكسر جمود الطبيعة في هدأة الصمت الحالك.
الشاعر يعلن فرادته وخصوصيته، بأن لا يسمح للظلمة أن تبتلعه ولا للسكون أن يجتاف حركته ولا للسواد أن يعلن موته. فهو لا يعنيه كما الشعراء القدامى أن يندب طول ليله وبطء حركة نجومه. صحيح أنه مجبر، كما الطبيعة والكون، على أن يكون السواد جلبابًا له ولهما، إلا أنه يشق في جدار السواد الليلي معبراً لفكره وبصيرته فيخترع من مادة العتمة شعاعًا يخترق به الصمت، فيقرأ ذاته ومشاعره ورؤاه بصدق وبساطة، بعمق وعفوية. وهذا سر رهافة الأخطل الرومانسي الدافئ الحالم الواثق بقلبه وبنبضه وكلمته.
الخلاصة : الأخطل في رومانسيته ليس صدى للثقافة الغربية، إذ إنه يجمع بين الجديد والقديم. ويبرع في الملاءمة بين جديده والقوالب الشعرية السابقة.
ملاحظة:- يمكن التوسع في رصد ملامح التجديد ضمن حصة تتناول المعاني التضمينية ودراسة الإيقاع واللغة والتراكيب.
يمكن توظيف هذه القصيدة في التعبير الكتابي بالطلب إلى المتعلم التركيز على مشهد من مشاهد الطبيعة والتمعن فيه للتعبير عما يثيره المشهد فيه شعورًا وفكرًا.
مستند 1
الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير )
من أشهر شعراء لبنان . ولد في بيروت في العام 1890. تعلَّق منذ نعومة أظافره بالأدب والصحافة. تعلم في المدرسة الأرثوذكسية لمدة عامين ثم انتقل إلى مدرسة الحكمة. انشأ صحيفة البرق عام 1908، وكانت صوت لبنان المناضل، يلتف حولها رجالاته من سياسيين وأدباء . وقد احتجبت إبان الحرب العالمية الأولى حين لجأ الشاعر إلى الجبال هربًا من القمع والملاحقة، فهو منذ نشأته كان معبرًا عن نزعات قومه الوطنية والقومية، وكان ثائرًا على الظلم والاستبداد العثماني الذي خنق وطنه وظلم الفرنسيين زمن الانتداب. لذلك توقفت البرق للمرة الثانية عام 1933 بعد أن مثل لبنان في أربعين الملك فيصل الأول، وحمل في أحد مقاطع قصيدته على الانتداب. فأصدر الفرنسيون أمرًا بتعطيل البرق بصورة نهائية .
انتخب عام 1927 نقيبًا للصحافة اللبنانية. وكان عضوًا في المجمع العلمي العربي في دمشق. لقب نفسه بالأخطل لإعجابه بخفة روح الشاعر الأموي وبروز إبداعه في اصطياد المعاني من جهة، ومن جهة ثانية للنأي بنفسه عن ممارسات الإرهاب والقمع والنفي والشنق إبان الحرب العالمية الأولى وعهد جمال باشا، وهو بالإضافة إلى نزعته الثورية ومواقفه القومية والوطنية ونضاله الذي مارسه قولاً وفعلاً كان صاحب لقب آخر،إذ إنه عرف بشاعر الحب والهوى. وهكذا زاوج في شعره بين الحب والغزل وقضايا الوطن والأمة كما زاوج بين القديم والجديد بحكم ثقافته واطلاعه على آداب الغربيين. توفي في بيروت في العام 1968 فرثاه كبار شعراء العرب وكذلك كبار القادة والحكام العرب.
من دواوينه :" الهوى والشباب"، "الوتر الجريح"، " شعر الأخطل الصغير".
وفي النثر له : "من بقايا الذاكرة" ، "أحداث وأعلام".
قال عنه سعيد عقل في مقدمة ديوانه "شعر الأخطل ": " في ذمة الجمال جهده المذيب. يهدم في سبيل بنيان أغنى. يميت الحبة من أجل رؤيتها سنبلة مثقلة بالجَنْي الذهب."
وفي الختام الأخطل شاعر زرع الأحلام في الحب وفي الإبداع. الشعر موطنه ومنبره لحمل هموم بلاده وأمته، والهوى هويته وجوهر ذاته.
مستند 2
المدرسة الرومانسية
الرومانسية حركة أدبية فنية عرفتها أوروبا في مطلع القرن التاسع عشر (لامارتين- هوغو ، دي موسيه....)
وقد واجهت الأمة العربية ظروفًا سياسية واجتماعية وفكرية كانت بمثابة بيئة حاضنة لمفاهيم التحرر القومي والوطني والوجداني، وتاليًا محفِّزة للتمرُّد على المدرسة الكلاسيكية الجديدة. ولعل عامل الانفتاح على الشعراء الغربيين الرومانسيين كان الأبرز في استنبات حلم التجديد الشعري، ومغادرة مناطق النأي عن الذات، أي الافتراق عن ضوضاء الخارج لاستخلاص جوهرة الإبداع من مكنونات الداخل وطوفان الأحاسيس وأمواج الحالات النفسية. فالاقتراب من حقيقة الذات هو اقتراب من النفس الإنسانية بواقعية التجلي، وشفافية المعاناة، ورهافة الأسلوب.
وقد ظهرت النزعة الرومانسية في الشعر العربي في مدرستين متعاصرتين ومتشابهتين الى حد كبير هما:
المدرسة الرومانسية في الوطن العربي وكان رائدها خليل مطران، ومدرسة الديوان التى كان يمثلها العقاد وشكري والمازني. ثم أغنتها مدرسة "أبّولو " التي ضمت عددًا من الشعراء أمثال : أبو القاسم الشابي - أحمد زكي أبو شادي - إبراهيم ناجي - علي محمود طه.
مدرسة المهجر: وكان يمثِّلها الشعراء المهاجرون إلى أمريكا وفي مقدمتهم جبران ، أبو ماضي وفوزي المعلوف وغيرهم ...
والرومانسية في الشعر العربي تحتفي كثيرًا بالطبيعة ومظاهر الجمال فيها، ومن خلالها يتم التطلع إلى المثل الأعلى والحياة الفضلى. كما تعتمد على تجربة الشاعر الذاتية التي تشكل المدماك الأساسي للوحدة العضوية في القصيدة ، والتي تربط الأفكار والمعاني ضمن إطار الجو النفسي والشعوري بالوعاء اللغوي الذي يستمد من "الأنا " ومن الحالة الشعورية عذوبته وحيويته وفصاحته. وقد استمدت الكثير مما كان سائدًا لدى الشعراء الرومانسيين الغربيين. ويكفي أن نذكر من ذلك التركيز على الذات – التعبير عن حالات الألم والعذاب – الإحساس بالوحدة والعزلة والغربة عن المجتمع –اللجوء إلى الطبيعة الحضن والملاذ للتأمل فيها واستنطاقها – الميل إلى بعض أشكال التشاؤم والسوداوية نتيجة الإحساس بالخوف والقلق الوجودي – استلهام الليل والموت والحب المعذب. وبهذه المرتكزات الشعورية والفنية تمايز الرومانسيون العرب وزيَّنوا إبداعهم بفرادة الذات، ووهج العاطفة الصاخبة، وابتكارات المخيلة المجدولة على عصب الصدق في التجربة الشعورية.