الفكر الاقتصادي لميشال شيحا
الفكر الاقتصادي لميشال شيحا
كتاب ميشال "Propos d’économie libanaise" لم يترجم بعد. قرأه الدكتور إيلي يشوعي وتعمَّق في فكر شيحا: شيحا ونظريته الاقتصادية ثمّ اختصرها في مقالة احتوت على ما كان يراه شيحا ضروريًا لنمو الاقتصاد اللبناني وازدهاره.
يعيش لبنان من الحرية ويموت من دونها، ومن أهم ركائزها الحرية الاقتصادية. فأهمية اللبنانيين لا تكمن في أموالهم بقدر ما تتجلى في ذكائهم وسرعة وحرية حركتهم ومبادرتهم. لذلك يسمح اللبنانيون لأنفسهم بأن يعيشوا درجة ونوعية حياة تفوقان قدراتهم المالية لأنهم يراهنون على قدراتهم الذهنية.
الموازنة العامة للدولة كالفرامل للسيارة، يجب أن تحوي الضوابط اللازمة لعدم تعريض المالية العامة والمكلّفَ لأعباء مالية غير ضرورية. فهي تنظر إلى قدرة المكلّفَ على تحمل العبء الضريبي وتسعى إلى الشمولية والرؤية الواضحة على المدى المتوسط وإلى حسن الجباية والعدالة الاجتماعية. لا يفترض بأي مواطن جهل القوانين أو تجاهلها، لكن عندما تبتعد عنها غالبية الناس، لا يعود لتلك القوانين أيّ وجود أو أثر.
أما الابتكار التشريعي، فلا يعني مطلقًا تعقيد التشريعات خصوصًا المالية منها والاقتصادية، لأن مثل هذه الحال تعني أنه بعد رحيل المنتج والتاجر، لن يكون هناك منتجون جدد ومستثمرون جدد بل فقط كهنة وأطباء وشعراء لكي يبنوا كلاًّ على طريقته مستقبل الوطن. فكرة الاحتياط ضرورية وتكوين الاحتياطات في الاعمال أكثر من لازم، لأن مثل هذا المخزون للسلع مثلاً عندما يحسن تحديده، يساعد على تجنب الخسارة قبل ارتفاع أسعار السلع أو حتى قبل هبوطها.
كانت الحروب العسكرية تدمر الأبنية والمقتنيات المادية الأخرى فضلاً عن حياة البشر، وصارت الأزمات المالية تدمر المقتنيات المالية من أسهم وسندات وأوراق مالية مختلفة فضلاً عن معنويات المستثمرين وأنفسهم.
أما التجار فلا يجب أن يبيعوا الأشياء غير الجميلة لكي يحترموا ذوق الناس وتوق المستهلكين إلى الأفضل. والحرية الاقتصادية لها ضوابط أساسها التربية والقانون لكي لا تتحول إلى جشع وظلم وفوضى، وإلى شركات كبيرة محتكرة تعمل بأساليب غير إنسانية.
معالجة مسألة الكثافة السكانية تترافق مع مسألة حسن استعمال الأراضي منعًا للهجرة الداخلية نحو المدن وإفراغ الريف، خصوصًا أننا قادرون على تحويل لبنان من أرض مضيافة إلى أرض منتجة للغذاء لكل أبنائها. كما أن مسائل مثل نسبة النمو والتضخم والبطالة وحجم التصدير والاستيراد وميزاني التجارة والمدفوعات تفترض وجود دائرة رسمية للإحصاء والمشاريع.
التبادل التجاري ضروري: تبادل السلع في الأسواق الداخلية والخارجية بواسطة البيع والتوزيع، يسمح بزيادة الكسب وتوسيع مدى الحضارة وصنع الفرح والتفاعل.
الأداء الإداري الرسمي مرتبط بنمو الاقتصاد. تسريع إنجاز المعاملات الإدارية من دون رشاوى يخدم في الوقت عينه أصحاب العلاقة وزيادة حجم الاقتصاد.
إن الاهتمام الرسمي بعالم الإنتاج والأعمال واجب وطني. ممنوع على الحكام وضع السياسة والضرائب فوق الأعمال وخزينة الدولة فوق موازنات العائلات. في صور القديمة وقرطاجة قول شاع كثيرًا: "على القناصل أن يسهروا"
من المحزن أن يسيء الحكام تقدير أهمية المحافظة على معنويات عالية للشعب، ومن الخطأ فصل سيكولوجية الشعب عن الإجراءات الاقتصادية والمالية. واجبهم مساندة الأعمال ورعايتها وتشجيع المبادرات والشركات والإقلاع عن فرض العراقيل والتعقيدات من أجل النجاح في خفض البطالة ونشر التنمية. فالشركة التي تزول وتختفي خسارة لا لأصحابها فقط، بل للمجتمع بأسره. فلنشجع الربح الكافي لكي لا نلغي العمل فنغرق في الموت الاقتصادي، ولنشجّعِ المستثمر والاستثمار لجعل الآلة الاقتصادية اللبنانية أكثر متانة وأقل هشاشة. فالشركات التي لا تحتمل الأعباء الرسمية المفروضة عليها تذبل مثل الزهر وتتطاير أوراقها في الهواء أو تشبه بعض الأواني الزجاجية المكسورة. لذلك، ممنوع على الحكام أذية مجتمعاتهم أو خدمة أتباعهم والنافذين الأثرياء فحسب، بل بناء مجتمعاتهم وخدمة شعوبهم.
إن القوانين والإرغامات نضعها في خدمة تفجر الذكاء البشري والمحافظة على التعدد الذي يعني الشخصية الوطنية والتمسك بالتفهم والعيش بشراكة وحرية.
العالم واحد، لا يجوز أن يستمر مع الحواجز والقيود والمراقبة المفرطة، والحمائية الاقتصادية والإقفال على الذات يعنيان اختناقاً اقتصاديّاً محتمًا. فالمستقبل للأبواب المفتوحة، للتعاون، لتبادل المعارف والتكنولوجيا، ولأوسع تبادل للسلع والخدمات.
أسواق العمل تتطلب معارف وكفايات محددة لدى عارضي العمل وتاليًا تطابقًا بين الشهادات الجامعية والمهنية وحاجات أسواق العمل.
المصرف المركزي وسياسته النقدية حجر الزاوية في البنيان الاقتصادي. إدارة القاعدة النقدية أي النقد المصدر والموضوع في التداول من قبل البنك المركزي إذا تمت بكفاية وفاعلية، نجحت في عرض السيولة اللازمة في الاقتصاد بالكلفة المطلوبة وحفز النمو الاقتصادي بأقل نسبة تضخم ممكنة. كما أن استقرار النقد وسعر صرفه والذي يختلف جوهريّاً عن تثبيته يعزز القدرة الشرائية للمداخيل الأسرية ويوفر على الخزينة ديونًا كثيرةً ويسهل توفير فرص العمل ومنع الهجرة الاقتصادية القسرية، كما يشكل شرطًا أساسيّاً من شروط الاستقرار السياسي والاجتماعي.
إن عدم إدارة الشأن الاقتصادي أفضل بكثير من إدارته بطرق سيئة وخاطئة. فالقانون يوفر للناس الحريات الضرورية لتقدمهم والتي لا تتعارض مع المصلحة العامة، وحرية تحويل الأموال تشجع الاستثمارات الخارجية، والمراقبة الرسمية المؤخرة لا المسبقة تطلق حرية الحركة والعمل، والحرية الاقتصادية مع اقتصاد السوق تطلق العنان للمبادرات الفردية والخلق والإبداع، والاعتدال الضريبي يمنع التهرب الضريبي، ومراقبة كل نفقات الدولة مع الاحتياط والنفقات السرية من قبل ديوان المحاسبة يوفر هدرًا كبيرًا للمال العام، وكثرة الضرائب تتسبب بارتفاع الأسعار.
للشعب الحق في الاطلاع على طريقة صرف أموال الضرائب والديون من قبل الدولة. فالضرائب من عرقه وتعبه، والديون عبء عليه وعلى أجياله الجديدة. لذلك، لا بد من الاقتصاد في الإنفاق الرسمي، ومعاقبة الهدر والفساد، وإن أي طلب حكومي للمال يجب أن يمر في مجلس النواب الذي يوافق عليه أولاً.
ما يتوق إليه الناس، حكام يتصرفون في الحكم كرجال دولة لا كرجال أعمال، ومستوى عدلي وقضائي يتطور مع ارتفاع المستوى الخلقي، ولا يتراجع مع تراجعه، ودولة لا تسطو على الناس في الأيام العادية ومن ثم تغدق عليهم الخدمات والمنافع في زمن الانتخاب. اقتصاد لبنان يجب أن يكون داخليّاً أولاً منتجًا خلاقًا ومن ثم خارجيّاً قائمًا على تحويلات عالم الانتشار اللبناني. والمستقبل للدول التي تنتج السلع والخدمات وخصوصًا الحبوب.