البنائية Constructivism - أسس النظرية البنائية في عملية التعلّمُ / التعليم وتطبيقاتها التربوية

صورة الاستاذ حنا عوكر

كثيراً ما نسمع عن النظرية البنائية في التعلّمُ، والأثر الذي تركته في المناهج والكتب المدرسية وطرائق التعليم، بحيث بتنا أمام قضية تربوية متجددة تتلخص في عدم معرفتنا جذور هذه النظرية وأسسها وإجراءات تطبيقها. والمعلّمِ، باعتباره المسؤول الأول عن تطبيق المناهج الجديدة، يشعر بحاجة ماسة إلى ضرورة التعرف إلى هذه النظرية وتوجّهُاتها وأسسها ومرتكزاتها، كما يحتاج إلى أمثلة متنوعة مادية وحسية توضح له هذه المقاربة الجديدة في التعلّم. ونؤكد هنا، بأن مجرد القراءة حول هذه النظرية تعتبرالخطوة الأولى في مسيرة الإلمام بها والتمكّن منها للاستفادة في التطبيقات العملية الصفية واليومية. وما هذه المقالة الموجزة إلا محاولة أولية لإلقاء الضوء على هذه المقاربة التي باتت خلال فترة وجيزة بفضل أعمال وجهود مجموعة كبيرة من التربويين وعلماء النفس المعرفيين، مطبقة على شكل واسع في مجال التعلّمُ وفي مجالات أكاديمية مختلفة.

 

تطور مفهوم النظرية البنائية

تؤكد النماذج المعرفية الحديثة حول التفكير والتعلّمُ (نماذج معالجة المعلومات) على أن العقل لا يتعلّم بطريقة سلبية من خلال تسجيل المعلومات وحفظها، بل إيجابًا بواسطة محاولات ناشطة لجعل ما يتعلّمه الفرد من معلومات ذات معنى بالنسبة له. ويطلعنا النموذج البنائي المذكور على أن هذا النوع من التعلّم يحوّل المتعلّمين إلى ناشطين فعليين من طريق بناء ارتباطات وعلاقات داخلية أوعلائقية بين الأفكار والوقائع التي يتعلّمونها، بالإضافة إلى بناء ارتباطات خارجية بين المعلومات الجديدة من جهة والمعلومات السابقة المكتسبة من جهة أخرى. وتركز هذه المقاربة للتعلّم على الدور الناشط للمعلّم. فالبنائية هي إذًا، مصطلح يستخدمه علماء النفس المعرفيون لتوضيح هذه المقاربة في التعلّم. وقد تطور مفهوم البنائية خلال العقود المنصرمة ليصبح اشمل وأوسع فيتحول من مجرد مصطلح لنظرية في التعلّم، إلى الارتباط بنظرية للمعرفة تشير إلى أن العالم معقّد، وليس هناك من حقيقة موضوعية ثابتة، وبأن أكثر ما نتعلّمه يُبنى فعليّاً من خلال معتقداتنا وتصوراتنا ومن خلال البيئة الاجتماعية التي نحيا فيها. وهذا ما أشار إليه أحد البنائيين، (ارنست فون غلاسرفيلد  Ernest Von Glaserfeld) في نظرته إلى فلسفة المعرفة فقال: "منذ القدم، وفي القرن الخامس للميلاد، أكد الفلاسفة وجود صعوبة منطقية لإثبات حقيقة ما في ميادين المعرفة، وأشاروا إلى أن المقارنة الضرورية بين المعرفة عن الشيء وحقيقتة الواقعية لا يمكن إجراؤها، لأن الإجراء العقلي (العملية العقلية) حول الحقيقة الواقعية للشيء تتم من خلال عمل معرفي آخر. وقد أسند هؤلاء المشكِّكون هذا الجدل إلى حيرة الفلاسفة الذين تصدّوا لهذه المشكلة. وعلى أي حال، فإنهم لم يتخطوا المفهوم التقليدي للمعرفة..."

وهنا تظهر البنائية التي اتبعت خطوات البراغماتية الأميركية وعددًا من المفكرين الأوروبيين في نهاية هذا القرن على أنها محاولة لمخالفة هذا التقليد المتّبع وكسره. فهي تشير إلى وجود خطأ ما في المفهوم التقليدي للمعرفة، وتقترح تغييره بدلاً من الاستمرار في نزاع فكري لا جدوى منه للوصول إلى حل لهذه الجدلية المتعارضة.  وهذا التغير يستند إلى:  Glaserfeld 1995 P.6-7  في عباراته الشهيرة: "أوقفوا البحث عن المتطلبات التي تجعل من المعرفة عالمًا مستقلاً، واعترفوا بأن المعرفة تمثل قيمة بالنسبة إلينا، خصوصًا في ما نعمله في عالمنا الواقعي، وفي الطرق الناجحة التي نتعامل بها مع الأشياء المادية، وفي التفكير بالمفاهيم المجرّدة".
إضافة إلى هذا الربط مع نظرية فلسفية في وجود المعرفة، فإن البنائية أصبحت مرتبطة بتيار تربوي رائد أعاد المتعلمين إلى واجهة العملية التعليمية/التعلمية. ويهدف هذا التيار إلى إقالة الممارسة التربوية بحيث تصبح الدروس مخطّطَة ومتدرّجِة لتشجيع التلامذة على استخدام خبراتهم بغية تحقيق فهم بنائي ناشط من خلال جعل ما يتعلمونه ذات معنى بالنسبة إليهم. وقد توصل التيار البنائي في التربية إلى تحقيق إصلاحات عديدة في المناهج التربوية وفي تعليم القراءة والكتابة والرياضيات والدراسات الاجتماعية والعلوم...(Duit 95, Saxe 95, Spivey 95) وسنتعرض للبنائية هنا كنتيجة لأبحاث علماء النفس المعرفيين باعتبارها تحرّكِ المتعلمين في المجالات الآتية: في الأعمال والإجراءات المساعدة على بناء ارتباطات داخلية، في مجال تنظيم المعلومات في الذاكرة النشطة، لتصبح مفهومة وذات معنى، وفي مساهمتها في بناء ارتباطات بين المعلومات الجديدة والأخرى المكتسبة. والبنائية، من هذا المنظور، هي تطبيق مبادئ التعلّم في الصف والتي استخرجت من النماذج المعرفية (cognitive models) التي تؤمّنِ للمتعلّمين فرصة بناء طرائق وأساليب خاصة بهم للحصول على المعرفة.


خصائص النظرية البنائية في عملية التعلّمُ/التعليم
إن الممارسات البنائية التعليمية سواء أكانت في مجالات العلوم أم الدراسات الاجتماعية أم الرياضيات أم القراءة والكتابة فإنها تتصف بالمميزات المشتركة الآتية :

  1. تنظم التعلّمُ والتعليم حول أفكار أو محاور كبيرة مهمة.
  2. تشدّد على أهمية المعرفة السابقة المكتسبة وارتباطها في اكتساب المعرفة الجديدة.
  3. تتحدى صحة وملاءمة المعلومات الأولية المكتسبة للمتعلّمين.
  4. تشكل مجالاً للشك وعدم اليقين.
  5. تعلّم المتعلمين كيف يتعلّمون.
  6. تنظر إلى التعلّمُ كمغامرة معرفية تعاونية.
  7. تسهّل تقّييم تحصيل المتعلّم خلال الدرس.

وسنحاول التطرُّق إلى مضمون هذه المميزات بالتفصيل.


1.  تنظيم التعلّمُ والتعليم حول أفكار أو محاور كبيرة مهمة
أبدت إحدى المعلّمات استياءها من الطريقة المتبّعة في كتاب التاريخ في معالجة موضوع الحرب العالمية الأولى، إذ شعرت بأن تلامذتها (الصف الأول الثانوي) فهموا بأن أسباب الحرب ناتجة من اغتيال شخص في عربته. لقد أرادت أن يستوعب تلامذتها بأن أسباب الحروب تعود إلى نزاعات دينية، أو اثنية، أو اقتصادية وغيرها... وهي تمتد بجذورها إلى تاريخ قديم. ومن أجل أن تحّول تفكير تلامذتها نحو فهم تعقيدات أسباب الحرب العالمية الأولى، طرحت هذا السؤال في الحصة الثالثة : "ماذا كان سيحصل لو لم يُقتل الأرشيدوق النمساوي فرديناند الأول"؟
ينظر المتعلّمون إلى التعلّمُ بأنه يشتمل على تذكُّر الحقائق، وملء الاستبيانات، والإجابة عن الأسئلة في نهاية الدرس، وإجراء الامتحانات، غير أن المقابلات المكثّفِة مع مستويات متعددة من المتعلمين أظهرت بأنهم لا يرون التعلم مقارنة بالراشدين، على أنه هدف (Breitex and Scard malia 89) وبكلمات أخرى فإنهم لا يتابعون الدرس بغرض التعلُّم بل بفكرة تنطوي على كتابة الفروض وتنفيذ الأنشطة والنجاح في الامتحانات...
يعتقد علماء النفس المعرفيون بأن نظرة المتعلّمِين للتعلّمُ على أنه مجرد نشاط وليس غاية، تدفعهم أي المتعلّمين، إلى أن يكونوا سلبيين خلال الدرس. وتوضيحًا، فإنهم ينتظرون بفارغ الصبر الورقة المطبوعة أو المختبر أو الفرض أو الامتحان. فكيف يستطيع المعلّم أن يحوّل النظرة إلى الهدف وليس إلى النشاط؟ وهنا يشير المعرفيون إلى أهمية دور المعلّمِ في أثناء الدرس إذ ينبغي عليه أن يباشر في شرح المفاهيم الأولية والتعميمات، والأفكار المتضمنة في المحتوى الدراسي من دون التركيز على الحقائق المجزّأة أو المعلومات المتباعدة (Brook 93). ولنستعرض بعض هذه الطرائق :
إن المناهج والكتب المدرسية تخلو نسبيّاً من المحاور والأفكار العامة والمبادئ، وتركّز على مجموعات من الحقائق أو الأنشطة. وكتب التاريخ أصدق دليل على ذلك، فيتعلّم التلامذة الحروب وأسبابها وتواريخها وأماكنها ويملأون الخرائط المتصلة بها. أما النظرية البنائية في التعليم عن الحروب فإنها تشدد على انخراط المتعلِّم في قضايا تدور حول النزاعات الإنسانية، وأسبابها ونتائجها. أما الحروب فإنها تقدم كمجموعة من الأحداث تساعد المتعلّم على بناء مفهوم أوسع حول التاريخ. وعندها يأتي دور المعلّم في تنظيم التعلّم حول أفكار عامة ومبادئ وتعميمات.
وإن أفضل طريقة كي يسترجع المعلّمِون المعرفة ويطبقوها هي طريقة الوضعية- المشكلة (problem- situation) التي تثيرهم وتحضّهم على التفكير والتنظيم وحل المشكلات.
وقد ظهرت أهمية تركيز الدروس وتوسيعها حول أفكار أو محاور في محاولات عدة لإصلاح المناهج خلال العقد الأخير من القرن العشرين. فمناهج العلوم التي يتم تعديلها باستمرار قد نظمت أخيرًا المعلومات حول "مفاهيم محورية" مثل "السبب والنتيجة" و"التغيّر والحفظ، والتنوّع والتغيّر، المادة والطاقة"، أكثر من تشديدها على مواضيع كالجهاز الهضمي، الكواكب، التغذية، والكهرباء، كما قدّمَ منهج فنون اللغة القراءة في مضمون يركِّز على المحاور كالخيال والواقع، التفكير والاندفاع، الحرية والمسؤولية، أكثر من تركيزه على الشعر والنثر والخرافة... وإن الخلفية العقلانية المنطقية التي تستند إليها هذه التغيرات هي اعتبار المتعلّمين قادرين على تعلّم المعنى والاستيعاب من خلال تنظيم المعلومات بأنفسهم، وربطها بمعلومات أخرى، وحفظها كشبكات (schemata) أو تصورات (representation) لا من خلال تركها قِطعًا معزولة ومجزأة من المعرفة. وكلما قُدّمِت الدروس على شكل بنيات كبيرة من المعرفة -كالمفاهيم والتعميمات والمحاور- كلما قام المتعلّمون بربط ما يتعلّمونه بخبراتهم السابقة.

2. أهمية المعرفة السابقة المكتسبة (prior-knowledge) وارتباطها باكتساب المعرفة الجديدة
يعتقد علماء النفس المعرفيون بأن المتعلّم – وإن كان صغير السن – لديه معلومات حول أي موضوع يتعلّمه. وهذه المعلومات قد تكون بشكل أفكار، مهما كانت مشوّشة مثل حقائق غير مترابطة، قواعد داخلية، وصور. وغالبًا ما تشتمل هذه المعلومات  على معتقدات غير صحيحة مثل "العالم مسطّحَ"، و"الشمس تدور حول الأرض"، وأن "الحرب كانت بسبب خلاف على أرض أو كلة"، أو أن "الكائنات العضوية الصغيرة سيئة بأكملها". فالمعلومات المكتسبة تؤثر في محاولات المتعلّمين بناء معانٍ مما يتعلّمونه، أو يقرأونه أو يسمعون عنه. وعلى عكس السلوكيين (behaviorists) الذين يعتقدون بأن المتعلّمين يمتصّون المعلومات سلبيًا ويخزِّنونها، فالمعرفيون البنائيون يؤكدون على أن المتعلّمين يحاولون دائمًا إيجاد معنى لكل ما يتعلّمونه.
وهنا نسأل، أليست المعلومات المكتسبة لدى المعرفيين تتشابه والمهارات المكتسبة لدى السلوكيين؟ وعلى رغم التشابه بين النقطتين فإن المعرفيين يشيرون إلى أن الأولى أبعد كثيرًا من الثانية. فالسلوكيون يرون المعلومات الأولية على أنها استعداد للتعلّم، وعندما تكون المعلومات ناقصة فإن دور المعلّم هو ببساطة كليّة تقديم المعلومات الجديدة للمتعلّم كي يكتسبها. أما المعرفيون فإنهم ينظرون إلى المعلومات المكتسبة (المعرفة المسبقة) على أنها بناء معرفي – أو تصورات تتطلب فهمًا أعمق، واعتمادًا متبادلاً مع المعطيات الأخرى، وارتباطًا مع المعرفة المدخلة الجديدة. وإن اهتمام المعلّمِ بالمعرفة المسبقة ليست لملء إناء فارغ، كما يدعي السلوكيون، إنما بالأحرى لمساعدة المتعلّمِين على الدخول إلى تلك المعرفة، وفهم مضامينها الصحيحة والخاطئة (misconceptions)  وإزالة البنى المعرفية غير الملائمة سعيًا وراء البنى الملائمة. (Floden 1991)

أ- تنظيم المعرفة السابقة المكتسبة
كان "دايفيد أوزوبل" أول عالم نفس تربوي أميركي تحدث عن أهمية المعرفة المكتسبة كبنى معرفية أو شيماته (schemata) للوصول إلى تعلّم ذي معنى. وأعلن بأن الأفراد يتعلّمَون عندما يحوّلِون المادة الجديدة إلى شيماته (schemata) يعيدون بناءها أو تكييفها ضمن اطار بنيوي خاص بهم.
لذلك، فإن مفهوم "المنظّم المتقدّم أو التمهيدي (advanced organizer)" يقدّم للمتعلّمِين الدعم التعليمي الذي يسهّلِ التعلّم ذا المعنى، وهو أي المنظّم المتقدّم خلاصة المفاهيم والتعميمات والأفكار التي يتم تعلمها، والمعروضة على مستوى شامل وعام. وعندما تُقَدَمّ للمتعلّمِين في بداية الدرس فإنها تساعدهم على استرجاع المادة المشابهة (لديهم معرفة عنها) وربطها بتعلم المحتوى المختلف. والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل مقدّمات الكتب أو المقالات أو المواضيع. ويعتقد أوزوبل بأن "المنظّم المتقدّم" يساعد المتعلمين على بناء معرفتهم الجديدة. ويمكن تطبيق "المنظّم المتقدّم" من خلال جعل المتعلِّمين يدرسون عناوين الفصول والعناوين الفرعية، والمقدمات والخلاصات والأسئلة في نهاية الفصل قبل قراءة النص المطلوب معالجته. وهذا يثير المعرفة المسبقة التي خزّنها المتعلّمون في ذاكرتهم الطويلة الأمد، وعندما يقرأون الفصل فإنهم يشكّلون ارتباطات بين هذه المعرفة والأخرى القادمة، تلك الارتباطات التي تعزّز التعلّم الطويل الأمد معنًى وتذكُّرًا.

ب- التعرّف إلى آراء المتعلّمين ومعتقداتهم وأفكارهم
إن المتعلّمين الذين لا يملكون معرفة مسبقة وافية حول موضوع معيّن يجدون ولا شك صعوبة في تعلّم أشياء جديدة حوله. لنفترض مثلاً أنك تعلّم عن الحرب العالمية الأولى، والتلامذة لا يملكون أفكارًا أو معلومات حولها، وبناءً على ذلك، فإنهم لن يستطيعوا بناء جسور مع المعلومات الجديدة، ولن يبذلوا جهدًا لبناء منهجهم حول ما يتعلمون وسيتعاطون بسلبية مع الدرس. ولكن إذا امتلكوا أفكارًا ومعلومات عن الدرس أو إذا حاول المعلّم تنظيم الدرس حول عناوين كبيرة أو محاور حيث يستطيع المتعلّمون أن يبنوا عليها، فإنهم ولا شك سيندمجون في التفكير الفاعل الذي ينتج منه تعلّم له معنى وتذكّر.
وفي محاولة توضيح المقصود بـ "ذي المعنى"، يعتبر المعرفيون بأن الأهمية ليست لكمية المعلومات المقدّمة للمتعلّمين بل في كيفية تحويلها إلى معلومات ذات معنى بحيث يمكن فهمها واستخدامها بطريقة أفضل. ويَرَوْنَ بأن فوائد مثل هذه المقاربة المعرفية في التعليم كثيرة وتوسع دائرة فهم المتعلّمين ولا سيما عند اتباع طريقة التعلّم الاستقبالي، والتعلّم الاستبدالي، والتعلّم بالاكتشاف وحل المشكلات.
 فالتعليم الاستقبالي (reception teaching يتم عندما يتلقى المتعلّمون معلومات جديدة، تتصف بحسن التنظيم والبناء، وكلما كان تنظيم المعلومات جيدًا وبناؤها متماسكًا سهل تعلّم المتعلّمين (أوزوبل 1977). كما أن ذكر أهداف الدرس للمتعلّمين ينبّهِهم إلى ما سيتعلمونه والى ما سيصبحون قادرين على عمله في نهاية الدرس. ويركزون أيضًا على إعطاء أمثلة حسية من الحياة الواقعية وإلى السؤال عن رأي المتعلّمين الشخصي في كيفية الاستفادة من المعلومات الجديدة في حياتهم الاجتماعية.
 وفي التعليم الاستبدالي (reciprocal teaching أي عندما يحوّل المعلّم تدريجيًا عملية التعليم نحو المتعلّمين فيصبحون هم مسؤولين عن تعليم زملائهم متبعين أسلوب النمذجة (modeling). ويمكن للمعلّمِ هنا بعد أن يشرح مفهومًا معينًا، الطلب إلى تلميذ (أو أكثر) أن يعيدوا الشرح والتوضيح، أو الطلب إلى آخرين أن يقوموا بالتلخيص أو يشرحوا لزملائهم كيف نفذوا التلخيص وما هي الطريقة التي اتبعوها. كما يمكن للمعلّم بعد إنجاز عمل معين أن يطلب إلى بعض التلامذة إعادة شرح عملية الوصول إلى الإنجاز على اللوح وأمام جميع المتعلّمين.
وفي طريقة التعلّم بالاكتشاف (discovery learning)، التي تعتبر من أهم الطرائق المرتكزة على النظرية البنائية والتي كان من روادها عالم النفس السويسري جان بياجيه، والروسي ليف فيغو تسكي. وهذه الطريقة تشدّد على فهم المتعلّمِين وسعيهم للحصول على المعلومات والخبرات بأنفسهم. ويشير O’neil إلى أن المعلّمين يوفرون الوقت المناسب والفرص المتنوعة كي يستكشف المتعلِّمون الأفكار والظواهر والارتباطات، ويشاركوا فرضياتهم مع رفقائهم عندما يرون ضرورة لذلك. بالإضافة إلى إعادة النظر بأساليب تفكيرهم الأصلية. ويرى أنصار هذه الطريقة بأن التعلّم ذا المعنى يتحقق للتلامذة عندما يعملون فرديّاً وجماعيّاً، ولا سيما عندما ينفّذون الأنشطة التي تتطلب عمل فرق بشكل تعاوني، وعندما يدركون شخصيّاً ويفهمون أشياء بأنفسهم بدلاً من تلقيّها من أشخاص آخرين.
وأخيرًا في طريقة حل المشكلات (problem- solving) ولاسيما في التعامل مع المشكلات ذات التنظيم أو البناء الضعيف، أي في مجالات العلوم الإنسانية. وهي غالبًا ما تكون مشكلات نواجهها في حياتنا اليومية. ففي مثل هذه المشكلات، لا توجد إجراءات بسيطة محدّدة يمكن تطبيقها للوصول إلى حلول معينة، كما هي الحال في المسائل الرياضية والعلمية، بل تتطلّب الإجابة عن أسئلة، مثل: كيف يمكنني أن أستفيد من أوقات فراغي بشكل أفضل؟ أو كيف يمكنني أن أجعل درسي محور جذب لانتباه المتعلّمين؟ وعندما يسال المتعلّمون

وإذا حاولنا التطرّق إلى الاستراتيجيات الفكرية المتبعة في حل المشكلات الحياتية المعيشة، نرى كيف أن الخطوات المتبعة في استراتيجية حل المشكلات هذه تجعل الموضوع أو المواضيع الفرعية ذات معنى بالنسبة للمتعلّمين، ولاسيما عند التبصّر في الخطوات الآتية:
- تحديد الهدف.
- تعيين المشكلات أو العوائق.
- وضع وسائل أو حلول بديلة.
- ترقّب أو استكشاف نتائج الحلول الممكنة.
- تقدير درجة الرضى والاقتناع بحل المشكلة المطروحة.

ج- المشاركة في المعلومات الخاطئة: Misconceptions
يشير البنائيون المعرفيون بحذر إلى المعلومات المكتسبة المبنية على معلومات خاطئة، لأنها تُعَوّقِ اكتساب المعلومات الجديدة التي يقدّمها المعلّم، وأحيانًا تترسخ هذه المعلومات في ذهن المتعلّم فيرفض الجديد رغم استعمال طرائق بديلة. وقد تكون المعتقدات قوية بحيث يتجاهل المتعلّمِون العبارات التي لا يوافقون عليها أو الأشياء التي يرفضون رؤيتها بشكل صحيح.
وإن أفضل طريقة للتأكّد من أن المعلومات المكتسبة تعزّز التعلّم ذا المعنى والتعلّم الدقيق للمفاهيم هي من خلال طرح أسئلة عدة والتأمل في أثناء التحضير لوحدة ما مثل :

  1. ما هي الأفكار والتعميمات والمبادئ المهمة التي أريد أن يكتسبها تلامذتي في نهاية الوحدة؟
  2. كيف يبدو هذا العنوان للمتعلّمين؟ كيف سينظرون إليه أو يدركونه؟
  3. ما هي أفضل الطرائق لعرض أو تقديم هذه الأفكار لهم، كي يتسنى لهم ربطها بما يعرفون ومن ثم ليتحدّوا مدى ملاءمتها للمعلومات المكتسبة الراسخة؟

إن طرح مثل هذه الأسئلة سيدفع المعلّم ولا شك إلى البحث عن الإجابات المحتملة، ما يسهّل له عملية اختيار المفاهيم المناسبة والملائمة لمستوى المتعلّمِين الفكري والنفسي، كما يسمح له باختيار أفضل الطرائق والتقنيات التي تخدم هذه الأفكار والمحاور.

3.  تحدي صحة المعلومات الأولية المكتسبة وملاءمتها للمتعلّمين
ما هي أفضل الأساليب لتفرض على تلامذتك إجراء مقارنة بين ما يعرفونه وما يتعلّمونه؟ في الإجابة عن هذا السؤال يشير البنائيون إلى دَوْر المعلّمين في تخطيط دروسهم لخلق نزاع  أفهومي (conceptual).
فإذا قدّمت مثلاً درسًا في العلوم ممهدًا بما يأتي: إن الكائنات الصغيرة (germs) تدخل أجسامنا لتعيش فيها بهدوء وتأكل وتنمو... في حين ينظر التلامذة إلى هذه الكائنات على أنها تهدّد الجسم وتؤذيه أكثر من كونها مجرد أجسام تسعى إلى السلام في هذه البيئة الجديدة.
فالنزاع الأفهومي يظهر عندما لا تنتج معتقداتنا المكتسبة أو طرائق تفسيرنا للأشياء النتائج التي نتوقعها. ويمكن أن يطبق هذا النزاع في الدراسات الاجتماعية عندما يتحدّى المعلِّمون المعلومات المكتسبة حول حوادث معينة، وفي اللغة العربية عندما يطلبون إلى المتعلّمين التنبؤ حول ما يمكن أن يحصل عند قراءة قصة أو نص معين ، وفي العلوم كذلك عندما يطلب إليهم ان يحزروا أو يتوقعوا ماذا سيحدث عندما نمزج مواد كيميائية مع بعضها.
يشير المعرفيون، والبنائيون، إلى أن أفضل سبيل لخلق هذا التحدي هو في تصميم دروس يمكنها أن تخلق نزاعًا أفهوميّاً، ويعتقدون بأن المتعلّمِين يميلون عندئذ إلى حل هذا النزاع ببناء معانٍ جديدة لأنفسهم ثم استعادة ما تعلّموه لتطبيقه في مضامين  جديدة (غوديني، سيندر، غلاس، غاماس 93).
وصمّم بعض البنائيين والمعرفيين إطارًا مرجعيًّا للتعلّم يستخدمه المعلّمون لتعزيز النزاع الأفهومي والوصول إلى الحلول في مادة العلوم بحيث يمكن تطبيقه في أي مادة تعليمية.

4. إفساح المجال للشكّ وعدم اليقين
يعتقد البنائيون بأن حل المشكلات نادرًا ما يؤدّي إلى حلول سريعة وبسيطة وصحيحة. وعلى العكس، فإن المشكلات العالمية معقدة ومركزة وغير منظمة وغالبًا ما تكون الحلول عديدة ومتنوعة. لذلك، فإن التربويين البنائيين يقترحون مشكلات واقعية مأخوذة من الحياة المعيشة، إلا أنهم يفضّلون طرح مشكلات لا حلول أكيدة أو نهائية لها. كما يطلبون أن يكون لها عدة حلول، ولكل حل حسناته وسيئاته. وهذا العمل يخلق الشك وعدم اليقين اللذين يعتبران ضرورين لحصول التعلم ذي المعنى.
يعتبر البنائيون تعليم الخط على أنه حل لمشكلة لأنه يتضمن اكتشاف المشكلة، والتخطيط، والعصف الذهني، وتنظيم الأفكار، واختبار الارتباطات (العلاقات) والتماسك، والكتابة، والتحقق. لكن الخط في الوقت عينه، لم يعتبره البعض حلاّ لمشكلة لأنه محدود في الفكرة والمجال. وأن التعيين أو الفرض النموذجي هو في كتابة صفحة أو أقل تستكمل في الصف، ويختارها المعلّم، كي تختبر المعلومات والمهارات المكتسبة، هذا إذا اعتبرنا بأن مهمة التلميذ تكمن في الوصول إلى الجواب الصحيح أكثر من الاقتناع أو التعبير.
وقد قدم علماء النفس المعرفيون والبنائيون تجديدات حول تعليم الكتابة، تشدد على أن تعليم الكتابة يمرّ في تعليم المتعلّمِين لمقاربة الكتابة من طريق أنشطة حل المشكلة. ويتم تشجيع التلامذة على متابعة نمطهم وقضاياهم الخاصة في الكتابة أكثر من مجرد الكتابة حول مواضيع مقترحة من المعلّم. كما يتعلّمَون أهمية التخطيط مثل : وضع الهدف للكتابة، والتخطيط، وتحديد المعلومات المهمة التي ينبغي جمعها. وأخيرًا فإنهم يتحققون من كتاباتهم في ضوء الأهداف، التي تعتبر إجراءات عملية تقود التلامذة إلى تغيير أهدافهم واتباع المرونة في ضوء عدم التلاؤم او الوصول إلى معلومات متناقضة.

5. كيف يتعلّم المتعلّمون
لقد بيّنا سابقًا بأن المفكرين الجيدين يتبعون استراتيجيات معرفية (cognitive strategies) تسمح للمتعلّمِين باكتساب المعرفة وبنائها، من خلال وضعيات متنوعة، لتكون مساعدة لهم خلال حياتهم بأكملها. وتمت مراجعة العديد من الاستراتيجيات لمساعدة المتعلّمين على التذكّر، والفهم، وحل المشكلات في مجالات أكاديمية مختلفة.
إن المقاربة البنائية للتعليم الصفي تتضمن استراتيجيات معرفية تكسب المتعلّمِين المهارات وكيفية إدارتها. ويعتبر كارل برايتر (السيكولوجي المعرفي) أن هذا الهدف التعلّمي هو الذي يساعد المتعلّمِين كي يصبحوا متعلّمين قصديين (1990)، ولا يصبح المتعلّمِون كذلك إلا عندما يجدون أو يكتشفون مقارباتهم أو أنظمتهم الخاصة التي تحقق أهدافهم التربوية. فالتعلّم القصدي الهادف يتطلب القدرة على معرفة مصادر أو موارد التعلّم وتحديدها، والتغلّب على صعوبات التعلّم، ومعرفة كيفية بذل الجهد باستمرار لتحقيق التعلّم.
ويجد المتعلّمِون القصديون أنفسهم مسؤولين عن تعلّمهم بمعنى أنهم يجدون أنفسهم لا المعلّمِين مسؤولين عن إدارة قدراتهم الذاتية للتعلّم. وفي الواقع، فإن المعرفيين يملكون الأدلة كي يقترحوا بأن استخدام المتعلّمِين لاستراتيجياتهم المعرفية تعتمد على إرادتهم في تقبّل المسؤولية لتعلّمهم الخاص. وبكلمات أخرى، فإنهم يعرفون كيف يستخدمون إدراكهم في أثناء تعلّمهم. وإن المتعلّم الجيد يكون على مسافة أقرب من إدراكه وتقييمه لاستيعابه الذاتي أكثر من المتعلِّم العادي. وإن استخدام المتعلّم لاستراتيجيات معرفية وإدارتها يمكن تلخيصها في خطاب "برايتر" في قوله: "نحن نصل إلى الاستنتاجات ذاتها من خلال عدة طرائق : ولكي نعرف ماذا يعلّم في المدارس فإنه ينبغي على المتعلّمين أن يبذلوا مجهودات فكرية متضمنة في الأنشطة المدرسية. ومن دون هذا التعلّمُ القصدي المرتكز على مهارات التفكير، تنخفض التربية إلى مجرد أنشطة وفروض وأعمال مدرسية".

6. جعل التعلّم مغامرة معرفية تعاونية
إن التعليم المرتكز على بناء المعرفة هو في الحقيقة مجهود فكري أكثر من كونه مجرد بحث عن المعرفة أو نشاط من المعلّمِ وتحت إشرافه (برايتر وفيغوتسكي 98 و 87 ). إن المغامرة المعرفية التعاونية تركّز على هدف معرفي واضح وعلى مكوّنات متنوعة يقوم بها المشاركون في غرفة الصف: المتعلِّم، المجموعات والمعلّمِون. واستنادًا إلى نظرية التعلّم المعرفية، فإن بناء المعرفة الأصيلة ليست عملية منفصلة يقوم بها المتعلّمِ بمفرده معزولاً عن رفاقه وعن الراشدين.
ولا يزال البحث مستمرًا لتوثيق أنظمة المغامرة المعرفية التعاونية وأثرها في الأعمال الفردية. (سلافين 90) ومن حسنات التعلّم التعاوني هو أن المتعلّم الجديد يكتسب المعرفة واستراتيجيات التعلّم من ملاحظة الذين يملكون المعرفة وتقليدهم (براون، بالينسكار 89) بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى تجعل من التعلّمُ الذي يتم في محيط اجتماعي أكثر أهمية وفاعلية، ولنطّلع على بعض هذه العوامل:

أ- النمو في المفاهيم: Conceptual Growth
إن التعلّم الفريقي أو الجماعي هو قوة أساسية لتعزيز النمو في المفاهيم كما يشير إلى ذلك كل من براون وكامبيون في العام 86 فالتعليم الجماعي يدفع المتعلّمِين الى تكييف تفكيرهم بما يتناسب مع الآخرين. وإن النمو في المفاهيم يحصل غالبًا عندما يبدأ المتعلّمون بالتفكير في آراء ومنظورات الآخرين البديلة، وحين يقدّمون أفكارهم ويدافعون عنها أمام الآخرين، وعندما يناقشون حسنات هذه الآراء والأفكار ويعلّلون فوائدها.

ب- الدعم الاجتماعي: Social Support
تقدّم المجموعات الدعم الاجتماعي لأفرادها بشكل تأييد وتشجيع أو مديح. فالتعليم الجماعي وحل المشكلات يسمح للمتعلّمِين معرفة وتصوّر ولعب أدوار وتحمّل مسؤوليات مختلفة (مثلاً: الباحث، المسجّل، الملخّص، المشاكس، الداعم...) فأفراد المجموعة يشجّعون بعضهم بعضًا لتحمل مسؤوليات هذه الأدوار بحيث تستطيع المجموعة أن تحقّق عملها وتنفّذه.
ج- النمذجة المعرفية: Cognitive Modeling
عندما يُعطى المتعلّمون فرصة التعلّم في محيط اجتماعي، فإنهم يلاحظون عمليات تفكير أعضاء المجموعة في أثناء تنفيذ الأعمال المطلوبة إليهم. وعندما يجري النقاش والجدال بين أفراد المجموعة، فإن استراتيجيات التفكير غالبًا ما تظهر وتصبح واضحة. فالأبحاث حول التعلّم الاجتماعي يبيّن بأن الأطفال يتعلّمَون بعضهم من بعض طرائق التفكير الجيد كما أشار إلى ذلك . عالم النفس زيمرمان عام 1990.
د- المشاركة في الخبرة التعليمية لمجموعة ما
غالبًا ما تشمل التعيينات مشاركة أعضائها في مجالات مختلفة من العمل. فمثلاً إن تنفيذ مشروع عن حياة عالم مشهور يتطلب من أفراد المجموعة البحث عن معلومات حول مجالات مختلفة من أنشطته وخبراته كالتربية والثقافة والإنجازات والحوادث المهمة في حياته. ويصبح كل فرد في المجموعة متخصّصًا في مادة ويتواصل مع الأفراد الآخرين ويتبادل معرفته معهم، وهكذا يصبح التعلّم الجماعي فعّالاً لاكتساب معلومات جديدة (سلافين 1985).

7. تقييم تحصيل المتعلّم خلال الدرس
يتفق معظم التربويين على أن الاختبار عامل مهم في التعليم الجيد. وتقليديّاً يجري الامتحان بعد الانتهاء من الدرس أو الوحدة أو بعد فصل دراسي أو مدة معينة. ويعتقد علماء النفس المعرفيون بأن فصل الامتحان عن الدرس يؤدي إلى نتائج مخيّبة للآمال (Wiggins) لأنه أولاً، لا يحصل المتعلّمون على تغذية راجعة  حول إجاباتهم إلا بعد فترة طويلة من إنجازهم الحقيقي. وثانيًا، قد يفقد المتعلّمون الارتباطات بين ما يحدث في الصف وما يحدث في يوم الامتحان، ما يقلّل من الاندفاع تجاه التعلّم في الصف من جهة والدرس للامتحان من جهة ثانية. لكن التقييم ضمن الدرس، يقدّم للمتعلّمين تغذية راجعة مباشرة تسمح لهم بإدراك الارتباطات والعلاقات بين موضوع الدرس والامتحان، وتظهر لهم بأن الامتحان جزء متكامل مع عملية التعلّمُ. فالتقييم المستند إلى الإنجاز هو جزء مهم من التعلّم البنائي.
إن العناصر السبعة المذكورة آنفًا تمّثل جذور النظرية البنائية في التعلّم. وسنعرض في مقالات لاحقة بعض التطبيقات العملية لهذه النظرية، وربما لبعض الانتقادات التربوية والمنهجية التي وجّهِت إليها.


References

  1. Brooks .J.G. Brooks M.G. The Case for Constructivist Classrooms, Alexandria, 1993.
  2. Gary D Borich and Martin L. Educational Psychology, A Contemporary Approach. Tombari. Second edition, Longman 1997.
  3. Donald Cruikshank, Debora Bainer, The Act of Teaching, second edition, Mc Graw – Hill College 1999.
  4. Bruce Joyce, Marsha Weil. Models of Teaching, Fourth edition, India private limited, 1992.
  5. Elkind David. Educational Forum, The Problem of Constructivism. summer 2004.
  6. Glasersfeld, E.A Constructivist Approach to Teaching Hillsdale n.j. 1995.
  7. Duit R. Constructivism in Education, Hillsdale, N. J Lawrence. Erlbaum, 1995.

البنائية Constructivism - أسس النظرية البنائية في عملية التعلّمُ / التعليم وتطبيقاتها التربوية

صورة الاستاذ حنا عوكر

كثيراً ما نسمع عن النظرية البنائية في التعلّمُ، والأثر الذي تركته في المناهج والكتب المدرسية وطرائق التعليم، بحيث بتنا أمام قضية تربوية متجددة تتلخص في عدم معرفتنا جذور هذه النظرية وأسسها وإجراءات تطبيقها. والمعلّمِ، باعتباره المسؤول الأول عن تطبيق المناهج الجديدة، يشعر بحاجة ماسة إلى ضرورة التعرف إلى هذه النظرية وتوجّهُاتها وأسسها ومرتكزاتها، كما يحتاج إلى أمثلة متنوعة مادية وحسية توضح له هذه المقاربة الجديدة في التعلّم. ونؤكد هنا، بأن مجرد القراءة حول هذه النظرية تعتبرالخطوة الأولى في مسيرة الإلمام بها والتمكّن منها للاستفادة في التطبيقات العملية الصفية واليومية. وما هذه المقالة الموجزة إلا محاولة أولية لإلقاء الضوء على هذه المقاربة التي باتت خلال فترة وجيزة بفضل أعمال وجهود مجموعة كبيرة من التربويين وعلماء النفس المعرفيين، مطبقة على شكل واسع في مجال التعلّمُ وفي مجالات أكاديمية مختلفة.

 

تطور مفهوم النظرية البنائية

تؤكد النماذج المعرفية الحديثة حول التفكير والتعلّمُ (نماذج معالجة المعلومات) على أن العقل لا يتعلّم بطريقة سلبية من خلال تسجيل المعلومات وحفظها، بل إيجابًا بواسطة محاولات ناشطة لجعل ما يتعلّمه الفرد من معلومات ذات معنى بالنسبة له. ويطلعنا النموذج البنائي المذكور على أن هذا النوع من التعلّم يحوّل المتعلّمين إلى ناشطين فعليين من طريق بناء ارتباطات وعلاقات داخلية أوعلائقية بين الأفكار والوقائع التي يتعلّمونها، بالإضافة إلى بناء ارتباطات خارجية بين المعلومات الجديدة من جهة والمعلومات السابقة المكتسبة من جهة أخرى. وتركز هذه المقاربة للتعلّم على الدور الناشط للمعلّم. فالبنائية هي إذًا، مصطلح يستخدمه علماء النفس المعرفيون لتوضيح هذه المقاربة في التعلّم. وقد تطور مفهوم البنائية خلال العقود المنصرمة ليصبح اشمل وأوسع فيتحول من مجرد مصطلح لنظرية في التعلّم، إلى الارتباط بنظرية للمعرفة تشير إلى أن العالم معقّد، وليس هناك من حقيقة موضوعية ثابتة، وبأن أكثر ما نتعلّمه يُبنى فعليّاً من خلال معتقداتنا وتصوراتنا ومن خلال البيئة الاجتماعية التي نحيا فيها. وهذا ما أشار إليه أحد البنائيين، (ارنست فون غلاسرفيلد  Ernest Von Glaserfeld) في نظرته إلى فلسفة المعرفة فقال: "منذ القدم، وفي القرن الخامس للميلاد، أكد الفلاسفة وجود صعوبة منطقية لإثبات حقيقة ما في ميادين المعرفة، وأشاروا إلى أن المقارنة الضرورية بين المعرفة عن الشيء وحقيقتة الواقعية لا يمكن إجراؤها، لأن الإجراء العقلي (العملية العقلية) حول الحقيقة الواقعية للشيء تتم من خلال عمل معرفي آخر. وقد أسند هؤلاء المشكِّكون هذا الجدل إلى حيرة الفلاسفة الذين تصدّوا لهذه المشكلة. وعلى أي حال، فإنهم لم يتخطوا المفهوم التقليدي للمعرفة..."

وهنا تظهر البنائية التي اتبعت خطوات البراغماتية الأميركية وعددًا من المفكرين الأوروبيين في نهاية هذا القرن على أنها محاولة لمخالفة هذا التقليد المتّبع وكسره. فهي تشير إلى وجود خطأ ما في المفهوم التقليدي للمعرفة، وتقترح تغييره بدلاً من الاستمرار في نزاع فكري لا جدوى منه للوصول إلى حل لهذه الجدلية المتعارضة.  وهذا التغير يستند إلى:  Glaserfeld 1995 P.6-7  في عباراته الشهيرة: "أوقفوا البحث عن المتطلبات التي تجعل من المعرفة عالمًا مستقلاً، واعترفوا بأن المعرفة تمثل قيمة بالنسبة إلينا، خصوصًا في ما نعمله في عالمنا الواقعي، وفي الطرق الناجحة التي نتعامل بها مع الأشياء المادية، وفي التفكير بالمفاهيم المجرّدة".
إضافة إلى هذا الربط مع نظرية فلسفية في وجود المعرفة، فإن البنائية أصبحت مرتبطة بتيار تربوي رائد أعاد المتعلمين إلى واجهة العملية التعليمية/التعلمية. ويهدف هذا التيار إلى إقالة الممارسة التربوية بحيث تصبح الدروس مخطّطَة ومتدرّجِة لتشجيع التلامذة على استخدام خبراتهم بغية تحقيق فهم بنائي ناشط من خلال جعل ما يتعلمونه ذات معنى بالنسبة إليهم. وقد توصل التيار البنائي في التربية إلى تحقيق إصلاحات عديدة في المناهج التربوية وفي تعليم القراءة والكتابة والرياضيات والدراسات الاجتماعية والعلوم...(Duit 95, Saxe 95, Spivey 95) وسنتعرض للبنائية هنا كنتيجة لأبحاث علماء النفس المعرفيين باعتبارها تحرّكِ المتعلمين في المجالات الآتية: في الأعمال والإجراءات المساعدة على بناء ارتباطات داخلية، في مجال تنظيم المعلومات في الذاكرة النشطة، لتصبح مفهومة وذات معنى، وفي مساهمتها في بناء ارتباطات بين المعلومات الجديدة والأخرى المكتسبة. والبنائية، من هذا المنظور، هي تطبيق مبادئ التعلّم في الصف والتي استخرجت من النماذج المعرفية (cognitive models) التي تؤمّنِ للمتعلّمين فرصة بناء طرائق وأساليب خاصة بهم للحصول على المعرفة.


خصائص النظرية البنائية في عملية التعلّمُ/التعليم
إن الممارسات البنائية التعليمية سواء أكانت في مجالات العلوم أم الدراسات الاجتماعية أم الرياضيات أم القراءة والكتابة فإنها تتصف بالمميزات المشتركة الآتية :

  1. تنظم التعلّمُ والتعليم حول أفكار أو محاور كبيرة مهمة.
  2. تشدّد على أهمية المعرفة السابقة المكتسبة وارتباطها في اكتساب المعرفة الجديدة.
  3. تتحدى صحة وملاءمة المعلومات الأولية المكتسبة للمتعلّمين.
  4. تشكل مجالاً للشك وعدم اليقين.
  5. تعلّم المتعلمين كيف يتعلّمون.
  6. تنظر إلى التعلّمُ كمغامرة معرفية تعاونية.
  7. تسهّل تقّييم تحصيل المتعلّم خلال الدرس.

وسنحاول التطرُّق إلى مضمون هذه المميزات بالتفصيل.


1.  تنظيم التعلّمُ والتعليم حول أفكار أو محاور كبيرة مهمة
أبدت إحدى المعلّمات استياءها من الطريقة المتبّعة في كتاب التاريخ في معالجة موضوع الحرب العالمية الأولى، إذ شعرت بأن تلامذتها (الصف الأول الثانوي) فهموا بأن أسباب الحرب ناتجة من اغتيال شخص في عربته. لقد أرادت أن يستوعب تلامذتها بأن أسباب الحروب تعود إلى نزاعات دينية، أو اثنية، أو اقتصادية وغيرها... وهي تمتد بجذورها إلى تاريخ قديم. ومن أجل أن تحّول تفكير تلامذتها نحو فهم تعقيدات أسباب الحرب العالمية الأولى، طرحت هذا السؤال في الحصة الثالثة : "ماذا كان سيحصل لو لم يُقتل الأرشيدوق النمساوي فرديناند الأول"؟
ينظر المتعلّمون إلى التعلّمُ بأنه يشتمل على تذكُّر الحقائق، وملء الاستبيانات، والإجابة عن الأسئلة في نهاية الدرس، وإجراء الامتحانات، غير أن المقابلات المكثّفِة مع مستويات متعددة من المتعلمين أظهرت بأنهم لا يرون التعلم مقارنة بالراشدين، على أنه هدف (Breitex and Scard malia 89) وبكلمات أخرى فإنهم لا يتابعون الدرس بغرض التعلُّم بل بفكرة تنطوي على كتابة الفروض وتنفيذ الأنشطة والنجاح في الامتحانات...
يعتقد علماء النفس المعرفيون بأن نظرة المتعلّمِين للتعلّمُ على أنه مجرد نشاط وليس غاية، تدفعهم أي المتعلّمين، إلى أن يكونوا سلبيين خلال الدرس. وتوضيحًا، فإنهم ينتظرون بفارغ الصبر الورقة المطبوعة أو المختبر أو الفرض أو الامتحان. فكيف يستطيع المعلّم أن يحوّل النظرة إلى الهدف وليس إلى النشاط؟ وهنا يشير المعرفيون إلى أهمية دور المعلّمِ في أثناء الدرس إذ ينبغي عليه أن يباشر في شرح المفاهيم الأولية والتعميمات، والأفكار المتضمنة في المحتوى الدراسي من دون التركيز على الحقائق المجزّأة أو المعلومات المتباعدة (Brook 93). ولنستعرض بعض هذه الطرائق :
إن المناهج والكتب المدرسية تخلو نسبيّاً من المحاور والأفكار العامة والمبادئ، وتركّز على مجموعات من الحقائق أو الأنشطة. وكتب التاريخ أصدق دليل على ذلك، فيتعلّم التلامذة الحروب وأسبابها وتواريخها وأماكنها ويملأون الخرائط المتصلة بها. أما النظرية البنائية في التعليم عن الحروب فإنها تشدد على انخراط المتعلِّم في قضايا تدور حول النزاعات الإنسانية، وأسبابها ونتائجها. أما الحروب فإنها تقدم كمجموعة من الأحداث تساعد المتعلّم على بناء مفهوم أوسع حول التاريخ. وعندها يأتي دور المعلّم في تنظيم التعلّم حول أفكار عامة ومبادئ وتعميمات.
وإن أفضل طريقة كي يسترجع المعلّمِون المعرفة ويطبقوها هي طريقة الوضعية- المشكلة (problem- situation) التي تثيرهم وتحضّهم على التفكير والتنظيم وحل المشكلات.
وقد ظهرت أهمية تركيز الدروس وتوسيعها حول أفكار أو محاور في محاولات عدة لإصلاح المناهج خلال العقد الأخير من القرن العشرين. فمناهج العلوم التي يتم تعديلها باستمرار قد نظمت أخيرًا المعلومات حول "مفاهيم محورية" مثل "السبب والنتيجة" و"التغيّر والحفظ، والتنوّع والتغيّر، المادة والطاقة"، أكثر من تشديدها على مواضيع كالجهاز الهضمي، الكواكب، التغذية، والكهرباء، كما قدّمَ منهج فنون اللغة القراءة في مضمون يركِّز على المحاور كالخيال والواقع، التفكير والاندفاع، الحرية والمسؤولية، أكثر من تركيزه على الشعر والنثر والخرافة... وإن الخلفية العقلانية المنطقية التي تستند إليها هذه التغيرات هي اعتبار المتعلّمين قادرين على تعلّم المعنى والاستيعاب من خلال تنظيم المعلومات بأنفسهم، وربطها بمعلومات أخرى، وحفظها كشبكات (schemata) أو تصورات (representation) لا من خلال تركها قِطعًا معزولة ومجزأة من المعرفة. وكلما قُدّمِت الدروس على شكل بنيات كبيرة من المعرفة -كالمفاهيم والتعميمات والمحاور- كلما قام المتعلّمون بربط ما يتعلّمونه بخبراتهم السابقة.

2. أهمية المعرفة السابقة المكتسبة (prior-knowledge) وارتباطها باكتساب المعرفة الجديدة
يعتقد علماء النفس المعرفيون بأن المتعلّم – وإن كان صغير السن – لديه معلومات حول أي موضوع يتعلّمه. وهذه المعلومات قد تكون بشكل أفكار، مهما كانت مشوّشة مثل حقائق غير مترابطة، قواعد داخلية، وصور. وغالبًا ما تشتمل هذه المعلومات  على معتقدات غير صحيحة مثل "العالم مسطّحَ"، و"الشمس تدور حول الأرض"، وأن "الحرب كانت بسبب خلاف على أرض أو كلة"، أو أن "الكائنات العضوية الصغيرة سيئة بأكملها". فالمعلومات المكتسبة تؤثر في محاولات المتعلّمين بناء معانٍ مما يتعلّمونه، أو يقرأونه أو يسمعون عنه. وعلى عكس السلوكيين (behaviorists) الذين يعتقدون بأن المتعلّمين يمتصّون المعلومات سلبيًا ويخزِّنونها، فالمعرفيون البنائيون يؤكدون على أن المتعلّمين يحاولون دائمًا إيجاد معنى لكل ما يتعلّمونه.
وهنا نسأل، أليست المعلومات المكتسبة لدى المعرفيين تتشابه والمهارات المكتسبة لدى السلوكيين؟ وعلى رغم التشابه بين النقطتين فإن المعرفيين يشيرون إلى أن الأولى أبعد كثيرًا من الثانية. فالسلوكيون يرون المعلومات الأولية على أنها استعداد للتعلّم، وعندما تكون المعلومات ناقصة فإن دور المعلّم هو ببساطة كليّة تقديم المعلومات الجديدة للمتعلّم كي يكتسبها. أما المعرفيون فإنهم ينظرون إلى المعلومات المكتسبة (المعرفة المسبقة) على أنها بناء معرفي – أو تصورات تتطلب فهمًا أعمق، واعتمادًا متبادلاً مع المعطيات الأخرى، وارتباطًا مع المعرفة المدخلة الجديدة. وإن اهتمام المعلّمِ بالمعرفة المسبقة ليست لملء إناء فارغ، كما يدعي السلوكيون، إنما بالأحرى لمساعدة المتعلّمِين على الدخول إلى تلك المعرفة، وفهم مضامينها الصحيحة والخاطئة (misconceptions)  وإزالة البنى المعرفية غير الملائمة سعيًا وراء البنى الملائمة. (Floden 1991)

أ- تنظيم المعرفة السابقة المكتسبة
كان "دايفيد أوزوبل" أول عالم نفس تربوي أميركي تحدث عن أهمية المعرفة المكتسبة كبنى معرفية أو شيماته (schemata) للوصول إلى تعلّم ذي معنى. وأعلن بأن الأفراد يتعلّمَون عندما يحوّلِون المادة الجديدة إلى شيماته (schemata) يعيدون بناءها أو تكييفها ضمن اطار بنيوي خاص بهم.
لذلك، فإن مفهوم "المنظّم المتقدّم أو التمهيدي (advanced organizer)" يقدّم للمتعلّمِين الدعم التعليمي الذي يسهّلِ التعلّم ذا المعنى، وهو أي المنظّم المتقدّم خلاصة المفاهيم والتعميمات والأفكار التي يتم تعلمها، والمعروضة على مستوى شامل وعام. وعندما تُقَدَمّ للمتعلّمِين في بداية الدرس فإنها تساعدهم على استرجاع المادة المشابهة (لديهم معرفة عنها) وربطها بتعلم المحتوى المختلف. والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل مقدّمات الكتب أو المقالات أو المواضيع. ويعتقد أوزوبل بأن "المنظّم المتقدّم" يساعد المتعلمين على بناء معرفتهم الجديدة. ويمكن تطبيق "المنظّم المتقدّم" من خلال جعل المتعلِّمين يدرسون عناوين الفصول والعناوين الفرعية، والمقدمات والخلاصات والأسئلة في نهاية الفصل قبل قراءة النص المطلوب معالجته. وهذا يثير المعرفة المسبقة التي خزّنها المتعلّمون في ذاكرتهم الطويلة الأمد، وعندما يقرأون الفصل فإنهم يشكّلون ارتباطات بين هذه المعرفة والأخرى القادمة، تلك الارتباطات التي تعزّز التعلّم الطويل الأمد معنًى وتذكُّرًا.

ب- التعرّف إلى آراء المتعلّمين ومعتقداتهم وأفكارهم
إن المتعلّمين الذين لا يملكون معرفة مسبقة وافية حول موضوع معيّن يجدون ولا شك صعوبة في تعلّم أشياء جديدة حوله. لنفترض مثلاً أنك تعلّم عن الحرب العالمية الأولى، والتلامذة لا يملكون أفكارًا أو معلومات حولها، وبناءً على ذلك، فإنهم لن يستطيعوا بناء جسور مع المعلومات الجديدة، ولن يبذلوا جهدًا لبناء منهجهم حول ما يتعلمون وسيتعاطون بسلبية مع الدرس. ولكن إذا امتلكوا أفكارًا ومعلومات عن الدرس أو إذا حاول المعلّم تنظيم الدرس حول عناوين كبيرة أو محاور حيث يستطيع المتعلّمون أن يبنوا عليها، فإنهم ولا شك سيندمجون في التفكير الفاعل الذي ينتج منه تعلّم له معنى وتذكّر.
وفي محاولة توضيح المقصود بـ "ذي المعنى"، يعتبر المعرفيون بأن الأهمية ليست لكمية المعلومات المقدّمة للمتعلّمين بل في كيفية تحويلها إلى معلومات ذات معنى بحيث يمكن فهمها واستخدامها بطريقة أفضل. ويَرَوْنَ بأن فوائد مثل هذه المقاربة المعرفية في التعليم كثيرة وتوسع دائرة فهم المتعلّمين ولا سيما عند اتباع طريقة التعلّم الاستقبالي، والتعلّم الاستبدالي، والتعلّم بالاكتشاف وحل المشكلات.
 فالتعليم الاستقبالي (reception teaching يتم عندما يتلقى المتعلّمون معلومات جديدة، تتصف بحسن التنظيم والبناء، وكلما كان تنظيم المعلومات جيدًا وبناؤها متماسكًا سهل تعلّم المتعلّمين (أوزوبل 1977). كما أن ذكر أهداف الدرس للمتعلّمين ينبّهِهم إلى ما سيتعلمونه والى ما سيصبحون قادرين على عمله في نهاية الدرس. ويركزون أيضًا على إعطاء أمثلة حسية من الحياة الواقعية وإلى السؤال عن رأي المتعلّمين الشخصي في كيفية الاستفادة من المعلومات الجديدة في حياتهم الاجتماعية.
 وفي التعليم الاستبدالي (reciprocal teaching أي عندما يحوّل المعلّم تدريجيًا عملية التعليم نحو المتعلّمين فيصبحون هم مسؤولين عن تعليم زملائهم متبعين أسلوب النمذجة (modeling). ويمكن للمعلّمِ هنا بعد أن يشرح مفهومًا معينًا، الطلب إلى تلميذ (أو أكثر) أن يعيدوا الشرح والتوضيح، أو الطلب إلى آخرين أن يقوموا بالتلخيص أو يشرحوا لزملائهم كيف نفذوا التلخيص وما هي الطريقة التي اتبعوها. كما يمكن للمعلّم بعد إنجاز عمل معين أن يطلب إلى بعض التلامذة إعادة شرح عملية الوصول إلى الإنجاز على اللوح وأمام جميع المتعلّمين.
وفي طريقة التعلّم بالاكتشاف (discovery learning)، التي تعتبر من أهم الطرائق المرتكزة على النظرية البنائية والتي كان من روادها عالم النفس السويسري جان بياجيه، والروسي ليف فيغو تسكي. وهذه الطريقة تشدّد على فهم المتعلّمِين وسعيهم للحصول على المعلومات والخبرات بأنفسهم. ويشير O’neil إلى أن المعلّمين يوفرون الوقت المناسب والفرص المتنوعة كي يستكشف المتعلِّمون الأفكار والظواهر والارتباطات، ويشاركوا فرضياتهم مع رفقائهم عندما يرون ضرورة لذلك. بالإضافة إلى إعادة النظر بأساليب تفكيرهم الأصلية. ويرى أنصار هذه الطريقة بأن التعلّم ذا المعنى يتحقق للتلامذة عندما يعملون فرديّاً وجماعيّاً، ولا سيما عندما ينفّذون الأنشطة التي تتطلب عمل فرق بشكل تعاوني، وعندما يدركون شخصيّاً ويفهمون أشياء بأنفسهم بدلاً من تلقيّها من أشخاص آخرين.
وأخيرًا في طريقة حل المشكلات (problem- solving) ولاسيما في التعامل مع المشكلات ذات التنظيم أو البناء الضعيف، أي في مجالات العلوم الإنسانية. وهي غالبًا ما تكون مشكلات نواجهها في حياتنا اليومية. ففي مثل هذه المشكلات، لا توجد إجراءات بسيطة محدّدة يمكن تطبيقها للوصول إلى حلول معينة، كما هي الحال في المسائل الرياضية والعلمية، بل تتطلّب الإجابة عن أسئلة، مثل: كيف يمكنني أن أستفيد من أوقات فراغي بشكل أفضل؟ أو كيف يمكنني أن أجعل درسي محور جذب لانتباه المتعلّمين؟ وعندما يسال المتعلّمون

وإذا حاولنا التطرّق إلى الاستراتيجيات الفكرية المتبعة في حل المشكلات الحياتية المعيشة، نرى كيف أن الخطوات المتبعة في استراتيجية حل المشكلات هذه تجعل الموضوع أو المواضيع الفرعية ذات معنى بالنسبة للمتعلّمين، ولاسيما عند التبصّر في الخطوات الآتية:
- تحديد الهدف.
- تعيين المشكلات أو العوائق.
- وضع وسائل أو حلول بديلة.
- ترقّب أو استكشاف نتائج الحلول الممكنة.
- تقدير درجة الرضى والاقتناع بحل المشكلة المطروحة.

ج- المشاركة في المعلومات الخاطئة: Misconceptions
يشير البنائيون المعرفيون بحذر إلى المعلومات المكتسبة المبنية على معلومات خاطئة، لأنها تُعَوّقِ اكتساب المعلومات الجديدة التي يقدّمها المعلّم، وأحيانًا تترسخ هذه المعلومات في ذهن المتعلّم فيرفض الجديد رغم استعمال طرائق بديلة. وقد تكون المعتقدات قوية بحيث يتجاهل المتعلّمِون العبارات التي لا يوافقون عليها أو الأشياء التي يرفضون رؤيتها بشكل صحيح.
وإن أفضل طريقة للتأكّد من أن المعلومات المكتسبة تعزّز التعلّم ذا المعنى والتعلّم الدقيق للمفاهيم هي من خلال طرح أسئلة عدة والتأمل في أثناء التحضير لوحدة ما مثل :

  1. ما هي الأفكار والتعميمات والمبادئ المهمة التي أريد أن يكتسبها تلامذتي في نهاية الوحدة؟
  2. كيف يبدو هذا العنوان للمتعلّمين؟ كيف سينظرون إليه أو يدركونه؟
  3. ما هي أفضل الطرائق لعرض أو تقديم هذه الأفكار لهم، كي يتسنى لهم ربطها بما يعرفون ومن ثم ليتحدّوا مدى ملاءمتها للمعلومات المكتسبة الراسخة؟

إن طرح مثل هذه الأسئلة سيدفع المعلّم ولا شك إلى البحث عن الإجابات المحتملة، ما يسهّل له عملية اختيار المفاهيم المناسبة والملائمة لمستوى المتعلّمِين الفكري والنفسي، كما يسمح له باختيار أفضل الطرائق والتقنيات التي تخدم هذه الأفكار والمحاور.

3.  تحدي صحة المعلومات الأولية المكتسبة وملاءمتها للمتعلّمين
ما هي أفضل الأساليب لتفرض على تلامذتك إجراء مقارنة بين ما يعرفونه وما يتعلّمونه؟ في الإجابة عن هذا السؤال يشير البنائيون إلى دَوْر المعلّمين في تخطيط دروسهم لخلق نزاع  أفهومي (conceptual).
فإذا قدّمت مثلاً درسًا في العلوم ممهدًا بما يأتي: إن الكائنات الصغيرة (germs) تدخل أجسامنا لتعيش فيها بهدوء وتأكل وتنمو... في حين ينظر التلامذة إلى هذه الكائنات على أنها تهدّد الجسم وتؤذيه أكثر من كونها مجرد أجسام تسعى إلى السلام في هذه البيئة الجديدة.
فالنزاع الأفهومي يظهر عندما لا تنتج معتقداتنا المكتسبة أو طرائق تفسيرنا للأشياء النتائج التي نتوقعها. ويمكن أن يطبق هذا النزاع في الدراسات الاجتماعية عندما يتحدّى المعلِّمون المعلومات المكتسبة حول حوادث معينة، وفي اللغة العربية عندما يطلبون إلى المتعلّمين التنبؤ حول ما يمكن أن يحصل عند قراءة قصة أو نص معين ، وفي العلوم كذلك عندما يطلب إليهم ان يحزروا أو يتوقعوا ماذا سيحدث عندما نمزج مواد كيميائية مع بعضها.
يشير المعرفيون، والبنائيون، إلى أن أفضل سبيل لخلق هذا التحدي هو في تصميم دروس يمكنها أن تخلق نزاعًا أفهوميّاً، ويعتقدون بأن المتعلّمِين يميلون عندئذ إلى حل هذا النزاع ببناء معانٍ جديدة لأنفسهم ثم استعادة ما تعلّموه لتطبيقه في مضامين  جديدة (غوديني، سيندر، غلاس، غاماس 93).
وصمّم بعض البنائيين والمعرفيين إطارًا مرجعيًّا للتعلّم يستخدمه المعلّمون لتعزيز النزاع الأفهومي والوصول إلى الحلول في مادة العلوم بحيث يمكن تطبيقه في أي مادة تعليمية.

4. إفساح المجال للشكّ وعدم اليقين
يعتقد البنائيون بأن حل المشكلات نادرًا ما يؤدّي إلى حلول سريعة وبسيطة وصحيحة. وعلى العكس، فإن المشكلات العالمية معقدة ومركزة وغير منظمة وغالبًا ما تكون الحلول عديدة ومتنوعة. لذلك، فإن التربويين البنائيين يقترحون مشكلات واقعية مأخوذة من الحياة المعيشة، إلا أنهم يفضّلون طرح مشكلات لا حلول أكيدة أو نهائية لها. كما يطلبون أن يكون لها عدة حلول، ولكل حل حسناته وسيئاته. وهذا العمل يخلق الشك وعدم اليقين اللذين يعتبران ضرورين لحصول التعلم ذي المعنى.
يعتبر البنائيون تعليم الخط على أنه حل لمشكلة لأنه يتضمن اكتشاف المشكلة، والتخطيط، والعصف الذهني، وتنظيم الأفكار، واختبار الارتباطات (العلاقات) والتماسك، والكتابة، والتحقق. لكن الخط في الوقت عينه، لم يعتبره البعض حلاّ لمشكلة لأنه محدود في الفكرة والمجال. وأن التعيين أو الفرض النموذجي هو في كتابة صفحة أو أقل تستكمل في الصف، ويختارها المعلّم، كي تختبر المعلومات والمهارات المكتسبة، هذا إذا اعتبرنا بأن مهمة التلميذ تكمن في الوصول إلى الجواب الصحيح أكثر من الاقتناع أو التعبير.
وقد قدم علماء النفس المعرفيون والبنائيون تجديدات حول تعليم الكتابة، تشدد على أن تعليم الكتابة يمرّ في تعليم المتعلّمِين لمقاربة الكتابة من طريق أنشطة حل المشكلة. ويتم تشجيع التلامذة على متابعة نمطهم وقضاياهم الخاصة في الكتابة أكثر من مجرد الكتابة حول مواضيع مقترحة من المعلّم. كما يتعلّمَون أهمية التخطيط مثل : وضع الهدف للكتابة، والتخطيط، وتحديد المعلومات المهمة التي ينبغي جمعها. وأخيرًا فإنهم يتحققون من كتاباتهم في ضوء الأهداف، التي تعتبر إجراءات عملية تقود التلامذة إلى تغيير أهدافهم واتباع المرونة في ضوء عدم التلاؤم او الوصول إلى معلومات متناقضة.

5. كيف يتعلّم المتعلّمون
لقد بيّنا سابقًا بأن المفكرين الجيدين يتبعون استراتيجيات معرفية (cognitive strategies) تسمح للمتعلّمِين باكتساب المعرفة وبنائها، من خلال وضعيات متنوعة، لتكون مساعدة لهم خلال حياتهم بأكملها. وتمت مراجعة العديد من الاستراتيجيات لمساعدة المتعلّمين على التذكّر، والفهم، وحل المشكلات في مجالات أكاديمية مختلفة.
إن المقاربة البنائية للتعليم الصفي تتضمن استراتيجيات معرفية تكسب المتعلّمِين المهارات وكيفية إدارتها. ويعتبر كارل برايتر (السيكولوجي المعرفي) أن هذا الهدف التعلّمي هو الذي يساعد المتعلّمِين كي يصبحوا متعلّمين قصديين (1990)، ولا يصبح المتعلّمِون كذلك إلا عندما يجدون أو يكتشفون مقارباتهم أو أنظمتهم الخاصة التي تحقق أهدافهم التربوية. فالتعلّم القصدي الهادف يتطلب القدرة على معرفة مصادر أو موارد التعلّم وتحديدها، والتغلّب على صعوبات التعلّم، ومعرفة كيفية بذل الجهد باستمرار لتحقيق التعلّم.
ويجد المتعلّمِون القصديون أنفسهم مسؤولين عن تعلّمهم بمعنى أنهم يجدون أنفسهم لا المعلّمِين مسؤولين عن إدارة قدراتهم الذاتية للتعلّم. وفي الواقع، فإن المعرفيين يملكون الأدلة كي يقترحوا بأن استخدام المتعلّمِين لاستراتيجياتهم المعرفية تعتمد على إرادتهم في تقبّل المسؤولية لتعلّمهم الخاص. وبكلمات أخرى، فإنهم يعرفون كيف يستخدمون إدراكهم في أثناء تعلّمهم. وإن المتعلّم الجيد يكون على مسافة أقرب من إدراكه وتقييمه لاستيعابه الذاتي أكثر من المتعلِّم العادي. وإن استخدام المتعلّم لاستراتيجيات معرفية وإدارتها يمكن تلخيصها في خطاب "برايتر" في قوله: "نحن نصل إلى الاستنتاجات ذاتها من خلال عدة طرائق : ولكي نعرف ماذا يعلّم في المدارس فإنه ينبغي على المتعلّمين أن يبذلوا مجهودات فكرية متضمنة في الأنشطة المدرسية. ومن دون هذا التعلّمُ القصدي المرتكز على مهارات التفكير، تنخفض التربية إلى مجرد أنشطة وفروض وأعمال مدرسية".

6. جعل التعلّم مغامرة معرفية تعاونية
إن التعليم المرتكز على بناء المعرفة هو في الحقيقة مجهود فكري أكثر من كونه مجرد بحث عن المعرفة أو نشاط من المعلّمِ وتحت إشرافه (برايتر وفيغوتسكي 98 و 87 ). إن المغامرة المعرفية التعاونية تركّز على هدف معرفي واضح وعلى مكوّنات متنوعة يقوم بها المشاركون في غرفة الصف: المتعلِّم، المجموعات والمعلّمِون. واستنادًا إلى نظرية التعلّم المعرفية، فإن بناء المعرفة الأصيلة ليست عملية منفصلة يقوم بها المتعلّمِ بمفرده معزولاً عن رفاقه وعن الراشدين.
ولا يزال البحث مستمرًا لتوثيق أنظمة المغامرة المعرفية التعاونية وأثرها في الأعمال الفردية. (سلافين 90) ومن حسنات التعلّم التعاوني هو أن المتعلّم الجديد يكتسب المعرفة واستراتيجيات التعلّم من ملاحظة الذين يملكون المعرفة وتقليدهم (براون، بالينسكار 89) بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى تجعل من التعلّمُ الذي يتم في محيط اجتماعي أكثر أهمية وفاعلية، ولنطّلع على بعض هذه العوامل:

أ- النمو في المفاهيم: Conceptual Growth
إن التعلّم الفريقي أو الجماعي هو قوة أساسية لتعزيز النمو في المفاهيم كما يشير إلى ذلك كل من براون وكامبيون في العام 86 فالتعليم الجماعي يدفع المتعلّمِين الى تكييف تفكيرهم بما يتناسب مع الآخرين. وإن النمو في المفاهيم يحصل غالبًا عندما يبدأ المتعلّمون بالتفكير في آراء ومنظورات الآخرين البديلة، وحين يقدّمون أفكارهم ويدافعون عنها أمام الآخرين، وعندما يناقشون حسنات هذه الآراء والأفكار ويعلّلون فوائدها.

ب- الدعم الاجتماعي: Social Support
تقدّم المجموعات الدعم الاجتماعي لأفرادها بشكل تأييد وتشجيع أو مديح. فالتعليم الجماعي وحل المشكلات يسمح للمتعلّمِين معرفة وتصوّر ولعب أدوار وتحمّل مسؤوليات مختلفة (مثلاً: الباحث، المسجّل، الملخّص، المشاكس، الداعم...) فأفراد المجموعة يشجّعون بعضهم بعضًا لتحمل مسؤوليات هذه الأدوار بحيث تستطيع المجموعة أن تحقّق عملها وتنفّذه.
ج- النمذجة المعرفية: Cognitive Modeling
عندما يُعطى المتعلّمون فرصة التعلّم في محيط اجتماعي، فإنهم يلاحظون عمليات تفكير أعضاء المجموعة في أثناء تنفيذ الأعمال المطلوبة إليهم. وعندما يجري النقاش والجدال بين أفراد المجموعة، فإن استراتيجيات التفكير غالبًا ما تظهر وتصبح واضحة. فالأبحاث حول التعلّم الاجتماعي يبيّن بأن الأطفال يتعلّمَون بعضهم من بعض طرائق التفكير الجيد كما أشار إلى ذلك . عالم النفس زيمرمان عام 1990.
د- المشاركة في الخبرة التعليمية لمجموعة ما
غالبًا ما تشمل التعيينات مشاركة أعضائها في مجالات مختلفة من العمل. فمثلاً إن تنفيذ مشروع عن حياة عالم مشهور يتطلب من أفراد المجموعة البحث عن معلومات حول مجالات مختلفة من أنشطته وخبراته كالتربية والثقافة والإنجازات والحوادث المهمة في حياته. ويصبح كل فرد في المجموعة متخصّصًا في مادة ويتواصل مع الأفراد الآخرين ويتبادل معرفته معهم، وهكذا يصبح التعلّم الجماعي فعّالاً لاكتساب معلومات جديدة (سلافين 1985).

7. تقييم تحصيل المتعلّم خلال الدرس
يتفق معظم التربويين على أن الاختبار عامل مهم في التعليم الجيد. وتقليديّاً يجري الامتحان بعد الانتهاء من الدرس أو الوحدة أو بعد فصل دراسي أو مدة معينة. ويعتقد علماء النفس المعرفيون بأن فصل الامتحان عن الدرس يؤدي إلى نتائج مخيّبة للآمال (Wiggins) لأنه أولاً، لا يحصل المتعلّمون على تغذية راجعة  حول إجاباتهم إلا بعد فترة طويلة من إنجازهم الحقيقي. وثانيًا، قد يفقد المتعلّمون الارتباطات بين ما يحدث في الصف وما يحدث في يوم الامتحان، ما يقلّل من الاندفاع تجاه التعلّم في الصف من جهة والدرس للامتحان من جهة ثانية. لكن التقييم ضمن الدرس، يقدّم للمتعلّمين تغذية راجعة مباشرة تسمح لهم بإدراك الارتباطات والعلاقات بين موضوع الدرس والامتحان، وتظهر لهم بأن الامتحان جزء متكامل مع عملية التعلّمُ. فالتقييم المستند إلى الإنجاز هو جزء مهم من التعلّم البنائي.
إن العناصر السبعة المذكورة آنفًا تمّثل جذور النظرية البنائية في التعلّم. وسنعرض في مقالات لاحقة بعض التطبيقات العملية لهذه النظرية، وربما لبعض الانتقادات التربوية والمنهجية التي وجّهِت إليها.


References

  1. Brooks .J.G. Brooks M.G. The Case for Constructivist Classrooms, Alexandria, 1993.
  2. Gary D Borich and Martin L. Educational Psychology, A Contemporary Approach. Tombari. Second edition, Longman 1997.
  3. Donald Cruikshank, Debora Bainer, The Act of Teaching, second edition, Mc Graw – Hill College 1999.
  4. Bruce Joyce, Marsha Weil. Models of Teaching, Fourth edition, India private limited, 1992.
  5. Elkind David. Educational Forum, The Problem of Constructivism. summer 2004.
  6. Glasersfeld, E.A Constructivist Approach to Teaching Hillsdale n.j. 1995.
  7. Duit R. Constructivism in Education, Hillsdale, N. J Lawrence. Erlbaum, 1995.

البنائية Constructivism - أسس النظرية البنائية في عملية التعلّمُ / التعليم وتطبيقاتها التربوية

صورة الاستاذ حنا عوكر

كثيراً ما نسمع عن النظرية البنائية في التعلّمُ، والأثر الذي تركته في المناهج والكتب المدرسية وطرائق التعليم، بحيث بتنا أمام قضية تربوية متجددة تتلخص في عدم معرفتنا جذور هذه النظرية وأسسها وإجراءات تطبيقها. والمعلّمِ، باعتباره المسؤول الأول عن تطبيق المناهج الجديدة، يشعر بحاجة ماسة إلى ضرورة التعرف إلى هذه النظرية وتوجّهُاتها وأسسها ومرتكزاتها، كما يحتاج إلى أمثلة متنوعة مادية وحسية توضح له هذه المقاربة الجديدة في التعلّم. ونؤكد هنا، بأن مجرد القراءة حول هذه النظرية تعتبرالخطوة الأولى في مسيرة الإلمام بها والتمكّن منها للاستفادة في التطبيقات العملية الصفية واليومية. وما هذه المقالة الموجزة إلا محاولة أولية لإلقاء الضوء على هذه المقاربة التي باتت خلال فترة وجيزة بفضل أعمال وجهود مجموعة كبيرة من التربويين وعلماء النفس المعرفيين، مطبقة على شكل واسع في مجال التعلّمُ وفي مجالات أكاديمية مختلفة.

 

تطور مفهوم النظرية البنائية

تؤكد النماذج المعرفية الحديثة حول التفكير والتعلّمُ (نماذج معالجة المعلومات) على أن العقل لا يتعلّم بطريقة سلبية من خلال تسجيل المعلومات وحفظها، بل إيجابًا بواسطة محاولات ناشطة لجعل ما يتعلّمه الفرد من معلومات ذات معنى بالنسبة له. ويطلعنا النموذج البنائي المذكور على أن هذا النوع من التعلّم يحوّل المتعلّمين إلى ناشطين فعليين من طريق بناء ارتباطات وعلاقات داخلية أوعلائقية بين الأفكار والوقائع التي يتعلّمونها، بالإضافة إلى بناء ارتباطات خارجية بين المعلومات الجديدة من جهة والمعلومات السابقة المكتسبة من جهة أخرى. وتركز هذه المقاربة للتعلّم على الدور الناشط للمعلّم. فالبنائية هي إذًا، مصطلح يستخدمه علماء النفس المعرفيون لتوضيح هذه المقاربة في التعلّم. وقد تطور مفهوم البنائية خلال العقود المنصرمة ليصبح اشمل وأوسع فيتحول من مجرد مصطلح لنظرية في التعلّم، إلى الارتباط بنظرية للمعرفة تشير إلى أن العالم معقّد، وليس هناك من حقيقة موضوعية ثابتة، وبأن أكثر ما نتعلّمه يُبنى فعليّاً من خلال معتقداتنا وتصوراتنا ومن خلال البيئة الاجتماعية التي نحيا فيها. وهذا ما أشار إليه أحد البنائيين، (ارنست فون غلاسرفيلد  Ernest Von Glaserfeld) في نظرته إلى فلسفة المعرفة فقال: "منذ القدم، وفي القرن الخامس للميلاد، أكد الفلاسفة وجود صعوبة منطقية لإثبات حقيقة ما في ميادين المعرفة، وأشاروا إلى أن المقارنة الضرورية بين المعرفة عن الشيء وحقيقتة الواقعية لا يمكن إجراؤها، لأن الإجراء العقلي (العملية العقلية) حول الحقيقة الواقعية للشيء تتم من خلال عمل معرفي آخر. وقد أسند هؤلاء المشكِّكون هذا الجدل إلى حيرة الفلاسفة الذين تصدّوا لهذه المشكلة. وعلى أي حال، فإنهم لم يتخطوا المفهوم التقليدي للمعرفة..."

وهنا تظهر البنائية التي اتبعت خطوات البراغماتية الأميركية وعددًا من المفكرين الأوروبيين في نهاية هذا القرن على أنها محاولة لمخالفة هذا التقليد المتّبع وكسره. فهي تشير إلى وجود خطأ ما في المفهوم التقليدي للمعرفة، وتقترح تغييره بدلاً من الاستمرار في نزاع فكري لا جدوى منه للوصول إلى حل لهذه الجدلية المتعارضة.  وهذا التغير يستند إلى:  Glaserfeld 1995 P.6-7  في عباراته الشهيرة: "أوقفوا البحث عن المتطلبات التي تجعل من المعرفة عالمًا مستقلاً، واعترفوا بأن المعرفة تمثل قيمة بالنسبة إلينا، خصوصًا في ما نعمله في عالمنا الواقعي، وفي الطرق الناجحة التي نتعامل بها مع الأشياء المادية، وفي التفكير بالمفاهيم المجرّدة".
إضافة إلى هذا الربط مع نظرية فلسفية في وجود المعرفة، فإن البنائية أصبحت مرتبطة بتيار تربوي رائد أعاد المتعلمين إلى واجهة العملية التعليمية/التعلمية. ويهدف هذا التيار إلى إقالة الممارسة التربوية بحيث تصبح الدروس مخطّطَة ومتدرّجِة لتشجيع التلامذة على استخدام خبراتهم بغية تحقيق فهم بنائي ناشط من خلال جعل ما يتعلمونه ذات معنى بالنسبة إليهم. وقد توصل التيار البنائي في التربية إلى تحقيق إصلاحات عديدة في المناهج التربوية وفي تعليم القراءة والكتابة والرياضيات والدراسات الاجتماعية والعلوم...(Duit 95, Saxe 95, Spivey 95) وسنتعرض للبنائية هنا كنتيجة لأبحاث علماء النفس المعرفيين باعتبارها تحرّكِ المتعلمين في المجالات الآتية: في الأعمال والإجراءات المساعدة على بناء ارتباطات داخلية، في مجال تنظيم المعلومات في الذاكرة النشطة، لتصبح مفهومة وذات معنى، وفي مساهمتها في بناء ارتباطات بين المعلومات الجديدة والأخرى المكتسبة. والبنائية، من هذا المنظور، هي تطبيق مبادئ التعلّم في الصف والتي استخرجت من النماذج المعرفية (cognitive models) التي تؤمّنِ للمتعلّمين فرصة بناء طرائق وأساليب خاصة بهم للحصول على المعرفة.


خصائص النظرية البنائية في عملية التعلّمُ/التعليم
إن الممارسات البنائية التعليمية سواء أكانت في مجالات العلوم أم الدراسات الاجتماعية أم الرياضيات أم القراءة والكتابة فإنها تتصف بالمميزات المشتركة الآتية :

  1. تنظم التعلّمُ والتعليم حول أفكار أو محاور كبيرة مهمة.
  2. تشدّد على أهمية المعرفة السابقة المكتسبة وارتباطها في اكتساب المعرفة الجديدة.
  3. تتحدى صحة وملاءمة المعلومات الأولية المكتسبة للمتعلّمين.
  4. تشكل مجالاً للشك وعدم اليقين.
  5. تعلّم المتعلمين كيف يتعلّمون.
  6. تنظر إلى التعلّمُ كمغامرة معرفية تعاونية.
  7. تسهّل تقّييم تحصيل المتعلّم خلال الدرس.

وسنحاول التطرُّق إلى مضمون هذه المميزات بالتفصيل.


1.  تنظيم التعلّمُ والتعليم حول أفكار أو محاور كبيرة مهمة
أبدت إحدى المعلّمات استياءها من الطريقة المتبّعة في كتاب التاريخ في معالجة موضوع الحرب العالمية الأولى، إذ شعرت بأن تلامذتها (الصف الأول الثانوي) فهموا بأن أسباب الحرب ناتجة من اغتيال شخص في عربته. لقد أرادت أن يستوعب تلامذتها بأن أسباب الحروب تعود إلى نزاعات دينية، أو اثنية، أو اقتصادية وغيرها... وهي تمتد بجذورها إلى تاريخ قديم. ومن أجل أن تحّول تفكير تلامذتها نحو فهم تعقيدات أسباب الحرب العالمية الأولى، طرحت هذا السؤال في الحصة الثالثة : "ماذا كان سيحصل لو لم يُقتل الأرشيدوق النمساوي فرديناند الأول"؟
ينظر المتعلّمون إلى التعلّمُ بأنه يشتمل على تذكُّر الحقائق، وملء الاستبيانات، والإجابة عن الأسئلة في نهاية الدرس، وإجراء الامتحانات، غير أن المقابلات المكثّفِة مع مستويات متعددة من المتعلمين أظهرت بأنهم لا يرون التعلم مقارنة بالراشدين، على أنه هدف (Breitex and Scard malia 89) وبكلمات أخرى فإنهم لا يتابعون الدرس بغرض التعلُّم بل بفكرة تنطوي على كتابة الفروض وتنفيذ الأنشطة والنجاح في الامتحانات...
يعتقد علماء النفس المعرفيون بأن نظرة المتعلّمِين للتعلّمُ على أنه مجرد نشاط وليس غاية، تدفعهم أي المتعلّمين، إلى أن يكونوا سلبيين خلال الدرس. وتوضيحًا، فإنهم ينتظرون بفارغ الصبر الورقة المطبوعة أو المختبر أو الفرض أو الامتحان. فكيف يستطيع المعلّم أن يحوّل النظرة إلى الهدف وليس إلى النشاط؟ وهنا يشير المعرفيون إلى أهمية دور المعلّمِ في أثناء الدرس إذ ينبغي عليه أن يباشر في شرح المفاهيم الأولية والتعميمات، والأفكار المتضمنة في المحتوى الدراسي من دون التركيز على الحقائق المجزّأة أو المعلومات المتباعدة (Brook 93). ولنستعرض بعض هذه الطرائق :
إن المناهج والكتب المدرسية تخلو نسبيّاً من المحاور والأفكار العامة والمبادئ، وتركّز على مجموعات من الحقائق أو الأنشطة. وكتب التاريخ أصدق دليل على ذلك، فيتعلّم التلامذة الحروب وأسبابها وتواريخها وأماكنها ويملأون الخرائط المتصلة بها. أما النظرية البنائية في التعليم عن الحروب فإنها تشدد على انخراط المتعلِّم في قضايا تدور حول النزاعات الإنسانية، وأسبابها ونتائجها. أما الحروب فإنها تقدم كمجموعة من الأحداث تساعد المتعلّم على بناء مفهوم أوسع حول التاريخ. وعندها يأتي دور المعلّم في تنظيم التعلّم حول أفكار عامة ومبادئ وتعميمات.
وإن أفضل طريقة كي يسترجع المعلّمِون المعرفة ويطبقوها هي طريقة الوضعية- المشكلة (problem- situation) التي تثيرهم وتحضّهم على التفكير والتنظيم وحل المشكلات.
وقد ظهرت أهمية تركيز الدروس وتوسيعها حول أفكار أو محاور في محاولات عدة لإصلاح المناهج خلال العقد الأخير من القرن العشرين. فمناهج العلوم التي يتم تعديلها باستمرار قد نظمت أخيرًا المعلومات حول "مفاهيم محورية" مثل "السبب والنتيجة" و"التغيّر والحفظ، والتنوّع والتغيّر، المادة والطاقة"، أكثر من تشديدها على مواضيع كالجهاز الهضمي، الكواكب، التغذية، والكهرباء، كما قدّمَ منهج فنون اللغة القراءة في مضمون يركِّز على المحاور كالخيال والواقع، التفكير والاندفاع، الحرية والمسؤولية، أكثر من تركيزه على الشعر والنثر والخرافة... وإن الخلفية العقلانية المنطقية التي تستند إليها هذه التغيرات هي اعتبار المتعلّمين قادرين على تعلّم المعنى والاستيعاب من خلال تنظيم المعلومات بأنفسهم، وربطها بمعلومات أخرى، وحفظها كشبكات (schemata) أو تصورات (representation) لا من خلال تركها قِطعًا معزولة ومجزأة من المعرفة. وكلما قُدّمِت الدروس على شكل بنيات كبيرة من المعرفة -كالمفاهيم والتعميمات والمحاور- كلما قام المتعلّمون بربط ما يتعلّمونه بخبراتهم السابقة.

2. أهمية المعرفة السابقة المكتسبة (prior-knowledge) وارتباطها باكتساب المعرفة الجديدة
يعتقد علماء النفس المعرفيون بأن المتعلّم – وإن كان صغير السن – لديه معلومات حول أي موضوع يتعلّمه. وهذه المعلومات قد تكون بشكل أفكار، مهما كانت مشوّشة مثل حقائق غير مترابطة، قواعد داخلية، وصور. وغالبًا ما تشتمل هذه المعلومات  على معتقدات غير صحيحة مثل "العالم مسطّحَ"، و"الشمس تدور حول الأرض"، وأن "الحرب كانت بسبب خلاف على أرض أو كلة"، أو أن "الكائنات العضوية الصغيرة سيئة بأكملها". فالمعلومات المكتسبة تؤثر في محاولات المتعلّمين بناء معانٍ مما يتعلّمونه، أو يقرأونه أو يسمعون عنه. وعلى عكس السلوكيين (behaviorists) الذين يعتقدون بأن المتعلّمين يمتصّون المعلومات سلبيًا ويخزِّنونها، فالمعرفيون البنائيون يؤكدون على أن المتعلّمين يحاولون دائمًا إيجاد معنى لكل ما يتعلّمونه.
وهنا نسأل، أليست المعلومات المكتسبة لدى المعرفيين تتشابه والمهارات المكتسبة لدى السلوكيين؟ وعلى رغم التشابه بين النقطتين فإن المعرفيين يشيرون إلى أن الأولى أبعد كثيرًا من الثانية. فالسلوكيون يرون المعلومات الأولية على أنها استعداد للتعلّم، وعندما تكون المعلومات ناقصة فإن دور المعلّم هو ببساطة كليّة تقديم المعلومات الجديدة للمتعلّم كي يكتسبها. أما المعرفيون فإنهم ينظرون إلى المعلومات المكتسبة (المعرفة المسبقة) على أنها بناء معرفي – أو تصورات تتطلب فهمًا أعمق، واعتمادًا متبادلاً مع المعطيات الأخرى، وارتباطًا مع المعرفة المدخلة الجديدة. وإن اهتمام المعلّمِ بالمعرفة المسبقة ليست لملء إناء فارغ، كما يدعي السلوكيون، إنما بالأحرى لمساعدة المتعلّمِين على الدخول إلى تلك المعرفة، وفهم مضامينها الصحيحة والخاطئة (misconceptions)  وإزالة البنى المعرفية غير الملائمة سعيًا وراء البنى الملائمة. (Floden 1991)

أ- تنظيم المعرفة السابقة المكتسبة
كان "دايفيد أوزوبل" أول عالم نفس تربوي أميركي تحدث عن أهمية المعرفة المكتسبة كبنى معرفية أو شيماته (schemata) للوصول إلى تعلّم ذي معنى. وأعلن بأن الأفراد يتعلّمَون عندما يحوّلِون المادة الجديدة إلى شيماته (schemata) يعيدون بناءها أو تكييفها ضمن اطار بنيوي خاص بهم.
لذلك، فإن مفهوم "المنظّم المتقدّم أو التمهيدي (advanced organizer)" يقدّم للمتعلّمِين الدعم التعليمي الذي يسهّلِ التعلّم ذا المعنى، وهو أي المنظّم المتقدّم خلاصة المفاهيم والتعميمات والأفكار التي يتم تعلمها، والمعروضة على مستوى شامل وعام. وعندما تُقَدَمّ للمتعلّمِين في بداية الدرس فإنها تساعدهم على استرجاع المادة المشابهة (لديهم معرفة عنها) وربطها بتعلم المحتوى المختلف. والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل مقدّمات الكتب أو المقالات أو المواضيع. ويعتقد أوزوبل بأن "المنظّم المتقدّم" يساعد المتعلمين على بناء معرفتهم الجديدة. ويمكن تطبيق "المنظّم المتقدّم" من خلال جعل المتعلِّمين يدرسون عناوين الفصول والعناوين الفرعية، والمقدمات والخلاصات والأسئلة في نهاية الفصل قبل قراءة النص المطلوب معالجته. وهذا يثير المعرفة المسبقة التي خزّنها المتعلّمون في ذاكرتهم الطويلة الأمد، وعندما يقرأون الفصل فإنهم يشكّلون ارتباطات بين هذه المعرفة والأخرى القادمة، تلك الارتباطات التي تعزّز التعلّم الطويل الأمد معنًى وتذكُّرًا.

ب- التعرّف إلى آراء المتعلّمين ومعتقداتهم وأفكارهم
إن المتعلّمين الذين لا يملكون معرفة مسبقة وافية حول موضوع معيّن يجدون ولا شك صعوبة في تعلّم أشياء جديدة حوله. لنفترض مثلاً أنك تعلّم عن الحرب العالمية الأولى، والتلامذة لا يملكون أفكارًا أو معلومات حولها، وبناءً على ذلك، فإنهم لن يستطيعوا بناء جسور مع المعلومات الجديدة، ولن يبذلوا جهدًا لبناء منهجهم حول ما يتعلمون وسيتعاطون بسلبية مع الدرس. ولكن إذا امتلكوا أفكارًا ومعلومات عن الدرس أو إذا حاول المعلّم تنظيم الدرس حول عناوين كبيرة أو محاور حيث يستطيع المتعلّمون أن يبنوا عليها، فإنهم ولا شك سيندمجون في التفكير الفاعل الذي ينتج منه تعلّم له معنى وتذكّر.
وفي محاولة توضيح المقصود بـ "ذي المعنى"، يعتبر المعرفيون بأن الأهمية ليست لكمية المعلومات المقدّمة للمتعلّمين بل في كيفية تحويلها إلى معلومات ذات معنى بحيث يمكن فهمها واستخدامها بطريقة أفضل. ويَرَوْنَ بأن فوائد مثل هذه المقاربة المعرفية في التعليم كثيرة وتوسع دائرة فهم المتعلّمين ولا سيما عند اتباع طريقة التعلّم الاستقبالي، والتعلّم الاستبدالي، والتعلّم بالاكتشاف وحل المشكلات.
 فالتعليم الاستقبالي (reception teaching يتم عندما يتلقى المتعلّمون معلومات جديدة، تتصف بحسن التنظيم والبناء، وكلما كان تنظيم المعلومات جيدًا وبناؤها متماسكًا سهل تعلّم المتعلّمين (أوزوبل 1977). كما أن ذكر أهداف الدرس للمتعلّمين ينبّهِهم إلى ما سيتعلمونه والى ما سيصبحون قادرين على عمله في نهاية الدرس. ويركزون أيضًا على إعطاء أمثلة حسية من الحياة الواقعية وإلى السؤال عن رأي المتعلّمين الشخصي في كيفية الاستفادة من المعلومات الجديدة في حياتهم الاجتماعية.
 وفي التعليم الاستبدالي (reciprocal teaching أي عندما يحوّل المعلّم تدريجيًا عملية التعليم نحو المتعلّمين فيصبحون هم مسؤولين عن تعليم زملائهم متبعين أسلوب النمذجة (modeling). ويمكن للمعلّمِ هنا بعد أن يشرح مفهومًا معينًا، الطلب إلى تلميذ (أو أكثر) أن يعيدوا الشرح والتوضيح، أو الطلب إلى آخرين أن يقوموا بالتلخيص أو يشرحوا لزملائهم كيف نفذوا التلخيص وما هي الطريقة التي اتبعوها. كما يمكن للمعلّم بعد إنجاز عمل معين أن يطلب إلى بعض التلامذة إعادة شرح عملية الوصول إلى الإنجاز على اللوح وأمام جميع المتعلّمين.
وفي طريقة التعلّم بالاكتشاف (discovery learning)، التي تعتبر من أهم الطرائق المرتكزة على النظرية البنائية والتي كان من روادها عالم النفس السويسري جان بياجيه، والروسي ليف فيغو تسكي. وهذه الطريقة تشدّد على فهم المتعلّمِين وسعيهم للحصول على المعلومات والخبرات بأنفسهم. ويشير O’neil إلى أن المعلّمين يوفرون الوقت المناسب والفرص المتنوعة كي يستكشف المتعلِّمون الأفكار والظواهر والارتباطات، ويشاركوا فرضياتهم مع رفقائهم عندما يرون ضرورة لذلك. بالإضافة إلى إعادة النظر بأساليب تفكيرهم الأصلية. ويرى أنصار هذه الطريقة بأن التعلّم ذا المعنى يتحقق للتلامذة عندما يعملون فرديّاً وجماعيّاً، ولا سيما عندما ينفّذون الأنشطة التي تتطلب عمل فرق بشكل تعاوني، وعندما يدركون شخصيّاً ويفهمون أشياء بأنفسهم بدلاً من تلقيّها من أشخاص آخرين.
وأخيرًا في طريقة حل المشكلات (problem- solving) ولاسيما في التعامل مع المشكلات ذات التنظيم أو البناء الضعيف، أي في مجالات العلوم الإنسانية. وهي غالبًا ما تكون مشكلات نواجهها في حياتنا اليومية. ففي مثل هذه المشكلات، لا توجد إجراءات بسيطة محدّدة يمكن تطبيقها للوصول إلى حلول معينة، كما هي الحال في المسائل الرياضية والعلمية، بل تتطلّب الإجابة عن أسئلة، مثل: كيف يمكنني أن أستفيد من أوقات فراغي بشكل أفضل؟ أو كيف يمكنني أن أجعل درسي محور جذب لانتباه المتعلّمين؟ وعندما يسال المتعلّمون

وإذا حاولنا التطرّق إلى الاستراتيجيات الفكرية المتبعة في حل المشكلات الحياتية المعيشة، نرى كيف أن الخطوات المتبعة في استراتيجية حل المشكلات هذه تجعل الموضوع أو المواضيع الفرعية ذات معنى بالنسبة للمتعلّمين، ولاسيما عند التبصّر في الخطوات الآتية:
- تحديد الهدف.
- تعيين المشكلات أو العوائق.
- وضع وسائل أو حلول بديلة.
- ترقّب أو استكشاف نتائج الحلول الممكنة.
- تقدير درجة الرضى والاقتناع بحل المشكلة المطروحة.

ج- المشاركة في المعلومات الخاطئة: Misconceptions
يشير البنائيون المعرفيون بحذر إلى المعلومات المكتسبة المبنية على معلومات خاطئة، لأنها تُعَوّقِ اكتساب المعلومات الجديدة التي يقدّمها المعلّم، وأحيانًا تترسخ هذه المعلومات في ذهن المتعلّم فيرفض الجديد رغم استعمال طرائق بديلة. وقد تكون المعتقدات قوية بحيث يتجاهل المتعلّمِون العبارات التي لا يوافقون عليها أو الأشياء التي يرفضون رؤيتها بشكل صحيح.
وإن أفضل طريقة للتأكّد من أن المعلومات المكتسبة تعزّز التعلّم ذا المعنى والتعلّم الدقيق للمفاهيم هي من خلال طرح أسئلة عدة والتأمل في أثناء التحضير لوحدة ما مثل :

  1. ما هي الأفكار والتعميمات والمبادئ المهمة التي أريد أن يكتسبها تلامذتي في نهاية الوحدة؟
  2. كيف يبدو هذا العنوان للمتعلّمين؟ كيف سينظرون إليه أو يدركونه؟
  3. ما هي أفضل الطرائق لعرض أو تقديم هذه الأفكار لهم، كي يتسنى لهم ربطها بما يعرفون ومن ثم ليتحدّوا مدى ملاءمتها للمعلومات المكتسبة الراسخة؟

إن طرح مثل هذه الأسئلة سيدفع المعلّم ولا شك إلى البحث عن الإجابات المحتملة، ما يسهّل له عملية اختيار المفاهيم المناسبة والملائمة لمستوى المتعلّمِين الفكري والنفسي، كما يسمح له باختيار أفضل الطرائق والتقنيات التي تخدم هذه الأفكار والمحاور.

3.  تحدي صحة المعلومات الأولية المكتسبة وملاءمتها للمتعلّمين
ما هي أفضل الأساليب لتفرض على تلامذتك إجراء مقارنة بين ما يعرفونه وما يتعلّمونه؟ في الإجابة عن هذا السؤال يشير البنائيون إلى دَوْر المعلّمين في تخطيط دروسهم لخلق نزاع  أفهومي (conceptual).
فإذا قدّمت مثلاً درسًا في العلوم ممهدًا بما يأتي: إن الكائنات الصغيرة (germs) تدخل أجسامنا لتعيش فيها بهدوء وتأكل وتنمو... في حين ينظر التلامذة إلى هذه الكائنات على أنها تهدّد الجسم وتؤذيه أكثر من كونها مجرد أجسام تسعى إلى السلام في هذه البيئة الجديدة.
فالنزاع الأفهومي يظهر عندما لا تنتج معتقداتنا المكتسبة أو طرائق تفسيرنا للأشياء النتائج التي نتوقعها. ويمكن أن يطبق هذا النزاع في الدراسات الاجتماعية عندما يتحدّى المعلِّمون المعلومات المكتسبة حول حوادث معينة، وفي اللغة العربية عندما يطلبون إلى المتعلّمين التنبؤ حول ما يمكن أن يحصل عند قراءة قصة أو نص معين ، وفي العلوم كذلك عندما يطلب إليهم ان يحزروا أو يتوقعوا ماذا سيحدث عندما نمزج مواد كيميائية مع بعضها.
يشير المعرفيون، والبنائيون، إلى أن أفضل سبيل لخلق هذا التحدي هو في تصميم دروس يمكنها أن تخلق نزاعًا أفهوميّاً، ويعتقدون بأن المتعلّمِين يميلون عندئذ إلى حل هذا النزاع ببناء معانٍ جديدة لأنفسهم ثم استعادة ما تعلّموه لتطبيقه في مضامين  جديدة (غوديني، سيندر، غلاس، غاماس 93).
وصمّم بعض البنائيين والمعرفيين إطارًا مرجعيًّا للتعلّم يستخدمه المعلّمون لتعزيز النزاع الأفهومي والوصول إلى الحلول في مادة العلوم بحيث يمكن تطبيقه في أي مادة تعليمية.

4. إفساح المجال للشكّ وعدم اليقين
يعتقد البنائيون بأن حل المشكلات نادرًا ما يؤدّي إلى حلول سريعة وبسيطة وصحيحة. وعلى العكس، فإن المشكلات العالمية معقدة ومركزة وغير منظمة وغالبًا ما تكون الحلول عديدة ومتنوعة. لذلك، فإن التربويين البنائيين يقترحون مشكلات واقعية مأخوذة من الحياة المعيشة، إلا أنهم يفضّلون طرح مشكلات لا حلول أكيدة أو نهائية لها. كما يطلبون أن يكون لها عدة حلول، ولكل حل حسناته وسيئاته. وهذا العمل يخلق الشك وعدم اليقين اللذين يعتبران ضرورين لحصول التعلم ذي المعنى.
يعتبر البنائيون تعليم الخط على أنه حل لمشكلة لأنه يتضمن اكتشاف المشكلة، والتخطيط، والعصف الذهني، وتنظيم الأفكار، واختبار الارتباطات (العلاقات) والتماسك، والكتابة، والتحقق. لكن الخط في الوقت عينه، لم يعتبره البعض حلاّ لمشكلة لأنه محدود في الفكرة والمجال. وأن التعيين أو الفرض النموذجي هو في كتابة صفحة أو أقل تستكمل في الصف، ويختارها المعلّم، كي تختبر المعلومات والمهارات المكتسبة، هذا إذا اعتبرنا بأن مهمة التلميذ تكمن في الوصول إلى الجواب الصحيح أكثر من الاقتناع أو التعبير.
وقد قدم علماء النفس المعرفيون والبنائيون تجديدات حول تعليم الكتابة، تشدد على أن تعليم الكتابة يمرّ في تعليم المتعلّمِين لمقاربة الكتابة من طريق أنشطة حل المشكلة. ويتم تشجيع التلامذة على متابعة نمطهم وقضاياهم الخاصة في الكتابة أكثر من مجرد الكتابة حول مواضيع مقترحة من المعلّم. كما يتعلّمَون أهمية التخطيط مثل : وضع الهدف للكتابة، والتخطيط، وتحديد المعلومات المهمة التي ينبغي جمعها. وأخيرًا فإنهم يتحققون من كتاباتهم في ضوء الأهداف، التي تعتبر إجراءات عملية تقود التلامذة إلى تغيير أهدافهم واتباع المرونة في ضوء عدم التلاؤم او الوصول إلى معلومات متناقضة.

5. كيف يتعلّم المتعلّمون
لقد بيّنا سابقًا بأن المفكرين الجيدين يتبعون استراتيجيات معرفية (cognitive strategies) تسمح للمتعلّمِين باكتساب المعرفة وبنائها، من خلال وضعيات متنوعة، لتكون مساعدة لهم خلال حياتهم بأكملها. وتمت مراجعة العديد من الاستراتيجيات لمساعدة المتعلّمين على التذكّر، والفهم، وحل المشكلات في مجالات أكاديمية مختلفة.
إن المقاربة البنائية للتعليم الصفي تتضمن استراتيجيات معرفية تكسب المتعلّمِين المهارات وكيفية إدارتها. ويعتبر كارل برايتر (السيكولوجي المعرفي) أن هذا الهدف التعلّمي هو الذي يساعد المتعلّمِين كي يصبحوا متعلّمين قصديين (1990)، ولا يصبح المتعلّمِون كذلك إلا عندما يجدون أو يكتشفون مقارباتهم أو أنظمتهم الخاصة التي تحقق أهدافهم التربوية. فالتعلّم القصدي الهادف يتطلب القدرة على معرفة مصادر أو موارد التعلّم وتحديدها، والتغلّب على صعوبات التعلّم، ومعرفة كيفية بذل الجهد باستمرار لتحقيق التعلّم.
ويجد المتعلّمِون القصديون أنفسهم مسؤولين عن تعلّمهم بمعنى أنهم يجدون أنفسهم لا المعلّمِين مسؤولين عن إدارة قدراتهم الذاتية للتعلّم. وفي الواقع، فإن المعرفيين يملكون الأدلة كي يقترحوا بأن استخدام المتعلّمِين لاستراتيجياتهم المعرفية تعتمد على إرادتهم في تقبّل المسؤولية لتعلّمهم الخاص. وبكلمات أخرى، فإنهم يعرفون كيف يستخدمون إدراكهم في أثناء تعلّمهم. وإن المتعلّم الجيد يكون على مسافة أقرب من إدراكه وتقييمه لاستيعابه الذاتي أكثر من المتعلِّم العادي. وإن استخدام المتعلّم لاستراتيجيات معرفية وإدارتها يمكن تلخيصها في خطاب "برايتر" في قوله: "نحن نصل إلى الاستنتاجات ذاتها من خلال عدة طرائق : ولكي نعرف ماذا يعلّم في المدارس فإنه ينبغي على المتعلّمين أن يبذلوا مجهودات فكرية متضمنة في الأنشطة المدرسية. ومن دون هذا التعلّمُ القصدي المرتكز على مهارات التفكير، تنخفض التربية إلى مجرد أنشطة وفروض وأعمال مدرسية".

6. جعل التعلّم مغامرة معرفية تعاونية
إن التعليم المرتكز على بناء المعرفة هو في الحقيقة مجهود فكري أكثر من كونه مجرد بحث عن المعرفة أو نشاط من المعلّمِ وتحت إشرافه (برايتر وفيغوتسكي 98 و 87 ). إن المغامرة المعرفية التعاونية تركّز على هدف معرفي واضح وعلى مكوّنات متنوعة يقوم بها المشاركون في غرفة الصف: المتعلِّم، المجموعات والمعلّمِون. واستنادًا إلى نظرية التعلّم المعرفية، فإن بناء المعرفة الأصيلة ليست عملية منفصلة يقوم بها المتعلّمِ بمفرده معزولاً عن رفاقه وعن الراشدين.
ولا يزال البحث مستمرًا لتوثيق أنظمة المغامرة المعرفية التعاونية وأثرها في الأعمال الفردية. (سلافين 90) ومن حسنات التعلّم التعاوني هو أن المتعلّم الجديد يكتسب المعرفة واستراتيجيات التعلّم من ملاحظة الذين يملكون المعرفة وتقليدهم (براون، بالينسكار 89) بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى تجعل من التعلّمُ الذي يتم في محيط اجتماعي أكثر أهمية وفاعلية، ولنطّلع على بعض هذه العوامل:

أ- النمو في المفاهيم: Conceptual Growth
إن التعلّم الفريقي أو الجماعي هو قوة أساسية لتعزيز النمو في المفاهيم كما يشير إلى ذلك كل من براون وكامبيون في العام 86 فالتعليم الجماعي يدفع المتعلّمِين الى تكييف تفكيرهم بما يتناسب مع الآخرين. وإن النمو في المفاهيم يحصل غالبًا عندما يبدأ المتعلّمون بالتفكير في آراء ومنظورات الآخرين البديلة، وحين يقدّمون أفكارهم ويدافعون عنها أمام الآخرين، وعندما يناقشون حسنات هذه الآراء والأفكار ويعلّلون فوائدها.

ب- الدعم الاجتماعي: Social Support
تقدّم المجموعات الدعم الاجتماعي لأفرادها بشكل تأييد وتشجيع أو مديح. فالتعليم الجماعي وحل المشكلات يسمح للمتعلّمِين معرفة وتصوّر ولعب أدوار وتحمّل مسؤوليات مختلفة (مثلاً: الباحث، المسجّل، الملخّص، المشاكس، الداعم...) فأفراد المجموعة يشجّعون بعضهم بعضًا لتحمل مسؤوليات هذه الأدوار بحيث تستطيع المجموعة أن تحقّق عملها وتنفّذه.
ج- النمذجة المعرفية: Cognitive Modeling
عندما يُعطى المتعلّمون فرصة التعلّم في محيط اجتماعي، فإنهم يلاحظون عمليات تفكير أعضاء المجموعة في أثناء تنفيذ الأعمال المطلوبة إليهم. وعندما يجري النقاش والجدال بين أفراد المجموعة، فإن استراتيجيات التفكير غالبًا ما تظهر وتصبح واضحة. فالأبحاث حول التعلّم الاجتماعي يبيّن بأن الأطفال يتعلّمَون بعضهم من بعض طرائق التفكير الجيد كما أشار إلى ذلك . عالم النفس زيمرمان عام 1990.
د- المشاركة في الخبرة التعليمية لمجموعة ما
غالبًا ما تشمل التعيينات مشاركة أعضائها في مجالات مختلفة من العمل. فمثلاً إن تنفيذ مشروع عن حياة عالم مشهور يتطلب من أفراد المجموعة البحث عن معلومات حول مجالات مختلفة من أنشطته وخبراته كالتربية والثقافة والإنجازات والحوادث المهمة في حياته. ويصبح كل فرد في المجموعة متخصّصًا في مادة ويتواصل مع الأفراد الآخرين ويتبادل معرفته معهم، وهكذا يصبح التعلّم الجماعي فعّالاً لاكتساب معلومات جديدة (سلافين 1985).

7. تقييم تحصيل المتعلّم خلال الدرس
يتفق معظم التربويين على أن الاختبار عامل مهم في التعليم الجيد. وتقليديّاً يجري الامتحان بعد الانتهاء من الدرس أو الوحدة أو بعد فصل دراسي أو مدة معينة. ويعتقد علماء النفس المعرفيون بأن فصل الامتحان عن الدرس يؤدي إلى نتائج مخيّبة للآمال (Wiggins) لأنه أولاً، لا يحصل المتعلّمون على تغذية راجعة  حول إجاباتهم إلا بعد فترة طويلة من إنجازهم الحقيقي. وثانيًا، قد يفقد المتعلّمون الارتباطات بين ما يحدث في الصف وما يحدث في يوم الامتحان، ما يقلّل من الاندفاع تجاه التعلّم في الصف من جهة والدرس للامتحان من جهة ثانية. لكن التقييم ضمن الدرس، يقدّم للمتعلّمين تغذية راجعة مباشرة تسمح لهم بإدراك الارتباطات والعلاقات بين موضوع الدرس والامتحان، وتظهر لهم بأن الامتحان جزء متكامل مع عملية التعلّمُ. فالتقييم المستند إلى الإنجاز هو جزء مهم من التعلّم البنائي.
إن العناصر السبعة المذكورة آنفًا تمّثل جذور النظرية البنائية في التعلّم. وسنعرض في مقالات لاحقة بعض التطبيقات العملية لهذه النظرية، وربما لبعض الانتقادات التربوية والمنهجية التي وجّهِت إليها.


References

  1. Brooks .J.G. Brooks M.G. The Case for Constructivist Classrooms, Alexandria, 1993.
  2. Gary D Borich and Martin L. Educational Psychology, A Contemporary Approach. Tombari. Second edition, Longman 1997.
  3. Donald Cruikshank, Debora Bainer, The Act of Teaching, second edition, Mc Graw – Hill College 1999.
  4. Bruce Joyce, Marsha Weil. Models of Teaching, Fourth edition, India private limited, 1992.
  5. Elkind David. Educational Forum, The Problem of Constructivism. summer 2004.
  6. Glasersfeld, E.A Constructivist Approach to Teaching Hillsdale n.j. 1995.
  7. Duit R. Constructivism in Education, Hillsdale, N. J Lawrence. Erlbaum, 1995.