خدمة المجتمع، مشاركة... وانتماء

 اميشال بدر مقرر عام مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية المركز التربوي للبحوث والانماءشتهر اللبنانيون بقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة في مجالات التعاون والتكافل والتضامن. وكلنا يتذكّر "العونة" حيث كان الأهل والأقارب والجيران يتعاونون للمساعدة في إنجاز عمل ما أو مهمة معيّنة يحتاجها أحدهم . إلاّ أنّ نمط الحياة المعاصرة ومتطلّباتها أحدث تغييرًا واضحًا في القيم والمعايير وأنواع العلاقات الاجتماعيّة بين اللبنانيين وما يتّصل بها. هذا التغيير يطرح تحدّيًا
لمختلف مكوّنات المجتمع وهيئاته ومؤسّساته بما فيها التربويّة لمواجهة المتغيّرات والتصدّي للمتطلّبات بشكل تشاركي وتعاوني يتلاءم مع طبيعتها، ويحيي قيمًا وعادات متوارثة تشكّل جزءًا مهمًا من هويّتنا وثفافتنا الوطنيّة ويعزّز انتماءنا الاجتماعي والوطني والإنساني.

مقدمة

في كنف عائلتنا، المؤسّسة الاجتماعيّة الأولى، تنمو عواطفنا وتتعزّز روابطنا العائليّة. وعلى مدارسنا، بما أنها أيضًا مؤسّسات اجتماعيّة بامتياز، تقع مسؤوليّة كفالة هذه االعواطف ورعايتها وتوجيهها التوجيه العمل تطوعي - مجموعة من شابات الصليب الاحمر اللبناني يقومون بأعمال ترفيهية يدوية للصغار من رسم وتلوينصحيح على المستويات القيميّة والعمليّة، بما يعزّز الروابط الاجتماعيّة والوطنيّة ويحيي قيمًا وعادات اجتماعية مرغوبة. لأنّ تصوّر مدرسة معيّنة بعيدة عن المجتمع الذي أنشأها ورعاها يتنافى مع طبيعة هذه المدرسة ووظيفتها. كما أن عدم الإفادة من طاقات التلامذة الكامنة، وإمكاناتهم التشاركيّة لمواجهة تحدّيِات العصر ومتطلّباته يُبقي شريحة واسعة من المواطنين أي التلامذة، لا مبالية ومغيّبة عن المشاركة والمواجهة والمعالجة.
لذلك لا بدّ من تظهير دور المدرسة، كمؤسّسة اجتماعيّة، في عمليّة إعداد التلميذ للحياة، وإكسابه المعارف والمواقف والمهارات المناسبة، وتفعيل دوره ومساهمته في تعزيز القيم والتفاهمات التي يقوم عليها المجتمع، والتي تسهم في تطوّره وازدهاره، بحيث يتعزّز الرابط بين المدرسة والواقع والتلميذ والمجتمع الذي يعيش فيه.

لتحقيق هذا الغرض لا بدّ من النهوض بنوعيّة التعليم المدرسيّ وربطه بالحياة، وتوجيهه التوجيه الصحيح نحو التطبيق والممارسة العمليّة. بحيث يصبح التعليم المدرسيّ أداة للمشاركة والفعل في الحياة والواقع، ووسيلة فعّالة لتطويرهما. يتم ذلك بإشراك التلامذة في الخدمات المجتمعيّة أو في غيرها من الأنشطة التي تُنَظّم لصالح أفراد المجتمع أو فئاته الأكثر حاجة، لأنّها تشكّل المدخل الصحيح لتعزيز الانتماء الوطني والانخراط الحقيقي والعملي في الحياة العامة. لهذه الغاية أصدر وزير التربية والتعليم العالي بتاريخ 2 / 1 /2013 القرار رقم 4/م/2013 القاضي بـ "تطبيق مشروع خدمة المجتمع" في مرحلة التعليم الثانوي وفي جميع الثانويّات الرسميّة والخاصّة.

ونظرًا إلى أهميّة هذا القرار والفائدة المرجوّة منه، لا بدّ من إيضاح بعض الاشكاليّات المتصلة به ليأتي التطبيق متلائمًا في منطلقاته وأهدافه وغاياته مع المناهج التعليمية والغايات المتوخاة من عمليّتي التعليم والتعلّم، ومن هذه الإشكاليّات:

  1. ما هي خدمة المجتمع وما هو دورها في تحقيق الانخراط   الاجتماعي الصحيح وتعزيزه ؟
  2.  ما مدى ملاءمة المناهج التعليمية المطبّقة لتحقيق الخدمة المجتمعيّة؟
  3. ما هي إيجابيّات الخدمة المجتمعيّة وتأثيراتها في عمليّتي التعليم والتعلّم؟
  4.  ما هي الخطوات المناسبة لتعزيز ثقافة الخدمة وتعميمها على مدارسنا وفي مجتمعنا؟

 

1.  خدمة المجتمع ودورها في تحقيق الانخراط الاجتماعي الصحيح وتعزيزه

 "خدمة المجتمع" هي مظهر متقدّم من مظاهر الانتماء إلى الجماعة والوطن، تتحقّق من خلاله إنسانيّتنا ويتعمّق المعطى المعرفي لدينا ويترسّخ قولاً وفعلاً على مستوى التكافل والتضامن الاجتماعيين، للتخفيف من المعاناة والانحرافات والتشوّهات في المجتمع . كما هي عمل تنموي يقوم به شخص أو مجموعة أشخاص خدمة لمجتمعهم وتلبية لحاجة من حاجاته. ترتكز هذه الخدمة على الخبرات المكتسبة من معارف ومواقف  ومهارات تساعد على فهم أفضل للعلاقات الإنسانيّة والمشاكل التي يواجهها عالمنا المعاصر، والمساهمة في معالجتها، نظرًا لانعكاساتها السلبية على الفرد وعلى المجتمع. ومن هذه المشاكل على سبيل المثال لا الحصر: المشاكل الاجتماعيّة كالفقر والبطالة والأميّة والانحراف والمخدّرات والمشاكل البيئيّة كالتلوّث والتصحّر والمشاكل الصحيّة كالمرض والعجز وغيرها....
على هذا الأساس يطرح مشروع "خدمة المجتمع" عددًا من الاتّجاهات للنّهوض بنوعيّة التّعليم في المدارس، وتوجيه العمليّة التربويّة نحو التطبيق والممارسة الفعليّة لتنمية مهارات التلامذة وقدراتهم على التخطيط والتعاون والتحليل والتطبيق والتقييم...، بحيث تتحقّق عمليّة الربط الصّحيح والبنّاء بين التعليم المدرسي والحياة المجتمعيّة. فيغدو التعليم المدرسي بذلك أداة للفعل في الحياة والواقع ووسيلة فعّالة لتطويرهما، لأن التربية ليست نشاطًا مدرسيّاً ينتهي بانتهاء الحصّة أو الفصل الدراسيين، بل هي نمط حياة تتضافر من خلاله جهود الأهل والمدرسة والمجتمع لتحقيقه وتعزيزه.

2. مدى ملاءمة المناهج التعليمية المطبّقة لتحقيق الخدمة المجتمعيّة
إنّ اعتبار التربية المدرسيّة، تربية تهدف فقط إلى إغناء معارف التلميذ من دون استثمارها في حقل الواقع، يشكّل إجهاضًا لدورالتربية المدرسيّة ووظيفتها، ولا يتلاءم بالتالي مع ما نصّت عليه الأهداف العامة للمناهج الصادرة بالمرسوم رقم 10227/ 97 ، لجهة:

  •  تنمية شخصيّة اللبناني كفرد وكعضو صالح ومنتج في المجتمع.
  •  توعيته على المشاركة في العمل الاجتماعي كحقّ له وواجب عليه تجاه مجتمعه ووطنه.
  •  تكوين شخصيّته الفرديّة وتحقيق ذاته وتحمّل مسؤوليّته والالتزام الأخلاقي والتعامل مع الآخرين بروح المواطنيّة المسؤولة والمشاركة الإنسانيّة.
  •  ممارسة القيم والمبادئ الأخلاقيّة والوطنيّة واحترام الفرد وترسيخ أسس العيش المشترك.

لذلك فإنّ ربط المنهج الدراسيّ وما يتعلّمه التلامذة بالمجتمع الذي يعيشون فيه، يحقّق غايات التربية وأهداف المناهج التعليميّة المطبّقة، ويعزّز قدرات التلامذة وإمكاناتهم بمختلف أبعادها ليسهموا في خدمة مجتمعهم ومحيطهم. فيتمكّن عندها التلامذة من توجيه مختلف المؤثّرات لخدمة مصلحتهم ومصلحة مجتمعهم وبيئتهم في آن. لأنّهم باتوا يتمتّعون بشخصيّة متكاملة لا تأتي من الأفعال إلاّ ما يتّفق مع وعيهم لشخصيّتهم بمختلف مقوّماتها وأبعادها ولدورهم المسؤول في بيئتهم ومجتمعهم. لأنّ ما ينقادون إليه لم يعد غرائز وميولاً ضارّة بالفرد والمجتمع بل غرائز مضبوطة تحتكم إلى العقل المدرك، وتتوخّى صالح الفرد والمجتمع بعيدًا عن الأنويّة الضيّقة والفرديّة.
لتحقيق أهداف التربية والغايات المشار إليها أعلاه، تضمّنت المناهج التعليميّة الصادرة بالمرسوم رقم 10227/ 97 وتفاصيلها الصادرة بتعاميم عن وزير التربية والتعليم العالي، عددًا من المواضيع والأنشطة الإثرائيّة المتّصلة بمحتوى هذه المناهج، وقد شملت مختلف نواحي الحياة الاجتماعيّة والمدنيّة والوطنيّة والإنسانيّة، ليستثمرها الأساتذة في العمليّة التعليميّة. فعلى المدرسة وأساتذتها تقع مسؤوليّة تزويد التلامذة بالمعارف والمعلومات الضروريّة المتّصلة بمواضيع هذه الأنشطة مع إمكانيّة تطويرها أو تعديلها بما يلائم بيئة التلامذة وواقعهم والأهداف المتوخاة من المناهج، مع التنبّه الى ضرورة عدم الفصل بين البعدين المعرفي-النظري من جهة، والسّلوكي-التطبيقي من جهة أخرى لما لذلك من سلبيّات. فتثقيف الإنسان في عقله من دون أخلاقه وسلوكيّاته أو بالعكس، يشكّل تهديدًا خطيرًا للمجتمع. فبدون البُعد المعرفي يصبح السلوك أساسًا لفرض السيطرة  الاجتماعيّة، ويكون السّلوك حينها مفتقرًا إلى الوعي والموضوعيّة، ومبنيّاً على الجهل والسطحيّة في المعالجة. إلا أنّ الاهتمام بالنشاط التطبيقي لا يعني مطلقا إغفال البُعد المعرفي، لأنّ تنفيذ الأنشطة بشكل صحيح ومتكامل يتطلّب كمّاً من المعارف وعددًا من المواقف والسلوكيّات المرتبطة بالنشاط ومحتواه تحقيقًا لأغراضه. بذلك نكون قد حقّقنا الملاءمة الدقيقة بين أهداف المناهج والغايات المتوخّاة منها في خلال عمليّة التطبيق، وشكّل المجتمع المجال الحيويّ المناسب لتنفيذها ولتنمية مهارات التلامذة ومنها: مهارات التواصل والتعاون البنّاء بين مختلف فئات المجتمع بعيدًا عن الفئويّة والنزاعات والمشاكل.
صورة تحذير من المخدرات - الامانة العامة للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات

3. إيجابيّات الخدمة المجتمعيّة وتأثيراتها في عمليّتي التعليم والتعلّم

دلّت الدّراسات التي أجريت في الدول التي سبقتنا إلى تطبيق "خدمة المجتمع" على أنّ مردود تعلّم الخدمة المجتمعيّة وتطبيقاتها كان إيجابيّاً على التعليم وعلى التعلّم في آن، وحقّقت محوريّة التلميذ في العمليّة التعليميّة-التعلميّة، وأسهمت في:

  • ترسيخ المعارف والحقائق التي يجب على التلامذة التعرّف إليها واكتسابها.
  • تقوية الاتّجاهات الإيجابيّة لديهم نحو حبّ العمل ومساعدة الغير والتعامل الواعي مع الآخرين واحترام حقوقهم وحريّاتهم وخصوصيّاتهم.
  •  تعزيز قناعاتهم بضرورة احترام القوانين والأنظمة والعادات والتقاليد والالتزام بها.
  •  تعزيز مهارات التعاون وحلّ المشاكل وتعلّم أسس التفكير السّليم في التعامل مع مختلف شؤون الحياة ومستجدّاتها.
  •  تطبيق المعارف والمواقف والمهارات على الواقع والمساهمة في خدمة مجتمعهم وفاقًا لقدراتهم وميولهم وخبراتهم.
  • كما شكّلت "خدمة المجتمع" مجالاً عمليّاً وملائمًا لتوعية التلامذة على حقيقة الحياة المعيشة وفهمها والمشاركة في تطويرها بمختلف عناوينها والتفاصيل داخل المدرسة وخارجها، وتطوير مهاراتهم المتّصلة بالخدمة الاجتماعيّة، وظهر ذلك من خلال:
  •  الإقبال بحماسة وشغف على التعلّمُ.
  •  الإلمام بالمهارات الأكاديميّة ومهارات الفكر النقدي التي نصّت عليها المناهج التعليميّة المطبّقة.
  •  تحسّس مسؤولياتهم الاجتماعيّة والوطنيّة.
  •  التمكّن من حلّ المشاكل مع النظراء والمشاكل بوجه عام على قاعدة قانونيّة وأخلاقيّة واعية وملتزمة.
  • التعاطف مع الآخرين من أبناء بيئتهم ومجتمعهم ووطنهم على خلفيّة مواطنيّة وإنسانيّة صحيحة ومسؤولة.
  •  تقبّل الآخرين والسّعي إلى التواصل معهم واحترام آرائهم على خلفيّة حق كل فرد في التفكير والتعبير وممارسة حريّاته الشخصيّة والاجتماعيّة والمدنيّة في نطاق القانون.


4. الخطوات المناسبة لتعزيز ثقافة الخدمة وتعميمها على مدارسنا وفي مجتمعنا
إنّ التربية التي لا تتضافر لتحقيقها جهود الأهل والمدرسة والمجتمع تبقى تربية ناقصة وغير مكتملة. فخدمة المجتمع وتنميته مسؤوليّة مشتركة بين مكوّنات المجتمع اللبناني وأطيافه على تنوّعها. وبما أنّ المجتمع، كتجمّع بشري، تحكمه عادات وتقاليد ونُظم مشتركة وقدر كبير من العلاقات المتبادلة، فإنّ مجالات الخدمة والمشاريع المرتبطة بها يجب أن تراعي العادات والتقاليد والقيَم التي تحكم المجتمع اللبناني بما يتلاءم مع خصوصيته وحاجاته، والظروف المحيطة به كالفقر والثّراء، العلم والثقافة، العدل والظلم...
ولكي تكون الخدمة الاجتماعيّة مناسِبة وفاعلة يجب أن تحكمها شروط عدة منها:
متطوّعو جمعية فرح العطاء في زيارة أحد السجون

أ- في اختيار المشاريع
خدمة المجتمع هي عمل تنموي، له متطلّباته ومستلزماته البشريّة والماديّة واللوجستيّة، لذلك يجب أن تكون المشاريع المتّصلة بالخدمة:

  •  مختارة بحريّة من قبل التلامذة وبإشراف أساتذتهم، من دون أيّ نوع من الإكراه أو الإلزام.
  •  هادفة وواقعيّة، مستوحاة من الأهداف العامة للمناهج، وتحاكي حاجات المجتمع ومتطلّباته.
  •  لا تتجاوز قدرات القيّمين على تنفيذها، ماديًاّ وعمليّاً.
  •  مبرمجة، واضحة وهادفة تأخذ في الاعتبار الواقع والحاجات والقدرات والإمكانات على تنوّعها.

ب- في البيئة المدرسيّة
تشكّل البيئة المدرسيّة المتعاونة حاضنًا مناسبًا للخدمة المجتمعيّة ومتطلّباتها. فالإدارة المدرسيّة مسؤولة عن احتضان ومواكبة عمليّة تنفيذ مشاريع الخدمة التي يختارها التلامذة بحريّة وبإشراف أساتذتهم. وتقع على عاتق الاساتذة مسؤوليّة تمكين التلامذة من اتخاذ القرارات البنّاءة والمساعدة على اختيار المشروع وعلى حسن  تطبيقه، لأنّ تمكين التلامذة من اتخاذ القرارات له أهميّته في العمليّة التعليميّة، ويوليها مشروع خدمة المجتمع أهميّة خاصة. فالمشاركة في خدمة المجتمع واتّخاذ القرارات المتّصلة بها تشكّل مشاركة حقيقية في الالتزام المواطني. كما يشكّل التنسيق بين أساتذة مختلف المواد الدراسيّة، معطى مهمّاً من أشكال الاحتضان والرعاية، ويسهم في رفد مشروع الخدمة بالمعارف والمواقف والمهارات المتّصلة به، والمستقاة من مواد دراسيّة عدّة. لأن  المنطلقات المعرفيّة والمستلزمات التطبيقيّة لمشاريع خدمة المجتمع ليست حصريّة بمادة دراسيّة من دون أخرى، بل تتناول مواضيع متعدّدة تتغذى من مضامين مختلف المواد وفاقًا لطبيعتها وخصوصيّتها.


ج- في الجهات والهيئات الداعمة لتنفيذ المشاريع
سبقت الإشارة إلى أنّ تصوّر مدرسة معيّنة بعيدة عن المجتمع الذي أنشأها ورعاها يتنافى مع طبيعة تلك المدرسة ووظيفتها. لذلك لا بدّ من إشراك لجان الأهل وهيئات المجتمع المدني والأهلي لرفد المشاريع بالدعم المناسب معنويّاً وماديّاً وعمليّاً. على أن يكون الدعم مراعيًا لطبيعة المشروع ومتطلّباته، غير مشروط ولا تحكمه إلا المصلحة العامّة وخير التلامذة والخير العام ، بعيدًا عن أيّ استئثار أو تبعيّة أو ارتهان. بذلك تتعزّز خدمة المجتمع وتصبح ثقافة مدرسيّة ومجتمعيّة في آن، بحيث يشعر كلّ فرد من خلالها أنّه مشارك فيها ومسهم في تحقيقها على أسس تعاونيّة تكامليّة لا تستثني إلا من استثنى نفسه سواء أكان فردًا أم جهة أم جماعة.


5. في إيجابيّات الخدمة على التلامذة بوجه عام

أ- إنّ التخوّف من أن تشكّل الأنشطة والمشاريع التطبيقيّة في مجال خدمة المجتمع عبئاً مضافًا الى العبء الواقع أصلاً بفعل كثافة محتوى المناهج وقلّة عدد حصص التّدريس الفعليّة هو تخوّف في غير محلّه. فقد دلّت الدّراسات التي قام بها من سبقنا إلى اعتماد هذا المشروع وتطبيقه، أنّ التلامذة المنخرطين في مجال الخدمة الاجتماعيّة كانوا الأكثر تفوّقًا في مدارسهم والأكثر إقبالاً على المدرسة وعلى التعلّم، لأن التعلّم عبر الخدمة يكمل عمليّتي التعليم والتعلّم المدرسيتين ويعزّزهما ولا يحل محلّهما أو يلغيهما.

ب- تمكِّن خدمة المجتمع التلامذة من إدراك ما يحيط بهم والتبصّر بمشاكل مجتمعهم وقضاياه، ووعي دورهم ومسؤوليّتهم في المساهمة بحلّها على أسس منطلقها العقل المدرك والالتزام الواعي. كما أنها تعطي التربية المدرسيّة معناها الحقيقي والواقعي، لأنّها تشكّل المدخل الصحيح الذي تتعزّز من خلاله إنسانيّتنا ويتثبّت انتماؤنا ومشاركتنا في إنماء مجتمعنا فعلاً لا قولاً، وتنجح المدرسة من خلالها في مدّ المجتمع بأشخاص قادرين على النهوض بمجتمعاتهم، لأنّهم باتوا يتمتّعون بخبرات تمثّلوها وتشكّل جزءًا من شخصياتهم المبنيّة على الأخلاق والمُثل العليا والمشاركة الاجتماعيّة والمدنيّة الصحيحة والواعية، مدركين أهميّة استثمار ما تعلّموه وتوظيفه في حياتهم اليومية، مواقف وسلوكيات مسؤولة بعيدًا عن أيّة عصبية ضيّقة أو تزمّت متهوّر. بذلك يتحقّق دور التربية في إعداد التلامذة للحياة، ويعي هؤلاء أنّ انتماءهم الوطني والإنساني لا يكتمل إلا من خلال اتّصالهم بالآخرين الّذين يتشكّل منهم الوطن.... عندها يستحقون صفة "مواطن" فالمواطن الصّالح هو المواطن الذي يرى أفعاله تتّصل بالإنسانيّة بمعناها الشامل بعيدًا عن الانعزاليّة والفئويّة الضيّقة أو التصرّف المتهوّر أو التعصّب الأعمى...

 

 

المصادر والمراجع:

- المرسوم رقم 10227 /97 تاريخ 7 أيّار 1997 - مناهج التعليم العام وأهدافها.
- القرار رقم 4/م/ 2013 تاريخ 2 /1/ 2013 (تطبيق مشروع خدمة المجتمع في الثانويّات الرسميّة والخاصة).
- دليل "مشروع خدمة المجتمع" (المنطلقات – الأهداف- التطبيق). منشورات المركز التربوي للبحوث والإنماء- تشرين الثاني 2012.

Learning to care: Dr. Patricia Mihaly Nabti - 2006 (Association for volunteer service).

 

 

 

شعار جمعية فرح العطاءصورة لفريق من الصليب الاحمر وعدد من المتطوعين  في عملية انقاذ بعد إنهيار مبنى في منطقة الاشرفية

 

 

 

 

 

خدمة المجتمع، مشاركة... وانتماء

 اميشال بدر مقرر عام مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية المركز التربوي للبحوث والانماءشتهر اللبنانيون بقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة في مجالات التعاون والتكافل والتضامن. وكلنا يتذكّر "العونة" حيث كان الأهل والأقارب والجيران يتعاونون للمساعدة في إنجاز عمل ما أو مهمة معيّنة يحتاجها أحدهم . إلاّ أنّ نمط الحياة المعاصرة ومتطلّباتها أحدث تغييرًا واضحًا في القيم والمعايير وأنواع العلاقات الاجتماعيّة بين اللبنانيين وما يتّصل بها. هذا التغيير يطرح تحدّيًا
لمختلف مكوّنات المجتمع وهيئاته ومؤسّساته بما فيها التربويّة لمواجهة المتغيّرات والتصدّي للمتطلّبات بشكل تشاركي وتعاوني يتلاءم مع طبيعتها، ويحيي قيمًا وعادات متوارثة تشكّل جزءًا مهمًا من هويّتنا وثفافتنا الوطنيّة ويعزّز انتماءنا الاجتماعي والوطني والإنساني.

مقدمة

في كنف عائلتنا، المؤسّسة الاجتماعيّة الأولى، تنمو عواطفنا وتتعزّز روابطنا العائليّة. وعلى مدارسنا، بما أنها أيضًا مؤسّسات اجتماعيّة بامتياز، تقع مسؤوليّة كفالة هذه االعواطف ورعايتها وتوجيهها التوجيه العمل تطوعي - مجموعة من شابات الصليب الاحمر اللبناني يقومون بأعمال ترفيهية يدوية للصغار من رسم وتلوينصحيح على المستويات القيميّة والعمليّة، بما يعزّز الروابط الاجتماعيّة والوطنيّة ويحيي قيمًا وعادات اجتماعية مرغوبة. لأنّ تصوّر مدرسة معيّنة بعيدة عن المجتمع الذي أنشأها ورعاها يتنافى مع طبيعة هذه المدرسة ووظيفتها. كما أن عدم الإفادة من طاقات التلامذة الكامنة، وإمكاناتهم التشاركيّة لمواجهة تحدّيِات العصر ومتطلّباته يُبقي شريحة واسعة من المواطنين أي التلامذة، لا مبالية ومغيّبة عن المشاركة والمواجهة والمعالجة.
لذلك لا بدّ من تظهير دور المدرسة، كمؤسّسة اجتماعيّة، في عمليّة إعداد التلميذ للحياة، وإكسابه المعارف والمواقف والمهارات المناسبة، وتفعيل دوره ومساهمته في تعزيز القيم والتفاهمات التي يقوم عليها المجتمع، والتي تسهم في تطوّره وازدهاره، بحيث يتعزّز الرابط بين المدرسة والواقع والتلميذ والمجتمع الذي يعيش فيه.

لتحقيق هذا الغرض لا بدّ من النهوض بنوعيّة التعليم المدرسيّ وربطه بالحياة، وتوجيهه التوجيه الصحيح نحو التطبيق والممارسة العمليّة. بحيث يصبح التعليم المدرسيّ أداة للمشاركة والفعل في الحياة والواقع، ووسيلة فعّالة لتطويرهما. يتم ذلك بإشراك التلامذة في الخدمات المجتمعيّة أو في غيرها من الأنشطة التي تُنَظّم لصالح أفراد المجتمع أو فئاته الأكثر حاجة، لأنّها تشكّل المدخل الصحيح لتعزيز الانتماء الوطني والانخراط الحقيقي والعملي في الحياة العامة. لهذه الغاية أصدر وزير التربية والتعليم العالي بتاريخ 2 / 1 /2013 القرار رقم 4/م/2013 القاضي بـ "تطبيق مشروع خدمة المجتمع" في مرحلة التعليم الثانوي وفي جميع الثانويّات الرسميّة والخاصّة.

ونظرًا إلى أهميّة هذا القرار والفائدة المرجوّة منه، لا بدّ من إيضاح بعض الاشكاليّات المتصلة به ليأتي التطبيق متلائمًا في منطلقاته وأهدافه وغاياته مع المناهج التعليمية والغايات المتوخاة من عمليّتي التعليم والتعلّم، ومن هذه الإشكاليّات:

  1. ما هي خدمة المجتمع وما هو دورها في تحقيق الانخراط   الاجتماعي الصحيح وتعزيزه ؟
  2.  ما مدى ملاءمة المناهج التعليمية المطبّقة لتحقيق الخدمة المجتمعيّة؟
  3. ما هي إيجابيّات الخدمة المجتمعيّة وتأثيراتها في عمليّتي التعليم والتعلّم؟
  4.  ما هي الخطوات المناسبة لتعزيز ثقافة الخدمة وتعميمها على مدارسنا وفي مجتمعنا؟

 

1.  خدمة المجتمع ودورها في تحقيق الانخراط الاجتماعي الصحيح وتعزيزه

 "خدمة المجتمع" هي مظهر متقدّم من مظاهر الانتماء إلى الجماعة والوطن، تتحقّق من خلاله إنسانيّتنا ويتعمّق المعطى المعرفي لدينا ويترسّخ قولاً وفعلاً على مستوى التكافل والتضامن الاجتماعيين، للتخفيف من المعاناة والانحرافات والتشوّهات في المجتمع . كما هي عمل تنموي يقوم به شخص أو مجموعة أشخاص خدمة لمجتمعهم وتلبية لحاجة من حاجاته. ترتكز هذه الخدمة على الخبرات المكتسبة من معارف ومواقف  ومهارات تساعد على فهم أفضل للعلاقات الإنسانيّة والمشاكل التي يواجهها عالمنا المعاصر، والمساهمة في معالجتها، نظرًا لانعكاساتها السلبية على الفرد وعلى المجتمع. ومن هذه المشاكل على سبيل المثال لا الحصر: المشاكل الاجتماعيّة كالفقر والبطالة والأميّة والانحراف والمخدّرات والمشاكل البيئيّة كالتلوّث والتصحّر والمشاكل الصحيّة كالمرض والعجز وغيرها....
على هذا الأساس يطرح مشروع "خدمة المجتمع" عددًا من الاتّجاهات للنّهوض بنوعيّة التّعليم في المدارس، وتوجيه العمليّة التربويّة نحو التطبيق والممارسة الفعليّة لتنمية مهارات التلامذة وقدراتهم على التخطيط والتعاون والتحليل والتطبيق والتقييم...، بحيث تتحقّق عمليّة الربط الصّحيح والبنّاء بين التعليم المدرسي والحياة المجتمعيّة. فيغدو التعليم المدرسي بذلك أداة للفعل في الحياة والواقع ووسيلة فعّالة لتطويرهما، لأن التربية ليست نشاطًا مدرسيّاً ينتهي بانتهاء الحصّة أو الفصل الدراسيين، بل هي نمط حياة تتضافر من خلاله جهود الأهل والمدرسة والمجتمع لتحقيقه وتعزيزه.

2. مدى ملاءمة المناهج التعليمية المطبّقة لتحقيق الخدمة المجتمعيّة
إنّ اعتبار التربية المدرسيّة، تربية تهدف فقط إلى إغناء معارف التلميذ من دون استثمارها في حقل الواقع، يشكّل إجهاضًا لدورالتربية المدرسيّة ووظيفتها، ولا يتلاءم بالتالي مع ما نصّت عليه الأهداف العامة للمناهج الصادرة بالمرسوم رقم 10227/ 97 ، لجهة:

  •  تنمية شخصيّة اللبناني كفرد وكعضو صالح ومنتج في المجتمع.
  •  توعيته على المشاركة في العمل الاجتماعي كحقّ له وواجب عليه تجاه مجتمعه ووطنه.
  •  تكوين شخصيّته الفرديّة وتحقيق ذاته وتحمّل مسؤوليّته والالتزام الأخلاقي والتعامل مع الآخرين بروح المواطنيّة المسؤولة والمشاركة الإنسانيّة.
  •  ممارسة القيم والمبادئ الأخلاقيّة والوطنيّة واحترام الفرد وترسيخ أسس العيش المشترك.

لذلك فإنّ ربط المنهج الدراسيّ وما يتعلّمه التلامذة بالمجتمع الذي يعيشون فيه، يحقّق غايات التربية وأهداف المناهج التعليميّة المطبّقة، ويعزّز قدرات التلامذة وإمكاناتهم بمختلف أبعادها ليسهموا في خدمة مجتمعهم ومحيطهم. فيتمكّن عندها التلامذة من توجيه مختلف المؤثّرات لخدمة مصلحتهم ومصلحة مجتمعهم وبيئتهم في آن. لأنّهم باتوا يتمتّعون بشخصيّة متكاملة لا تأتي من الأفعال إلاّ ما يتّفق مع وعيهم لشخصيّتهم بمختلف مقوّماتها وأبعادها ولدورهم المسؤول في بيئتهم ومجتمعهم. لأنّ ما ينقادون إليه لم يعد غرائز وميولاً ضارّة بالفرد والمجتمع بل غرائز مضبوطة تحتكم إلى العقل المدرك، وتتوخّى صالح الفرد والمجتمع بعيدًا عن الأنويّة الضيّقة والفرديّة.
لتحقيق أهداف التربية والغايات المشار إليها أعلاه، تضمّنت المناهج التعليميّة الصادرة بالمرسوم رقم 10227/ 97 وتفاصيلها الصادرة بتعاميم عن وزير التربية والتعليم العالي، عددًا من المواضيع والأنشطة الإثرائيّة المتّصلة بمحتوى هذه المناهج، وقد شملت مختلف نواحي الحياة الاجتماعيّة والمدنيّة والوطنيّة والإنسانيّة، ليستثمرها الأساتذة في العمليّة التعليميّة. فعلى المدرسة وأساتذتها تقع مسؤوليّة تزويد التلامذة بالمعارف والمعلومات الضروريّة المتّصلة بمواضيع هذه الأنشطة مع إمكانيّة تطويرها أو تعديلها بما يلائم بيئة التلامذة وواقعهم والأهداف المتوخاة من المناهج، مع التنبّه الى ضرورة عدم الفصل بين البعدين المعرفي-النظري من جهة، والسّلوكي-التطبيقي من جهة أخرى لما لذلك من سلبيّات. فتثقيف الإنسان في عقله من دون أخلاقه وسلوكيّاته أو بالعكس، يشكّل تهديدًا خطيرًا للمجتمع. فبدون البُعد المعرفي يصبح السلوك أساسًا لفرض السيطرة  الاجتماعيّة، ويكون السّلوك حينها مفتقرًا إلى الوعي والموضوعيّة، ومبنيّاً على الجهل والسطحيّة في المعالجة. إلا أنّ الاهتمام بالنشاط التطبيقي لا يعني مطلقا إغفال البُعد المعرفي، لأنّ تنفيذ الأنشطة بشكل صحيح ومتكامل يتطلّب كمّاً من المعارف وعددًا من المواقف والسلوكيّات المرتبطة بالنشاط ومحتواه تحقيقًا لأغراضه. بذلك نكون قد حقّقنا الملاءمة الدقيقة بين أهداف المناهج والغايات المتوخّاة منها في خلال عمليّة التطبيق، وشكّل المجتمع المجال الحيويّ المناسب لتنفيذها ولتنمية مهارات التلامذة ومنها: مهارات التواصل والتعاون البنّاء بين مختلف فئات المجتمع بعيدًا عن الفئويّة والنزاعات والمشاكل.
صورة تحذير من المخدرات - الامانة العامة للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات

3. إيجابيّات الخدمة المجتمعيّة وتأثيراتها في عمليّتي التعليم والتعلّم

دلّت الدّراسات التي أجريت في الدول التي سبقتنا إلى تطبيق "خدمة المجتمع" على أنّ مردود تعلّم الخدمة المجتمعيّة وتطبيقاتها كان إيجابيّاً على التعليم وعلى التعلّم في آن، وحقّقت محوريّة التلميذ في العمليّة التعليميّة-التعلميّة، وأسهمت في:

  • ترسيخ المعارف والحقائق التي يجب على التلامذة التعرّف إليها واكتسابها.
  • تقوية الاتّجاهات الإيجابيّة لديهم نحو حبّ العمل ومساعدة الغير والتعامل الواعي مع الآخرين واحترام حقوقهم وحريّاتهم وخصوصيّاتهم.
  •  تعزيز قناعاتهم بضرورة احترام القوانين والأنظمة والعادات والتقاليد والالتزام بها.
  •  تعزيز مهارات التعاون وحلّ المشاكل وتعلّم أسس التفكير السّليم في التعامل مع مختلف شؤون الحياة ومستجدّاتها.
  •  تطبيق المعارف والمواقف والمهارات على الواقع والمساهمة في خدمة مجتمعهم وفاقًا لقدراتهم وميولهم وخبراتهم.
  • كما شكّلت "خدمة المجتمع" مجالاً عمليّاً وملائمًا لتوعية التلامذة على حقيقة الحياة المعيشة وفهمها والمشاركة في تطويرها بمختلف عناوينها والتفاصيل داخل المدرسة وخارجها، وتطوير مهاراتهم المتّصلة بالخدمة الاجتماعيّة، وظهر ذلك من خلال:
  •  الإقبال بحماسة وشغف على التعلّمُ.
  •  الإلمام بالمهارات الأكاديميّة ومهارات الفكر النقدي التي نصّت عليها المناهج التعليميّة المطبّقة.
  •  تحسّس مسؤولياتهم الاجتماعيّة والوطنيّة.
  •  التمكّن من حلّ المشاكل مع النظراء والمشاكل بوجه عام على قاعدة قانونيّة وأخلاقيّة واعية وملتزمة.
  • التعاطف مع الآخرين من أبناء بيئتهم ومجتمعهم ووطنهم على خلفيّة مواطنيّة وإنسانيّة صحيحة ومسؤولة.
  •  تقبّل الآخرين والسّعي إلى التواصل معهم واحترام آرائهم على خلفيّة حق كل فرد في التفكير والتعبير وممارسة حريّاته الشخصيّة والاجتماعيّة والمدنيّة في نطاق القانون.


4. الخطوات المناسبة لتعزيز ثقافة الخدمة وتعميمها على مدارسنا وفي مجتمعنا
إنّ التربية التي لا تتضافر لتحقيقها جهود الأهل والمدرسة والمجتمع تبقى تربية ناقصة وغير مكتملة. فخدمة المجتمع وتنميته مسؤوليّة مشتركة بين مكوّنات المجتمع اللبناني وأطيافه على تنوّعها. وبما أنّ المجتمع، كتجمّع بشري، تحكمه عادات وتقاليد ونُظم مشتركة وقدر كبير من العلاقات المتبادلة، فإنّ مجالات الخدمة والمشاريع المرتبطة بها يجب أن تراعي العادات والتقاليد والقيَم التي تحكم المجتمع اللبناني بما يتلاءم مع خصوصيته وحاجاته، والظروف المحيطة به كالفقر والثّراء، العلم والثقافة، العدل والظلم...
ولكي تكون الخدمة الاجتماعيّة مناسِبة وفاعلة يجب أن تحكمها شروط عدة منها:
متطوّعو جمعية فرح العطاء في زيارة أحد السجون

أ- في اختيار المشاريع
خدمة المجتمع هي عمل تنموي، له متطلّباته ومستلزماته البشريّة والماديّة واللوجستيّة، لذلك يجب أن تكون المشاريع المتّصلة بالخدمة:

  •  مختارة بحريّة من قبل التلامذة وبإشراف أساتذتهم، من دون أيّ نوع من الإكراه أو الإلزام.
  •  هادفة وواقعيّة، مستوحاة من الأهداف العامة للمناهج، وتحاكي حاجات المجتمع ومتطلّباته.
  •  لا تتجاوز قدرات القيّمين على تنفيذها، ماديًاّ وعمليّاً.
  •  مبرمجة، واضحة وهادفة تأخذ في الاعتبار الواقع والحاجات والقدرات والإمكانات على تنوّعها.

ب- في البيئة المدرسيّة
تشكّل البيئة المدرسيّة المتعاونة حاضنًا مناسبًا للخدمة المجتمعيّة ومتطلّباتها. فالإدارة المدرسيّة مسؤولة عن احتضان ومواكبة عمليّة تنفيذ مشاريع الخدمة التي يختارها التلامذة بحريّة وبإشراف أساتذتهم. وتقع على عاتق الاساتذة مسؤوليّة تمكين التلامذة من اتخاذ القرارات البنّاءة والمساعدة على اختيار المشروع وعلى حسن  تطبيقه، لأنّ تمكين التلامذة من اتخاذ القرارات له أهميّته في العمليّة التعليميّة، ويوليها مشروع خدمة المجتمع أهميّة خاصة. فالمشاركة في خدمة المجتمع واتّخاذ القرارات المتّصلة بها تشكّل مشاركة حقيقية في الالتزام المواطني. كما يشكّل التنسيق بين أساتذة مختلف المواد الدراسيّة، معطى مهمّاً من أشكال الاحتضان والرعاية، ويسهم في رفد مشروع الخدمة بالمعارف والمواقف والمهارات المتّصلة به، والمستقاة من مواد دراسيّة عدّة. لأن  المنطلقات المعرفيّة والمستلزمات التطبيقيّة لمشاريع خدمة المجتمع ليست حصريّة بمادة دراسيّة من دون أخرى، بل تتناول مواضيع متعدّدة تتغذى من مضامين مختلف المواد وفاقًا لطبيعتها وخصوصيّتها.


ج- في الجهات والهيئات الداعمة لتنفيذ المشاريع
سبقت الإشارة إلى أنّ تصوّر مدرسة معيّنة بعيدة عن المجتمع الذي أنشأها ورعاها يتنافى مع طبيعة تلك المدرسة ووظيفتها. لذلك لا بدّ من إشراك لجان الأهل وهيئات المجتمع المدني والأهلي لرفد المشاريع بالدعم المناسب معنويّاً وماديّاً وعمليّاً. على أن يكون الدعم مراعيًا لطبيعة المشروع ومتطلّباته، غير مشروط ولا تحكمه إلا المصلحة العامّة وخير التلامذة والخير العام ، بعيدًا عن أيّ استئثار أو تبعيّة أو ارتهان. بذلك تتعزّز خدمة المجتمع وتصبح ثقافة مدرسيّة ومجتمعيّة في آن، بحيث يشعر كلّ فرد من خلالها أنّه مشارك فيها ومسهم في تحقيقها على أسس تعاونيّة تكامليّة لا تستثني إلا من استثنى نفسه سواء أكان فردًا أم جهة أم جماعة.


5. في إيجابيّات الخدمة على التلامذة بوجه عام

أ- إنّ التخوّف من أن تشكّل الأنشطة والمشاريع التطبيقيّة في مجال خدمة المجتمع عبئاً مضافًا الى العبء الواقع أصلاً بفعل كثافة محتوى المناهج وقلّة عدد حصص التّدريس الفعليّة هو تخوّف في غير محلّه. فقد دلّت الدّراسات التي قام بها من سبقنا إلى اعتماد هذا المشروع وتطبيقه، أنّ التلامذة المنخرطين في مجال الخدمة الاجتماعيّة كانوا الأكثر تفوّقًا في مدارسهم والأكثر إقبالاً على المدرسة وعلى التعلّم، لأن التعلّم عبر الخدمة يكمل عمليّتي التعليم والتعلّم المدرسيتين ويعزّزهما ولا يحل محلّهما أو يلغيهما.

ب- تمكِّن خدمة المجتمع التلامذة من إدراك ما يحيط بهم والتبصّر بمشاكل مجتمعهم وقضاياه، ووعي دورهم ومسؤوليّتهم في المساهمة بحلّها على أسس منطلقها العقل المدرك والالتزام الواعي. كما أنها تعطي التربية المدرسيّة معناها الحقيقي والواقعي، لأنّها تشكّل المدخل الصحيح الذي تتعزّز من خلاله إنسانيّتنا ويتثبّت انتماؤنا ومشاركتنا في إنماء مجتمعنا فعلاً لا قولاً، وتنجح المدرسة من خلالها في مدّ المجتمع بأشخاص قادرين على النهوض بمجتمعاتهم، لأنّهم باتوا يتمتّعون بخبرات تمثّلوها وتشكّل جزءًا من شخصياتهم المبنيّة على الأخلاق والمُثل العليا والمشاركة الاجتماعيّة والمدنيّة الصحيحة والواعية، مدركين أهميّة استثمار ما تعلّموه وتوظيفه في حياتهم اليومية، مواقف وسلوكيات مسؤولة بعيدًا عن أيّة عصبية ضيّقة أو تزمّت متهوّر. بذلك يتحقّق دور التربية في إعداد التلامذة للحياة، ويعي هؤلاء أنّ انتماءهم الوطني والإنساني لا يكتمل إلا من خلال اتّصالهم بالآخرين الّذين يتشكّل منهم الوطن.... عندها يستحقون صفة "مواطن" فالمواطن الصّالح هو المواطن الذي يرى أفعاله تتّصل بالإنسانيّة بمعناها الشامل بعيدًا عن الانعزاليّة والفئويّة الضيّقة أو التصرّف المتهوّر أو التعصّب الأعمى...

 

 

المصادر والمراجع:

- المرسوم رقم 10227 /97 تاريخ 7 أيّار 1997 - مناهج التعليم العام وأهدافها.
- القرار رقم 4/م/ 2013 تاريخ 2 /1/ 2013 (تطبيق مشروع خدمة المجتمع في الثانويّات الرسميّة والخاصة).
- دليل "مشروع خدمة المجتمع" (المنطلقات – الأهداف- التطبيق). منشورات المركز التربوي للبحوث والإنماء- تشرين الثاني 2012.

Learning to care: Dr. Patricia Mihaly Nabti - 2006 (Association for volunteer service).

 

 

 

شعار جمعية فرح العطاءصورة لفريق من الصليب الاحمر وعدد من المتطوعين  في عملية انقاذ بعد إنهيار مبنى في منطقة الاشرفية

 

 

 

 

 

خدمة المجتمع، مشاركة... وانتماء

 اميشال بدر مقرر عام مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية المركز التربوي للبحوث والانماءشتهر اللبنانيون بقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة في مجالات التعاون والتكافل والتضامن. وكلنا يتذكّر "العونة" حيث كان الأهل والأقارب والجيران يتعاونون للمساعدة في إنجاز عمل ما أو مهمة معيّنة يحتاجها أحدهم . إلاّ أنّ نمط الحياة المعاصرة ومتطلّباتها أحدث تغييرًا واضحًا في القيم والمعايير وأنواع العلاقات الاجتماعيّة بين اللبنانيين وما يتّصل بها. هذا التغيير يطرح تحدّيًا
لمختلف مكوّنات المجتمع وهيئاته ومؤسّساته بما فيها التربويّة لمواجهة المتغيّرات والتصدّي للمتطلّبات بشكل تشاركي وتعاوني يتلاءم مع طبيعتها، ويحيي قيمًا وعادات متوارثة تشكّل جزءًا مهمًا من هويّتنا وثفافتنا الوطنيّة ويعزّز انتماءنا الاجتماعي والوطني والإنساني.

مقدمة

في كنف عائلتنا، المؤسّسة الاجتماعيّة الأولى، تنمو عواطفنا وتتعزّز روابطنا العائليّة. وعلى مدارسنا، بما أنها أيضًا مؤسّسات اجتماعيّة بامتياز، تقع مسؤوليّة كفالة هذه االعواطف ورعايتها وتوجيهها التوجيه العمل تطوعي - مجموعة من شابات الصليب الاحمر اللبناني يقومون بأعمال ترفيهية يدوية للصغار من رسم وتلوينصحيح على المستويات القيميّة والعمليّة، بما يعزّز الروابط الاجتماعيّة والوطنيّة ويحيي قيمًا وعادات اجتماعية مرغوبة. لأنّ تصوّر مدرسة معيّنة بعيدة عن المجتمع الذي أنشأها ورعاها يتنافى مع طبيعة هذه المدرسة ووظيفتها. كما أن عدم الإفادة من طاقات التلامذة الكامنة، وإمكاناتهم التشاركيّة لمواجهة تحدّيِات العصر ومتطلّباته يُبقي شريحة واسعة من المواطنين أي التلامذة، لا مبالية ومغيّبة عن المشاركة والمواجهة والمعالجة.
لذلك لا بدّ من تظهير دور المدرسة، كمؤسّسة اجتماعيّة، في عمليّة إعداد التلميذ للحياة، وإكسابه المعارف والمواقف والمهارات المناسبة، وتفعيل دوره ومساهمته في تعزيز القيم والتفاهمات التي يقوم عليها المجتمع، والتي تسهم في تطوّره وازدهاره، بحيث يتعزّز الرابط بين المدرسة والواقع والتلميذ والمجتمع الذي يعيش فيه.

لتحقيق هذا الغرض لا بدّ من النهوض بنوعيّة التعليم المدرسيّ وربطه بالحياة، وتوجيهه التوجيه الصحيح نحو التطبيق والممارسة العمليّة. بحيث يصبح التعليم المدرسيّ أداة للمشاركة والفعل في الحياة والواقع، ووسيلة فعّالة لتطويرهما. يتم ذلك بإشراك التلامذة في الخدمات المجتمعيّة أو في غيرها من الأنشطة التي تُنَظّم لصالح أفراد المجتمع أو فئاته الأكثر حاجة، لأنّها تشكّل المدخل الصحيح لتعزيز الانتماء الوطني والانخراط الحقيقي والعملي في الحياة العامة. لهذه الغاية أصدر وزير التربية والتعليم العالي بتاريخ 2 / 1 /2013 القرار رقم 4/م/2013 القاضي بـ "تطبيق مشروع خدمة المجتمع" في مرحلة التعليم الثانوي وفي جميع الثانويّات الرسميّة والخاصّة.

ونظرًا إلى أهميّة هذا القرار والفائدة المرجوّة منه، لا بدّ من إيضاح بعض الاشكاليّات المتصلة به ليأتي التطبيق متلائمًا في منطلقاته وأهدافه وغاياته مع المناهج التعليمية والغايات المتوخاة من عمليّتي التعليم والتعلّم، ومن هذه الإشكاليّات:

  1. ما هي خدمة المجتمع وما هو دورها في تحقيق الانخراط   الاجتماعي الصحيح وتعزيزه ؟
  2.  ما مدى ملاءمة المناهج التعليمية المطبّقة لتحقيق الخدمة المجتمعيّة؟
  3. ما هي إيجابيّات الخدمة المجتمعيّة وتأثيراتها في عمليّتي التعليم والتعلّم؟
  4.  ما هي الخطوات المناسبة لتعزيز ثقافة الخدمة وتعميمها على مدارسنا وفي مجتمعنا؟

 

1.  خدمة المجتمع ودورها في تحقيق الانخراط الاجتماعي الصحيح وتعزيزه

 "خدمة المجتمع" هي مظهر متقدّم من مظاهر الانتماء إلى الجماعة والوطن، تتحقّق من خلاله إنسانيّتنا ويتعمّق المعطى المعرفي لدينا ويترسّخ قولاً وفعلاً على مستوى التكافل والتضامن الاجتماعيين، للتخفيف من المعاناة والانحرافات والتشوّهات في المجتمع . كما هي عمل تنموي يقوم به شخص أو مجموعة أشخاص خدمة لمجتمعهم وتلبية لحاجة من حاجاته. ترتكز هذه الخدمة على الخبرات المكتسبة من معارف ومواقف  ومهارات تساعد على فهم أفضل للعلاقات الإنسانيّة والمشاكل التي يواجهها عالمنا المعاصر، والمساهمة في معالجتها، نظرًا لانعكاساتها السلبية على الفرد وعلى المجتمع. ومن هذه المشاكل على سبيل المثال لا الحصر: المشاكل الاجتماعيّة كالفقر والبطالة والأميّة والانحراف والمخدّرات والمشاكل البيئيّة كالتلوّث والتصحّر والمشاكل الصحيّة كالمرض والعجز وغيرها....
على هذا الأساس يطرح مشروع "خدمة المجتمع" عددًا من الاتّجاهات للنّهوض بنوعيّة التّعليم في المدارس، وتوجيه العمليّة التربويّة نحو التطبيق والممارسة الفعليّة لتنمية مهارات التلامذة وقدراتهم على التخطيط والتعاون والتحليل والتطبيق والتقييم...، بحيث تتحقّق عمليّة الربط الصّحيح والبنّاء بين التعليم المدرسي والحياة المجتمعيّة. فيغدو التعليم المدرسي بذلك أداة للفعل في الحياة والواقع ووسيلة فعّالة لتطويرهما، لأن التربية ليست نشاطًا مدرسيّاً ينتهي بانتهاء الحصّة أو الفصل الدراسيين، بل هي نمط حياة تتضافر من خلاله جهود الأهل والمدرسة والمجتمع لتحقيقه وتعزيزه.

2. مدى ملاءمة المناهج التعليمية المطبّقة لتحقيق الخدمة المجتمعيّة
إنّ اعتبار التربية المدرسيّة، تربية تهدف فقط إلى إغناء معارف التلميذ من دون استثمارها في حقل الواقع، يشكّل إجهاضًا لدورالتربية المدرسيّة ووظيفتها، ولا يتلاءم بالتالي مع ما نصّت عليه الأهداف العامة للمناهج الصادرة بالمرسوم رقم 10227/ 97 ، لجهة:

  •  تنمية شخصيّة اللبناني كفرد وكعضو صالح ومنتج في المجتمع.
  •  توعيته على المشاركة في العمل الاجتماعي كحقّ له وواجب عليه تجاه مجتمعه ووطنه.
  •  تكوين شخصيّته الفرديّة وتحقيق ذاته وتحمّل مسؤوليّته والالتزام الأخلاقي والتعامل مع الآخرين بروح المواطنيّة المسؤولة والمشاركة الإنسانيّة.
  •  ممارسة القيم والمبادئ الأخلاقيّة والوطنيّة واحترام الفرد وترسيخ أسس العيش المشترك.

لذلك فإنّ ربط المنهج الدراسيّ وما يتعلّمه التلامذة بالمجتمع الذي يعيشون فيه، يحقّق غايات التربية وأهداف المناهج التعليميّة المطبّقة، ويعزّز قدرات التلامذة وإمكاناتهم بمختلف أبعادها ليسهموا في خدمة مجتمعهم ومحيطهم. فيتمكّن عندها التلامذة من توجيه مختلف المؤثّرات لخدمة مصلحتهم ومصلحة مجتمعهم وبيئتهم في آن. لأنّهم باتوا يتمتّعون بشخصيّة متكاملة لا تأتي من الأفعال إلاّ ما يتّفق مع وعيهم لشخصيّتهم بمختلف مقوّماتها وأبعادها ولدورهم المسؤول في بيئتهم ومجتمعهم. لأنّ ما ينقادون إليه لم يعد غرائز وميولاً ضارّة بالفرد والمجتمع بل غرائز مضبوطة تحتكم إلى العقل المدرك، وتتوخّى صالح الفرد والمجتمع بعيدًا عن الأنويّة الضيّقة والفرديّة.
لتحقيق أهداف التربية والغايات المشار إليها أعلاه، تضمّنت المناهج التعليميّة الصادرة بالمرسوم رقم 10227/ 97 وتفاصيلها الصادرة بتعاميم عن وزير التربية والتعليم العالي، عددًا من المواضيع والأنشطة الإثرائيّة المتّصلة بمحتوى هذه المناهج، وقد شملت مختلف نواحي الحياة الاجتماعيّة والمدنيّة والوطنيّة والإنسانيّة، ليستثمرها الأساتذة في العمليّة التعليميّة. فعلى المدرسة وأساتذتها تقع مسؤوليّة تزويد التلامذة بالمعارف والمعلومات الضروريّة المتّصلة بمواضيع هذه الأنشطة مع إمكانيّة تطويرها أو تعديلها بما يلائم بيئة التلامذة وواقعهم والأهداف المتوخاة من المناهج، مع التنبّه الى ضرورة عدم الفصل بين البعدين المعرفي-النظري من جهة، والسّلوكي-التطبيقي من جهة أخرى لما لذلك من سلبيّات. فتثقيف الإنسان في عقله من دون أخلاقه وسلوكيّاته أو بالعكس، يشكّل تهديدًا خطيرًا للمجتمع. فبدون البُعد المعرفي يصبح السلوك أساسًا لفرض السيطرة  الاجتماعيّة، ويكون السّلوك حينها مفتقرًا إلى الوعي والموضوعيّة، ومبنيّاً على الجهل والسطحيّة في المعالجة. إلا أنّ الاهتمام بالنشاط التطبيقي لا يعني مطلقا إغفال البُعد المعرفي، لأنّ تنفيذ الأنشطة بشكل صحيح ومتكامل يتطلّب كمّاً من المعارف وعددًا من المواقف والسلوكيّات المرتبطة بالنشاط ومحتواه تحقيقًا لأغراضه. بذلك نكون قد حقّقنا الملاءمة الدقيقة بين أهداف المناهج والغايات المتوخّاة منها في خلال عمليّة التطبيق، وشكّل المجتمع المجال الحيويّ المناسب لتنفيذها ولتنمية مهارات التلامذة ومنها: مهارات التواصل والتعاون البنّاء بين مختلف فئات المجتمع بعيدًا عن الفئويّة والنزاعات والمشاكل.
صورة تحذير من المخدرات - الامانة العامة للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات

3. إيجابيّات الخدمة المجتمعيّة وتأثيراتها في عمليّتي التعليم والتعلّم

دلّت الدّراسات التي أجريت في الدول التي سبقتنا إلى تطبيق "خدمة المجتمع" على أنّ مردود تعلّم الخدمة المجتمعيّة وتطبيقاتها كان إيجابيّاً على التعليم وعلى التعلّم في آن، وحقّقت محوريّة التلميذ في العمليّة التعليميّة-التعلميّة، وأسهمت في:

  • ترسيخ المعارف والحقائق التي يجب على التلامذة التعرّف إليها واكتسابها.
  • تقوية الاتّجاهات الإيجابيّة لديهم نحو حبّ العمل ومساعدة الغير والتعامل الواعي مع الآخرين واحترام حقوقهم وحريّاتهم وخصوصيّاتهم.
  •  تعزيز قناعاتهم بضرورة احترام القوانين والأنظمة والعادات والتقاليد والالتزام بها.
  •  تعزيز مهارات التعاون وحلّ المشاكل وتعلّم أسس التفكير السّليم في التعامل مع مختلف شؤون الحياة ومستجدّاتها.
  •  تطبيق المعارف والمواقف والمهارات على الواقع والمساهمة في خدمة مجتمعهم وفاقًا لقدراتهم وميولهم وخبراتهم.
  • كما شكّلت "خدمة المجتمع" مجالاً عمليّاً وملائمًا لتوعية التلامذة على حقيقة الحياة المعيشة وفهمها والمشاركة في تطويرها بمختلف عناوينها والتفاصيل داخل المدرسة وخارجها، وتطوير مهاراتهم المتّصلة بالخدمة الاجتماعيّة، وظهر ذلك من خلال:
  •  الإقبال بحماسة وشغف على التعلّمُ.
  •  الإلمام بالمهارات الأكاديميّة ومهارات الفكر النقدي التي نصّت عليها المناهج التعليميّة المطبّقة.
  •  تحسّس مسؤولياتهم الاجتماعيّة والوطنيّة.
  •  التمكّن من حلّ المشاكل مع النظراء والمشاكل بوجه عام على قاعدة قانونيّة وأخلاقيّة واعية وملتزمة.
  • التعاطف مع الآخرين من أبناء بيئتهم ومجتمعهم ووطنهم على خلفيّة مواطنيّة وإنسانيّة صحيحة ومسؤولة.
  •  تقبّل الآخرين والسّعي إلى التواصل معهم واحترام آرائهم على خلفيّة حق كل فرد في التفكير والتعبير وممارسة حريّاته الشخصيّة والاجتماعيّة والمدنيّة في نطاق القانون.


4. الخطوات المناسبة لتعزيز ثقافة الخدمة وتعميمها على مدارسنا وفي مجتمعنا
إنّ التربية التي لا تتضافر لتحقيقها جهود الأهل والمدرسة والمجتمع تبقى تربية ناقصة وغير مكتملة. فخدمة المجتمع وتنميته مسؤوليّة مشتركة بين مكوّنات المجتمع اللبناني وأطيافه على تنوّعها. وبما أنّ المجتمع، كتجمّع بشري، تحكمه عادات وتقاليد ونُظم مشتركة وقدر كبير من العلاقات المتبادلة، فإنّ مجالات الخدمة والمشاريع المرتبطة بها يجب أن تراعي العادات والتقاليد والقيَم التي تحكم المجتمع اللبناني بما يتلاءم مع خصوصيته وحاجاته، والظروف المحيطة به كالفقر والثّراء، العلم والثقافة، العدل والظلم...
ولكي تكون الخدمة الاجتماعيّة مناسِبة وفاعلة يجب أن تحكمها شروط عدة منها:
متطوّعو جمعية فرح العطاء في زيارة أحد السجون

أ- في اختيار المشاريع
خدمة المجتمع هي عمل تنموي، له متطلّباته ومستلزماته البشريّة والماديّة واللوجستيّة، لذلك يجب أن تكون المشاريع المتّصلة بالخدمة:

  •  مختارة بحريّة من قبل التلامذة وبإشراف أساتذتهم، من دون أيّ نوع من الإكراه أو الإلزام.
  •  هادفة وواقعيّة، مستوحاة من الأهداف العامة للمناهج، وتحاكي حاجات المجتمع ومتطلّباته.
  •  لا تتجاوز قدرات القيّمين على تنفيذها، ماديًاّ وعمليّاً.
  •  مبرمجة، واضحة وهادفة تأخذ في الاعتبار الواقع والحاجات والقدرات والإمكانات على تنوّعها.

ب- في البيئة المدرسيّة
تشكّل البيئة المدرسيّة المتعاونة حاضنًا مناسبًا للخدمة المجتمعيّة ومتطلّباتها. فالإدارة المدرسيّة مسؤولة عن احتضان ومواكبة عمليّة تنفيذ مشاريع الخدمة التي يختارها التلامذة بحريّة وبإشراف أساتذتهم. وتقع على عاتق الاساتذة مسؤوليّة تمكين التلامذة من اتخاذ القرارات البنّاءة والمساعدة على اختيار المشروع وعلى حسن  تطبيقه، لأنّ تمكين التلامذة من اتخاذ القرارات له أهميّته في العمليّة التعليميّة، ويوليها مشروع خدمة المجتمع أهميّة خاصة. فالمشاركة في خدمة المجتمع واتّخاذ القرارات المتّصلة بها تشكّل مشاركة حقيقية في الالتزام المواطني. كما يشكّل التنسيق بين أساتذة مختلف المواد الدراسيّة، معطى مهمّاً من أشكال الاحتضان والرعاية، ويسهم في رفد مشروع الخدمة بالمعارف والمواقف والمهارات المتّصلة به، والمستقاة من مواد دراسيّة عدّة. لأن  المنطلقات المعرفيّة والمستلزمات التطبيقيّة لمشاريع خدمة المجتمع ليست حصريّة بمادة دراسيّة من دون أخرى، بل تتناول مواضيع متعدّدة تتغذى من مضامين مختلف المواد وفاقًا لطبيعتها وخصوصيّتها.


ج- في الجهات والهيئات الداعمة لتنفيذ المشاريع
سبقت الإشارة إلى أنّ تصوّر مدرسة معيّنة بعيدة عن المجتمع الذي أنشأها ورعاها يتنافى مع طبيعة تلك المدرسة ووظيفتها. لذلك لا بدّ من إشراك لجان الأهل وهيئات المجتمع المدني والأهلي لرفد المشاريع بالدعم المناسب معنويّاً وماديّاً وعمليّاً. على أن يكون الدعم مراعيًا لطبيعة المشروع ومتطلّباته، غير مشروط ولا تحكمه إلا المصلحة العامّة وخير التلامذة والخير العام ، بعيدًا عن أيّ استئثار أو تبعيّة أو ارتهان. بذلك تتعزّز خدمة المجتمع وتصبح ثقافة مدرسيّة ومجتمعيّة في آن، بحيث يشعر كلّ فرد من خلالها أنّه مشارك فيها ومسهم في تحقيقها على أسس تعاونيّة تكامليّة لا تستثني إلا من استثنى نفسه سواء أكان فردًا أم جهة أم جماعة.


5. في إيجابيّات الخدمة على التلامذة بوجه عام

أ- إنّ التخوّف من أن تشكّل الأنشطة والمشاريع التطبيقيّة في مجال خدمة المجتمع عبئاً مضافًا الى العبء الواقع أصلاً بفعل كثافة محتوى المناهج وقلّة عدد حصص التّدريس الفعليّة هو تخوّف في غير محلّه. فقد دلّت الدّراسات التي قام بها من سبقنا إلى اعتماد هذا المشروع وتطبيقه، أنّ التلامذة المنخرطين في مجال الخدمة الاجتماعيّة كانوا الأكثر تفوّقًا في مدارسهم والأكثر إقبالاً على المدرسة وعلى التعلّم، لأن التعلّم عبر الخدمة يكمل عمليّتي التعليم والتعلّم المدرسيتين ويعزّزهما ولا يحل محلّهما أو يلغيهما.

ب- تمكِّن خدمة المجتمع التلامذة من إدراك ما يحيط بهم والتبصّر بمشاكل مجتمعهم وقضاياه، ووعي دورهم ومسؤوليّتهم في المساهمة بحلّها على أسس منطلقها العقل المدرك والالتزام الواعي. كما أنها تعطي التربية المدرسيّة معناها الحقيقي والواقعي، لأنّها تشكّل المدخل الصحيح الذي تتعزّز من خلاله إنسانيّتنا ويتثبّت انتماؤنا ومشاركتنا في إنماء مجتمعنا فعلاً لا قولاً، وتنجح المدرسة من خلالها في مدّ المجتمع بأشخاص قادرين على النهوض بمجتمعاتهم، لأنّهم باتوا يتمتّعون بخبرات تمثّلوها وتشكّل جزءًا من شخصياتهم المبنيّة على الأخلاق والمُثل العليا والمشاركة الاجتماعيّة والمدنيّة الصحيحة والواعية، مدركين أهميّة استثمار ما تعلّموه وتوظيفه في حياتهم اليومية، مواقف وسلوكيات مسؤولة بعيدًا عن أيّة عصبية ضيّقة أو تزمّت متهوّر. بذلك يتحقّق دور التربية في إعداد التلامذة للحياة، ويعي هؤلاء أنّ انتماءهم الوطني والإنساني لا يكتمل إلا من خلال اتّصالهم بالآخرين الّذين يتشكّل منهم الوطن.... عندها يستحقون صفة "مواطن" فالمواطن الصّالح هو المواطن الذي يرى أفعاله تتّصل بالإنسانيّة بمعناها الشامل بعيدًا عن الانعزاليّة والفئويّة الضيّقة أو التصرّف المتهوّر أو التعصّب الأعمى...

 

 

المصادر والمراجع:

- المرسوم رقم 10227 /97 تاريخ 7 أيّار 1997 - مناهج التعليم العام وأهدافها.
- القرار رقم 4/م/ 2013 تاريخ 2 /1/ 2013 (تطبيق مشروع خدمة المجتمع في الثانويّات الرسميّة والخاصة).
- دليل "مشروع خدمة المجتمع" (المنطلقات – الأهداف- التطبيق). منشورات المركز التربوي للبحوث والإنماء- تشرين الثاني 2012.

Learning to care: Dr. Patricia Mihaly Nabti - 2006 (Association for volunteer service).

 

 

 

شعار جمعية فرح العطاءصورة لفريق من الصليب الاحمر وعدد من المتطوعين  في عملية انقاذ بعد إنهيار مبنى في منطقة الاشرفية