التقدم التكنولوجيى والتعليم آفاق وتحولات
التقدّمُ التكنولوجي والتعليم
آفاقٌ وتحوُّلات
يستمرُّ السعي إلى تحقيق أهداف المناهج التعليمية، وتبذل الجهود لتطبيق طرائق التعليم الحديثة وتفعيلها من جهة، وتأمين التجهيزات والوسائل والأدوات التربوية اللازمة والتدريب على كيفية استخدامها من جهة أخرى. وقد تطوَّرت هذه الوسائل وتنوَّعت عبر العصور، كما مرَّت بمنعطفاتٍ مهمة كظهور الأبجدية والطباعة واستخدام اللوح الأسود.
إلا أن التطوُّر جرى بسرعة مدهشة في العقود الثلاثة الأخيرة وأحدث الإنترنت تحوُّلات جذرية في العملية التعليمية/التعلّمُية وفَتَح آفاقًا مستقبلية جديدة، وذلك نظرًا لغزارة المعارف والمعلومات التي يوفّرها وشموليّتها والتي أصبح الحصول عليها ميسَّرًا وسريعًا لدى كل مستخدمي الكومبيوتر، ما غيّرَ وبدّل تبديلاً جذريًا في معادلات التواصل حيث اضطرَّ راسِمي السياسات التربوية إلى إيلاء تطوير المناهج التعلمية اهتمامًا كبيرًا، كما هو حاصل في المركز التربوي للبحوث والإنماء للخروج من دائرة الوسائل التقليدية إلى استخدام فعّال للوسائل والتقنيات الحديثة.
إن أحد أبرز أهداف التربية الحديثة هو بناء الحياة الاجتماعية والاقتصادية من خلال مساعدة التلامذة على أن يصبحوا أعضاء فاعلين وعاملين، قادرين على تنمية مجتمعهم المتغيّرِ بسرعة فائقة، باعتبار أن النظام الاقتصادي المعاصِر، نظامٌ معقّّد، يتطلّبَ مهارات جديدة ما يجعل التربية مُلزَمَة بالتكيّفُ وفاقًا للتغيير والتطوُّر التكنولوجي الذي يؤثر في الإنتاج كما في الاستهلاك.
وإننا إذ نعتبر أن العلاقة بين التربية والتقدّمُ العلميّ والتكنولوجي علاقة تكامل وتفاعل، نسعى إلى إدخال المناهج وطرائق التدريس في طور الحداثة من خلال التطوير الدائم والتجدّدُ المستمر، والتعديل والتقويم وفاقًا لمتطلبات العصر، على قاعدة الأخذ بالاعتبار أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكنها أن تكون رافعةً للتربية والتعليم. فاستخدام الوسائل والتقنيات الحديثة يساعد المعلّم/ة على الابتعاد عن أسلوب المحاضرة والتلقين ويسمح بتوجيه التلامذة نحو أسلوب البحث العلميّ أو الأدبي بحيث يصبحون قادرين على الاكتشاف والابتكار والاستنتاج وعلى بناء المعرفة بأنفسهم.
ولكن وبالرغم من أننا من دُعاة التجدّدُ والحداثة نرى أن من واجبنا التنبيه إلى المخاطر التي نتجت من تقدّمُ تقنيات التواصل. فأولادنا غارقون في بحر من المعلومات وهم غالبًا لا يميّزِون المفيد من المضرّ منها، كما أنهم يتعرضون إلى أخطار كبيرة عبرشبكة الإنترنت. ومن واجبنا توعية المعلّمِين/ت والأهل من أجل تدارك تلك المخاطر، واعتماد أسلوب الحوار البنّاء والمجدي مع الأولاد. كما أنه من واجب المشترع وضع القوانين والضوابط والرقابة التي تحدّ من الأضرار التي يمكن أن تنتج من استخدام وسائل الاتصال والتواصل.
كما أننا نذكِّر بأن التقنيات الحديثة لا يمكنها إلا أن تحافظ على المعادلة التربوية القائمة والمعروفة بالمثلّثَ التربوي المتمثّل بالمعلّمِ/ة والمتعلّمِ/ة والمعرفة. فتكنولوجيا التعليم ليست سوى أدوات ووسائل مساندة ولا يمكنها أن تلغي دور المعلّمِ/ة ، لا بل أصبحت مهمته أكثر صعوبةً وتعقيدًا فالتكنولوجيا وُجِدَت لخدمة الإنسان ولا يجوز أن ننسى بأن وراء كل آلةٍ ذكية إنسانٌ ذكيّ.
وبالرغم من الصعوبات والعقبات التي تعترضنا فإننا واثقون من أن مسيرتنا التربوية نحو الحداثة تتقدّمَ بخطىً ثابتة وواثقة من دون أن ننسى الماضي التربوي الذاخر بالنجاحات والإنجازات والعطاءات. فنتطلّعَ بأملٍ ورجاء كبيرين نحو المستقبل انطلاقًا من خبرات الذين سبقونا مع تأكيدنا على أن الإبداع في التعليم يرتكز على إقامة التوازن بين أصالة الماضي وابتكارات الحاضر. وما صدور هذا العدد من "المجلة التربوية" سوى دليلٍ واضحٍ على أهمية الخطوات التي أحرزها المدرّبون والمعلّمِون على صعيد استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في خدمة التعليم.