لُغَتُنا العربيّة يُسر لا عُسر
إن مشكلة القواعد ليست طارئة ولا خاصة بعصر أو جيل أو فئة من المعنيين بالأمر من دون سواها، بل هي عميقة وشاملة لمختلف العصور والفئات والمستويات.
أنين لغتنا الأم .... متى ينقلب الى ابتسامة وسرور ؟
"لغتنا العربيّة يسر لا عسر", لكنّ الواقع يُظهر أنَها تدرّس تدريسًا معقّدًا ولا سيّما دروس القواعد. إنّ دراسة القواعد أمر واجب لحفظ لساننا وقلمنا من الخطأ، ولكن ليس علينا أن نرهق التلامذة بها ونهتمّ بتفاصيلها ظنًّا منّا أنّها الوسيلة النّاجحة الّتي تؤدّي إلى تمكينهم من لغتهم وقدرتهم على إجادة التّعبير والبيان. فقد ثبت أنَّ الإجادة في التّعبير لا تتحقّق من قواعد اللّغة واستظهار مسائلها، بدليل أنّ كثيرًا من الأدباء المرموقين قليلو الإلمام بالقواعد، كما أنّ أكثر التّلامذة حفظًا لها يخطئ في كتابته خطأ فادحًا.
فما هي مظاهر ضعف التّلامذة في قواعد اللّغة؟ وما الأسباب في ذلك الضّعف؟ وما الحلول المقترحة لمعالجة هذه المشكلة؟
- مظاهر ضعف التّلامذة في قواعد اللّغة:
- كثرة الأخطاء في التّكلّم ولا سيّما في القراءة والتّعبير الشّفويّ.
- كثرة الأخطاء في الكتابة ولا سيّما في التّحليل والتّعبير الكتابيّ.
- كثرة الإجابات الخاطئة لأسئلة القواعد ولا سيّما أسئلة الإعراب.
- تأفّف التّلامذة في حصص القواعد، وتكرارهم جملة:"لماذا ندرس هذا؟".
هذه المظاهر تتطلّب منّا التّوقّف والبحث عن أسباب الضّعف عند تلامذتنا في قواعد اللّغة العربية.
ب- أسباب ضعف التّلامذة في قواعد اللّغة:
- كثرة القواعد النّحويّة كثرة يضيق بها احتمال التلامذة في مراحل التّعليم العامّ.
- اختيار القواعد الّتي تدرّس للتلامذة انطلاقًا من منطق الكبار وتفكيرهم بحيث تبعد هذه القواعد عن الوظيفة في حياتهم المستقبلية .
- بُعد دراسة القواعد عن النّصوص الأدبيّة، حيث إنّ القواعد لا تزال تدرّس من خلال أمثلة مبتورة، وجمل مفتعلة، وأساليب بعيدة عن الذّوق العربيّ؛ مّا ينفّر المتعلّم من القواعد.
- الاعتماد في دروس القواعد بغالبيتها على الجانب المجرّد من المفاهيم والحقائق والمعلومات.
- عدم تعاون مدرّسي الموادّ الأخرى مع مدرّسي اللّغة العربيّة في مراعاة قواعد اللّغة العربيّة.
- تدريس اللّغة العربيّة بطريقة تقليديّة والابتعاد عن الطّريقة العمليّة في تعليمها وتعلّمها.
ج- الحلول المقترحة:
1- لا بدّ من أن يبدأ بناء منهج النّحو بتحديد أساسيّات المادّة، ثمّ اختيار المواضيع التي تساعد التلميذ على الإسهام في حلّ مشكلات مجتمعه ومواجهة مشكلات حياته الخاصّة وإشباع حاجاته وميوله. ولعلّ هذا من أهمّ الأسس التّربويّة.
ولذا كان علينا أن نختار من القواعد ما له أهمّيّة وظيفيّة وفائدة عمليّة في الكلام، جاعلين من درس القواعد وسيلة محبّبة تعين على سلامة اللّسان والقلم من الخطأ، من دون الإيغال في سرد التّفاصيل النّحوية والشّوارد اللّغويّة وحفظ المصطلحات والصّيغ المحنّطة.
2- ينبغي الاقتصار على الأبواب الّتي لها صلة بصحّة الضّبط، وتأليف الجملة تأليفًا صحيحًا.
3- الاتّجاه في أبواب الصّرف إلى النّاحية العمليّة، ففي دراسة المجرّد والمزيد، على سبيل المثال لا الحصر، يجب أن يُعنى بتدريب التّلامذة على الإفادة من هذا الباب بمعرفة طريقة الكشف عن المفردات اللّغويّة في المعاجم.
4- تدريس القواعد من خلال نصوص حياتيّة أدبيّة أو تواصليّة، والابتعاد عن الشواهد والأمثلة الجافّة.
5- إبتكار أنشطة عمليّة لدروس القواعد، يتفاعل فيها التّلميذ مع دروس اللّغة، وتتحوّل لاحقًا إلى مهارات. فعلى سبيل المثال: في درس فعل الأمر يكون التّلميذ مدرّبًا لفريق كرة القدم، السلة ...، ويطلب إلى اللاّعبين تنفيذ التّعليمات؛ وفي التّعبير عن المشاعر يُستعمل التّعجّب والتّمنّي والتّرجّي...
6- تدريب التلامذة على مهارات اللّغة الأربع (الاستماع والتّحدّث والقراءة والكتابة)؛ ما يعزّز لديهم الإلمام بقواعد اللّغة صرفًا ونحوًا.
7- تطوير المهارات، وهذا يتطلّب تطوير استراتيجيّات التّدريس لدى المعلّمين، وتوظيف التّعلّم الذّاتيّ لدى التلامذة .
8- استخدام الوسائل والتّقنيّات الحديثة في تطوير تعلّم اللّغة العربيّة؛ إذ إنّنا نعيش في عصر أصبح فيه استعمال الوسائل من الأمور الضّروريّة.
9- تشجيع التلامذة على التّحدّث باللّغة الفصحى في مختلف المواقف. وهذا الأمر يتطلّب من المعلّمين التّحدّث بالفصحى في أثناء الحصص الدّراسيّة.
10- إقامة مباريات بين التلامذة (في الشّعر – الخطّ – الإلقاء – الحوار والمحادثة...) ليشعرهم ذلك بحيويّة اللّغة فيتفاعلون معها .
11_ إدخال الموسيقى وتلحين الأبيات الشعرية لأدائها في المناسبات المتنوعة خلال السنة الدراسية (عيد الاستقلال – الميلاد – الفطر – الأضحى – الفصح – العمال – المعلّم – الأم) وغيرها من المناسبات التي تتكرر في حياة التلامذة كل سنة .
12- إبراز جماليات اللّغة الفصحى ومقدرتها التعبيرية عن حاجات العصر الحاضر، لدحض بعض الادعاءات والمزاعم التي تتّهم الفصحى بالقصور .
13- إشراك المثقفين والمفكرين كافة والعلماء في شتى العلوم بوضع ميثاق شرف يتبنى الدفاع عن اللّغة العربية في المجالات كافة، والاهتمام بنشر المواقع الإلكترونية وتعريبها ولغة البرمجة الحاسوبية، ليكون بالإمكان التعامل مع المواقع الإلكترونية باللّغة العربية الفصحى بدءًا بكتابة العنوان الإلكتروني وانتهاء بمحركات البحث الإلكتروني، وتخصيص جائزة مغرية لتوفير محرك بحث عربي يعتمد اللّغة العربية لغة أساسية على غرار المحركات الأجنبية .
14- ربط الناشئة بمصادر معرفية غير تقليدية، تتوافر فيها التقنية الجيدة والإخراج الفني العالي المستوى، ليكون جاذبًا وبديلًا من القنوات الأجنبية، وخصوصًا الأفلام التي تتصل بعالم الترفيه والألعاب الإلكترونية والأفلام التعليمية الهادفة، والتي تحمل مضمونًا ولغة عربية تغرس في نفوس الناشئة إحساسًا متناسقًا حول حقيقة انتماء اللّغة العربية إلى حضارة وارفة لها جذورها التراثية وامتداداتها المعاصرة كذلك.
15- تقديم الكتب التراثية بلغة مبّسطة، وبالاعتماد على التقنيات الحديثة .
16- الاهتمام بالأطفال اهتمام من يحرص على المستقبل. لذا يجب إعداد خطة عمل طموحة وجريئة، تستهدفهم بمجموعة أنشطة، وليكن ذلك مثلًا أثناء العطل الصيفية من خلال المخيمات. وليكن كذلك للّغة العربية مكان في تلك الأنشطة، التي تهدف إلى رفع مكانتها في نفس الطفل وتجعله يقبل عليها بشغف، وتوظّف حبّه للموسيقى والغناء والأناشيد من أجل تحقيق هذا الغرض.
اللّغة العربيّة عنوان وجودنا وحضارتنا ومنبع فكرنا وأداة تفكيرنا، وهي كائن حيّ تحيا بجهود النّاطقين بها، وباستعمالها استعمالاً سليمًا. اللّغة العربيّة هويّتنا؛ ومسؤوليّتنا كبيرة تجاه هذه الهويّة؛ ألا تضافرت الجهود لكسر الجمود في تعليمها! ألا تضافرت الجهود لتدريسها بحيويّة!